ودخلت فوزية وسبقته إلى حجرة المكتب.
وأحس باطمئنان أبدي حين احتوتها الشقة، وهبط الخوف الذي كان يملأ صدره ولا يدعه يستريح؛ الخوف من أنها لا تجيء، أو إذا جاءت يحدث حادث مثلا ولا تدخل الشقة، أو يكون وراءها عمل آخر فتأتي لتعتذر، أو يقبض عليه قبل حضورها.
وقام الأستاذ بدير يرحب بها في ضجة، ومع أنها كانت قد اختارت أن تجلس على كرسي إلا أنه ألح عليها بإمعان أن تجلس على الفوتيل ولم يتركها إلا بعد أن نفذت إلحاحه، وانطلق إلى المطبخ وعاد بعد ثانية بزجاجة عصير فواكه مثلجة وقدمها وهو يعتذر بأن الزجاجة مش قد المقام.
وبعد ما انتهت ضجة الترحيب سكت الثلاثة ؛ سكت حمزة لأنه كان يتأمل فوزية ولا يحس بأدنى رغبة في الكلام، وسكتت فوزية لأن كلامها كان يحتم انفرادها بحمزة، وكان يبدو على بدير أنه أضيق الثلاثة بالصمت وأنه يود فتح أي باب للحديث ويود إطالة الجلوس.
غير أن الباب ظل مغلقا لا يكاد يجسر أحد على فتحه، ولم يجد بدير فائدة فخبط على فخذيه وهو يقول: طيب، هه، أسيبكو بقى للدروس وأقوم أنا.
ومع هذا لم يقم وكأنه ينتظر أن يشفق عليه أحدهما ويستبقيه، غير أن واحدا منهما لم يقل حرفا.
واعتدل بدير في تراخ وترك الحجرة، وظل يروح ويغدو في الشقة ويغني أحيانا ويدخل عليهما الحجرة ويبحث في أدراج المكتب عن أشياء ولا يجد هذه الأشياء، وهكذا كله يحدث وحمزة وفوزية لا ينطقان بحرف، حتى إذا ما قال بدير أخيرا وقد فتح الباب الخارجي وأمسكه بيده: هه، أوروفوار بقى.
قال الاثنان: أوروفوار.
واستعادت فوزية نشاطها المتيقظ ولمعة عينيها والتفتت إلى حمزة قائلة: الهدوم أهه، وآدي الورق، والباقي مكنشي فيه حاجة مهمة، وآدي وصل الجواب المسوجر، والنمرة مردتش. - نمرة ايه؟ - ألله! أنت نسيت؟ - لا أنسى ازاي، مردتش؟ انتي عارفة معنى كده إيه؟ - إيه؟ - إني خلاص فقدت آخر صلة لي باللجنة، والله كل ما تلقي نفسك فاضية اضربيها يمكن ترد، يمكن يرجع. - فيه حاجة تانية؟ - لأ.
ووجد شيئا يدفعه إلى أن يضيف: أهو دلوقتي اتعزلنا احنا الاتنين، يعني كأنني «في جزيرة معك».
Shafi da ba'a sani ba