إهداء
مقدمة
القسم الأول: الدراسة
رسالة القباني المسرحية بين النظرية والتطبيق
القسم الثاني: التوثيق
التوثيق
القسم الثالث: النصوص
رواية هارون الرشيدي مع أنس الجليس
رواية عنتر ابن شداد
رواية ناكر الجميل
رواية الأمير محمود نجل شاه العجم
رواية لباب الغرام أو الملك متريدات
رواية هارون الرشيد مع الأمير غانم بن أيوب وقوت القلوب
رواية عفيفة
مضحكات شعرية ونثرية
ملحق
إهداء
مقدمة
القسم الأول: الدراسة
رسالة القباني المسرحية بين النظرية والتطبيق
القسم الثاني: التوثيق
التوثيق
القسم الثالث: النصوص
رواية هارون الرشيدي مع أنس الجليس
رواية عنتر ابن شداد
رواية ناكر الجميل
رواية الأمير محمود نجل شاه العجم
رواية لباب الغرام أو الملك متريدات
رواية هارون الرشيد مع الأمير غانم بن أيوب وقوت القلوب
رواية عفيفة
مضحكات شعرية ونثرية
ملحق
جهود القباني المسرحية في مصر
جهود القباني المسرحية في مصر
تأليف
سيد علي إسماعيل
إهداء
إلى الصديق الحميم، إلى الأديب القدير أحمد حسين الطماوي.
سيد علي إسماعيل
مقدمة
عزيزي القارئ، بين يديك الآن كتاب تضافرت مجموعة من العوامل لإظهاره بالصورة المرضية التي خرج عليها؛ ففي أبريل 2008، في أثناء مهرجان الكويت المسرحي المحلي الثامن، تقابلت مع الزميل العزيز «الدكتور عجاج سليم»، مدير المسارح والموسيقى، مدير مهرجان دمشق المسرحي، وفي أثناء نقاشنا علمت بأن الشقيقة سورية بصدد الاحتفال - في مهرجان دمشق المسرحي القادم، في دورته الرابعة عشرة - بالرائد المسرحي السوري أحمد أبي خليل القباني، ضمن الاحتفال بدمشق عاصمة الثقافة العربية لعام 2008م، وقد دعاني مشكورا للاشتراك في هذا الاحتفال بعمل علمي.
اعتقدت في بادئ الأمر أنني لن أستطيع أن أضيف جديدا إلى حياة القباني ومسرحه، متأثرا بما كتب سابقا عن هذا الرائد بأيدي زملاء أجلاء، فقررت أن أقدم اقتراحا بعمل كتاب توثيقي عن «جهود القباني المسرحية في مصر» من خلال ثلاثة أقسام؛ الأول: دراسة توثيقية تبين دور القباني ومسرحه في مصر، وأثر فنه في إثراء الحركة المسرحية المصرية. الثاني: تجميع معظم ما نشر عن القباني في الصحف المصرية منذ قدومه وحتى احتراق مسرحه، ليكون توثيقا معايشا لنشاط القباني في مصر. الثالث: نشر مجموعة من مسرحيات القباني المطبوعة في مصر منذ عام 1900م، بحيث يكون نشرها بالصورة التراثية نفسها التي طبعت بها أول مرة عن طريق التصوير الإلكتروني بوصفها طبعات نادرة.
كتبت هذا الاقتراح في طلب رسمي، وبعد فترة قصيرة علمت من الزميل الدكتور عجاج سليم بأن «سعادة الأديب وزير الثقافة، الدكتور رياض نعسان أغا» قد وافق على مشروع الكتاب. وشاء القدر أن تأتي هذه الموافقة مع بدء العطلة الصيفية في الجامعات، فنذرت كل وقتي لإنهاء الكتاب قبل موعد الاحتفال بوقت يسمح بطباعته؛ حيث خصصت أكثر من عشر ساعات يوميا للعمل الدءوب، بين الكتابة التوثيقية الخاصة بالقسم الأول، والاطلاع على الصحف المصرية الخاصة بالقسم الثاني، وتصوير النصوص الخاصة بالقسم الأخير إلكترونيا.
أنهيت الكتاب بالصورة التي جاءت في الاقتراح قبل انتهاء العطلة بوقت قصير، وقبل أسبوع من تسليمه التقيت بالزميل الكريم «الأديب أحمد حسين الطماوي»، ودار نقاش علمي بيننا حول هذا الكتاب بعد اطلاعه - من خلال النقاش الشفهي - على فحواه، وباعتباره القارئ الأول لجميع كتاباتي منذ عام 1995م، وجدته يعلق على فكرة كتاب القباني وفحواه ببيت المتنبي الشهير:
ولم أر في عيوب الناس عيبا
كنقص القادرين على التمام
انتهى اللقاء بيننا، وظل معنى بيت المتنبي يطاردني ليل نهار طوال أسبوع كامل! وأخذت أسأل نفسي: ماذا في الكتاب من نقص أنا قادر على إتمامه؟ حاولت معرفة الإجابة؛ فأعدت قراءة الكتاب مرة أخرى، فوجدت القسمين الثاني والثالث لا غبار عليهما توثيقيا. إذن فالقسم الأول هو المقصود! وعندما أعدت قراءته بصورة دقيقة متأنية أيقنت بأنني كتبته تاريخيا توثيقيا، وليس نقديا تحليليا! والسر في ذلك اعتقادي الأول، بأنني لن أستطيع إضافة الجديد إلى حياة القباني ومسرحه؛ بسبب الكتابات التي كتبت عنه سابقا.
قررت أن أعيد كتابة هذا القسم بصورة نقدية تحليلية، معتمدا فيه نصوص القباني المسرحية وأقوال الصحف المصرية المعاصرة لنشاطه المسرحي، مبتعدا عن تأثير ما كتب عن القباني سابقا، إلا في أضيق الحدود، متخذا خطا نقديا فكريا ثابتا، اعتبرته منهجا للدراسة، استخلصته من تحليل نصوص كتابات القباني المسرحية، وتاريخ نشاطه المسرحي، وحددته في عنوان دراسة هذا القسم «رسالة القباني المسرحية بين النظرية والتطبيق».
خرجت من هذه الدراسة - بعد كتابتها بالنقد التحليلي - بنتائج لم أتصور الخروج بها عن حياة القباني ومسرحه! فهذه النتائج أضافت جديدا إلى حياة القباني ومسرحه، وأوضحت فكرا لم يكن معروفا، وبينت حقائق كانت مجهولة، وأثبتت موقفا كان مطموسا، وخرجت برسالة كانت مقبورة، وأشارت إلى منهج لم يكن منظورا، وحققت هدفا كان مدفونا ...! وحتى أجمع بين عنصري النقد التحليلي والتوثيقي، جعلت عنوان الدراسة هو أساس النقد التحليلي لفكر القباني المسرحي في مصر من خلال نصوصه المسرحية. أما العناوين الجانبية فهي تشير إلى مراحل التوثيق التاريخي لنشاط القباني المسرحي في مصر، من خلال ما نشر عنه في الصحف المصرية.
أما القسم الثاني من هذا الكتاب فيشتمل على الجانب التوثيقي الجامع لمعظم المقالات والأقوال والإعلانات التي نشرتها الصحف المصرية عن نشاط القباني المسرحي، منذ قدومه إلى الإسكندرية يوم 23 / 6 / 1884، وحتى احتراق مسرحه بالقاهرة يوم 18 / 5 / 1900. وهذه الصحف هي: الأخبار، والأهرام، والزمان، والقاهرة، والمؤيد، ومصر، والمقطم. حتى الآن لم أجد من كتب عن القباني معتمدا على هذه الصحف في مجملها؛ مما يعني أن القارئ سيقرأ جديدا عن القباني لم يكن يعرفه، أو سيرى فيها ما لم أره في دراستي عن حياة القباني ومسرحه.
ومن الجدير بالذكر في هذا المقام، أن توثيق نشاط القباني المسرحي بهذا الأسلوب سبقني إليه المركز القومي للمسرح والموسيقى في مصر؛ حيث أصدر عدة كتب توثيقية تراثية عن أخبار المسرح في مصر، نشر فيها عن نشاط القباني المسرحي ما يعادل 10٪ من المعلومات التوثيقية التي جمعتها في هذا الكتاب، كما أود الإشارة إلى أن ما جمعته من أخبار توثيقية من الصعب الرجوع إليها في أصلها المنشور في الصحف المصرية بقسم الدوريات بدار الكتاب المصرية؛ لأن هذا الجمع قمت به منذ عام 1996م في أثناء عملي في كتابي «تاريخ المسرح في مصر في القرن التاسع عشر»، وعندما عدت إلى هذه الصحف - منذ وقت قريب - لإكمال توثيق نشاط القباني فجعت بأن معظم الصحف أصبحت مفقودة، والقليل منها غير صالح للاطلاع عليه؛ لتآكله وتهالكه؛ مما يعني أن الجانب التوثيقي في هذا الكتاب يمثل إنقاذا لتاريخ نشاط القباني المسرحي في مصر!
أما القسم الثالث من هذا الكتاب فهو الأكبر حجما؛ لأنه يشتمل على نصوص القباني المسرحية المطبوعة في مصر، وهي نصوص مختلفة الشكل، متفقة النص، بالمقارنة بنصوص مسرحيات القباني التي نشرها الدكتور محمد يوسف نجم - في بيروت - عام 1963م. وتمثل اختلاف الشكل في أنها منشورة في هذا الكتاب بصورتها التراثية الأصيلة التي ظهرت به ابتداء من عام 1900م. ولندرة هذه النصوص قمت بتصويرها إلكترونيا بواسطة الحاسوب، ثم قمت - إلكترونيا بواسطة الحاسوب أيضا - بتنظيف آثار أكثر من مائة سنة أحاطت صفحاتها وسطورها وكلماتها بسواد شديد، فخرجت صفحاتها ناصعة البياض كسيرة صاحبها القباني. •••
كلمة أخيرة أوجهها إلى الدارسين الباحثين ممن يرغبون في الكتابة عن حياة القباني ومسرحه فيما بعد، أقول لهم: إذا كان كتابي هذا قد تطرق إلى جهود القباني المسرحية في مصر؛ فإن جهودا مسرحية للقباني في سورية ما زالت مجهولة، والمعروف عن هذه الجهود حتى الآن يحتاج إلى تدقيق توثيقي، وتحليل نقدي. والأمل معقود عليهم في اكتشاف المجهول وتهذيب المعروف!
فمن غير المعقول أن نقرأ في الكتابات المنشورة عن القباني - بوصفه الرائد المسرحي السوري الأول - ستة تواريخ لميلاده، وتاريخين لوفاته! أو نقرأ لأحد الباحثين عن موهبته المسرحية أنها بدأت عندما شاهد عرضا لفرقة فرنسية في مدرسة العزارية، وعند باحث آخر أنه شاهد عدة مسرحيات مدرسية، وعند باحث ثالث أنه شاهد مسرحيات مارون النقاش، وعند رابع أنه شاهد مسرحية «إسكندر المقدوني» للشيخ إبراهيم الأحدب، وعند خامس أنه شاهد عروضا لخيال الظل!
حتى إن بداية نشاطه المسرحي في سورية اختلف حولها الباحثون؛ فقد وجدنا خمسة تواريخ لهذه البداية: أولها عام 1865م، وآخرها عام 1878م، وهذا الاختلاف لم تسلم منه مسرحيته الأولى في سورية؛ فمنهم من قال إنها «ناكر الجميل»، والثاني يقول إنها «الشاه محمود»، والثالث يزعم أنها «الشيخ وضاح»، والأخير يؤكد أنها «عائدة»!
وهذه الاختلافات حول هذا الرائد المسرحي الفذ طالت أيضا سبب منعه من التمثيل في سورية، فبعض الباحثين أكدوا أن سبب المنع صدور فرمان سلطاني بذلك، والبعض الآخر يقول: إن الوالي العثماني في دمشق هو صاحب هذا الأمر! ووصل اختلاف الباحثين إلى مداه عندما اختلفوا حول سبب قدومه إلى مصر. فأحدهم يقول: إن سعد الله حلابو هو الذي شجعه على القدوم، والثاني يقول: إن هذا التشجيع تلقاه من المطرب عبده الحمولي، ثم يقول الثالث: إن القباني كان مسافرا إلى معرض شيكاغو، فرست الباخرة في الإسكندرية فمكث بها.
هذه الاختلافات الجوهرية في حياة القباني ونشاطه المسرحي في سورية لا تليق بهذا الرائد المسرحي السوري الأول، وتفرض على الباحثين - في سورية الشقيقة أولا - واجبا قوميا وأدبيا وفنيا؛ حتى يستقيم تاريخ هذا الرائد، لا سيما أن مفاتيح بحثية ظهرت في هذا الكتاب يمكن الاسترشاد بها، وعدها بداية للبحث والتنقيب.
منها على سبيل المثال: بداية النشاط المسرحي في الإسكندرية؛ حيث عرض في الأسبوع الأول ست مسرحيات لاقت نجاحا كبيرا في هذا النشاط - بهذا الزخم الفني - يثبت أن القباني كان مستعدا استعدادا كبيرا في سورية، قبل قدومه إلى الإسكندرية! فأين استعد القباني بهذا الشكل الفني؟ وأين أقام تدريباته؟ وكيف جمع أعضاء فرقته؟ وهو ممنوع من التمثيل في سورية؟! ألا يثير هذا السؤال احتمالا يقول: إن أياما معدودة كانت فاصلة بين منع القباني من التمثيل في سورية وقدومه إلى مصر، وأن فرقته - الممنوع تمثيلها - في سورية هي نفسها الفرقة التي جاءت إلى مصر عام 1884م، وأن المسرحيات الست التي عرضت في الأسبوع الأول في مصر هي آخر مسرحيات عرضتها فرقته في سورية.
مثال آخر يتعلق بأسلوب اتبعه القباني طوال نشاطه المسرحي في مصر، وهو تجديد فرقته بصورة مستمرة كلما زار سورية ومكث بها بعض الوقت، وهذا التجديد تحدد في وجود ممثلين جدد من الجنسين، والسؤال الذي يطرح نفسه: من أين للقباني بممثلين محترفين سوريين على الرغم من منع التمثيل في سورية؟! وإذا كان الممثلون مبتدئين أو هواة، فأين كان يدربهم أو يعلمهم في سورية الممنوع فيها التمثيل؟! وهذا السؤال يدفعنا للقول باحتمال أن القباني كان يمارس النشاط المسرحي في سورية كلما زارها، خصوصا وأن فترات زياراته هذه وصلت إلى سنتين تارة وأربع سنوات تارة أخرى! فهل يعقل أن القباني بوصفه رائدا مسرحيا يظل في سورية هذه السنوات من غير ممارسة التمثيل؟!
مثال أخير: كتب خير الدين الزركلي في كتابه «الأعلام» ترجمة للقباني، أشار فيها إلى أن القباني كتب مذكراته قبل وفاته، وهي مذكرات مخطوطة! وفي هامش الترجمة قال: «استفدت مادة الترجمة من زهير القباني.» والسؤال الآن: أين هذه المخطوطات؟ وماذا كان مصيرها؟! وليتخيل معي القارئ قيمة هذه المخطوطات إذا ظهرت! من المؤكد أننا سنجد فيها حقائق تاريخية لم نكتبها، وشهادات فنية لم نعلمها، ونصوصا أدبية لم نقرأها، وحياة مسرحية لم نعشها، وأسرارا خفية لم نعرفها، وخواطر فنان لم نعهدها، وألحانا لم نتذوقها، وأغاني لم نسمعها ... إنها مذكرات نتمنى رؤيتها! (والله ولي التوفيق)
دكتور سيد علي إسماعيل
القاهرة، الدوحة: 18 / 10 / 2008
القسم الأول
الدراسة
رسالة القباني المسرحية بين النظرية والتطبيق
مدخل
بعيدا عن مظاهر التمثيل - في مصر - من: خيال الظل، والقراقوز، وصندوق الدنيا ... إلخ هذه الفنون الشعبية التي عملت على تسلية الجمهور وإسعاده؛ بعيدا عن كل هذا نستطيع القول - كما هو معروف - إن مصر عرفت العروض المسرحية في شكلها الغربي الحديث عن طريق الحملة الفرنسية - عام 1799م بقيادة نابليون بونابرت - التي شيدت - في منطقة الأزبكية - أول مسرح عرف في تلك المدة، وهو مسرح الجمهورية والفنون،
1
الذي أشار إلى نشاطه الفني المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي في تاريخه الشهير.
2
وهذا المسرح كانت رسالته الفنية قصيرة الفترة، وقاصرة على تسلية جنود الحملة من خلال عروض مسرحيات فرنسية.
مسرح الحملة هذا دفع الجاليات الأجنبية - فيما بعد - إلى تقليد نشاطه ورسالته، باستقدام بعض الفرق المسرحية الأجنبية - بصورة غير منتظمة - لتسلية المقيمين الأجانب في احتفالاتهم المتنوعة، بعروض مسرحية أجنبية، وهذا الأمر أصبح منتظما - بعض الشيء - منذ عام 1868م، عندما شيد الخديوي إسماعيل المسرح الكوميدي الفرنسي بالأزبكية،
3
وتمثلت رسالته الفنية في إقامة العروض المسرحية الفرنسية من قبل الفرق الأجنبية، وبعد أقل من عام واحد أصبح النشاط المسرحي منتظما بصورة رسمية بعد بناء دار الأوبرا الخديوية وافتتاحها عام 1869م،
4
ورسالة هذه الدار الفنية تحددت بإقامة العروض الإيطالية من قبل الفرق الأجنبية أيضا.
واللافت للنظر أن اهتمام الخديوي إسماعيل - بوصفه حاكم البلاد - بالفن المسرحي شجع معاونيه والمقربين منه على إضفاء رؤية أدبية لهذا الفن الجديد الوافد على البيئة المصرية، فبرز من بنيهم رجل التعليم والترجمة في مصر، الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي، ليقدم تجربة فنية فريدة - كانت الأولى من نوعها - عندما عرب مسرحية «هيلانة الجميلة» عن أوبريت أوفنباخ عام 1868م،
5
وهي مسرحية افتتاح مسرح الدولة الرسمي الأول - الكوميدي الفرنسي، وبذلك عرفت مصر رسميا المسرح العربي نصا معربا قبل أن تعرفه عرضا ممثلا.
إشكالية الريادة
وإذا أردنا الولوج إلى العروض المسرحية العربية التي عرفتها مصر لنوثق الريادة المسرحية العربية ونؤرخها في هذا القطر العربي المهم؛ سنقع في إشكالية كبيرة؛ لعدم وجود الدليل القاطع المانع عليها؛ فإشكالية هذه الريادة - رغم ما كتب عنها - لم تحسم حتى الآن؛ لأنها تتمثل في ريادة يعقوب صنوع للمسرح العربي في مصر، تلك الريادة التي لا يخلو من ذكرها - وإلصاقها بصنوع - أي كتاب مسرحي يتحدث عن تاريخ المسرح المصري أو العربي، ناهيك عن الرسائل العلمية والدراسات والأبحاث ... إلخ أكوام الأوراق التي دبجت حول هذه الريادة.
ورغم هذا الكم الهائل من الكتابات حول صنوع وريادته للمسرح العربي في مصر، لم يظفر باحث واحد - حتى الآن - بدليل يؤكد هذه الريادة؛ لأنها ريادة صيغت بيد صاحبها يعقوب صنوع، ولم يقره فيها أي كاتب أو مشاهد أو معاصر له طوال فترة نشاطه المسرحي في مصر - كما زعم في كتاباته - من عام 1870 إلى 1872م.
6
وإذا سلمنا جدلا بأن صنوعا لم يكن رائدا للمسرح العربي في مصر - دافعين الباحثين لشحذ الهمم في الحصول على دليل هذه الريادة - سيطاردنا سؤال يقول: إذن، من هو رائد المسرح العربي في مصر، الذي أقام عروضا مسرحية عربية بصورة منتظمة، لنرفع فوق رأسه تاج الريادة المنزوع مؤقتا من صنوع؟! هذا الرائد من اليسير إيجاده والإشارة إليه وإلى ريادته لو قرأنا كتابات المعاصرين له ممن شاهدوه وعايشوه ورأوا عروضه، أو ممن سمعوا عنه من الثقات، أو من المتخصصين في المسرح وتاريخه، ناهيك عن الاستئناس بكتاباته المنشورة عن هذه الريادة، وهي كتابات لم يردها عليه أي باحث حتى الآن. هذا الرائد هو سليم خليل النقاش اللبناني؛ وإليك الأدلة المنشورة على ريادته:
عندما عزم سليم خليل النقاش الحضور إلى مصر ترجم مسرحية «مي» ونشرها في بيروت عام 1875م، قائلا في مقدمتها: أنه سيخدم الخديوي إسماعيل «بإدخال فن الروايات في اللغة العربية إلى الأقطار المصرية.»
7
ويجب التدقيق هنا في كلمة «إدخال» التي تدل على عدم وجود الشيء من قبل، رغم وجود صنوع في مصر في هذه الفترة. كما أكد سليم النقاش - مرة أخرى - على عمله الريادي هذا ومهمته الفنية الفريدة عندما تحدث عن الخديوي إسماعيل في مقالته بمجلة «الجنان» - أغسطس 1875م - قائلا: «... بلغت فوق ما تمنيت من أفضال جنابه العالي، وأحسن إلي بقبول طلبي، وذلك بأن أدخل فن الروايات باللغة العربية إلى الأقطار المصرية.»
8
وحتى لا نكيل بمكيالين، ونتخذ أقوال سليم النقاش حجة على ريادته، حارمين صنوعا من هذا الحق، سنترك هذه الأقوال - المستأنس بها - ونقرأ ما كتبه أحد المعاصرين من كتاب المسرح المصري، وهو محمود واصف
9
الذي قال عام 1895م: «إن فن التشخيص بلغتنا العربية لم يدخل إلى بلادنا المصرية إلا منذ عهد قريب على يد طيب الذكر سليم أفندي النقاش»،
10
وكذلك قول أحد المسرحيين المؤرخين للمسرح وأعلامه، وهو جورج طنوس،
11
القائل عام 1917م: «ظهر التمثيل العربي في هذه الديار. وكانت نشأته الأولى في الإسكندرية على أيدي الأديبين الشهيرين إسحاق والنقاش.»
12
وربما كان محمد تيمور
13
الكاتب المسرحي الفذ لا يحتاج منا تأكيدا على قيمته المسرحية والأدبية - باعتباره من أوائل الكتاب المسرحيين، وأحد أعلام الأسرة التيمورية المرموقة في مجال الأدب وتاريخه - فهو القائل عام 1919م : «أتانا التمثيل ... وأول من جاءنا به قوم من فضلاء السوريين أمثال النقاش وأديب إسحاق والخياط ... ولقد نجحوا في بناء أساس ذلك الفن نجاحا كبيرا ... وأنشئوا بأيديهم فن التمثيل في مصر.»
14
ولا نستطيع - في هذا المقام - أن نغفل قول خليل مطران عام 1921م: إن «المرحوم سليم النقاش أول من أنشأ فرقة للتمثيل بمصر باتفاق بينه وبين الحكومة»،
15
أو ننحي جانبا شهادة أحمد شفيق باشا عام 1934م عندما قال: «بدأت تفد على مصر بعض الفرق السورية، فكان ذلك منشأ المسرح العربي الأهلي، وأولى هذه الفرق هي فرقة سليم النقاش.»
16
بواكير المسرح الغنائي
ومما سبق يتضح لنا أن فرقة سليم النقاش هي أول فرقة مسرحية عربية تقدم عروضا مسرحية منتظمة باللغة العربية في مصر، منذ قدومها من لبنان إلى الإسكندرية عام 1876م، ومن هذه العروض: أبو الحسن المغفل، والسليط الحسود، ومي وهوراس، وهارون الرشيد، والكذوب، وعائدة. فمن خلال ذلك نستطيع تحديد رسالة سليم النقاش الفنية في مصر بأنها اقتصرت على إدخال المسرح باللغة العربية إلى مصر، من خلال مسرحيات - معظمها مترجم أو معرب - متنوعة الموضوعات.
والملاحظ أن هذه المسرحيات كانت تشتمل قطعا غنائية شاء القدر ألا تمثل مسرحا غنائيا رائدا في مصر؛ لأن سليم النقاش - بواسطة بطرس شلفون - درب ممثليه على تلحين هذه القطع من خلال الأنغام المصرية.
17
ومن المحتمل أن فترة التدريب - ثلاثة أشهر - لم تكن كافية كي يتمكن الممثلون من حفظها بالصورة المصرية، فأسهم هذا التحول الفني المفاجئ في عدم نجاح هذه العروض، وربما لو حافظ سليم على ألحان هذه القطع بالأنغام الشامية - المتمكن منها أعضاء فرقته - لنجحت وأصبحت عروضا مسرحية غنائية رائدة. ونتيجة هذا الإخفاق هجر سليم الفرقة واتجه إلى الصحافة، فتقلد زمام أمورها يوسف الخياط عام 1877م الذي تعثرت عروضه المسرحية - المترجمة أو المعربة - كثيرا بين استمرار وتوقف.
18
وفي الإسكندرية ظهرت فرقة سليمان الحداد
19
لأول مرة عام 1881م، وعرضت عدة مسرحيات على مسرح زيزينيا،
20
منها مسرحية «الغيور».
21
وفي هذه الفترة لاحظ سليمان الحداد شغف أهالي الإسكندرية بغناء ابن مدينتهم الشيخ سلامة حجازي، فلم يقع في خطأ سليم النقاش، ولم يغامر بتدريب ممثليه على الأنغام المصرية، بل فكر في ضم الأنغام المصرية إلى فرقته في صورة الشيخ سلامة حجازي، لا سيما أن الشيخ بدأ يميل نحو التمثيل بسبب مشاهدته لعروض الجاليات الأجنبية في الإسكندرية، فبدأ الحداد يزين التمثيل المسرحي أمام الشيخ سلامة، ويلح عليه إلحاحا شديدا أملا في ضمه إلى فرقته بوصفه مطربا وممثلا، فكان له ما أراد. ووقف الشيخ سلامة ممثلا لأول مرة في مسرحية «مي» التي جسد فيها شخصيتي كورياس والملك، وقد نجح هذا العرض نجاحا كبيرا.
22
ونجاح هذا العرض المسرحي - من وجهة نظري - يعد نجاحا منقوصا؛ لأن العرض نجح لا بوصفه عرضا مسرحيا غنائيا، بل نجح بوصفه غناء ذا خلفية تمثيلية، فالمنطق يقول: إن الجمهور لم يتوافد على العروض لرؤية تمثيل الشيخ سلامة بقدر ما هرول لسماع صوته،
23
والدليل على ذلك أن الشيخ لم يستمر - بعد ذلك - ممثلا في فرقة الحداد، بل استمر مطربا ترتشف من طربه الجماهير، دليلا على عدم نجاح التجربة في ظهور ما يسمى بالمسرح الغنائي واستمراره، وهذا يعني أن ارتباط الشيخ سلامة بمسرح الحداد لم ينتج عنه الفن المسرحي الغنائي المنتظر، ولكنه يعتبر بداية مقبولة لامتزاج هواية التمثيل بالغناء المحترف عند الشيخ سلامة حجازي.
وبعد هذه التجربة بشهور أراد سليمان القرداحي تكرارها عندما كون فرقة مسرحية، نجح في ضم الشيخ سلامة إليها، طمعا في توافد سامعيه من الجمهور المصري، ومثلت الفرقة في القاهرة والإسكندرية، وكان عرضها الأخير - على مسرح زيزينيا - «فرسان العرب» في مايو 1882.
24
ولم نقرأ في الصحف المديح المنتظر عن تجربة القرداحي مع الشيخ سلامة حجازي، مما يوحي بأن هذه التجربة لم تخط الخطوة المرجوة في ظهور المسرح الغنائي واستمراره أيضا؛ لأن القرداحي - ومن قبله الحداد - لم يستحدث مسرحيات عربية تتناسب مع موهبة الشيخ سلامة الغنائية، بل كان يعرض مسرحيات من رصيده الدرامي، المعتمدة على الترجمة والتعريب، فيضطر الشيخ سلامة إما إلى غناء ما في هذه المسرحيات من قصائد مقحمة عليها، أو إلى إدخال فنونه الغنائية الجماهيرية من قصائد وموشحات على تمثيلها، بغض الطرف عن مناسبتها للنص الدرامي أو عدم مناسبتها.
ومن أسباب وأد هذه التجربة أيضا أن عرض مسرحية «فرسان العرب» في مايو 1882م، كان آخر عرض مسرحي في الإسكندرية، وربما في مصر كلها؛ لأن مصر لم تشهد نشاطا مسرحيا بعد ذلك - لمدة عامين - بسبب الثورة العرابية - نسبة إلى أحمد عرابي باشا - وتدمير أجزاء كبيرة من مدينة الإسكندرية تحت وابل قنابل البوارج الإنجليزية التي مهدت احتلال بريطانيا لمصر.
القباني في مصر
ظل أهالي الإسكندرية يعانون - آثار الثورة العرابية واستمرار الاحتلال الإنجليزي - عاملين متتاليين، متشوقين إلى سماع الأغاني ورؤية التمثيل العربي. وكان مقيما بالإسكندرية - في هذه الفترة - سعد الله بك حلابو أحد الأعيان السوريين، فاستطاع بماله ونفوذه - وبمساعدة آخرين - استقدام فرقة مسرحية عربية سورية إلى الإسكندرية
25
في يونيو 1884م، فكان حدثا فريدا استقبلته الصحافة بالابتهاج الكبير، خصوصا جريدة «الأهرام»، وقام صاحباها اللبنانيان - سليم وبشارة تقلا - بالترويج لهذه الفرقة ومدحها منذ وصولها، ربما بدافع الحماسة لفرقة شامية، أو بإيعاز من سعد الله حلابو وغيره من الأعيان، ممن مهدوا لقدوم الفرقة أحسن تمهيد.
بدأت جريدة الأهرام مهمتها يوم 23 / 6 / 1884 حين أعلنت قدوم فرقة سورية يديرها الشيخ أبو خليل القباني الدمشقي، الذي وصفته بالكاتب المشهور والشاعر المفلق. أما فرقته فتتألف من «مهرة الفنانين في ضروب التمثيل وأساليبه، وبينهم زمرة من المنشدين المطربين، تروق لسماعهم الآذان وتنشرح الصدور.» هذا يعني إنها فرقة تدمج الغناء بالتمثيل العربي في نسيج فني واحد من غير إقحام لون في الآخر - كتجربة سلامة حجازي مع الحداد والقرداحي - مما يشير إلى أن هذه الفرقة - ربما - ستقدم مسرحا عربيا غنائيا. ولم تغفل الجريدة - في إعلانها - التأكيد على أن المسرحيات المقدمة ستكون عربية. وربما المقصود أنها مسرحيات عربية مؤلفة، لا أجنبية مترجمة أو معربة، كمعظم مسرحيات الفرق السابقة، كما أعلنت الجريدة أن المسرحية التي ستمثل هذا اليوم هي «أنس الجليس».
وأخيرا حددت الجريدة مكان التمثيل ب «قهوة الدانوب، المعروفة بقهوة سليمان بك رحمي». ربما يظن القارئ أن مكان التمثيل المعلن لا يليق بهذه الفرقة المنتظرة منذ عامين، ولكن هذا الظن يتلاشى أمام اسم صاحب المكان الذي يحمل رتبة «البكوية»؛ فمن غير اللائق اجتماعيا - في هذا الزمن - أن حامل البكوية يكون صاحب قهوة متواضعة، بل هو صاحب قهوة فسيحة راقية فاخرة، تتسع لجمهور المسرح، وتليق باستقبال فرقة القباني، ويفتخر بها صاحبها واضعا اسمه ورتبته بجوار اسمها في إعلانات الصحافة. ومن المحتمل أن هذه القهوة كانت على غرار كازينوهات شواطئ الإسكندرية الحالية، خصوصا وأن صاحبها سليمان بك رحمي كان ذا تاريخ ومكانة مرموقين في الإسكندرية، بدليل إطلاق اسمه على أحد شوارعها الرئيسية منذ عقود وحتى الآن.
أنس الجليس
عرض القباني مسرحية «أنس الجليس» لتكون أول عرض لفرقته في مصر، وكان عرضا ناجحا مباركا، تم تمثيله في غرة رمضان. ولا نملك دليلا على نجاح هذا العرض سوى ما نشرته جريدة الأهرام واصفة سرور الجماهير الغفيرة بسبب «ما شهدوا من براعة المشخصين، وتفننهم في أساليب التمثيل، وراقهم حسن الإلقاء وتوقيع الأصوات والحركات وبلاغة الموضوع.» قد حددت الجريدة أن المسرحية عرضت في خمسة فصول تلاها فصل مضحك، وهو الأمر الجديد الذي لم تشر إليه الجريدة من قبل.
26
لا نملك دليلا - كما قلنا - على نجاح عرض القباني الأول في مصر سوى عبارات جريدة الأهرام، التي يمكن أن تفسر بأنها مجاملة للفرقة، أو مبالغة في وصف مشاعر الجماهير المتعطشة للفنون المسرحية والغنائية منذ عامين. رغم ذلك يمكننا الاعتماد على نص المسرحية - المنشور في هذا الكتاب
27 - ربما نجد فيه ما يوافق أقوال الجريدة أو يخالفها، أو على أقل تقدير يعكس لنا - بصورة منطقية - أجواء هذا العرض الذي تم أمام جماهير الإسكندرية عام 1884م.
أول ما يطلع عليه قارئ المسرحية مقطوعة من ستة أبيات
28
أجمل فيها القباني رؤيته الفنية بصفة عامة - يرجح أنه - ألقاها قبل تمثيل المسرحية، وكأنه يشرح للجمهور رسالته المسرحية، ويطلعه على فحوى عروضه القادمة، كما أن هذه الأبيات - وغيرها كما سنرى - تعزز رأي جريدة الأهرام في وصفها القباني بالشاعر المفلق لشعره العجيب؛ حيث قال:
مراسح أحرزت تمثيل من سلفوا
وعظا وجاءت لنا عنهم كمرآت
تمثل اليوم أحوال الأولى سبقوا
من طيبات لهم أو من إساءات
عسى يكون لنا فيما مضى عبر
تجدي وتعلم أني عبرة الآتي
عسى نكون كراما إذ يشخصنا
من بعدنا أو فيا طول الفضيحات
فالحر إن مات أحيته فضائله
والوغد إن عاش مقرون بأموات
هذا هو القصد من تمثيل من عبروا
لا اللهو والزهو والإعجاب بالذات
وهذه الرؤية التي صاغها القباني شعرا شرحها فيما بعد نثرا، وظل يرددها أمام تلاميذه، وكأنها ميثاق فني بينه وبينهم، أو بينه وبين جمهوره. هذا الشرح نقله إلينا تلميذه كامل الخلعي، وفيه يقول القباني: «التمثيل جلاء البصائر، ومرآة الغابر، ظاهره ترجمة أحوال وسير، وباطنه مواعظ وعبر. فيه من الحكم البالغة، والآيات الدامغة، ما يطلق اللسان، ويشجع الجبان، ويصفي الأذهان، ويرغب في اكتساب الفضيلة، ويفتح للبليد باب الحيلة، ويرفع لواء الهمم، ويحركها إلى مسابقة الأمم، ويبعث على الحزم والكرم. يلطف الطباع، ويشنف الأسماع. وهو أقرب وسيلة لتهذيب الأخلاق ومعرفة طرق السياسة، وذريعة لاجتناء ثمرة الآداب والكياسة. هذا إذا تدرج فيه من ذكر الأحوال إلى ضرب الأمثال، ومن بيان المنهاج إلى الاستنتاج؛ ليرتدع الغر عن غيه ويزدجر، ويجد العبرة في غيره فيعتبر.»
29
هذه الرؤية الفنية أو الرسالة المسرحية - شعرا أو نثرا - صاغها القباني بوصفه شاعرا أديبا عربيا منتميا إلى عصره قبل أن يكون ممثلا مسرحيا أو ملحنا موسيقيا، فمضمون هذه الرسالة كان توجها عربيا عاما منتشرا بين الشعراء والأدباء، والمعروف بحركة «إحياء التراث العربي»، التي تقلد ريادتها الشعرية محمود سامي البارودي (شاعر السيف والقلم). وهذه الحركة كانت ملتزمة بوجوب إبراز التراث العربي في جميع أشكاله المشرقة، وبضرورة مواجهة الثقافة الغربية الوافدة بالثقافة العربية الأصيلة.
من خلال هذا المفهوم لحركة إحياء التراث العربي صاغ القباني رسالته المسرحية السابقة - شعرا أو نثرا - من أجل تطبيق مفهوم الإحياء في مجال المسرح. وبمعنى آخر: أراد القباني أن يؤسس مسرحا عربيا فصيحا؛ يعرض من خلاله موضوعات تراثية مشرقة تحمل الكثير من الحكم والأمثال والنماذج الأدبية الرصينة (نثرا وشعرا)، مزينة بأغان وألحان عربية - ليواجه به العروض المسرحية الأجنبية، أو العروض العربية المعتمدة على نصوص مسرحية مترجمة أو معربة .
ومن خلال هذا التوجه يمكننا تفسير التزام القباني كتابة مسرحياته باللغة العربية الفصحى، بل وعلى عرض جميع مسرحياته بالفصحى - سواء كان كاتبها أو مكتوبة من قبل غيره - كإسهام منه في مواجهة محاربة المستعمر للغة الفصحى وفرض اللغة الإنجليزية على التعليم في مصر - في ذلك الوقت - من قبل المحتل الإنجليزي، لا سيما أن الدعوات التي هاجمت الفصحى وروجت إلى العامية ظهرت في هذه المدة، ونسبت إلى المصريين التخلف والعجز بسبب تمسكهم بالفصحى، ونادت باتخاذ العامية لغة للتأليف العلمي والأدبي.
30
أما هدف القباني المسرحي من طرحه رسالته، فيتمثل في جمهوره الذي سيتخذ من قصص التراث - الممثلة أمامه - العظة والعبرة؛ ليستعين بهما على معايشة الحاضر بصورة سليمة، واستشراف المستقبل بصورة قويمة. كما سيتعلم اكتساب الفضيلة وطلاقة اللسان العربي، ويجني ثمرة الآداب العربية، ويدفع أمته إلى الأمام ويستمتع بجمال الألحان. هكذا كان تحديد رسالة القباني المسرحية والهدف منها. لم يبق أمامنا إلا تتبع منهج القباني في التزامه برسالته وتحقيق هدفه، والتعرف على أدوات هذا المنهج، أو التعرف على أسلوبه في التزامه برسالته، وتحقيق هدفه من إحياء التراث.
بهذا الفكر الإصلاحي التنويري كتب القباني مسرحيته «أنس الجليس» مستوحيا فيها «حكاية الوزيرين التي فيها ذكر أنيس الجليس» المنشورة من الليلة الخامسة والأربعين إلى الحادية والخمسين في كتاب «ألف ليلة وليلة»؛ ليبرهن من البداية التزامه برسالته المسرحية - المنبثقة من حركة إحياء التراث - بمعالجة موضوع من التراث العربي الأدبي.
والمسرحية تدور أحداثها حول الجارية الجميلة أنس الجليس، التي اشتراها الوزير الفضل قينة - أي جارية مغنية - للوالي ابن سليمان، ولكنه لم يسلمها إليه، بل أبقاها في منزله بعض الوقت، فوقع في حبها ابنه علي نور الدين، فرضخ الأب - بدافع الأبوة - ووافق على زواجهما، متحملا غضب الوالي عليه. ثم يعلم الوالي بهذا الأمر من الوزير ابن ساوي - غريم الوزير الفضل - فينزل جام غضبه على وزيره الفضل، فيهرب الحبيبان إلى بغداد، ويقابلان الخليفة هارون الرشيد، فيعلم قصتهما فيرسل إلى الوالي رسالة يأمره بإقامة العدل، وبعد عدة أحداث يجتمع شمل الزوجين ويعود الحق إلى أصحابه، ويعاقب ابن ساوي على أفعاله، وتنتهي المسرحية نهاية سعيدة.
هذا هو الموضوع الذي عرض على جمهور الإسكندرية الغفير الذي حضر العرض - تأكيدا على اتساع قهوة الدانوب - فأعجب ببلاغة الموضوع كما أوضحت جريدة الأهرام، مما يعني نجاح رسالة القباني؛ وتأكيدا على صدق الجريدة في نقلها مشاعر استحسان الجمهور لموضوع المسرحية، نقول إن القباني كان مؤلفا للمسرحية أكثر منه مقتبسا لقصتها، أو صائغا لحكايتها؛ فالقباني لم يتخل عن تعاليم دينه الإسلامي، ولم ينسل من قيمه الخلقية، ولم يضح بعاداته وتقاليده العربية، كي يفوز برضى جمهوره ويثبت أقدام فرقته في البيئة المصرية، عندما عف يده عما وجده في حكاية الليالي مما يغري الجمهور ويثير شهواته. وهي أمور تخالف مفردات رسالته المسرحية، وتخالف مبدأ حركة الإحياء في وجوب إبراز التراث بوجه مشرق.
فقصة الليالي فيها مشهد تفصيلي جنسي فاضح، تم بين علي نور الدين والجارية أنيس الجليس، فلم يشر إليه القباني ولو بالإيحاء. كما أنه أصر في مسرحيته على زواج الجارية بعلي نور الدين منذ لقاء الحب الأول بينهما، وهذا الأمر لم يتحقق لها في حكاية الليالي إلا بعد حدوث الفاحشة بمدة طويلة، كما أن القباني لم يتطرق في مسرحيته إلى مشاهد شرب الخمر الكثيرة الموجودة في حكاية الليالي. كما نجح في إظهار هارون الرشيد بمظهر يليق بخليفة المؤمنين في عدله وحكمته، خلافا لصورته المشوهة في حكاية الليالي.
وهذه الأمور تبين مدى التزام القباني بمعطيات رسالته، ومدى قدرته على امتلاك أدوات الكتابة المسرحية - الموظفة فنيا لصالح مبدأ حركة الإحياء بوجوب ظهور التراث في صورة مشرقة - مما يدل على اهتمامه بالبناء الفني لمسرحياته تبعا لتقاليد الكتابة المسرحية في هذا الزمن، التي تتصف بالبساطة والمباشرة والوضوح، تبعا للهدف المرجو من رسالته المسرحية.
لم يكتف القباني بذلك - وإن اكتفى فلا غبار عليه، فكفاه القيام بما قام به في زمن كان المسرح العربي فيه يخطو خطواته الأولى - لأنه شحذ ملكته الشعرية فاستعاض بأشعار حكاية الليالي أشعارا من بنات أفكاره - في معظمها الأعم - تثبت بلا جدال بأنه شاعر مفلق كما وصفته جريدة الأهرام، وهذا الأسلوب يعتبر أهم أداة من أدوات تطبيق منهج رسالته المسرحية، وهو الأسلوب الذي سيتبعه - وسيلتزم به - في جميع كتاباته المسرحية فيما بعد، كما سنرى.
وأشعار مسرحية «أنس الجليس» تنقسم إلى نوعين: النوع الأول أشعار كثيرة تعد حكما ومواعظ بليغة من تأليفه، التزاما بمفردات رسالته، أو أشعارا قليلة مقتبسة - أو متضمنة - من نظم المشاهير، جاءت مناسبة في مواقف استخدامها الدرامي متوافقة مع حوار الشخصيات، وكأنها نظمت من أجلها - معضدة معطيات رسالة القباني المسرحية - بما تحمله من حكم ومواعظ وعبر. والنوع الآخر أشعار من تأليفه تمثل ألحانا غنائية، أضفت على العروض جوا غنائيا موسيقيا، فأبدت الجماهير استمتاعها بحسن إلقائها - كما قالت جريدة الأهرام - تأكيدا على تحقيق هدف الرسالة.
ومن أمثلة النوع الأول من نظم القباني قول الوزير الفضل بن خاقان:
31
إذا اعتذر المسيء إليك يوما
من الآثام عذر فتى مقر
فصنه عن عقابك واعف عنه
فإن العفو شيمة كل حر
وكذلك قول جعفر:
32
إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا
وتستحي مخلوقا فما شئت فافعل
ومن أمثلة الأشعار المقتبسة من المشاهير - التي لم يذكر القباني أسماء أصحابها - بيتان للشاعر الحسين الأصبهاني الطغرائي صاحب لامية العجم، يقول فيهما:
33
أعدى عدوك أدنى من وثقت به
فحاذر الناس وأصحبهم على دخل
فإنما رجل الدنيا وواحدها
من لا يعول في الدنيا على رجل
وكذلك بيتان للحاجب المصحفي الأندلسي، قال فيهما:
34
هبني أسأت فأين العفو والكرم
إذ قادني نحوك الإذعان والندم
بالغت في السخط فاصفح صفح مقتدر
إن الكرام إذا ما استرحموا رحموا
كما وجدنا بيتا للشاعر محمد بن حازم الباهلي، قال فيه:
35
إذا ما امرؤ من ذنبه جاء تائبا
إليك ولم تغفر له فلك الذنب
وأخيرا نجد بيتين من نظم أبي العلاء المعري، قال فيهما:
36
الملك لله من يظفر بنيل منى
يردده قهرا ويضمن بعده الدركا
لو كان لي أو لغيري قدر أنملة
فوق التراب لكان الأمر مشتركا
ورغم كثرة الأشعار في حكاية الليالي - ومناسبتها للبناء الدرامي إذا استخدمت في المسرحية - إلا أن القباني لم يقتبس إلا النادر منها، وكأنه أراد إثبات أنه شاعر مفلق بحق، قادر على نظم أشعار معبرة عن موضوعه، مناسبة للجماهير العربية المسلمة، المتشوقة لسماع الحكم والمواعظ والعبر - وفق معطيات رسالته وهدفها - بوصفها جماهير غضة، لم تألف - كثيرا - رؤية المسرح العربي المؤلف. ولم نجد - حسب اجتهادنا - إلا بيتين فقط قام القباني باقتباسهما من أشعار حكاية الليالي وجدهما مناسبين للأشعار الوعظية ذات المعاني الرصينة - تطبيقا لرسالته المسرحية - المتوافقة مع أشعاره المؤلفة، أو المقتبسة من مشاهير الشعراء، جاء فيهما:
37
بنفسك فز إذا ما خفت ضيما
وخل الدار تنعي من بناها
فإنك واجد أرضا بأرض
ونفسك لم تجد نفسا سواها
والتزاما بمفردات الرسالة لم يقتصر القباني على الشعر وحده في تعضيد هدفه المسرحي، بل استخدم النثر في عبارات إسلامية معبرة في بداية حوار الشخصيات أو في ختامها، لتكون استهلالا حسنا أو ختاما تتعلق به نفس المشاهد فيرسخ في وجدانه؛ محققا بذلك الهدف المنشود من رسالته المسرحية. ومثال على ذلك: «سبحان من لا يغفل»، أو «سبحان من تنزه عن الرقاد»، أو «إنا لله الذي لا يدوم سواه»، أو «الصبر مفتاح الفرج».
38
أما الألحان الغنائية الموائمة للبناء الدرامي في المسرحية، فتعد الأداة الثانية - بعد الشعر - من حيث الأهمية فيما يتعلق بتطبيق منهج رسالة القباني المسرحية؛ فهذه الألحان جاءت بصورة تعادل الحوار النثري المتبادل بين شخصيات المسرحية؛ مما يؤكد أن القباني كلف بالجانب الغنائي الموسيقي - كما جاء في رسالته المسرحية - الذي اتضحت معالمه في نص هذه المسرحية، بوصفه من أوائل الأوبريتات العربية التي عرضت في الإسكندرية في ذلك الوقت، وقد جاءت ألحان مسرحية «أنس الجليس» في صورة قصائد غنائية وموشحات وأدوار - مجسدة رسالة القباني في كلماتها ومعانيها - قام بأدائها مجموعة من المطربين والمنشدين في تشكيلات غنائية جماعية. فعلى سبيل المثال نجد في النص الآتي: (الجميع لحن):
39
فرجا قريبا يا قدير
يأتي بتيسير العسير
أنت المجير أنت النصير
فرجا قريبا يا قدير
ومثال آخر (الجميع لحن):
40
عش مليكنا دوما
منزه الأفكار
فكلنا لك عونا
لكل ما تختار
دم أميرنا وارقى
للمعالي واسترقا
من أساءكم يلقا
مرهفا بتار
أبقاك ربي أبدا
لكل ما تختار
والأمثلة - في النص المسرحي - كثيرة لهذه الأدوار والموشحات، التي استملحها الجمهور - تأكيدا على تحقيق هدف الرسالة - فأبدى إعجابه ب «حسن الإلقاء وتوقيع الأصوات والحركات»، كما قالت جريدة الأهرام؛ مما يدل على أن القباني استعد جيدا لهذا العرض وغمره بفيض من الغناء والموسيقى؛ لأنه أراد النجاح لأول تجربة مسرحية غنائية له في مصر، وهي التجربة التي تعثرت الفرق المسرحية السابقة في تحقيقها. وبناء على ذلك يحق للقباني أن يكون صاحب أول محاولة ناجحة لعرض الأوبريت العربي في مصر، الذي مهد الطريق أمام ظهور المسرح الغنائي ورسوخه.
وكفى بنا - لتأكيد هذه المكانة - شهادة الكاتب المسرحي إبراهيم رمزي،
41
عندما قال عن القباني عام 1916م إنه «أعرف الناس بالتلحين والموسيقى، وإليه يعزى أكثر الفضل في عمل القدود الشائعة في الروايات نقلا عن الموشحات العربية وعن التركية، ولا تزال تلاحينه شائعة في الروايات التلحينية بيننا.»
42
وفي الوقت نفسه يحق للشيخ سلامة حجازي أن يكون واضع حجر أساس هذا اللون الفني في مصر أيضا بمحاولاته الأولى مع عروض فرقتي سليمان الحداد وسليمان القرداحي.
ولعل القارئ لم يلتفت إلى عبارة (توقيع الأصوات والحركات) التي ذكرتها جريدة الأهرام؛ تعبيرا عن سرور الجمهور بعرض مسرحية «أنس الجليس»، وربما ظنها مدحا للتمثيل والغناء، ونسى أن الجريدة ذكرت أن الجمهور كان مسرورا «من براعة المشخصين وتفننهم في أساليب التمثيل، وراقهم حسن الإلقاء»، وهذه العبارة هي مدح التمثيل والغناء بالفعل. وبناء على هذا نعود إلى عبارة الجريدة (توقيع الأصوات والحركات)، ماذا تعني؟ وما دلالتها في وصف مشاعر الجمهور لما شاهده؟
الحقيقة أن الجمهور شاهد فنا جديدا غير مألوف في مصر، لم يعرف له اسما أو مصطلحا، فقامت الجريدة بوصفه بهذه العبارة التي تدل على أن هذا الفن به غناء يؤدى بصورة جماعية في حركات تعبيرية تمثيلية راقصة! ولكن الرقص المقصود هنا ليس رقص الغوازي الخليع - المعارض لرسالة القباني وهدفها - بل هو أداة مستحدثة ضمن أدوات القباني في تطبيق منهج رسالته المسرحية؛ لأنه رقص محتشم رزين، مسموح به، ومعروف في سورية باسم «رقص السماح»،
43
الذي يرجع الفضل إلى القباني في إدخاله لأول مرة إلى مصر من خلال عروضه المسرحية، وبذلك يكون عرض «أنس الجليس» نموذجا لنواة المسرح الاستعراضي، وصورة للأوبريت العربي، وبداية ناجحة للمسرح الغنائي العربي في مصر.
والملاحظ أن جريدة الأهرام في خبريها السابقين - عن وصول الفرقة وتمثيلها لمسرحية «أنس الجليس» - لم تتحدث عن عنصرين من عناصر العرض المسرحي، هما: الديكور والشخصيات النسائية، رغم وجودهما في النص المسرحي؛ فالديكور محدد في بداية كل فصل من فصول المسرحية هكذا: الفصل الأول سراية ملكية، والثاني حديقة وقصر وأنوار وناعورة، والثالث منزل ابن سليمان، والرابع ثلاثة سجون، والأخير ديوان الخليفة هارون الرشيد.
والديكور بهذا الوصف يؤكد التزام القباني بمفردات رسالته من حيث المناظر التراثية. ورغم هذا الالتزام إلا أن وصف الديكور يثير سؤالا يقول: هل استطاع القباني وضع ديكورات هذه المناظر في مقهى الدانوب؟ فلو كانت الإجابة نعم؛ لكانت جريدة الأهرام أثبتت ابتكارا فنيا لا مثيل له. وللأسف الشديد لم تذكر الجريدة شيئا عن ذلك. وإذا طرحنا السؤال بصيغة أخرى: هل مقهى الدنوب - مهما كان متسعا وراقيا - يسمح بوضع هذه الديكورات وإزالتها في أثناء العرض؟
المنطق يقول إن القباني لم يستخدم الديكور بصورته المعروفة - وإلا كانت الجريدة أشارت إليه - ولكنه استخدم ديكورا موحيا، أو رامزا، أو ابتكر أسلوبا ما لتنفيذه، تبعا لما يملكه من أدوات تعينه على تطبيق منهج رسالته من أجل تحقيق هدفه؛ لأن من غير المستساغ أن العرض يكون قد مثل أمام الجمهور بدون ديكور، وإلا اختلطت المفاهيم على الجمهور، ويكون المشاهد قد رأى عرضا لم يفهمه؛ لهذا أظن أن القباني وضع لوحة عليها اسم المنظر قبل بداية كل فصل، أو أنه جعل أحد الممثلين يشرح المنظر للجمهور قبل التمثيل، أو أنه وضع أثاثا بسيطا يدل على فكرة المنظر - وهذا الأمر صعب تنفيذه أمام الجمهور في المقهى؛ لأنه يتطلب إظلام المكان، أو إسدال الستار، ولا أظن أن المقهى كان معدا لأي من الأمرين - أو أنه وضع ستارة عليها رسم للمنظر، وهو الاحتمال المرجح.
وإذا تطرقنا إلى الشخصيات النسائية، فسنلاحظ أنها عنصر جذب كبير للعروض المسرحية في مصر في تلك الفترة، وكانت الصحف تهتم بذكر هذا العنصر في أخبارها عن الفرق المسرحية، لا سيما فرقتي سليم النقاش ويوسف الخياط.
44
وصمت جريدة الأهرام عن هذا الأمر بالنسبة لفرقة القباني يؤكد خلوها من العنصر النسائي! وبالتالي فالذي قام بدور شخصيتي «أنس الجليس، ونعيم» في العرض المسرحي رجلان.
45
ومن وجهة نظري أن الذي دفع القباني إلى ذلك هو إيمانه بهدفه المسرحي! فكيف يتأتى له إظهار النساء سافرات أمام الجمهور - عام 1884م - في مسرحية من أهدافها وعظ وإرشاد الجماهير؟! وإظهار المرأة سافرة - في هذا الوقت - مناف للتقاليد العربية والإسلامية - الواجب إظهارها بصورة مشرقة، تبعا لمبدأ حركة الإحياء - لا سيما وأن فرقة القباني كانت الفرقة المسرحية العربية الوحيدة التي تعرض المسرحيات في الإسكندرية.
هذه الإشكالية كانت العائق الأول أمام القباني في التزامه بمفردات رسالته المسرحية، ولكنه عالجها مستخدما مهارته المسرحية؛ حيث قلص الدور النسائي إلى دورين فقط، بينما بلغت أدوار الرجال أحد عشر دورا، مع الإصرار على عدم غناء الجارية «أنس الجليس» - مخالفا بذلك صورتها في حكاية الليالي - رغم أنها «قينة»، أي جارية عملها الأساسي هو الغناء؛ وذلك لإيمانه الشديد بهدف رسالته المسرحية وفق مفهومه لإحياء التراث وإظهاره بأفضل صورة ممكنة.
لم يبق من عرض القباني الأول في مصر سوى الفصل المضحك الذي اختتم به ليلته المسرحية الأولى في الإسكندرية، وهذا النوع الفني لم تتحدث عنه جريدة الأهرام ولم تحدده! فالفصل المضحك المعروف قبل قدوم القباني كان عبارة عن فن البنتومايم، أو فصل تمثيلي ضاحك قصير، والنوع الأول كان قاصرا على الفرق الأجنبية وسيرك مسيو رانسي بالأزبكية.
46
أما النوع الثاني فكانت تعرضه فرقة يوسف الخياط،
47
ولعله النوع الذي قدمه القباني؛ لأن فن البنتومايم لم يكن معروفا عربيا - في هذا الوقت - وعندما كانت الصحف تتحدث عنه - في عروض الفرق الأجنبية ، أو عروض سيرك مسيو رانسي - كانت لا تعرف له اسما أو مصطلحا، فتكتفي بوصفه قائلة: «... أناسا يتكلمون بالإشارة، وهي ألعاب مضحكة»، أو «ألعاب بالإشارة كأن اللاعبين خرس لا يتكلمون إلا بالإشارة»، أو «لعب تياترو يجري بالإشارات لا بالتكلم»، أو «فارصة مضحكة أتمها المشخصون بالإشارات الرشيقة العجيبة دون تكلم.»
48
وربما يظن القارئ أن قصيدتي «فتى العصر»، و«فتاة العصر» المنشورتين بعد نهاية نص مسرحية أنس الجليس
49 - المنشور في هذا الكتاب - هما من الفصول المضحكة التي قدمها القباني في عروضه المسرحية الأولى بالإسكندرية، أو أنهما من نظم القباني. ذا الظن غير مقبول الاحتمال؛ لأن القصيدتين عبارة عن مونولوجين تشيع فيهما العبارات العامية، وهو أسلوب لا يتفق مع أسلوب القباني في الكتابة الفصيحة - وفق رسالته المسرحية ومنهجه في تطبيقها - إضافة إلى أن موضوعهما به سخرية من مظاهر اجتماعية سلبية لم تكن ظهرت عام 1884م.
ومن الأدلة على هذا الطرح أن هذين المونولوجين ظهرا ابتداء من عام 1907م، وكان معظم الممثلين يختتمون بهما العروض المسرحية،
50
والتفسير المقبول لنشرهما ضمن مسرحية القباني أن هذه المسرحية أصبحت مباحة لمعظم الفرق المسرحية الغنائية فيما بعد؛ حيث استمر عرضها حتى عام 1923م،
51
وربما كانت هذه الفرق تختتم عرضها بهذين المونولوجين، فقام الناشر بوضعهما في تذييل المسرحية كأنهما صنوان لنص المسرحية، لا سيما أن الناشر «فؤاد الفرنساوي» كان مولعا بتجميع الأغاني والطقاطيق والمونولوجات، ونشرها في كتيبات صغيرة.
52
هذه هي تفاصيل ليلة أول عرض مسرحي قدمه القباني في مصر عام 1884م، ويا لها من ليلة شاهدة على نجاح مسرحية «أنس الجليس» التي كتبها القباني نثرا وشعرا، ورصعها بأغانيه وألحانه، ووشاها بحركات توقيعية موسيقية من رقص السماح؛ لتكون من بواكير الأوبريت المسرحي العربي الاستعراضي المقدم في مصر، وتكون أول مثال دال على التزام القباني برسالته المسرحية من خلال منهج تطبيقي أظهر الكثير من مهارات القباني الفنية، وتكون بذلك شاهدة على تنظير الرسالة وتطبيقها، وفق مفهوم إحياء التراث. وعلى الرغم من هذا النجاح، وكثرة عروض هذه المسرحية من فرقة القباني والفرق الأخرى الذي وصل عددها إلى مائة ليلة عرض حتى عام 1923م! رغم كل هذا، فإن عرض القباني في اليوم التالي لمسرحية «نفح الربى» اكتنفه الغموض!
نفح الربى
تحدثت جريدة الأهرام عن نجاح عرض «نفح الربى»، كما تحدثت من قبل عن نجاح عرض «أنس الجليس»، ولكن شتان بين النجاحين! ف «أنس الجليس» عرضها القباني أكثر من أربعين مرة - بعد ذلك - مقابل عرضه لنفح الربى أربع مرات فقط في عامي 1884 و1889م.
53
وهذا الأمر لا يستقيم مع أسلوب الفرق المسرحية في تلك الفترة! فمهما لاقت الفرقة من إخفاق في عرض مسرحي ما، لا تستطيع تركه بالكلية.
وأمام ذلك أرى احتمالات أربعة لتفسير إحجام القباني عن عرض هذه المسرحية؛ الأول: أن هذه المسرحية لم تكن من تأليف القباني، رغم وصف الجريدة بأنها «رواية عربية لطيفة المعنى»؛
54
حيث إننا سنرى - فيما بعد - أن القباني كان مقلا من تمثيل مسرحيات الغير. والثاني: أنها مسرحية لا يتفق موضوعها مع مفردات رسالة القباني المسرحية. والثالث: أنها مسرحية شبه خالية من الأغاني والألحان، وهما عماد عروض القباني، وأهم أداتين من أدوات تطبيق منهج رسالته. والاحتمال الأخير: أن اسم «نفح الربى» هو أحد أسماء مسرحيات القباني المعروفة التي مثلت بأكثر من اسم، كما سنرى أمثلة كثيرة على ذلك فيما بعد.
وكان من الممكن التأكد من أحد هذه الاحتمالات لو قرأنا وصفا أو عرضا أو مضمونا للمسرحية منشورا في إعلانات الصحف! أو اطلعنا على نص المسرحية - غير المنشور - الذي يحتفظ به مخطوطا الدكتور محمد يوسف نجم
55
منذ أربعين سنة، والذي تردد في نسبة تأليفه إلى القباني؛ حيث قال عام 1963م إنه من تأليفه، وفي عام 1985م قال لعله من تأليفه.
56
عفة المحبين
عرض القباني - في اليوم الثالث - مسرحية «عفة المحبين»، التي عرضها بعد ذلك بعدة أسماء منها: «ولادة» أو «ولادة بنت المستكفي» أو «ولادة بنت المستكفي بالله» أو «عفة المحبين الوليد بن زيدون وولادة بنت المستكفي».
57
وهي من تأليف الشيخ إبراهيم الأحدب،
58
الذي اعتمد في كتابتها على تراث الأدب الأندلسي وتاريخه؛ مما يعني أن القباني ما زال ملتزما بعرض مسرحيات تراثية حتى ولو لم تكن من تأليفه.
وهذه المسرحية تدور أحداثها حول الحب العفيف الذي نشأ بين الشاعرة ولادة والوزير ابن زيدون، الذي زاحمه في حبها الوزير أبو عامر (ابن عبدوس الملقب بالفار)، الذي أرسل عجوزا إلى ولادة تخطبها له، فردت عليها ولادة برسالتها الشهيرة التي كتبها ابن زيدون - على لسانها - متهكما فيها من أبي عامر. كما تطرقت المسرحية إلى قصة إهدار دم ابن زيدون وسجنه، ومن ثم هروبه إلى إشبيلية وتقلده الوزارة في عهد المعتضد بن عباد، وتنتهي المسرحية نهاية سعيدة باستمرار الحب العفيف بين ولادة وابن زيدون، على غرار قصص العرب الشهيرة في الحب.
والملاحظ أن القباني - المؤمن بمفردات رسالته وهدفها - اختار هذا النص لتطابقه مع مفردات رسالته بما فيه من معان قويمة، تصلح لأن تكون عظة للمشاهدين وعبرة لهم، محققا بذلك هدف رسالته، فموضوع المسرحية يعالج فكرة الحب العفيف واستمراره بين المحبين، دون وقوع ما يجرح المشاعر الإنسانية، أو يعد خروجا عن التقاليد العربية، أو يعتبر خرقا للتعاليم الإسلامية. ومن جانب آخر اعتبر القباني هذا النص معالجة مشرقة للتاريخ - مما يخدم توجهه؛ لأن المؤلف - الشيخ الأحدب - كانت غايته «تبرئة ولادة، الأميرة المسلمة ابنة خليفة المسلمين، مما نسبه إليها بعض المؤرخين من استهتار وتبذل وعكوف على اللهو والملذات»،
59
وهذه التبرئة ترسخ رسالة القباني في وجدان جمهوره، وبالتالي تحقق هدفه المنشود.
ومما يجدر ذكره - في هذا المقام - أن أسلوب الأحدب في كتابته لهذه المسرحية تشابه مع أسلوب القباني في مسرحية «أنس الجليس»! فنص «ولادة» به أشعار من نظم الأحدب، كما به أشعار من نظم الآخرين أمثال بشار بن برد.
60
وبطبيعة الحال أكثر المؤلف اقتباساته من أشعار ابن زيدون وولادة.
61
كذلك استخدم معاني القرآن الكريم في أثناء الحوار، كقول ولادة: «... ألم أكن معدودة من مجيدي الشعراء، وقد رفع لي عند فريق الأدب أعظم لواء. وهم يقولون ما لا يفعلون، وفي كل واد من شعوب الكلام يهيمون»،
62
وهو قول مأخوذ بمعناه من قوله تعالى:
والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم تر أنهم في كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون (سورة الفرقان، الآيات: 224-226).
وهذا التشابه ربما يفتح الباب أمام الباحثين للتعرف إلى المؤثر والمتأثر بين الأحدب والقباني في كتاباتهما المسرحية، خصوصا أنهما ينتميان للفترة نفسها، وللفن المسرحي نفسه، وربما تواصل ما حدث بينهما أدى إلى الاتفاق على كتابة هذه المسرحية - وغيرها كما سنرى - بحيث تكتب وفق رسالة القباني المسرحية، وقد طبعت هذه المسرحية - في نسختها الممثلة من قبل فرقة القباني - مرتين 1899 و1917.
63
وقد نشر الدكتور محمد يوسف نجم مخطوطتها الأصلية عام 1985م المكتوبة من قبل الشيخ الأحدب، وقام بمقارنتها بالأصل المطبوع الممثل، فاكتشف أن القباني - عندما مثلها - أضاف إليها كما حذف منها، فأشار - في هوامشه - إلى هذه المواضع.
64
ويحق للقارئ الاعتقاد بأن ما فعله القباني - من حذف وإضافة - كان بسبب رؤيته في الإخراج المسرحي، وهو أمر يحسب له - في هذه الفترة المبكرة - ويدل في الوقت نفسه على تدخله في نصوص غيره وفق رؤية رسالته المسرحية، وهذا الاعتقاد - من وجهة نظري - يمثل نصف الحقيقة. أما النصف الآخر فيتضح من المواضع التي حذفها القباني من مخطوطة المسرحية، وأصر على عدم تمثيلها أمام الجمهور! وهي مواضع تؤكد مدى تمسكه برسالته الفنية، وصرامته في تطبيق منهجه في ظل إحياء التراث، وذلك من خلال تمسكه بعاداته العربية وتقاليدها، وحفاظه على تعاليم دينه الإسلامي، ومهاراته الفنية في إبعاد أي قول يمس - ولو بغير قصد - ثوابت هذه الأمور.
فعلى سبيل المثال: حذف القباني حوارا طويلا - شغل عدة صفحات في مخطوطة الأحدب - بين حسان وأبي عامر، حول أسباب العشق وعلاماته، تطرقا فيه إلى أمور وتفاصيل وعبارات وشواهد غير لائقة العرض أمام جمهور عام 1884م، مما يؤثر سلبا على تحقيق هدف رسالته المسرحية. ومن أمثلة ذلك: علامات المحب لمحبوبه، ومنها: «محبته القتل والموت ليبلغ رضاه»،
65
وهو قول يتعارض مع قوله تعالى:
وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ، ويتعارض أيضا مع قوله تعالى:
قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين (سورة البقرة، الآيتان: 190، 94).
ومن علامات المحب أيضا - كما جاءت في النص المخطوط للمسرحية: «تصديق حديثه وإن كذب في ما قال».
66
وهذا تسويغ غير مقبول للكذب، يتعارض مع آيات قرآنية كثيرة، منها:
ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون (سورة البقرة، 10)، و
لعنة الله على الكاذبين ، و
فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين (سورة آل عمران، 61، 137). ومن علامات المحب كذلك: «موافقته وإن ظلم الجار»،
67
وهو قول يتنافى مع قوله تعالى:
واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا (سورة النساء، 36). ومن علامات المحب أخيرا: «الشهادة له زورا، وإن تعدى في دعواه وجار»،
68
وهو قول يخالف قوله تعالى:
واجتنبوا قول الزور (سورة الحج، 30)، وقوله تعالى:
ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون (سورة البقرة، 229).
كذلك حذف القباني - من مخطوطة المسرحية - كل ما جاء في حوارها من افتراء على الله ورسله، بأن «العشاق معذورون، مغفور لهم جميع الأقوال والأفعال»!
69
أو كما «جاء في الحديث أن الحامل كانت ترى يوسف عليه السلام فتضع حملها لشدة ما يفاجئها من الوجد والغرام»،
70
أو أن قوله تعالى:
ونهى النفس عن الهوى
يعتبر برهانا واضحا لمن يقول إن الغرام «اختياري؛ إذ من المحال أن ينهى النفس عما لا قدرة على دفعه وهو اضطراري.»
71
وهذا تفسير خاطئ؛ لأن المؤلف - الشيخ الأحدب - اقتطع جزءا من آية، ثم فسره على هواه، رغم أن المعنى القرآن المقصود تقول آيتاه:
وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى * فإن الجنة هي المأوى ، أي من أراد لقاء ربه تاركا ما في الدنيا من معاص ومحارم ستكون الجنة جزاءه.
والعبارات - التي لا تتفق مع رسالة القباني وهدفه منها - كثيرة في النص المخطوط، استطاع القباني حذفها في نصه الممثل، دلالة على التزامه بإظهار التراث العربي في أفضل صورة، ومنها عبارات تتعلق بالخمر، وبالغزل في الغلمان، وتشبيهات ربما تفسر بصورة خاطئة مثل : «آيات الجمال، أو جنة العيون، أو قول أحدهم: أصلي في جامع الغرام إلى القبلتين» ... إلخ ما يتنافى مع عادات العرب وتقاليدهم، ويتعارض مع شريعة الإسلام السمحة، مما لا يستحسن عرضه على الجمهور في فترة مبكرة من تاريخ المسرح العربي.
72
عنترة
وفي الليلة الرابعة قدم القباني مسرحية «عنترة»،
73
التي سار في نهج كتابتها - على منوال ما قام به في «أنس الجليس»؛ حيث أعاد تأليفها - معتمدا القصص الشعبية التي كانت تروى في المجالس والمقاهي السورية، التزاما بعرض الموضوعات التراثية. والطريف أن القباني لم يعرض المعروف عن عنترة، مما تعودت على رؤيته الجماهير، من غرامه بعبلة أو قصة تحريره من العبودية ... إلخ، بل جاء بما لم يكن في حسبان الجماهير مشاهدته! حيث عرض أحداثا عن عنترة بعد أن أصبح حرا وزوجا لعبلة، وهذا الأمر ربما كان مقصودا؛ لأن الجماهير المصرية رأت عنترة - من قبل مسرحيا - في صورته المعروفة في مسرحية «فرسان العرب» التي قدمتها فرقة سليمان القرداحي عام 1882م.
74
وموضوع مسرحية عنترة للقباني يدور حول الأمير مسعود أمير اليمن، الذي يرى عبلة فيقع في غرامها، فيطمع فيها لنفسه مستغلا عهدا أقامه مع قبيلة عبس، على الرغم من علمه بأنها زوجة عنترة. وتصل وقاحة هذا الأمير إلى أن يطلب من قبيلة عبس إحضار عبلة إليه بعد أن أشاع أنها تزوجت عنترة رغما عنها. وأمام هذا الطلب الغريب يثور عنترة وبعض أعيان قبيلته، فيغيرون على الأمير مسعود ويرديه عنترة قتيلا؛ من أجل شرفه وشرف قبيلته. ولكن القتيل قبل موته حرض القبائل المتحالفة معه ضد عنترة وقبيلته. وتنتهي المسرحية بالاستعداد لهذه المعركة الكبرى، بعد أن جاءت بشارة النصر لعنترة، عندما توافدت جيوش القبائل المتحالفة معه ضد القبائل المعادية الأخرى.
وهناك احتمال بأن القباني استمع إلى قصة عنترة الشعبية في مقاهي سورية التي كثر فيها القصاص منذ منتصف القرن التاسع عشر، وقد أشار خليل الخوري إلى هذه المقاهي الشعبية في حلب - وذكر طرائف حدثت من مستمعي قصة عنترة - في مقدمته لديوان عنتر، عندما نشره - في طبعته الرابعة ببيروت - عام 1893،
75
ومن خلال هذه القصص كتب القباني مسرحيته، محققا هدف رسالته المسرحية - وفق التزامه بإظهار التراث في صورة جيدة - عندما أظهر الخصال العربية الصالحة للعرض أمام الجمهور، أملا في احتذائها والسير على منوال معانيها السامية، لا سيما فكرة اتحاد العرب ضد أعدائهم.
وتبعا لمنهج القباني في تحقيق هدف رسالته المسرحية وجدناه قد وشى جيد عمله هذا بأشعار من نظمه دلت على موهبته الشعرية الكبيرة؛ حيث لم يستعن بأشعار عنترة المعروفة إلا في القليل النادر، واستطاع أن يتمثل عنترة في مشاعره، وألف أشعارا أدخلها في نسيج أبيات عنترة، بحيث يصعب على القارئ تمييز أبيات القباني عن أبيات عنترة.
ومن أمثلة الأبيات التي اقتبسها القباني من شعر عنترة: ثمانية أبيات من قصيدة مطلعها:
76
أحن إلى ضرب السيوف القواضب
وأصبو إلى طعن الرماح اللواعب
كما اقتبس القباني ثلاثة أبيات من شعر عنترة، ثم أضاف رابعا إليها هكذا:
77
لا تقضي الدين إلا بالقنا الذبل
ولا تحكم سوى الأسياف في المقل
ولا تجاور لئاما ذل جارهم
وخلهم في عراص الدار وارتحل
ولا تفر إذا ما خضت معركة
فما يزيد فرار المرء في الأجل
أنا الشجاع الذي تعنو السباع له
طوعا وترهب مني سطوة البطل
وطور القباني في صياغته الشعرية - ومن ثم في أدوات تطبيق منهج رسالته - عندما بدأ مطلع إحدى مقطوعاته ببيت من أشعار عنترة، ثم أكمل معناه بأبيات من نظمه، وكأنه أصبح عنترة في أقواله وحماسته ومشاعره وأحاسيسه وصوره وأخيلته، وهذا الأسلوب يعد ابتكارا شعريا غير مسبوق - على حد اجتهادنا في البحث - لأنه يختلف شكلا عن الاقتباس أو التضمين، ويتفق مضمونا معهما. فهو يضاهي - بصورة موسعة - ما يعرف بالتشطير في الشعر، ويمكن أن نطلق عليه - إن صح التعبير أو الاصطلاح - «التبييت» على غرار مصطلح التشطير:
78
يريد مذلتي ويدور حولي
بجيش النائبات إذا أتاني
ولم يدر بأني سوف أصلي
حشاشته بجمر الهندوان
أيا ملكا سما أصلا وفصلا
ودونك في المعالي الفرقدان
أيطلب عبلتي وغد لئيم
وسيفي والقنا فرسا رهان
أيابن مصاد سوى ترى مصادا
عفيرا في المذلة والهوان
وفوقك في الثرى العقبان تهوي
إذا ما سار في اليمن اليماني
وموهبة القباني التأليفية لم تقتصر على ما سبق ذكره، بل انطلقت قوية في قصائده المؤلفة، بعيدا عن قصائد عنترة ومطالعها - كما سبق الاستشهاد - فنجده يتمثل بعض معاني معلقة عمرو بن كلثوم في قول عنترة لعبلة في المسرحية:
79
غدا يا بنت مالك تنظرينا
وسوف ترين آساد العرينا
وسوف ترين مسعودا ملقى
على الصحراء من رمحي طعينا
أيابنة مالك قري وسودي
وطيبي وافرحي وامشي الهوينا
ولا تخشي فإن حماك ليث
يميت الموت قبل الدار عينا
وكأن القباني يستطيع تجسيد المعاني، مستلهما أقوال مشاهير الشعراء، دلالة على حافظته الشعرية القوية، وقدرته على النظم المعالج لمواقف موضوعاته المسرحية، وهو في أسلوبه هذا يشبه إلى حد كبير أسلوب الشاعر محمود سامي البارودي رائد حركة الإحياء في مجال الشعر.
ويضاف إلى ذلك كثرة ألحانه المتنوعة في المسرحية، التي ألقيت بصورة فردية أو ثنائية أو جماعية من خلال الإلقاء الغنائي الموسيقي التعبيري الحركي المصاحب لحركات رقص السماح، وكل هذا التنوع يعكس مدى قدرة القباني على امتلاكه للأدوات المستخدمة في تطبيق منهج رسالته المسرحية.
كما يحسب للقباني أيضا استخدامه الكوميديا اللفظية - في نطاق محدود - لا سيما قول عمارة: «... لو أجابت سؤالي، وترفقت بحالي، وأقالتني من الغم، لكنت أطعمها مم، وأسقيها إمبو. ولو طاوعتني لو أجهلت ما لي من القدرة والحفاوة، حتى زجرتني وجعلتني واوة. آه، فلو لم أكن شرابا بأنقع، لكنت خوفتها بالبعبع. ولولا عنتر الأسود الأفطس الأنكد وتأنيبه وعتبه، لقلت لها به به به.»
80
فقول عمارة هذا ألقاه على نفسه متمنيا أن يسمعه لعبلة. وكوميديا اللفظ هنا تتمثل في كون عبلة ليست طفلة؛ حيث إن كلمة «مم» تقال للطفل عند الطعام، وكلمة «إمبو» عند الشراب، وكلمة «واوة» عندما يجرح، وكلمة «بعبع» عند تخويفه ... إلخ. لنا أن نتخيل التأثير الكوميدي على المشاهدين عام 1884م عند سماع إلقاء هذه الكلمات التي ألقيت - بلا شك - بصورة تمثيلية ساخرة ضاحكة.
ومسرحية «عنترة» - إضافة لما سبق - تعد نموذجا لولع القباني برسالته الفنية، وإصراره على تحقيق هدفه؛ حيث لم يكتف بما فيها من معان ودلالات تخدم الرسالة والهدف عام 1884م، فأضاف إليها فصلا آخر عام 1897م «ضمنه تمثيل كثير من عوائد العرب المحبوبة في فخارهم بأنسابهم وأحسابهم وأشعارهم، وبعضا من ولائمهم وأكلهم وشربهم»،
81
مما يعني أنه كان يعيد النظر في أعماله المسرحية، التزاما بمفردات الرسالة وهدفها، مما جعل الفرق المسرحية الأخرى تتأثر بهذه الرسالة، فظلت تعرض مسرحية «عنترة» حتى عام 1904م.
82
ناكر الجميل
كانت جماهير الإسكندرية على موعد لمشاهدة عرض مسرحية «ناكر الجميل»
83 - في الليلة الخامسة من ليالي القباني المسرحية في مصر - وقد حضره الأديب أمين شميل، وقرظه بأبيات شعرية، نشرتها الصحف في حينها.
84
وربما كان حضوره تعضيدا لفرقة شامية تحتاج مساندة الأدباء والكتاب، خصوصا أن التوقيت كان في موسم الصيف الذي يكثر في وجود علية القوم للاصطياف.
ومسرحية «ناكر الجميل» بسيطة الموضوع، سهلة التناول الفني؛ حيث تدور حول «حليم» ابن الوزير، الذي يعطف على غريب يدعى «غادر»، فيحسن إليه ويتآخى معه ويقاسمه الجاه والمال والميراث، وذلك من فرط حسن أخلاق حليم. ولكن هذا الغادر قابل الإحسان بالخسة والدناءة، ونوى قتل حليم ليفوز بكل شيء. وبحادثة غير مقنعة يقتل غادر حبيبا ابن الملك قسطنطين بدلا من حليم ابن الوزير. وعندما أراد الشرطي القبض على غادر القاتل نجد حليما يخفي أداة القتل - الخنجر - داخل ملابسه، فيستغل غادر الفرصة ويخبر الشرطي بأن حليما هو القاتل، والدليل أن الخنجر مخبأ في ملابسه. وبذلك يتهم حليم ويحكم عليه الملك بالموت. وقبل تنفيذ الإعدام يقوم الوزير - والد حليم - برشوة السياف، الذي يبقي على حياة حليم دون علم الملك، وفي الليلة نفسها يحلم الملك حلما مفزعا، يظهر فيه شبح ويخبر الملك بأنه ظلم حليما وأن القاتل الحقيقي هو غادر، وفي الصباح يروي الملك الحلم للسياف الذي تطوع لاكتشاف الحقيقة. وبالفعل تنجح خطة السياف عندما استمال غادرا إلى جانبه، وجعله يفضي بما في ضميره من أسرار؛ حيث اعترف غادر بأنه القاتل الحقيقي. وهنا يظهر الملك ويواجه غادرا باعترافه، ويحكم عليه بالموت، ويبدي ندمه على موت حليم المظلوم، فيخبره السياف بأن حليما ما زال حيا. ووسط فرح الجميع بنجاة حليم وعقاب غادر نجد حليما - بخلق حميد لا مثيل له - يستعطف الملك كي يعفو عن غادر، وتنتهي المسرحية نهاية سعيدة للجميع.
هذه المسرحية يرجح أنها أول مسرحية يقوم القباني بكتابتها
85 - أو بالأحرى تأليفها - من غير الاعتماد على أصل تراثي معروف لها، رغم شيوع روح «ألف ليلة وليلة» في أحداثها، دلالة على وضوح مفردات الرسالة في ذهنه منذ بداية كتاباته المسرحية. وهناك أسباب منطقية عديدة لاعتبارها أولى كتابات القباني المسرحية، منها أسلوب الكتابة في شكله الخارجي الذي يميل إلى الشكل الروائي (القصصي) أكثر من ميله إلى الشكل المسرحي؛ حيث تداخل السرد مع الحكي مع الإرشادات المسرحية من غير فواصل محددة للمناظر أو المشاهد، التي أطلق عليها القباني فيما بعد في مسرحياته الأخرى اسم (وقائع).
نضيف إلى ذلك قلة ألحان المسرحية
86
بمقارنتها بعدد الألحان في أية مسرحية سابقة، مما يدل على أن الموسيقى لم تكن هدفا فنيا في مخيلة باكورة القباني المسرحية، ذلك الهدف الذي أصبح رئيسيا في أعماله التالية، كذلك ندرة الشخصيات النسائية المتمثلة في شخصية واحدة هي «هزار» والدة حليم، والاستغناء عنها جائز دون حدوث خلل في الموضوع أو في السياق الدرامي. وهذه الأمور في مجمل مثالبها تمثل طبيعة البدايات.
والجدير بالذكر - في هذا الصدد - أن القباني كتب «ناكر الجميل» بأسلوب الأوبريت - كباقي كتاباته الأخرى - أي مزيجا من النثر والشعر، ولكنه في النثر غالى في استخدام الصنعة اللفظية، من سجع وجناس وطباق ... إلخ مظاهر أسلوب الكتابة العربية في القرن التاسع عشر، وهذا الأسلوب بهذا الغلو - ربما غير ملائم في العروض التمثيلية - ولكنه ملائم في القراءة الأدبية - وهو أسلوب لم نلحظه في بقية النصوص المسرحية التي سبق الحديث عنها، ومثال على ذلك قول ناصر لحليم: «والله إن «غادر» لذميم، وشيطان رجيم، كثير الوسواس، خئون خناس، قليل الأمانة، مصدر الخيانة، ذو مضرة ورياء، ومخاصمة ومراء، أخلاقه ذميمة، وأوصافه مشومة، خبيث الطوية، وحركاته شيطانية، كالنار في الإحراق، وإبليس في الشقاق ...» إلخ.
87
ونماذج هذا الأسلوب كثيرة في النص، مما يدل على أن القباني كتبه بأسلوب أدبي - كمحاولة أولى - قبل أن يمارس تمثيله بصورة مسرحية عملية.
أما الصياغة الشعرية في المسرحية، فالقباني لم يكن في مستواه المعهود الذي رأيناه في مسرحياته السابقة، مما يشير إلى أن «ناكر الجميل» كانت بداية مبكرة لممارسته الكتابة المسرحية ونظم أحداثها شعرا، فالقباني لم ينظم أشعارا من تأليفه بقدر ما اقتبس من أشعار الآخرين! كما أنه لم يستخدم أسلوبه المتبع في دمج تآليفه الشعرية داخل نسيج أبيات الآخرين المقتبسة. ويمكن تفسير ذلك بأن كثرة اقتباساته الشعرية مرجعها أنها أبيات صارت - في الأدب العربي ووجدان شعوبه - حكما وأمثالا وأقوالا مأثورة، تتفق مع مفردات رسالته المسرحية التي بدأت تتشكل ابتداء من هذه المسرحية.
والمعروف أن القباني كان لا يذكر أسماء الشعراء المقتبسة أشعارهم، ورغم ذلك استطعنا التحقق من ستين بيتا لشعراء كثر - في مسرحية «ناكر الجميل» - منهم على سبيل المثال وفق ترتيب الأبيات المقتبسة: أبو العتاهية، وأبو نواس، وأبو الطيب المتنبي، وعنترة بن شداد، والخليل بن أحمد الفراهيدي، وعبد الواحد المخزومي المعروف بالببغاء، وعلي السبتي، وأبو الهدى الصيادي، وابن نباتة السعدي، وأبو زبيد الطائي، وصالح بن عبد القدوس، وناصح الدين الأرجاني، ومروان بن أبي حفصة، ومالك الأزدي، والإمام الشافعي، ومحمود الوراق، وابن اللبانة الداني، وأبو الحسن التهامي، وعمر اليافي.
ومثال على ذلك، قول علي السبتي:
88
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهمو
فطالما استبعد الأحرار إحسان
وكن مع الناس معوانا لذي إرب
يرجو نوالك إن الحر معوان
وقول أبي زبيد الطائي:
89
وكنت إذا الصديق أراد قهري
وأشرفني على ظمأ بريق
غفرت ذنوبه وكظمت غيظي
مخافة أن أعيش بلا صديق
وقول أبو نواس:
90
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت
له عن عدو في ثياب صديق
وقول الببغاء:
91
هي الدنيا تقول بملء فيها
حذار حذار من بطشي وفتكي
فلا يغرركمو مني ابتسام
فقولي مضحك والفعل مبكي
وكما هو واضح من هذه الأمثلة - وما أشرنا إليه من قبل - بأن الأشعار المقتبسة في مسرحية «ناكر الجميل» تمثل الحكم والنصائح والأمثال ... إلخ، وكأنها إرشادات تقويمية وعظيمة للنشء؛ ولهذا السبب لم تقم الفرق المسرحية الأخرى بتمثيلها بقدر ما قامت المدارس بعرضها على تلاميذها؛ لما فيها من أمور تربوية تعليمية، ناهيك عما فيها من محفوظات شعرية تمد الطالب بذخيرة لغوية أدبية تعينه على الإنشاء السليم، وهذه الأمور تدخل في صميم مفردات رسالة القباني المسرحية. ومن هذا المنطلق التربوي التعليمي أصبحت هذه المسرحية درة العروض المدرسية المدرسية في مصر من عام 1897 إلى عام 1916م.
92
الخل الوفي
اختتم القباني أسبوعه التمثيلي الأول - بقهوة الدانوب بالإسكندرية - بعرض مسرحية «الخل الوفي».
93
وقد أطلعتنا الصحف على معلومات تساعدنا في تخيل هذا العرض، الذي لم يختلف عن معظم عروض القباني السابقة - المعبرة عن رسالته والمحققة لهدفه وفق مفهوم إحياء التراث - حيث إن المسرحية «تاريخية وقعت في مملكة فارس، يستفاد منها حوادث تاريخية جليلة، يمكن للمرء قياسها على حوادث هذه الأيام من أبواب عديدة. قد جمعت هذه الرواية من كل فن مستطاب، فجاءت مشتملة على: خالص الحكم، وضروب الحماسة، والمروءة، ووفاء العهود، وخديعة النساء، إلى غير ذلك.»
94
وتعد مسرحية «الخل الوفي» لغزا محيرا في تاريخ مسرح القباني؛ لأنها مجهولة النص رغم طباعته، مجهولة الكاتب رغم شهرته! فالقباني عرض هذه المسرحية عشرين مرة منذ عام 1884 إلى 1897م، ورغم ذلك لم يذكر اسم كاتبها في إعلاناته الصحفية،
95
وعندما عرضتها الفرق الأخرى قالت: إن مؤلفها هو إسماعيل عاصم،
96
وهو من مشاهير الكتاب في ذلك الوقت. ومن ناحية أخرى نجد الدكتور محمد يوسف نجم يؤكد أنها مسرحية مترجمة عن ديماس الأب، ترجمها محمد المغربي.
97
واحتمال تأليف إسماعيل عاصم لهذه المسرحية في غير محله،
98
ولم يبق أمامنا من ثم غير القبول - مبدئيا - بأن مترجمها محمد المغربي. وعندما اطلعنا على ترجمته وجدناها مسرحية في خمسة فصول، تدور أحداثها في فلورنسا، وشخصيتها النسائية الوحيدة اسمها «لويزا».
99
رغم أن النص الممثل - من قبل القباني - عام 1884م كان في ثلاثة فصول، وأحداثه تدور في فارس، وبه شخصية نسائية اسمها «شرارة».
100
وهذه الاختلافات تدفعنا إلى القول بأن القباني ربما كتب مسرحية باسم «الخل الوفي» - وهي من نصوصه الضائعة، وما أكثرها - تختلف عن المسرحية التي ترجمها محمد المغربي ونشرها بالاسم نفسه فيما بعد، خصوصا أن معظم أحداثها تدور في الكنائس والأديرة، ومنظرها المتكرر في معظم فصولها به تمثال للسيدة العذراء مريم
101 - رضوان الله عليها - وهذه الأمور لم يألف القباني كتابتها من قبل، ولن يكتب عنها فيما بعد.
ست مسرحيات تراثية عربية استطاع القباني تقديمها - في مقهى الدانوب - في أول أسبوع منذ قدومه إلى مصر، عبرت عن مدى التزامه بإظهار التراث في صوره المشرقة، وتمسكه بمفردات رسالته المسرحية. كما أبانت عن نجاحه في تحقيق هدفه، من خلال أدوات منهجه المستخدمة في التطبيق، مثل: نظم الشعر، وتأليف الأغاني، والألحان المتنوعة، وتشكيلات رقص السماح ... إلخ. وهذه المسرحيات الست شكلت - في الوقت نفسه - رصيده الدرامي الناجح،
102
الذي ستعتمد عليه فرقته سنوات طويلة.
هذا الرصيد الدرامي أعاد القباني عرضه أسبوعا آخر،
103
معتمدا في نجاح إقبال الجمهور لرؤية مسرحياته التراثية الجادة بما فيها من نصائح ومواعظ وحكم شعرية وغناء وحركات تعبيرية موسيقية راقصة محتشمة، مما جعل فتح الله صوصة - أحد المشاهدين - يرى فيها مثال الفن المسرحي العربي المطلوب - دلالة على استيعابه الرسالة، محققا هدفها - فاقترح على القباني عرض مسرحياته بمسرح زيزينيا.
104
كان اقتراحا وجيها، انتقال عروض القباني إلى زيزينيا، فهذا المسرح هو أمل الفرق المسرحية في الإسكندرية، ومن يعرض على خشبته كأنه يعرض على خشبة دار الأوبرا الخديوية في القاهرة، قمة آمال الفرق المسرحية. وهذه الخطوة لم يندفع القباني إليها اندفاع الندامة، بل خطط لها تخطيط السلامة، فأضاف إلى رصيده الدرامي عملين جديدين، هما: مسرحية «الأمير محمود وزهر الرياض»،
105
ومسرحية «الشيخ وضاح ومصباح وقوت الأرواح».
106
فشكل بذلك مجموعة من العروض قدر لها نجاحا جماهيريا وكفاءة متوخاة عندما يعرضها على مسرح زيزينيا.
الأمير محمود
مسرحية «الأمير محمود نجل شاه العجم» - كما جاء عنوانها على غلاف النص المطبوع - تدور حول الأمير محمود، الذي أحب فتاة مرسومة على ورق ممدود، فعقد العزم على السفر في أرجاء المعمورة بحثا عن صاحبة الصورة، فيصل الهند ليجد جيوش أبيه تقف لها بالند تحاول غزوها، فيتدخل لإنقاذ مليكها، فيحاول ملك الهند رد الجميل بجميل أفضل من الجميل في مساعدته على إيجاد صاحبة الصورة، وذلك بتعليقها معروضة على باب حمام الغرباء، ليراها كل قادم من الأنحاء، لعله يتعرف على صاحبتها الحسناء، وبعد وقت ليس بالقصير يرى الصورة شاب فقير، فيغمى عليه في الحال، بعد أن ظهر السر المحال؛ فهو كان يحب هذه الفتاة منذ حين، فهي ابنة ملك الصين، تدعى زهر الرياض، ولكن والدها أبعده عن البلاد، وبذلك عرف الأمير محمود مكان الأميرة المقصود، فرحل إليها وهو نشوان، ليجدها مقيدة بحبائل شيطان، فيستعين بقدرته السحرية على إنقاذ أميرته الصينية، فيقتل الشيطان، ويبتهج الخلان، ويفوز بالأميرة المصونة، صاحبة الصورة الميمونة.
107
ومن الجائز أن تكون مسرحية «الأمير محمود» أول مسرحية يؤلفها القباني وهو في مصر؛ حيث إن المسرحيات السابقة جاء بها من سورية مؤلفة - أو مكتوبة - ضمن استعداداته في تجهيز فرقته قبل قدومها إلى مصر؛ لأنه بدأ التمثيل منذ يوم وصوله، وظل يمثل كل يوم مسرحية جديدة لمدة أسبوع، ولكن «الأمير محمود» عرضها بعد أسبوعين من وصوله، وبعد أن أعاد مسرحياته السابقة لمدة أسبوع بعد عرضها الأول؛ مما يعني أن «الأمير محمود» لو كانت ضمن رصيد الفرقة الدرامي لكان عرضها ضمن مسرحياته في الأسبوع الأول أو في الأسبوع الثاني بدلا من إعادة مسرحيات سبق عرضها من قبل.
ومما يعضد هذا الرأي أن هذه المسرحيات كانت الأرقى أدبيا وفنيا من سابقاتها، وهذا الرقي يتناسب مع خبرة القباني بجمهوره المسرحي الذي اكتسبها في هذين الأسبوعين؛ حيث شعر بأن الجمهور يميل إلى قصص الغرام المستوحاة من التراث العربي، مستمتعا بما فيها من أشعار وألحان وموسيقى، فاستغل هذا الميل لصالح رسالته بصورة أدبية، فألف موضوعا تبنى فيه فكرة الحب العفيف، والحث على عدم الاستسلام، ووصول الإنسان إلى مبتغاه بالجد والعمل، ومحاربة الظلم والقهر في صورة الشيطان. وهذه الأمور في مجملها تخدم رسالته، وتحقق هدفه في ظل إحياء التراث.
أما الرقي الفني المقصود في هذه المسرحية، فقد تمثل في قدرة القباني على تطويع أدوات منهج رسالته؛ حيث زخرف موضوعه بأشعاره الجيدة المناسبة للسياق الدرامي، مقلا في اقتباسه من الآخرين؛ حيث اقتبس أربعة عشر بيتا من أشعار: ابن حزم الأندلسي، وأبي العتاهية، وابن قلاقس، وقيس بن الملوح، وهدبة بن الخشرم، وأبي الشمقمق، وأبي فراس الحمداني، وأمين الجندي، مقابل نظمه 175 بيتا من تأليفه.
ومن أمثلة الأشعار المقتبسة: قول ابن حزم الأندلسي:
108
يا ليت شعري من كانت وكيف سرت
أطلعة الشمس كانت أم أبي هي القمر
أظنه العقل أبداها تدبره
أو صورة الروح أبدتها لي الفكر
أو صورة مثلت في النفس من أملي
فقد تحير في إدراكها البصر
لو لم يكن كل هذا في حادثة
أتى بها سببا في حتفي القدر
ومن مظاهر تقدم القباني في أسلوبه المسرحي - الداعم لمنهج رسالته - تلطيف جفاف الصنعة اللفظية، باحتفاظه بالسجع شكلا، ومعاصرة معانيه مضمونا، ورقة مفرداته إيحاء، وشرح النثر شعرا. مثال ذلك قول الأمير لوالده الملك:
109 «مذاهب العشق يا والدي تختلف، يدركها كل مشوق كلف؛ فقد يكون باللمس ويكون بالنظر، ويكون باستحسان بعض الصور، ويكون يا والدي بالسماع، فيوقع بالمحب في النزاع، وقد يكون بمجرد الوصف، فيورد العاشق موارد الحتف، ومنهم من أصابه في الأحلام، فانتبه مرعوبا من الوجد والهيام، ومنهم من عشق باللثم، فكابد كل غم وهم، وقد يكون العشق اختياري، ويكون بمسارقة النظر اضطراري، وللعشق يا والدي مراتب وأحكام، يعرفها كل من عشق فهام، والخلاصة يا والدي الحنون، أن الجنون فيه فنون.
جنون العشق والبلوى فنون
إذا عبثت بذي لب عيون
وتلك عن القلوب لها حديث
وأسرار تدق لها شئون
وما حركاتها إلا معان
بما يبديه تنبعث الشجون
فتنطق عن خبايا في الزوايا
بما تبدوا به السر المصون
فيطمع بالمنى صبا تعنى
بمعناه وغايته المنون»
كذلك برع القباني في إظهار قدراته الأدبية في هذه المسرحية - التزاما بمفردات رسالته - من خلال ظاهرة امتلاكه لوفرة المرادفات للفظة الواحدة، فعلى سبيل المثال نجد الأمير محمود يشرح للوزير معنى الحب أو الغرام قائلا: «... له مراتب ولوازم وأسماء، تستعبد الأحرار وتذل الأعزاء؛ فمنها: الهوى والعشق والجوى والوله والكلف والتتييم والتتييه والتبل والشغف والتوله والصبابة والمقة والوجد والهيام والشجن والتبريح والفتون والآلام والأرق والجنون والأنين والكمد والاحتراق والنحول والاصفرار والذل والإهانة ...» إلخ.
110
الشيخ وضاح
وإذا أردنا الحديث عن مسرحية «الشيخ وضاح ومصباح وقوت الأرواح»، سنعيد حديثنا السابق عن مسرحية «نفح الربى»؛ لاشتراكهما في جميع الظروف والملابسات؛ فمسرحية «الشيخ وضاح» - مسرحية جديدة - لم يعرضها القباني طوال تاريخه إلا أربع مرات فقط! ثلاث منها في شهري يوليو وأغسطس 1884م، والأخيرة بعد ذلك بخمس سنوات عام 1889م.
111
وهو أسلوب محير لم تعهده الفرق المسرحية في تلك الفترة، مما يدل على أنها - ربما - مسرحية أخرى من رصيد القباني الدرامي، عرضها باسم آخر فيما بعد، أو أن أحد الاحتمالات المذكورة عن مسرحية «نفح الربى» - التي تحدثنا عنها سابقا - ينطبق عليها. وللأسف لم تنشر الصحف ملخصا عنها أو عن مغزاها أو عن فكرتها. كذلك لم نطلع على نص المسرحية الذي يحتفظ به الدكتور نجم - كاحتفاظه بنص «نفح الربى» أيضا - منذ أربعين سنة؛ حتى نعرف حقيقة الأمر.
112
عروض زيزينيا
أصبح رصيد فرقة القباني الدرامي ثماني مسرحيات، تضمن الفرقة لها نجاحا مقبولا عند عرضها على مسرح زيزينيا؛ لذلك بدأت الفرقة تعيد عرض هذا الرصيد مرارا وتكرارا - لتتمكن من إتقانها - في مقهى الدانوب، الذي تحول اسمه إلى «نادي الروايات العربية» دلالة على نجاح العروض الممثلة. وربما أراد القباني تعضيد هذا النجاح بمساندة رسمية حكومية، فنظم قصائد مادحة في خديوي مصر «محمد توفيق» ألقاها - القباني - بنفسه في نهاية عروضه المسرحية قبيل انتقاله إلى زيزينيا.
113
تكاتفت عدة عوامل قدرية وإدارية وفنية في نجاح عروض القباني بزيزينيا؛ فالعامل القدري تمثل في عدم وجود أية فرقة مسرحية - عربية أو أجنبية - في الإسكندرية في هذا الوقت - على قدر اجتهادنا في البحث - فكانت فرقة القباني الحصان الوحيد في مضمار الفن المسرحي. ويأتي العامل الإداري ليساند القدر في صالح القباني؛ حيث قام إسكندر فرح - أمين صندوق الفرقة - بعمل اكتتاب للجمهور من أجل مشاهدة خمسة عروض مسرحية بثمن إجمالي واحد، وهو المعروف بنظام الاشتراك، أي إذا كان ثمن العرض الواحد مبلغا محددا؛ فإن المشترك يدفع هذا المبلغ مخفضا في حالة دفعه مقدما الثمن الإجمالي للعروض الخمسة، وقام حبيب غرزوزي - اللبناني - ببيع هذه الاشتراكات في مكتبته، باعتباره أشهر متعهدي حفلات المسارح في الإسكندرية، وأشهر ناشر للنصوص المسرحية وبائعها في هذا الثغر.
أما العامل الفني فكان أقوى العوامل على الإطلاق؛ حيث قام المطرب عبده الحمولي بالغناء بين الفصول،
114
فتوافد الجمهور بشكل كبير، يتقدمهم محافظ الإسكندرية وبعض رجال الحكومة ولفيف من كبار القوم وأعيانهم، وهكذا نجحت عروض القباني الخمسة: أنس الجليس، وعفة المحبين، ومصباح وقوت الأرواح، والأمير محمود وزهر الرياض، وعنترة العبسي.
115
ويلاحظ في أسماء هذه العروض أن القباني اختارها من رصيده الدرامي اختيارا موفقا؛ لأنها المعبرة عن مفردات رسالته المسرحية، والمجسدة لمنهجه في التطبيق، والمحققة لهدفه المنشود في ظل فكرة إحياء التراث؛ حيث كانت الأقوى دراميا وجماهيريا، تبعا للمفهوم الدرامي في تلك الفترة، ووفقا للإقبال الجماهيري عليها.
الشهر المجهول
شهر ونصف الشهر تقريبا هي فترة نشاط القباني منذ وصوله حتى عروضه في زيزينيا، وهي فترة بها زخم فني صاحبه نجاح جماهيري ينبئ بنجاح أكثر في الشهر الآتي، ولكن الآتي المرتقب لم يأت؛ لأن تتبع نشاط القباني المسرحي - بالنسبة لنا - مرتبط بجريدة الأهرام - المصدر الوحيد للمعلومات عن القباني في هذا الوقت - التي اقترفت مخالفة قانونية، فصدر الأمر باحتجابها لمدة شهر،
116
وبالتالي احتجاب نشاط القباني المسرحي طوال هذا الشهر، وعندما عاودت الجريدة الظهور علمنا أن الفرقة عادت إلى مقهى الدانوب، وأن عروضها مستمرة من خلال رصيدها الدرامي السابق، باستثناء مسرحية جديدة هي «عائدة» المأخوذة من رصيد فرقة سليم النقاش،
117
والتي عرضتها - من قبل - معظم الفرق المسرحية العربية والأجنبية.
وأحداث مسرحية «عائدة» تدور في العصر الفرعوني، حول أسر عائدة ابنة ملك أثيوبيا وقيامها بخدمة الأميرة المصرية أمنيريس، وأن الاثنتين تتنافسان في حب الضابط راداميس، رغم حبه لعائدة دون الأخرى. ومن خلال الأحداث نجد أن أثيوبيا تغير على مصر، فيطلب فرعون من راداميس قيادة الجيش، مع تمني عائدة لها بالانتصار على أبيها وجيش وطنها. وبعد ذهاب راداميس تختبر الأمير أمنيريس شعور عائدة له، فتخبرها بنبأ موته في المعركة، ثم تنفي لها الخبر بعد أن علمت بحبها له. ويعود راداميس منتصرا ويجر خلفه الأسرى، فتقع أنظار عائدة على أبيها أسيرا مكبلا بالأغلال رغم تنكره، فيطلب منها أن تكتم خبر حقيقته. بعد ذلك يأمر فرعون بزواج عائدة من راداميس، ولكن راداميس يطلب من فرعون العفو عن الأسرى فيوافقه البعض ويخالفه رجال الدين. وفي لقاء غرامي تذهب عائدة لمقابلة راداميس فيوقفها والدها، ويطلب منها سؤال راداميس عن طريق الجيش المصري الذي سيلاقي الأثيوبيين، ولكنها ترفض، فيضغط عليها والدها فتوافق مرغمة. وعندما تلتقي براداميس تتفق معه على الهرب إلى موطنها، فيوافق ويخبرها عن الطريق الذي سيسلكه الجيش، وهنا يظهر له عموناصر ويقبض عليه، ويقدم راداميس للمحاكمة، فيحكم عليه بالسجن في قبو حتى الموت جزاء لخيانته. ولكن عائدة تسبقه إلى هذا القبو متخفية حتى تلقى معه المصير نفسه، وبذلك تنتهي المسرحية.
وعرض القباني لمسرحية «عائدة» ربما يعده البعض خرقا لمفردات رسالته، ومخالفة لفكرة إحياء التراث العربي، بوصفها تتحدث عن تاريخ الفراعنة من جهة، ومن جهة أخرى لا تعتبر من رصيد فرقته الدرامي، بل هي من رصيد فرقة أخرى. وبالنسبة للأمر الأول فتاريخ الفراعنة لا ينفصل عن التراث التاريخي للمصريين، وهذه التفرقة التاريخية الدقيقة لم ينشغل بها الفكر العربي في هذا الوقت، لا سيما أن المسرحية اشتملت على معاني الحب العفيف والتضحية في سبيل الوطن والوفاء بالعهود والبر بالوالدين ... إلخ. وهذه المعاني تتوافق مع رسالة القباني؛ مما يعني أنه كان ملتزما بعرض ما يتوافق مع رسالته من مسرحيات، حتى لو كانت من الرصيد الدرامي للفرق الأخرى، مثلها مثل المسرحيات المؤلفة من قبل آخرين أمثال الشيخ إبراهيم الأحدب.
الاختيار الأخير
انتهت شهور الصيف، وأصبحت الإسكندرية خاوية من زائريها، فذاق القباني طعم الكساد الجماهيري، ولم يجد الجديد في جعبته الفنية؛ كي يضمن استمرار رسالته المسرحية، كما لم يجد ابتكارا في أدوات منهجه يجذب به الجماهير. فعاش القباني أزمة حقيقية لا مجال لاجتيازها سوى اختيار طريق من ثلاثة: إما العودة إلى وطنه سورية، وهو اختيار مجبر على رفضه - كما سنعلم لاحقا - أو تكرار تجربة سليم النقاش عندما ترك المسرح إلى نشاط آخر، وهو اختيار أشد قسوة من الأول؛ لأنه يعني التخلي عن رسالته المسرحية. إذن لم يبق أمامه سوى الاختيار الأخير، وهو الانتقال برسالته من الإسكندرية إلى القاهرة.
عروض العاصمة
جاء القباني بفرقته إلى القاهرة في منتصف أكتوبر 1884م، واستأجر مسرح البوليتياما، وبدأت عروضه المسرحية تتوالى مع إقبال جماهيري لا بأس به، استطاعت جريدة الأهرام نقل مظاهر إعجابه، كما نقلت خبر تشجيع فارس نمر عندما ألقى خطبة بعد عرض حضره للقباني، أبان فيها فضل فن الروايات على الهيئة الاجتماعية،
118
مما يؤكد نجاح وصول رسالة القباني المسرحية إلى جماهير العاصمة، وتحقيق الهدف منها.
ومما ساعد على نجاح عروض القباني الأولى في القاهرة، أنها كانت العروض العربية الوحيدة المطروح عرضها في تلك الفترة، وبالتالي لم تلق فرقة القباني أية منافسة، ويضاف إلى ذلك قيام القباني بعرض مسرحيتين جديدتين، ضمهما إلى رصيده الدرامي هما: «لباب الغرام» أو «الملك متريدات» و«حمزة المحتال».
119
ومن الجدير بالذكر في هذا المقام - دليلا على تحقيق هدف الرسالة - أن نجاح عروض القباني في مسرح البوليتياما بالعاصمة وتوافد الجمهور على رؤيتها أثر سلبا على عروض الفرق الأجنبية، التي كانت تعرض على مسرح حديقة الأزبكية، وهذا يعني أن القباني قدم عروضا ذات مضامين ومعان مطلوبة لجماهير تلك الفترة، لم تكن متوفرة في العروض الأجنبية، وبمعنى آخر: أن رسالة القباني الفنية كانت أقوى من رسالة العروض الأجنبية، وأن القباني - وفق مبدأ إحياء التراث - نجح في مواجهة الثقافة الغربية بثقافته العربية المتمثلة في عروضه المسرحية التراثية. والدليل على ذلك أن المسيو «أنريكو سانتيني» - مستأجر مسرح حديقة الأزبكية من الحكومة - قدم طلبا إلى نظارة الأشغال العمومية في سبتمبر 1885م، لإعفائه من دفع أجرة المسرح عن هذا الموسم بسبب عروض الأوبرا والحفلات الموسيقية بكشك حديقة الأزبكية وعروض مسرح البوليتياما.
120
لباب الغرام
أحداث مسرحية «لباب الغرام» تدور حول ملك اليونان متريدات، الذي يشن حربا على روما انتقاما لمقتل والد خطيبته «مونيم»، وتأتي الأخبار بأنه مات في المعركة، فيحضر ابنه «فرناس» - أمير إحدى المدن - محاولا الاستيلاء على الحكم، وإجبار «مونيم» على الزواج منه، ولكنها ترفض، كما يحضر الابن الآخر «إكسيفار» - أمير إحدى المدن النائية - حزينا على والده، ممنيا النفس بالزواج من «مونيم» التي أحبها في الماضي، وعندما علم بأن أباه خطبها آثر البعد، وتدور مناقشة محتدمة بين الشقيقين حول أحقية فرناس بالحكم، ومحاولة إكسيفار ثنيه عن عزمه هذا، فتتدخل مونيم في النقاش وتنكشف عاطفتها تجاه إكسيفار، وفي هذا الوقت تأتي أخبار بأن الملك ما زال حيا. وعندما يعود الملك يعرف من وزيره ما دار بين ابنيه ومونيم، فيزج بهم جميعا في السجن، وبعد فترة يعفو الملك عن فرناس الذي جهز جيشا وتمرد على أبيه وانضم إلى أعدائه، وقرر قتل الجميع ليفوز بالملك، وفي الوقت نفسه يهرب إكسيفار مع مونيم من السجن، وبعد عدة أحداث ينجح الأب في قتل ابنه فرناس لخيانته، ولكن جيش الأعداء كاد يهزم متريدات، فخشى الملك من الوقوع في الأسر ذليلا، فحاول قتل نفسه، في الوقت الذي يظهر فيه إكسيفار وينتصر على الأعداء وينقذ والده. وبهذا الفعل يتأكد الملك من شجاعة ابنه إكسيفار فيتنازل له عن العرش وعن خطيبته، وتنتهي المسرحية نهاية سعيدة.
وهذه المسرحية كتبها القباني متأثرا بمسرحية «الملك متريدات» لراسين - من خلال اطلاعه على تعريب للمسرحية، قاما به سليم تقلا كما نرجح،
121
أو عن طريق آخر كما يرجح آخرون
122 - مع ملاحظة أن عرض هذه المسرحية من قبل القباني لا يعتبر خرقا لتوجهه في إحياء التراث العربي؛ لأنه حول معانيها إلى أوبريت جيد في نثره وشعره، وفق مفردات رسالته المسرحية، لما وجده في النص الأصلي من معان صالحة للعرض أمام الجماهير، تتفق مع موضوعاته التراثية السابقة، بما فيها من أحداث تاريخية إيجابية لتمثلها من قبل المشاهدين، أو سلبية لتجنبها من قبلهم، مثل الشجاعة والمروءة والحب العفيف والإخلاص والوفاء والغدر والخيانة والخسة والدناءة ... إلخ، وبالتالي يضمن القباني تحقيق هدف رسالته.
وإذا كان القباني أثبت قدرته الشعرية في أعماله السابقة، فهو في «لباب الغرام» تفوق على نفسه وأظهر مهارة شعرية ملحوظة - تضاف إلى مهارته في تطبيق منهج رسالته - حيث لم يقتبس سوى بيتين فقط من الصاحب بن عباد
123 - حسب اجتهادنا في تخريج الأشعار - مقابل نظمه لأكثر من ثلاثمائة بيت، خلافا لعشرات الأبيات التي كتبت بأشكال مختلفة من الشطرات الثلاثية والرباعية والخماسية، التي تدخل في جنس الموشحات، وهذا الكم الهائل من النظم كان موجها نحو ترسيخ مفردات رسالته، آملا تحقيق هدفه؛ حيث دارت هذه الأشعار حول معاني المسرحية المتنوعة - السابق ذكرها - من شجاعة ومروءة وحب وإخلاص ... إلخ؛ مما يعني تمسك القباني بمبدأ حركة الإحياء في مواجهة الثقافة الغربية بالثقافة العربية عندما حول معاني راسين إلى أشعار عربية أصيلة.
ومن ابتكارات القباني الكتابية في هذه المسرحية - التي تدخل ضمن تنوع أدوات منهجه - أنه كان يمزج - في الحوار المسرحي - النثر بشطرتي الأبيات العمودية، ثم بشطرات الموشحات - الثلاثية أو الرباعية أو الخماسية - مزجا فنيا متوافقا في معانيه ومضامينه للتعبير عن الأحداث، وهو شكل جديد لم نعهده في الكتابات المسرحية السابقة أو اللاحقة لكتابات القباني.
ومثال على ذلك قول إكسيفار:
124
آه كيف أغراني أبي بنكره، وخاضعني بتمويهه ومكره، حتى اطلع على سري، وفهم حقيقة أمري، وأوقعني في الشدائد، والمصائب والمكائد، وقد أظهر لي علامات الصلاح، وأوضح لي سبل النجاح، وقال لي إني بلغت سن اللغوب، وأنحلتني الكروب والخطوب، وقد أزمعت أن أرقيك، على التخت الملوكاني دون أخيك، وأزوجك بمونيم ، وأجعلك ملكا عظيم، فرقاني حالا إلى الحبس، وجعل قريني النحس، ما أيمنها من عبارة، وما أحسنها من زهارة، يا ترى أين مونيم الآن، وما فعل بها والدي الخوان، هل عيوني تراها، أو أقضي شهيد هواها، آه، وا عنائي، وشدتي وطول بلائي، من ظلم أبي، ولواعج كربي، وجور طوالع الهوى، الذي أذاقتني علم الجوى، وسيرتني محزون، وأسير مسجون.
لولا الهوى ما نابني
ضيم ولا ذقت العذاب
كلا ولا أبصرت سج
نا قد علاني باكتئاب
هل يا ترى مونيم تد
ري ما بقلبي من العذاب
أم هل أنال منها بع
د البعد ذا الحبس اقتراب
وا لوعتي جسمي غدا
من حرقة البين مذاب
أنا في القيود مصفد
وفؤادي عاد في التهاب
وسواي بالإطلاق ير
فل والنعيم المستطاب
سبحان من قسم الحظو
ظ فلا ملام ولا عتاب
طال انتحابي
وزادت شجوني
والقلب صابي
ألا فارحموني
نار الجوى بي
أبادت شجوني
لكم ثوابي
فلا تظلموني
قيدي ثقيل
وحبي جحيم
وجسمي نحيل
ودمعي سجيم
حزني طويل
وقلبي كليم
إني دخيل
فلا تقتلوني
حمزة المحتال
وإذا أردنا الحديث عن مسرحية «حمزة المحتال»، سنقول إنها لغز ألغاز عروض القباني المسرحية؛ لأن فرقته لم تمثلها إلا مرة واحدة فقط يوم 3 / 11 / 1884 بمسرح البوليتياما بالقاهرة، ولم تعد عرضها مطلقا طوال تاريخها الفني. وغموض هذه المسرحية يزداد بفقدان نصها، وعدم قيام أية فرقة أخرى بتمثيلها، ولحسن الحظ أن جريدة الأهرام نشرت خبر تمثيلها الوحيد - مبينة فحوى موضوعها، وظروف عرضها، وما صاحبها من مغريات فنية أخرى - قائلة:
مثل فريق الروايات العربية في الليل الفائت رواية «حمزة المحتال»، وهي مضحكة مبهجة، جمعت بين الهزل والجد فوائد أدبية متعددة، أخصها بيان عيب حرص الغنى، وخصاصته وبخله بإنفاق القرش الواحد، ليكسب منه بعد ذلك ألوف القروش. ونتيجة سوء تربية الأولاد بإفساد أخلاقهم من صغرهم، وإيضاح الأسباب التي تجعل المال مضرا بأولاد الأغنياء، الذين يكتفون من اتباع مسرة اللبس بحسن اللباس، وإتقان الزي وغير ذلك من الفوائد، وقد عقب الرواية فصل راقص، ثم فصل مضحك، فأجاد المشخصون ونالوا رضى الحضور، الذين كرروا لهم التصفيق استحسانا، وفي ختام الرواية أعلن حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل مدير الفريق عن استعداده بتمثيل رواية «الخل الوفي» في مساء اليوم، فسأله الجمهور بصوت واحد تكرار تشخيص رواية لباب الغرام «متريدات»، فأجاب سؤالهم.
125
وهذا الخبر المنشور عن المسرحية لم يوضح هل كان موضوعها تراثيا وفق توجه القباني في إحياء التراث، أو اجتماعيا معاصرا ليكون أول خرق لرسالته؟ وإذا نحينا جانبا هذا الأمر سنجد الموضوع متوافقا مع هدف رسالة القباني، من حيث إظهار عيوب المجتمع من خلال البخل والإسراف وسوء التربية ... إلخ. ويمكننا أيضا - من خلال الخبر المنشور - استخلاص عدة أسباب منطقية تبين لنا عزوف القباني عن إعادة تمثيل هذه المسرحية مرة أخرى.
السبب الأول: أنها مسرحية كوميدية، وهو نوع لم يألفه الجمهور في عروض القباني المسرحية، ومن الجائز أن الجمهور أبان ذلك بعد عرض المسرحية، مثلما أبان عن رغبته في مشاهدة مسرحية «لباب الغرام» بدلا من «الخل الوفي». السبب الثاني: أن المسرحية غير غنائية؛ لأن الجريدة في خبرها السابق لم تشر إلى حسن الإلقاء وتوقيع الألحان ... إلخ العبارات الدالة على العرض الغنائي، كما عودتنا في أخبارها السابقة عن عروض القباني الغنائية. السبب الثالث: أن العرض كان خاليا من رقص السماح، بدليل أن الجريدة لم تذكر عباراتها المعهودة في هذا الشأن، مثل: حسن الإشارات، وتوقيع الألحان والحركات ... إلخ العبارات الدالة على هذا النوع من الرقص. هناك دليل آخر في هذا المقام، وهو أن القباني عرض فصلا راقصا مستقلا بعد عرض المسرحية، وهو إجراء لم يقم به من قبل، دلالة على خلو العرض الأساسي من رقص السماح، وكأن القباني أراد تعويض نقص العرض الأساسي بهذا الفصل.
126
وإذا كانت هذه الأسباب تبرر عدم قيام القباني بإعادة عرض مسرحية «حمزة المحتال»، فإنها في الوقت نفسه تقوي احتمال أن مؤلفها شخص آخر غير القباني - رغم قول بعض الباحثين بأنها من تأليفه
127 - لأن القباني لم يكتب مسرحيات كوميدية من قبل - ولن يكتب فيما بعد - وإذا كان القباني هو المؤلف، فكيف يؤلف مسرحية خالية من الغناء، وخالية من رقص السماح، وهما من أهم عناصره الفنية المميزة لعروضه الجاذبة لجماهيره؟!
بشتى السبل حاول القباني إرضاء جمهوره؛ أملا في نجاح عروضه الأولى في القاهرة - وبالتالي إيصال رسالته المسرحية - فكان يخضع لرغبات الجماهير في عرض ما تستحسنه، وحجب ما تمجه - كما أوضحنا - وكان يحلي جيد لياليه المسرحية بغناء عبده الحمولي. كما أعلن في الصحف عن نيته مستقبلا تحسين مسرحياته، وزيادة عدد ممثليه ومطربيه، ودفعهم إلى إتقان التمثيل،
128
مما يدل على أن قصورا ما شعر به في فرقته. وهذه الإجراءات والنوايا الحسنة أسهمت بصورة أو بأخرى في إقناع القباني بأن عروضه في العاصمة نالت رضى الجمهور، وكتب لها النجاح الذي كان يأمله، وحققت هدف رسالته كما أراد.
الأوبرا بين الواقع والحقيقة
اقتناع القباني بنجاح عروضه في القاهرة جعله يقدم على خطوة غير محسوبة؛ حيث قرر القفز إلى أعلى قمة الشهرة المسرحية، متجاهلا درجات سلم هذه الشهرة الواجب صعودها من أسفل إلى أعلى، وذلك عندما قرر التمثيل في دار الأوبرا الخديوية، تلك الدار التابعة للخاصة الخديوية مباشرة، والتي تحتكر التمثيل فيها الفرق الأجنبية العالمية. ففي يوم 15 / 12 / 1884 تقدم القباني وعبده الحمولي بطلب إلى وزير الأشغال العمومية من أجل الترخيص بالتمثيل في دار الأوبرا.
129
ومن وجهة نظري أن هذا الطلب لم ينفذ، ولم يقم القباني بالتمثيل في دار الأوبرا في هذه المدة. والاحتمال الأكبر أن الوزارة وضعت العراقيل أمام تنفيذ هذا الطلب الجريء؛ لأن الخاصة الخديوية - أو الحكومة المصرية - ظلت تكافح طويلا في إبقاء دار الأوبرا قاصرة على العروض الأجنبية دون العربية. وما سمحت به للفرق العربية من عروض على خشبتها - في القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين - لم يكن إلا بضعة حفلات في المناسبات الرسمية، أو عروض منتظمة تقدم من خلال الأجانب أصحاب امتياز حق استغلال الأوبرا.
130
وهناك تفسير منطقي آخر لعرقلة الحكومة طلب القباني عرض مسرحياته في الأوبرا، وهو أن هدف رسالته المسرحية لا يتفق مع وجود المستعمر الأجنبي المسيطر على الحكم والحكومة. فكيف يسمح هذا المستعمر - ممثلا في الحكومة - بعروض مسرحية تراثية عربية هدفها: العظة والعبرة والتعليم وإجلاء البصائر ورفع الهمم وبعث الحزم وتقدم الأمم ... إلخ أهداف رسالة القباني المسرحية.
ومما يقوي الرأي بعدم تمثيل القباني في الأوبرا الخديوية - في هذه المدة - أن الصحف لم تتحدث عن أخباره، أو عن عروض فرقته بصورة مستمرة كما هي العادة، واكتفت جريدة الأهرام بخبر واحد يوم 14 / 1 / 1885 قالت فيه: «مثل أمس فريق جناب الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «ولادة»، وقد أجاد كعادته، ولكن كان الحضور قليلين بسبب الأمطار، فالمرجو أن تزدحم أقدامهم في بقية ليالي التمثيل.» هذا الخبر لم تأت بغيره الجريدة إلا بخبر مماثل في أبريل 1885م، ثم بخبر ثالث في نوفمبر 1885م، وكأن القباني لا وجود له في مصر!
وإذا عدنا إلى الخبر المنشور - السابق - سنلاحظ أنه خبر عن عرض أقيم في الأقاليم، وليس في الأوبرا الخديوية! فالجريدة لم تشر إلى المسرح الممثل عليه العرض، ولم تذكر أي تعليق أو استحسان من قبل الجمهور، فجاء الخبر فاترا فاقدا لكل أهمية تليق بعرض يقام في الأوبرا الخديوية، وهذا الأمر غير مقبول منطقيا! فكيف تهتم الصحف بعروض الفرقة في مسرح البوليتياما وتسهب في الحديث عنها، وفي المقابل تتجاهل عروضها في الأوبرا الخديوية ولا تأتي بأخبارها التفصيلية؟!
وشتان بين خبر الجريدة السابق عن عرض فرقة القباني - المفترض أنه مقام في الأوبرا - وخبرها المنشور في العدد نفسه عن فرقة يوسف الخياط - التي ستمثل في مسرح البوليتياما وليس في الأوبرا - قائلة: «في مساء السبت القادم يمثل فريق جناب يوسف أفندي خياط بتياترو البوليتياما رواية «الظلوم» بناء على طلب الجمهور الذي ارتاح إلى حسن موضوعها وجمال مشاهدها. ولا يخفى أن هذه الرواية من خيرة الروايات موضوعا ومشاهدة. ومنذ يوم أمس أعلن الفريق عن اعتماده على تمثيلها، فتقدم الكثيرون إلى ابتياع الأوراق بين لوجات وكراس، والمرجو أن يزدحم الوفود في ليلة السبت القادم.»
ويلاحظ في خبر الجريدة عن القباني أنه أشار إلى ليال أخرى تالية، ولكن الجريدة أهملتها، ولم تتحدث عنها فيما بعد؛ وذلك لاحتمالين: الأول أنها عروض مقامة في الأقاليم، وهي عروض لا تهم القراء بقدر ما تهمهم أخبار عروض العاصمة والإسكندرية. والآخر أن القباني نفسه كان غير موجود ضمن فرقته في هذه المدة، وكانت الفرقة تعرض عروضها الإقليمية من أجل الحصول على نفقاتها، وهو الاحتمال الأرجح، وسيتكرر حدوثه مستقبلا كما سنرى.
والرأي بعدم تمثيل القباني في الأوبرا الخديوية - في هذه الفترة - يخالفنا فيه الدكتور محمد يوسف نجم، الذي أوضح أن القباني مثل 15 حفلة بالأوبرا في الفترة (من 9 إلى 29 يناير 1885م)، اشترك في عشر منها عبده الحمولي،
131
ووثق الدكتور معلوماته هذه - بعيدا عن مرجعه الأثير (جريدة الأهرام) - بقوله: «وقد تحققنا من ذلك في سجلات الأوبرا.»
132
وسجلات الأوبرا - التي اعتمد عليها الدكتور نجم - لا وجود لها الآن؛ لاحتراقها ضمن حريق الأوبرا الشهير في سبعينيات القرن العشرين، ولكنها تتفق مع الوثائق التي اعتمدنا عليها، والمحفوظة في دار الوثائق القومية، التي تقول بحقيقة أن القباني قدم طلبا للتمثيل في الأوبرا، ولكن واقع هذه الحقيقة يقول إن صمت الصحف المريب حول هذه العروض، يثبت أنها عروض كان من المفروض أن تعرض ولكنها لم تعرض ... وفرق كبير بين الحقيقة والواقع! وربما مستقبلا يأتي أحد الباحثين بأدلة تؤكد عدم تمثيل القباني في هذه المدة أو تثبت العكس، ولكنني لا أتصور وجود أدلة تؤيد ما ذكره أدهم الجندي - عن هذا الأمر - بأن الخديوي توفيق عندما قابل القباني أعطاه دار الأوبرا، كي يمثل فيها لمدة سنة تشجيعا لفنه دون مقابل.
133
وربما آخر ما نملكه من الأدلة المنطقية على عدم تمثيل القباني في الأوبرا هو ما حدث بعد ذلك! فإذا كان القباني مثل بالفعل في الأوبرا لكان وصل إلى قمة الشهرة، مما يجعله يتمسك بهذه القمة ويحافظ عليها، ويدافع عنها بكل ما لديه من موهبة فنية، وقدرة إدارية على ثبات فرقته في الساحة المسرحية. الغريب أن العكس هو الذي حدث! فلم نجد للقباني نشاطا ملموسا منذ يناير إلى نوفمبر 1885م، ومعظم هذه الفترة كان القباني في سورية، وإذا كان سفر القباني بسبب شعوره بالإحباط من عدم تمثيل فرقته في الأوبرا فسيكون ذلك مبررا مقبولا، ولكن إذا كان مثل في الأوبرا فلن يكون سفره مقبولا، وهذا يعني أن هناك سببا آخر أدى بالقباني إلى السفر وترك فرقته في مصر، خصوصا أن فرقته كانت الفرقة العربية المسرحية الوحيدة التي تعرض مسرحيات عربية في مصر منذ قدومه لأول مرة وحتى عروضه في البوليتياما في نوفمبر 1884م.
أول منافسة
السبب هو ظهور فرقة منافسة للقباني لأول مرة، وهي فرقة يوسف الخياط، التي عرضت مسرحيتي «هارون الرشيد» و«الظلوم» على مسرح زيزينيا بالإسكندرية في ديسمبر 1884م،
134
كما عرضت مسرحيتي «الكذوب» و«الظلوم» أيضا على مسرحي برنتانيا والبوليتياما في يناير 1885م. والمسرح الأخير كان مخصصا لآخر عروض القباني.
135
وبهذه العروض - وغيرها
136 - استطاعت فرقة يوسف الخياط الهيمنة على الساحة المسرحية العربية في الإسكندرية والقاهرة، في أثناء فترة غياب القباني في سورية، وهذا الموقف يشير إلى أن القباني - بوصفه صاحب رسالة فنية - ذو طبيعة مسالمة، غير راغب في خوض المنافسات الفنية، أما أعضاء فرقته في مصر فكانوا يمثلون - في أثناء غيابه - بعض العروض المتواضعة
137
لسد نفقاتهم كما أوضحنا من قبل.
عودة مماثلة
ظل القباني في سورية طوال ستة أشهر، يستعد استعدادا قويا لعودته إلى مصر بصورة فنية جديدة تضمن له نجاح رسالته الفنية واستمرارها، وتكفيه - في الوقت نفسه - عواقب المنافسة غير المضمونة، وبعد أن كمل استعداده جاء إلى الإسكندرية مرة ثانية في نوفمبر 1885م، ليعيد مشهد قدومه الأول؛ حيث بدأ التمثيل في مقهى الدانوب، الذي أصبح اسمه «تياترو الدانوب»، وقد وصفت جريدة الأهرام شكل الفرقة في صورتها الجديدة بقولها: «إن الجوق تام العدة والنظام، ومؤلف من خيرة المشخصين، والروايات بديعة الموضوع ومختلفة المشاهد، وسيعقب تمثيل كل رواية تقديم فصل بانتوميم مضحك.»
138
كانت بداية القباني الثانية ناجحة؛ حيث استطاع في أسبوع واحد عرض خمس مسرحيات، القليل منها من رصيده الدرامي المعروف مسبقا - مثل مسرحيتي «متريدات» و«عائدة» - والكثير من المسرحيات الجديدة التي تمثل جانبا إيجابيا من استعداده الجديد الذي جاء به من سورية، وهذا الجديد أسفر عن ظهور مسرحيات عربية تراثية وفق التزامه بإحياء التراث العربي هي: «مجنون ليلى» و«عبد السلام الحمصي» و«عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة». وحتى يضمن القباني نجاح عودته الثانية خفض أجرة الدخول.
139
مجنون ليلى
إذا أردنا الحديث عن مسرحية «مجنون ليلى» سنلاحظ أن القباني عرضها مرتين فقط يومي 12 و17 نوفمبر 1885م،
140
ولم يعرضها بعد ذلك مطلقا، ولم تعرضها أية فرقة بعد ذلك نهائيا! والسبب في ذلك مجهول، ويثير الفضول لمعرفة الحقيقة وراء هذا الإحجام عن عرض هذه المسرحية فيما بعد! لا سيما أن قصة «مجنون ليلى» من أشهر قصص الغرام في التراث العربي والشعبي. وتعتبر مسرحية القباني أول معالجة مسرحية لهذه القصة قبل أن يتطرق إلى معالجتها - أمير الشعراء - أحمد شوقي عام 1930م!
ومما يسهم في ضبابية ظروف هذه المسرحية أن نصها الكامل مفقود رغم وجود أوراق المشهد الأخير لدى الدكتور محمد يوسف نجم - منذ عقود أربعة - الذي تضاربت أقواله حول نسبة هذه المسرحية إلى تآليف القباني؛ فتارة يقول إنها من مؤلفاته،
141
وتارة أخرى يظن أنها من تأليف الشيخ إبراهيم الأحدب،
142
وهذا الظن - بكل أسف - غير مقبول من الباحث؛ لأن بين يديه نص المشهد الأخير من المسرحية، وأيضا - بين يديه - النص الكامل لمخطوطة مسرحية «مجنون بني عامر مع محبوبته» لإبراهيم الأحدب،
143
فلماذا الظن؟!
وربما عن قريب ينجح أحد الباحثين في الحصول على إجابات شافية لهذه الأسئلة حول مسرحية «مجنون ليلى» وغيرها من مسرحيات القباني المجهولة. ولكن ما يهمنا في هذا المقام أن القباني لم يحد عن مفردات رسالته المسرحية؛ حيث إن مسرحية «مجنون ليلى» إحدى قصص التراث الأدبي والشعبي العربيين، وفيها من معاني الفضيلة والحب العفيف والإخلاص والوفاء الكثير، وهي معان أصيلة تسهم في تحقيق هدف رسالته.
ديك الجن
ومسرحية «عبد السلام الحمصي» - أو عبد السلام بن رغبان الحمصي المعروف بديك الجن
144 - لا تختلف في ظروفها كثيرا عن مسرحية «مجنون ليلى»؛ حيث عرضها القباني أيضا مرتين فقط في نوفمبر 1885م، ومارس 1886م،
145
ولم تمثلها أية فرقة أخرى بعد ذلك. والجدير بالذكر أن هذه المسرحية شذت عن سابقتها - مجنون ليلى - في أنها من تأليف الشيخ إبراهيم الأحدب وليست من تأليف القباني، ونصها نشره الدكتور نجم عام 1985م.
146
وقد اعتمد الشيخ الأحدب في كتابتها على أخبار ديك الجن المنشورة في كتاب الأغاني للأصفهاني، وقد مثلها القباني لتوافقها مع رسالته المسرحية، لما فيها من معاني الحب العفيف والإخلاص والوفاء والغدر والخيانة ... إلخ المعاني الموجودة في مسرحية «ولادة» للأحدب أيضا، والتي تسهم كذلك في تحقيق هدف رسالة القباني المسرحية.
عفيفة
لم يبق من مسرحيات القباني الجديدة سوى مسرحية «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة» التي عرضها بأسماء أخرى، منها: «عاقبة الصيانة» أو «عاقبة الصيانة والخيانة» أو «عفيفة»، وظل يمثلها عشرات المرات حتى عام 1899م.
147
وأحداثها تدور حول قيام الأمير «علي» بمناصرة الأمير زهير ضد أعداء الأخير، ويترك الأمير علي الحكم وزوجته «عفيفة» في يد نائبه «سليم». ولكن سليما خان العهد، وبدأ يراود عفيفة عن نفسها، ولكنها أبت ووبخت سليما توبيخا شديدا، فأسرها في نفسه وقرر الانتقام منها بعد أن أنجبت ولدا من الأمير علي في أثناء غيابه. فأرسل سليم خطابا إلى الأمير يبلغه فيه بأن زوجته عفيفة زنت وأنجبت ولدا من السفاح، فأرسل له الأمير ردا مكتوبا يأمره فيه بقتل عفيفة وابنها. فيقوم سليم بتسليم عفيفة إلى السجان كي ينفذ فيها الحكم في الصحراء، وبعد عودة الأمير علي يكتشف خدعة سليم ويتأكد من عفاف عفيفة وأنها صانت شرفه وغيابه، وعبثا حاول الأمير التكفير عن ذنبه، خصوصا بعد أن سمع بموت زوجته، ولكن السجان يخبره بأنها ما زالت على قيد الحياة، وتعود عفيفة إلى زوجها وابنها، وتنتهي المسرحية نهاية سعيدة كالمعتاد.
وهذه المسرحية كتبها القباني - وفق مفردات رسالته المسرحية، وتوجهه في إحياء التراث - بالأسلوب نفسه الذي اتبعه في بقية مسرحياته؛ حيث ألف قطعها الشعرية والغنائية، مع تضمينها الكثير من أشعار الآخرين المناسبة لمعاني رسالته، أمثال: المتنبي، وعنترة، والبهاء زهير، وبشار بن برد، وابن الرومي، وأبي هلال العسكري، وابن المعتز، والسموأل ، والثعالبي، وأبي ذؤيب الهذلي، وأبي نواس، وعروة بن حزام، والقطامي التغلبي، والمعري، وصالح بن عبد القدوس، وكمال الدين بن النبيه، وحسن حسني الطويراني، وعمر اليافي، وعمر الأنسي، وحنا الأسعد.
وربما هذه المسرحية تصلح نموذجا لبيان ما قام به القباني من تغيير، أو تبديل في الأشعار المقتبسة من آخرين، مما يدل على تنوع أدوات تطبيق منهج رسالته، ويعكس - في الوقت نفسه - قدرته الشعرية، وتنوع أسلوبه المسرحي في الكتابة ، ومثال على ذلك قصيدة حنا الأسعد،
148
الذي يقول فيها:
149
نداماي في صدري السقام لقد قرا
وطير اللقا بالهجر عن منظري فرا
وإن خلتم مينا بما بالحشا ضرا
سلوا فاتر الأجفان عن كبدي الحرا
وعن در أجفاني سلوا العقد والنحرا
رماني ريم بالجفون وما درى
وأعرض عني عزة وتكبرا
وكم جئت أنصاري بأمري مخبرا
حبيب إذا ما رمت عنه تصبرا
يقول الهوى لن تستطيع معي صبرا
وقد عز عني بالحياة وصاله
وكم ذلل الآساد قهرا دلاله
له جيش غنج لن يباري قتاله
يذكرني عهد النجاشي خاله
وأجفانه الوسنا تذكرني كسرى
هذه القصيدة أعاد القباني صياغتها حذفا وإضافة وتعديلا وتبديلا ... إلخ؛ كي تصبح مناسبة للموقف الدرامي في المسرحية - وفق رسالته - فجاءت هكذا:
150
سلوا فاتر الأجفان عن كبدي الحرى
وعن در أجفاني سلوا العقد والنحرا
غزال إذا ما رمت عنه تصبرا
يقول الهوى لن تستطيع معي صبرا
من السمر بالألحاظ إن مال أو رنا
فلا تذكروا من بعده البيض والسمرا
بخيلا غدا بالوصل ما جاء سائلا
له الدمع إلا رد سائله نهرا
له مقلة يعزى لبابل سحرها
كأن بها هاروت قد أودع السحرا
يذكرني عهد النجاشي خاله
وأجفانه الوسنى تذكرني كسرى
ويفتر عن ثغر تنظم دره
فلم أدر عقدا مذ تبسم أم ثغرا
تعشقته كالظبي والغصن قامة
رنا وانثنى كالسيف والصعدة السمرا
ومن اللافت للنظر أن مسرحية «عفيفة» هي الوحيدة المطبوعة للقباني حاملة تفاصيل الألحان بمصطلحاتها الموسيقية، مثل: مقام حجاز دوكاه، أصول نوخت، أو أصول سربند، أو أصول مصمودي، أو مقام شاهناز الحجاز، أصول مدور ... إلخ ، وهذا راجع إلى قيام كامل الخلعي،
151
بتلحين بعض أجزائها، وإشرافه على نشرها والتقديم لها، كما هو مبين في نص المسرحية المنشور في هذا الكتاب.
ومما يجدر ذكره في هذا المقام أن معظم الألحان المذكورة في المسرحية مطبقة على الأشعار والتواشيح المؤلفة من قبل القباني؛ مما يعني أن القباني كان لا يلحن القطع الشعرية المقتبسة من آخرين إلا نادرا، وهذا الأسلوب يبين لنا مدى إحساسه الموسيقي أمام كلمات القصائد والأغاني، ومدى تمكنه من صياغة الأشعار والكلمات المؤلفة بإحساسه الأدبي؛ لتنسجم مع الألحان النابعة من إحساسه الموسيقي، بعكس معاناته في انسجام ألحانه النابعة من وجدانه الموسيقي مع الكلمات النابعة من وجدان الآخرين. وهذه المعاناة تبرر لنا قيامه بكثير من التبديل والتعديل والحذف والإضافة في الأشعار المقتبسة من آخرين والتي تشكل معظم أغاني مسرحياته. وهذه الأمور في مجملها توضح لنا قدرة القباني في امتلاك أدوات منهجه المسرحي، وتوظيفها خدمة لرسالته المسرحية.
هجوم الزمان
انتهت عروض القباني في الإسكندرية، وبدأ يستعد فنيا لاقتحام العاصمة مرة أخرى، خصوصا أن رصيده الدرامي وصل إلى أربع عشرة مسرحية، تكفي لأن تظهر فرقته بمظهر مشرف، لا سيما وانه سيمثل على مسرح حديقة الأزبكية، ذلك المسرح العريق الذي يعتبر خطوة ضرورية لأية فرقة مسرحية تريد أن يكتب لها النجاح والشهرة.
وصل القباني إلى القاهرة بفرقته في ديسمبر 1885م، وبدأ في عرض مسرحياته التي لاقت نجاحا كبيرا.
152
هذا النجاح أثار غيرة الآخرين وحسدهم، فأرادوا النيل منها أملا في إيقاف نجاحها المتواصل. ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟ وما الوسائل التي ستؤثر سلبا على القباني وفرقته؟ وما الأدوات التي ستستخدم لإيقاف هذا النجاح؟ هنا ظهرت جريدة «الزمان» مسخرة صفحاتها في إيجاد هذه الوسائل والأدوات التي من شأنها التأثير سلبا على القباني، مما يؤدي إلى وقف نجاحه - وربما نشاطه المسرحي - حيث قامت يوم 22 / 12 / 1885 بنشر مقالة هجومية ضد القباني وفرقته - من غير ذكر اسميهما - تحت عنوان «التشخيص العربي في تياترو الجنينة».
153
استهلت الجريدة هجومها بمقدمة مثيرة تجبر القارئ على قراءتها والاهتمام بكل كلمة فيها ، قائلة: «صمتنا عن هذا التشخيص مدة طويلة من الزمن، وغضينا الطرف ساكتين عن القذى إلى أن طفح الكيل وعم الويل، وأصبح الكلام فرضا واجبا، وشرح الحال خدمة وطنية.» وبهذا الاستهلال أصبح القارئ واقعا تحت تأثير أمر خطير يحدثه التمثيل المسرحي، لا بد من الوقوف أمامه دينيا (الفرض الواجب)، وسياسيا (الخدمة الوطنية). وهكذا نجح تأثير هذا الاستهلال - منذ البداية - لأن الجريدة استخدمت أهم سلاحين (الدين والسياسة) بوصفهما من الخطوط الحمراء الواجب عدم تجاوزهما.
بعد هذا الاستهلال المؤثر مهدت الجريدة لموضوعها بشرح معنى التمثيل المسرحي الذي يهذب الأخلاق ويحسن الطباع، ويصل بجمهوره إلى درجات الكمال؛ لأنه يرى ويسمع القصص التاريخية ذات المعاني القويمة والعظات الإيجابية ... إلخ هذا التمهيد السامي لمعنى التمثيل المتطابق مع رسالة القباني المسرحية، وكأن الجريدة تتحدث بلسان القباني نفسه، ولكن الجريدة أظهرت عكس ذلك تماما! قائلة: «ولكن من سوء الحظ رأينا التشخيص العربي في تياترو جنينة الأزبكية جاريا على ما يفسد الآداب ويهتك حرمتها، وينزع من القلوب تلك المبادئ الشريفة التي استغرق غرسها السنين الطوال.»
وهذه العبارات أثارت فضول القارئ! فأي تمثيل مسرحي - في هذا الوقت - من الممكن أن يفسد الآداب، ويهتك الحرمات، وينزع من الإنسان مبادئ الشرف؟ علما بأن فرقة القباني - رغم عدم ذكر اسمها - هي التي تمثل في مسرح حديقة الأزبكية في هذا الوقت! ويجيب الكاتب بأن التمثيل المقصود هو تمثيل الرجال! ذلك التمثيل الذي اقشعر منه بدنه عندما رأى رجالا حالقي شواربهم ولحاهم يمثلون أدوارا نسائية، ويتلفظون بعبارات «يا قلبي ... يا روحي»، وهي عبارات لا يمكن أن تقال في محفل أدبي، كما ذكر كاتب المقالة!
ومن البين أن معطيات الكاتب لا تؤدي إلى النتائج التي استخلصها؛ لأن العبارات التي استهجنها تقال في موضوع مسرحي يتطلبه الموقف الدرامي. كما أنها عبارات مستساغة لا خروج فيها على التقاليد أو الآداب العامة. وحتى يؤثر الكاتب في قرائه ذكر أن المسرح محفل أدبي، وهو اسم يطلق مجازا على المسرح، ولكنه يختلف عن معنى المحفل الأدبي المرتبط بالندوة أو الاجتماع أو ... إلخ؛ لذلك أضاف الكاتب انطباعات أخرى قدمها إلى القراء من أجل الوصول إلى موقف شرعي ديني عندما قال: «ويا ليت أصحابنا اقتصروا على ملابس النساء ... بل رأينا منهم من التهتك، وخلع العذار، والإفراط في الغنج، وعدم المبالاة بالأدب، ما ألجأنا إلى أن نحرم حضور الناس في تشخيصهم.»
هكذا استطاع الكاتب التأثير على القراء، وضمان إجماع موقفهم ضد هذا التمثيل المسرحي المشين الذي يحدث في مسرح حديقة الأزبكية، بعد أن نصب نفسه مفتيا، فأفتى بتحريم حضور الجمهور لمشاهدة التمثيل الذي يعرض في هذا المسرح. ولكي يضمن الكاتب تطبيق فتواه من قبل الجمهور نبش ماضي هؤلاء الممثلين وفجر مفاجأة لم تكن في الحسبان، عندما أقنع قراءه بأن فتواه هذه يوجهها ضد ممثلين غير مصريين، بعد أن طبقت - من قبل - الفتوى عينها على هؤلاء الممثلين أنفسهم قائلا: «على أن هؤلاء المشخصين ليسوا بمصريين، بل هم من بعض المطرودين من سوريا؛ لأن حضرة والي الشام لما رأى منهم هذه الأحوال، وعرف عواقبها، منعهم من التشخيص، وشدد عليهم اللوم لدخولهم في صنف النساء مع أنهم رجال.»
وتعد هذه المقالة أقدم قول منشور عن قصة منع القباني من التمثيل في سورية، بما فيها من حقائق اختلف حولها الباحثون المحدثون ممن قالوا إن فرمانا أصدره السلطان العثماني بمنع القباني من التمثيل.
154
والحقيقة أن والي الشام هو الذي أصدر هذا المنع - وربما شفاهة - من غير إصدار وثيقة مكتوبة بذلك،
155
وإلا كانت الجريدة عزفت على هذا الوتر ألحانا هجومية قاسية. كما أن سبب المنع في سورية لم يكن ظهور الخليفة هارون الرشيد في صورة كوميدية، أو أن بعض المشايخ حرموا التمثيل بصفة عامة ... إلخ ما ذكره الباحثون.
156
وحقيقة هذا الأمر - بناء على مقالة جريدة الزمان - أن المنع كان بسبب تشبه الرجال بالنساء في التمثيل؛ حيث إن فرقة القباني كانت خالية من العنصر النسائي.
وإذا عدنا إلى المقالة - مرة أخرى - سنجد كاتبها أطال وأسهب في الاعتماد على السنة النبوية، بوصفها المصدر التشريعي الثاني في الإسلام بعد القرآن الكريم، فيما يتعلق بحرمة النظر إلى الغلام الأمرد، وهو الوصف المنطبق على ممثلي فرقة القباني، قائلا في ذلك: «... إن الشريعة الإسلامية الشريفة لا تجوز النظر إلى وجه الأمرد، الذي يخشى منه الفتنة. بل إن هؤلاء الأشخاص مرد صناعة لا مرد طبيعة، يأتون من التهتك مما تستقبحه بنات الهوى.»
وأخيرا يصل الكاتب إلى هدفه من هذا الهجوم قائلا: «حيث إن التمثيل على هذه الحال، فلنا الثقة التامة بأن سعادة محافظة عاصمتنا الهمام ، نصير الأدب، والمحافظ على فوائده، لم يشاهد ما هو جار في هذا التياترو، وإلا لكان ينفي المشخصين من أول وهلة ... ولأجل ذلك نظهر ثقتنا بأنه يتخذ الاحتياطات اللازمة لمنع هذا التمثيل بالكلية ... ولا شك أن ما حصل في دمشق الشام سيحصل في مصر القاهرة ... وعندنا أن حضرات رفقائنا أرباب الصحف يتقدمون لمساعدتنا في هذا المشروع الذي هو أول خدمة واجبة للوطن العزيز.»
هجوم الزمان الآخر
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا هاجمت جريدة الزمان تمثيل فرقة القباني؟ وهل هجومها كان موجها إلى التمثيل بصفة عامة، أو إلى تمثيل القباني وفرقته فقط؟ الإجابة من وجهة نظري أن الجريدة وجهت هجومها نحو القباني وفرقته بصفة خاصة؛ لأنها أرادت النيل منه وإقصاء فرقته، والدليل على ذلك أنها نشرت - قبل مقالتها الهجومية - مقالة بتاريخ 11 / 4 / 1885 أشادت فيها بعرض مسرحية «الظلوم» لفرقة يوسف الخياط، وأبانت ما في العرض من أمور الغرام والحب والغيرة، وما قام به سليم حبيب أسماء من «حركات طبيعية تجذب القلوب ... فضلا عن أشعاره الرقيقة ولطف تعبيره ورشاقته»، وما قامت به إحدى الممثلات «في حركاتها وبديع كلامها» ... إلخ.
إذن، لماذا أشادت الجريدة بتمثيل فرقة يوسف الخياط، مقابل هجومها على فرقة القباني والمطالبة بوقف تمثيلها وطردها من مصر؟! الإجابة - من وجهة نظري - أن بعض الفرق المسرحية لاحظت صعود نجم القباني وتفوق فرقته في العروض المسرحية، خصوصا بعد أن عرضت على أحد مسارح القاهرة الكبرى - مسرح حديقة الأزبكية - وهذا الصعود سيؤثر عليها سلبا، فأرادت إقصاء القباني بوصفه منافسا قويا يخشى من نجاحه وتفوقه. والدليل على ذلك أن جريدة الزمان لم تكتف بهجومها السابق، بل أردفته بهجوم آخر بعد أربعة أيام فقط من هجومها الأول، فنشرت يوم 26 / 12 / 1885 - تحت عنوان «تياترو جنينة الأزبكية»
157 - نص رسالة جاءتها من «مصطفى عارف» مع التعليق عليها.
أما الرسالة؛ فقد أيد فيها صاحبها هجوم الجريدة على أعضاء فرقة القباني - التي تمثل في حديقة الأزبكية - وأعاد عبارات الهجوم المنشورة من قبل باللفظ تارة وبالمعنى تارة أخرى، حتى وصل إلى هدفه - الذي حاولت الجريدة الوصول إليه من قبل - وهو التخلص من القباني وفرقته. ومن أمثلة ما قاله:
قد انبعث ذميم الأخلاق من هذه العصابة التي طوحت بها الأرياح الدمشقية نفيا للأقذار من أوديتها إلى هنا ... ونحن نشارك جريدتكم الوضاء في عدم بقاء مثل هذه الفئة بين ظهرانينا؛ فإنا وعمر الإنسانية لا نقبل أن أبناءنا يتدنسون بمشاهدتها ويتلطخون بذميم آدابها. ونحن نحن المصريين لا نرضى بأن يقام لدينا سفهاء البلاد الذين أخلاقهم كالجرب السريع العدوى. وهل في شرعة الإنصاف أن تقوم في بلادنا أمة طردت من بلادها لما نجم عنها الضرر العمومي، زيادة عما يشوه وجه الشريعة الغراء.
أما تعليق الجريدة على الرسالة فكان تأكيدا على الهدف المشترك، وهو إبعاد القباني وفرقته من مصر بعد أن زعمت بأن إدارتي المسرح والفرقة عرضتا عليها رشوة عشرين جنيها، ولوجا مجانيا في المسرح حتى توقف هجومها، ولكنها رفضت. وحتى لا تتهم الجريدة بالظلم والقسوة؛ لأنها تنادي بطرد فرقة مسرحية تعمل من أجل كسب قوتها سارعت بالحل الأمثل للممثلين - في حال طردهم - بأن يعودوا إلى أعمالهم السابقة - قبل عملهم في التمثيل - خصوصا وأن عددهم قليل، قائلة: «لا تجوز أية شريعة أو أي قانون فساد عادات وأخلاق أية أمة؛ لأجل يعيش نحو 15 شخصا قادرين على التكسب. بل أن بعضا منهم كان قهوجيا والآخر حلاقا، والثاني يبيع المشمش والدقرين، وغير ذلك.»
خيوط المؤامرة
وبناء على ما سبق نجد أن جريدة الزمان هاجمت القباني وفرقته من أجل مصلحة الفرق المسرحية الأخرى، خصوصا فرقة يوسف الخياط؛ لأن «مصطفى عارف» كاتب الرسالة ما هو إلا ممثل في فرقة يوسف الخياط، وقد ذكرته جريدة الزمان وأشادت بتمثيله في مقالة - سابقة - لها بتاريخ 10 / 2 / 1885 عندما تحدثت عن عرض مسرحية «شارلمان»! إذن ففرقة يوسف الخياط - باعتبارها فرقة منافسة للقباني، وكذلك فرقة سليمان القرداحي كما سيأتي لاحقا - دبرت هذه المؤامرة مع جريدة الزمان من أجل إقصاء القباني؛ حيث إن الجريدة لم تكتب - في هذه الفترة - مقالات مسرحية مادحة إلا في فرقتي الخياط والقرداحي، ولم تكتب مقالات قادحة إلا في فرقة القباني!
وبكل أسف، نجحت المؤامرة وحققت جزءا من أهدافها؛ حيث ابتعد القباني بفرقته إلى أقاليم مصر - لا سيما مدينة طنطا - طوال ثلاثة أشهر، أعاد فيها تمثيل مسرحيات: عنترة العبسي، وولادة، وعبد السلام الحمصي، وعائدة، وناكر الجميل،
158
تاركا العاصمة وما حققه فيها من نجاح إلى فرقتي الخياط والقرداحي. ووصل الأمر بمحيي الدين الدمشقي - أبرز عنصر في فرقة القباني - إلى ترك الفرقة والانضمام إلى فرقة القرداحي.
159
وربما السر الخفي وراء هذه المؤامرة هو فقدان فرقتي القرداحي والخياط لأهم عنصر فني تميزت به فرقة القباني، وهو الغناء. والدليل على ذلك أن هذا العنصر توفر فجأة للفرقتين - في أثناء هجوم جريدة الزمان على القباني - في صورة المطرب مراد رومانو الإسرائيلي،
160
الذي شارك القرداحي أولا،
161
ومن بعده شارك الخياط.
162
وهذه الأمور تمت خلال الأشهر الثلاثة التي ابتعد فيها القباني عن العاصمة، وكان مراد رومانو خشي من منافسة القباني له في مجال الغناء، فأبعده عن العاصمة.
نجاح الهجوم الأخير
وابتداء من منتصف فبراير إلى منتصف مارس 1886م لم تتوقف الصحف المصرية عن الإشادة بفرقة سليمان القرداحي ونشر أخبارها وإعلاناتها؛ تمهيدا للحدث الكبير، وهو تمثيلها لثلاثين ليلة عرض مسرحي بدار الأوبرا الخديوية لمدة شهرين ونصف، بناء على اتفاق تم بين القرداحي وبوني وسوسكينو صاحبا امتياز حق استغلال الأوبرا في تلك المدة.
163
ولم تترك جريدة الزمان هذه الفرصة دون النيل من القباني، فنشرت مقالة هجومية ثالثة ضده في 10 / 3 / 1886 بعنوان «تياترو الأوبرا» غلفتها بمديح للقرداحي - دون ذكر اسمه في المقالة
164 - والإشارة إلى علو مكانة فرقته لما ستعرضه من مسرحيات على دار الأوبرا الخديوية.
بدأت الجريدة هجومها على القباني مع ذكر اسمه صراحة بعد أن لمحت إليه كثيرا في المقالتين السابقتين، قائلة: «... يعلم حضرات قراء جريدتنا ما قدمناه من الكلام على تشخيص أبي خليل القباني الدمشقي؛ فإنه كان مخلا بالآداب والأخلاق، لا تجوزه الشريعة الإسلامية الغراء.» ثم بدأت مقارنتها بين فرقتي القباني والقرداحي من حيث الديانة، فذكرت أن ممثلي فرقة سليمان القرداحي من المسلمين وأوردت أسماءهم.
165
وعندما جاء الدور على القباني قالت: «أما أبو خليل فإنه وإن اعتنق الديانة الإسلامية ... إلا أن فتيانه الذين يتولون التشخيص عارون عن هذه الديانة المطهرة»، كما بينت أن القرداحي يمتلك عناصر نسائية بخلاف القباني الذي يجعل الرجال يقومون بأدوار النساء. واختتمت الجريدة هجومها بحث الجمهور على حضور مسرحيات فرقة سليمان القرداحي التي ستعرض في الأوبرا.
ومن اللافت أن الجريدة أرادت الإساءة إلى القباني بكل صورة ممكنة، لدرجة أنها زعمت أنه كان على ديانة أخرى غير الديانة الإسلامية التي اعتنقها فيما بعد، ناسية - أو متعمدة النسيان - أن اسمه «أحمد»! وبهذه المزاعم نجحت جريدة الزمان في إقصاء القباني مدة من الزمان؛ حيث توارى عن الأنظار، وتفرق أعضاء فرقته، وبالأخص - ساعده الأيمن - إسكندر فرح، الذي كون فرقة مسرحية لم تنجح في بدايتها،
166
فلم يجد القباني مفرا من العودة إلى سورية. ولم نقرأ عن نشاطه المسرحي في مصر طوال ثلاث سنوات استطاعت فيها فرقة سليمان القرداحي أن تتربع على عرش المسرح العربي في مصر من خلال عروضها في الأوبرا الخديوية، وضم الشيخ سلامة حجازي إليها،
167
باستثناء بعض العروض الإقليمية القليلة فرقة يوسف الخياط،
168
وبعض العروض المتفرقة من قبل الفرق المؤقتة وفرق الهواة.
169
عودة ثالثة
ظل القباني في سورية ثلاث سنوات يفكر في أحوال فنه وفرقته، وأخيرا قرر ألا يطعن بالسلاح نفسه مرتين! فإذا كان منع من التمثيل في سورية بأمر من الوالي، فإنه لن يقبل التخلي عن رسالته المسرحية في مصر بأمر من جريدة مغرضة. وبناء على ذلك عاد القباني في مايو 1889م بفرقة جديدة تحمل الجديد في العروض والفصول المضحكة وألعاب السيف والترس، كما جاء بممثل خاص للفصول المضحكة، هو «أبو الخير» بدلا من محيي الدين الدمشقي الذي انضم إلى فرقة القرداحي.
وبهذا الشكل الجديد عرضت الفرقة عروضها المسرحية بمقهى الدانوب بالإسكندرية، حيث عرضت مجموعة من مسرحيات رصيدها الدرامي، مثل: الأمير محمود، ونفح الربى، وعنترة العبسي، وأنس الجليس، والشيخ وضاح وقوت الأرواح، وعائدة، وناكر الجميل.
170
كما عرضت أيضا مسرحيتين جديدتين: الأولى «جميل وجميلة»، وهي مسرحية مفقودة النص، ورغم ذلك يندرج موضوعها ضمن اهتمام القباني بإحياء التراث؛ حيث جاء وصفها بأنها: «مسرحية عربية تاريخية».
171
وهذه المسرحية عرضتها الفرقة كثيرا فيما بعد، ومن المحتمل أن تكون من تأليف القباني وضاع نصها، وما أكثر نصوص القباني الضائعة.
والمسرحية الجديدة الأخرى كانت «جينياف»، ولكن القباني عرضها مرة واحدة فقط، مما يجعلنا نشك في أنها جديدة، بل من المحتمل أنها مسرحية «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة»، وقد عرضها باسم «جينياف»؛ لأن جريدة الأهرام في إعلانها - المنشور بتاريخ 7 / 5 / 1889 - قالت إنها «رواية تدل على حسن عاقبة العفاف والصيانة، وسوء منقلب أهل الظلم والفساد»، وهو المعنى نفسه لمسرحية «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة». وهناك احتمال آخر بأن تكون بالفعل مسرحية «جينياف» - تأليف كريستوف النمساوي - التي ترجمها ميخائيل إبراهيم جهشان، وطبعت في المطبعة الأدبية ببيروت عام 1878م. ومهما كان أصلها، فإن موضوعها يدخل ضمن موضوعات عروض القباني الممثلة لرسالته المسرحية.
والجدير بالذكر أن هذه العروض - في مجملها - لم تنجح النجاح المأمول منها، فانقطعت أخبار القباني أربعة أشهر، ربما كان يمثل في الأقاليم، أو على الأرجح عاد إلى سورية مرة أخرى لت جديد فرقته بعد أن وعى الدرس جيدا من هجوم جريدة الزمان، عندما عابت عليه استخدام الرجال في أدوار النساء؛ لهذا ظهرت فرقة القباني في أواخر سبتمبر 1889م، بشكل جديد؛ حيث قرأنا - ولأول مرة - أخبارا عن استحسان الجمهور تمثيل إحدى الممثلات؛ مما يدل على أن القباني استخدم - أخيرا - العنصر النسائي في فرقته.
وهذا الاستخدام لا يعد انحرافا كبيرا في رسالة القباني المسرحية في هذا الوقت؛ بسبب وجود الممثلات بكثرة في الفرق المنافسة الأخرى، أمثال: فرقة إسكندر فرح، وجوق السرور لميخائيل جرجس، وفرقة سليمان القرداحي. لذلك أراد القباني ألا يقل في مستواه الفني عن بقية الفرق الأخرى؛ ليظل صامدا من أجل هدف أسمى، وهو إيصال رسالته إلى أكبر عدد من جمهوره، ولكن هذا التفكير جاء متأخرا، فلم يجذب العنصر النسائي في فرقة القباني الجمهور بشكل كبير؛ لوجود هذا العنصر بعدد أكبر، وبصورة محترفة في بقية الفرق؛ لذلك عرض القباني القليل من عروضه المسرحية على مسرح شارع عبد العزيز،
172
مثل: أنس الجليس، وجميل وجميلة، والأمير محمود.
173
حلم قديم لم يتحقق
تضافرت عدة عوامل أعاقت مسيرة القباني المسرحية - في ذلك الوقت - منها: تأخره في استخدام العنصر النسائي في فرقته، وساعده الأيمن - إسكندر فرح - الذي أصبح منافسا له بين ليلة وضحاها، وظهور فرق أخرى منافسة لم تكن معروفة، مثل: جوق السرور. كل ذلك أحاط بالقباني، وبدلا من استسلامه لليأس نتيجة طبيعية لهذه العوامل، رأيناه يقدم على خطوة جريئة - لم ينجح في تحقيقها من قبل - عندما تقدم بطلب الترخيص لفرقته بالتمثيل في دار الأوبرا الخديوية!
أخبرتنا بذلك جريدة «المقطم» في عددها بتاريخ 9 / 10 / 1889، قائلة: «أبت لجنة التياترات إجابة الطلب الذي قدمه حضرة المتفنن الشيخ أبي خليل أفندي القباني إلى نظارة الأشغال، وهو الترخيص لجوقه بالتمثيل في الأوبرا الخديوية، وقد بنت رفضها على عدم كفاءة التأمين الذي وضعه الشيخ أبو خليل أفندي في نظارة الأشغال، وعلى عدم معرفتها لجوقه المشار إليه، ولأن المدة التي يمكن الترخيص بها أعطيت قبل ذلك للمسيو روسي مدير الجوق الإيطالي.»
ورغم هذه المفاجأة غير السارة للقباني إلا أن الجريدة قالت أيضا: «... ولا يخفى أنه قد رخص لجوق القباني أفندي غير مرة بالتمثيل في الأوبرا، ونال رضاء الجمهور في حسن الإدارة والتمثيل.» ومن الجائز أن الجريدة - بهذا القول - أرادت مجاملة القباني، أو تخفيف وطأة الخبر على جمهوره؛ لأنها تناقضت في أقوالها! فكيف يستساغ أن تقول بأن لجنة التياترات
174
رفضت طلبت القباني؛ لأنها لا تعرف فرقته، وفي الوقت نفسه تقول: إن لجنة التياترات - التي لا تعرف فرقة القباني الآن - سبق وأن رخصت لها بالتمثيل في الأوبرا أكثر من مرة! علما بأننا لم نجد أخبارا منشورة تؤكد أن فرقة القباني عرضت عروضا مسرحية في الأوبرا الخديوية.
العالمة ليلى
وبناء على ذلك لم ينجح القباني - مرة ثانية - في اعتلاء خشبة دار الأوبرا ممثلا مع فرقته، فعوض ذلك الإخفاق بنجاح فني مبتكر عندما جاء بجوق المطربة العالمة «ليلى الشامية»،
175
لتقديم فصلي طرب راقص بين فصول عروض مسرحياته وفي خواتمها، وهذا الابتكار جعل النجاح المسرحي والتألق الفني ملازمين لفرقة القباني طوال شهرين متواصلين، عرضت فيهما مسرحيتين جديدتين هما: «مي» و«قوت القلوب»، بالإضافة إلى عروض من رصيدها الدرامي مثل: أنس الجليس، والصيانة والخيانة، وناكر الجميل، والولادة بنت المستكفي، وعائدة، والخل الوفي.
176
ونتيجة لنجاح القباني - وبالتالي نجاح رسالته المسرحية، واستمرارها في التأثير على جمهوره شهرين متواصلين من خلال عروضه المسرحية - نادت جريدة «المقطم» بأحقية فرقته التمثيل في الأوبرا، عندما قالت في 28 / 12 / 1889: «بلغنا أن لجنة التياترو تبحث الآن في إعطاء الأوبرا لجوق عربي، وتمنى البعض لو تحقق ذلك وأعطيت الأوبرا لجوق الشيخ أبي خليل أفندي؛ لما حازه من ثقة الناس به، وإقبالهم عليه.» لكن هيهات أن تعطى الأوبرا للقباني - قائد حركة إحياء التراث في تاريخ المسرح العربي - كي يبث من خشبتها رسالته الفنية، عبر عروضه المسرحية العربية، في ظل وجود مستعمر أجنبي، وخاصة خديوية جعلت الأوبرا حكرا على الفرق الأجنبية.
مي
مسرحية «مي» التي أضافها القباني إلى رصيده الدرامي لم تثمر نجاحا ملحوظا؛ فمثلتها فرقته مرتين فقط، وفي المرة الثانية عرضتها في مدينة المنيا، وخصص دخلها للممثلتين الشقيقتين مريم ولبيبة سماط.
177
وهذا الإحجام عن تمثيلها - ربما - راجع إلى كونها تتحدث عن تاريخ الإفرنج وحروبهم، وهو موضوع لم يعهد الجمهور رؤيته في عروض القباني، كذلك كثرة أسماء الآلهة الموجودة في المسرحية، مثل: مارس إله الحرب وبلتون إله الجحيم، ناهيك عن أسماء الشخصيات، مثل: هوراس وكورياس وهوستيليوس، وهذه الأسماء غير مألوفة في كتابات القباني التراثية النضاحة بتاريخ العرب وعاداتهم والفواحة بالمضامين الإسلامية.
وبمعنى آخر: نستطيع القول بأن مسرحية «مي» لم تجسد معظم مفردات رسالة القباني المسرحية، فأحجم عن عرضها. ويضاف إلى ذلك أهم عنصر - من وجهة نظرنا - وقف حائلا أمام تكرار تمثيل هذه المسرحية، هو أن أشعارها الموضوعة وألحانها لم تكن مؤلفة من قبل القباني، بل قام بوضعها سليم النقاش معرب المسرحية.
178
والثابت حتى الآن أن القباني لا يميل إلى تلحين - أو غناء - إلا أشعاره المؤلفة، وألحانه التي أتقن وضعها بنفسه، لا المفروضة عليه من قبل آخرين كما أوضحنا من قبل.
قوت القلوب
أما مسرحية «قوت القلوب» فكانت على عكس «مي» تماما؛ حيث عرضها القباني أكثر من عشرين مرة طوال تاريخه؛ لأنه كاتبها ومؤلف معظم أشعارها وموشحاتها وأغانيها وواضع جميع ألحانها، وقد عرضها باسم «قوت القلوب» تارة، وباسم «قوت القلوب مع غانم بن أيوب» تارة أخرى، وتم طبعها باسم «هارون الرشيد مع الأمير غانم بن أيوب وقوت القلوب».
وأحداث المسرحية تدور حول غيرة زبيدة زوجة هارون الرشيد من الجارية «قوت القلوب»، فدبرت حيلة للتخلص منها في أثناء رحلة صيد لهارون الرشيد؛ حيث قامت بتخدير الجارية ووضعها في صندوق، وطلبت من عبيدها وضعها في قبر بعيد بعد أن بنت قبرا في القصر مدعية بأنه قبر الجارية قوت القلوب. وعلى مقربة من القبر كان يقف التاجر غانم بن أيوب الذي ارتاب مما في الصندوق، وبعد رحيل العبيد فتحه فوجد فيه الفتاة الجميلة مغشيا عليها. وبعد أن عادت إلى رشدها طلبت منه الذهاب إلى بيته وقصت عليه قصتها. وبعد أن قضت عدة أيام مع غانم وقعت في حبه كما وقع في حبها. وعلى الجانب الآخر نجد هارون الرشيد يعود من رحلته ويفاجأ بخبر موت قوت القلوب، فيبكيها بكاء حارا، فتشفق عليه إحدى الجواري وتخبره بالحقيقة، وأن قوتا مع غانم، فيصدر أمره بالقبض على قوت وقتل غانم بن أيوب. وبعد عدة أحداث تنكشف الأمور جلية أمام هارون الرشيد الذي يتحقق من براءة قوت وصدق حبها لغانم، فيوافق على زواجهما بعد أن تعجبه «فتنة»؛ شقيقة غانم ، فيطلبها زوجة له، وتنتهي المسرحية نهاية سعيدة.
وهذه المسرحية كتبها القباني معتمدا في صياغتها - وموضوعها - على حكاية «التاجر أيوب وابنه غانم وبنته فتنة» من حكايات «ألف ليلة وليلة»، وهي تستغرق من الليلة الثانية والخمسين إلى الليلة الستين بعد أن خلصها مما يشينها من العبارات غير اللائقة، والإيحاءات الجنسية، والكلمات الفاضحة ... إلخ ما يتنافى مع الشريعة الإسلامية، وما يتعارض مع العادات العربية وتقاليدها، وما يناقض مفردات رسالته المسرحية، ويعيق تحقيق هدفه وفق مبدأ حركة الإحياء بإظهار التراث في صورة مشرقة.
ومما يحسب للقباني في كتابته لهذه المسرحية - وفق أدوات تطبيق منهج رسالته - أنه لم يقتبس بيتا واحدا من أبيات حكاية الليالي، واستعاض عن ذلك بكثير من أشعاره المؤلفة، وبقليل من أشعار القدماء والمعاصرين المقتبسة، أمثال: قيس بن ذريح، وطرفة بن العبد، وليلى الأخيلية، وابن الرومي، ومحمد بن داود الظاهري، وأبي العتاهية، والمفتي فتح الله، والأفوه الأودي، وعلي بن الجهم، وحسام الدين الحاجري، وكمال الدين بن النبيه، وعائشة التيمورية.
ومن الثابت لدينا أن القباني - في تطبيق منهج رسالته - كان يتأنى في صياغة أعماله المسرحية، ويتأمل في اقتباساته الشعرية، بحيث يكون الاقتباس مناسبا للموقف الدرامي، دالا عليه دلالة قوية، مؤثرا في جمهوره تأثيرا وجدانيا، تحقيقا لهدف رسالته. فإن كان الاقتباس لا يفي بذلك قام القباني بتطويعه بصورة فنية شعرية حتى يجعل العمل دالا وفق رؤيته الدرامية. ومثال على ذلك البيت الذي اقتبسه من قيس بن ذريح:
وتنفست إذ ذكرتك حتى
زالت اليوم عن فؤادي ضلوعي
نجد القباني يستغله مسرحيا في مناجاة هارون الرشيد لنفسه - باكيا على قبر قوت القلوب - قائلا:
179
أنت في رحمة الله وقلبي
في عذاب وفرط حزني ضجيعي
قد تنهدت إن ذكرتك حت
زالت اليوم عن فؤادي ضلوعي
فالقباني نظم البيت الأول ثم تلاه بالبيت المقتبس بعد استبدال عبارة «وتنفست» ب «قد تنهدت»؛ حيث إن التنهد مناسب لموقف النحيب والبكاء على فقد المحبوب أكثر من التنفس. كذلك قام باقتباس بيت طرفة بن العبد - والمنسوب لآخرين أيضا - الذي يقول فيه:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
ووضعه متضافرا داخل نسيج الحوار النثري بين الجاريتين «جميلة وجليلة» وهارون الرشيد؛ حيث وجده مناسبا للموقف الدرامي المسرحي كما تصوره وتخيل تأثيره على المشاهدين، فجاء هكذا:
180
جميلة :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا.
ملك :
ويأتيك بالأخبار من لم تزود. أقوت القلوب لم تمت؟
جليلة :
سلامتها يا مولاي من الموت.
ومن مهارة القباني الشعرية - في تطبيق منهج رسالته - أنه كان يحول المعنى النثري في حكاية الليالي إلى حوار شعري في المسرحية، بعد تهذيبه وتشذيبه مما يجرح الروح العربية الإسلامية. فعلى سبيل المثال نقرأ في حكاية الليالي هذا الموقف: «فلما أقبل الليل، قام المتيم المسلوب غانم بن أيوب، وأوقد الشموع والقناديل، فأضاء المكان، وأحضر آلة المدام، ثم نصب الحضرة، وجلس هو وإياها، وكان يملأ ويسقيها وهي تملأ وتسقيه، وهما يلعبان ويضحكان وينشدان الأشعار، وزاد بهما الفرح وتعلقا بحب بعضهما، فسبحان مؤلف القلوب ... ولعبا مع بعضهما حتى احمرت وجنتاهما واسودت أعينهما، واشتاقت نفس غانم بن أيوب إلى تقبيل الجارية، فقال لها: يا سيدتي، ائذني لي بقبلة في فيك، لعلها تبرد نار قلبي؟ فقالت: يا غانم، اصبر حتى أسكر وأغيب، وأسمح لك سرا بحيث لم أشعر أنك قبلتني ... ثم زادت محبته وانطلقت النيران في مهجته. هذا وهي تتمنع منه وتقول: ما لك وصول إلي. ولم يزالا في عشقهما ومنادمتهما، وغانم بن أيوب غريق في بحر الهيام. وأما هي فإنها قد ازدادت قسوة وامتناعا.»
181
وهذا الموقف حوله القباني - بعد إعادة صياغته بصورة قويمة - إلى حوار شعري هكذا:
182
غانم :
قد طال تلهفي، وكثر انتحالي وتأسفي، وانصدع قلبي، وانذهل لبي.
بديعة المحيا
صلي المحب البالي
قوت :
صه لا تكن بغيا
فإن وصلي غالي
غانم :
يا طلعة الثريا
صليني حان حالي
قوت :
حبيبي كن تقيا
واصبر على الأهوال
غانم :
يا قوت عيل صبري
وفيك عطف بالي
قوت :
وصالنا بعيد
يا صاحب النوال
غانم :
ألا يا قوت رفقا عيل صبري
ورقي فالغرام أذاع سري
قوت :
أغانم دع هواك فدتك نفسي
فإن الأمر هذا عين ضري
غانم :
كيف أسلوك يا بغيتي
والهوى هد منيتي
قوت :
خل عشقي وصبوتي
واترك الحب بالتي
سنوات عجاف
انتهى الاتفاق بين القباني والعالمة ليلى، فاختفت أخبار القباني ثلاثة أشهر، ثم عادت في النصف الثاني من سنة 1890م تخبرنا بأن فرقته تجوب إقليمي صعيد مصر (المنيا والفيوم) عارضة مسرحيات متنوعة من رصيدها الدرامي، بطولة الممثلتين الشقيقتين مريم ولبيبة سماط.
183
وفي هذه الفترة تألقت عدة فرق مسرحية، فشعر القباني بعد استطاعته منافستها، فترك مصر وعاد إلى سورية، ولم ينجح في العودة إلى مصر وممارسة نشاطه المسرحي طوال أربع سنوات (1890-1894م)، وهذا الغياب الطويل غير المسبوق،
184
جعل الفرق المنافسة الأخرى تزداد تألقا، فكان من الصعب على القباني العودة مبكرا ومجاراة تقدم هذه الفرقة وتألقها أو حتى قدرته على امتلاك عناصر نجاحها!
فعلى سبيل المثال نجد فرقة إسكندر فرح - أكبر الفرق المسرحية المتألقة في هذه الفترة (1890-1894م) - امتلكت أهم عنصر من عناصر النجاح المسرحي، وهو وجود الشيخ سلامة حجازي مطربا وممثلا. كذلك امتلاكها لدار عرض مسرحي خاص بها، وهي مسرح شارع عبد العزيز، المميز بوجود ألواج مغطاة للحريم، واحتكارها لنصوص أشهر كتاب المسرح في القرن التاسع عشر، وهو نجيب الحداد. هذا بالإضافة إلى غناء المطربة سيدة السويسية،
185
وعروض الفرقة في دار الأوبرا الخديوية، وعرض الفصول المضحكة بعد العروض الأساسية، وبيع النص المسرحي المطبوع مع التذاكر قبل رؤيته معروضا داخل المسرح ... إلخ.
وإذا وضعنا في الاعتبار هذه الأمور، وأضفنا إليها أن إسكندر فرح كان الساعد الأيمن للقباني، وقوة فرقته الإدارية، والعارف بأدق الأمور والأسرار الإيجابية والسلبية للفرقة، سنضع أيدينا على سر تفوق إسكندر فرح، وتألق فرقته في أثناء غياب القباني، خصوصا وأنه ضم إلى فرقته ممثلتي القباني لبيبة ومريم سماط. وهكذا عرضت فرقة إسكندر فرح عروضها المسرحية الخاصة بها بنجاح،
186
ولكن النجاح الأكبر كان من نصيب مسرحيات القباني التي عرضتها فرقة فرح، ومنها: أنس الجليس، وعنترة العبسي، ومتريدات، وولادة بنت المستكفي، وقوت القلوب.
187
وبذلك ظلت رسالة القباني المسرحية حية بين الجماهير ، وأصبح القباني الحاضر الغائب بوصفه قائد حركة إحياء التراث العربي في المسرح.
وكان جوق السرور لميخائيل جرجس التالي - بعد إسكندر فرح - في الأهمية والتألق - في أثناء فترة غياب القباني - بوصفه أول جوق مصري مسرحي. ومن أسباب تألقه: التجوال بعروضه من مكان إلى آخر بواسطة مسارحه المتنقلة، مثل: التياترو الوطني أمام الجران بار، وتياترو لكسمبرج، ومسرحه بباب الشعرية أمام سوق الجراية، ومسرحه بسوق الناصرية. كذلك عروضه في المسارح الثابتة، مثل مسرح: الألدرادو، وتياترو السكاتنج رنج بالأزبكية ، وقاعة كونيليانو بالإسكندرية، وأيضا وجود «لطيفة عبد الله» بوصفها أول ممثلة مصرية مسلمة، وأول مؤلفة مسرحية مصرية عربية.
188
وأخيرا ابتكاره لفكرة سحب اليانصيب على أرقام تذاكر الدخول، وكانت الجوائز المقدمة للجمهور ثمينة، منها: خواتم الألماس والزمرد والفيروز، أو الأقراط والأساور الذهبية، أو الساعات الثمينة ... إلخ. ضافة إلى ذلك نجد الفصول المضحكة، وألعاب الجمباز، وفقرات السحر من السيماوي الإنجليزي جريجوري، وغناء المطربة ليلى، أو الشيخ إبراهيم أحمد.
189
كل هذه العناصر ضمنت النجاح الكبير لعروض هذا الجوق، التي كان من بينها مجموعة من مسرحيات القباني - دلالة على إيمان جوق السرور برسالة القباني - مثل: ناكر الجميل، وقوت القلوب، والخل الوفي، ومتريدات،
190
بجانب عروض الجوق الخاصة به.
191
أما فرقة سليمان القرداحي، فكانت الفرقة المتألقة الثالثة بسبب وجود الشيخ سلامة حجازي في بعض عروضها، واشتراك سليمان الحداد في قيادتها بعض الوقت، وعرض مسرحياتها على مسارح معروفة، مثل: تياترو السكاتنج رنج بالأزبكية، وتياترو البراديزو بالإسكندرية. هذا بالإضافة إلى وجود الفصول المضحكة في نهاية العروض، كما هو معتاد عند جميع الفرق. وهذه العوامل أسهمت في نجاح عروض الفرقة،
192
التي كان من بينها بعض مسرحيات القباني - الدالة على تبني القرداحي رسالة القباني - مثل: أنس الجليس، وعاقبة الصيانة وغائلة الخيانة.
193
وبخلاف هذه الفرق الثلاث المتألقة، كانت هناك - في هذه الفترة - فرق مؤقتة وأخرى مهمشة، كانت تعرض مسرحيات القباني في أقاليم مصر - تأكيدا على انتشار رسالته بين الفرق - منها: جوق الاتحاد الوطني الذي مثل مسرحية «الأمير محمود»،
194
والجوق الشرقي الوطني لأحمد أبي العدل الذي عرض مسرحية «قوت القلوب»،
195
وجوق الكمال الوطني لعلي حمدي الذي عرض مسرحية «قوت القلوب» أيضا،
196
وجوق جمعية الكمال الأسيوطية الذي عرض مسرحيتي «متريدات» و«ناكر الجميل».
197
ضباب الوجود
ومما سبق يتضح لنا أن القباني كان طوال أربع سنوات الغائب الحاضر في عروض الفرق الأخرى التي كانت تعرض مسرحياته باستمرار في أثناء غيابه وكأنه موجود بين جماهيره، وبعد هذا الغياب نشرت جريدة المقطم يوم 20 / 10 / 1894 خبرا غريبا قالت فيه:
حضر إلى العاصمة منذ مدة حضرة الأديب المتفنن أبي خليل أفندي القباني، وشرع في تأليف جوق لتمثيل الروايات اختاره من نخبة الممثلين والممثلات، وأعد له عدة من الروايات البديعة، ووجه عنايته إلى ضبط ألحانها وتحسين مشاهدها ووقائعها على نمط يشوق الخاطر ويقر الناظر. وسيشرع في التمثيل بعد خمسة عشر يوما، وتكون فاتحة تمثيله في مدينة طنطا حيث يقضي نحو شهر من الزمان، ثم يعود إلى العاصمة ويمثل رواياتها فيها. هذا وإن ما عهد في حضرة أبي خليل أفندي المشار إليه من طول الباع في هذا الفن الجميل بعد مزاولته له مدة طويلة بين مصر والشام يضمن له النجاح والفلاح.
وغرابة هذا الخبر أنه الوحيد - حسب اجتهادنا في البحث - الذي نشر عن القباني بعد غياب أربع سنوات! ولم ننجح في الحصول على خبر غيره طوال أكثر من عامين بعد نشره! ومن الملاحظ أن الخبر يقول: إن القباني موجود في القاهرة منذ مدة! وأنه سيمثل بعد أسبوعين في طنطا،
198
ومن ثم سيعود إلى القاهرة ليمثل فيها! ورغم كل هذه المعلومات إلا إننا لم نجد خبرا عن القباني أو مسرحه قبل هذا الخبر بأربع سنوات أو بعده بأكثر من عامين!
ومن وجهة نظري، فإن خبر جريدة المقطم ربما يحتمل تفسيرين لا ثالث لهما: الأول أن القباني حضر بالفعل إلى القاهرة، وفوجئ بتألق الفرق الأخرى - إسكندر فرح، وجوق السرور، وسليمان القرداحي - فشعر بصعوبة منافستها، فآثر السلامة ورحل إلى طنطا ومنها عاد إلى سورية. والآخر أن القباني لم يحضر إلى مصر وأن الخبر غير صحيح، نشرته الجريدة بإيعاز من أحد أنصار القباني؛ حتى لا ينسى اسمه وسط تألق الفرق الأخرى، أو أن الجريدة نشرته لصالح إحدى الفرق، أو نكاية فيها، وهذا هو الأرجح؛ لأن من غير المعقول أن يحضر القباني إلى مصر بعد غياب أربع سنوات لنجد هذا الخبر الوحيد المنشور عنه، ثم تتوقف أخباره فجأة لأكثر من عامين بعد ذلك؛ لأن من غير المقبول أن يكون رصيد القباني ومسرحه طوال أكثر من ست سنوات (1890-1896م) هذا الخبر الوحيد!
وإذا أخذنا بأحد التفسيرين لخبر جريدة المقطم سنلاحظ أنه لم يؤثر في مسيرة المسرح في مصر! فوجود القباني في طنطا أو عدم وجوده لم يؤثر على الفرق المسرحية التي تألقت في السنوات الأربع السابقة كما تألقت في السنتين التاليتين. ففرقة إسكندر فرح - في هاتين السنتين (من أكتوبر 1894م إلى نوفمبر 1896م) ظلت متفوقة في عروضها - على بقية الفرق - بجهود الشيخ سلامة حجازي ووجود مسرحها الثابت؛ حيث عرضت مجموعة من المسرحيات،
199
كان من بينها مسرحيتا القباني: «أنس الجليس» و«ولادة بنت المستكفي»،
200
وكأنها لا زالت متبنية رسالة القباني المسرحية.
كما تألق أيضا - في هذين العامين - جوق السرور، بفضل وجود بطلته لطيفة عبد الله، وغناء المطربين: الشيخ إبراهيم، ومصطفى علي، ودرويش مصطفى الإسكندراني، مع إنشاء الجوق لمسرحه العباسي ببولاق، فاستطاع أن يعرض مسرحياته بنجاح،
201
مع استمراره في بث رسالة القباني من خلال مسرحيتيه: «أنس الجليس» و«عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة».
202
عودة رابعة ميمونة
ست سنوات مرت على غياب القباني عن مصر، ويفترض إذا قرر العودة مرة أخرى أن يفكر في أسلوب فني جديد يستطيع به منافسة إسكندر فرح، باعتباره صاحب أكبر فرقة مسرحية مهيمنة على الساحة طوال هذه السنوات الست. ولكن إسكندر يمتلك عنصرين مهمين، هما: مطربه المتألق سلامة حجازي، ومسرحه الثابت بشارع عبد العزيز. والقباني بوصفه ملحنا ومغنيا - ربما - يستطيع منافسة الشيخ سلامة في مجال التلحين دون الغناء،
203
ولكن من أين له بمسرح ثابت مثل غريمه؟! شاء القدر أن يظهر في هذه الفترة عبد الرازق بك عنايت،
204
أحد الموسرين المصريين المهتمين بالمسرح، الذي قرر مساعدة القباني ببناء مسرح له من ماله الخاص.
205
عاد القباني إلى مصر في نهاية نوفمبر 1896م، ومارس نشاطه المسرحي شهرا بالإسكندرية، حتى يتم بناء مسرحه الجديد، ولكنه لم يمثل في مقهى الدانوب، بل مثل على مسرح القرداحي،
206
وعرض عليه ثلاث مسرحيات جديدة هي: «الكوكبين» و«السلطان حسن» و«أسد الشرى»، بجانب مسرحيات من رصيده الدرامي السابق.
207
عروض بلا نصوص
وعلى الرغم من أن مسرحيات القباني الثلاث الجديدة من تأليفه، وقد مثلها عشرات المرات - فيما بعد - إلا أن نصوصها مفقودة. ولحسن الحظ فإن بعض إعلاناتها حملت مغزاها أو فكرتها أو تفاصيل عنها، وأضاءت بعض جوانبها، وأثبتت أن القباني كتبها وفق مفردات رسالته المسرحية، متوخيا فيها تحقيق هدف الرسالة. فمثلا «الكوكبين» مسرحية أدبية غرامية حماسية شعرية، ذات خمسة فصول، وهي خليط من الهزل والجد والسرور والحزن.
208
و«السلطان حسن» أو «الملك حسن» مسرحية أدبية غرامية تاريخية فكاهية، ومن شخصياتها: تاج الفخار، والسلطان نور الدين، وابن السلطان حسن، وورد الجنان، ودر الجمان، وزيدان الذي يمثل الخيانة والغدر فينال جزاءه ومن ثم يقتل شر قتلة. كما تتنكر في المسرحية إحدى الممثلات فتظهر الشهامة العربية، ويبدي السلطان حسن من المروءة والوفاء ما يدل على أنفة العرب وترفعهم عما يشين.
209
أما مسرحية «أسد الشرى»، فهي أدبية فكاهية نثرية غرامية حماسية شعرية ذات خمسة فصول.
210
نشرت جريدة المؤيد ملخصا عنها في 17 / 1 / 1897، قالت فيه: «الرواية مبنية على أن أميرا أفرط في الشهوات والرذائل، فأحب امرأة ذات بعل، فراودها فامتنعت، فقتل زوجها ظلما واعتداء؛ لعله يتمكن من قضاء شهواته. فاحتالت المرأة على كيده وخطفت ولد الأمير من مهده وربته، فشب لصا قطاعا للطرقات. ثم حببت إليه أخته فخطفها وقربها، ولما امتنعت عنه ضربها بمدية، ثم جاء الأمير لتخليص ابنته فأبصرها ميتة. وبعد أن قتل اللص قصت عليه عشيقته تفصيل الأمر فمزقها بحسامه، ثم قتل نفسه، وأما ابنته فشفيت من جراحها، وجاء حبيبها فزفت إليه.»
مسرح العتبة
بعد نجاح هذه المسرحيات في الإسكندرية جاء القباني إلى القاهرة ، وبدأت الصحف تهتم بأخبار مسرحه الجديد مسهبة في تحديد مكانه، مفصلة وصف تجهيزاته. فهذا المسرح يقع في ميدان العتبة الخضراء، بجوار سوق الخضار، وأمام محطة الترمواي العمومية.
211
وهو مسرح كبير مزين ومزخرف ومكون من طابقين من الألواج، وقد أنير بضوء الإسيتيلين المخترع حديثا، الذي يفوق ضوء الكهرباء. وبذلك اعتبرت الصحف أن مسرح القباني «أول محل عمومي أنير بهذا النور في القاهرة».
212
افتتح القباني مسحره هذا يوم 14 / 1 / 1897 بعرض مسرحية «الكوكبين»،
213
ووصفت الصحف نجاح العرض كما أشادت بإقبال الجمهور وعودة أكثره - دون مشاهدة العرض والاستمتاع به - لنفاد التذاكر،
214
وهذا الوصف يوحي بنجاح رسالة القباني، وقد حضر هذا الافتتاح المحامي إسماعيل عاصم الذي ألقى خطبة بعد العرض اعترف فيها بأستاذية القباني قائلا: «... إنني بصفتي مؤلف روايات عديدة، وبصفتي أحسن التمثيل، وقد شخصت مرات عديدة بعض أدوار رواياتي، أفتخر بأن أقول: إن حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل هو أستاذ الوحيد في فن التمثيل، ولا أعطي غيره هذا اللقب.»
215
وهذا القول من إسماعيل عاصم - الكاتب المسرحي المرموق، والشاعر القدير، والمحامي الشهير، والخطيب المفوه، والممثل الهاوي - يعد وساما على صدر القباني، ويدل دلالة قاطعة على نجاح رسالة القباني المسرحية وتحقيق هدفها؛ لأن إسماعيل عاصم - متأثرا بأستاذه القباني - ألف مسرحيتين على غرار كتابات القباني وعروضه المسرحية؛ الأولى «هناء المحبين» 1893م، والأخرى «حسن العواقب» 1894م، نهج في تأليفهما نهج القباني من حيث استلهام التراث العربي.
216
هكذا نجح القباني في افتتاح مسرحه الثابت، الذي شاء القدر أن يكون قريبا جدا من مسرح إسكندر فرح، وبالتالي فرض الواقع التنافس الفني بينهما! وهو التنافس الذي كان يخشاه القباني طوال السنوات الماضية، وفي يوم افتتاح القباني لمسرحه عرض إسكندر فرح مسرحية «صلاح الدين الأيوبي»، ولم تنجح جماهيريا بسبب توافد الجمهور على مسرح القباني الجديد، فمثل في اليوم التالي مسرحية «السر المكنون» في تياترو كازينو حلوان،
217
تاركا القباني يعرض مسرحيته الثانية «أسد الشرى» بنجاح أيضا - حيث خصص دخلها لمساعدة عائلة فقيرة
218 - وظلت المنافسة بين الاثنين قائمة ما يقرب من الأسبوعين؛ حيث عرض القباني مسرحيات: الأمير محمود، وعنترة العبسي، وأنس الجليس، والخل الوفي، والسلطان حسن. بينما عرض إسكندر فرح مسرحيات، ضرر الضرتين، وعظة الملوك، ومظالم الآباء.
219
والنجاح الذي أحرزه القباني في عروضه الأولى على مسرحه الخاص وجدنا تأثيره في أسلوب الصحف التي تحدثت عن هذا النجاح، مثل جريدة الأخبار التي قالت يوم 9 / 12 / 1897 تحت عنوان «التشخيص العربي»: «كل من شاهد التمثيل في التياترو العربي بأول سوق الخضار الجديد، وشاهد تشخيص جوق حضرة الفاضل المتفنن الشيخ أبي خليل القباني، يشهد جليا أن هذا الجوق حاز قصب السبق على عموم الأجواق العربية، بهمة ونشاط مديره، وبراعة ممثليه وممثلاته الأدباء؛ إذ إنه نال استحسان العموم على اختلاف المذاهب والمشارب. وأكبر شاهد الإقبال عليه في كل ليلة حتى يغص المرسح بالمتفرجين ...»
استمرت المنافسة الفنية بين فرقتي القباني وفرح - بعد ذلك - لمدة أربعة أشهر، نجحت فيها فرقة القباني أن تقف على قدم المساواة مع الفرقة المتألقة الأولى في مصر وهي فرقة إسكندر فرح، وهذه المساواة تأتي في صالح القباني الذي عرض في هذه الأشهر مجموعة من مسرحيات رصيده الدرامي
220 - الذي وصل إلى إحدى وعشرين مسرحية - ثم أضاف إليها مسرحية جديدة هي «الحاكم بأمر الله العباسي»، وربما تكون من تأليف القباني - رغم فقدان نصها - لأنها «مبنية على شيمة الوفاء، وعلو الهمة، وخلال الصدق والمروءة».
221
ومعاني المسرحية - كما هو واضح - تتفق مع موضوعات القباني السابقة - المعبرة عن مفردات رسالته، وفق توجهه في إحياء التراث العربي مسرحيا - وتم عرضها لأول مرة يوم 26 / 2 / 1897، وأجاد عرضها الممثلون، فارتجل الشاعر الشيخ عثمان الموصلي قصيدة ذكر فيها موضوع الرواية وأسماء الممثلين. ويقال إن القباني أدخل في مشهد زفاف ست الملك (الدبكة) لأول مرة في هذه المسرحية،
222
مما يعني إضافة جديدة إلى مفهوم المسرح الاستعراضي عند القباني في تلك الفترة، وتطورا في أدوات تطبيق منهج الرسالة. هذا بخلاف الفصول المضحكة المقدمة من حنا النقاش،
223
مثل فصل «الفيلسوف».
224
وفي مقابل ذلك عرض إسكندر فرح مجموعة من مسرحيات فرقته،
225
إلى جانب عروض الفرقة في الأوبرا الخديوية إحياء لحفلات الجمعيات الخيرية .
226
ومما أعلى شأن القباني فنيا في هذه الأشهر ما رددته الصحف عن عزم الشيخ سلامة حجازي ترك التمثيل - في فرقة إسكندر فرح - لأسباب صحية، وقد حصد القباني أثر هذه الأخبار الإيجابية لصالحه لعدة أيام قبل أن يتراجع سلامة حجازي عن عزمه هذا.
227
يضاف إلى ذلك اعتلاء القباني خشبة دار الأوبرا الخديوية ممثلا وقائدا لفرقته، محققا بذلك جزءا من حلمه القديم؛ لأن عرضه هذا لم يكن عرضا خاصا به، بل كان إحياء لحفلات إحدى لجان الجمعية السورية لجمع التبرعات للجيش العثماني والمدرسة الحميدية.
228
الانتقام
استغل القباني اضطراب فرقة إسكندر فرح بسبب ما أشيع عن عزم الشيخ سلامة حجازي ترك التمثيل، فعرض بنجاح مسرحية «الانتقام» يوم 3 / 4 / 1897،
229
وهي من تعريب نجيب الحداد - كاتب فرقة إسكندر فرح - والتي عرضت بأسماء عديدة - من قبل معظم الفرق - منها: «السيد» و«الانتقام الجبري» و«غرام وانتقام»،
230
وهي مسرحية تتفق في موضوعها مع هدف رسالة القباني المسرحية وأثرها الإيجابي على الجمهور، ولكنها تختلف عن توجهه في إحياء التراث العربي؛ لأنها مسرحية أجنبية معربة، وتبرير ذلك - من وجهة نظري - أن القباني عرضها ضمن أسلوبه في منافسة إسكندر فرح أكثر من عرضها وفق أسلوبه في إحياء التراث.
وتدور أحداث هذه المسرحية - في إشبيلية - حول البطل رودريك ابن الدون دياك، الذي يحب شيمان ابنة الدون جومس، ومدى استعداد الأسرتين بزفافهما، وقبل أيام من هذا الزفاف يقوم فرنان ملك كستيليا باختيار مؤدب لابنه من بين دياك وجومس، فيقع اختياره على الدون جومس مما أثار حقد الدون دياك، فتدور مناقشة مثيرة بينهما حول اختيار الملك، فيقوم جومس بصفع دياك الذي يطلب عدل الملك من جراء هذه الصفعة، ومن ثم يثير ابنه رودريك ضد والد حبيبته؛ كي يأخذ بثأر أبيه، وبالفعل تتم مبارزة بين رودريك وجومس تنتهي بموت جومس. وهنا نجد صراعا عنيفا تولد عند شيمان بين حبها لرودريك وثأرها منه لأنه قتل أباها. فيذهب إليها رودريك ويطلب منها أن تقتله، ولكنها لا تفعل بسبب حبها، وتطالب الملك بالعدل. وهنا يقترح دياك على ابنه رودريك أن يذهب لمحاربة أعداء البلاد، لعله يموت شهيدا دفاعا عن الوطن بدلا من أن يموت بسبب انتقامه لشرف أبيه، ويمتثل رودريك لنصيحة أبيه، ويبلي بلاء حسنا في المعركة، ويعود منتصرا فيخلع عليه الملك لقب «السيد» أي سيد الناس. وتشعر شيمان بأن ثأرها ضاع أمام بطولة رودريك ولقبه، فتطلب من الملك العدل لمقتل أبيها، وتنشر بين الناس أن من يبارز رودريك ويقتله سيصبح زوجا لها. ويتقدم لهذا الأمر الدون صنش طمعا في شيمان، ولكن رودريك ينتصر عليه في المبارزة ويعفو عنه في النهاية. وهنا يأمر الملك بزواج رودريك من شيمان، ولكن شيمان تؤجل هذا القران حتى تنتهي من حزنها على أبيها، وأيضا حتى ينتهي رودريك من انتصاراته، وتنتهي المسرحية.
ذاق القباني طعم النجاح الفني أربعة أشهر، وهي الفترة التي فرضت عليه ليكون منافسا فنيا لإسكندر فرح، ولكنه لم يستطع الصمود أكثر من ذلك - على الرغم من غناء عبده الحمولي بين فصول عروضه المسرحية على تخت محمد العقاد - فترك ساحة المنافسة وعاد إلى سورية - في أوائل مايو 1897م
231 - أملا في إيجاد أسلوب جديد يجعله يصمد في المنافسة الفنية فترات أطول، فعاد إسكندر فرح إلى امتلاك زمام الأمور، وأصبحت فرقته الفرقة المسرحية الأولى في مصر التي استمرت عروضها الفنية متواصلة ثلاثة أشهر دون منافسة.
232
أما مسرح القباني بالعتبة فظل مضاء كل ليلة، لا ليعرض مسرحيات القباني أو غيره، بل ليعرض ألعابا من الأكروبات والجمباز من المصارعين ناجي كوتاليانوس وبنايوتي كوتاليانو، أو فصولا مضحكة من الجوق الدمشقي، أو قطعا غنائية من السيدة السويسية.
233
ملكة سرور
ثلاثة أشهر كاملة قضاها القباني في سورية، يفكر في أسلوب جديد يفاجئ به الحركة المسرحية في مصر، لتتبوأ فرقته مكانته الغائبة، ويستمر في بث رسالته المسرحية. وربما عاد بتفكيره إلى الوراء وسرد تاريخه الفني، فلم يجد مجدا لفرقته في مصر غير فترة وجود العالمة ليلى الشامية التي جعلت من فرقته الفرقة المسرحية الأولى في مصر؛ لذلك هداه تفكيره إلى إعادة التجربة بشكل جديد، فقام بجمع مجموعة من المطربات السوريات برئاسة المطربة «ملكة سرور» عازفة القانون، وأطلق على هذا الجمع جوقة «المطربات الحسان». وهذه الجوقة خصصها لتقديم الفصول الغنائية بين فصول عروض مسرحياته، وفي ختامها، بوصفها تجديدا في أدوات تطبيق منهج رسالته المسرحية.
بهذا الشكل الفني عاد القباني إلى مصر في نهاية أغسطس 1897م، وبدأت عروضه القوية بمسرحيتين جديدتين: الأولى «إسكندر المقدوني»، وعرضها يوم 25 / 8 / 1897 لأول مرة، ثم أعاد عرضها بعد ذلك بعنوانين آخرين هما: «إسكندر الكبير الملقب بذي القرنين» أو «الملك إسكندر المقدوني».
234
والأخرى «المعتمد بن عباد» وعرضها يوم 11 / 9 / 1897 لأول مرة.
235
ورغم أن هاتين المسرحيتين من تأليف القباني، كما نصت إعلانات الصحف على ذلك،
236
إلا أن الدكتور محمد يوسف نجم شكك في الأولى ونسبها إلى إبراهيم الأحدب قائلا: «ولعلها مسرحية الإسكندر للأحدب»،
237
وقام بنشر نص الأخرى ضمن نصوص مسرحيات إبراهيم الأحدب، علما بأن مخطوطة مسرحية القباني تحمل عنوان «يوسف بن تاشفين والمعتمد بن عباد». وعلى الرغم من امتلاك الدكتور نجم لنصي مسرحيتي الأحدب والقباني إلا أنه لم يوضح الفرق بينهما.
238
ومهما يكن من أمر نسبة تأليف هاتين المسرحيتين لإبراهيم الأحدب، إلا أن موضوع كل منهما - المعتمد على التراث التاريخي - يمثل فحوى رسالة القباني المسرحية، كما أن عرضهما من قبل فرقة القباني مثل نجاحا كبيرا أضيف إلى نجاح عروضه الأخرى - في هذه الفترة - من رصيده الدرامي، وهذا النجاح فاق نجاح الفرقة أيام وجود العالمة ليلى؛ حيث استطاع القباني أن يسيطر على العاصمة مسرحيا، فوقع اختيار الحكومة على فرقته كي تحيي ليلة الاحتفال بالجلوس السلطاني بحديقة الأزبكية - دليلا على نجاح الرسالة وتحقيق هدفها - من خلال عرضها لمسرحية «أسد الشرى»، بجانب من أحيى الحفل من المطربين، أمثال: عبده الحمولي والشيخ يوسف المنيلاوي ومحمد عثمان.
239
هذا التألق لفرقة القباني كان بفضل وجود جوقة الحسان بقيادة المطربة ملكة سرور، التي أشادت بها جريدة مصر يوم 4 / 10 / 1897، قائلة: «أحسن جوق أبي خليل التمثيل أمس في تياترو حلوان، وراقت للجمهور نكات أحد الممثلين وهزله الرقيق، حتى إنهم أكثروا من التصفيق والاستحسان من ابتداء التمثيل إلى انتهائه، ولكن هذا كله لم يكن شيئا مذكورا عند التصفيق الهائل الذي ارتجت له جوانب الملهى مرارا وتكرارا حين برزت حضرة المطربة المبدعة السيدة ملكة سرور، وسحرت الألباب بما أوتيت من جمال الصوت والبراعة في التلحين وكمال الأدب، ولا ريب أن وجود مثل هذا الامتياز في جوق عربي يجعل إقبال الأدباء عليه محتما.»
كما أشادت بهذه المطربة الجريدة نفسها يوم 12 / 10 / 1897 قائلة: «لم يبق ريب في أن حضرة الأستاذ أبي خليل صاحب جوق التمثيل المعروف باسمه قد خدم أصحاب الذوق ومحبي الأنس في أنه كلف حضرة المطربة المبدعة السيدة ملكة سرور تشنيف الآذان بألحانها، فإن الإقبال على هذا الجوق بعد أن اشتهر وجود هذه السيدة الكريمة فيه قد زاد إلى حد يوجب المسرة، ولنا أمل أن يظل على ازدياد.» وبفضل هذه المطربة استطاعت فرقة القباني امتلاك ناصية الفن المسرحي شهرين كاملين، وبدأت الصحف تشيد بعروضها ومدح ممثليها أمثال: أحمد أبي العدل وهيلانة سماط. وبدأت عروض الفرقة تأخذ شكلا فنيا جديدا أحسنت الصحف وصفها.
240
منافسة شرسة
لم تستطع الفرق الأخرى مجابهة نجاح القباني أو الحيلولة من تقدمه، فهرعت كل فرقة تتلمس رزقها في الأقاليم، بعد أن سيطرت فرقة القباني على العاصمة. فميخائيل جرجس - صاحب جوق السرور - اختار محافظة أسيوط لعرض مسرحياته،
241
بينما اختار إسكندر فرح محافظتي المنيا وأسيوط أيضا.
242
ولأن الأخير له تاريخ فني طويل وفترات تألق محفورة في تاريخ المسرح؛ كان من الصعب عليه الابتعاد أكثر من ذلك، فقرر العودة إلى العاصمة، والنزول إلى ساحة التنافس المسرحي، ومهدت جريدة الكمال عودته هذه - في عددها بتاريخ 10 / 10 / 1897 - موضحة أن إسكندر فرح زاد في تزيين مسرحه، وفرشه بأفخر الطنافس، وأنه سيقدم مسرحيات جديدة خاصة به لم تمثل من قبل، ولن تمثل في أية فرقة من بعد.
بهذا التحدي تأججت المنافسة الفنية بين فرقتي القباني وفرح، فراحت كل فرقة تقدم أفضل ما لديها، مسخرة كافة إمكانياتها الفنية من أجل الظهور والصعود على أكتاف الفرق الأخرى. وظل التألق الفني في العروض المسرحية متأرجحا بين الفرقتين أكثر من شهرين ،
243
مما يصعب على المتتبع لأخبارهما الجزم بعلو كعب فرقة عن الأخرى! ولكن المتأمل في بعض الأخبار المنشورة عنهما يستنتج أن القباني تفوق بعض الشيء على غريمه إسكندر فرح؛ بفضل غناء المطربة ملكة سرور ووجود الممثلات الشقيقات: مريم وهيلانة وحنينة سماط. ومن مظاهر هذا التفوق عرض القباني لمسرحية «أنس الجليس» على دار الأوبرا الخديوية في ليلة احتفال الجمعية الخيرية الإسلامية - في منتصف ديسمبر 1897م - وقد شاهد العرض الخديوي عباس حلمي الثاني شخصيا.
244
انتقل الصراع بين الفرقتين إلى الصحف الموالية لهما، فوجدنا صحيفة «الكمال» تساند فرقة إسكندر فرح وتتفنن في مدحها، وتؤكد أن أغاني مسرحياتها موظفة بصورة فنية، بعكس فرقة القباني التي تقدم الأغاني بصورة مبتذلة غير لائقة، أشبه بما يقدم في الصالات الغنائية. كما قارنت بين صوت الشيخ سلامة باعتباره شابا، وصوت القباني الذي بلغ الستين من عمره، كما لمزت جانب القباني في تآليفه المسرحية، من حيث عباراتها المسجوعة التي لا تتناسب مع الموقف التمثيلي، بعكس تآليف نجيب الحداد - كاتب مسرحيات فرقة إسكندر فرح - كذلك عابت على فرقة القباني أنها أصبحت معرضا للنساء المطربات والملحنات، وأخيرا أشاعت أن الألواج المغطاة في مسرح القباني ألواج مشبوهة تفوح منها رائحة الموبقات، وقد تصدت جريدة «الأخبار» لهذا الهجوم وفندت هذه المزاعم؛ فساندت القباني بأقوالها.
245
تمرد ملكة
أما جريدة «البصير» فقد وجهت طعنا شديدا إلى القباني عندما قالت بتاريخ 17 / 1 / 1898: «... وأما جوق الشيخ أبي خليل فقد اشتهر بوجود السيدة ملكة سرور المطربة فيه أكثر من اشتهاره بالتمثيل.» ربما هذه العبارة كانت تتردد كثيرا في هذا الوقت، وأصبحت من المسلمات، فشعرت ملكة سرور بأنها الورقة الرابحة في فرقة القباني، فتمردت ولم تشارك بالغناء في عروض كثيرة،
246
لا سيما عروض الفرقة أيام عيد الأضحى المبارك؛ حيث كان القباني يعرض كل يوم - من أيام العيد الأربعة - مسرحية تختلف عن اليوم الذي يليه.
247
وتجسد تمرد ملكة سرور بصورة ملحوظة في عدم مشاركتها في عرض مسرحية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس» - تأليف جرجس مرقص الرشيدي - التي مثلتها الفرقة لأول مرة.
248
ووصل التمرد إلى قمته عندما أقامت حفلات غنائية خاصة بها - بعيدة عن فرقة القباني - في كازينو حلوان وحديقة الأزبكية وتياترو التفريح بالمنصورة وتياترو عباس بالإسكندرية في يناير ومارس 1898م.
249
وتعد مسرحية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس» مثالا حيا لنجاح رسالة القباني وتحقيق هدفها؛ لأن المرجح أن مؤلفها - جرجس مرقص الرشيدي
250 - كتبها متأثرا بكتابات القباني المجسدة لحركة إحياء التراث العربي - وربما باتفاق بينهما - حيث إن موضوعها تاريخي أدبي، يحكي قصة الحرب الشهيرة، التي دارت بين قبيلتي بكر وتغلب بسبب مقتل كليب في العصر الجاهلي. ومما يعضد هذا الترجيح أن فرقة القباني كانت الفرقة الوحيدة، التي مثلت هذه المسرحية، ولم تمثلها أية فرقة مسرحية أخرى؛
251
مما يعني أنها كتبت خصيصا للقباني، وأن مؤلفها أحد تلاميذه المتأثرين بأسلوبه، مثله مثل إسماعيل عاصم.
لم يقف إسكندر فرح متفرجا أمام تمرد ملكة سرور على القباني، فاستغل الموقف لصالحه، ووجه ضربة جديدة إلى منافسه، عندما نجح في إشراك ملكة سرور في بعض عروضه المسرحية.
252
فرد عليه القباني الضربة عندما استعان بكاتب مسرحياته نجيب الحداد في تعريب مسرحية «البخيل» - المتوافقة مع موضوعات رسالة القباني المسرحية - التي عرضت يوم 2 / 4 / 1898 لأول مرة قبل أن تعرضها أية فرقة أخرى، وكان القباني يذكر في إعلاناته أنها معربة بقلم نجيب الحداد، واصفا إياه ب «الكاتب البارع، أو الشاعر الفاضل والكاتب المجيد، أو الناظم الناثر المتفنن»، نكاية في إسكندر فرح.
253
هذه المناوشات الفنية لم تؤثر في النتيجة الحتمية التي أصبحت جلية، وهي أن ملكة سرور - الورقة الرابحة للقباني - أصبحت رابحة لمنافسه، أو رابحة لنفسها، وبدلا من أن تكون سحرا لجالبها، طبقت مقولة «انقلب السحر على الساحر». وعلى الرغم من ذلك أمسك القباني برباط جأشه ولم يستسلم، وعاد إلى سابق عهده يستعين في عروضه بالفصول المضحكة بديلا عن فصول الطرب،
254
وهذا الأسلوب جعله يستمر في المنافسة الفنية بعض الوقت.
ولكن الفصول المضحكة - باعتبارها أسلوبا متبعا عند جميع الفرق - لم تجذب الجمهور المتعطش للطرب والغناء، فاستعان القباني ببديل آخر وهو تقديم فصول غنائية من قبل بعض المطربين أمثال: إبراهيم القباني، وأحمد فريد، والشيخ صالح العوام، وداود حسني.
255
وهذا الأسلوب لم يفلح كثيرا في جذب الجمهور، الذي تعودت آذانه على سماع المطربات، كما تعودت عينه على النظر إلى حسنهن، وهذه المحاولات في مجملها، جعلت القباني يستمر في تقديم عروضه المسرحية، ولكن دون النجاح الذي ذاق طعمه أيام وجود المطربة ملكة سرور، ونتيجة لذلك عاد القباني إلى سورية، فعادت فرقة إسكندر إلى التألق من جديد.
256
جوقة المطربات
ظل القباني في سورية شهرين يعد ابتكارا فنيا جديدا لفرقته، مستفيدا من أخطاء الماضي، وربما فطن - في هذه الفترة - إلى حقيقة أن وجود فرقته في مجال المنافسة المسرحية متعلق بوجود الفصول الغنائية، وهذه الفصول عمادها الرئيسي المطربة الأولى - مثل ليلى الشامية، أو ملكة سرور - يساندها مجموعة من المطربات، وبخروج هذه المطربة تصاب فرقته بالخمول، وتصبح هدفا لسهام المنافسين! فلماذا لا يفكر في أسلوب جديد يضمن لفرقته الاستمرار والتألق من غير وجود هذه المطربة؟!
ربما فكر القباني هكذا! وبدأ في تنفيذ فكرته، عندما جاء بمجموعة من المطربات السوريات وأخذ يعلمهن ويدربهن، وسافر بهن إلى مصر في سبتمبر 1898م، وأطلق عليهن «جوقة المطربات»، من غير وجود رئيسة لهن، أو مطربة مميزة بينهن، يوضع اسمها في إعلانات الفرقة، كما حدث سابقا في إعلانات الفرقة أيام العالمة ليلى، والمطربة ملكة سرور. كما دعم القباني فكرته هذه - التي تمثل تجديدا في أدوات تطبيق منهج رسالته - بمسرحيتين جديدتين، هما: «مكائد الغرام» و«لوسيا»،
257
ليضمن بذلك نجاح تجربته، بحيث تساند المسرحيات الجديدة أي إخفاق للمطربات، ويعالج غناء المطربات أي نقص في المسرحيات.
ومسرحية «مكائد الغرام» ربما ألفها القباني وضاع نصها كمعظم نصوصه، ورغم ذلك فإن الدكتور محمد يوسف نجم لم يشر إليها مطلقا.
258
أما مسرحية «لوسيا» التي نشر الدكتور نجم نصها باعتبارها من كتابات القباني،
259
فإن جريدة المؤيد - بتاريخ 13 / 10 / 1898 - تؤكد أن مؤلفها «نقولا الحداد»، قائلة: «يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبو خليل القباني هذا المساء رواية «لوسيا»، وهي رواية جديدة لم يسبق لها تمثيل في المراسح العربية ، من تأليف حضرة الأديب «نقولا أفندي حداد».»
نجح القباني في عرضه الأول لمسرحيته الجديدة «مكائد الغرام» يوم 15 / 9 / 1898 الذي قدمه بالأسلوب الجديد. وبمعنى آخر؛ نجحت فكرته في تقديم عروض مسرحية تصاحبها فصول غنائية جماعية من جوقة المطربات، بوصفها أسلوبا جديدا في تطبيق منهج رسالته. ظلت هذه الفكرة ناجحة شهرين متتاليين، قدم فيهما القباني مسرحيتيه الجديدتين، مع إعادة لعروض أخرى من رصيده الدرامي.
260
مريم مراد
نجحت التجربة إذن ... ولكنها لم تستمر، ولم تقو على الاستمرار سوى شهرين فقط! كانت فيهما فرقة إسكندر فرح ناجحة أيضا،
261
بفضل وجود الشيخ سلامة حجازي، وغناء ملكة سرور في بعض العروض.
262
فأين للقباني بملكة سرور أخرى تحافظ على نجاح عروضه؟! فقد شعر بأن الجمهور حن إلى سماع الغناء المنفرد، ومل سماع الغناء الجماعي! وتأكد بأن نجاح فرقته هو وجه لعملة وجهها الآخر هو المطربة النجمة، التي ستحافظ على هذا النجاح وتدفعه إلى الأمام، وبالتالي نجاح رسالته وتحقيق هدفها. وبعد أيام قليلة حصل القباني على مبتغاه، وأعلن عن نجمته الجديدة في الصحف، وهي المطربة «مريم مراد» التي أسهمت - بفصولها الغنائية - في استمرار نجاح عروض القباني طوال أكثر من شهرين حتى يناير 1899م.
263
أكثر من شهرين فترة لا بأس بها، استمتع فيها القباني بنشوة النجاح الفني وانتصاره، ولكن هذه النشوة أوقفها إسكندر فرح الذي تأثرت عروضه سلبا - من حيث إقبال الجماهير - بوجود هذه المطربة في مسرح غريمه القباني، فأعاد إسكندر فرح الكرة مرة أخرى، وأعاد الزمن إلى الوراء، ولعب اللعبة نفسها مع القباني؛ حيث نجح في ضم المطربة «مريم مراد» إلى فرقته لتقدم فصولها الغنائية في مسرحه بدلا من تقديمها في مسرح منافسه.
264
صمود يائس
تلقى القباني هذه الضربة من غريمه ولم يردها عليه، بل فكر في نجاح عروضه وكيفية استمرار رسالته بصورة متألقة غير متأثرة بخروج نجمته الجديدة مريم مراد، فعمد إلى تنوع أساليبه الفنية جذبا لأكبر عدد من جمهور المسرح؛ حيث عرض ثلاث مسرحيات جديدة هي: أستير، وروبرت والبرت، وهارون الرشيد مع خليفة الصياد،
265
ثم استعان ببعض المطربين، أمثال: الشيخ حسن صالح، وإبراهيم القباني، ومحمد عثمان،
266
ثم طبق نظام سحب اليانصيب على أرقام التذاكر، وكانت الجوائز متنوعة مثل: أطقم الملاعق الفضية، والساعات الذهبية،
267
وأخيرا عاد إلى الفصول المضحكة التي كانت تقدم بين فصول العروض المسرحية وفي ختامها.
268
وبهذا التنوع في أساليب العرض المسرحي - التي تعد تنوعا في أدوات تطبيق منهج رسالة القباني المسرحية - استطاع القباني الصمود ثلاثة أشهر، كانت الغلبة فيها لفرقة إسكندر فرح من حيث النشاط المسرحي.
269
ويحسب للقباني صموده في عروض مسرحياته ونجاحه - رغم محدوديته مقارنة بنجاح إسكندر فرح - طوال تسعة أشهر من سبتمبر 1898 إلى مايو 1899م.
استنفذ القباني كافة وسائلة الفنية، واستطاع الصمود أطول فترة ممكنة، وأخيرا قرر العودة إلى سورية - ومكث بها خمسة أشهر من يونيو إلى نوفمبر 1899م - بحثا عن أفكار جديدة تمكنه من الاستمرار والنجاح في بث رسالته المسرحية، تاركا الساحة المسرحية في مصر، تمرح فيها عروض فرقة إسكندر فرح الناجحة،
270
ومساهما في ظهور فرقة سليمان القرداحي وتألقها مرة أخرى؛ حيث قام القرداحي بعرض مسرحياته على مسرح القباني نفسه - في أثناء وجود القباني في سورية - وكان تارة يذكر اسم المسرح - في إعلاناته - بمسرح القباني،
271
وتارة أخرى بمسرح العتبة الخضراء أو مسرح سوق الخضار،
272
خشية التباس الأمر على الجمهور، فيظن أن القباني ما زالت عروضه قائمة.
نهاية محترقة
عاد القباني إلى مصر في نوفمبر 1899، ولم تثمر غيبته في سورية - طوال خمسة أشهر - عن أية فكرة جديدة! فلأول مرة يعود القباني بعد غياب من غير تغيير في فرقته،
273
أو ظهور لمطربة جديدة، أو الاستعانة بجوقة المطربات الحسان ... إلخ ابتكاراته الفنية - المعضدة لأدوات تطبيق منهج رسالته - التي يجذب بها جمهوره بعد كل غياب عن مصر. وربما عامل السن كان وراء هذا الخمول؛ فالقباني عام 1899م شارف الستين بقليل أو كثير، وربما بحث ونقب عن الجديد فلم يجده، وربما اعتقد بأنه أدى رسالته بالصورة المرضية، وحقق من ورائها أهدافه المرجوة؛ لا سيما أن حركة الإحياء بدأت في الخفوت بعد أن أدت وظيفتها، ولا بد لها من أن تنتقل إلى مرحلة أخرى، لم يكن القباني من فرسانها، فرضي بتكوين فرقة متواضعة عملت بتراخ طوال سبعة أشهر؛ حيث أعادت عروضها القديمة، وكأن القباني استشعر حسن الخاتمة، فكتب نهايته المسرحية بهذه العودة الفاترة.
أول عرض قدمه القباني على مسرحه - بعد عودته من سورية - كان مسرحية «عائدة» في نوفمبر 1899م، ثم رحل بعروضه إلى المنيا والإسكندرية؛ حيث عرض عدة مسرحيات، منها «عائدة» مع فصول مضحكة من حنا النقاش، تاركا مسرحه في العاصمة إما لجمعية الفوائد الأدبية تعرض عليه مسرحية «العاشق المفلس» أو لعروض خيال الظل والعرائس المتحركة المعروفة ب «المساخيط الخشبية». ثم نجده يعود إلى العاصمة ويعرض على مسرحه في فبراير 1900م مسرحية «مطامع النساء» - التي قتلتها عرضا فرقة إسكندر فرح
274 - ثم يعود إلى الأقاليم مرة أخرى في أبريل، ويمثل في الفيوم، ثم يعرض عدة مسرحيات على تياترو التوفيق بالمنيا في مايو؛ لتكون آخر عروضه المسرحية في مصر على الإطلاق؛ حيث جاءه - وهو في المنيا - خبر احتراق مسرحه بالقاهرة يوم 18 / 5 / 1900.
275
احترق مسرح القباني،
276
وتوقف نشاطه المسرحي إلى الأبد! ورغم ذلك لم تحترق رسالته المسرحية التي تبنتها الفرق المسرحية الأخرى بعد وفاته بعشرين سنة، فمسرحيته «عنترة العبسي» استمر عرضها حتى عام 1906م من قبل: فرقة إسكندر فرح، وفرقة سليمان القرداحي، وفرقة يوسف الخياط، وجوق السرور، وجمعية الرابطة الأخوية الإسلامية.
277
ومسرحيته «مكائد الغرام» مثلتها فرقة إسكندر فرح، وفرقة سلامة حجازي حتى عام 1909م.
278
ومسرحيته «ناكر الجميل» ظلت تعرضها المدارس والأجواق حتى عام 1916م.
279
ومسرحيته «أنس الجليس» ظلت تعرض على المسارح المصرية حتى عام 1923م من قبل: فرقة إسكندر فرح، وفرقة سليمان القرداحي، وجوق السرور، وفرقة الشيخ سلامة حجازي، وجوق أبيض وحجازي، وفرقة منيرة المهدية، وفرقة أولاد عكاشة.
280
واستمرار عروض بعض مسرحيات القباني طوال عقدين من الزمان بعد وفاته لأكبر دليل على إيمانه برسالته المسرحية، وثقته في تحقيق هدفها المنشود في ظل حركة إحياء التراث العربي؛ فهذه الرسالة كانت صادقة في صياغتها، سامية في معانيها، نابضة بحس ممثليها، محققة آمال مشاهديها، معبرة عن متطلبات معاصريها، متوافقة مع تراث محييها. رحم الله القباني صاحب الرسالة المسرحية، قائد حركة إحياء التراث العربي في المسرح.
الشامل الرائد
كلمة أخيرة يجب أن تكون إطارا لصورة القباني السابقة، بوصفه صاحب رسالة، وقائدا لحركة الإحياء في المسرح. وهذه الكلمة تتمثل في عبارة واحدة تقول: «القباني هو الفنان الشامل الرائد المؤثر في بدايات تاريخ المسرح العربي في مصر!» وهذه العبارة أقولها من غير مجاملة، أو شعور بالعاطفة نحو شخصية أكتب عنها؛ لأن معطيات الواقع الفني تبررها، وحقائق التاريخ تؤكدها، والمنطق العقلي يقبلها.
القباني كان صاحب الفرقة وكاتبها ومخرجها وبطلها وملحنها ومطربها! من كان مثله من المسرحيين باستثناء صنوع المشكوك في نشاطه وريادته؟ حتى ولو ظهر الدليل - الذي لم نعثر عليه حتى الآن - على نشاط صنوع المسرحي، لن نجد دليلا يثبت أنه كان مطربا أو ملحنا، وبالتالي تنتفي منه صفة الشمول. وهذه الصفة تنتفي أيضا من جميع أصحاب الفرق المسرحية طوال القرن التاسع عشر في مصر! فسليم النقاش لم يكن مطربا أو ملحنا، وكذلك يوسف الخياط وسليمان الحداد وسليمان القرداحي وإسكندر فرح وميخائيل جرجس.
أما كون القباني رائدا مؤثرا في المسرح العربي، فهذه نتيجة منطقية؛ لأن المقصود بالتأثير الاستمرار، وليس البداية الريادية بوصفها الأول في الترتيب. ومن خلال هذا المعنى يصبح القباني رائدا مؤثرا؛ لأن فرقته استمرت في مصر (16) ست عشرة سنة من 1884 إلى 1900م، وهي أطول فترة من جميع الفرق المسرحية التي عملت قبله أو بعده بصورة مستمرة - باستثناء فرقتي الحداد والقرداحي، اللتين يصعب تتبع نشاطهما لتوقفهما سنوات طويلة - ففرقة سليم النقاش لم تكمل سنتها الأولى، وفرقة يوسف الخياط التي خرجت من عباءة النقاش استمرت (11) إحدى عشرة سنة، وجوق السرور لميخائيل جرجس استمر (12) اثنتي عشرة سنة، وفرقة إسكندر فرح - التي تشكلت من ممثلي القباني - استمرت (14) أربع عشرة سنة، وفرقة سلامة حجازي - التي تشكلت من ممثلي إسكندر فرح - استمرت (12) اثنتي عشرة سنة.
وإذا كانت ريادة القباني مؤثرة في قيادته لفرقته طوال هذه الفترة، فهي مؤثرة أيضا في ريادته للكتابة المسرحية التراثية؛ فمن غير القباني كتب ومثل أكثر من عشرين مسرحية عربية فصيحة - نثرا وشعرا - مستلهما فيها التراث العربي؟! لا يوجد؛ فمعظم الفرق المسرحية كانت تمثل المسرحيات المترجمة والمعربة، وكذلك كان شأن الكتاب يترجمون أو يعربون، باستثناء الشيخ إبراهيم الأحدب، وإن كانت مسرحياته المخطوطة - التي نشرت مؤخرا - تحتاج إلى مراجعة وتدقيق، فمنها مسرحيات نسبت إليه وهي للقباني.
وريادة القباني المؤثرة في قيادته لفرقته، وكتابته للمسرحيات التراثية، وتمثيلها؛ يضاف إليها أيضا ريادته المؤثرة في المسرح الغنائي! فمن قبل القباني قدم مسرحيات غنائية كاملة متكاملة مستمرة؟! لا يوجد؛ فقد حاول قبله سليم النقاش وسليمان الحداد وسليمان القرداحي؛ ولكن تجاربهم لم تكتمل. وعندما نجح وتفوق عليه إسكندر فرح - ساعده الأيمن - بمساعدة سلامة حجازي، كانت ريادة المسرح الغنائي كتبت باسم القباني.
وآخر ريادة مؤثرة تحسب للقباني هي ظهور بواكير المسرح الاستعراضي على يديه، عندما أدخل - ولأول مرة - رقص السماح في المسرح المصري، وهو لون استعراضي لم ينافسه فيه أحد!
خاتمة
هكذا كان أحمد أبو خليل القباني الأديب، الذي أحيا التراث العربي في مسرحياته بصورة مشرقة، وأسس مسرحا عربيا مطبقا فيه رؤيته لحركة الإحياء في المسرح. إنه القباني البليغ الذي التزم الفصحى في كتاباته وعروضه؛ لتكون سدا منيعا ضد مروجي العامية. إنه القباني الشاعر الذي عبر بشعره المسرحي عن خلجات النفس، وابتكر فكرة التبييت في الشعر، ومزج النثر بالشعر بالموشحات في حواره المسرحي، واقتبس النماذج الشعرية المتألقة من تراثنا العربي الأصيل؛ لتكون أسلوبا تربويا تعليميا مؤثرا في جمهوره، وأعاد صياغة أشعار الآخرين وفق رؤيته المسرحية، فنثر الشعر ونظم النثر. إنه القباني الأستاذ الذي تأثر بكتاباته المؤلفون، وبعروضه المسرحيون. إنه القباني الفنان الذي عرفنا برقص السماح، إنه القباني المنظر، صاحب تنظير الرسالة المسرحية ومطبقها، إنه القباني الملحن الموسيقي الكبير، حامل لواء إحياء التراث في المسرح العربي.
القسم الثاني
التوثيق
التوثيق
جريدة الأهرام: 23 / 6 / 1884م
قدم إلى ثغرنا من القطر السوري جوق من الممثلين للروايات العربية يدير أعماله حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني الدمشقي الكاتب المشهور والشاعر المفلق ، وقد التزم للعمل قهوة الدانوب المعروفة بقهوة سليمان بك رحمي في جوار شادر البطيخ
1
القديم. والجوق مؤلف من مهرة الفنانين في ضروب التمثيل وأساليبه، وبينهم زمرة من المنشدين المطربين تروق لسماعهم الآذان وتنشرح الصدور. فنحث أبناء الجنس العربي على أن يتقدموا في عضد المشروع بما تعودوا من الغيرة. والتمثيل سيبتدأ به هذه الليلة غرة رمضان المبارك عند الساعة الثانية بعد الغروب (الساعة 6 إفرنجية مساء)، وستتوالى في كل ليلة حتى نهاية الشهر، وأول رواية تشخص «أنس الجليس»، وهي بديعة مسرة، وأوراق الدخول تباع في باب المحل بأثمانها المعينة؛ وهي 5 فرنكات للدرجة الأولى، و2 للدرجة الثانية، وفرنك للدرجة الثالثة، وهي قيمة زهيدة في جنب الفوائد المكتسبة.
جريدة الأهرام: 24 / 6 / 1884م
افتتحت فرقة التشخيص العربي أعمالها مساء يوم الاثنين الفائت، فقدمت رواية «أنس الجليس»، ومثلت في مساء أمس رواية «نفح الربى»، وكل من الروايتين خمسة فصول تلاها فصل مضحك، وقد حضر تشخيصها جم غفير فسرهم ما شهدوا من براعة المشخصين وتفننهم في أساليب التمثيل، وراقهم حسن الإلقاء وتوقيع الأصوات والحركات وبلاغة الموضوع، فشكروا وأثنوا، وانصرفوا ممتدحين رئيس إدارة الفرقة، وفي مساء اليوم تشخص الفرقة المذكورة رواية «عفة المحبين» عن ذوي الوزارتين أحمد بن زيدون وعشيقته ولادة بنت المستكفي. وهي ذات خمسة فصول بديعة، يليها تمثيل فصل مضحك. فنحث الجمهور على الحضور فيرون ما يسرهم. وأثمان الدخول على ما أوضحنا قبلا، والأوراق تباع على باب المحل في قهوة سليمان بك رحمي، قرب شادر البطيخ.
جريدة الأهرام: 26 / 6 / 1884م
لم نسمع اليوم إلا الثناء العاطر على فريق الروايات العربية الذي يرأسه حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني؛ فقد مثل فريقه أمس رواية «عفة المحبين»، فأدهش الحضور بما أجراه من بديع الحركات وحسن الإلقاء، فضلا عن فصاحة اللغة وحسن التركيب، فانشرحت الصدور أي انشراح، وانطلقت الألسنة بالثناء على هذا الفريق وحضرة رئيسه، كما انطلقت بإبداء الملاحظة على فريقنا العربي الذي لم يوال الحضور لسماع هذه الروايات الجميلة البديعة. فيا أبناء هذه اللغة الشريفة، إليكم فنا ظهرت فوائده وفريقا قام بحقوقه، يخدمكم بأجرة لا تذكر في جنب حسن العمل؛ فبالله عليكم إلا ما أقدمتم على الحضور للإفادة والمساعدة؛ فلستم ممن يقعدهم البذل الكثير عن المساعدة، فكيف لا تكون منكم والبذل يسير والفائدة بينة. وسيمثل الفريق مساء اليوم رواية من مواقع «عنترة»، وهي بديعة. فنرجو أن يغص المقام بالحضور، فيروا ما يسرهم، ويشجعوا الممثلين على اطراد العمل بانشراح.
جريدة الأهرام: 27 / 6 / 1884م
في الليلة الفائتة مثل فريق الروايات العربية رواية «عنترة»، وكان عدد الحضور أمس أكثر منه في الليالي السابقة، كما أن التمثيل كان متقنا جدا؛ لأن الرواية بديعة محكمة الوضع متقنة الترتيب، فقام الممثلون بحقوق التشخيص أي قيام حتى دعوا الحاضرين إلى التصفيق مرارا، وإلى إعلان الثناء على حضرة الفاضل القباني أفندي وفريقه، والشكر على اجتهادهم واهتمامهم وإتقانهم هذا الفن المفيد، وتوسم الجميع خيرا في مستقبلهم بالنظر إلى استعدادهم الخصوصي، واستعداد أبناء لغتنا العربية الشريفة إلى تشجيعهم بحضورهم على التوالي. وسيمثل في مساء هذا اليوم رواية «ناكر الجميل»، وهي جميلة بديعة. فمرجونا من كرامنا أن نراهم مزينين الحفل بحضورهم ولا نرتاب بإجابتهم.
جريدة الأهرام: 28 / 6 / 1884م
أحكم أمس فريق الروايات العربية، بل أبدع في تمثيله رواية «ناكر الجميل»، وهي رواية جدية أدبية، نزعت نصحا وحكما وأدبا شتى، مصوغة بقالب الحسن، محكمة الوضع والجمل، تشهد لحضرة الفاضل الشيخ أبي خليل ناسج بردها الفضل البين، ولفريقه الذي أحكم تمثيلها بالبراعة، ولا غرو فإنه قد أجاد فوق المراد، فانطلقت الألسنة بالثناء عليه، وقد أصاب حضرة الفاضل أمين شميل
2
بما قرظ الرواية إذ قال:
لقد أجملوا التشخيص حتى حسبتنا
نكاد نرى نفس المشخص واحد
فلله أهل الشام من تلق منهم
تقل ثقة لاقيت الذي هو أوحد
وقد سرنا أن رأينا الفريق العربي الوطني مزينا المقام بتشريفه، والمرجو أن يوالي الحضور فينشط التمثيل إلى إتقان العمل وتعم الفائدة. وسيمثل في هذه الليلة رواية «الخل الوفي» وهي بديعة محكمة.
جريدة الأهرام: 30 / 6 / 1884م
ليلة الأحد الفائت مثل فريق الروايات العربية رواية «الخل الوفي» بحضور عدد عديد من مشرفي المقام، فأبدع وأعجب وصفق له الحضور مرارا، وكانت سمات المسرة ظاهرة على محيا الجميع، وقد استنفر ذلك حضرة صاحب جريدتنا ومحررها
3
فارتجل خطابا بديعا ضمن من دقة المعاني ما طاب للمشرفين سمعه، فقابلوه بعلائم المسرة. وكنا نود لو سمح المقام أن يثبت بعض ما وعاه السمع، ثم اختتم ذلك بتقريظ ارتجالي جاء وفق المرام وهو:
شهدناها روايات تجلت
لدى أبصارنا عنجا وتيها
حوت ما رق من نثر وسجع
وشعر عن معان تجتليها
بها جمع الفنون أبو خليل
فآنس بالتفنن واضعيها
سمعنا بل رأينا منه نزعا
أديبا فاضلا قطفا فقيها
جرى فيها على نمط بديع
وجملها فريق ممثليها
نعم برعوا فلا عجب إذا ما
أتى بمديحهم شعري بديها
رشاقات يمازحها وقار
إشارات تروق لناظريها
بحثنا كي نرى فيها عيوبا
فكان العيب ألا عيب فيها
ومساء أمس مثل رواية «عفة المحبين»، فانشرح لها صدر الحضور. وسيمثل مساء هذه الليلة رواية «أنس الجليس». فنرجو أن يتشرف المقام بحضور أهل الكرم والأدب فيروا ما يسرهم.
جريدة الأهرام: 2 / 7 / 1884
مساء أول أمس مثل فريق الروايات العربية رواية «أنس الجليس»، وكان المحفل غاصا بالحضور الذين انشرحت صدورهم من توقيع الرواية وبديع تركيبها وحسن تمثيلها وبهاء مشاهدها، وأثنوا الثناء المستطاب على هذا الفريق العربي المتفنن، وبمثل ذلك قابلوا الرواية التي مثلت في الليل الفائت، وفي اليقين أن كرامنا لا يتأخرون، ولن يتأخر عن الإتيان بما يسر ويلذ.
جريدة الأهرام: 4 / 7 / 1884م
أجاد فريق الروايات العربية في تشخيص رواية «عنترة» في الليل الفائت، وكان المشهد حافلا، فسر الجميع مما سمع ورأى، وخرج يطنب في المديح ويثني. وسيمثل هذا الفريق في مساء اليوم رواية «ناكر الجميل»، وهي بديعة الأسلوب تامة النظام والإتقان، فالمرجو من أبناء الوطن الكرام أن يشرفوا المقام فيلاقوا ما يلذ ويحلو.
جريدة الأهرام: 5 / 7 / 1884م
مثل فريق الروايات العربية في ليل أمس رواية «ناكر الجميل»، وهي رواية أدبية تشتمل على حكم ونصائح وإرشادات، فانشرح صدر الحضور منها، وامتدحوا إتقان التمثيل. وسيمثل في مساء هذا النهار رواية «عفة المحبين»، وهي رواية تاريخية بديعة التراكيب والتشابيه، حسنة الموضوع، يتوق إلى استجلائها الطبع ويلذ لها السمع، تشتمل على نوادر ونكات وأمثال جدية وهزلية. فنرجو من أبناء الوطن الكرام أن يزينوا المحل بوجودهم؛ إذ ليس هنالك ما يدعو إلى التأخر عن الحضور؛ لأن استماع الروايات ولا سيما البديعة كروايات هذا الفريق مرغوب طبعا. فأملنا أن نشاهد المحفل في مساء اليوم غاصا بالحضور، مزدانا بكرام قومنا؛ تنشيطا للممثلين واستيعابا للفائدة.
جريدة الأهرام: 7 / 7 / 1884م
ليلة أول أمس مثل فريق الروايات العربية رواية «عفة المحبين»، وهي قصة ولادة والوزير ابن زيدون، وكان المحفل غاصا بالحضور الذين تهادوا طربا وثملوا من صهباء آداب هذه الرواية، وبديع تأليفها، وحسن تركيبها، وبلاغة معانيها، وفصاحة ألفاظها، وإتقان تمثيلها، فصفقوا المرار العديدة، وطابت نفوسهم وانشرحت صدورهم، وأثنوا الثناء المستطاب على هذا الفريق ورئيسه. وبعد ختام الرواية انتصب حضرة النبيه المسيو فتح الله صوصة وألقى خطابا أنيقا في موضوع الروايات، وأثنى على الممثلين، واقترح على رئيس الفريق أن يمثل في ملعب زيزينيا ليكون للعائلات نصيب من الاشتراك في استماع رواياته البديعة، فكان لكلامه حسن الوقع، وسنتكلم في فرصة أخرى عن هذا الموضوع، وقد قرظ حضرة محرر جريدتنا هذه الرواية مرتجلا بما ناسب الموضوع، وهو:
رواية قد زهت حسنا وتحسينا
وزينت مجلى التأليف تزيينا
بلاغة زانها سجع يرصعه
نظم بديع يفوق الدر تثمينا
قد مثلوها بإتقان ظننت به
أنا بقرطبة نلقى المحبينا
ولادة وابن زيدون قد اطردا
لعبا ذكرنا به قول ابن زيدونا
أمسى التنائي بديلا من تدانينا
وناب عن طيب لقيانا تجافينا
هذا فريق أتانا من بدائعه
بما به قد زهت أنسا ليالينا
دامت بتوفيقنا الأيام زاهية
قولوا جميعا معي: آمين آمينا
ومساء أمس مثل هذا الفريق رواية «أنس الجليس» البديعة، التي أفضنا في مدحها قبل هذه المرة، وكان الحضور عديدين والفرح شاملا، وسيمثل في مساء هذا النهار رواية «الخل الوفي»، وهي لا تنقص حسنا عن سواها، فنتوقع أن نرى المحفل غاصا بالحضور ليروا ما يطيب لهم سمعه.
جريدة الأهرام: 8 / 7 / 1884م
مثل فريق الروايات العربية ليلة أمس رواية «الخل الوفي»، وإنها لرواية جليلة تشتمل على موضوع أدبي، وتتخللها رشاقات وحركات بديعة، وقد أتقن الفريق تمثيلها كل الإتقان، فانشرحت صدور الحضور الذين ما برحوا يوالون الذهاب مسرورين مما يشاهدون ويسمعون، ومرطبين الألسنة بالثناء المستطاب على هذا الفريق النشيط ورئيسه الفاضل. وسيمثل في الليل الآتي رواية «ناكر الجميل»، ولا حاجة لبسط ما تشتمل عليه هذه الرواية من الفكاهات. فالمرجو أن يقبل كرامنا إلى الحضور، ولهم الثناء.
جريدة الأهرام: 9 / 7 / 1884م
مثل فريق الروايات العربية في الليل الفائت رواية «الأمير محمود وزهر الرياض»، وكان في المقام قوم من الكرام غير قليلين، فشخصت أبصارهم إلى استطلاع مشاهدها المدهشات، وأعادوا الأسماع إلى التقاط ما تساقط من درر الألفاظ وبدائع الأقوال والكنايات، وطاب لديهم ما أتى به هذا الفريق من الإجادة في التمثيل وحسن التوفيق، فصفقوا مرارا، ولا سيما في ختام الفصل الأخير؛ حيث أنشد حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل أدوارا بديعة دعاء للجناب العالي أيده الله. هذا وإنه سيمثل في مساء هذا اليوم رواية «نفح الربى»، وهي متقنة الأسلوب حسنة الوضع، فالمأمول أن يقدم كرامنا إلى حضور تشخيصها فيلاقوا ما لقوا في سواها من دواعي السرور والانشراح.
جريدة الأهرام: 11 / 7 / 1884م
وصفنا وما وصلنا إلى حد الواجب في مدح رواية «عفة المحبين»؛ فقد مثلها في الليل الفائت فريقنا العربي، فأعزب كل من أعضائه في دوره وتناهى في الإتقان حتى أدهش وأعجب. وكان النادي مزدانا بكثيرين من أعيان الثغر وكرامه، فراقهم حسن التشخيص وبديع الإلقاء والإنشاد، وانصرفوا مرددين عبارات الشكر والثناء، عاقدين العزم على ألا يدعوا فرصة تفوتهم دون التروض بمجلي المشاهد التي ما برح يبديها هذا الفريق الأديب، وفي مساء اليوم ستشخص رواية «الأمير محمود وزهر الرياض»، وهي متقنة الأسلوب متسقة النظام.
جريدة الأهرام: 12 / 7 / 1884م
شخص فريق الروايات العربية في الليل الفائت رواية «الأمير محمود»، فطابت نفوس الحضور وقرت نواظرهم بما شهدوا من لطائفها وبدائع نكاتها، وفي مساء اليوم سيشخص رواية «الشيخ وضاح ومصباح وقوت الأرواح»، وهي ذات ستة فصول، ولم يسبق تمثيلها. فنحض الجمهور على الإقدام إلى استماعها، فيرون ما تسر به خواطرهم.
جريدة الأهرام: 14 / 7 / 1884م
شخص فريق الروايات العربية ليلة الأحد الماضي رواية «الشيخ وضاح ومصباح وقوت الأرواح»، ومثل في الليلة الفائتة رواية «عنترة العبسي»، وفي كلتيهما أجاد وأعزب، وأبدى من الطرف والطرائف ما راق وطاب، فصفق الحضور تصفيقا واستعادوه في بعض الأدوار، فأعاد وكرر وإن المكرر أحلى، وقد نظم حضرة الفاضل الشاعر الشيخ أبي خليل قصيدة غراء، مدح بها سمو الخديوي المعظم وآله الكرام، ووزراءه ورجال معيته الفخام، وشكر لأهل الإسكندرية غيرتهم العربية، فانطلقت الألسنة بما عطر الأندية بالثناء عليه، وفي مساء اليوم ستشخص رواية «عفة المحبين»، فالمأمول من حضرات كرام القوم أن يشرفوا المقام كما عودوه ولهم الفضل.
جريدة الأهرام: 15 / 7 / 1884م
حدث ولا حرج عما أبدى فريق الروايات العربية في الليل الفائت؛ فإنه مثل رواية «عفة المحبين: الوليد بن زيدون وولادة بنت المستكفي»، فروى لنا عنهما آية الود والعفاف وأحاديث الغرام والائتلاف، وأحكم وأبدع بما رأى وأسمع من المشاهد والأقوال التي تبهر الأنظار ويذري نظمها بعقد الجمان. ولقد سر الحضور، وانصرفوا منشرحي الصدور، يرددون جمل الشكر والمديح، وفي مساء اليوم سيشخص الفريق رواية «الخل الوفي»، فنسأل حضرات الكرام ألا يخلوا المحفل من أنس وجودهم، فيزدان بهم ويزداد رونقا وازدهارا.
جريدة الأهرام: 17 / 7 / 1884م
شخص فريق الروايات العربية في الليل الفائت رواية «نفح الربى»، فأجاد وأعجب، وفي مساء اليوم سيمثل رواية «أنس الجليس»، وهي ذات المشاهد الطبيعية والأقوال البديعة والحكم الباهرة التي يقف القلم دون وصفها وتبيان فوائدها، فنسأل حضرات الأكارم الأماثل ألا يحجموا عن الشخوص إلى النادي لحضور تمثيلها؛ فهم لا شك سيلقون فيها ما يفعم القلوب سرورا وانشراحا.
جريدة الأهرام: 18 / 7 / 1884م
ازدحمت الأقدام في الليل الفائت في نادي الروايات العربية حتى غص المقام بالجموع المتجمعة، وقد شخص الفريق رواية «أنس الجليس»، فطابت نفوس الحضور بسماعها وبديع مشاهدها، وصفقوا للممثلين مرارا متوالية، وفي هذا المساء ستشخص رواية «ناكر الجميل»، وهي من الروايات المنتقاة، فنؤمل أن يحضرها الجمهور ليسمع ويرى، فما راء كمن سمع.
جريدة الأهرام: 19 / 7 / 1884م
شخص أمس فريق الروايات العربية رواية «ناكر الجميل»، فكان لها من الحظ ما كان لسواها من حيث إقبال الجمهور على استماعها وانشراحهم من إجادة تمثيلها، وفي مساء اليوم ستشخص رواية «عفة المحبين»، وفي مساء الغد «الخل الوفي»، ولا شك أن سيكون المقام غاصا بحضرات الأعيان الكرام.
جريدة الأهرام: 21 / 7 / 1884م
شخص فريق الروايات العربية ليلة أمس رواية «عفة المحبين»، وفي الليل الفائت رواية «الخل الوفي»، وفي كلتيهما أحسن وأجاد، وفي مساء اليوم سيشخص رواية «مصباح وقوت الأرواح»، وسنعلن عما قليل عن استعداد حضرة مدير الفريق إلى تمثيل بعض الروايات في تياترو زيزينيا، وبلغنا أنه قد افتتح لهذا المشروع اكتتابا، فنؤمل أن يقبل كرام القوم والأعيان على ابتياع تذاكر الدخول، وسنعود إلى الكلام في هذا الموضوع.
جريدة الأهرام: 23 / 7 / 1884م
لقد مثل أمس فريق الروايات العربية رواية «أنس الجليس»، وكان الحضور عديدين، فانشرح صدرهم وأعلنوا مسراتهم، وأثنوا كل الثناء على الفريق المذكور. وسيمثل في هذا المساء رواية «ولادة» الشهيرة. فمرجونا من كرام القوم التشريف لاستماعها؛ فإنها رواية بديعة زاهية، تشرح الصدور وتبسط النفوس.
جريدة الأهرام: 31 / 7 / 1884م
في مساء اليوم يحتفل فريق الروايات العربية تحت إدارة حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني بتشخيص رواية «أنس الجليس» في تياترو زيزينيا، وهي إحدى الروايات الخمس الموعودة، بل هي تلك الآية البديعة المشاهد الراوية لنا عن عهد هارون الرشيد وجعفر بن يحيى، وسيتلوها فصل مضحك من منتقيات الفصول وبدائعها، فنؤمل ممن لم يتحصلوا بعد على أوراق الدخول بالاشتراك أن يتسابقوا إلى الحصول عليها قبل فوات الفرصة، وهي تباع بمكتبة حبيب أفندي غرزوزي بسكة الضبطية، والتشخيص سيبتدأ به في الساعة التاسعة.
جريدة الأهرام: 1 / 8 / 1884م
شخص فريق الروايات العربية في الليل الفائت في تياترو زيزينيا رواية «أنس الجليس»، وكانت الغرف ومجالس القاعة غاصة بالجموع من الجنسين اللطيف والنشيط، فأجاد المشخصون وأبدعوا، وأبدوا في مشاهد الأفراح والأحزان ما حسن وقعه ولذ سمعه، وقد تعقب الرواية تمثيل فصل مضحك راق للجلوس ما تخلبه من الإشارات والحركات، فانصرف الجميع مسرورين، منشرحي الصدر، معللي النفس بحضور بقية الروايات التي تفضل بالوعد بتقديمها حضرة الشيخ أبي خليل مدير هذا الفريق. ونحن نشترك مع حضرات أعياننا الكرام في إظهار هذه الحاسات؛ ولا سيما بعد إذ علمنا أن سيحلي جيد إحدى هذه الروايات بعقد أنغامه الرخيمة حضرة المطرب الشهير عبده أفندي الحمولي،
4
ونحث الجمهور على ألا يدعوا الفرصة المنتظرة تفوت دون ما يعللون به الآمال.
جريدة الأهرام: 2 / 8 / 1884م
في مساء اليوم يشخص فريق الروايات العربية في تياترو زيزينيا رواية «عفة المحبين» الغنية عن التعريف بما اشتهر من أوصافها لدى الخاصة والعامة، فنؤمل أن نشاهد المحفل غاصا بكرام القوم، ولا شك أنهم سيلقون ما يسرهم. وستتبع الرواية بتمثيل فصل مضحك، ولعله فصل «الصيدلية» المستوفية فيه معدات الانبساط ودواعي الانشراح.
جريدة الأهرام: 5 / 8 / 1884م
في مساء اليوم يشخص فريق الروايات العربية في تياترو زيزينيا رواية «مصباح وقوت الأرواح»، وهي رواية ذات مشاهد وأدوار متنوعة، وقد تخللتها فكاهات ونكات تلذ السامع والرائي، وسيتلوها تمثيل فصل مضحك، فنؤمل أن يقبل الجمهور على حضورها فيلقى ما يسر الخاطر.
جريدة الأهرام: 6 / 8 / 1884م
شخص أمس فريق الروايات العربية في تياترو زيزينيا رواية «مصباح وقوت الأرواح»، فأحسن المشخصون وأتقنوا أدوارهم وصفق لهم استحسانا. وسيمثل في مساء غد رواية «الأمير محمود وزهر الرياض»، وهي أنظم وضعا من رواية أمس، فنؤمل أن يكون المشهد حافلا.
جريدة الأهرام: 7 / 8 / 1884م
نذكر الجمهور بأن فريق الروايات العربية سيشخص اليوم في ملعب زيزينيا رواية «الأمير محمود»، فنؤمل أن يكون المقام غاصا بالوفود.
جريدة الأهرام: 8 / 8 / 1884م
شخص أمس فريق الروايات العربية في تياترو زيزينيا رواية «الأمير محمود وزهر الرياض»، فأجاد وأحسن الإلقاء والتوقيع، وكان الحضور عديدين، فصفقوا استحسانا، وقد تلاها تمثيل فصل مضحك رشيق الحركات لطيف الإشارة،
5
فاستحسنه الجمع وخرجوا مسرورين مثنين على هذا الفريق. وليلة الأحد (مساء غد) آخر الليالي الموعودة، ستشخص فيها رواية «عنترة العبسي»، وهي ليست بأقل نظاما ورونقا مما سلفها، وقد تضمنت ذكر مواقع العرب وعوائدهم، وتخللتها فصول ومشاهد مبهجة تقر بها النواظر، وترتاح إليها الخواطر، وفي ختام الرواية سيقوم حضرة عبده أفندي،
6
بلبل الأفراح، بوفاء ما وعد من تزيين هذه الليلة بحضوره وتشنيف الأسماع برخيم صوته وبدائع نغماته المطربة، فنؤمل أن يتسابق الجمهور إلى ابتياع ما تبقى من تذاكر المحلات، ولا شك أنها ستكون ليلة مزدوجة الفائدة جامعة لدواعي المسرة والأفراح. وهنا نسأل حضرات الذين أخذوا تذاكر اشتراك لحضور الليالي الخمس ألا يدفعوا قيمة الاشتراك إلا ليد جناب الخواجة إسكندر فرح
7
أمين صندوق هذا الفريق.
جريدة الأهرام: 9 / 8 / 1884م
في مساء اليوم يشخص فريق الروايات العربية في تياترو زيزينيا رواية «عنترة»، وسيعقبها على ما ذكرنا أمس فصل طرب وأنس، يقوم به تكرما وعفوا حضرة المطرب الشهير عبده أفندي الحمولي. فنحث الجمهور على اغتنام الفرصة؛ فقد عز أن يكون لها نظير.
جريدة الأهرام: 11 / 8 / 1884م
شخص فريق الروايات العربية في مساء يوم السبت في تياترو زيزينيا رواية «عنترة العبسي»، وكان في المقام زهاء ألف نسمة، في مقدمتهم بعض الأمراء وذوات المعية السنية، وسعادة محافظ الثغر، وغيرهم من الأعيان، وقد أجاد المشخصون أي إجادة، وبرهنوا على ما لحضرة مدير الفريق الفاضل من طول الباع في إدارة هذا الفن، فصفق لهم الجمع مرارا، وقد ختمت الرواية بفصل طرب وأنس، أقامه حضرة البلبل المصداح عبده أفندي الحمولي؛ إنجازا لما وعد، فأدهش وأعزب وأنعش وأطرب، حتى كدت ترى الكل حيارى بما أبدى من بدائع النقرات على الأوتار، وما أجرى من غرائب التقلبات في حركات الألحان والأدوار، وقد انصرف الجمع مثنيا على الفريقين شاكرا لما ناله من النصيبين. وبلغنا أن كثيرين من أهل الثغر سألوا حضرة الشيخ أبي خليل القباني أن يوالي التشخيص، فأجابهم إلى ما سألوا، وسنعلن عن ذلك في مرة أخرى.
جريدة الأهرام: 27 / 9 / 1884م
لا يزال فريق الروايات العربية تحت إدارة الشيخ أبي خليل القباني يوالي التشخيص في قهوة حمام الدانوب في ثغرنا. وسيمثل في مساء اليوم رواية «عائدة»، وهي قصة تاريخية بديعة المشاهد، يتخللها رشاقات ونكات لطيفة، وقد حضر تمثيلها في بعض الأيام الماضية العدد العديد من أهل الثغر، فأثنوا على مشخصيها أطيب ثناء. وسيتبع تشخيص الرواية تمثيل فصل مضحك لا بد وأن يرتاح العموم إلى حضوره؛ لما تبينوا في مدير حركة البانتوميم من البراعة في الفن.
جريدة الأهرام: 3 / 10 / 1884م
في مساء يوم الأحد، سيشخص فريق الروايات العربية في قهوة حمام الدانوب رواية «الخل الوفي»، فنؤمل أن يقدم الجمهور إلى حضورها.
جريدة الأهرام: 7 / 10 / 1884م
مساء غد، سيشخص فريق الروايات العربية في قهوة حمام الدانوب رواية «عائدة». فنحث الجمهور على حضورها؛ فإنها من أبدع الروايات وأحكمها.
جريدة الأهرام: 14 / 10 / 1884م
لا خفاء أن فريق التمثيل العربي بإدارة حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني الدمشقي قد أظهر من بدائع ألعابه
8
في المدة التي أقامها بالإسكندرية؛ ما دعا إلى الثناء عليه؛ حتى استدعى الجميع إلى ملازمة الحضور في أوقات تشخيصه. أما الآن، وقد توجه أمس إلى العاصمة لقصد التمثيل؛ فقد تكدر الإسكندريون من ذلك؛ إذ كانوا يودون بقاءه عندهم، ولكنهم لم يأنفوا من أن يقاسمهم كرام العاصمة داعية المسرة، من مشاهدتهم فريقا عربيا يجتهد في إحياء هذا الفن البديع المفيد، بإتقانه روايات عديدة محكمة الوضع، جامعة أطراف النظم والنثر بعبارة بليغة، وأسلوب رائق، ومواضيع أدبية، مع إتقان التمثيل عن رشاقة حركات،
9
وحسن إجادة، بحيث يمثلون الماضي بصورة الحاضر؛ حتى يتوهم السامع والمشاهد أن الأمر الممثل واقع طبيعيا، وفي يقيننا أن أهالي العاصمة الكرام لا يتأخرون عن مقابلة هذا الفريق بالوجه الباش والحضور المستمر؛ لاستماع الروايات التي يمثلها. ومتى علمنا محل التشخيص والروايات التي ستمثل لا نتأخر عن إعلان ذلك لإفادة العموم. ونتوقع إذ ذاك أن نتقبل عن وكيلنا عن نجاح هذا الفريق ما يستقدمنا إلى إعلان الثناء.
جريدة الأهرام: 16 / 10 / 1884م
أتى إلى العاصمة فريق التمثيل العربي، الذي طالما طالع قراء الأهرام ما أتاه في تمثيله بالإسكندرية من الإتقان والإجادة الشاهدة بفضل حضرة رئيسه الفاضل الشيخ أبي خليل القباني واهتمام الفريق. ولسنا نشك بأن أهالي العاصمة الكرام سيتقبلونه بالمسرة ويوالون الحضور لمشاهدة التمثيل والارتياح إلى إنجاح هذا الفن الجميل.
جريدة الأهرام: 21 / 10 / 1884م
اتصل بنا أن فريق الروايات العربية الذي أعلنا عن توجهه إلى العاصمة قد استأجر فيها تياترو البوليتياما، وسيكون ابتداء التشخيص برواية «أنس الجليس» ليلة الخميس الآتي، الواقع في 23 الشهر الحاضر. وهي رواية بديعة الإتقان، فصيحة العبارة، مدهشة المناظر. فالمأمول من أهالي العاصمة الكرام أن يعضدوا هذا المشروع المفيد. ونحن موقنون بأنهم سيصادفون ما يسر منهم الخواطر، فيفوز هذا الفريق برضاهم، كما فاز برضى أهالي الإسكندرية، والله الموفق. أما الأوراق فتباع نهارا في محل أحمد أفندي صبح بجوار البوسطة في ملك قطاوي بك، وتباع ليلا في باب محل التشخيص.
جريدة الأهرام: 24 / 10 / 1884م
بدأ فريق التمثيل العربي ليلة أمس بالتشخيص في تياترو البوليتياما، ولم تأت الساعة المعينة للابتداء حتى غص المقام بالحضور؛ غيرة من كرام أبناء لغتنا العربية الشريفة في سبيل تعضيد هذا الفن البديع. ولا غرو؛ فغيرة أهالي العاصمة مشهورة ، ولا شك أنهم سيوالون الحضور في جميع أوقات التشخيص. أما الرواية التي شخصت فهي «أنس الجليس» المشهورة، وقد أتقن الممثلون العمل إلى حد استدعى مسرة العموم، وكان التصفيق يتخلل الألعاب، وقد انقبضت القلوب لدى تمثيل عامل الخليفة؛ لكونه أطرد خطة الظلم، ثم انبسطت عند حضور الوزير جعفر، الذي كشف الظلامة، وخصوصا لدى تمثيل الخليفة هارون الذي أيد العدل. وبالاختصار أن العموم كانوا منشرحين صدرا مما شهدوا، وقد أثنوا الثناء المستطاب على حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل وفريقه. وبعد تتمة الرواية انتصب حضرة الفاضل الأكتب والخطيب المصقع فارس أفندي نمر
10
محرر المقتطف الأغر، وألقى خطبة غراء جمعت إلى بلاغة المعاني فصاحة الألفاظ، أبان فيها فضل فن الروايات على الهيئة الاجتماعية، وشكر الفريق الممثل ورئيسه، واستنهض همة المصريين إلى تعضيد هذا المشروع، وختمه داعيا لسمو الخديوي المعظم، فصفق له الجمهور وامتدحوه كثيرا. وبعد ذلك مثل الفريق فصلا مضحكا سر الجمهور الذي انصرف شاكرا مثنيا. وسيمثل في هذه الليلة رواية «ولادة» المشهورة، التي قال عنها أحد العلماء المصريين الأفاضل إنها في سبك الجمل والفصاحة لمن أجل الكتب العربية.
جريدة الأهرام: 27 / 10 / 1884م
مثل أمس الفريق العربي رواية «لباب الغرام» التاريخية الشهيرة، وكان المقام غاصا بالحضور، وقد تفنن الممثلون بالتمثيل كل التفنن، فشرحوا صدر الحاضرين الذين قابلوهم بعلامات الاستحسان، وأثنوا عليهم الثناء المستطاب، والحق يقال إن الغيرة البادية من كرام المصريين في تعضيد هذا الفريق وإنجاح هذا الفن تستحق المدح والشكر.
جريدة الأهرام: 28 / 10 / 1884م
في ليلة أمس مثل فريق الروايات العربية رواية «الخل الوفي»، وهي رواية تاريخية وقعت في مملكة فارس، يستفاد منها حوادث تاريخية جليلة، يمكن للمرء قياسها على حوادث هذه الأيام من أبواب عديدة، وقد جمعت هذه الرواية من كل فن مستطاب، فجاءت مشتملة على خالص الحكم وضروب الحماسة والمروءة ووفاء العهود وخديعة النساء إلى غير ذلك. ولا تسل عن براعة المشخصين الذين أجادوا غاية الإجادة وأتقنوا أدوارهم غاية الإتقان. أما الحضور فكانوا جميعا مسرورين مما شاهدوا من إحكام التشخيص وحسن الإلقاء، وفصاحة اللغة، وبلاغة المعاني، وحسن الإشارة، وفي هذه الليلة ستشخص رواية «الأمير محمود» وغدا رواية «ناكر الجميل» وليلة الخميس رواية «عائدة»، وأما ليلة الجمعة فرواية «عنترة العبسي». فنحث الجمهور على ابتياع تذاكر اللوجات والكراسي؛ فيرون ما يسرهم، ويبرهنون بعضدهم هذا الفن على ما طالما شهدناه من هممهم وحميتهم.
جريدة الأهرام: 29 / 10 / 1884م
نقل إلينا بعض الذوات الذين قدموا من العاصمة في هذين اليومين أن الروايات التي مثلها الفريق العربي تحت إدارة حضرة الأديب الشيخ أبي خليل القباني كانت متقنة غاية الإتقان، حسنة الوقع لدى الجماهير الذين حضروها، جديرة بأن يثنى على مؤلفها ومشخصيها جميل الثناء. وكتب إلينا مدير الجريدة أن ذوات العاصمة وأعيانها مصممون على مولاة الحضور، منعطفون إلى إحياء هذا الفن البديع بما تعودوا من مد يد المساعدة إلى إحياء كل مشروع مفيد. فشكرنا لهم هذه الغيرة العربية، ورجونا للفريق المذكور نجاحا تاما.
جريدة الأهرام: 1 / 11 / 1884م
شخص الجوق العربي ليلة أمس رواية «عائدة»، وفي الليل الفائت رواية «عنترة العبسي»، وكانت قاعة الملعب في الروايتين وخصوصا الأخيرة غاصة بالجموع بأنواع لم يسبق لها مثيل في الليالي السالفات أو في تشخيص أي جوق عربي أو أوبرالي،
11
فدلنا ذلك على ارتياح رجال العاصمة إلى جودة التمثيل، وحقق آمالنا في كرامهم، فتفاءلنا بالدخول في عصر جديد يجدد في دمائنا حياة المروءة والشهامة والغيرة، وتكاتف مبادئ أجدادنا الأقدمين، وقلنا لا بد من النجاح، وإن كان المبدأ في كل عمل صعبا. أما المشخصون فقد أتقنوا تمثيل أدوارهم وأحسنوا الإلقاء بقدر ما وصل إليه الإمكان والاستطاعة؛ وتصفيق الاستحسان المتكرر من الشهود يؤيد كلامي. ولا ريب في أن إقدام حضرات الذوات والأعيان إلى موالاة الحضور سيستقدم حضرة مدير الجوق الفاضل الشيخ أبي خليل إلى بث اهتمامه في تحسين الروايات وزيادة إتقان التشخيص. وقد سرني ما علمت من أن حضراتهم موجهون العناية إلى تعضيد هذا الجوق، وأن مديره شارع - في نوفمبر - زيادة عدد المشخصين والمغنين ليكون العمل مستوفيا جميع الشروط. أما الفصل المضحك الذي يشخص في ختام كل رواية، فحدث عنه ولا حرج؛ فقد تفنن فيه عامله كل التفنن، وكثيرا ما يصفق له الجمهور استحسانا ويستعيدون إشاراته وحركاته.
جريدة الأهرام: 4 / 11 / 1884م
مثل فريق الروايات العربية في الليل الفائت رواية «حمزة المحتال»، وهي مضحكة مبهجة، جمعت بين الهزل والجد فوائد أدبية متعددة أخصها بيان عيب حرص الغني وخصاصته، وبخله بإنفاق القرش الواحد ليكسب منه بعد ذلك ألوف القروش، ونتيجة سوء تربية الأولاد بإفساد أخلاقهم من صغرهم وإيضاح الأسباب التي تجعل المال مضرا بأولاد الأغنياء الذين يكتفون من اتباع مسرة اللبس بحسن اللباس وإتقان الزي وغير ذلك من الفوائد، وقد عقب الرواية فصل رقص،
12
ثم فصل مضحك، فأجاد المشخصون، ونالوا رضى الجمهور الذين كرروا لهم التصفيق استحسانا، وفي ختام الرواية أعلن حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل مدير الفريق عن استعداده بتمثيل رواية «الخل الوفي» في مساء اليوم، فسأله الجمهور بصوت واحد تكرار تشخيص رواية لباب الغرام «متريدات» فأجاب سؤالهم. وهي رواية تاريخية محكمة الوضع، تضمنت كثيرا من الأدبيات والعظات الحسان، ومبدؤها الوطنية والأمانة والاستقامة، وسألخص موضوعه في رسالة الغد.
13
وسيشخص الفريق بناء على طلب الجمهور واستحسانه رواية «أنس الجليس» غدا ورواية «ولادة» ليلة الخميس، ورواية «عائدة» الشهيرة ليلة الجمعة. وعلمت أن أكثر تذاكر اللوجات والكراسي قد ابتاعها الحضور في الليلة الفائتة، وفي ذلك دليل على شدة رغبة المصريين في تعضيد هذا المشروع الجليل الفائدة، فلهم منا جزيل الشكر.
جريدة الأهرام: 5 / 11 / 1884م
مثل أمس الفريق العربي رواية «لباب الغرام» تمثيلا أريح إليه الحضور كل الارتياح، وإن ما نراه كل يوم من إقبال الجمهور على حضور التمثيل يوطد الأمل بنواح مشروع طالما طالبنا على وجوب وجوده في مصر؛ فهو من أفضل المعدات الموجبة للهيئة الاجتماعية في مصر.
جريدة الأهرام: 7 / 11 / 1884م
مثل أمس الفريق العربي رواية «ولادة» معشوقة ابن زيدون الوزير المشهور، وهي رواية تاريخية جميلة، تشير إلى عظمة العشق ونباغة النساء العربية في الأيام الأولى بالعلم والفضل، ومباراتهن الرجال في الشعر وبلاغة المعاني ما يحرك الجنس اللطيف في أيامنا هذه إلى الاقتداء بنساء تلك الأيام من هذا القبيل، وقد ارتاح الحاضرون إلى إتقان التشخيص وامتدحوا الفريق الممثل.
جريدة الأهرام: 10 / 11 / 1884م
مثل أمس الفريق العربي رواية «عنترة»، وكان التمثيل متقنا عن الأول، والحضور منشرحين جدا مما شاهدوا، مؤملين بأن يكون لهذا الفريق من هذا الفن نصيب التقدم التام.
جريدة الأهرام: 11 / 11 / 1884م
سر الحضور أمس من تمثيل رواية «الخل الوفي»، وأثنوا الثناء المستطاب على حضرة الفاضل رئيس الفريق وعلى الممثلين لما أظهروه من الإتقان في التشخيص.
جريدة الأهرام: 12 / 11 / 1884م
مثل الفريق العربي ليلة أمس رواية «الأمير محمود»، وأجاد في العمل، فاعترف الحضور بتحسين التشخيص مرة عن مرة، وسر مما شاهد. ومرجونا أن الجمهور يبرهن على سروره باطراده الحضور لتشجيع الفريق العامل الذي يستحق المديح.
جريدة الأهرام: 17 / 11 / 1884م
أجاد الفريق العربي في تمثيله رواية «عائدة»، وقد أعلن الحضور فرط سرورهم مما شاهدوا من إتقان التشخيص، وأثنوا على الفريق ورئيسه الفاضل كل الثناء، وفي هذه الليلة تمثل رواية «ناكر الجميل».
جريدة الأهرام: 21 / 11 / 1884م
مثل الفريق العربي أمس رواية «لباب الغرام»، وهي رواية تاريخية جمعت الأطايب من مطالب الغرام والآداب والشجاعة والوطنية وما شاكل ذلك ، وقد أجاد الممثلون في أدوارهم كل الإجادة، فصفق لهم الجمهور مرارا وأثنى عليهم، وفي ختام الفصل الثالث وقف حضرة الفاضل رئيس الفريق وإلى جانبه حضرة عندليب الروض عبده أفندي الحمولي، وأعلن أنه سيمثل غدا رواية «أنس الجليس» بدلا من «عنترة»، وأن عبده أفندي سيتكرم بإطراب الجمهور. فعند هذه العبارة ارتفع صوت التصفيق وازدحم الناس على ابتياع أوراق الغرف
14
والكراسي.
جريدة الأهرام: 22 / 11 / 1884م
ازدحم أمس التياترو العربي بحضور العديدين حتى ضاق بهم المكان، وأخذ الفريق بتمثيل رواية «أنس الجليس» الجليلة الموضوع، والسامعون يصفقون منشرحي الصدور من إتقان التمثيل، ولما أقبل جناب عندليب الروض عبده أفندي الحمولي ليقوم بوفاء ما وعد، تكرر التصفيق وزاد فرح الجمهور عندما أخذ ينقر على العود ويتلاعب فيه كلاعب النسيج بالأغصان، ولكن الحظ لم يسمح له بالمقام ما رام؛ لأن الصداع (داءه العادي) داهمه، فحال دون التمام، وتكدر العموم مما كان، وهم يتوسلون قرب الشفاء والتعويض المتكرر عما فات، عافاه الله وشفاه. أما الفريق فأتم التمثيل على ما يرام ونال الثناء المستطاب.
جريدة الأهرام: 14 / 1 / 1885م
مثل أمس فريق
15
جناب الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «ولادة»، وقد أجاد كعادته ... ولكن كان الحضور قليلين بسبب الأمطار، فالمرجو أن تزدحم أقدامهم في بقية ليالي التمثيل.
جريدة الأهرام: 4 / 4 / 1885م
مساء اليوم سيشخص فريق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني في تياترو البوليتياما رواية «أنس الجليس» بدلا من رواية «الانتقام» إجابة لطلب الجمهور، فنؤمل أن يكون عدد الحضور عديدا؛ إذ الرواية بديعة في بابها، والليلة خاتمة الليالي.
جريدة الأهرام: 11 / 11 / 1885م
مساء غد يفتتح جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني التشخيص في تياترو الدانوب المعروف بقهوة سليمان بك رحمي، بجوار شادر البطيخ، فيمثل رواية «مجنون ليلى»، وسيوالي التشخيص بعدئذ في خمس ليال أخر، فالمأمول أن يقبل الجمهور على حضور هذه الروايات؛ فإن الجوق تام العدة والنظام ومؤلف من خيرة المشخصين، والروايات بديعة الموضوع ومختلفة المشاهد، وسيعقب تمثيل كل رواية تقديم فصل بانتوميم مضحك. أما تذاكر الدخول فتباع نهارا في مكتبة حبيب أفندي غرزوزي، وليلا على باب التياترو، وهي بأثمان مهاودة جدا؛ فإن المحل الأول بثلاثة فرنكات، والمحل الثاني بفرنكين اثنين، والمحل الثالث بفرنك واحد.
جريدة الأهرام: 16 / 11 / 1885م
شخص جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني في الليلتين الماضيتين روايتي «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة» و«متريدات»، فأجاد وأحسن، وكان الجمع غفيرا. وهو سيشخص مساء غد رواية «مجنون ليلى» للمرة الثانية. فنحث الجمهور على حضورها، فإنها من أبدع رواية لفظا ومعنى، وأحسنها وضعا واتساقا.
جريدة الأهرام: 18 / 11 / 1885م
مساء أمس أعاد جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «مجنون ليلى» فأجاد، وكان الحضور غير قليلين، فصفقوا للمشخصين استحسانا، وهو سيشخص مساء غد رواية «عائدة» للمرة الأولى،
16
وغير خاف مكان هذه الرواية من النظام والإتقان، فالمأمول أن يقبل الجمهور على حضورها.
جريدة الأهرام: 20 / 11 / 1885م
شخص جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني في الليلة الفائتة رواية «عبدي السلام الحمصي» المعروف بديك الجن، فأحسن الإشارة وأتقن التمثيل، وصفق له الحضور طربا واستحسانا.
جريدة الأهرام: 1 / 12 / 1885م
شخص البارحة جوق حضرة الشيخ أبي خليل فسر الحضور كثيرا، وهو مطرد بالتمثيل كل ليلة. فنحث أهل العاصمة على الإقبال عليه كما عودونا من قبل.
جريدة الأهرام: 4 / 12 / 1885م
شخص أمس جوق حضرة الشيخ أبي خليل فأجاد وأتقن، وهو يتابع التشخيص كل ليلة، فنحث أهل العاصمة على ما عودوه عليه من الإقبال، فهو جدير بأن يساعد في مشروعه الحسن.
جريدة الزمان: 22 / 12 / 1885م (التشخيص العربي في تياترو الجنينة)
صمتنا عن هذا التشخيص مدة طويلة من الزمن، وغضينا الطرف ساكتين عن القذى إلى أن طفح الكيل وعم الويل، وأصبح الكلام فرضا واجبا، وشرح الحال خدمة وطنية؛ إذ من المعلوم أن التياترو والتشخيص ما جعل إلا لتهذيب الأخلاق وتحسين الطباع وترقي الناس إلى درجة الكمال واتصالهم إلى تقدير الأشياء قدرها؛ إذ يرون بأعينهم ما يسمعونه بآذانهم من الأمثلة التي يقدمها أمام أعينهم التشخيص، كما يسوقها التاريخ أمام أسماعهم. لكن من سوء الحظ رأينا التشخيص العربي في تياترو جنينة الأزبكية جاريا على ما يفسد الآداب ويهتك حرمتها، وينزع من القلوب تلك المبادئ الشريفة التي استغرق غرسها السنين الطوال، وقد كثر تنديد الإفرنج بنا ونسبنا الأجانب لنوع من الأخلاق «ذميم» جدا، وقد رأينا أول أمس ما تقشعر منه الأبدان؛ إذ كان رجال حالقون شواربهم ولحاهم وواقفين موقف النساء، وسمعنا البعض يصرخ من اللوجات: «يا قلبي، يا روحي»، وما أشبه ذلك من الألفاظ التي لا تقال في محفل أدبي. فكيف بالله يرجى الإصلاح من منبع الفساد؟ وكيف يؤمل ترقية الآداب من عمل ليس إلا قلة حياء وبيع ماء الوجه؟ وقد قيل:
إذا قل ماء الوجه قل حياؤه
ولا خير في وجه إذا قل ماؤه
17
ويا ليت أصحابنا اقتصروا على ملابس النساء أو على حركات الفاضلات النازلات في مقام التشخيص، بل رأينا منهم من التهتك وخلع العذار والإفراط في الغنج وعدم المبالاة بالأدب ما ألجأنا إلى أن نحرم حضور الناس في تشخيصهم. على أن هؤلاء المشخصين ليسوا بمصريين، بل هم من بعض المطرودين من سوريا؛ لأن حضرة والي الشام لما رأى منهم هذه الأحوال ، وعرف عواقبها؛ منعهم من التشخيص وشدد عليهم اللوم؛ لدخولهم في صنف النساء مع أنهم رجال، فإذا كانت سوريا التي هي دون مصر في العمار والنجاح قد خشيت أن تفسد آدابها بواسطة هؤلاء الناس، أفليست مصر أحق وأولى بأن تحفظ نفسها من ذلك، خصوصا وأن الشريعة الإسلامية الشريفة لا تجوز النظر إلى وجه الأمرد الذي يخشى منه الفتنة، بل إن هؤلاء الأشخاص مرد صناعة لا مرد طبيعة، يأتون من التهتك ما تستقبحه بنات الهوى، وقد سمعنا الإفرنج يحضرون التشخيص العربي في الأزبكية على قصد الانتقاد، يقولون إن أبناء العرب لا يترقون في المدنية مطلقا، بل ميلهم فاسد وأخلاقهم فاسدة، وإلا لما كانوا يحضرون في مثل هذه الحالات التي لا يحضرها من يحترم نفسه ويتبع صراط الأدب القويم. نعم، إن التشخيص لو كان أدبيا لا يتعدى حدود التهذيب يعادل نفعه ضرر التشخيص الذي أشرنا إليه، ولو كانت النساء بدلا عن الذين يتخذون هيئة المرد (بالنبوت)، وكان مع ذلك تمثيلهم على عادة التمثيل الأوروباوي؛ لكنا من أشد أنصارهم. ولكن حيث إن التمثيل على هذه الحال، فلنا الثقة التامة بأن سعادة محافظ عاصمتنا الهمام، نصير الأدب، والمحافظ على فوائده، لم يشاهد ما هو جار في هذا التياترو، وإلا لكان ينفي المشخصين من أول وهلة؛ حرصا على الفوائد التي تبثها المدارس وغيرها من الموضوعات التهذيبية. لأجل ذلك نظهر ثقتنا بأنه يتخذ الاحتياطات اللازمة لمنع هذا التمثيل بالكلية؛ فإن الحرية واجبة، ولكن قلة الحياء تشوه وجهها، وإن دام هذا التمثيل تضيع ثمرات التهذيب والاستقامة واحترام الأدب التي تغرسها حكومتنا السنية في عقول أبناء الوطن الكرام، ويحتقرنا الخاص والعام، ونصبح أضحوكة بين الأنام؛ لأن الأوروباويين واقفون لحركتنا بمرصد، وهم ينتظرون أقل شيء لأجل التنكيت بنا نحن أولاد العرب، ولا شك أن ما حصل في دمشق الشام سيحصل في مصر القاهرة؛ لأن حكومتنا السنية من أحرص الحكومات على تقدم أولادها إلى الآداب والمعارف والعلوم والابتعاد عن المنكرات، وعندنا أن حضرات رفقائنا أرباب الصحف يتقدمون لمساعدتنا في هذا المشروع الذي هو أول خدمة واجبة للوطن العزيز، وعلى الله الاتكال في جميع الأحوال.
جريدة الزمان: 26 / 12 / 1885م (تياترو جنينة الأزبكية)
وردت لنا الرسالة الآتية تحت هذا العنوان، فأثبتناها بحروفها وهي: إن الجملة التي سطرت في جريدتكم الغراء الخادمة للوطن العزيز منددة بحصول ما يخل بالآداب والأخلاق الفاضلة في ذلك التياترو، قد وقعت لدى عموم العقلاء الذين لا يقبلون التدنس برذائل الأخلاق وقبيح العادات موقع الاستحسان، وصارت موضوع فرح وسرور في محافل الكمال والآداب. وإني قد ألزمت نفسي بإرسال عنان القلم مساعدا لكم في هذه الخدمة الوطنية التي ينبغي لأي وطني حر الخصال القيام بأعبائها، فأقول:
إذا ذهب الحياء فليس عيب
ويبقى العيب ما بقي الحياء
بينما حكومتنا السنية تعالج أبناء بلادها في تهذيب وتحسين شيمهم، باذلة في نوال هذه الغاية النقود الجمة، وفدت علينا أمم تأزرت بلين الألفاظ والتكسر فيها، وتردت كمبيح العادات، واغتصبت أخلاق النساء، وما اكتفت بهذا وحده بل تفننت في زينة ربات الحجال، والغادات الحسان، فتكلمت بما يخل بالآداب ويوجب انحراف الطبع الإنساني عن السير على ما يقضي به الناموس الشريف إلى قبيح الفعال. ومعلوم أن الناموس المقدس لهذا النوع كالزجاج لا يجبر كسره متى انصدع بصدمات القبايح من هذه الفئة قل جبره، وقد انبعث ذميم الأخلاق من هذه العصابة التي طوحت بها الأرياح الدمشقية نفيا للأقذار من أوديتها إلى هنا، حتى إنه في العام الماضي قامت على شاكلتهم بعض أبناء إحدى المدارس، ففطنت الحكومة لهذا الأمر، وعاقبت ناظر تلك المدرسة. ونحن نشارك جريدتكم الوضاء في عدم بقاء مثل هذه الفئة بين ظهرانينا، فإنا وعمر الإنسانية لا نقبل أن أبناءنا يتدنسون بمشاهدتها ويتلطخون بذميم آدابها. ونحن نحن المصريين لا نرضى بأن يقام لدينا سفهاء البلاد الذين أخلاقهم كالجرب السريع العدوى. وهل في شرعة الإنصاف أن تقوم في بلادنا أمة طردت من بلادها لما نجم عنها الضرر العمومي زيادة عما يشوه وجه الشريعة الغراء! ومن أجل المصائب تشيع بعض السفهة اللئام الذين جبلوا على ارتكاب ما لا يليق من الأفعال لهذه العصابة حين نددتم بأفعالها في جريدتكم الوضاء. فما لأرباب الأهواء والمفاسد وما لمصالح البلاد التي تناضلون عنها في جريدتكم خادمة الوطن العزيز؟! أفلا يتدبرون النصايح أم على قلوب أقفالها. وها نحن نستنهض همة نظارة الأشغال، مؤملين منها أن أناسا مثل هؤلاء القوم يناقضون بأعمالهم آراء حكومتنا السنية وأعمالها بما يحاولونه من فساد الأخلاق والانحراف عن الطريق السوي لا يجمل أن يزاولوا أعمالهم هذه في محل من قبل الحكومة،
18
فإن هذا من إحدى الكبر. وإني وعمر الآداب لا أمسك في كل حين عنان القلم في شأن هؤلاء الأشخاص حتى أفوز بنبذ ما يخل بمصالح البلاد وأبنائها، وأظفر من ذلك بالغاية والنهاية (توقيع: مصطفى عارف).
الزمان: نشارك في هذه الأفكار جناب المراسل الذي لا تأخذه لومة لائمة في خدمة بلاده، وقد قدمنا في أحد أعدادنا ما يؤيد حرصنا على منافع أبناء أوطاننا وحسن خدماتنا لهم في المصالح العمومية. وحضر إلينا من قبل هؤلاء المشخصين بعد كتابتنا تلك الجملة ملك التياترو (وهو رجل كبير الأنف طويله، ممدود الفكين المائلين إلى الجهة الوحشية)،
19
ومعه ناظر ماليته، وقالا لنا: نعطيكم لوجا مجانا وعشرين جنيها، فأجبناهم رافضين هذا الطلب قائلين إن خدمة البلاد لا تنبذ بملايين من النقود، ونحن نحن لا نؤثر على النصيحة شيئا. فانصرف الملك وناظر المالية بخفي حنين، ولعلهم ظنوا أن ملك التشخيص
20
ذا هيبة مرعي الجانب لدينا فبعثوا به، ولكن ملك الخيال والوهم وترهات الألفاظ لا سلطان لديه؛ ولذلك ارتحل عنا وعلى رأسه تاج الخيبة. على أن هؤلاء الأشخاص يعدلون عن الأمور الناصحة المفيدة في تشخيص رواياتهم، مائلين إلى التكسر، حاثين على العشق والغرام وغير ذلك من الأخلاق الفاسدة. ويقول بعض أرباب الأغراض الذين يميلون إليهم عابثين بحقوق الأوطان والقيام بها أن هؤلاء أشخاص فقراء لا ينبغي سد سبل الرزق في وجوههم، وما دروا بأنه لا تجوز أية شريعة أو أي قانون فساد عادات وأخلاق أية أمة لأجل تعيش نحو 15 شخصا قادرين على التكسب، بل أن بعضا منهم كان قهوجيا والآخر حلاقا والثاني يبيع المشمش والدقرين وغير ذلك. ولا نعلم أن رجلا من العظماء العقلاء يميل إليهم، بل لا ينزع نحوهم إلا فاسدو الأخلاق من باعة البالوظة ونحوهم من السفهاء. نعم، لا ننكر أن التشخيص ينور البصائر ويمثل الحوادث التي مرت عليها الدهور السالفة للعيان؛ حتى يتخذه العاقل مرشدا أمينا، ولكن لا على هذه الكيفية، بل على مشرب معتدل وأفكار فلسفية. ألا يرى أن الرجال المشخصين مثل فكتور هيكو وتيارس وغيرهما من أكابر الفلاسفة العقلاء أتى عليهم زمن قبضوا فيه على زمام إدارة حكومة بلادهم، ودانت لنصايحهم، ولكن فرق بين رجال لا ينطقون إلا بالآداب والحكمة وإرشاد الأمم، وبين رجل يقود زمام صبية مرد لأجل فساد الأخلاق، نسأل الله السلامة، آمين.
جريدة الأهرام: 7 / 3 / 1886م
شخص أمس جوق الفاضل أبي خليل القباني رواية «عنترة العبسي»، وقد شخص مساء الأحد الماضي رواية «ولادة بنت المستكفي»، وكان الازدحام شديد جدا في الليلتين، وقد أعقب الرواية تشخيص فصل مضحك جدا. وسيشخص الجوق المذكور رواية «عبد السلام الحمصي» المعروف بديك الجن في ليلة الجمعة القادمة، ورواية «عايدة» في ليلة الأحد، وسيعقب كل رواية فصل بانتوميم من الألعاب المضحكة. ولا شك بإقبال الجمهور على الحضور في الليلتين المذكورتين.
جريدة الزمان: 10 / 3 / 1886م (تياترو الأوبرا)
قبل التكلم عن التشخيص الذي سيحصل في التياترو، نتكلم كلمتين فنقول: يعلم حضرات قراء جريدتنا ما قدمناه من الكلام
21
على تشخيص أبي خليل القباني؛ فإنه كان مخلا بالآداب والأخلاق، لا تجوزه الشريعة الإسلامية الغراء. وكل من أنصف من نفسه يحكم بصحة ما قلناه، ولا يجادل في ذلك إلا من طبع الله على قلبه فصار يرى الحسن قبيحا والقبيح حسنا. وقبل أن نشرح هذا التشخيص الحديث الذي سيحصل في تياترو الأوبرا
22
نقول إننا قوم لا نتعصب إلا لتأييد الحق ودمغ الباطل، لا يغرنا اختلاف الأديان عن مشربنا، ولا تميل بنا الأغراض عن العدول عن الحق إلى الباطل، وحضرات قراء جريدتنا يعلمون ذلك حق العلم. غير أنه لدفع ما عساه أن يفرط من بعض البسطاء الذين لا يعرفون عادتنا وأخلاقنا نبين أن ذلك ليس ناشئا منا عن التشيع خلف الأغراض والتعصب للأديان؛ فإن القائمين بهذا التشخيص رجال مسلمون كأبي خليل، وها هي أسماؤهم:
23
أحمد أفندي أبو العدل، محمد أفندي عبد العزيز، علي أفندي عبد الوهاب، إبراهيم أفندي أحمد، درويش أفندي البشبيشي، أحمد أفندي المغربل، عمر أفندي فائق، يوسف أفندي فهمي، إبراهيم أفندي رحمي، عبد الخالق أفندي فكري، حسن أفندي محمد، علي أفندي حسنين، حسين أفندي أحمد، مصطفى أفندي المحلاوي، السيد أفندي الطنطاوي، محمد أفندي بهجت. فهؤلاء قوم مسلمون، كل يعرف أطوارهم وأحوالهم، على أننا وقفنا أنفسنا على الدفاع والذب عن المسلمين، ومن تصفح أعمدة أعداد جريدتنا يصدق أقوالنا وتقع لديه موقع القبول. أما أبو خليل؛ فإنه وإن اعتنق الديانة الإسلامية، وكذلك أخوه ذو الأنف الكبير
24
إلا أن فتيانه الذين يتولون التشخيص عارون عن هذه الديانة المطهرة. وزيادة على ذلك فإنهم إن لم يرقصوا ويسروا أرباب الغايات بالحركات الخلفية لا يحضر أحد إلى مشاهدة تشخيصاتهم. أما القائمون بهذا التشخيص الجديد فإن لديهم رجالا ونساء، كل يقوم مقام المشخص؛ فعند تشخيص أحوال رجل يشخصه رجل، كما أن تشخيص أحوال امرأة يكون من امرأة، مع الهدوء والسكون وعدم التكسر في الأقوال وغير ذلك مما لا نطيل بشرحه. وحيث إن العادات والأخلاق الشرقية أخذت الآن في الاضمحلال والتقهقر، وتطلع العموم إلى اكتساب الأخلاق والعادات الأوروباوية، فنستلفتهم إلى المبادرة إلى حضور هذا التشخيص الذي لا نقوم بمدحه والثناء على القائمين به الآن، بل نقل ذلك إلى الذين سيحضرونه في ليلة الخميس المقبل الذي هو أول تشخيص يحصل في ذلك المحل. فبدلا عن ضياع النقود الباهظة وفقدان العقل والصحة بتعاطي أنواع الخمور والحشيشة يصرف ذلك الوقت في مشاهدة هذا التشخيص الذي ستسبقنا العامة عند مشاهدته إلى مدحه، ويحوز نهاية الثناء من الجميع.
جريدة الأهرام: 22 / 3 / 1886م
أفادنا مكتب طنطا
25
أن حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني شخص مساء السبت الماضي رواية «عائدة»، ومساء الأحد «ناكر الجميل»، فأجاد وكان الحضور عديدين.
جريدة الأهرام: 6 / 5 / 1889م
بدأ جوق حضرة الأديب الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواياته البليغة في قهوة الدانوب، فمثل في ليلة أمس رواية «جميل وجميلة»، وهي رواية عربية تاريخية، وقد أجاد الممثلون فيها بما سر له الحضور، فصفقوا استحسانا، ثم ختمت بفصل مضحك رائق، وهو سيتابع تمثيله في كل ليلة من شهر رمضان المبارك، ولا شك أن الناس سيكونون كثيرين كما كانوا في الليلة الفائتة؛ ولا سيما وأن التمثيل متقن والقهوة مرتبة، يقابل صاحبها الحضور أحسن مقابلة، والروايات بديعة عربية التاريخ حسنة العبارة والسبك، وفي كل ذلك تفكهة للنواظر والأسماع.
جريدة الأهرام: 7 / 5 / 1889م
مثل أمس جوق حضرة البارع الشيخ أبي خليل القباني رواية «جينياف» الشهيرة، وهي رواية تدل على حسن عاقبة العفاف والصيانة، وسوء منقلب أهل الظلم والفساد، فأجاد الممثلون وأطربوا حتى تتابع لهم التصفيق، ولقد خفض أسعار الدخول فجعل الدرجة الأولى 10 غروش والثانية 6 والثالثة 4 تسهيلا للناس، وفي هذا المساء سيمثل رواية «الأمير محمود»، وهي رواية تاريخية عربية، ولا ريب أن سيكون الحضور عديدين؛ لما نعهده من إقبال الجمهور على هذا الجوق لحسن تمثيله وبراعته، فضلا عن بخس أسعار الدخول.
جريدة الأهرام: 8 / 5 / 1889م
مثل أمس جوق حضرة البارع الشيخ أبي خليل القباني رواية «الأمير محمود»، وكان الحضور كثيرين، وقد سروا بما شاهدوا من المناظر اللطيفة مع جودة التمثيل، فصفقوا لهم استحسانا، وفي هذا المساء سيمثل رواية «نفح الربى»، وهي رواية عربية لطيفة المعنى ذات مناظر شائقة، ويعقبها فصل مضحك مع لعب السيف والترس. فلا شك أنها ستنال نصيبا من كثرة الحضور كما نالت ليلة أمس؛ لما يعهده أهالي ثغرنا من الإقدام على مساعدة مثل هذه المشروعات المفيدة.
جريدة الأهرام: 14 / 5 / 1889م
لم يزل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني يتابع تمثيل رواياته المختلفة في كل مساء؛ فلقد مثل أمس رواية «عنترة العبسي» فأبدع الممثلون وأجادوا؛ حتى قبل الناس أداءهم في واقعة حقيقية لإتقان عوايد العرب وأزيائهم، فصفق لهم الجمهور إعجابا واستحسانا، وأعقب التمثيل فصل مضحك سر له الحضور، وفي هذا المساء سيقدم رواية «أنس الجليس» إجابة لطلب الناس؛ لما رأوا بها من حسن السبك وجمال المناظر بحيث طلبوا إعادتها، فالأمل أن سيكون الحضور عديدين ترويحا للنفس وخدمة للآداب.
جريدة الأهرام: 15 / 5 / 1889م
مثل أمس جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «أنس الجليس»، فأجاد بها الممثلون كل الإجادة وأطربوا الحضور بحسن الإتقان وبهجة الناظر؛ حتى صفق لهم الحضور استحسانا. وأعقب الرواية فصل مضحك سر له الجمهور، وانصرفوا وهم يثنون على ما رأوا وسمعوا، وفي هذا المساء سيقوم بتمثيل رواية «الشيخ وضاح وقوت الأرواح»، وهي رواية حسنة مبهجة تسر الناظر، ويتلوها فصل مضحك، ولا شك أنها ستنال من كرام ثغرنا القبول فيقبلون عليها شأنهم في عضد كل فن مفيد.
جريدة الأهرام: 16 / 5 / 1889م
مثل جوق الشيخ أبي خليل القباني رواية «الشيخ الوضاح وقوت الأرواح»، فأجاد الممثلون كل الإجادة وأتقنوا أدوارهم حتى صفق لهم الحضور، وفي هذا المساء سيمثل رواية «الأمير محمود»، ويعقبها بفصل مضحك، وهي رواية لطيفة تاريخية، ذات مناظر شائقة، فلا شك أنها ستنال رضى العموم، فيقدمون عليها؛ ترويحا للنفس وخدمة لهذا الفن الجليل.
جريدة الأهرام: 17 / 5 / 1889م
مثل أمس جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «الأمير محمود» فأجاد كل الإجادة، وكان الحضور عديدين يصفقون استحسانا، ثم ختمت الرواية بفصل مضحك تام (الشاب العبثية أبو الخير)،
26
فسر له الجميع، وهو سيمثل في مساء اليوم رواية «عائدة» الشهيرة إجابة لطلب العموم، ولا شك أن سيكون حضورها كثيرين تمتعا بمحاسنها وإسعافا لهذا الجوق القائم والآداب.
جريدة الأهرام: 25 / 5 / 1889م
أمس مثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «ناكر الجميل» فأحسن التمثيل، وكان الناس يقابلون ذلك بالتصفيق استحسانا، وقد أعقب الرواية فصل مضحك سر له الجميع، وفي هذا المساء سيقوم بتمثيل رواية «جميل وجميلة»، وهي رواية كثيرة المناظر حسنة السبك، فالأمل أن يكون الحضور كثيرين.
جريدة الأهرام: 28 / 5 / 1889م
مثل أمس جوق حضرة أبي خليل القباني رواية «الأمير محمود» فأجاد الممثلون كل الإجادة. ثم عقب الرواية فصل مضحك تام والشاب العبثية السيد أبو الخير فأجاد وأطرب. وهو يمثل في هذا المساء رواية «أنس الجليس» إجابة لطلب العموم الذين استحسنوها واستعادوها، ولا شك أن سيكون عدد الحضور عديدا لمشاهدة هذه الرواية الحسنة.
جريدة المقطم: 23 / 9 / 1889م
عزم حضرة المتفنن الشيخ أبي خليل أفندي القباني على تمثيل الروايات العربية في العاصمة هذا الشتاء، وقد اتخذ له مرسحا في أول شارع عبد العزيز،
27
وسيباشر التمثيل ليلة الأربعاء القادم، ويمثل أربع ليال في الأسبوع، وهي ليالي التمثيل وسلامة الذوق في انتقاء الروايات.
جريدة الأهرام: 26 / 9 / 1889م
قد ابتدأ جوق حضرة الأديب أبي خليل أفندي القباني بالتمثيل من ليلة أمس البارحة، فمثل رواية «أنس الجليس»، وقد حضرها جم غفير من أهالي العاصمة، وأثنوا ثناء جميلا على هذا الجوق المتفنن وعلى حضرة مديره الفاضل.
جريدة المقطم: 2 / 10 / 1889م
مثل حضرة الشيخ أبي خليل أفندي القباني ليلة أمس رواية «جميل وجميلة»، فأجاد الممثلون ولا سيما ممثلة دور جميلة، فصفق لهم الجمهور استحسانا. ثم عقب ذلك فصل بانتوميم مضحك، وخرج الحضور وهم يثنون على الشيخ أبي خليل أفندي ويتمنون أن يعيد لهم أنس تلك الأوقات. وسيمثل ليلة غد رواية «الأمير محمود» في الملهى المعد لذلك بأول شارع عبد العزيز. فنحض الإقبال عليه.
جريدة المقطم: 9 / 10 / 1889م
أبت لجنة التياترات إجابة الطلب الذي قدمه حضرة المتفنن الشيخ أبي خليل أفندي القباني إلى نظارة الأشغال، وهو الترخيص لجوقه بالتمثيل في الأوبرا الخديوية، وقد بنت رفضها على عدم كفاءة التأمين الذي وضعه الشيخ أبو خليل أفندي في نظارة الأشغال، وعلى عدم معرفتها لجوقه المشار إليه، ولأن المدة التي يمكن الترخيص بها أعطيت قبل ذلك للمسيو روسي مدير الجوق الإيطالي. ولا يخفى أنه قد رخص لجوق القباني أفندي غير مرة بالتمثيل في الأوبرا ونال رضاء الجمهور في حسن الإدارة والتمثيل. وقد علمنا أن حضرة مديره يزيد التأمين إذا كان غير كفء. فالأمل من لجنة التياترات أن ترخص له بالتمثيل فيما تبقى من أيام الشتاء بعد نهاية نوبة المسيو روسي والمسيو مناديه؛ ترويجا للتمثيل العربي في القطر المصري.
جريدة الأهرام: 5 / 12 / 1889م
سيمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أبي خليل القباني في ليلة الأحد مساء السبت رواية «أنس الجليس»، وسيتخلل فصول هذه الرواية فصل طرب من العالمة ليلى المشهورة. وعلمت أن حضرة مدير الجوق المشار إليه قد اتفق مع العالمة المومأ إليها وجوقها على أن تقدم فصلي طرب في كل رواية تمثيل بعد ذلك في مساء السبت والخميس والثلاثاء إلى اثنتي عشرة رواية. وإنا موقنون أن جميع الذين شهدوا حسن تمثيل هذا الجوق وإلقائه سمعوا صوت العالمة ليلى المطرب فيقبلون على حضور هذه الليالي البهيجة المطربة بكل رغبة وسرور.
جريدة المؤيد: 8 / 12 / 1889م
في ليلة أمس شخص حضرة الفاضل الأديب الشيخ أبو خليل رواية «أنس الجليس» يتخللها فصل غناء، كما في ختامها، وقد كان محل التشخيص ضيقا على المتفرجين. وسيشخص في ليلة الثلاثاء رواية «الصيانة والخيانة»، وهي رواية أدبية.
جريدة المقطم: 14 / 12 / 1889م
مثل جوق الشيخ أبي خليل القباني ليلة أمس رواية «قوت القلوب» فأجاد الممثلون، ولا سيما قوت القلوب والعجوز وأم غانم بن أيوب، فصفق لهم الحضور استحسانا. وقد غنت العالمة ليلى فصلين على جاري العادة فأجادت وأطربت الآذان بشجي الألحان. وسيمثل الجوق المشار إليه هذا المساء رواية «ناكر الجميل»، وتكون هذه الليلة خاتمة الليالي التي تغني فيها المطربة ليلى. فنحث الجمهور على الحضور.
جريدة المقطم: 19 / 12 / 1889م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل أفندي القباني هذا المساء رواية «الولادة بنت المستكفي»، وتغني العالمة ليلى فصلين في خلال الرواية وختامها.
جريدة المقطم: 21 / 12 / 1889م
مثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل أفندي القباني ليلة أمس رواية «الولادة بنت المستكفي»، فغص الملهى بالحضور، وأحسن الممثلون التمثيل، ولا سيما بنت المستكفي، فقد أجادت كثيرا وصفق لها الجمهور مرارا، وكان في جملة من أجاد أيضا أبو الوليد وحسان، وقد غنت العالمة ليلى فصلين على جاري العادة في وسط الرواية وختامها.
جريدة المقطم: 28 / 12 / 1889م
مثل جوق الشيخ أبي خليل أفندي القباني ليلة أمس رواية «قوت القلوب»، فغص المكان بالحضور حتى زاد على الليلتين الماضيتين، فأجاد الممثلون ولا سيما قوت القلوب وشقيقتها وجعفر، وقد غنت العالمة ليلى فصلين في خلال الرواية وختامها، فصفق لها الحاضرون مرارا. وبلغنا أن لجنة التياترو تبحث الآن في إعطاء الأوبرا لجوق عربي ، وتمنى البعض لو تحقق ذلك وأعطيت الأوبرا لجوق الشيخ أبي خليل أفندي؛ لما حازه من ثقة الناس به وإقبالهم عليه.
جريدة المقطم: 31 / 12 / 1889م
مثل الشيخ أبو خليل القباني ليلة الأحد الماضي رواية «مي» فسر الحضور بما شاهدوه من حسن التمثيل، وهو سيمثل ليلة الجمعة القادمة رواية «أنس الجليس»، وتغني العالمة ليلى فصلين في خلال الرواية وختامها. وعلمنا أن حضرة الشيخ أبي خليل قد جدد الاتفاق معها، وستغني على جاري العادة ما دام الجوق المذكور يرى من إقبال الناس عليه ما يزيد رغبته في مسرتهم.
جريدة القاهرة: 1 / 1 / 1890م
سيمثل جوق حضرة الأديب البارع الشيخ أبي خليل القباني في ليلة الجمعة القادمة رواية «أنس الجليس» التي اشتهرت في باب الروايات بالظرافة واللطافة، وستغني الست ليلى المطربة فصلين في خلال الرواية وختامها. وبلغنا أن حضرة الشيخ أبي خليل قد جدد الاتفاق، وستغني دائما ما دام الجوق المذكور سيشخص رواياته الأدبية ووقائعه التاريخية بكل تفنن وإتقان، مما لا يختلف في حسن وقعه وجميل وضعه اثنان.
جريدة القاهرة: 4 / 1 / 1890م (جوق التشخيص العربي)
مثل جوق حضرة الأديب البارع الشيخ أبي خليل القباني في ليلة الجمعة الماضية رواية «أنس الجليس»، وقد أجاد الممثلون غاية الإجادة وخصوصا أنس الجليس والفتح بن خاقان فيما أبداه، وفي هذه الليلة سيمثل الجوق رواية «عايدة» المشهورة، ولا شك أنها ستكون فائقة في الإتقان وحسن البيان ببراعة هؤلاء الممثلين المشهورين. فنحث أرباب الذوق على مشاهدة هذا التمثيل البديع.
جريدة القاهرة: 5 / 1 / 1890م (جوق التشخيص العربي)
في ليلة أمس مثل الجوق المذكور تحت رئاسة الأديب البارع الشيخ أبي خليل القباني رواية «عائدة» المشهورة، ولقد أجاد الممثلون كل الإجادة، خصوصا ردامس الذي أظهر الشجاعة والحماسة، وأمزيس التي أخذت بمجامع القلوب وأبدعت بأعظم أسلوب، وقد أجادت أيضا عائدة. وبالجملة فقد اشتملت تلك الرواية على محاسن الشجاعة، وقد غنت العالمة ليلى فصلين أطربت بهما الحاضرين، وفي ليلة الثلاثاء القادم سيشخص رواية «عاقبة الصيانة والخيانة»، وهنا يجدر بكل محب لتقدم الأدبيات في مصر أن يعضد هذا الجوق الذي قام على نثر درر اللغة العربية الشريفة ونشر جملها الأدبية المنيفة.
جريدة القاهرة: 8 / 1 / 1890م (جوق التشخيص العربي)
في ليلة الجمعة القادمة سيمثل جوق حضرة الأديب البارع الشيخ أبي خليل القباني رواية «ولادة بنت المستكفي»، وهي رواية تاريخية أدبية. ولا ريب أن الجوق المذكور سيسبكها في قالبها الأدبي بالمهارة التي عاينها الجمهور في هذا الجوق ببراعة صاحبه المشهور.
جريدة المؤيد: 9 / 1 / 1890م
في هذا المساء يشخص الجوق العربي الذي تحت إدارة حضرة الفاضل الأديب الشيخ أبي خليل القباني رواية «ولادة بنت المستكفي بالله»، وهي رواية أدبية غاية في البلاغة وحسن السبك، لم ينسج قلم على منوالها، رواية أدبية مع ما بها من حسن المناظر، وما لهذا الجوق من إتقان صناعة التشخيص والإلقاء، وستغني ليلى العالمة فصلا في أثناء الرواية وفصلا في آخرها. فنحث الجمهور على المبادرة لسماع هذه الرواية ومشاهدة مناظرها البهيجة.
جريدة المؤيد: 7 / 5 / 1890م
كانت الليلة الماضية كلها سرور بتشخيص جناب الشيخ أبي خليل القباني رواية «مي»، وختمها بالدعاء لجناب الخديوي الفخيم وأنجاله المحفوظين ورجاله الكرام، والشكر لآل المنيا،
28
فصفق الحضور سرورا بما أبداه، وهي ليلة اختتام التشخيص بهذه الجهة، وكان دخل هذه الليلة على ذمة السيدتين المشخصتين «مريم ولبيبة»، وقد عزم حضرته على التوجه بجوقه إلى الفيوم،
29
فهنيئا لأهلها بالأدب والكل مثنون على هذا الفاضل.
جريدة المقطم: 8 / 11 / 1890م
مثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل أفندي القباني ليلة الأحد رواية «عائدة» الشهيرة، فسر الحاضرون بما شاهدوه من حسن التمثيل، ولا سيما من ممثلي عائدة وأمزيس، وكانت العالمة ليلى تطرب الجمهور بصوتها الرخيم وألحانها الشجية. ومثل مساء أول أمس رواية «الصيانة والخيانة». وسيمثل ليلة الجمعة رواية «ولادة بنت المستكفي» المعروفة بحسن سبكها ولطف وقائعها، وتغني العالمة ليلى فصلين على جاري العادة.
جريدة القاهرة: 11 / 1 / 1890م (جوق التشخيص العربي)
مثل جوق حضرة الأديب البارع الشيخ أبي خليل القباني في ليلة الجمعة الماضية رواية «ولادة بنت المستكفي بالله»، وقد أجاد الممثلون خصوصا ولادة وحسان حتى سر ذلك الحاضرين، وقد غنت حضرة الست ليلى فصلين أحسنت فيهما وأطربت الجميع بنغماتها الشجية. وسيمثل في مساء هذا اليوم رواية «الخل الوفي»، وهي رواية سطعت شموس بهائها في سماء الأدب، تزيل عن المكروب الكرب، وذلك بهمة ممثليها وحضرة رئيس الجوق الأديب البارع الشيخ أبي خليل القباني. فنحث كل ذي طبع سليم الإقبال على هذا الجوق الذي قد صار بجد رئيسه على جانب عظيم من الإتقان.
جريدة القاهرة: 12 / 1 / 1890م (جوق التشخيص العربي)
مثل في ليلة الأحد الماضية جوق حضرة الأديب البارع الشيخ أبي خليل القباني رواية «الخل الوفي»، وقد أجاد الممثلون كل الإجادة، وقد غنت الست ليلى المطربة فصلين في خلال الرواية. وسيمثل في ليلة الجمعة القادمة رواية «قوت القلوب»، وستغني فيها الست ليلى على عادتها.
جريدة المقطم: 15 / 1 / 1890م
مثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني ليلة الأحد رواية «الخل الوفي»، فأجاد الممثلون جميعا، وأبدت ممثلة دور شرارة من حسن التمثيل ما أبهج الحاضرين، وصفقوا لها مرارا، وكانت العالمة ليلى تشنف الآذان برخيم الألحان. وسيمثل هذا الجوق الجمعة رواية «قوت القلوب» المشهورة بحسن السبك ولطافة الأسلوب، وتغني العالمة ليلى على جاري العادة.
جريدة المؤيد: 17 / 4 / 1890م (المنيا في 13 لوكيلنا)
مثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني في الليلة الماضية رواية «قوت القلوب»، فأجاد الممثلون وسر الحاضرون، فكانوا يصفقون استحسانا ويستعيدون المناظر والألحان المطربة. وإنا لنرجو لهذا الجوق من حضرات أولي الهمة إقبالا عليه بما يضمن له النجاح والتوفيق.
جريدة المؤيد: 24 / 4 / 1890م (المنيا في 21 لوكيلنا: الشيخ أبو خليل القباني)
جاء إلينا من وكيلنا في التاريخ أن حضرة الفاضل الشيخ أبو خليل القباني شخص رواية «أنس الجليس» إكراما لقدوم سعادة مديرنا، وما كانت الساعة التاسعة إفرنجية إلا وقد شرف، فابتدأ أهل التشخيص فيه بغاية الرونق ونهاية التؤدة وجميل الإجلال وحسن التعظيم والتبجيل مع نهايات الإتقان الآخذ بالألباب؛ حتى صفق العموم لعموم الاستحسان ومهارة الممثلين، فكانت ليلة مشرقة شديدة الازدحام متقنة الوئام، ناشرة أشعة السرور على الحضور إلى الساعة 1 بعد نصف الليل، فتمت الليلة على أحسن مثال، وقام سعادة المدير تتبعه الجماهير مسرورين، والموسيقى تصدح بالسلام الخديوي تذكرة للقوم بالدعاء لولي النعم، فرفعوا أكف الضراعة للجناب العالي والأنجال ورجال الوزارة الرياضية السامية بعزيزها ومن والاهم ... وفي يوم الجمعة المقبل سيتوجه الشيخ أبو خليل القباني إلى مدينة الفيوم، وقد أعد له محل إذ ذاك للتشخيص، وقد أسف محبو الأدب من أهل مديريتنا على فراقه؛ إذ كان عشمهم أن يفضل معهم شهر رمضان محليا جيد الليالي بدراري الروايات.
جريدة المؤيد: 7 / 5 / 1890م (المنيا 5 مايو لمكاتبنا)
كانت الليلة الماضية كلها سرور بتشخيص جناب الشيخ أبي خليل القباني رواية «مي»، وختمها بالدعاء للجناب الخديوي الفخيم وأنجاله المحفوظين ورجاله الكرام، والشكر لآل المنيا، فصفق الحضور سرورا بما أبداه، وهي ليلة اختتام التشخيص بهذه الجهة، وكان دخل هذه الليلة على ذمة السيدتين المشخصتين «مريم ولبيبة»، وقد عزم حضرته على التوجه بجوقه إلى الفيوم، فهنيئا لأهلها بالأدب، والكل مثنون على هذا الفاضل.
جريدة المؤيد: 5 / 6 / 1890م (الفيوم في 4 منه لوكيلنا)
مثل في ليلة أمس جوق الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «عنتر»، فجاءت على أحسن مثال، وكان التياترو مزدحما بالمتفرجين لمشاهدة المناظر البديعة وبراعة المشخصين. فنرجو لحضرته إقبالا وتقدما ونجاحا.
جريدة المؤيد: 8 / 6 / 1890م (الفيوم في 6 منه لوكيلنا)
في الليلة الفائتة مثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «ولادة بنت المستكفي»، فجاءت على أحسن أسلوب وأتقنه، وفي مساء السبت يمثل الجوق المذكور رواية «قوت القلوب». فنحث الأدباء إلى ذلك.
جريدة المقطم: 20 / 10 / 1894م
حضر إلى العاصمة منذ مدة حضرة الأديب المتفنن أبي خليل أفندي القباني، وشرع في تأليف جوق لتمثيل الروايات اختاره من نخبة الممثلين والممثلات، وأعد له عدة من الروايات البديعة، ووجه عنايته إلى ضبط ألحانها وتحسين مشاهدها ووقائعها على نمط يشوق الخاطر ويقر الناظر. وسيشرع في التمثيل بعد خمسة عشر يوما، وتكون فاتحة تمثيله في مدينة طنطا حيث يقضي نحو شهر من الزمان، ثم يعود إلى العاصمة ويمثل رواياته فيها. هذا وإن ما عهد في حضرة أبي خليل أفندي المشار إليه من طول الباع في هذا الفن الجميل، بعد مزاولته له مدة طويلة بين مصر والشام، يضمن له النجاح والفلاح.
جريدة المقطم: 26 / 11 / 1896م (المراسلات، الإسكندرية، لوكيلنا في 25 نوفمبر )
حضر إلى ثغرنا حضرة الأديب الشيخ أبي خليل القباني صاحب جوق التمثيل العربي المشهور، وسيبدأ جوقه ليلة الغد بتمثيل رواياته البديعة في تياترو القرداحي. والمأمول أنه يلقى من إقبال الأهالي ما يضمن له كل تقدم ونجاح.
جريدة المقطم: 28 / 11 / 1896م (المراسلات، الإسكندرية، لوكيلنا في 27 نوفمبر)
مثل أمس جوق حضرة الأديب الشيخ أبي خليل القباني رواية «الكوكبين» في مرسح القرداحي، وقد حضرها كثيرون من الأهالي فسروا من التمثيل ومن أسلوب الرواية؛ لأنها جاءت مختلطة بين الهزل والجد، والسرور والحزن، وصفقوا للممثلين مرارا كثيرة. وسيوالي هذا الجوق تمثيل رواياته في المرسح المذكور، وكلها من الروايات الجديدة لم يسبق لها تمثيل، فنتمنى له إقبالا ونجاحا.
جريدة المقطم : 3 / 12 / 1896م (المراسلات، الإسكندرية، لوكيلنا في 2 ديسمبر)
مثل جوق حضرة الأديب الشيخ أبي خليل القباني مساء أمس رواية «الخل الوفي»، فأجاد الممثلون، وسيوالي هذا الجوق تمثيل رواياته البديعة التي حازت رضى الجمهور، فأقبلوا على حضورها إقبالا يبشر الجوق بالتقدم والنجاح.
جريدة المقطم: 11 / 12 / 1896م (لوكيلنا بالإسكندرية)
يمثل جوق حضرة الشيخ أحمد أفندي أبي خليل القباني في تياترو القرداحي بالإسكندرية مساء الأحد رواية «السلطان حسن» وفصل «الفيلسوف الغيور»، وأوراق التذاكر تباع في مكتبة حضرة الكاتب الأديب جرجي أفندي غرزوزي بالإسكندرية، وبلغنا أن أكثر قد بيع.
جريدة المقطم: 24 / 12 / 1896م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني رواية «أسد الشرى» في تياترو القرداحي في الإسكندرية مساء الأحد المقبل، ويتبعها بفصل هزلي، وقد خصص إيرادها لممثلات الجوق. وستكون هذه الليلة من أبهج الليالي وأجملها. فنحض الجمهور على اغتنام فرص السرور.
جريدة المؤيد: 5 / 1 / 1897م (جوق الشيخ أبي خليل)
وفد على العاصمة في هذه الأيام حضرة الفاضل الأديب الشيخ أحمد أبي خليل تصحبه جوقته المشهورة بإتقان التمثيل والتفنن فيه، وقد أنشأ حضرته تياترو كبيرا ذا طبقتين من الألواج، وأدخل فيه نورا من نور الإسيتيلين الحديث الاختراع الذي يفوق ضوءه الناصع ورواء منظره نور الكهرباء. وهو أول محل عمومي أنير بهذا النور في القاهرة، وقد أجريت تجربته أمس فكانت مثال النجاح وآية في المحاسن والنضرة والإشراق. وينتظر أن تتم في هذا الأسبوع زخرفته وتزيين التياترو واستكمال المعدات فيه، ثم يستعد لتمثيل الروايات البديعة في الأسبوع المقبل.
جريدة المؤيد: 5 / 1 / 1897م
عزم حضرة الفاضل الأديب الشيخ أبو خليل القباني أن يبتدئ ليالي التمثيل في التياترو الجديد الذي أنشأه بجوار سوق الخضار، وأناره بنور السيتيلين (الشمسي) الجديد من ليلة الجمعة المقبلة. ولا شك أن الإقبال على جوقته سيكون كما عهده العموم عنوانا على ترقي هذا الفن الجليل وتعضيد الفنون الأدبية كما يليق لها من المصريين.
جريدة المؤيد: 14 / 1 / 1897م (رواية الكوكبين)
أعلن حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبو خليل القباني عن ابتدائه في التمثيل مساء هذا اليوم؛ حيث يمثل رواية «الكوكبين» بجوقته المشهورة بحسن التمثيل وإتقان الألحان، في التياترو الذي أنشأه بجوار سوق الخضار. وهي رواية لم تمثل قبل الآن على مرسح من المراسح العربية. وينتظر أن يكون الإقبال عليها أحسن طليعة لنجاح هذا الجوق في القاهرة؛ وعلى الخصوص لأن جميع الناس يشهدون بحسن ذوق مدير الجوق وثقته في فني التمثيل والأغاني.
جريدة المؤيد: 16 / 1 / 1897م
افتتح جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل ليالي تمثيله في التياترو الجديد الذي أنشأه بجوار سوق الخضار الجديد مساء الخميس الماضي بتمثيل رواية «الكوكبين»، وكان التياترو مزدحما ازدحاما عظيما، وقد نفذت تذاكر الدخول من الغروب؛ ولذلك رجع عنه مئات من الذين توجهوا إلى التياترو بين الساعتين السادسة والتاسعة، وفي هذا المساء يشخص رواية «أسد الشرى»، وهي رواية جديدة لم تشخص على المراسح العربية في القاهرة قبل الآن. وينتظر أن يكون الإقبال على التياترو هذه الليلة أضعافه في الليلة السابقة؛ لكثرة ما استحسن الناس من تمثيل الرواية الآنفة الذكر. ومما يذكر هنا أن حضرة الفاضل إسماعيل بك عاصم
30
وقف أثناء التمثيل خطيبا وأطرى الثناء على انتظام هذا الجوق، وقال: إنني بصفتي مؤلف روايات عديدة، وبصفتي أحسن التمثيل، وقد شخصت مرات عديدة بعض أدوار رواياتي؛ أفتخر بأن أقول إن حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل هو أستاذي الوحيد في فن التمثيل، ولا أعطي غيره هذا اللقب، وقد أجاد في خطبته فصفق له الحاضرون مرارا.
جريدة المؤيد: 17 / 1 / 1897م
أعجب كل الذين شاهدوا تمثيل رواية «أسد الشرى» في مرسح أبي خليل الليلة البارحة بما رأوه في الرواية من كثرة الوقائع وإتقان التراكيب، والرواية مبنية على أن أميرا أفرط في الشهوات والرذائل، فأحب امرأة ذات بعل، فراودها فامتنعت، فقتل زوجها ظلما واعتداء لعله يتمكن من قضاء شهواته، فاحتالت المرأة على كيده وخطفت ولد الأمير من مهده وربته، فشب لصا قطاعا للطرقات، ثم حببت إليه أخته فخطفها وقربها، ولما امتنعت عنه ضربها بمدية، ثم جاء الأمير لتخليص ابنته فأبصرها ميتة، وبعد أن قتل اللص قصت عليه عشيقته تفصيل الأمر، فمزقها بحسامه ثم قتل نفسه، وأما ابنته فشفيت من جراها وجاء حبيبها فزفت إليه. وجملة القول إن الرواية منسوبة إلى منوال يستحق ما كان لها من الإقبال أمس، ويدل على أن فن التمثيل راق مراقي النجاح في الشرق، وهذا مما سيضطر الحكومة أخيرا إلى وجوب العناية به وتعضيد أصحابه. وسيمثل هذا الجوق رواية «الأمير محمود» في هذا المساء، وهي مثل سالفتها في الرقة والانسجام، فلا غرو أن تلقى من المتفرجين الاستحسان التام.
جريدة المؤيد: 19 / 1 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل هذا المساء رواية «عنترة العبسي» في التياترو الذي أنشأه حضرة مدير الجوق حديثا بجوار سوق الخضار الجديد، وهي رواية حماسية أكثرها من شعر هذا الفارس المشهور، وقد اشتهر هذا الجوق بإتقان تمثيلها، فينتظر أن يكون الإقبال عليها مثله في الليالي السابقة أو أكثر.
جريدة المؤيد: 23 / 1 / 1897م
كان مرسح حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني أول أمس غاصا بجمهور من الأعيان والأدباء لمشاهدة رواية «أنس الجليس» المشهورة بحسن المناظر، وكان ممثل الدور المهم في هذه الرواية هو مدير الجوق الفاضل الذي صفق له الجميع استحسانا.
31
وفي هذه الليلة سيشخص رواية «الخل الوفي»، وهي من أبدع الروايات العربية موقفا ونظرا. فنرجو أن يكون الإقبال عليها مثله في الليالي السابقة.
جريدة المؤيد: 27 / 1 / 1897م (جوقة الشيخ أبي خليل)
ستمثل هذه الجوقة التي اشتهرت بحسن التمثيل وإتقانه رواية «السلطان حسن» ليلة الجمعة المقبلة في التياترو الجديد الذي أنشأه حضرة مديرها بجوار سوق الخضار، وهي رواية جديدة لم تشخص حتى الآن في القاهرة، وستشخص ليلة السبت في تياترو كازينو حلوان
32
رواية «أسد الشرى» في ليلة خبرية لمساعدة عائلة فقيرة كما أسلفنا. وطلب منها الكثيرون أن تعيد تشخيص رواية «عنترة بن شداد» ليلة الأحد في التياترو الخاص بها، فأجابهم حضرة مديرها وعزم على إضافة فصل جميل على الرواية ضمنه تمثيل كثير من عوائد العرب المحبوبة في فخارهم بأنسابهم وأحسابهم وأشعارهم، وبعضا من ولائمهم وأكلهم وشربهم. ولا بد أن تلاقي الرواية على هذا أجمل مظاهر الاستحسان والقبول المساعدين لترقية هذا الفن الجليل .
جريدة المقطم: 29 / 1 / 1897م
مثل أمس جوق حضرة الأديب المتفنن أبي خليل أفندي القباني رواية «الملك حسن» في الملعب الخاص به بقرب سوق الخضار الجديد، فغص المكان على رحبه بجمهور المتفرجين، وقد أجاد الممثلون وخصوصا تاج الفخار والسلطان نور الدين وابن السلطان حسن وورد الجنان ودر الجمان، وأتقن زيدان تمثيل الخيانة والغدر، فنال جزاءه وقتل شر قتلة. وشنف المغنون الآذان بشجي الألحان، وصفق لهم الحاضرون استحسانا، وانصرفوا وهم يثنون ويشكرون.
جريدة المؤيد: 30 / 1 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «عنترة العبسي» هذا المساء في مرسحه الجديد تجاه سوق الخضار، وقد مثل الليلة البارحة رواية «أسد الشرى» في مرسح حلوان، وهي الرواية التي تقدم لنا بيان موضوعها في عدد سابق. فأجاد فيها الممثلون والممثلات إجادة دعت الحضور إلى التصفيق لهم مرارا متوالية علامة الاستحسان.
جريدة المقطم: 30 / 1 / 1897م
مثل جوق حضرة الأديب أبي خليل أفندي القباني أمس رواية «أسد الشرى» في كازينو حلوان، فغص الملعب بجمهور المتفرجين، وقد أجاد الممثلون وأطربوا الحاضرين بألحانهم الشجية. وسيمثل في هذا المساء رواية «عنتر» في الملعب الخاص به في العاصمة.
جريدة المؤيد: 7 / 2 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «أنس الجليس» في التياترو الجديد الكائن بين سوق الخضار ومحطة الترمواي. وهي الرواية الشهيرة بجميل مناظرها وحسن وقائعها. فنحث الجمهور على مشاهدتها.
جريدة الأخبار: 9 / 2 / 1897م (التشخيص العربي)
كل من شاهد التمثيل في التياترو العربي بأول سوق الخضار الجديد، وشاهد تشخيص جوق حضرة الفاضل المتفنن الشيخ أبي خليل القباني؛ يشهد جليا أن هذا الجوق حاز قصب السبق على عموم الأجواق العربية بهمة ونشاط مديره وبراعة ممثليه وممثلاته الأدباء؛ إذ إنه نال استحسان العموم على اختلاف المذاهب والمشارب؛ وأكبر شاهد الإقبال عليه في كل ليلة حتى يغص المرسح بالمتفرجين. ولقد أسعدنا الحظ لمشاهدة رواية «أنس الجليس» التي مثلت في ليلة أمس، فإذا هي رواية كثيرة الوقائع، بديعة المناظر، عربية الموضوع، أدبية المغزى، منسجمة العبارة، لطيفة الإشارة، تدل دلالة صريحة على حسن ذوق ناسج بردها وناظم عقدها، وتضلعه في هذا الفن الجليل. ولقد أجاد الممثلون والممثلات كل الإجادة، وصفق لهم الحاضرون مرارا عديدة، كيف لا وقد أظهر الفضل بن خاقان من الفصاحة وحسن الإلقاء مما استحق لأجله الشكر والثناء. أما ولده نور الدين فقد أطرب وأعجب الحاضرين، وابن ساوي أظهر الحسد والمساوي، واستبد وظلم وجار بما حكم، فظهرت مساويه ودارت الدائرة عليه؛ لأن عدل الرشيد ورأيه السديد ضربا على يد الظالم بيد من حديد، وجعل مكانه الفضل، أما الشيخ إبراهيم والسيدة ينعم فقد أطربا وأعجبا مما أظهراه من التفنن والبراعة في التمثيل مما كان له الوقع الحسن عند العموم. وأنس الجليس كانت موضوع استلفات الأدباء بما ظهرت من العفاف والشهامة، وما حصلت عليه من العزة والكرامة بعد أن صبرت على الشدائد واحتملت المصائب والنوائب، وقد دام التمثيل لبعد نصف الليل، والحاضرون لا يشعرون، بل خرجوا وهم يشكرون ويثنون على مدير الجوق الفاضل وممثليه الأدباء، ولقد سررنا لكونه سيداوم التشخيص في كل ليلة مدة شهر رمضان، وذلك إجابة لطلب العموم. فنرجو له دوام النجاح بظل الساحة الشعبية، أدامها الله ملجأ لكل قاصد وموردا لكل وارد.
جريدة الأخبار: 10 / 2 / 1897م
مثل الجوق العربي مساء أمس بإدارة حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «ناكر الجميل»، فأجاد الممثلون والممثلات إلقاء وإيماء، وكان إقبال الجمهور على هذا الجوق شاهد عدل على إبداعه وإتقانه، حتى إنه يجدر بنا أن نقول إن روايات حضرة الشيخ أبي خليل جمعت بين حسن المناظر الممثلة بكل إتقان وبين الآداب التي تفعم من طرائفها آذان المشاهدين. واختتمت روايته أمس بفصل هزلي من وضع حضرة اللبيب حنا أفندي نقاش، أضحك كثيرا وأبهج الحاضرين، فنثني على حضرة مدير الجوق كل الثناء، وهو يوالي تمثيلاته في كل ليلة.
جريدة المؤيد: 11 / 2 / 1897م
في هذا المساء يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «عنترة»، وهي رواية لا تحتاج إلى تعريف من حيث الشهرة، وخصوصا فإن حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل هو الذي سيقوم بدور عنترة. فلا غرو إذا كان الإقبال عليها فوق العادة تعضيدا للآداب.
جريدة الأخبار: 12 / 2 / 1897م
نقول لمن لم يشاهد تمثيل رواية «عنترة العبسي» في التياترو العربي ليلة أمس: فاتك أن ترى منظرا من أحسن المناظر، أي أن ترى أبا الفرسان عنترة ببطشه، وعبلة بجمالها وهواها وصباها ودلالها، والعجوز - ولا أريد ذكرها - مع عبلة، بطلاسمها وسحرها وحبها، وملوك العرب بأكلهم وشربهم وسائر عوائدهم وفخرهم. ويخف أسف من لم يحضر بأنه لو أتى لما وجد مكانا للجلوس لكثرة الزحام، وهذا شاهد الإجادة.
جريدة المؤيد: 13 / 2 / 1897م
مثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني مساء الخميس الماضي رواية «عنترة العبسي»، فغص المكان بالمتفرجين حتى ضاق بهم، وقد قام كل رجال الجوق بأدوارهم خير قيام، وخصوصا دور عنترة الذي كان أهم أدوارها؛ فإنه كان يمثل الشهامة والأمانة بما يهتز له المتفرجون عجبا وطربا. وسيمثل هذا المساء رواية «الكوكبين»، وهي رواية ذات مناظر بديعة وحوادث غريبة. فنحث الجمهور على مشاهدتها.
جريدة المؤيد: 16 / 2 / 1897م
في هذا المساء يمثل جوق حضرة الفاضل أبي خليل القباني رواية «لباب الغرام»، وهي الرواية التي نالت استحسان العموم لما احتوت عليه من عذوبة الألفاظ ورقة العبارات، فضلا عن حسن مناظرها وجميل وقائعها. وأملنا وطيد بأن سيكون الإقبال عليها عظيما كسابقتها.
جريدة المؤيد: 17 / 2 / 1897م
يزداد إقبال الجمهور على مسرح حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني يوما عن يوم؛ فقد شخص أمس رواية «لباب الغرام»، فضاق المرسح بالمتفرجين. أما الليلة فيمثل رواية «جميل وجميلة»، فلا غرو إذا أقبل الناس عليها كما هو المعهود والمأمول.
جريدة المؤيد: 18 / 2 / 1897م
في مساء اليوم يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «أسد الشرى»، ولا حاجة للإطناب فيما احتوته هذه الرواية من مدهشات الوقائع وغريب المناظر. فنحث الجمهور على مشاهدتها لما فيها من المواعظ الجمة والنصائح المفيدة.
جريدة الأخبار: 18 / 2 / 1897م
مثل أمس جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني رواية «جميل وجميلة»، وكان الحضور كثيرا فسروا من جمال المناظر وإتقان التمثيل، وتخللت الرواية الأغاني المطربة، وأقيمت أفراح جميل وجميلة ، وفي هذا المساء تمثل رواية «أسد الشرى»، وهي رواية ذات خمسة فصول شعرية نثرية حماسية، من أبدع الروايات وأتقنها، كثيرة المناظر، يجد فيها المتفرج كل ما يقر ناظره.
جريدة المؤيد: 24 / 2 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل مساء اليوم رواية «السلطان حسن» بناء على طلب الكثيرين.
جريدة المؤيد: 27 / 2 / 1897م (جوق الشيخ أبي خليل)
أعجب الناس كثيرا ليلة الجمعة الماضية بتشخيص رواية «الحاكم بأمر الله العباسي»، وهي مبنية على شيمة الوفاء وعلو الهمة وخلال الصدق والمروءة، وقد أحسن الممثلون والممثلات وأجادوا كل الإجادة، فبعث ذلك حضرة الفاضل الشاعر المجيد الشيخ عثمان أفندي الموصلي،
33
صاحب تخميس لامية البوصيري، أن يرتجل في الحال قصيدة غراء ذكر فيها موضوع الرواية وأسماء أصحاب الأدوار المهمة في تمثيلها، وقد ألقاها أحد الشبان النبهاء في المرسح، فصفق لها استحسانا، وقد طلب الكثيرون من حضرة مدير الجوق أن يشخص في هذه الليلة رواية «عنترة العبسي»، فأعلن عنها، ولا بد أن تلقى مثل عادتها إقبال الجمهور.
جريدة الأخبار: 27 / 2 / 1897م
يمثل في هذا المساء الجوق العربي بإدارة حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «عنترة العبسي»، وهي الرواية المشهورة بأدوارها المتقنة ومناظرها البهيجة، وقد تكلمنا عنها وصفا، فليغتنم من أراد التفرج فرصة تمثيلها.
جريدة المؤيد: 28 / 2 / 1897م
ما شك واحد ممن شهد تمثيل رواية «عنترة» في مرسح أبي خليل القباني الليلة البارحة أنه بين أبطالها الجاهلية، يسمع أقوالها بأذنيه، ويشاهد عوائدهم بعينيه؛ فقد أجاد الممثلون والممثلات في الإلقاء والتمثيل خير إجادة حتى استعاد الحاضرون بعض الفصول مرارا، وفي نهاية الرواية مثل الجوق فصل «الفيلسوف» الذي هو وإن كان مضحكا في ذاته، إلا أنه ليس خاليا من نكتة أدبية هي إظهار ما عند النساء من الحيلة الغلابة، وبالإجمال فقد كان الاستحسان عاما والإقبال تاما. ويمثل هذا الجوق رواية «الأمير محمود» في هذا المساء، وهي مثل سالفتها في الرقة وحسن الإنشاد.
جريدة الأخبار: 9 / 3 / 1897م
يمثل في هذا المساء جوق حضرة الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الحاكم بأمر الله العباسي»، وهي رواية شعرية غرامية نثرية من أبدع الروايات. ويمثل هذا الجوق المتقن في كل ليلة أربعاء وجمعة وأحد من كل أسبوع.
جريدة المؤيد: 27 / 3 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «عنترة العبسي»، وهي الرواية الشهيرة التي نالت استحسان العموم.
جريدة المؤيد: 3 / 4 / 1897م
يمثل في هذا المساء جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «الانتقام»، وهي رواية أدبية. فنرجو الإقبال عليها تعضيدا لهذا الفن الجليل.
جريدة المؤيد: 8 / 4 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «عائدة» الشهيرة، وهي حماسية غرامية ذات شعر ونثر، تغني شهرتها عن زيادة وصفها؛ سيما وأنها تدل على أعمال قدماء المصريين وبسالة جيوشهم في الحرب وغير ذلك. فلا غرو إذا أقبل العموم على مشاهدة تمثيل هذه الرواية من جوق اشتهر بحسن التمثيل والتفنن.
جريدة المؤيد: 15 / 4 / 1897م (رواية ولادة الشهيرة)
يمثل جوق حضرة الفاضل الأديب الشيخ أبي خليل القباني مساء هذا اليوم رواية «ولادة بنت المستكفي» الشهيرة، وهي من أجمل الروايات الأدبية وأشهرها في حسن البيان وسلاسة العبارة، ولا غرو؛ فهي نسيج يراع الأستاذ المرحوم الشيخ إبراهيم أفندي الأحدب،
34
نابغة الأقطار السورية ووحيدها في العصر الأخير، وقد اشتهر جوق حضرة الشيخ أبي خليل بإتقان تمثيلها، كما اشتهرت الرواية بحسن مناظرها وجميل آدابها، فلا غرو إذا أقبل عليها الجمهور الليلة لاقتطاف ثمارها والتمتع بمناظرها المبهجة.
جريدة المؤيد: 22 / 4 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني في مساء 27 أبريل رواية «الكوكبين» حيث يطرب الجمهور في خلال التمثيل حضرة المغني الشهير عبده أفندي الحمولي، وسيخصص إيراد هذه الليلة بمصرف خيري جدير بالمساعدة والإعانة. فنحث محبي الخير وأنصار الأدب للإقبال على ذلك.
جريدة المؤيد: 24 / 4 / 1897م
شرع فضلاء السوريين بين ظهرانينا في جمع نقود للإعانة العسكرية الشاهانية بطرق مختلفة، فألفت لجنة منهم تحت رئاسة حضرة عزتلو بك الزند، وشرعت في عمل نمر (يانصيب) تحت اسم الجمعية السورية وخاصا بها، وهي تدير عملها الآن بنجاح، وشكلت شعبة أخرى من هذه اللجنة برئاسة حضرة الأديب إسكندر أفندي شلهوب الذي استرخص من نظارة الأشغال عن تمثيل ثلاث روايات في ثلاث ليالي بالأوبرا الخديوية، فرخصت له على نية أن يخصص نصف إيراد هذه الليالي للإعانة العسكرية؛ حيث تزين الأوبرا في الليالي الثلاث زينة فاخرة. ونحن نشكر إخواننا السوريين على نهضتهم هذه، ونؤمل أنهم جميعا يتضافرون على إنجاح هذا المشروع الذي قاموا به ليشتركوا مع المصريين في إعلان ولائهم وإخلاصهم للسيدة الشاهانية الجليلة. ولكننا من جهة أخرى نسأل إخواننا المصريين عونهم ومساعدتهم في إنجاح مشروعهم؛ لأنه بمثل هذا التبادل والتعضيد تقوى روابط الجامعة ويتم الإخاء. أما الليالي التمثيلية التي أشرنا إليها فستكون بجوقة حضرة الفاضل الأديب والممثل الشهير الشيخ أبي خليل القباني، ولياليها في مساء 27 الجاري و3 مايو و5 منه، وفي الليلة الأولى يكون تمثيل رواية «أسد الشرى» المشهورة بحسن مناظرها ومتانة موضوعها وجمال نسقها، فلا ريب في أن الإقبال عليها يكون عظيما.
جريدة الأخبار: 27 / 4 / 1897م
تمثل في هذا المساء رواية «أسد الشرى» في تياترو الأوبرا الخديوية، ويقوم بتمثيلها جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني، ويتخلل فصولها ألعاب السيف الغريبة ونغمات الموسيقى الخديوية، وهذه الليلة هي أول الليالي الثلاث التي اعتنى بإحيائها حضرة الفاضل الغيور إسكندر أفندي شلهوب، وخصص دخلها للإعانة العسكرية الشاهانية والمدرسة الحميدية.
35
فكل عثماني يشكر إسكندر أفندي على هذه الغيرة، وكل ذي حمية يقبل على مساعدته، والأمر يعد تفكهة للناظر وإعانة للدول، والغاية من أحمد الغايات وأنبلها، فالإقبال من الأفاضل مضمون بإذن الله.
جريدة الأخبار: 28 / 4 / 1897م
سيمثل في هذا المساء حضرة الهمام الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الكوكبين»، وبعد انتهاء التشخيص سيشنف الآذان بصوته الرخيم حضرة بلبل الأفراح عبده أفندي الحمولي على نغمات أوتار تخت العقاد
36
الشهير. فنحث العموم على الحضور، ونرجو لهذا الجوق مزيد النجاح.
جريدة المؤيد: 28 / 4 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني اليوم رواية «الكوكبين» الشهيرة، مخصصا إيرادها لحضرة الأستاذ الفاضل الشيخ عثمان أفندي الموصلي؛ حتى يستعين به على نشر المعارف والآداب، وسيطرب الجمهور في خلال التمثيل حضرة المغني الشهير عبده أفندي الحمولي.
جريدة المقطم: 1 / 5 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني هذه الليلة رواية «عايدة»، ويخصص إيرادها لبعض ممثلات الجوق، فعسى أن يقبل الجمهور عليه.
جريدة الأخبار: 1 / 5 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني في هذا المساء رواية «عائدة» الشهيرة، ويخصص دخلها لحضرات ممثلات الجوق الأديبات، وسيقوم بعض المشهورين بألعاب السيف بألعابهم المدهشة.
جريدة المؤيد: 3 / 5 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني مساء اليوم رواية «ولادة بنت المستكفي»، ويجعلها وداع تمثيله في العاصمة الآن حتى يذهب إلى سوريا ويزيد في استعداد جوقه للشتاء المقبل، وقد خصص إيراد هذه الليلة للممثلين. فنحث العموم على مشاهدة تمثيل هذه الرواية البديعة.
جريدة المقطم: 17 / 5 / 1897م
لعب أمس مساء حضرة المصارع المشهور بناجي كوتاليانوس في تياترو حضرة الشيخ أبي خليل القباني
37
ألعابا أدهشت الحضور، أظهر فيها ما وهبه الله من القوة الفائقة حد الطبيعة؛ فإنه أخذ محفلا ثقله 200 رطل ورفعه بيده اليمنى ولعب به كما شاء، ثم قدمت إليه كرة ثقلها 400 رطل فأمسكها بكلتا يديه ونهضها إلى ما فوق كتفه اليمنى، وكان رجلان قد أحضرا كرتين وزنهما 170 رطلا فرفعهما بالحبل، فعض عليه وبقيتا معلقتين بأسنانه نحو عشر ثوان، ثم جيء بقطع حديد عديدة وزنها 1600 رطل وعلق أكثرها في وسطه، وانتقل باثنتين منها ثقل الواحدة نحو 30 رطلا ومشى بها على المرسح، ثم جيء بمدفع فوضعه على كتفه وأطلق ولم يهتز من رد فعله، وفعل أفعالا أخرى مثل ضربه عصا من الحديد على ذراعه فتلتوي ويعكس ضربها فتقوى.
جريدة المقطم: 20 / 5 / 1897م
يلعب هذا المساء المصارع المشهور بنايوتي كوتاليانو ألعابا غريبة جدا في تياترو حضرة الشيخ أبي خليل القباني،
38
وعندما ينتهي من الألعاب يحمل مدفعين ويطلقهما دفعة واحدة. فنحث الجمهور على مشاهدة ألعابه.
جريدة المقطم: 17 / 6 / 1897م
استعد الجوق الدمشقي
39
أن يمثل هذا المساء في تياترو الشيخ أبي خليل القباني فصولا هزلية جديدة، يتخللها ضرب العود ولعب السيف والرقص الدمشقي. وسيظهر الممثلون على المرسح بملابس جديدة تزيد تمثيلهم غرابة وإتقانا.
جريدة المقطم: 24 / 6 / 1897م
يحيي الجوق الدمشقي هذا المساء ليلة زاهية في تياترو حضرة الشيخ أبي خليل القباني، يمثل فيها فصلي «الخاطبين» و«الوابور»، ويختتمها بفصل بانتوميم، ويأتي حضرة المشهور كامل أفندي بأعزب ما عنده من ضروب الهزل والمجون.
جريدة المؤيد: 17 / 7 / 1897م
تقام ليلة خيرية مساء اليوم في تياترو الشيخ أبي خليل القباني الكائن بجوار سوق الخضار الجديد، وستغني فيها المغنية الشهيرة الحاجة سيدة السويسية.
40
فنحث الجمهور على اغتنام فرصة حضورها؛ مساعدة على الخير وتحليا بمحاسن الآداب.
جريدة المؤيد: 25 / 8 / 1897م
يبتدئ جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني في تمثيل رواياته الأدبية من ليلة الأحد المقبل في التياترو الجديد الذي أنشأه العام الماضي في جوار سوق الخضار بالأزبكية؛ حيث يمثل ليلتئذ رواية «إسكندر المقدوني» من مؤلفاته. وستقوم بعد انتهاء التمثيل جوقة المطربات الحسان التي أحضرها من ماهرات المغنيات المطربات في سوريا بفصل طرب وغناء تحت رئاسة حضرة المغنية المطربة «ملكة سرور». وتجري عادة هذا الجوق في التمثيل بعد ذلك كل ليالي الاثنين والأربعاء والجمعة من كل أسبوع في التياترو المذكور، ما عدا ليلة الأربعاء الآتية الموافقة مساء 31 أغسطس، إذ يكون الاحتفال بعيد الجلوس الشاهاني، حيث يمثل رواية من أجمل رواياته في تياترو حديقة الأزبكية.
جريدة المؤيد: 28 / 8 / 1897م (إسكندر المقدوني)
يمثل جوق حضرة الأديب الفاضل الشيخ أبي خليل القباني هذه الليلة رواية «إسكندر المقدوني»، وهي رواية جديدة من مؤلفاته في التياترو الجديد الذي أنشأه حضرته بجوار سوق الخضار الجديد. وستقوم جوقة المطربات الحسان التي أحضرها حضرته من سوريا بفصل طرب وغناء تحت رئاسة حضرة المطربة الشهيرة الماهرة «الست ملكة سرور»، ولا ريب أن هذا الجوق سيجد من الجمهور خير عضد ونصير.
جريدة المقطم: 28 / 8 / 1897م
يشرع جوق حضرة الأديب المتفنن أبي خليل القباني في تمثيل رواياته هذا المساء في مرسحه الجديد بين محطة الترمواي العمومية وسوق الخضار الجديد، فيمثل رواية الملك «إسكندر الكبير الملقب بذي القرنين»، ثم يوالي التمثيل بعد ذلك ليالي الاثنين والأربعاء والجمعة من كل أسبوع، وقد أحضر جوقا من المطربات السوريات ليشنف الآذان بالألحان الشجية في ختام كل رواية، فعسى أن يجد من إقبال الجمهور على رواياته ما يزيد إتقان هذا الفن وتحسينه حتى يبلغ في الشرق الشأو الذي بلغه في الغرب.
جريدة المؤيد: 29 / 8 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني مساء اليوم رواية «الكوكبين» بجوق تمثيله المتفنن، وسيختم التشخيص بفصل غناء تقوم به المطربات الحسان تحت رئاسة الست ملكة سرور التي أبدعت بحسن غنائها الرخيم وتفننها العجيب الليلة الماضية.
جريدة المقطم: 30 / 8 / 1897م
مثل جوق الأديب المتفنن الشيخ أبي خليل القباني أول أمس رواية «إسكندر ذي القرنين»، فأجاد الممثلون والممثلات في تمثيل أدوارهم، ثم جلست حضرة المطربة المبدعة ملكة سرور وإلى جانبها بقية المطربات، وشنفن الآذان بالألحان الشجية، فصفق لها الحاضرون استحسانا واستعادوها مرارا، ثم انصرفوا وهم يثنون ويشكرون.
جريدة المؤيد: 31 / 8 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل في تياترو حديقة الأزبكية خلال الاحتفال بعيد الجلوس المأنوس رواية «أسد الشرى»، وهي أحسن وأجمل روايات هذا الجوق. وسيعقب التمثيل فصل ألحان من جوقة المطربات الحسان تحت رئاسة حضرة الست ملكة سرور. التذاكر لغير أصحاب التذاكر المحفوظة في الاحتفال تباع في شباك التياترو.
جريدة المقطم: 1 / 9 / 1897م
احتفلت المحافظة أمس بليلة الجلوس السلطاني جريا على العادة في كل عام، فزينت بالأعلام والأنوار، وصدحت الموسيقى العسكرية بالأنغام الشجية، وجلس سعادة المحافظ في قاعة الاستقبال الكبرى يستقبل وفود الزائرين من كبار الموظفين والوجهاء والأعيان، وضرب سرادق فسيح في دار المحافظة لحضرة المطرب المبدع الشيخ يوسف المنيلاوي،
41
فجلس فيه يشنف الآذان بشجي الألحان، ثم أديرت الحلواء والمرطبات على المدعوين، وكان حضرة وكيل المحافظة وحضرات المعاونين ورئيس التحريرات وغيرهم من موظفيها يقابلون الزائرين بالأنس والبشاشة، ويبالغون في إكرامهم ، فانصرفوا وهم يثنون ويشكرون. واحتفلت لجنة الاحتفال بإحياء تلك الليلة في حديقة الأزبكية احتفالا شائقا، فزينت الحديقة بالأنوار والأعلام، وضربت فيها بعض السرادقات حول البحيرة، فأمها الزائرون أفواجا من الوجوه والأعيان، وصدحت الموسيقى العسكرية في الكشك البحري بالألحان الشجية، ومن جملتها اللحن الحميدي، فاستعاده الحاضرون مرارا. جلس حضرة المطربين المبدعين: عبده أفندي الحمولي في سرادق، ومحمد أفندي عثمان
42
في آخر يشنفان الآذان برخيم الألحان، وتزاحم الناس من حولهما حتى ضاقت بهم فسحات الحديقة. ومثل جوق حضرة الأديب المتفنن الشيخ أبي خليل القباني رواية «أسد الشرى» في حديقة الأزبكية، فغص الملعب بالمتفرجين، وكان حضرة رئيس اللجنة وأعضاؤها يقابلون الناس باللطف والإيناس. اجتمع مائة وأكثر من غلمان العاصمة وجعلوا يطوفون حول حديقة الأزبكية، وانقضت الليلة الماضية على ما يرام من السكينة والانتظام، وهذا ما يوجب الثناء على أهل العاصمة ويشهد لهم بحسن الأخلاق وحب الوئام.
جريدة المؤيد: 2 / 9 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل أبي خليل القباني هذا المساء رواية «ولادة بنت المستكفي»، وهي الرواية التي اشتهر هذا الجوق بإتقانها كل الإتقان. ويمثل مساء السبت المقبل كذلك رواية «إسكندر المقدوني»، وتطرب الجمع بعد تشخيص الروايتين حضرة المغنية المطربة الست ملكة سرور مع جوقتها من المطربات الحسان.
جريدة المقطم: 2 / 9 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «ولادة بنت المستكفي» في مرسحه، وتختم بفصل طرب تقوم به جوقة من المطربات برئاسة المطربة ملكة سرور.
جريدة المقطم: 3 / 9 / 1897م
مثل جوق حضرة الأديب المتفنن الشيخ أبي خليل القباني مساء أمس رواية «ولادة بنت المستكفي»، فأجاد الممثلون كل الإجادة، وقد ختم التمثيل بفصل مطرب قامت به حضرة السيدة ملكة سرور، فأجادت وأطربت الجمهور ببديع أنغامها، ثم انصرفوا يثنون ويشكرون.
جريدة المؤيد: 4 / 9 / 1897م
أبدع جوق حضرة الشيخ أبي خليل تمثيل رواية «ولادة بنت المستكفي» ليلة الجمعة الماضية حيث كان التياترو مزدحما أعظم ازدحام، وقد أبدعت أيضا حضرة المطربة المغنية الست ملكة سرور في فصل غنائها غاية الإبداع حتى أدهشت الحاضرين الذين كانوا يودون ليلتئذ أن تغنيهم حتى الصباح. وسيمثل هذا الجوق الليلة رواية «إسكندر المقدوني»، وتطرب الأسماع في نهايتها جوقة الغناء المتقدمة الذكر.
جريدة المؤيد: 5 / 9 / 1897م
مثل جوق حضرة الأديب الشيخ أبي خليل القباني أمس رواية «إسكندر المقدوني»، فأجاد الممثلون غاية الإجادة، وأطربت بعده حضرة المغنية الست ملكة سرور الجمهور بفصل غناء مطرب تجاوزت فيه حد التفنن والإبداع. وسيمثل الجوق هذه الليلة أيضا رواية «الأمير محمود» ويعقبها فصل غناء مطرب كالعادة.
جريدة المقطم: 7 / 9 / 1897م
يمثل جوق حضرة الأديب المتفنن الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «أنس الجليس»، ويختم التمثيل بفصل طرب تقوم به حضرة المغنية المطربة ملكة سرور وبقية المطربات. فنحض الجمهور على اغتنام أوقات الأنس والسرور.
جريدة المؤيد: 9 / 9 / 1897م
أتقن جوق حضرة الأديب الشيخ أبي خليل القباني أول أمس تمثيل رواية «أنس الجليس» بتمثيل ما اشتهر به هذا الجوق من إتقانها، وخصوصا حضرة أحمد أفندي أبو العدل الذي كان يمثل دور الفضل بن خاقان؛ فإنه أبدع فيه غاية الإبداع، وشخص هيبة وجلالة الفضل بن خاقان في مكارم أخلاقه وعلو همته وعظيم نعمته، وفي هذا المساء يمثل الجوق المذكور رواية «أسد الشرى»، وهي الرواية الجميلة التي مثلتها في حديقة الأزبكية ليلة الاحتفال بعيد جلالة مولانا السلطان، فكان لها أحسن وقع في نفوس من حضروها.
جريدة المقطم: 9 / 9 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء في مرسحه رواية «أسد الشرى»، وتختم بفصل طرب تقوم به جوقة من المطربات برئاسة السيدة ملكة سرور.
جريدة مصر: 9 / 9 / 1897م
يمثل في هذا المساء جوق حضرة الفاضل أبي خليل أفندي القباني رواية «أسد الشرى» في محله الكائن أمام سوق الخضار الجديد.
جريدة المقطم: 9 / 9 / 1897م
عزمت جمعية الأحوال الشرقية أن تمثل مساء غد في مرسح حضرة الشيخ أبي خليل القباني
43
أول رواية من رواياتها المتسلسلة وهي رواية «شيرين بنت الملك كسرى أنو شروان» تتجلى فيها معركة حربية بين العرب والعجم. ويطرب الحضور خلال التمثيل الشيخ صالح العوام مع جوقته.
جريدة الأخبار: 10 / 9 / 1897م (رواية شيرين)
تمثل في هذا المساء جمعية الأحوال الشرقية في تياترو الشيخ أبي خليل القباني أول رواياتها، وهي رواية «شيرين»، ويطرب الجموع بصوت الشيخ صالح العوام.
جريدة الأخبار: 10 / 9 / 1897م (رواية أسد الشرى)
مثل جوق حضرة المتفنن الشيخ أبي خليل القباني ليلة أمس رواية «أسد الشرى»، وكان الحضور كثيرا، فأعجبوا بحسن الإلقاء كما سروا من حسن الإيماء، هذا على الوصف المجمل، وفي الفصل الثالث وقعت أقوال زليخة موقع الإعجاب إذ صاحت وهي مهددة بالقتل وسيف الاغتصاب يهدد عنقها: «الموت أهون علي من إباحة عرضي وديني»، أما أسد الشرى فإنه أجاد لو لم يسر في ظل حديثه على صوت واحد عال، ووصفه نفسه بالظالم العاتي الكافر القاسي؛ لأن الظالم لا يقول على نفسه ظالما، وودنا لو أن السكيرين مع حركاتهم السكرية المعجبة لم يأتوا بالزجاجات الكثيرة، ولكنا نمدح الكل لمهارتهم، ونحن نستميح حضرة مدير الجوق ببعض التنديد؛ لأن من وراء ذلك الإصلاح. وقد تلفينا أن نبين حسنات كل تمثيل نشاهده؛ مساعدة لأرباب الأجواق على التحسين، وحبذا لو وافقتنا رصيفاتنا وأبدت مثل هذه الملحوظات تبعا لكتاب الفرنج.
جريدة المؤيد: 11 / 9 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «المعتمد بن عباد»، وهي رواية جديدة لم يسبق لها تمثيل. فنحث جمهور الأدباء على مشاهدتها.
جريدة الأخبار: 11 / 9 / 1897م
يمثل الليلة جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «المعتمد بن عباد»، وهي رواية تاريخية أدبية غرامية، كثيرة الوقائع بديعة المناظر، لم تمثل قبل الآن، وقد استعد لها استعدادا تاما من ملابس وضباط؛ حتى تكون رواية فريدة في بابها يسر لها الناظرون، وستشنف الآذان بصوتها الرخيم حضرة المطربة الشهيرة ملكة سرور. فنأمل أن يكون الحضور كثيرين تنشيطا لأهل الأدب.
جريدة المقطم: 11 / 9 / 1897م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أبي خليل أفندي القباني رواية «المعتمد بن عباد»، وهي رواية لم تمثل قبلا على المراسح العربية، ويتلو تمثيل الرواية فصل مطرب تقوم به المطربة الشهيرة ملكة سرور، فعسى أن ينال إقبالا كالعادة.
جريدة المقطم: 11 / 9 / 1897م
مثلت جمعية الأحوال الشرقية مساء أمس في تياترو حضرة الشيخ أبي خليل القباني رواية «شيرين بنت الملك كسرى»، وكان الحضور كثيرين، حتى إنه لم يبق مكان فارغ، وقد أجاد الممثلون غاية الإجادة، وطلبوا إلى الجمعية أن تتحف الجمهور من وقت إلى آخر بمثل هذه الرواية البديعة، وخرجوا وهم يثنون على القائمين بهذا المشروع المفيد، ويتمنون لأصحابه التوفيق والنجاح.
جريدة المؤيد: 12 / 9 / 1897م
مثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل الليلة الماضية رواية «المعتمد بن عباد» أحد ملوك الأندلس وقصة إسقاط يوسف بن تاشفين له عن سرير ملكه، وما حدث خلال ذلك في إشبيلية من المصائب والويلات حتى استقر الملك لابن تاشفين، وهي رواية جديدة من تأليف حضرة مدير الجوق، لم تكن مثلت قبل الآن، وقد أعقب التشخيص فصل طرب بجوقة حضرة المغنية المطربة الست ملكة سرور، فأبدعت كل الإبداع، وفي هذا المساء يمثل الجوق المذكور رواية «الحاكم بأمر الله»، وهي رواية جميلة المناظر كثيرة الفوائد الأدبية. فنحث الجمهور على مشاهدتها.
جريدة الأخبار: 14 / 9 / 1897م
مثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني مساء ليلة السبت رواية «المعتمد بن عباد»، وهو أحد ملوك الأندلس. وكان الحضور كثيرا غص بهم المكان. أما عبارة الرواية فمتينة، ومناظرها متباينة، وأجاد بالإلقاء يوسف بن تاشفين بنطق يكاد لا يأتي ممثل بأحسن منه، مع وقوفه وقفة الرصانة والتهيب الواجبة لمن يمثل خليفة. ومثل أحد الندماء المسمى الأمين دوره مع خفة الحركة وتطبيق القول الهزلي على الحركات، فأطرب الناس، ولم يبرح زميله الرشيد نجاحه في خفة الحركة وحسن الإلقاء، أما القاضي فكان كأنه قاض من قضاة تلك العصور، ويستميح من الوزير ألا نتكلم عنه، والرواية نشكو من طول الحديث كل ممثل حتى لا يبقى مجال لانتقال الأدوار. وبما أنها مثلت أول مرة ستكون في الثانية أحسن. ومثل مساء أمس رواية «الحاكم بأمر الله»، وهي رواية تكلمنا عنها في العام الماضي، ونمتدح من ممثليها الملك؛ فإنه تكلم بلفظ تام التقاطيع، وبصوت جهوري، ولا نبخس الوزير الناصر حقه؛ فإنه أعجب بالإيماء، أما البديع فبديع، وهدية الناصر لطيفة أتت بلطائف، وبعضهم فاتته جرأة الإلقاء والإيماء، وكانوا كأنهم ينظرون إلى كل شخص من الحاضرين مرحبين خيفة، مع أن أحد معلمي التمثيل قال لتلميذه: إذا وقفت على المرسح فاحسب من أمامك عبيدا لك عند الأمر، وأسيادا عند التضرع، وأعداء عند الحق، ورءوس كرنب بالجملة. ونحن ببدء الفصل، وإن شاء الله يتقدم جوق حضرة الشيخ فلا يجد قائل مجالا. وعلمنا أن بعضهم لا يستجزئ منا إلا المدح، ولجئوا إلى إحدى الجرائد لترد انتقادنا، كأنا أخطأنا إلى فن التمثيل بمساعدته.
جريدة المؤيد: 14 / 9 / 1897م (رواية عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة)
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني الليلة الرواية الشهيرة بحسن مناظرها وقوة تأثيرها على الأخلاق بأحسن أسلوب، وسيعقبها فصل طرب بجوقة الحسان المطربات تحت رئاسة الست ملكة سرور. فنحث الجمهور على الإقبال على هذه الرواية تعضيدا للآداب.
جريدة المقطم: 14 / 9 / 1897م
يمثل جوق الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء في مرسحه رواية «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة»، وتختم بفصل طرب تقوم به جوقة من المطربات برئاسة المطربة الحسنة التوقيع على القانون السيدة ملكة سرور، وستكون هذه الليلة من أبهج الليالي التي أحياها هذا الجوق.
جريدة المؤيد: 16 / 9 / 1897م (رواية عنترة العبسي)
مثل جوق حضرة الأديب الشيخ أبي خليل القباني ليلة الأربعاء الماضية رواية «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة»، فأجاد الممثلون والممثلات، ولا سيما الست هيلانة التي كانت تمثل دور عفيفة قرينة الأمير على أمير غطفان في أحسن صفات الطهر والعفاف. وقد تلا التشخيص دور غناء مطرب من جوقة المغنيات تحت رئاسة الست ملكة سرور، وفي هذا المساء يمثل الجوق المذكور رواية «عنترة العبسي»، ويتلوها فصل مطرب كذلك، فنسأل الجمهور الإقبال على هذا الجوق تعضيدا للآداب العمومية.
جريدة المقطم: 17 / 9 / 1897م
مثل أمس جوق حضرة الأديب المتفنن الشيخ أبي خليل القباني رواية «عنتر»، فأجاد الممثلون، وقد ختم التمثيل بفصل طرب قامت به المطربة ملكة سرور فأجادت كثيرا، وسر الحضور وصفقوا لها مرارا، ثم خرجوا يثنون ويشكرون.
جريدة المؤيد: 18 / 9 / 1897م
مثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني ليلة الجمعة الماضية رواية «عنترة العبسي»، فغص المرسح بالحضور، وقد نفذت تذاكر الدخول بأجمعها ورجع كثير من الناس الراغبين في التفرج. سيمثل في هذا المساء رواية «السلطان حسن »، وهي لا تقل في الأهمية عن سابقتها، ويختم التشخيص فصل طرب من الست ملكة سرور كما هي العادة بعد كل رواية.
جريدة الأخبار: 18 / 9 / 1897م
مثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني ليلة أول أمس رواية «عنترة» المشهورة بكثرة وقائعها وجميل مناظرها وملاعبها، فغص المرسح بالحضور حتى ضاق على وسعه. وأجاد الممثلون وبعض الممثلات، أخص بالذكر منهم عنترة؛ فإنه أعجب وأعرف بما أبداه من شجاعة وشهامة، وكذلك عبلة؛ فإنها ربة الصيانة والأمانة والأنفة العربية بكلام حكمي ونخوة عبسية أعجبت الحاضرين. وأعقب ذلك فصل طرب برئاسة حضرة المطربة المشهورة السيدة ملكة سرور مع جوقة الحسان، وتوالى التصفيق لها من كل ناحية، واستعادوها مرارا وتكرارا، وخرج الجميع يثنون ويشكرون. وسيمثل هذه الليلة رواية «السلطان حسن» البديعة، وهي رواية بديعة المبنى حسنة المغزى، يكون ختامها بفصل غناء كالعادة.
جريدة المؤيد: 19 / 9 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل مساء اليوم رواية «عائدة» الشهيرة، ويعقبها فصل طرب من جوقة المطربات الحسان تحت رئاسة المغنية الشهيرة الست ملكة سرور.
جريدة المقطم: 21 / 9 / 1897م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الملك إسكندر المقدوني»، وتختم الرواية بفصل طرب تقوم به المطربة الشهيرة ملكة سرور، فنتمنى الإقبال.
جريدة الأخبار: 21 / 9 / 1897م
يمثل في هذه الليلة جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني رواية «إسكندر المقدوني»، وتطرب الغانية المتفننة الست ملكة سرور بألحانها الشجية.
جريدة المقطم: 22 / 9 / 1897م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «أنس الجليس» التي حازت استحسان الجمهور لما مثلت قبلا، وتختم بفصل طرب تقوم به جوقة من المطربات برئاسة البارعة بالتوقيع على القانون والمشهورة برخيم صوتها السيدة ملكة سرور.
جريدة المقطم: 23 / 9 / 1897م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الأمير محمود»، وتختم بفصل طرب تقوم به حضرة المطربة السيدة ملكة سرور.
جريدة المؤيد: 25 / 9 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني في مساء هذا اليوم رواية «الكوكبين»، وهي رواية شائقة جميلة المناظر تروق الناظر وتسر الخاطر. فنحث نصراء الأدب على مشاهدة فصولها الرائقة ، وسيكون ختامها بفصل مطرب تغني فيه الست ملكة سرور بألحانها المطربة.
جريدة المقطم: 25 / 9 / 1897م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الكوكبين»، وتختم بفصل طرب تقوم به المطربة البارعة ملكة سرور، وقد رغب إلينا بعض الأدباء أن نطلب من حضرته تمثيل رواية «حسام الدين الأندلسي»
44
لحضرة مؤلفها الشيخ مصطفى سعيد الرافعي؛ نظرا لما اشتملت عليه من الفوائد التاريخية والأدبية، فعسى أن يجاب طلبه.
جريدة المؤيد: 26 / 9 / 1897م
مثل أمس جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «الكوكبين»، فغص المرسح بالحضور، وأجاد المشخصون والمشخصات أدوارهم مما أعجب الحضور، خصوصا الست ملكة سرور التي أطربت الحضور في انتهاء الرواية، فصفقوا لها مرارا استحسانا لما أبدت من المهارة والإتقان في توقيع الألحان. وسيمثل هذا الجوق مساء اليوم رواية «قوت القلوب مع غانم بن أيوب»، وهي الرواية التي انفرد هذا الجوق بحسن تمثيلها مع عجائب مناظرها وغرائب وقائعها وحسن تنسيقها. فنحث جمهور الأدباء على الإقبال لمشاهدة روايات هذا الجوق، فكل ما زادوه إقبالا زادهم سرورا وارتياحا.
جريدة المؤيد: 2 / 10 / 1897م
يشخص هذه الليلة جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «أسد الشرى» المشهورة بحسن مناظرها وطلاوة فصولها، وسيعقبها فصل طرب تقوم ببديع أغانيه المغنية المتقنة الست ملكة سرور. فنحث الأدباء على الإقبال على هذه الرواية لمشاهدة محاسنها.
جريدة مصر: 2 / 10 / 1897م
يشخص جوق أبي خليل القباني في هذا المساء رواية «أسد الشرى»، وهي رواية أدبية فكاهية. فنرجو الإقبال على مشاهدتها.
جريدة الأخبار: 2 / 10 / 1897م
يمثل الليلة الجوق العربي بإدارة حضرة الشيخ أبي خليل القباني رواية «أسد الشرى»، ويشخص في الليلة القادمة في حلوان رواية «إسكندر» إجابة لطلب الكثيرين.
جريدة المقطم: 2 / 10 / 1897م
يمثل جوق حضرة الأديب المتفنن أبي خليل القباني هذا المساء رواية «أسد الشرى»، وتختم الرواية بفصل طرب تقوم به حضرة المطربة الست ملكة سرور. ويمثل رواية «إسكندر الأكبر» في كازينو حلوان مساء الأحد القادم. فنحض الجمهور على الإقبال عليه اغتناما لأوقات الأنس والسرور.
جريدة المؤيد: 3 / 10 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني في كازينو حلوان رواية «الملك إسكندر المقدوني»، وتطرب الجمهور بعد انتهاء الرواية حضرة المغنية الشهيرة الست ملكة سرور، ولا بد أن يلاقي إقبالا عظيما من سكان حلوان الذين انتدبوه للتشخيص هذه السنة في الكازينو فأجاب طلبهم.
جريدة مصر: 4 / 10 / 1897م
أحسن جوق أبي خليل التمثيل أمس في تياترو حلوان، وراقت للجمهور نكات أحد الممثلين وهزله الرقيق؛ حتى إنهم أكثروا من التصفيق والاستحسان من ابتداء التمثيل إلى انتهائه. ولكن هذا كله لم يكن شيئا مذكورا عند التصفيق الهائل الذي ارتجت له جوانب الملهى مرارا وتكرارا حين برزت حضرة المطربة المبدعة السيدة ملكة سرور وسحرت الألباب بما أوتيت من جمال الصوت والبراعة في التلحين وكمال الأدب. ولا ريب أن وجود مثل هذا الامتياز في جوق عربي يجعل إقبال الأدباء عليه محتما.
جريدة المؤيد: 6 / 10 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني الليلة رواية «الحاكم بأمر الله العباسي»، ويمثل ليلة الجمعة مساء الغد رواية «عنترة العبسي»، وكلتاهما من الروايات الأدبية الجميلة. ويتبع التشخيص في الليلتين فصل غناء تحت رئاسة المغنية المطربة الست ملكة سرور.
جريدة مصر: 6 / 10 / 1897م
يمثل جوق أبي خليل في هذا المساء رواية «الحاكم بأمر الله العباسي»، ويزدان التياترو بحضور حضرة السيدة الكاملة ملكة سرور، فتطرب القلوب بالأنغام البديعة والمناظر البهية التي جعلت لهذا الجوق مقاما بين أدباء المصريين.
جريدة المقطم: 6 / 10 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الحاكم بأمر الله العباسي»، وهي الرواية التي نالت استحسان الجمهور لما مثلت قبلا، وتختم بفصل طرب تقوم به المطربة الشهيرة ملكة سرور.
جريدة مصر: 7 / 10 / 1897م
يشخص الليلة جوق الشيخ أبي خليل القباني رواية «عنترة العبسي» في مرسحه الجديد الكائن بين محطة الترمواي العمومية وسوق الخضار الجديد. فنحث الأدباء على حضوره لاشتهاره بالإتقان.
جريدة المقطم: 7 / 10 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «عنترة العبسي»، وهي بديعة المناظر تختم بفصل طرب كالعادة تقوم به المطربة المتفننة في التوقيع على القانون السيدة ملكة سرور.
جريدة المقطم: 8 / 10 / 1897م
ازدحم مساء أمس تياترو حضرة الشيخ أبي خليل القباني بالوافدين لمشاهدة التمثيل، وقد أجادت المطربة المبدعة المشهورة بالتوقيع على القانون في هذا الجوق حتى أطربت الحضور، فقال في ذلك القانون أحد واصفيه موريا:
قانونها لعذابي خصصته وهل
يجوز في مقتضى القانون تعذيبي
ويمثل هذا الجوق مساء الأحد بعد غد رواية «الأمير محمود» في تياترو كازينو حلوان تختم بفصل طرب كالعادة.
جريدة المؤيد: 9 / 10 / 1897م
يمثل هذا المساء جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «الخل الوفي»، وهي رواية أدبية غرامية ذات وقائع مدهشة، ويشخص في كازينو حلوان مساء الغد رواية «الأمير محمود». وتطرب الجميع في ختام الروايتين حضرة المغنية الشهيرة الست ملكة سرور.
جريدة المقطم: 9 / 10 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الخل الوفي»، ويمثل غدا في تياترو كازينو حلوان رواية «الأمير محمود»، وهي بديعة المناظر، وتختم الروايتان بفصل طرب تقوم به المطربة المشهورة ملكة سرور.
جريدة المقطم: 11 / 10 / 1897م
مثل أمس جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني رواية «الأمير محمود» في تياترو كازينو حلوان، فغص المكان بالحاضرين، حتى لم يبق كرسي فارغ، وأطربت السيدة ملكة سرور بصوتها الرخيم، وقد كلفنا كثيرون من أعيان سكان حلوان أن نثني على حضرة مدير الجوق وممثليه لبراعتهم وإتقانهم لهذا الفن الجميل، فنثني عليهم وندعو لهم بالتوفيق والإقبال.
جريدة المؤيد: 12 / 10 / 1897م
أحرز جوق حضرة الشيخ أبي خليل غاية الاستحسان من سكان حلوان، كما أحرزها من سكان القاهرة؛ لحسن تمثيله وجودة تلحينه في الأغاني الملحقة برواياته. هو يمثل الليلة في التياترو الخاص بجوار سوق الخضار الجديد في الأزبكية رواية «الانتقام»، وهي رواية بديعة من أحسن الروايات التي اشتهر بها هذا الجوق. ويختم التمثيل كالعادة بفصل غناء تقوم به المغنية الشهيرة المطربة الست ملكة سرور. ولا حاجة لحث الجمهور على الإقبال على هذا الجوق بعدما حاز كمال القبول.
جريدة مصر: 12 / 10 / 1897م
لم يبق ريب في أن حضرة الأستاذ أبي خليل صاحب جوق التمثيل المعروف باسمه قد خدم أصحاب الذوق ومحبي الأنس في أنه كلف حضرة المطربة المبدعة السيدة ملكة مسرور تشنيف الآذان بألحانها؛ فإن الإقبال على هذا الجوق بعد أن اشتهر وجود هذه السيدة الكريمة فيه قد زاد إلى حد يوجب المسرة، ولنا أمل أنه يظل على ازدياد. وسيمثل هذا الجوق الليلة رواية «الانتقام»، ويعقب ذلك فصل الطرب الذي نال من الناس كل هذا الاستحسان.
جريدة المقطم: 12 / 10 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني رواية «الانتقام» هذا المساء، وتختم بفصل طرب كالعادة.
جريدة المؤيد: 14 / 10 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل الليلة رواية «أنس الجليس»، وهي من أجمل الروايات العربية، وقد اشتهر بها هذا الجوق اشتهارا خاصا، ويعقب التشخيص فصل طرب تقوم به حضرة المغنية الشهيرة الست ملكة سرور.
جريدة الأخبار: 14 / 10 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني في هذه الليلة رواية «أنس الجليس»، وهي رواية بديعة المناظر تختم بفصل طرب.
جريدة المقطم: 14 / 10 / 1897م
يمثل هذا المساء جوق حضرة الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «أنس الجليس»، ويعقب الرواية فصل طرب. ويمثل يوم الأحد مساء رواية «الكوكبين» في تياترو كازينو حلوان، ويعقب الرواية فصل طرب أيضا تقوم به المطربة ملكة سرور المشهورة.
جريدة المؤيد: 16 / 10 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «السلطان حسن»، وهي من خيرة الروايات مناظر ووقائع. ويمثل غدا في كازينو حلوان رواية «الكوكبين»، ويعقب هاتين الروايتين فصل طرب تقوم به ذات الصوت الرخيم الست ملكة سرور. وإن ما نراه من الإقبال على هذا الجوق يدعونا للثناء على همة حضرة الفاضل مديره الذي يدأب دائما لتقدم فن التمثيل والاستفادة منه كما يرغب محبو الآداب.
جريدة مصر: 16 / 10 / 1897م
اتصل بنا أن الذي كتبته إحدى الزميلات الغراء أمس عن تياترو حلوان خطأ، وأن جوق الشيخ أبي خليل سيمثل فيه كل مساء أحد مدة هذا العام. ويمثل هذا الجوق الليلة رواية «السلطان حسن»، ويعقب ذلك فصل الطرب المشهور تحت رئاسة السيدة ملكة سرور.
جريدة الأخبار: 16 / 10 / 1897م
لا شك أن شهرة جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني وإقبال الناس عليه مما يغني عن المدح والإطناب، وكل من حضر وشاهد التمثيل يشهد جليا أنه قد نال شهرة عظيمة ولاقى من سكان العاصمة قبولا وإقبالا. وسيمثل هذه الليلة رواية «السلطان حسن»، وهي رواية غرامية أدبية فكاهية كثيرة الوقائع بديعة المناظر، وناسج بردها وناظم عقدها حضرة المتفنن مدير الجوق، وكفى بذلك شهرة، وبعد انتهاء الرواية تطرب الحضور بصوتها الرخيم حضرة المطربة الشهيرة والبارعة اللبيبة السيدة ملكة سرور مع جوقة حسانه.
جريدة المقطم: 16 / 10 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «السلطان حسن»، ومساء غد رواية «الكوكبين» في كازينو حلوان، وتختم الروايتان بفصل طرب كالعادة تقوم بهما المطربة المشهورة السيدة ملكة سرور.
جريدة المقطم: 18 / 10 / 1897م
مثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني أمس رواية «الكوكبين» في تياترو كازينو حلوان، فغص المكان بالمتفرجين، وختمت الرواية بفصل طرب قامت به المطربة ملكة سرور فأطربت الآذان بألحانها الشجية؛ فصفق لها الحاضرون استحسانا واستعادوها مرارا. وسيوالي هذا الجوق التمثيل في كازينو حلوان يوم الأحد من كل أسبوع إجابة لرغبة الأهالي.
جريدة المؤيد: 19 / 10 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «ولادة بنت المستكفي»، وهي رواية وعظية حكمية من أشهر الروايات الأدبية، وتختم كالعادة بفصل طرب من الست ملكة سرور.
جريدة المقطم: 19 / 10 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني رواية «ولادة بنت المستكفي» هذا المساء وتختم بفصل طرب كالعادة.
جريدة الأخبار: 19 / 10 / 1897م
يمثل في هذا المساء جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «ولادة بنت المستكفي»، وتقوم حضرة المطربة الشهيرة الماهرة الست ملكة سرور بتشنيف الأسماع بالألحان الشجية.
جريدة المؤيد: 21 / 10 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الملك إسكندر المقدوني» التي اشتهرت ببهجة مناظرها وحسن موضوعها وغرابة وقائعها، ويختم التمثيل بفصل طرب من حضرة المغنية المطربة الست ملكة سرور. سيوالي هذا الجوق التمثيل في كازينو حلوان مساء كل يوم أحد مدة الشتاء المقبل كما هو الآن؛ بناء على رغبة جميع الأعيان سكان تلك المدينة؛ مما يدعو حضرة مدير هذا الجوق أن يزيد في ترقية التمثيل العربي الذي كان ولا يزال أكبر مؤسس له في القطر المصري.
جريدة المقطم: 21 / 10 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «إسكندر المقدوني»، وتختم بفصل طرب كالعادة.
جريدة مصر: 22 / 10 / 1897م
مثل جوق أبي خليل أمس رواية «إسكندر المقدوني»، وعقب التمثيل فصل طرب قامت به حضرة السيدة ملكة سرور فأطربت وأعجبت.
جريدة الأخبار: 23 / 10 / 1897م
يمثل جوق الشيخ أبي خليل القباني رواية «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة»، وهي رواية عنوانها دليل عليها، وتختم بفصل طرب كالعادة تقوم به جوقة الحسان بإدارة الست ملكة سرور. ومساء الأحد يمثل في كازينو حلوان رواية «أنس الجليس».
جريدة المقطم: 23 / 10 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة»، ويمثل مساء الأحد رواية «أنس الجليس» في تياترو حلوان، وتختم الروايتان بفصول طرب تقوم بها حضرة المطربة ملكة سرور كالعادة.
جريدة المؤيد: 25 / 10 / 1897م
مثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني المساء الفائت رواية «أنس الجليس» في كازينو حلوان، فأجاد الممثلون والممثلات خير إجادة، وكان المحل مزدحما بالمتفرجين من أعيان العاصمة ومدينة حلوان، فسروا غاية السرور من إتقان التمثيل الذي تلاه فصل طرب من المغنية المطربة الست ملكة سرور، صفق له الحاضرون استحسانا مرارا، ثم عاد الذين كانوا من أهل العاصمة مودعين من أهل حلوان بما شف عن سرور الفريقين.
جريدة الأخبار: 26 / 10 / 1897م
في هذا المساء يمثل جوق الشيخ أبي خليل القباني رواية «عائدة» الشهيرة، وتغني في ختام الرواية جوقة الحسان برئاسة الست ملكة سرور.
جريدة المقطم: 26 / 10 / 1897م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «عائدة» الشهيرة، وتختم الرواية بفصل طرب كالعادة.
جريدة المؤيد: 26 / 10 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «عائدة» المشهورة بحسن مناظرها، ويعقب التمثيل فصل غناء جميل تقوم به حضرة المغنية المبدعة الست ملكة سرور.
جريدة الأخبار: 28 / 10 / 1897م
يمثل في هذا المساء جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «أسد الشرى»، وتختم بفصل طرب تقوم به حضرة المطربة البارعة الست ملكة سرور.
جريدة المؤيد: 28 / 10 / 1897م
يمثل في هذا المساء جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «أسد الشرى»، ويعقبها فصل طرب جميل.
جريدة الأخبار: 30 / 10 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني رواية «عائدة الشهيرة».
جريدة المقطم: 30 / 10 / 1897م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «عائدة الشهيرة» هذا المساء بمصر، ويمثل رواية «الانتقام» مساء غد في تياترو كازينو حلوان، وتختمان بفصول طرب كالعادة.
جريدة المؤيد: 30 / 10 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني الليلة في التياترو الجديد بالقرب من سوق الخضار رواية «عائدة»، ويمثل في كازينو حلوان مساء الغد رواية «الانتقام»، ويلي تمثيل الروايتين فصل طرب وغناء.
جريدة المقطم: 4 / 11 / 1897م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «عنترة العبسي» هذا المساء، وتختم بفصول طرب كالعادة.
جريدة المؤيد: 4 / 11 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل مساء اليوم في التياترو الجديد بجوار سوق الخضار الجديد رواية «عنترة العبسي»، ويعقب الرواية فصل طرب وغناء بجوقة المغنية الشهيرة الست ملكة سرور.
جريدة المقطم: 5 / 11 / 1897م
مثل أمس جوق الشيخ أبي خليل القباني رواية «عنترة العبسي» فأجاد الممثلون، وقد أطربت المغنية المطربة ملكة سرور الجمهور بألحانها الشجية؛ فصفق لها الحاضرون استحسانا.
جريدة الأخبار: 6 / 11 / 1897م
يمثل جوق الشيخ أبي خليل القباني رواية «لباب الغرام»، وتطرب بعد نهاية التمثيل حضرة الغانية البارعة الست ملكة سرور.
جريدة المقطم: 6 / 11 / 1897م
يمثل جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «لباب الغرام» هذا المساء، وقد حازت هذه الرواية استحسان الجمهور لما مثلت قبلا. ويمثل مساء الغد رواية «أسد الشرى» في كازينو حلوان، وتختم الروايتان بفصول طرب كالعادة.
جريدة المؤيد: 6 / 11 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «لباب الغرام» في هذا المساء، ثم تطرب الست ملكة سرور المتفرجين بنغماتها المطربة عقب التمثيل.
جريدة المقطم: 9 / 11 / 1897م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «ناكر الجميل»، وتختم بفصول طرب كالعادة.
جريدة المؤيد: 9 / 11 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «ناكر الجميل»، وبعد انتهاء الرواية تطرب الحضور الست ملكة سرور كما هي العادة. ويمثل غدا رواية «السلطان حسن»، وهي من الروايات العربية البديعة التي اشتهر هذا الجوق بحسن تشخيصها وجميل مناظرها، ويخصص دخلها للممثلات البارعات الستات مريم وهيلانة وحنينة.
جريدة المقطم: 13 / 11 / 1897م
يمثل جوق الشيخ أبي خليل القباني رواية «الحاكم بأمر الله العباسي» هذا المساء، ويمثل رواية «لباب الغرام» في كازينو حلوان مساء الغد، وتختمان بفصول طرب كالعادة.
جريدة المؤيد: 14 / 11 / 1897م
يمثل في مساء هذا اليوم جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «لباب الغرام» في كازينو حلوان، وهي من الروايات الأدبية البديعة المناظر، وستختم بفصل طرب حسب المعتاد.
جريدة المؤيد: 15 / 11 / 1897م
طلب سكان حلوان وأعيانهم من حضرة الشيخ أحمد أبي خليل القباني مدير جوقة التمثيل المشهورة أن يتحفهم بليلة تمثيل أخرى في كازينو حلوان غير الليلة المعتادة؛ فأجاب طلبهم، ووجد حضرته من مصلحة سكة حديد حلوان خير مشجع، وعلى هذا خصص حضرة مدير الجوق ليلة الخميس من كل أسبوع (مساء الأربعاء) لتمثيل رواية في تلك المدينة ابتداء من الأسبوع الآتي؛ حيث يكون في خلال كل رواية فصل غناء مطرب من حضرة الست ملكة سرور كما يكون مثله في ختامها.
جريدة الأخبار: 16 / 11 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني رواية «جميل وجميلة»، وهي رواية جديدة لم يسبق تمثيلها، وتطرب الحضور الست ملكة سرور.
جريدة مصر: 16 / 11 / 1897م
يمثل جوق الشيخ أبي خليل القباني رواية «جميل وجميلة» الليلة أيضا، وبعد انتهاء التمثيل يبدأ بفصل غناء تقوم به حضرة المطربة المشهورة السيدة ملكة سرور. والأمل أن ينال هذا الجوق من الإقبال ما يستحقه.
جريدة المقطم: 16 / 11 / 1897م
يمثل جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «جميل وجميلة»، وتختم بفصل طرب.
جريدة المقطم: 17 / 11 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الأمير محمود»، ويخصص دخلها للمطربة ملكة سرور.
جريدة مصر: 17 / 11 / 1897م
يمثل الليلة في تياترو حضرة الأديب الشيخ أبي خليل القباني رواية «الوالدين والولدين» لمدرسة الاجتهاد الوطنية،
45
وقد طلب إعادة تمثيلها نظرا لحسن توقيعها وكثرة مناظرها. فنرجو الإقبال عليها.
جريدة المقطم: 18 / 11 / 1897م
يمثل جوق الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الملك إسكندر المقدوني»، وتختم بفصل طرب.
جريدة المقطم: 18 / 11 / 1897م
تمثل مدرسة الاجتهاد الوطنية رواية «الوالدين والولدين » مساء غد في تياترو حضرة الشيخ أبي خليل القباني، وينفق دخلها على المدرسة لتقدمها.
جريدة المقطم: 20 / 11 / 1897م
يمثل جوق الشيخ أبي خليل القباني رواية «عنترة العبسي» هذا المساء، ويمثل هذه الرواية غدا أيضا في تياترو حلوان، وتختم بفصول طرب.
جريدة الأخبار: 20 / 11 / 1897م
يمثل في هذا المساء جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني رواية «عنترة العبسي»، وتطرب الحضور بصوتها الرخيم الست ملكة سرور.
جريدة المؤيد: 20 / 11 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «عنترة العبسي»، وهي الرواية التي اشتهر بتمثيلها هذا الجوق فنالت استحسان العموم، وتختم بفصول طرب كالعادة من الست ملكة سرور. ويمثل هذه الرواية أيضا غدا بكازينو حلوان بناء على طلب سكان المدينة، وفي الانتهاء تطرب الحضور الست ملكة سرور.
جريدة الأخبار: 23 / 11 / 1897م
يمثل جوق الشيخ أبي خليل القباني رواية «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة»، وتطرب في ختام الفصل حضرة السيدة ملكة سرور.
جريدة المقطم: 23 / 11 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة» هذا المساء. ويمثل مساء غد رواية «الحاكم بأمر الله العباسي» في كازينو حلوان، ويتخلل الروايتين فصول طرب.
جريدة المقطم: 25 / 11 / 1897م
مثل البارحة جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الحاكم بأمر الله العباسي» في تياترو كازينو حلوان، فأجاد الممثلون وصفق لهم الجمهور استحسانا، وتخلل الرواية فصول طرب. ويمثل هذا المساء في مرسحه قرب محطة الترمواي رواية «أسد الشرى»، ويتخللها فصول طرب.
جريدة الأخبار: 25 / 11 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني رواية «أسد الشرى»، وتشنف الآذان بأشجى الألحان حضرة الست ملكة سرور.
جريدة المؤيد: 25 / 11 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «أسد الشرى » الشهيرة، وهي من أبدع الروايات العربية، وتختم بفصل طرب تقوم به الست ملكة سرور كالمعتاد.
جريدة المقطم: 27 / 11 / 1897م
تمثل رواية «الكوكبين» في تياترو حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء، وتختم بفصل طرب تقوم به المطربة السيدة ملكة سرور كالعادة.
جريدة المؤيد: 27 / 11 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل رواية «الكوكبين» هذا المساء، ويتلوها فصل غناء تنشده المطربة الست ملكة سرور، ويمثل في حلوان غدا مساء رواية «السلطان حسن».
جريدة الأخبار: 30 / 11 / 1897م
يمثل جوق الشيخ أبي خليل القباني رواية «الخل الوفي»، وتطرب الست ملكة سرور في ختام الرواية.
جريدة المؤيد: 30 / 11 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني رواية «الخل الوفي» هذا المساء.
جريدة المقطم: 2 / 12 / 1897م
يمثل جوق حضرة الأديب أحمد أبي خليل القباني رواية «الملك إسكندر المقدوني» هذا المساء، وتختم بفصول طرب جديدة.
جريدة المؤيد: 2 / 12 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني رواية «إسكندر المقدوني»، وهي من الروايات الجميلة الرائقة، ويتلو تمثيلها فصل غناء لحضرة الست ملكة سرور وجوقتها.
جريدة المقطم: 4 / 12 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني في مسرحه بجوار سوق الخضار رواية «الأمير محمود» هذا المساء. ويمثل غدا في كازينو حلوان رواية «الملك إسكندر المقدوني»، وتختمان بفصول طرب.
جريدة المقطم: 6 / 12 / 1897م
مثل البارحة جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «إسكندر المقدوني» في تياترو حلوان، وكان الحضور كثيرين، وتخلل الرواية فصل طرب، وختمت بفصل طرب أيضا سر بهما الحاضرون.
جريدة المقطم: 7 / 12 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أحمد أبي خليل القباني في مرسحه بجوار سوق الخضار رواية «لباب الغرام» هذا المساء. ويمثل غدا في كازينو حلوان رواية «الأمير محمود»، وتختمان بفصول طرب جديدة.
جريدة المؤيد: 7 / 12 / 1897م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني رواية «لباب الغرام» في مرسحه هذا المساء، ويمثل رواية «الأمير محمود» في كازينو حلوان غدا مساء، وفي ختام الروايتين تطرب الحضور الست ملكة سرور.
جريدة الأخبار: 9 / 12 / 1897م
يمثل في هذا المساء جوق أبي خليل القباني رواية «عنترة العبسي»، ويقوم الشيخ أبي خليل القباني نفسه بدور عنترة حسب عادته المشهورة، وقد بعث إلينا أحد الأدباء برسالة يثني فيها على هذا الجوق وينفي ما يردده البعض من الإشاعات البعيدة عن الصدق بشأن الألواج المغطاة، مما حمل العائلات والسيدات على الانكفاف عن زيارة هذا التياترو، وأظهر أنه إذا كانت الروايات التي يؤلفها الشيخ أبو خليل ليست كالروايات التي ينظمها الشيخ نجيب الحداد،
46
وصوت رجل في الستين من عمره ليس كصوت الشيخ سلامة، فليس ذلك بدليل على انحطاط الآداب والاختلاف في تياترو سوق الخضار.
جريدة مصر: 9 / 12 / 1897م
يمثل جوق الشيخ أبي خليل القباني رواية من رواياته العربية في هذا المساء أيضا، ويعقب ذلك فصل الغناء العربي للسيدة ملكة سرور، فنطلب من الأدباء إقبالا.
جريدة المقطم: 9 / 12 / 1897م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني في مرسحه بجوار سوق الخضار رواية «عنترة العبسي» هذا المساء، وتختم بفصول طرب جديدة.
جريدة المؤيد: 11 / 12 / 1897م
يمثل تياترو الشيخ أبي خليل القباني في هذا المساء رواية «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة»، وهي الرواية المشهورة بحسن مناظرها، وتختم بفصل طرب تقوم به الست ملكة سرور.
جريدة المقطم: 11 / 12 / 1897م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني في مرسحه بجوار سوق الخضار رواية «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة» هذا المساء. ويمثل غدا الرواية نفسها في كازينو حلوان، ويتخللها فصول طرب جديدة.
جريدة المقطم: 13 / 12 / 1897م
مثل أمس جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة»، وتخللها فصل طرب، وختمت بفصل طرب أيضا، وكان الحضور كثيرين. وقد سحبت أوراق اليانصيب في الحديقة العمومية.
جريدة المقطم: 14 / 12 / 1897م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني في مرسحه بجوار سوق الخضار رواية «ناكر الجميل» هذا المساء، وتختم بفصول طرب.
جريدة المؤيد: 15 / 12 / 1897م
تحتفل الجمعية الخيرية الإسلامية مساء يوم الجمعة المقبل بليلتها السنوية في حديقة الأزبكية تحت رعاية الحضرة الفخيمة الخديوية. ويشمل هذا الاحتفال حسب العادة على زينة باهرة في جميع الحديقة؛ حيث تقوم على جميع أرجائها الأعلام والرايات. وتكون داخلها الأشكال النارية والموسيقى العسكرية والمزمار والطبل البلديان والألعاب البهلوانية والألعاب السيماوية وأورطة أيون وخيال الظل، وكل ذلك عدا الأغاني العربية التي يقوم بها حضرات المغنين المطربين عبده أفندي الحمولي والشيخ يوسف المنيلاوي ومحمد أفندي عثمان، وغير ذلك من مظاهر السرور ومجالي الأفراح. وستشخص في تياترو الأوبرا الخديوية رواية «أنس الجليس» حيث يقوم بتشخيصها جوق حضرة الممثل الشهير والموسيقي المتفنن الشيخ أبي خليل. وتذاكر دخول الحديقة تباع على أبوابها ليلتئذ بعشرة قروش، وأما دخول الأوبرا الخديوية فبتذاكر خصوصية، وسنأتي فيما بعد على تفاصيل مجالي هذه الليلة البديعة.
جريدة المقطم: 16 / 12 / 1897م
يحيي جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني مساء اليوم تمثيل رواية «ولادة بنت المستكفي» في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، وتختم بفصول طرب لم تنشد قبلا.
جريدة المؤيد: 16 / 12 / 1897م
يمثل الليلة جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «ولادة بنت المستكفي»، وهي من أشهر الروايات الأدبية، وتختم بفصل طرب تقوم به الست ملكة سرور.
جريدة المقطم: 18 / 12 / 1897م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الكوكبين» هذا المساء في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية. ويمثل مساء غد رواية «ناكر الجميل» في كازينو حلوان، ويتخللها فصول غناء جديدة.
جريدة المؤيد: 18 / 12 / 1897م (احتفال الجمعية الخيرية السنوي)
احتفل الليلة الماضية بالمهرجان الخيري العام الذي اعتادت الجمعية الخيرية الإسلامية أن تقيمه كل عام في حديقة الأزبكية جامعا مظاهر الأبهة والجلال والجمال ووجوه الأنس والمسرات، وهو الاحتفال السادس من يوم تأسيسها، وكأنه احتفال بعيد السنة السادسة لها، ولا ريب أنه أشرف احتفال عمومي يقام في القاهرة؛ لأنه احتفال بتأسيس فضيلة الاجتماع والتعاون على البر بالإنسانية ومساعدة المعوزين. فإن كانت الاحتفالات التي تقام لأعياد الملوك والأمراء وأيام الممالك الشهيرة تجدد للأفكار ذكرى ما كتبت الملوك والممالك من المجد والفخار فيما يحتفل لأجله حتى تبقى النفوس متأثرة بما لهم ولها من العظمة والاقتدار؛ فإن هذا الاحتفال الذي يقام في الحديقة كل عام يجدد للأفكار ذكرى حاجة الإنسان لمعونة الإنسان ، وأنه كما يدين الفتى في هذه الدنيا يدان. وهي ذكرى أشرف وأنفع من ذكرى مجد الملوك وعظمة الممالك؛ لأنها أساسها من جهة وبريئة من الوصمات التي تعتري تاريخ قيام السلطان للملوك والممالك من جهة أخرى؛ لهذا كله كانت الاحتفالات الخيرية التي تقام لمساعدة الفقراء والضعفاء والمعوزين مرعية من كل الأحزاب، محترمة من جميع الطوائف؛ لأنها عائدة بالخير المحض على الفقير المعوز من المجتمع الإنساني، بقطع النظر عن الفضيلة التي ينتسب إليها. ولما كانت الجمعية الخيرية الإسلامية في مصر قد عرفت واشتهرت بمقاصدها الحسنة وأعمالها البارة المجردة لمعونة المعوز الفقير، وتربية الناشئين من أبناء البائسين المسلمين؛ فقد قوبلت من جميع نصراء الإنسانية بعواطف الحنو والقبول؛ ولذلك وجدت المساعدة الكافلة لبقائها واستمرارها ونجاحها سنة بعد أخرى، كما يدل على ذلك تزاحم الوفود وإقبال الجموع، وحدانا وزرافات، مئات وألوفا أمس على محل احتفالها العمومي الذي كان بمثابة عيد الإنسانية، فيعتبر كل إنسان حضره محتفلا بها. ولقد كان مولانا الخديوي المعظم نصير الإنسانية وحامي حمى الفضيلة في هذه الديار أول من لبى داعي عواطفه الشريفة، فشرف الاحتفال في منتصف الساعة التاسعة، حيث كان في استقباله عند باب الأوبرا الخديوية حضرات أعضاء الوفد المعين من قبل مجلس إدارة الجمعية الخيرية لذلك، وهم أصحاب السعادة والعزة أمين فكري باشا وحسن بك مدكور وأحمد فتحي بك زغلول وصابر بك صبري ومحمد بك راسم، وقد تفضل حفظه الله فدعا هذا الوفد للحظوة بمجلسه الشريف برهة من الزمن في البهو (الصالون) الكبير للأوبرا قبل افتتاح التمثيل، ولمثل ذلك في لوجه الخصوصي بعد افتتاحه إلى انقضاء الفصل الأول، وهو في هذا الزمن يستفهم عن أعمال الجمعية وأحوال مدارستها، وما خصصت نفسها له من الميراث والمعونات، فأفاده حضرات الأعضاء بما سر خاطره الشريف، وقد أظهر جميل انعطافه المشجع عليها وبقي حفظه الله حتى الساعة الحادية عشرة من الليل، ثم انثنى مظهرا حسن إعجابه من إتقان التمثيل الذي قام به جوق حضرة الفاضل الأديب الشيخ أبي خليل القباني في رواية «أنس الجليس » المشهورة. وكان حضرات أعضاء الوفد مودعين لجنابه العالي بمثل ما استقبلوه من مظاهر الإجلال والإعظام. وشرف الحفلة كذلك صاحب الدولة الغازي مختار باشا الذي زار حديقة الأزبكية وجال بين معالم الزينة مسرورا معجبا بما رأى، ثم توجه إلى الأوبرا الخديوية وحظي بالجلوس هنيهة في لوج الجناب العالي الخديوي، حيث كان موضع الإجلال والتكريم، ثم دولة البرنس محمد علي باشا شقيق الحضرة الخديوية الفخيمة، وقد حضر معها ثم لبث في لوج الخديوي الخصوصي بعد ذلك إلى الساعة الحادية عشرة. ثم صاحب الدولة الوزير الخطير رياض باشا، وقد دخل حديقة الأزبكية فأعجب كل الإعجاب بما جمعت من مظاهر الجلال والجمال، وما كان عليه الجمع الحافل من علامات السرور والابتهاج. ولقي من حضرات أعضاء الجمعية ما هو أهله من الإعظام والإكبار، كما تلقى حضراتهم من نصائحهم الحكيمة ما زاد في نفوسهم رسوخ حب الدأب على العمل والمثابرة على الاجتهاد في توسيع نطاقها الخيري وتعميم مبادئها الشريفة. وكذلك حضر الاحتفال كل ذي حيثية عظيمة وميل إلى نشر الفضيلة ومساعدة الفقراء من أمراء وذوات وكبار موظفين، ومن جميع طبقات الأمة والنزلاء على اختلاف شئونهم وحيثياتهم، بحيث كان الاحتفال يمثل الإخاء العام والصفاء المتبادل بين الجميع. أما الزينة في الحديقة فكانت أضعاف مثلها من كل عام مع ما عرف الناس من فخامة وبهاء احتفالاتها السابقة، فكانت الأنوار عشرات الألوف والرايات تخفق على كل أرجائها، والألعاب النارية بالغة حد الإتقان، والبحيرة بما اختلست من الأنوار المشرقة حولها كانت أشبه شيء بمنطقة البروج تمثلت على أقرب مسافة من البصر، والسرادقات مشرفة، ومورد عام لكل من قصدها مع حسن الوفادة وإكرامها. ومجامع المعاني تكاد تخطف حسن السمع لشدة ما أثر على النفوس حضرات المغنين المطربين عبده أفندي الحمولي ومحمد أفندي عثمان والشيخ يوسف المنيلاوي، ومجامع الألعاب والمزامير كانت مع حياطتها بالأدب العام أحسن ملهى لنفوس المتشوقين لها، وفي حديقة الأزبكية سيماوي إنكليزي برع في إتقان صناعته وغير ذلك مما يضيق نطاق الصحيفة عنه. وهكذا ظلت محال الاحتفال داخل الحديقة وخارجها نزهة النفوس والأبصار، وموضع إعجاب كل ناظر حتى الساعة الثانية بعد نصف الليل، ثم انصرفت الجموع تصافح بعضها بعضا قائلين «كل عام وأنتم بخير»، أعاده الله على الجميع عيدا يمثل المروءة الإنسانية عند كل سكان الديار المصرية لمثل هذا العمل المبرور.
جريدة المؤيد: 19 / 12 / 1897م
دعا وجهاء وأعيان المنصورة
47
جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني لتمثيل بعض الروايات الأدبية في مدينتهم، فأجاب دعاءهم؛ ولذلك قرر تمثيل رواية «إسكندر المقدوني» مساء الاثنين (غدا) ورواية «أسد الشرى» مساء الأربعاء الآتي؛ أي ليلة الخميس المقبلة، في التياترو المشهور هناك. ويمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني في كازينو حلوان هذا المساء رواية «ناكر الجميل»، ويتخلل الرواية فصل طرب من الست ملكة سرور، وتنتهي بفصل آخر كما هي العادة.
جريدة المؤيد: 21 / 12 / 1897م
جاءنا تلغراف من وكيلنا بالمنصورة أن جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني لم يمثل رواية «إسكندر المقدوني» فيها أمس لشدة انهمار المطر الليلة الماضية هناك، وسيمثلها الليلة، ويمثل غدا رواية «أسد الشرى».
جريدة المقطم: 23 / 12 / 1897م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «أسد الشرى» هذا المساء في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، وتختم بفصول طرب جديدة.
جريدة المؤيد: 23 / 12 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «أسد الشرى»، وهي الرواية الشهيرة ذات المناظر البديعة، وتطرب الحضور الست ملكة سرور في نهاية الرواية. ويمثل يوم الأحد في كازينو حلوان رواية «الخل الوفي»، ويتخلل الرواية كما يتلوها فصل طرب.
جريدة المؤيد: 25 / 12 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «أنس الجليس» الشهيرة، ويعقب التشخيص فصل طرب كالعادة.
جريدة المؤيد: 28 / 12 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الحاكم بأمر الله العباسي»، وهي رواية ذات مناظر جميلة، وتطرب الحضور عقب الرواية الست ملكة سرور.
جريدة المقطم: 30 / 12 / 1897م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية الملك «إسكندر المقدوني» في مرسحه بجوار محطة الترمواي العمومية، وتختم بفصول طرب جديدة.
جريدة المؤيد: 30 / 12 / 1897م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الملك إسكندر المقدوني»، ويعقب التشخيص فصل طرب من الست ملكة سرور كما هي العادة.
جريدة المقطم: 3 / 1 / 1898م
مثل البارحة جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «جميل وجميلة» في تياترو حلوان، وكان عدد الحاضرين كثيرا فسروا من جودة التمثيل وفصول الطرب وانصرفوا وهم يثنون ويشكرون.
جريدة المقطم: 5 / 1 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني مساء غد رواية من أشهر رواياته، وتختم بفصلي طرب.
جريدة المقطم: 8 / 1 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الأمير محمود» في مرسحه بجوار محطة الترمواي العمومية. ويمثل غدا رواية «ولادة بنت المستكفي» في كازينو حلوان، ويتخلل الروايتين فصول طرب.
جريدة الوطن: 10 / 1 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الكوكبين» الشهيرة هذا المساء، ويتخللها فصول أغان مطربة.
جريدة المقطم: 11 / 1 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «لباب الغرام» في مرسحه بجوار محطة الترمواي العمومية، ويتخللها فصول طرب جديدة.
جريدة المؤيد: 11 / 1 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني في هذا المساء رواية «لباب الغرام» الشهيرة، وتطرب الحضور بفصلي طرب كالعادة الست ملكة سرور.
جريدة المقطم: 12 / 1 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني في هذه الليلة رواية «أنس الجليس»، وهي رواية شعرية نثرية حكمية مشهورة بكثرة وقائعها وحسن مناظرها وبديع ألحانها. ويتخلل الرواية فصلا طرب تقوم بهما المطربة البارعة السيدة ملكة سرور. ويخصص دخلها لحضرات الممثلات البارعات مريم وهيلانة وحنينة سماط.
جريدة مصر: 12 / 1 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني في هذه الليلة رواية «أنس الجليس»، وهي رواية شعرية نثرية حكمية، مشهورة بكثر وقائعها وحسن مناظرها وبديع ألحانها. ويتخلل الرواية فصلا طرب تقوم بهما المطربة البارعة والقانونجية المشهورة السيدة ملكة سرور. ويخصص دخلها لحضرات الممثلات البارعات مريم وهيلانة وحنينة سماط، فنؤمل أن يكون الإقبال عظيما.
جريدة المقطم: 13 / 1 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة» في مرسحه بجوار محطة الترمواي العمومية، ويتخللها فصول طرب جديدة.
جريدة المقطم: 14 / 1 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «عائدة» الشهيرة في مرسحه بجوار حطة الترمواي العمومية، وتختم بفصلي طرب.
جريدة المقطم: 15 / 1 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الكوكبين» في مرسحه بجوار محطة الترمواي العمومية. ويمثل مساء الغد الرواية نفسها في تياترو حلوان، وتختمان بفصول طرب كالعادة .
جريدة البصير: 17 / 1 / 1898م (عود إلى التمثيل)
تقدم لي في هذا الموضوع كلام أوضحت فيه ما للتمثيل من علو المنزلة والاعتبار عند الأوروبيين؛ قياسا على أنه الأستاذ الأول الذي أرشد خطواتهم إلى طرق الإصلاح، والهادي الأكبر الذي هداهم سبل التقدم والفلاح. وأبنت فيه منزلة هذا الفن عندنا، وما هو عليه من التأخر والانحطاط، وعزوت ذلك إلى أسباب ثلاثة: أولها الحكومة، وثانيها الأجواق العربية نفسها، وثالثها مؤلفو الروايات ومعربوها. وتكلمت عن كل هذه الأسباب بالإيجاز، وأعيد الآن البحث فيها بأكثر إيضاح. أما الحكومة فلأنها أعطت هذا الفن الجليل كل الإهمال، وشحت على أربابه بقليل من كثير مما تنفق على الأجواق الأوروبية، فهي بذلك ملومة كل اللوم، بل لا أستحي إذا قلت إن عملها هذا يشينها ويحط كرامتها في أعين أبنائها فضلا عن الأجانب. وأما الأجواق العربية فلأن غالب الممثلين فيها من طبقة لا يفهمون معنى ما يحفظون؛ فلذلك يجيء تمثيلهم ناقصا، ولأن كثيرا من الروايات التي يمثلونها مكتوبة على نسق المقالات لا نسق الروايات، فتراها منسوجة بالسجع البارد المتكلف الذي يبعد التمثيل عن الشكل الطبيعي ويضيع تأثيره المقصود، ولأن مديري هذه الأجواق أكثرهم ممن لم يأخذوا هذا الفن عن أصله، بل اكتفوا بمزاولته بأنفسهم. والذي يسمعني أقول أجواق ومديرون يحسب أن بلادنا ملأى بهم، والحقيقة أن الموجود لدينا منهم ثلاثة أجواق: الجوق العربي المصري لإسكندر أفندي فرح ، وجوق الشيخ أبي خليل القباني، وجوق قرداحي أفندي. أما جوق قرداحي أفندي فمتجول في الأرياف ولا أعرفه، وما شهدت تمثيله مرة لأذكره بالحسنة أم بالسيئة. وأما جوق الشيخ أبي خليل فقد اشتهر بوجود السيدة ملكة سرور المطربة فيه أكثر من اشتهاره بالتمثيل، ولا أقصد بذلك الحط من مقام هذا الفاضل؛ فإني والله يعلم أحبه لأدبه ودماثة خلقه وأعتبره؛ لما أرى من اجتهاده وسعيه الدائم مع تقدم سنه في خدمة هذا الفن، ولا أنكر أن كثيرا من رواياته حسن المغازي أدبي النتائج، كان يمكن أن يؤثر في المشاهد التأثير المطلوب من اتباع الفضيلة واجتناب الرذيلة، لولا ما أنكره عليه من ضياع الفصاحة في أكثر هذه الروايات؛ فإنها مكتوبة بالعبارة الضعيفة والسجع المتكلف، ولا يخفى أن اللغة لها التأثير الأول على النفس، فلا تفعل حكمة باهرة في عبارة نافرة، ولا يؤثر الوعظ الشائق إلا في اللفظ الجزل الرائق، وفي قوله: «إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرا»، خير شاهد على ما نقول. أما جوق فرح أفندي فشهرته في أمرين: جودة الروايات وبراعة الممثلين، ومرجع هذين الأمرين إلى شخصين، هما: الشيخ نجيب الحداد أحسن المؤلفين في هذا الفن عندنا، والشيخ سلامة حجازي أبرع الممثلين وأفضل الموسيقيين فيه. غير أنه لا يمكننا أن نغض الطرف عن كثير من الروايات القديمة والحديثة التي نصيبها من الانتقاد نصيب روايات الشيخ أبي خليل، وآخر ما يعلق بالذهن من هذه الروايات رواية «السر المكنون» التي حضرت الفصل الثالث والرابع منها ليلة أمس؛ فهي وإن تكن من الروايات الحسنة الأصل إلا أن ترجمتها ضعيفة، وأكثر ما سمعته من نظمها ركيك، ولكن هذا لا يمنعني من الثناء على الشيخ سلامة حجازي (ابن الملك)، وقد جاء يطلب في الفصل الثالث من أبيه أن يعفو عن الفتاة التي صدر أمره بتقديمها ضحية على المذبح، فرفض أبوه، وبعد الرجاء الشديد أجابه إلى ملتمسه بشرط أن يقترن بالأميرة التي يريد تزويجه بها، وكان ابن الملك قد اقترن سرا بالفتاة التي يريدون تضحيتها، وهو لا يجسر أن يخبر أباه بذلك؛ لأنها ليست ابنة ملك نظيره، فلم يستطع تنفيذ طلب أبيه، وأصر هذا على تضحية الفتاة، فذهب الفتى بنفسه إلى الهيكل وهجم على الجنود والكهنة وهم يريدون ذبحها، وأراد تخليصها منهم، وإذا بالملك قد أقبل وهو يزبد من الغضب، فأخذ الفتى يستعطف أباه متضرعا متوسلا والملك يزداد إصرارا وغضبا، فتحول الفتى من الاستعطاف والتوسل إلى الطلب والإلحاح فالوعيد فالتهديد، وجرد سيفه في وجه أبيه، فرمى الملك سلاحه وفتح صدره لابنه، والفتى يرى من جهة مالكة قلبه تساق إلى الذبح ومن جهة أخرى أباه كاشفا صدره لوخذات حسامه، (وهنا نقطة التمثيل)، وأخيرا غلبت الأبوة على الغرام فسجد الفتى أمام أبيه وسلم سيفه، فأمر الملك بتقييده فقيدوه، وأوعز إلى الجنود بتقديم الذبيحة فهموا بها، فطار صواب الفتى وتملص من الجنود وهجم على الكهنة والقيد في يده ورجله وباح بسره وصاح: لا تفعلوا، لا تفعلوا؛ فذبيحتكم ليست بعذراء. وكانت العادة ألا يقدموا إلى الآلهة إلا البكر قربانا. هذا ما حضرت تمثيله من هذه الرواية، وقد استحق الشيخ كل الثناء بما مثل للأبصار من مدهشات الإبصار، ولكن من الأسف أن هذه الرواية ليست جيدة الإنشاء ولا جيدة النظم، ولا أقدر إلا أن ألوم مدير الجوق لتسليمه أدوارها وأدوار أخواتها إلى الممثلين قبل أن يعهد بها إلى من ينقحها ويكسو جمال معناها من جمال اللغة، مما يجعلها بكرا حسناء. بقي أن أذكر المؤلفين والمعربين، وسآتي على ذكر ذلك في فرصة أخرى، والآتي غير بعيد.
جريدة المقطم: 18 / 1 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «عنترة العبسي» في مرسحه بجوار محطة الترمواي العمومية، ويتخللها فصول طرب جديدة.
جريدة المقطم: 19 / 1 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «أسد الشرى» في مرسحه بجوار محطة الترمواي العمومية، ويخصص دخلها للمطربة السيدة ملكة سرور، ويتخللها فصول طرب جديدة.
جريدة المقطم: 20 / 1 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الملك إسكندر المقدوني» في مرسحه بجوار محطة الترمواي العمومية، ويتخللها فصول طرب جديدة.
جريدة المؤيد: 20 / 1 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الملك إسكندر المقدوني»، وهي من الروايات الشهيرة بحسن مناظرها وغرائب وقائعها، ويتخلل الرواية فصل طرب كما تنتهي بفصل آخر.
جريدة المقطم: 21 / 1 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «ناكر الجميل» في مرسحه بجوار محطة الترمواي العمومية. ويمثل غدا مساء في تياترو كازينو حلوان رواية «الأمير محمود»، ويتخللهما فصول طرب جديدة. وسيمثل في كليل ليلة من شهر رمضان ما عدا يوم الأحد.
جريدة المقطم: 22 / 1 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «ناكر الجميل» في مرسحه بجوار محطة الترمواي العمومية. ويمثل غدا مساء في تياترو حلوان رواية «الأمير محمود»، ويتخللها فصول طرب جديدة. وسيمثل في كل ليلة من شهر رمضان ما عدا يوم الأحد.
جريدة المقطم: 24 / 1 / 1898م
يوالي جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني التمثيل مساء كل يوم من شهر رمضان في مرسحه حسب عادته كل عام ما عدا مساء الأحد من كل أسبوع؛ فإن التمثيل فيه يكون في تياترو حلوان.
جريدة المقطم: 25 / 1 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الحاكم بأمر الله العباسي» هذا المساء في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، ويتخللها فصول طرب جديدة.
جريدة المؤيد: 25 / 1 / 1898م
يوالي جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل التمثيل كل ليلة مدة شهر رمضان المبارك في تياترو سوق الخضار الجديد ما عدا ليلة الاثنين فإنه يمثل في كازينو حلوان. وفي هذا المساء يمثل رواية «الحاكم بأمر الله العباسي»، وهي من أبهج الروايات التاريخية الأدبية، وتطرب الجمهور في خلال وعقب التمثيل حضرة المغنية المشهورة الست ملكة سرور.
جريدة المقطم: 26 / 1 / 1898م
يمثل جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الكوكبين» هذا المساء في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، ويتخللها فصول طرب جديدة.
جريدة المقطم: 27 / 1 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة» هذا المساء في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، ويتخللها فصول طرب جديدة.
جريدة المؤيد: 27 / 1 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «عاقبة الصيانة»، وهي الرواية الشهيرة بحسن وقائعها الأدبية، وتطرب الحضور كالعادة الست ملكة سرور.
جريدة المقطم: 28 / 1 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أبي خليل القباني رواية «قوت القلوب مع غانم بن أيوب» هذا المساء في مرسحه، ويتخللها فصول طرب جديدة.
جريدة المقطم: 29 / 1 / 1898م
يمثل جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الانتقام» هذا المساء في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، ويمثل غدا مساء في تياترو كازينو حلوان رواية «أنس الجليس»، ويتخللها فصول طرب جديدة.
جريدة المؤيد: 29 / 1 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الانتقام»، ويتخلل الرواية فصول طرب كما هي العادة في كل ليلة. ويمثل غدا في كازينو حلوان رواية «أنس الجليس»، وهي رواية غرامية أدبية تاريخية، وستطرب الحضور الست ملكة سرور.
جريدة المقطم: 31 / 1 / 1898م
يمثل جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الأمير محمود» هذا المساء في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، ويتخللها فصول طرب جديدة.
جريدة المقطم: 1 / 2 / 1898م
يمثل جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «لباب الغرام» هذا المساء في مرسحه، ويتخللها فصول طرب جديدة.
جريدة المؤيد: 1 / 2 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «لباب الغرام»، ويتخلل الرواية فصول طرب كما هي العادة في كل ليلة.
جريدة المقطم: 3 / 2 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الملك إسكندر المقدوني» هذا المساء في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، ويتخللها فصول طرب جديدة.
جريدة المقطم: 4 / 2 / 1898م
يمثل جوق الشيخ أبي خليل القباني يوم الأحد في تياترو حلوان رواية من رواياته، وتطرب السيدة ملكة سرور مع جوقتها الجمهور.
جريدة المقطم: 5 / 2 / 1898م
تمثل رواية «عايدة الشهيرة» هذا المساء في تياترو حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني قرب محطة الترمواي العمومية، ويتخللها فصل طرب.
جريدة المقطم: 5 / 2 / 1898م
يمثل غدا جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني في تياترو حلوان إحدى رواياته، ويتخللها فصول طرب، وتختم كذلك.
جريدة المقطم: 6 / 2 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أبي خليل القباني رواية «جميل وجميلة» هذا المساء في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، ويتخللها فصول طرب جديدة.
جريدة المقطم: 7 / 2 / 1898م
مثل جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الانتقام» البارحة في تياترو حلوان، وتخللها وختمت بفصول طرب جميلة.
جريدة المقطم: 7 / 2 / 1898م
يمثل جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «جميل وجميلة» هذا المساء في مرسحه، ويتخللها فصول طرب جديدة.
جريدة المقطم: 8 / 2 / 1898م
يمثل جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «عنترة العبسي» هذا المساء في مرسحه، ويتخللها فصول طرب.
جريدة المؤيد: 8 / 2 / 1898م
يمثل هذه الليلة جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «عنتر» الشهيرة، التي يعلم الكل عظم موقعها حماسا وغراما وأدبا، وسيتخللها فصول طرب للغاية تشنف الأسماع الست ملكة سرور بحسن نغمتها الذي تصبو إليه القلوب وتستطيبه الأسماع. فنحث الأدباء على الإقبال عليها.
جريدة المقطم: 9 / 2 / 1898م
يمثل جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «أسد الشرى» هذا المساء في مرسحه بجوار محطة الترمواي العمومية، ويتخللها فصول طرب.
جريدة المقطم: 10 / 2 / 1898م
يمثل جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «السلطان حسن» هذا المساء في مرسحه، ويتخللها فصول طرب جديدة.
جريدة المؤيد: 10 / 2 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «السلطان حسن»، وهي من الروايات الشهيرة بحسن مناظرها، وستطرب الحضور الست ملكة سرور كما هي العادة كل ليلة.
جريدة المقطم: 11 / 2 / 1898م
يمثل جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الحاكم بأمر الله العباسي» هذا المساء في مرسحه، ويتخللها فصول طرب جديدة.
جريدة المقطم: 12 / 2 / 1898م
يمثل غدا جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني في تياترو حلوان رواية «أسد الشرى»، ويتخللها فصول طرب.
جريدة المؤيد: 12 / 2 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الكوكبين»، ويتخلل فصولها أدوار طرب مهمة.
جريدة المقطم: 14 / 2 / 1898م
يمثل جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «أنس الجليس» هذا المساء في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، ويتخللها فصول طرب.
جريدة المؤيد: 14 / 2 / 1898م
في هذا المساء يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «أنس الجليس» الشهيرة ذات المناظر الجميلة، وتطرب الحضور بفصلي طرب الست ملكة سرور.
جريدة المقطم: 16 / 2 / 1898م
يمثل جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية من أهم رواياته هذا المساء في مرسحه، ويتخللها فصول طرب.
جريدة المقطم: 19 / 2 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة» هذا المساء في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية. ويمثل غدا مساء في تياترو كازينو حلوان رواية من أهم رواياته، ويتخللها فصول طرب.
جريدة المؤيد: 19 / 2 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء في مرسحه رواية «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة»، وهي رواية أدبية غرامية وعظية، تمثل للإنسان تبعة الخيانة التي تؤدي بصاحبها إلى قتل نفسه بيده الظالمة، وعاقبة الصيانة التي ترفع صاحبها إلى أعلى مكانة، وبالجملة فهي رواية تهذيبية حكمية يجدر بكل إنسان مشاهدتها. وتطرب الجمهور في وسط الرواية وفي آخرها بصوتها الرخيم الست ملكة سرور.
جريدة المؤيد: 20 / 2 / 1898م
مثل أمس جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «عاقبة الصيانة»، فغص المرسح بالحضور، وكان الاستحسان عاما من الجمهور لتشخيص هذه الرواية التهذيبية، وما بذلته الست ملكة سرور من دواعي الأنس والحبور. وسيمثل مساء اليوم في كازينو حلوان «السلطان حسن»، ويتخللها فصول طرب، وقد عزم حضرة الفاضل مدير الجوق على أن يمثل في أيام العيد كل يوم كما هي عادته، فيبتدئ في ليلة الثلاثاء غرة شوال برواية «الكوكبين»، وليلة الأربعاء 2 منه رواية «عنترة العبسي»، وليلة الخميس 3 منه رواية «السلطان حسن»، وليلة الجمعة 4 منه «أنس الجليس»، وكل هذه الروايات من أفضل وأحسن الروايات التي ينبغي على الإنسان مشاهدتها لما فيها من الحكم البديعة والمواعظ الأدبية. وفضلا عن هذا وذلك ستطرب الحضور في كل ليلة بصوتها الرخيم حضرة الموسيقية الماهرة الست ملكة سرور. والأمل أن يكون الإقبال في هذه الليالي على هذا الجوق عظيما جدا كما هو المعتاد في مثل هذه الأيام.
جريدة المقطم: 21 / 2 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الكوكبين» هذا المساء، وفي مساء غد رواية «عنترة العبسي» في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، ويتخللها فصول طرب.
جريدة المقطم: 26 / 2 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الملك إسكندر المقدوني» هذا المساء في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، ويتخللها فصول طرب.
جريدة المقطم: 2 / 3 / 1898م
يمثل جوق أحمد أبي خليل القباني رواية «الملك إسكندر المقدوني» هذا المساء في مرسحه، ويتخللها فصول طرب جديدة.
جريدة المؤيد: 7 / 3 / 1898م
أسلفنا أن حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبا خليل القباني قرر استراحة جوقه من التمثيل مدة أسبوع، أو ما حوالي ذلك؛ ليسترجع إليه نشاطه بعد مداومة التمثيل مدة شهر رمضان وأيام العيد كل ليلة، وهو الآن يعلن العموم أنه سيشرع في التمثيل بعد هذه الفترة القصيرة ليلة الجمعة المقبلة، ومما يسرهم أنه أعد بعض روايات جديدة مفيدة لم يسبق تمثيلها، فلا بد أن يلاقي من أميال أنصار الأدب عليه ما يزيده نشاطا وتقدما ونجاحا.
جريدة المقطم: 10 / 3 / 1898م
يمثل جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «السلطان حسن» بمرسحه بجوار محطة الترمواي، ويعقب الرواية فصل مضحك جدا.
جريدة المؤيد: 10 / 3 / 1898م
يبتدئ التمثيل برواياته الأدبية حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء برواية «السلطان حسن»، وهي الرواية التي اشتهرت بدقة معناها وحسن مبناها، فضلا عن جمال مناظرها وغرائب وقائعها، فالأمل من محبي الآداب الإقبال على هذا الجوق تعضيدا لهذا الفن الجميل.
جريدة المؤيد: 12 / 3 / 1898م
في هذا المساء يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «إسكندر المقدوني»، وهي الرواية الجميلة المناظر المفيدة في مواضيعها التاريخية والأدبية، فنحث القراء على الإقبال عليها للتمتع بحسن روائها والاستفادة من آدابها.
جريدة المقطم: 15 / 3 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة» بمرسحه بجوار محطة الترمواي العمومية، ويعقب الرواية فصل مضحك جدا.
جريدة المقطم: 17 / 3 / 1898م
يمثل جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «أنس الجليس» بمرسحه بجوار محطة الترمواي العمومية، ويعقب الرواية فصل مضحك جدا، ويمثل ليلة الأحد رواية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس».
جريدة المؤيد: 17 / 3 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني في مساء اليوم رواية «أنس الجليس» الشهيرة بمناظرها البديعة ووقائعها الغريبة، وفي مساء الأحد المقبل يمثل رواية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس»، وهي رواية جديدة لم يسبق لها تمثيل على المراسح العربية. فنحث محبي الأدب الإقبال عليها.
جريدة المؤيد: 18 / 3 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس»، وهي رواية جديدة لم يسبق لها تمثيل على المراسح العربية، والمأمول أن يقبل نصراء الأدب على هذه الليلة ترويحا لأنفسهم وتشجيعا للقائمين بنصرة الآداب.
جريدة المؤيد: 21 / 3 / 1898م
ازدحم أمس تياترو حضرة الشيخ أبي خليل القباني ازدحاما كبيرا إقبالا على رؤية رواية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس»، وكانت مناظرها في غاية الإتقان، وموضوعها مفيدا جدا، وأسلوبها رائقا، وقد أجاد الممثلون بما أدهش النفوس والأنظار تأثيرا وحسنا، ولا سيما حضرة الممثل البارع أحمد أفندي أبو العدل الذي كان يمثل دور «أبو نويرة» مظهرا المروءة والشهامة في تربية الأمير هجرس الذي قتل والده كليبا غدرا بواسطة خاله طمعا في الإمارة متذرعا إلى ذلك بدسائس «بسوس» المحتالة. وبالجملة فإنها كانت رواية آخذة بالنفوس والأبصار في موضوعها ومناظرها، وخرج الناس يتمنون لو تعاد هذه الرواية كل ليلة.
جريدة المقطم: 22 / 3 / 1898م
يمثل جوق حضرة الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الكوكبين» هذا المساء في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، ويعقب الرواية فصل مضحك جدا.
جريدة المؤيد: 22 / 3 / 1898م
في مساء هذا اليوم يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل رواية «الكوكبين»، وهي الرواية الشهيرة بحسن مناظرها وسلامة عباراتها، وتختم بفصل مضحك للغاية. فنحث الجمهور على مشاهدتها.
جريدة المقطم: 26 / 3 / 1898م
يمثل جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «أسد الشرى» هذا المساء، ويعقب الرواية فصل مضحك.
جريدة المقطم: 29 / 3 / 1898م
يمثل جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الانتقام» المشهورة بحسن مناظرها هذا المساء، ويعقب الرواية فصل مضحك.
جريدة المؤيد: 29 / 3 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الانتقام» في هذا المساء، وهي ذات خمسة فصول بمناظر جميلة تليق بمحبي هذا الفن، والراغبين في تنشيطه الإقبال عليها.
جريدة المقطم: 31 / 3 / 1898م
يمثل جوق حضرة الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «عنترة العبسي» المشهورة بحسن مناظرها هذا المساء، ويعقب الرواية فصل مضحك.
جريدة المؤيد: 31 / 3 / 1898م
في هذا المساء يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «عنترة العبسي»، وشهرة هذه الرواية غنية عن بيانها. فنحث الجمهور على مشاهدتها.
جريدة المقطم: 2 / 4 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني مساء اليوم رواية «البخيل»، وهي هزلية جديدة لم تمثل قبلا، ألفها حضرة الكاتب البارع الشيخ نجيب الحداد، وتختم بفصل بانتوميم مضحك جدا. ويمثل مساء غد رواية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس».
جريدة المقطم: 9 / 4 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس» هذا المساء، ويعقبها فصل مضحك. ويمثل غدا مساء رواية «البخيل» في تياترو كازينو حلوان، ويعقبها فصل مضحك.
جريدة المقطم: 13 / 4 / 1898م
تمثل رواية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس» مساء اليوم في تياترو حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني، ويخصص دخلها لممثلات جوقه الماهرات، وستكون ليلة بديعة في بابها يظهر فيها ممثلو الجوق كل براعة وإتقان.
جريدة الأخبار: 13 / 4 / 1898م
ليلة غد يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «البخيل» لمعربها الشاعر الفاضل والكاتب المجيد الشيخ نجيب الحداد، والليلة خصوصية. أما الرواية فمشهورة بحسن السبك ورقة الكتابة، وخير القول في معرض الهزل المضحك المطرب، فنحث كل أديب ومتفكه على حضور هذه الرواية الجميلة التي لم يمثل نظيرها في العربية.
جريدة المقطم: 13 / 4 / 1898م
يمثل جوق الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني مساء الخميس غدا رواية «البخيل» المشهورة بحسن فصولها ولطف نكاتها، ويكفيها مدحا أنها من قلم حضرة الناظم الناثر المتفنن الشيخ نجيب حداد. فنحث الجمهور على مشاهدة تمثيلها والتمتع بمحاسنها.
جريدة المؤيد: 21 / 4 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس»، وهي الرواية التي اشتهرت بحسن مناظرها وتأثير وقائعها في النفوس، ويخصص دخلها لحضرات الممثلين، فلا غرو إذا أقبل عليها العموم تنشيطا للقائمين بهذا الفن الجميل وترويحا لأنفسهم.
جريدة المؤيد: 24 / 4 / 1898م
يمثل في هذا المساء جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الملك متريدات» الشهيرة بحسن المناظر. فنرجو من محبي الأدب مشاهدة هذه الرواية تعضيدا لهذا الفن الجميل.
جريدة المقطم: 26 / 4 / 1898م
يمثل جوق الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «لباب الغرام» هذا المساء في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، ويعقبها فصل مضحك جدا.
جريدة المؤيد: 28 / 4 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة»، وهي الرواية الشهيرة بحسن مناظرها وتأثير وقائعها، وقد عزم حضرته على تمثيل رواياته البهية في جميع أيام العيد السعيد، فيبتدئ برواية «أنس الجليس» ثم «اللقاء المأنوس» ف «البخيل» ف «إسكندر المقدوني»، والمأمول أن يكون الإقبال عظيما.
جريدة المقطم: 5 / 5 / 1898م
يمثل جوق الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «أسد الشرى» المشهورة بحسن مناظرها هذا المساء في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، ويعقبها فصل مضحك.
جريدة المقطم: 7 / 5 / 1898م
تمثل رواية «السلطان حسن» هذا المساء في تياترو الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني، وهي بديعة المناظر جدا، تتنكر فيها إحدى الممثلات فتظهر الشهامة العربية، ويبدي السلطان حسن من المروءة والوفاء ما يدل على أنفة العرب وترفعهم عما يشين، وتختم الرواية بفصل مضحك.
جريدة المقطم: 11 / 5 / 1898م
يمثل جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الانتقام» المشهورة بحسن مناظرها هذا المساء في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية.
جريدة مصر: 11 / 5 / 1898م
يمثل في هذه الليلة جوق حضرة الأديب أبي خليل القباني رواية «الانتقام » المشهورة في مرسحه الكائن بين محطة الترمواي وسوق الخضار الجديد، وهي رواية تعرف بكثرة المناظر وجمالها، والنكات الأدبية. فنحث محبي الأدب عموما على حضور هذه الليلة لما اشتهر به هذا الجوق من الانتظام وممثلو رواياته من البراعة. والليلة فضلا عما ستكون عليه من البهجة فإن دخلها مخصص لعائلة فقيرة يحسن بأولي البر والإحسان أن يمدوا إليها أيدي الإسعاف، وللمحسنين أجر عظيم.
جريدة المؤيد: 12 / 5 / 1898م
يمثل في مساء هذه الليلة جوقة حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «أنس الجليس»، وهي الرواية الشهيرة بحسن مناظرها، ويعقب التمثيل فصل مضحك للغاية، فنحث الجمهور على مشاهدتها.
جريدة المقطم: 14 / 5 / 1898م
يمثل جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «البخيل» المشهورة بحسن مناظرها هذا المساء في مرسحه، ويعقبها فصل مضحك.
جريدة المؤيد: 14 / 5 / 1898م
سيكون في ليلة الأحد المقبلة الموافقة 21 مايو في تياترو حضرة الشيخ أبي خليل القباني تمثيل رواية «أنس الجليس» الشهيرة، وهي ليلة خيرية يخصص إيرادها لعائلة تستحق الإعانة. وسيطرب الحضور على تخته المشهور حضرة المطرب الشهير إبراهيم أفندي القباني.
48
وتباع التذاكر من الآن بدكان حضرة عبد الله أفندي شوقي الدخاخني بشارع محمد علي. فنرجو من محبي الخير الإقبال على هذه الليلة، ويكون لهم الأجر الجزيل والثناء الجميل.
جريدة الأخبار: 17 / 5 / 1898م
سيمثل في مساء السبت القادم في مرسح حضرة الفاضل أبي خليل القباني رواية «أنس الجليس» المشهورة بلطافة مناظرها ورقة ألحانها، وسيطرب الحضور في تلك الليلة حضرة المطرب المبدع إبراهيم أفندي القباني، ويخصص دخلها لبعض أعمال الخير والبر. فنحث القراء على حضورها.
جريدة المقطم: 24 / 5 / 1898م
يمثل جوق الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «لباب الغرام» هذا المساء في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، ويعقبها فصل مضحك.
جريدة المؤيد: 28 / 5 / 1898م
سيمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني ليلة الجمعة الآتية رواية «السلطان حسن» الشهيرة، ويطرب الجمهور ليلتئذ على تخته المشهور المطرب المتفنن أحمد أفندي فريد، وإيراد هذه الرواية سيخصص لبعض وجوه البر. فنحث جمهور الأدباء ومحبي الخير على تعضيد هذه الليلة تحقيقا لمقصدها الشريف . والتذاكر تباع كل ليلة تشخيص على شباك التياترو المذكور.
جريدة المؤيد: 4 / 6 / 1898م
يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «أسد الشرى» الشهيرة.
جريدة المؤيد: 5 / 6 / 1898م
ستكون ليلة الأربعاء المقبلة من أبهج ليالي السرور في تياترو الشيخ أبي خليل قباني؛ إذ يمثل به رواية «الكوكبين» الشهيرة، ويطرب الحضور في خلال فصولها حضرة المغني الشهير صالح العوام العربي، وهي ليلة خصوصية لإحدى العائلات. فنحث محبي الأدب على الحضور لمشاهدتها مساعدة لفعل الخير وترويحا لأفكارهم وتشنيفا لآذانهم.
جريدة الأخبار: 7 / 6 / 1898م
تمثل في هذا المساء رواية جميلة في تياترو الشيخ أبي خليل القباني، ويخصص دخلها لعائلة فقيرة، فحضورها مزدوج المنفعة وترويحا للنفس ومساعدة على الخير.
جريدة المؤيد: 7 / 6 / 1898م
نذكر حضرات الأدباء أنه في مساء هذا اليوم سيمثل جوق حضرة الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الكوكبين» الشهيرة، ويتخلل فصولها فصول طرب من حضرة المغني الشهير الشيخ صالح العوام العربي، وهي ليلة خيرية يخصص إيرادها لإحدى العائلات الفقيرة، فعلى محبي الخير والأدب الإقبال عليها.
جريدة المؤيد: 16 / 6 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «البخيل» تأليف حضرة الكاتب المجيد نجيب أفندي حداد، وهي ليلة خصوصية لبعض الممثلين، والمأمول أن يكون الإقبال عليها عظيما.
جريدة المقطم: 21 / 6 / 1898م
يشاهد مساء اليوم تمثيل رواية «حرب البسوس»
49
في تياترو الشيخ أحمد أبي خليل القباني، فتظهر ممثلات الجوق كل مهارتهن؛ لأن دخل الليلة خاص بهن، وحادثة الرواية صحيحة تبدو فيها شهامة العرب ومروءتهم، وتمثل هيئة أمرائهم وندمائهم، ويعقبها فصل مضحك. فنحث الجمهور على مشاهدتها.
جريدة الأخبار: 21 / 6 / 1898م
يمثل في هذا المساء جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «حرب البسوس» الشهيرة، والليلة غير اعتيادية، يخصص دخلها بحضرة الستات مريم وهيلانة وحنينة سماط، ثم يعقب الرواية فصل هزلي، فيجدر بكل متنزه حضور هذه الليلة الجميلة.
جريدة مصر: 21 / 6 / 1898م
يمثل في هذه الليلة جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «حرب البسوس» الشهيرة، وقد خصص دخلها للممثلات مريم وهيلانة وحنينة سماط. فنحث الأدباء على الإقبال عليه تعضيدا وتنشيطا له.
جريدة المقطم: 21 / 6 / 1898م
يشاهد مساء اليوم رواية «حرب البسوس» في تياترو حضرة الشيخ أحمد أبي خليل القباني، فتظهر ممثلات الجوق كل مهارتهن؛ فإن دخل الليلة خاص بهن. وحادثة الرواية صحيحة تبدو فيها شهامة العرب ومروءتهم، تمثل هيئة أمرائهم وندمائهم، ويعقبها فصل مضحك. فنحث الجمهور على مشاهدتها.
جريدة مصر: 30 / 6 / 1898م
سيمثل في هذا المساء جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني رواية «الأمير محمود نجل شاه العجم»، وقد خصص دخلها لأحد الممثلين. فنحث الأدباء على الإقبال على هذا الجوق تعضيدا وتنشيطا له.
جريدة المقطم: 2 / 7 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس» في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، ويعقبها فصل مضحك.
جريدة المقطم: 3 / 7 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس» في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، ويعقبها فصل مضحك.
جريدة المقطم: 5 / 7 / 1898م
تمثل رواية «إسكندر المقدوني» هذا المساء في تياترو حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني قرب محطة الترمواي، ويتخللها فصول طرب يقوم بها حضرة المطرب الشهير داود أفندي حسني.
50
ثم يخطب أديب في الآداب العمومية بمصر، ويظهر لمبذري المال عاقبة إسرافهم، ويكون كلامه باللغة العامة، ويعطى دخل الليلة لعائلة أخنى عليها الدهر.
جريدة المؤيد: 12 / 8 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب سليمان أفندي القرداحي
51
بتياترو الشيخ أبي خليل القباني رواية «انتصار اليهود على هامان الجحود» في هذا المساء، وسيقوم بأهم أدوارها حضرة رئيس الجوق. فنحث الجمهور على مشاهدة مناظر هذه الرواية التي يدل عنوانها على فوائد موضوعها.
جريدة المقطم: 12 / 9 / 1898م
يبدأ جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني بتمثيل رواياته مساء الخميس المقبل، فيمثل رواية «مكايد الغرام»، وهي جديدة لم تمثل قبلا، وتختتمها جوقة من المطربات بأغان شجية.
جريدة المؤيد: 13 / 9 / 1898م
ستبتدئ جوقة حضرة الممثل الشهير والموسيقي المتفنن الشيخ أبي خليل القباني في تمثيل رواياتها الأدبية من ليلة الجمعة المقبلة؛ حيث تمثل رواية «مكايد الغرام»، ويتخلل التمثيل فصل طرب من جوقة مغنيات متقنات أحضرهن حديثا حضرة مدير الجوق من سوريا. فنحث قراء المؤيد على مساعدة هذا الفن الجليل مع أقدم الممثلين في الديار المصرية والسورية.
جريدة المقطم: 15 / 9 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «مكايد الغرام»، وهي رواية لم يسبق تمثيلها، وتختم بفصول أغان مطربة.
جريدة المؤيد: 15 / 9 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني مساء هذا اليوم في مرسحه الكائن أمام سوق الخضار رواية «مكائد الغرام»، وهي رواية جديدة لم يسبق لها تمثيل في المراسح العربية، ويتخلل فصولها فصول طرب تقوم به الجوقة الحديثة التي أحضرها من سوريا حديثا. فنحث محبي الآداب على مشاهدتها.
جريدة المقطم: 17 / 9 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «إسكندر المقدوني» في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، وتختم بفصول أغان مطربة.
جريدة المؤيد: 17 / 9 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني مساء هذا اليوم في مرسحه الكائن أمام سوق الخضار رواية «الملك إسكندر المقدوني»، وهي رواية أدبية غرامية حماسية، وتتخللها فصول طرب تقوم بها الجوقة التي أحضرها من سوريا. فنحث محبي الآداب على مشاهدتها.
جريدة المقطم: 20 / 9 / 1898م
يمثل جوق حضرة الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الكوكبين» ذات المناظر البديعة في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، وتختتم بفصول أغان مطربة.
جريدة المؤيد: 20 / 9 / 1898م
يمثل جوق حضرة البارع الشيخ أحمد أبي خليل القباني مساء اليوم رواية «الكوكبين» ذات خمسة فصول، وهي رواية أدبية غرامية، وعقب فصولها تطرب الحضور جوقة الحسان المطربات التي استحضرها من سوريا حديثا.
جريدة المؤيد: 22 / 9 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «أنس الجليس» الشهيرة بحسن مناظرها وغريب وقائعها، ويعقب التمثيل فصل طرب تقوم به جوقة المطربات الحسان كما هي العادة.
جريدة المقطم: 24 / 9 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «مكايد الغرام» في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، وتختم بفصول أغان مطربة.
جريدة المؤيد: 24 / 9 / 1898م
يمثل جوق حضرة البارع الشيخ أحمد أبي خليل مساء اليوم رواية «مكايد الغرام»، وهي رواية جديدة شعرية نثرية، وتختم الرواية بفصل طرب جميل.
جريدة المقطم: 27 / 9 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الأمير محمود» في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، وتختم بفصول أغان مطربة.
جريدة المؤيد: 27 / 9 / 1898م
يمثل جوق حضرة البارع الشيخ أحمد أبي خليل القباني مساء اليوم رواية «الأمير محمود»، وهي رواية شعرية نثرية أدبية غرامية ذات فصول ست، ويطرب الحضور بعد انتهاء الرواية المطربات الحسان.
جريدة المقطم: 29 / 9 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «ناكر الجميل» في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، وتختم بفصول أغان مطربة.
جريدة المؤيد: 29 / 9 / 1898م
يمثل جوق حضرة البارع الشيخ أحمد أبي خليل القباني مساء اليوم رواية «ناكر الجميل»، وهي رواية شعرية نثرية أدبية ذات فصول خمسة، وتطرب الحضور جوقة الحسان المطربات بعد انتهاء الرواية.
جريدة المؤيد: 1 / 10 / 1898م
في هذا المساء يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «عنترة العبسي»، ولا حاجة بنا للإطناب فيما تحتويه هذه الرواية من حسن المناظر وغريب الوقائع، وهي على ما حازته من إقبال العموم عليها ستختم بفصل طرب كالمعتاد.
جريدة المقطم: 4 / 10 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «أسد الشرى»، وتختم بفصول أغان مطربة.
جريدة المؤيد: 4 / 10 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «أسد الشرى»، وهي رواية أدبية نثرية غرامية حماسية، ولا حاجة للإطناب بما حوته هذه الرواية من حسن المناظر ورشاقة المعنى، وتختم بفصل طرب كالمعتاد.
جريدة المؤيد: 6 / 10 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «السلطان حسن» الشهيرة، وهي رواية أدبية غرامية تاريخية ذات مناظر بديعة ووقائع غريبة، وتختم بفصول طرب كالعادة، والمأمول أن يكون الإقبال عليها عظيما.
جريدة المؤيد: 8 / 10 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني في هذا المساء رواية «مكايد الغرام»، وهي الرواية الشهيرة التي حازت القبول لدى حضرات الأدباء، وفضلا عن ذلك فهي نثرية شعرية غرامية، وتختم بفصل طرب كالعادة، والمأمول يكون الإقبال عليها عظيما.
جريدة المؤيد: 11 / 10 / 1898م
انتدبت مصلحة سكة حديد حلوان حضرة الشيخ الفاضل أحمد أبا خليل القباني لتمثيل رواياته في كازينو حلوان كل يوم أحد مدة فصل الشتاء، وسيبتدئ التمثيل هناك من يوم الأحد القادم، ويعقب التمثيل فصل طرب من جوقة المطربات الحسان التي أحضرها حديثا من سوريا، فلا غرو إذا أقبل عليه أهالي مدينة حلوان كما عودوه في الشتاء الماضي. وسيمثل مساء هذا اليوم في جوقه المعتاد رواية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس»، وهي الرواية التي حازت رضاء العموم، وتختم بفصل طرب كالعادة. والتمثيل سيكون بمصر في كل ليلة جمعة وليلة أحد وليلة أربعاء كالمعتاد.
جريدة المقطم: 11 / 10 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس»، وتختم بفصول أغان مطربة.
جريدة المؤيد: 13 / 10 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «لوسيا»، وهي رواية جديدة لم يسبق لها تمثيل في المراسح العربية، من تأليف حضرة الأديب «نقولا أفندي حداد»،
52
ويعقب التمثيل فصل طرب تقوم به جوقة المطربات الحسان. فنرجو من محبي الآداب الإقبال عليها ترويحا لنفوسهم وانشراحا لخواطرهم.
جريدة المؤيد: 15 / 10 / 1898م
مثل يوم الخميس الماضي جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «لوسيا» الجديدة، فغص التياترو بالحضور الذين أثنوا على المشخصين والمشخصات لإتقان أدوارهم، وفي هذا المساء يمثل رواية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس»، ويعقب التمثيل فصل طرب كالعادة، والمأمول أن يكون الإقبال عظيما.
جريدة المقطم: 15 / 10 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس» في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية. ويمثل غدا مساء في كازينو حلوان رواية «مكايد الغرام»، وتختمان بفصول أغان مطربة.
جريدة المقطم: 18 / 10 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خيل القباني هذا المساء رواية «الأمير محمود»، وتختم بفصول أغان مطربة.
جريدة المؤيد: 18 / 10 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني في هذا المساء رواية «الأمير محمود» الشهيرة بحسن مناظرها، وهي رواية أدبية غرامية شعرية، وتختم بفصل طرب كالعادة. فالأمل أن يكون الإقبال عليها عظيما.
جريدة المقطم: 20 / 10 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «لوسيا»، وهي رواية جديدة، وتختم بفصول أغان مطربة.
جريدة المؤيد: 20 / 10 / 1898م
في هذا المساء، يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني بناء على طلب الجمهور رواية «لوسيا»، وهي الرواية الحديثة التي مثلت مرة واحدة فكان لها الوقع الحسن في النفوس من حيث موضوعها وعذوبة ألفاظها وجميل مناظرها مع حسن التمثيل، وتختم بفصل طرب جميل تقوم به جوقة المطربات الحسان. فنحث الأدباء على مشاهدتها ترويحا لنفوسهم وتشنيفا لمسامعهم كما هو المأمول.
جريدة المؤيد: 22 / 10 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الكوكبين» الشهيرة بحسن مناظرها، ويعقب التشخيص فصل طرب كالعادة في كل ليلة.
جريدة المقطم: 22 / 10 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الكوكبين» في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية. ويمثل غدا مساء رواية «لوسيا» وهي رواية جديدة في كازينو حلوان، وتختمان بفصول أغان مطربة.
جريدة المقطم: 25 / 10 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الملك إسكندر المقدوني»، وتختم بفصول أغان مطربة.
جريدة المؤيد: 25 / 10 / 1898م
في هذا المساء يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «إسكندر المقدوني»، وهي الرواية البديعة ذات المناظر العجيبة والوقائع المدهشة الغريبة، وفي حسن رونقها ما يغني عن مدحها، وتختم بفصل طرب كالعادة. فنرجو أن يكون الإقبال عليها عظيما تعضيدا للآداب والقائمين بها.
جريدة المؤيد: 27 / 10 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني مساء اليوم رواية «أنس الجليس»، وهي الرواية التي اشتهرت بحسن مناظرها وجمال وقائعها، وهي تأليف حضرة الفاضل مدير الجوق، ولا حاجة للإطناب فيما تحويه هذه الرواية، فشهرتها تغني عن الوصف، وتختم بفصل طرب كالمعتاد، والمأمول أن يكون الإقبال عظيما عليها من محبي الآداب وترويحا للنفس.
جريدة المقطم: 29 / 10 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «البخيل»، وتختم بفصول أغان مطربة.
جريدة المؤيد: 29 / 10 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني في هذا المساء رواية «البخيل» المشهورة بحسن نسقها وبديع مناظرها، وتختم بفصل طرب كالعادة مما يدعو لإقبال الأدباء.
جريدة المؤيد: 30 / 10 / 1898م
لا يمثل جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني في هذا المساء في كازينو حلوان بسبب تصليح فيه.
جريدة المقطم: 1 / 11 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الحاكم بأمر الله»، وتختم بفصول أغان مطربة.
جريدة المؤيد: 1 / 11 / 1898م
يمثل جوق حضرة البارع الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني مساء الليلة بمرسحه الكائن بسوق الخضار رواية «الحاكم بأمر الله العباسي»، وهي رواية أدبية شعرية غرامية ذات مناظر رائقة ومعان شائقة، وبعد انتهائها تطرب الجمهور جوقة المطربات الحسان. فالرجاء من محبي الآداب الإقبال عليها.
جريدة المقطم: 3 / 11 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «مكايد الغرام»، ويعقبها فصل طرب.
جريدة المؤيد: 3 / 11 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «مكايد الغرام»، وهي رواية أدبية غرامية ذات خمسة فصول، ويعقب التمثيل فصل طرب كالمعتاد.
جريدة المؤيد: 5 / 11 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني في هذا المساء رواية «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة»، وهي رواية أدبية غرامية، ولا حاجة للإطناب لما حوته هذه الرواية من حسن مناظرها وجمال موقعها، وتختم بفصل طرب كالعادة. فالأمل أن يكون الإقبال عليها عظيما.
جريدة المؤيد: 8 / 11 / 1898م
يمثل في هذا المساء جوق حضرة البارع الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الأمير محمود» التي شهرة حسنها وبدائع مناظرها تغني عن مدحها، وتختم بفصل طرب كالعادة.
جريدة المقطم: 8 / 11 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الأمير محمود»، ويعقبها فصل طرب.
جريدة المؤيد: 9 / 11 / 1898م
تمثل في هذا المساء جمعية الألفة الأدبية
53
بتياترو الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «تعذيب العشاق»، تأليف أحد أعضاء الجمعية، وهي رواية جميلة يخصص إيرادها لبعض أوجه الخير. فنحث محبي الآداب على حضور تمثيلها، ولهم مزيد الفضل.
جريدة المؤيد: 10 / 11 / 1898م
يمثل جوق حضرة البارع الشيخ أبي خليل القباني مساء اليوم «لوسيا»، وهي رواية غرامية فكاهية بديعة المناظر لطيفة الوقائع، وستقوم جوقة الغناء بفصل طرب في أثناء الرواية وبعد انتهائها تحت رئاسة صاحبة الصوت الرخيم الست «مريم مراد» الشهيرة.
جريدة المقطم: 12 / 11 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «أنس الجليس»، ويعقبها فصل طرب، ويمثل في حلوان مساء الأحد رواية «الأمير محمود».
جريدة المؤيد: 12 / 11 / 1898م
يمثل في مساء اليوم جوق حضرة البارع الشيخ أحمد أبي خليل رواية «أنس الجليس» التي شهرة حسنها وبدائع مناظرها يغنيان عن الإطناب في مدحها، وستختم بفصل طرب بمعرفة صاحبة الصوت الرخيم «الست مريم مراد» الشهيرة.
جريدة المؤيد: 15 / 11 / 1898م
يمثل جوق حضرة البارع الشيخ أحمد أبي خليل القباني مساء اليوم رواية «ناكر الجميل»، وهي رواية أدبية شعرية ذات فصول خمسة، وستقوم جوقة الغناء بفصلي طرب برئاسة صاحبة الصوت الرخيم الست مريم مراد الشهيرة.
جريدة المقطم: 15 / 11 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «ناكر الجميل»، ويعقبها فصل طرب.
جريدة المؤيد: 17 / 11 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني في هذا المساء رواية «مكايد الغرام»، وهي رواية أدبية غرامية، وتختم بفصل غناء كالعادة. فنحث العموم على مشاهدتها.
جريدة المقطم: 17 / 11 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «مكايد الغرام»، ويعقبها فصل طرب.
جريدة المقطم: 19 / 11 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «أنس الجليس»، ويعقبها فصل طرب، ويمثل في مساء الغد في حلوان رواية «أنس الجليس» أيضا.
جريدة المؤيد : 19 / 11 / 1898م
يمثل جوق حضرة البارع الشيخ أحمد أبي خليل القباني مساء اليوم رواية «أنس الجليس»، وهي رواية أدبية غرامية شعرية ذات خمسة فصول، لطيفة الوقائع، يتخللها فصل طرب وتختم به أيضا بمعرفة صاحبة الصوت الرخيم الست مريم مراد الشهيرة.
جريدة المؤيد: 22 / 11 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني مساء اليوم رواية «الحاكم بأمر الله العباسي»، وهي رواية أدبية تاريخية ذات فصول خمسة، بديعة المناظر، وستقوم الست مريم مراد وباقي المطربات بفصل طرب أثناء الرواية وبعد النهاية.
جريدة المقطم: 24 / 11 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس»، ويعقبها فصل طرب.
جريدة المؤيد: 24 / 11 / 1898م
يمثل جوق حضرة البارع الشيخ أحمد أبي خليل القباني مساء اليوم رواية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس»، وهي رواية أدبية حماسية شعرية ذات خمسة فصول، وستقوم الست مريم مراد وباقي جوقة المطربات بفصل طرب أثناء الرواية وفي ختامها. فنرجو من حضرات الأدباء الإقبال على مشاهدة مناظر هذه الرواية الفائقة تعضيدا للأدب وترويحا للنفوس.
جريدة المؤيد: 26 / 11 / 1898م
يمثل جوق حضرة البارع الشيخ أحمد أبي خليل القباني مساء اليوم رواية «الكوكبين»، وهي رواية أدبية حماسية شعرية ذات فصول خمسة، وستقوم الست مريم مراد وباقي المطربات بفصلي طرب في أثناء الرواية وبعد ختامها.
جريدة المقطم: 26 / 11 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الكوكبين»، ويعقبها فصل طرب، ويمثل غدا مساء في حلوان رواية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس».
جريدة المؤيد: 28 / 11 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «لوسيا» التي اشتهرت بجمال موضوعها وعذوبة ألفاظها وحسن مناظرها، وستطرب الحضور الست مريم مراد المغنية الشهيرة بفصلي طرب؛ حيث يخصص دخلها لإحدى العائلات الفقيرة التي أخنى عليها الدهر فأقعدها عن التكسب. فنحث ذوي المروءة على الإقبال عليها خدمة للإنسانية وحثا على عمل الفضيلة. هذا وقد دعا أعيان المنصورة وأفاضلها حضرة مدير هذا الجوق لتمثيل عشر ليال متواليات هناك، تبتدئ من ليلة الخميس المقبلة ما عدا ليلة الأحد التي سيقوم بالتمثيل فيها بكازينو حلوان كالعادة، والمأمول أن يلاقي هذا الجوق هناك الإقبال المعهود من أفاضلها، والجدير بمثل هذا الجوق الشهير.
جريدة المقطم: 17 / 12 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «لوسيا» هذا المساء في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية، ويمثل غدا في كازينو حلوان رواية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس»، ويتخللهما فصول أغان مطربة.
جريدة المؤيد: 17 / 12 / 1898م
يبتدئ جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني بتمثيل رواياته الجميلة بعد عودته من مدينة المنصورة هذا المساء، فيمثل رواية «لوسيا» الشهيرة، وتطرب الحضور في خلال الرواية بصوتها الرخيم الست مريم مراد كما هي العادة من قبل.
جريدة المقطم: 17 / 12 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «عائدة» الشهيرة هذا المساء، ويتخللها فصول أغان مطربة.
جريدة المقطم: 20 / 12 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «أسد الشرى»، ويتخللها فصول أغان مطربة.
جريدة المؤيد: 20 / 12 / 1898م
يمثل جوق حضرة البارع الشيخ أحمد أبي خليل القباني مساء اليوم رواية «أسد الشرى»، وهي رواية أدبية حماسية شعرية نثرية بديعة المناظر لطيفة الوقائع، ذات فصول خمسة، يتخللها فصل طرب من جوقة المطربات برئاسة صاحبة الصوت الرخيم الست مريم مراد، فنحث الأدباء على الإقبال عليها.
جريدة المقطم: 22 / 12 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «عنترة العبسي»، ويتخللها فصول أغان مطربة.
جريدة المؤيد: 22 / 12 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني مساء هذا اليوم رواية «عنترة العبسي»، وهي رواية حربية شعرية ذات مناظر عجيبة ووقائع غريبة، وستطرب الحضور صاحبة الصوت الرخيم الست مريم مراد في خلال هذه الرواية وبعد ختامها . هذا وقد زاد مدير هذا الجوق عددا من المشخصين الماهرين ابتغاء مرضاة المشرفين، وأملنا أن يكون الإقبال عليه عظيما.
جريدة المقطم: 24 / 12 / 1898م
يمثل جوق الأديب أحمد أبي خليل القباني رواية «السلطان حسن» هذا المساء، ويتخللها فصول أغان مطربة.
جريدة المؤيد: 30 / 12 / 1898م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «مكايد الغرام»، ويتخللها فصول طرب. فنحث الجمهور على مشاهدتها.
جريدة المقطم: 31 / 12 / 1898م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «لوسيا» الشهيرة هذا المساء في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية. ويمثل غدا مساء رواية «الكوكبين» في كازينو حلوان، ويتخللها فصول أغان مطربة.
جريدة المقطم: 3 / 1 / 1899م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الأمير محمود» هذا المساء، ويتخللها فصول أغان مطربة.
جريدة المؤيد: 3 / 1 / 1899م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الأمير محمود»، ويتخللها فصول طرب كالعادة.
جريدة المؤيد: 5 / 1 / 1899م
يمثل جوق حضرة الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «إسكندر المقدوني» الشهيرة بحسن مناظرها، ويتخللها فصول طرب كالعادة. ويمثل غدا رواية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس»، وهي الرواية التي حازت رضاء العموم؛ حيث يخصص دخلها للممثلات البارعات مريم وهيلانة وحنينة. وتختتم بفصل من جوق المطربات الحسان، فنحث العموم على مشاهدتها تنشيطا لهذا الجوق الماهر.
جريدة المؤيد: 6 / 1 / 1899م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني مساء هذا اليوم رواية أدبية حكمية غرامية ذات فصول خمسة، بديعة المناظر، وستقوم جوقة المطربات بفصلي طرب أثناء الرواية وبعد ختامها.
جريدة المؤيد: 7 / 1 / 1899م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني مساء هذا اليوم رواية «الانتقام»، وهي رواية أدبية حكمية غرامية، ذات فصول خمسة، بديعة المناظر. وستقوم جوقة المطربات بفصلي طرب أثناء الرواية وبعد ختامها.
جريدة المقطم: 7 / 1 / 1899م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الانتقام» الشهيرة هذا المساء في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية. ويمثل غدا مساء في كازينو حلوان رواية «أسد الشرى»، ويتخللها فصول طرب جديدة.
جريدة المؤيد: 10 / 1 / 1899م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الكوكبين» ذات المناظر الجميلة، ويتخلل فصولها دور طرب بمعرفة الست مريم مراد؛ مما يدعو للإقبال عليها.
جريدة المقطم: 10 / 1 / 1899م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الكوكبين» الشهيرة هذا المساء، ويتخللها فصول أغان مطربة.
جريدة المؤيد: 11 / 1 / 1899م
يمثل في هذا المساء جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «عائدة» الشهيرة، ويخصص دخلها لعائلة فقيرة. وتطرب الحضور في خلالها الست مريم مراد. فنحث محبي الخير على الإقبال عليها؛ تنشيطا للقائمين بفعل الخير، ومساعدة للبائسين.
جريدة المقطم: 12 / 1 / 1899م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «لوسيا» الشهيرة هذا المساء، ويتخللها أغان مطربة. وسيوالي التشخيص كل ليلة أيام شهر رمضان ما عدا مساء الأحد من كل أسبوع؛ فإنه يمثل في كازينو حلوان.
جريدة المقطم: 14 / 1 / 1899م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «عفيفة» هذا المساء، ويتخللها أغان مطربة.
جريدة المؤيد: 14 / 1 / 1899م
يوالي جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني التمثيل مساء كل يوم مدة شهر رمضان ما عدا يوم الأحد فإنه يكون في كازينو حلوان. ويمثل مساء اليوم رواية «عاقبة الصيانة»، وتتخللها فصول طرب كما تتخلل غيرها في كل ليلة.
جريدة المؤيد: 16 / 1 / 1899م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الأمير محمود» الشهيرة، وتتخللها فصول طرب من صاحبة الصوت الرخيم الست مريم مراد. فنحث العموم على مشاهدتها.
جريدة المؤيد: 17 / 1 / 1899م
في هذا المساء يمثل جوق الشيخ أبي خليل رواية «ناكر الجميل»، ويعقبها فصل طرب كما هي العادة.
جريدة المؤيد: 19 / 1 / 1899م
في مساء هذا اليوم يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «عنترة العبسي»، ولا حاجة بنا للإطناب فيما حوته هذه الرواية من الشهرة الفائقة وحسن القبول عند العموم. وستطرب الحضور في خلال الرواية كما ستختتمها الست مريم مراد. فنحث العموم على مشاهدتها ترويحا لنفوسهم وتشنيفا لآذانهم.
جريدة المقطم: 19 / 1 / 1899م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «عنترة العبسي» هذا المساء، ويتخللها فصول أغان مطربة.
جريدة المقطم : 21 / 1 / 1899م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «أسد الشرى» هذا المساء، ويتخللها فصول أغان مطربة.
جريدة المؤيد: 21 / 1 / 1899م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني مساء اليوم رواية «أسد الشرى» الشهيرة بحسن وقائعها، ويتخللها فصل طرب كما تختم به. فعسى أن يكون الإقبال عظيما.
جريدة المقطم: 23 / 1 / 1899م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «السلطان حسن» هذا لمساء، ويتخللها فصول أغان مطربة.
جريدة المقطم: 24 / 1 / 1899م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل رواية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس» هذا المساء، ويتخللها فصول أغان مطربة.
جريدة المقطم: 25 / 1 / 1899م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «أنس الجليس» هذا المساء، ويتخللها فصول أغان مطربة.
جريدة المقطم: 26 / 1 / 1899م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الملك إسكندر المقدوني» هذا المساء، ويتخللها فصول أغان مطربة.
جريدة المقطم: 28 / 1 / 1899م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «عاقبة الصيانة وغائلة الخيانة» هذا المساء، ويتخللها فصول أغان مطربة.
جريدة المقطم: 29 / 1 / 1899م
تحيى ليلة خصوصية هذا المساء في تياترو حضرة الشيخ أبي خليل القباني، فتمثل رواية «لوسيا» الجديدة، ويقوم حضرة المطرب الشيخ حسن صالح بأهم أدوارها، وتختم بأغان جميلة شجية.
جريدة المؤيد: 1 / 2 / 1899م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «الكوكبين»، وهي من الروايات الجميلة، وتطرب الحضور الست مريم مراد، والمأمول أن يكون الإقبال عظيما.
جريدة المقطم: 2 / 2 / 1899م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «لوسيا» هذا المساء.
جريدة المؤيد: 7 / 2 / 1899م
في هذا المساء يحيي جوق حضرة الفاضل الشيخ أحمد أبي خليل القباني ليلة خصوصية، يمثل فيها رواية «السلطان حسن»، وهي من الروايات الجميلة ذات المناظر البديعة، ويقوم بأهم أدوارها حضرة الممثل البارع الشيخ حسن صالح، وتطرب الحضور في خلالها صاحبة الصوت الرخيم الست مريم مراد، وتسحب فيها نمرة يانصيب على أربع دست ملاعق فضة. كل هذا مما يدعو للإقبال عليها؛ فنحث العموم على مشاهدها والأخذ بناصر القائمين بها.
جريدة المؤيد: 8 / 2 / 1899م
غص أمس مرسح حضرة الشيخ أحمد أبي خليل بالمتفرجين لمشاهدة رواية «السلطان حسن»، وقد سحب نمرة يانصيب على أربع دست ملاعق فضة؛ حيث استلمها أصحابها في الليلة نفسها، أما الأخيرة فقد استلمها صاحبها اليوم.
جريدة المؤيد: 9 / 2 / 1899م
يوالي جوق حضرة الشيخ أبي خليل القباني تمثيل رواياته الأدبية الشهيرة في مرسحه ليالي عيد الفطر المبارك. فنحث الأدباء على الإقبال عليه.
جريدة المقطم: 11 / 2 / 1899م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس» هذا المساء، ويتخللها فصول طرب، ويوالي التشخيص أيام العيد.
جريدة المقطم: 25 / 2 / 1899م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الكوكبين» هذا المساء، ويعقبها فصل مضحك للغاية.
جريدة المقطم: 2 / 3 / 1899م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «خليفة الصياد» هذا المساء، ويعقبها غناء وفصل مضحك.
جريدة المؤيد: 2 / 3 / 1899م
تمثل في هذا المساء رواية «هارون الرشيد وخليفة الصياد» الشهيرة بمناظرها الحسنة بتياترو حضرة الشيخ أبي خليل القباني، وهي لأول مرة مثلت هذه الرواية المضحكة على هذا المرسح، ويعقبها فصل مضحك للغاية.
جريدة المؤيد: 9 / 3 / 1899م
تمثل مساء اليوم في تياترو حضرة الشيخ أحمد أبي خليل القباني تياترو رواية «أستير» الشهيرة، وهي رواية جديدة نثرية أدبية بديعة.
جريدة المقطم: 11 / 3 / 1899م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «أستير»، وهي رواية جديدة، وتختم بفصل مضحك جدا.
جريدة المؤيد: 23 / 3 / 1899م
تمثل في مساء اليوم بتياترو أبو خليل القباني رواية «روبرت والبرت»، وهي رواية جديدة لم يسبق لها تمثيل، وسيقوم بأهم أدوارها المطرب الشيخ حسن صالح، ويعقبها فصل مضحك. فنحث العموم على مشاهدتها.
جريدة المؤيد: 29 / 3 / 1899م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني مساء السبت المقبل رواية «أستير» الشهيرة، ويتخلل التشخيص أدوار غنائية يقوم بها حضرة المطرب الشهير إبراهيم أفندي القباني، وفي نهايته يسحب يانصيب على ساعة ذهبية. فنحث الجمهور على حضور تلك الليلة.
جريدة المؤيد: 6 / 4 / 1899م
تمثل هذا المساء رواية «روبرت والبرت» في مرسح الشيخ أبي خليل القباني،
54
وهي رواية جديدة ذات مناظر جميلة، فلا غرو إذا أقبل الأدباء وذوو الأذواق السليمة على مشاهدتها.
جريدة المؤيد: 13 / 4 / 1899م
تمثل في مرسح الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «هارون الرشيد مع خليفة الصياد»، فلا غرو إذا أقبل الجمهور على مشاهدة هذه الرواية الجميلة.
جريدة المؤيد: 17 / 4 / 1899م
تمثل في تياترو الشيخ أبي خليل القباني أيام عيد الأضحى المبارك أشهر الروايات الأدبية، ويطرب الحاضرين في خلال فصولها حضرة المطرب المبدع محمد أفندي عثمان المغني الشهير.
جريدة المؤيد: 27 / 4 / 1899م
تمثل في هذا المساء بتياترو الشيخ أبو خليل القباني رواية «اللقاء المأنوس في حرب البسوس»، وهي رواية أدبية ذات مناظر بديعة، فلا غرو إذا أقبل العموم على مشاهدتها.
جريدة المقطم: 7 / 5 / 1899م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «الانتقام» الشهيرة هذا المساء في مرسحه قرب محطة الترمواي العمومية. ويمثل غدا مساء في كازينو حلوان رواية «أسد الشرى»، ويتخللها فصول طرب جديدة.
جريدة المؤيد: 4 / 6 / 1899م
يحيي هذه الليلة في تياترو أبي خليل القباني
55
السيماوي الشهير حسن بك إيراني، فيظهر من ألعابه السيماوية الغريبة ما يحير الأفكار ويدهش الألباب. فنحث العموم على مشاهدتها.
جريدة الأخبار: 1 / 8 / 1899م
يذكر الذين شاهدوا تمثيل حضرة سليمان أفندي قرداحي ما له من البراعة في هذا الفن وما عنده من حسن الإلقاء؛ مما يجعل أقل الروايات ذات قيمة وشأن، وقد احتجب مدة عن التمثيل في هذه العاصمة فعاد إلينا اليوم برواية بديعة من أجمل ما وضعه شكسبير الشاعر الإنكليزي وأحسن ما عربه المعربون؛ نعني بها رواية «أم العجائب والغرائب». وسيمثل أهم دور فيها هذا المساء في تياترو حضرة الشيخ أبي خليل القباني. ومما يزيد الناس تشوقا إلى حضور هذه الرواية أن حضرة الممثلة البارعة السيدة ألمظ الشهيرة ستقوم بدور الممثلة الأولى، فتجمع في تمثيلها بين ما يطرب المسامع ويسر النواظر.
جريدة المقطم: 2 / 8 / 1899م
مثلت البارحة رواية «أم العجائب والغرائب»، وهي رواية «أوتلو» لشكسبير الشاعر الإنكليزي الشهير في مرسح حضرة الشيخ أبي خليل القباني،
56
وكان دور أوتلو فيها لحضرة سليمان أفندي قرداحي مدير الجوق، فأظهر براعة فائقة في الإلقاء، وكان الحاضرون يشخصون إليه مسرورين حتى نهض البعض من أماكنهم يريدون منعه عن قتل زوجته، وأبدى الممثل الذي أوقع الشقاق بين أوتلو وزوجته من المكر والاحتيال مما أسخط الحاضرين عليه، ولكنهم مدحوه على حسن تمثيله. فإذا فاز الجوق برضى الحضور في رواياته الأخرى كما فاز في هذه الرواية أقبل الناس عليه إقبالا خارقا للعادة.
جريدة مصر: 3 / 8 / 1899م
يمثل في هذا المساء جوق حضرة الأديب سليمان أفندي القرداحي في تياترو الشيخ أبي خليل القباني رواية مهمة جدا، ويقوم بأهم أدوارها حضرة الممثل البارع مدير الجوق والممثلة البارعة الست ألماس. فنرجو أن يكون الإقبال عليه عظيما تعضيدا وتشجيعا له.
جريدة المؤيد: 8 / 8 / 1899م
يمثل جوق حضرة سليمان أفندي القرداحي بتياترو الشيخ أحمد أبي خليل القباني هذا المساء رواية «انتصار المؤمنين على عبدة الأصنام»، وهي رواية جديدة لم يسبق لها تمثيل، وإن ما رآه العموم من حسن تمثيل هذا الجوق يؤمل بإقبال العموم عليه.
جريدة المؤيد: 12 / 10 / 1899م
في هذا المساء ستحيي المطربة الشهيرة ملكة سرور ليلة أنس تشنف فيها الأسماع بصوتها الرخيم في تياترو أبي خليل القباني،
57
وسيكون الإقبال عليها عظيما.
جريدة مصر: 14 / 10 / 1899م
يمثل جوق القرداحي بمصر هذا المساء بتياترو القباني الكائن تجاه سوق الخضار الجديد رواية «السيد» الشهيرة، وهي رواية جميلة ذات خمسة فصول، وسيقوم بأهم أدوارها الممثلة البارعة السيدة ألمظ وشقيقتها السيدة أبريز،
58
فنحث الجميع على مشاهدتها.
جريدة المؤيد: 19 / 10 / 1899م
يمثل جوق حضرة الأديب سليمان أفندي قرداحي بتياترو الشيخ أبي خليل القباني رواية «هملت» أو القائد المغربي، ويقوم بأهم أدوارها حضرة مدير الجوق مما يجعل الإقبال عليها عظيما.
جريدة مصر: 19 / 10 / 1899م
يمثل جوق حضرة الأديب سليمان أفندي قرداحي في تياترو القباني بمصر اليوم رواية «الابن الثائر والأخ الغادر» المعروفة باسم «هملت»، وهي رواية كثيرة المناظر حسنة الإنشاء. سيقوم بأهم أدوارها رئيس الجوق حضرة سليمان أفندي قرداحي والسيدة ألمظ، فنحث محبي الروايات على سماع هذه الرواية.
جريدة المؤيد: 21 / 10 / 1899م
يمثل في هذا المساء جوق حضرة سليمان أفندي قرداحي رواية «القائد المغربي» بمرسح حضرة الشيخ أبي خليل القباني، وسيقوم مدير الجوق بالدور المهم فيها.
جريدة مصر: 25 / 10 / 1899م
يمثل جوق سليمان أفندي القرداحي مساء الغد رواية هملت سلطان الغرام وحب الانتقام في التياترو الكائن أمام سوق الخضار الجديد. ويمثل في مساء الأحد المقبل بمدينة حلوان رواية السيد، وسيقوم بأهم أدوار الليلتين حضرة صاحب الجوق والست ألمظ، فنرجو أن يكون الإقبال على هاتين الليلتين عظيما.
جريدة المؤيد: 26 / 10 / 1899م
يمثل جوق حضرة سليمان أفندي قرداحي رواية «هملت» بتياترو الشيخ أبي خليل القباني، وهي الرواية التي نالت استحسان العموم نظرا لما رأوه من اعتناء مدير الجوق بها وتشخيص أهم أدوارها، ما جعل الإقبال عليها عظيما جدا.
جريدة مصر: 4 / 11 / 1899م
سيمثل جوق أبي خليل القباني رواية «عائدة الشهيرة» يوم الخميس المقبل في مرسحه الكائن أمام سوق الخضار، وسيخصص دخل هذه الليلة لأعمال خيرية تحت ملاحظة حضرة أمين أفندي فهمي الأهواني. فنحث الجميع على الإقبال عليها ومساعدة هذا الأفندي على هذا المشروع الخيري.
جريدة الأخبار: 2 / 12 / 1899م (في المرسح)
تمثل جمعية الفوائد الأدبية
59
في هذا المساء رواية «العاشق المفلس» في مرسح أبي خليل القباني، ويمثل في أهم أدوار هذه الرواية حضرة المطرب الشهير أنطون أفندي المصري والشقيقتين البارعتين ألمظ وإبريز المشهورتين في الجمال وحسن التمثيل.
جريدة الأخبار: 5 / 12 / 1899م (المراسح العربية)
عاد إلى هذه العاصمة حضرة الأديب الشيخ أبي خليل القباني كي يدير جوقا جديدا من أحسن الممثلين وأبرع الممثلات، نخص منهن بالذكر حضرة الممثلة البارعة المشهورة بحسن التمثيل ورخامة الصوت الست لبيبة مالي وشقيقتها مريم وحضرة المتقنة المشهورة بحسن الإلقاء والإيماء الست مريم سماط وشقيقتها حنينة وغيرهن من الفتيات اللواتي خدمن هذا الفن الجليل أعواما عديدة. أما الروايات التي تمثل فأكثرها حديثة العهد، وهي لأشهر المؤلفين، وقد تعهد حضرته أن يأخذ من القديم أحسنه ومن الحديث أجمله مما يروق للجمهور سماعه ويحلو لهم رؤيته، وهي فرصة ثمينة للجمهور حيث يشنفون آذانهم بأرخم الأصوات في محل أدبي، ويشاهدون تمثيلا بديعا بما يضاعف سرورهم.
جريدة مصر: 26 / 12 / 1899م
تمثل الليلة في تياترو أبي خليل القباني مساخيط خشبية
60
على طريقة هولدن الشهيرة، وصور متحركة تبهر الأبصار بخفة حركاتها ودقة صنعها. فنحث الذين يريدون ترويح صدورهم على حضور هذه الليلة الرائقة.
جريدة مصر: 2 / 1 / 1900م (المراسلات، المنيا، لمكاتبنا)
نرحب بجوق حضرة الأديب أبي خليل القباني الذي سيأتينا لتمثيل رواياته المهمة في أوائل شهر رمضان المبارك.
جريدة المقطم: 15 / 1 / 1900م (المراسلات، المنيا، لمكاتبنا في 12 يناير)
جاءنا جوق حضرة الأديب أبي خليل القباني ومثل ثلاث روايات نالت استحسان الجمهور، فعسى أن يكون الإقبال عليه عظيما تعضيدا له واغتناما لفرص السرور.
جريدة مصر: 16 / 1 / 1900م (المراسلات، المنيا، لمكاتبنا)
حضر إلينا جوق حضرة الفاضل أحمد أبي خليل القباني، ومثل عندنا ثلاث روايات أظهر فيها الممثلون والممثلات براعة عظيمة، فنتمنى له إقبالا كثيرا.
جريدة المقطم: 27 / 1 / 1900م (المراسلات، المنيا، لمكاتبنا في 25 يناير)
مثل جوق حضرة الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية خص دخلها بالسيدة لبيبة إحدى الممثلات، فكان الحضور كثيرين جدا، وفي مقدمتهم سعادة مديرنا الفاضل وعدد من كبار الوجهاء.
جريدة المقطم: 3 / 2 / 1900م
سافر اليوم جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني إلى الإسكندرية، ويمثل في مسائه رواية «عائدة» المشهورة بكثير مناظرها وبديع ألحانها، ويتلوها تمثيل فصل مضحك جديد من تأليف الأديب حنا نقاش.
جريدة مصر: 5 / 2 / 1900م (المراسلات، المنيا، لمكاتبنا)
مثل عندنا جوق أبي خليل القباني عدة روايات أظهر فيها من البراعة ما يستحق الثناء الكثير.
جريدة المقطم: 8 / 2 / 1900م
يمثل جوق حضرة الأديب الشيخ أحمد أبي خليل القباني رواية «مطامع النساء» هذا المساء، وتقوم بأهم أدوارها الست لبيبة مالي.
جريدة المؤيد: 8 / 2 / 1900م
يمثل جوق حضرة الفاضل الشيخ أبي خليل القباني هذا المساء رواية «مطامع النساء» الشهيرة، وتقوم بأهم أدوارها الست لبيبة مالي. فنحث العموم على مشاهدتها.
جريدة مصر: 5 / 4 / 1900م (المراسلات: الفيوم لمكاتبنا في 4 أبريل)
لا ينكر أحد أهمية التمثيل وفوائده؛ إذ إن فيه إعادة الحوادث الماضية في قالب التشخيص والتمثيل، سيما إذا كانت الأجواق مدارة بقوم أكفاء كجوق أبي خليل القباني الذي أجاد بتمثيل رواياته المفيدة هنا من حيث الوضع والتمثيل؛ حتى أقبل الكل عليه مسرورين.
جريدة مصر: 7 / 5 / 1900م (المراسلات ، المنيا في 6 منه)
اتفق جناب الخواجة جورج كرنيتوس مع جوق أبي خليل القباني على تشخيص خمس روايات بتياترو التوفيق بالمنيا ابتداء من 18 الجاري، فنتمنى لهم إقبالا.
جريدة المؤيد: 19 / 5 / 1900م
شبت النار شبوبا هائلا الساعة العاشرة والربع من مساء الأمس في تياترو الشيخ أبي خليل القباني المجاور لسوق الخضار، وساعدت الريح الشديدة وقتئذ على اشتعالها حتى رجفت القلوب خيفة من شر هولها، وخشي الناس جميعا زيادة امتدادها، غير أن رجال المطافئ أخذوا يبذلون قصارى جهدهم في إطفاء الحريق حتى أطفئوه في منتصف الساعة الثانية بعد نصف الليل بعد أن دمر التياترو بأجمعه، وبعض القهاوي والحوانيت المجاورة له، وبلغت الخسائر 2420 جنيها، وقيد الحادث قضاء وقدرا.
جريدة المقطم: 19 / 5 / 1900م
شبت النار أمس قرب الساعة التاسعة والنصف ليلا في قهاوي العتبة الخضراء التابعة لديوان الأوقاف ونظارة المعارف، ولم يكن إلا دقائق قليلة حتى تطاير شررها إلى التياترو الخشبي القريب منها، وامتدت إلى المخازن المجاورة وإلى المخزن الأوروبي، فلم تبق عليها ولم تذر، واكفهر وجه الجو بغيوم سوداء تلبدت في صفحته، وازدحم الناس في محطة الترام من كل حدب، فغصت بهم ساحتها وما جاورها من الأرض الفضاء. وشوهد عزتلو منسفلد بك ورجال البوليس ورجال المطافئ يبذلون كل وسع واهتمام في إخماد اللهب، وظلوا يصبون الماء حتى أنزع أرض المحلات المحروقة، وبقيت النار في احتدام واصطلاء نحو أربع ساعات التهمت فيها نحو سبعين محلا تجاريا وثلاث قهاو وتياترو حضرة أبي خليل القباني، وكلها مبنية من الخشب، وقد قصد أحد مخبري الجريدة الأماكن المحروقة عند انبثاق الفجر، فعاين النار مشتعلة في أخشاب كثيرة ورجال المطافئ لا يزالون يصبون الماء عليها. أما الخسارة ففادحة، عوض الله على أصحابها، وعسى أن يهتم ديوان الأوقاف ببناء تلك المحلات من الحجارة فتزيد العاصمة بذلك رونقا وجمالا. وشبت النار أيضا في منزل المرحوم يوسف باشا كمال في قسم باب الشعرية فأتلفت ما قيمته سبعون جنيها، ويقال إن الحريق كان بالقضاء والقدر.
القسم الثالث
النصوص
مراسح أحرزت تمثيل من سلفوا
وعظا وجاءت لنا عنهم كمرآت
تمثل اليوم أحوال الأولى سبقوا
من طيبات لهم أو من إساءات
عسى يكون لنا فيما مضى عبر
تجدي وتعلم أني عبرة الآتي
عسى نكون كراما إذ يشخصنا
من بعدنا أو فيا طول الفضيحات
فالحر إن مات أحيته فضائله
والوغد إن عاش مقرون بأموات
هذا هو القصد من تمثيل من عبروا
لا اللهو والزهو والإعجاب بالذات
رواية هارون الرشيدي مع أنس الجليس
(تشخيصية ذات خمسة فصول)
الفصل الأول (ينكشف الستار عن سراي ملوكية)
الجزء الأول (ابن سليمان - الفضل بن خاقان - المعين بن ساوي)
ابن سليمان :
ألذ الأماني في الزمان المرتب
وقد نلت من مولاي ما أنا طالب
فيا حبذا ذا المجد لولا ذهابه
ويا حبذا الإشراق لولا الغياهب
ويا حبذا الإقبال لولا انقلابه
ويا حبذا الراحات لولا المتاعب
زمان قصاراه الزمان وأهله
على نهجه والله باق مراقب
لقد كنت يا ورد الجنان براحة
بقربك والإسعاد زاه وثاقب
وما كنت أدري قبل بينك ما الأسى
فغالتك مني السالبات اللوائب
وأمسيت في جوق التراب وطالما
سكنت فؤادا كلمته النوائب
إنني يابن خاقان، بعد قينتي ورد الجنان، حسنها المنير، وقدها النضير، وفصاحتها الفائقة، ونباهتها الرائقة، وصوتها الندي، قد وهى جدي، وتوارى ارتياحي، وتوالت أتراحي، فعليك أن تعوضني عنها، بقينة مثلها أو أحسن منها؛ لأجعلها أنيسة ونديمة، وأنتعش بألحانها الرخيمة، ولتكن أيها المؤتمن، ذات آداب ولسن، ورونق وملح، ومنطق ودعج، وهيف وترف، ودل ووطف، وفرق كالصباح، وخد كالتفاح، وجيد كذكاء، ومظهر ذي وراء، ولا تتوقف في الثمن يا ذا الوقار، ولو بلغ عشرة آلاف دينار.
الفضل :
سمعا وطاعة أيها الجليل، فسأحضرها بأقل من قليل، فائقة عما ذكرت، وما إليه أشرت.
ابني سليمان :
هيا أيها الفضل.
الفضل :
أمرك يا طاهر الأصل (ويذهب).
الجزء الثاني (ابن سليمان - المعين)
ابن سليمان :
إن الفضل يابن ساوي، لكل نبل وحذاقة حاوي، وما له نظير بالأمانة، ولا شبيه بالصدق والصيانة.
المعين :
أجل يا صاحب الشان، ما له بالفراسة ثان، وهو معدن الحذاقة، والصون والصداقة، والمعين ابن ساوي، مطبوع على المساوي.
ابن سليمان :
مدحي لابن خاقان يا معين، لا يلمح بأن يوجد بك ما يشين، بل أنت أمين وهو أمين، وكل منكما ركننا المتين، وعلى كل منكما الامتثال والإذعان، لما نأمر به ونرغبه في كل آن.
المعين :
نعم يا صاحب الجلال، على كل منا الامتثال، والطاعة والإذعان، لجلالتك مدى الزمان، ولكن أنا دائما مملول، والفضل موجه ومقبول، ومكلف بكل أمر مهم، وعبدكم مع فهمي والحزم، لا أرى شيئا من الالتفات، ولا أكلف لحاجة من الحاجات.
ابن سليمان :
لا تعتب علينا يا معين، فأنت كالفضل عندنا أمين، وعزيز علينا، ومحبوب لدينا، وكل منكما مرآنا الوسيم، وله عندنا مقام عظيم، فاذهب وانتظر الفضل يابن خاقان، ليرجع بالقينة، وأتنا معه يا ذا الفطنة؛ لتفوز بالإكرام، والقبول والاحترام (يذهب).
المعين :
على الرأس أيها الفخيم، فسر بكلاية العظيم.
الجزء الثالث
المعين :
أنا لا أهنأ بعمر مديد، وألذ بطيب عيش رغيد، ما لم أغير قلب الأمير على ابن خاقان الختير، وأضيق عليه المسالك، وأرميه في مهاوي المهالك، وإلا فليس لي فلاح، ولا أنفك عن الأتراح، ما دام هو مقدم وأنا مؤخر، وهو موقر وأنا محقر، وقول الأمير لا تعب علينا يا معين، فأنت كالفضل عندنا أمين، فهو تحصيل حاصل، وتطويل بلا طايل، وقد سمعت مثله كثير، وما أراه إلا زخرفة وتنكير. فإلام وأنا في الهوان، والمقدم ابن خاقان، والمخاطب في كل حال، والمعين في زوايا الإهمال، وهو أبو الدواهي، وحذقه غير متناهي، فإذا تركته في القبول ساوي، فلا أكون المعين ابن ساوي، ولكن بالتأني ينجح المتمني، ولا بد ما تسمح الفرص وأوالي له النوب والغصص ... وأنا مالي وهذا الانتظار، الذي كله أتعاب وأكدار، فها أنا ذاهب لأدبر دسائس، ترتاع من شرها الجن والأبالس، وأرمي ابن خاقان، في أعظم الخسران (يذهب).
الجزء الرابع (نعيم - جواري)
الجواري (لحن) :
مولانا أعطانا فضلا وإحسانا
قدرا نما فسما وفاق كيوانا
الفضل حامينا والأنس راعينا
من حل نادينا يطيل شكرانا
الجزء الخامس (نعيم - جواري - الفضل - أنس الجليس)
الفضل :
قد وجدنا نعيم، غرض أميرنا الفخيم.
نعيم :
الحمد لله أيها الأنيق، على التيسير والتوفيق، وما اسمها أيها الرئيس؟
الفضل :
اسمها أنس الجليس، ولها معرفة وآداب، تعجز أولي الألباب، ولا شك أن الأمير يستحسن خدمتي، ويرفع بسببها رتبتي.
نعيم :
لا شك يرفع رتبتك، ويعظم مدى الزمان منزلتك.
الجزء السادس (الحاضرين - عطارد)
عطارد :
على الباب يا مولاي قاصد.
الفضل :
أحضره إلى هنا يا عطارد (يذهب).
الجزء السابع (الحاضرين - قاصد)
قاصد :
حيا الله الوزير المهاب.
الفضل :
وأنت حييت يا نسل الأنجاب.
قاصد :
قد أرسلني يا معدن الإيناس، إلى بين يديك سيدي النخاس، ويقول لك أيها الهمام، بعد التحية والسلام، ألا تقدم القينة للأمير، إلا بعد مدة أيها الخطير؛ لأنها أيها الأفخر، منهوكة من السفر، فأبقها يا ذا الصباحة، لتحصل على الراحة، وترجع للنضارة، والوضاءة والإنارة، وقدمها بعد يا ذا السجية، إلى أعتاب الأمير العلية.
الفضل :
ارجع إلى النخاس في الحال، وقل له سنفعل ما قال، وبلغه منا السلام، وسنوالي له الإكرام.
الجزء الثامن (الحاضرون ما عدا قاصد)
نعيم :
وما نفعل بولدك أيها الرئيس، إذا قامت عندنا أنس الجليس.
الفضل :
تحجبها عنه مدة الإقامة؛ كي لا يراها ونقع في الندامة.
أنس الجليس :
لما يا مولاي تقع في الندامة إذا رآني ولدك صاحب الفخامة.
الفضل :
اعلمي يا أنس الجليس، أن لي ولد ربيص، اسمه علي نور الدين، وهو أفسق من الشياطين، لا يترك من النساء الدون، ولو كانت عجوز حيزبون، فقصدي حجبك عنه، خشية عليك منه.
أنس الجليس :
لا تخف أيها الأفضل؛ فما كل الطيور تؤكل، وأنا لا أبدل الأمير بغلام جاهل صغير.
الفضل :
هكذا أرغب أن تكوني يا أنس الجليس.
أنس الجليس :
أنت كن في راحة من جهتي أيها الأنيس، وأنا لو رآني ولدك في اليوم ألف مرة، لا أعامله بغير الجفوة والنفرة.
نعيم :
الآن قد أمنا، وذهب الوسواس عنا.
الفضل :
أكرمي يا نعيم أنس الجليس، وابذلي لديها كل غال نفيس، إلى أن تأخذ الراحة، وترجع للبهجة والصباحة، ويزهو رونق حسنها الأوحد، وتنقل شمسها إلى برج الأسد.
نعيم :
سمعا أيها الأمير، فلا يحصل منا أدنى تقصير.
الفضل :
وها أنا ذاهب الآن، لخدمة الأمير المصان، وإذا سألني عما اقترحه علي، أقول بعد ما أتيح لدي، إنها قينة تعجب للأمير، وتطرب، وأسوفه بمواعيد منزهة عن التدنيس، إلى أن يحصل ارتياح أنس الجليس، ونقدمها له كغزالة وهالة.
نعيم :
سر يا مولاي ميمون المساعي، مقبولا عند الراعية والراعي (يذهب).
الجزء التاسع (الحاضرون ما عدا الفضل)
نعيم :
وحيث إن سيدنا المنير، قد ذهب موفقا لخدمة الأمير، فعلينا أن نحتجب في المقاصير، إلى أن ينشقنا بالعود أطيب عبير.
الجواري (لحن) :
أمرك ذات المحيا
قد صفا الوقت فهيا
نحتسي روح الحميا
بهناء وسرور
نلنا بالفضل منانا
وبه نار علانا
هيا قد تم صفانا
نجتلي وجه الحبور (يذهبوا)
الجزء العاشر (علي نور الدين)
علي :
برزت ذات الجمال الأنور
فتبدى من ثناها المشتري
لحظها والخد والخال إذا
برزت تخجل ضوء القمر
قيصر كسرى النجاشي جردوا
لحمى النعمان سيف المنذر
الجزء الحادي عشر (علي نور الدين - أنس الجليس)
أنس الجليس :
أأنت علي نور الدين؟
علي :
نعم، وأسيرك كل حين. وأنت أنس الجليس؟
أنس الجليس :
نعم أيها الأنيس، أنا التي حين رأت جمالك قد شغفها حبك ورجحت وصالك على وصال ابن سليمان، المنفرد بالرفعة والشان.
علي :
ما أعذب هذه الأقوال! هيا إذا للوصال.
أنس الجليس :
لا يا ذا الجمال، لا يمكن بغير الحلال.
علي :
وكيف ما ذكرت يكون؟ وأنت للأمير ذي الشئون.
أنس الجليس :
قد يكون أيها الوسيم، إذا ساعدتنا أمك نعيم، فدبر أنت ما عليك، وأنا ذاهبة لأرسلها إليك (تذهب).
الجزء الثاني عشر (علي نور الدين)
علي :
وكيف أدبر ما علي، أو أرضي والدي، أن يسمحا لي بأنس الجليس، وهي لابن سليمان البئيس! ما لي غير استعمال الحيل، لأبلغ من أبي وأمي الأمل، وهي: تارة أشتكي الغرام، وطورا أخرج عن دائرة الاحتشام، مظهرا لديهما الجنون، وطورا أتوجع من الشجون، فعساهما يرحماني، ويبلغاني الأماني ... لا ريب بهذه الأعمال أبلغ المقاصد والآمال، وأطفي بوصال أنس الجليس، من فؤادي جمرات الوطيس .
الجزء الثالث عشر (علي نور الدين - نعيم)
نعيم :
ويك يا نور الدين، ما هذا الزيغ المشين، وكيف طلبت من أنس الجليس الوصال، وأبوك قد شراها للأمير ذي الجلال، أما هبت يا ذا الجنون أن تذوق كأس المنون؟
علي :
المنون يا والدتي نعيم، أهون عندي من عذابي الأليم، والغرام الذي اعتراني، أبان رشدي ولاع جناني، حين ما أبصرت أنس الجليس.
نعيم :
ما هذا الضلال البخيس؟
علي :
ما هذا يا أماه ضلال، بل غرام واشتغال، ولوعة وهوى، هد مني القوى، وصيرني دون العباد، حليف الوله والسهاد.
نظرة العين أصل كل البلايا
طالما قادت الفتى للمنايا
والهوى للهواني يقضي ويبري
بمدى فتكه قلوب البرايا
حسن أنس الجليس أشجى فؤادي
مذ تبدت وقد أذاب حشايا
عقربت صدغها بشامة خد
قد أرتني منه الزوايا خبايا
بقي القلب فيه عاني سكر
قد غدا في الفؤاد منه بقايا
نعيم :
أواه، وا عزيزاه!
الجزء الرابع عشر (علي نور الدين - نعيم - الفضل)
الفضل :
ما هذا الهلع يا نعيم؟
نعيم :
انظر يا مولاي الفخيم، ولدك علي نور الدين.
الفضل :
وما أصابه من الكرب المهين؟
نعيم :
قد أصابته سهام الغرام، كلمت أحشاءه وجعلته مستهام.
الفضل :
وكيف ما ذكرت كان؟
نعيم :
اعلم يا معدن الإحسان، أنه أبصر جمال أنس الجليس، فانطلق به طرف الغرام الحبيس، وصار كما تراه، فاقدا رشده ونهاه، وقد أنبأته أيها الوزير، ورغبته بسواها كثير، بعدما أفهمته أيها المصان، أنها للأمير ابن سليمان، فما انفك منتهك، وفي غيه منهمك، وهذه يا مولاي حالته، التي سولتها ضلالته.
الفضل :
ما هذا الضلال يا علي؟!
علي :
لا تجر معها علي؛ فأنا غير ملوم، وفؤادي غير مشئوم؛ لأن القضاء لا يرد، وسلطان الغرام لا يصد، فكم حط أرفع، وقهر سميذع، وأزل وأهان، من ملك وسلطان، وناهيك يا حسن السلوك، بقول بعض الملوك:
عجبا لسلطان يجور بحكمه
ويجور سلطان الغرام عليه
الناس ملك يدي وحكمي نافذ
وأنا وكل الناس ملك يديه
وأنا يا والدي الهمام، لولا العشق والغرام، لما رأيتني ذات جسارة، ولا سمعت مني كهذه العبارة، فأشفق علي يا أبي، وأنلني بفضلك أربي، وهبني أنس الجليس، التي جذبتني بمغناطيس، وإذا ما وهبتني إياها، أموت قتيل هواها، فاشتري حياة ولدك أيها الرئيس، بزواج مالكتها أنس الجليس، وإلا يا ذا المقام، على حياتي السلام.
يا شقوتي أزكيت نار فؤادي
وأثرت في الأحشاء قدح زنادي
هل أخلفت أنس الجليس وعودها
وأنا لطلعتها على ميعادي
أتصدني من حسن قامتها بما
تبدي من الألحاظ شوك قتادي
يا ويح قلبي إن قضى نحبا ولم
يقضي المنا من عطفها الميادي
نعيم :
أواه، وا رباه عليك يا ولدي وقطعة كبدي!
الفضل :
ما هذا المشكل يا نعيم؟
نعيم :
أنا أدبره أيها الفخيم.
الفضل :
وكيف تدبرينه؟
نعيم :
تدبيره يا رب العرينة أن نرسل القصاد، إلى سائر البلاد، يسألون سكان الأكناف، وقطار الأمصار والأطراف، على قينة حسناء، تعجب للأمير ذي العلاء، وتكون حاصلة كما وصف، على أنواع الظرف والترف، فيشترونها يا ذا المنن، وأنا من فضلك أدفع الثمن، وأنس الجليس يا سامي الشان، نهبها لولدك الولهان، وهذا يا مولاي حل المشكل، والرأي الموفق أيها المفضل.
الفضل :
هذا يا نعيم رأي حسن، يخلصن من غوائل المحن.
نعيم :
إذا يا صاحب الأيادي، اروي ظما ولدك الصادي وهبه أنس الجليس الآن؛ ليطلق من قيود الأشجان.
الفضل :
قد وهبته إياها يا نعيم.
علي :
حفظت يا مولاي الفخيم، قد بزغت شموس سعودي، وعطر الأكوان عرف عودي، أنا داخل وبعد برهة أخرجها معي للنزهة، وذلك بعد الجلوة والخلوة والنشوة والصحوة. عن إذنكم الآن.
نعيم :
ادخل موفق مصان (يذهب).
الجزء الخامس عشر (الفضل - نعيم)
الفضل :
أنظرت يا نعيم غي الصبا، كيف يجعل لب صاحبه هبا، فما صدق أنه حصل على أنس الجليس، حتى طار من الفرح، ليتملى بجمالها الأنيس.
نعيم :
عذره واضح أيها الهمام؛ لأنه عاشق وغلام، والحمد لله الكريم الوهاب على زواجه في حياتك أيها المهاب.
الفضل :
ادخلي وهيئي له الحلة؛ ليكمل له الحظ والصفا.
نعيم :
أمرك يا ذا الصلة، وها أنا داخلة (يذهب).
الجزء السادس عشر
الفضل :
يجب قبل ما ترسل القصاد أن نعلم النخاس بالمراد، ونكلفه شراء قينة غراء، تفوق أنس الجليس في البهاء، ونقدمها للأمير الأرفع قبل ما يشعر بما توقع.
الجزء السابع عشر (المعين - الفضل)
المعين :
اعلم يابن خاقان، أن الأمير المصان، بلغه شراؤك له قينة جميلة، فيأمرك أن تحضرها لتفوز بالمنح الجزيلة.
الفضل :
حاضر يا ذا العلاء، وقف لنذهب سواء (يذهب).
الجزء الثامن عشر (المعين)
المعين :
ماذا أفعل لأغير ابن سليمان وأبغضه في الفضل بن خاقان! الآن يحصل على الصلاة وأنا أكابد الحرمان والحسرات، وكلما أنصب له المكايد يسلم منها ويسمو إلى الفراقد، وأنا دائما في تأخير، وهو مقدم عند الأمير، ولا بد ما أبذل الجهد وأتجاوز في كيده الحد، فإما أن أهلكه وأنال المنى، أو أهلك وأستريح من العنا.
الجزء التاسع عشر (المعين - الفضل)
الفضل :
قد تعذر أخذها الآن يا معين، فاذهب أنت وأنا أحضرها بعد حين.
المعين :
وما أقول للأمير الهمام؟
الفضل :
قل له إنها في الحمام، وبعد خروجها أحضرها إليه، وأقبل احتراما يديه.
المعين :
مناسب أيها الوزير، وحذاري من التأخير (يذهب).
الجزء العشرون
الفضل :
قد حال الحال وانقلب، واتيح لابن ساوي السبب، أن يطفئ ناري ويخرب دياري؛ لأن ولدي التعيس قد ملك أنس الجليس، وظننت أن أعدله عنها، فحصل الامتناع منه ومنها، ولا أدري كيف الخلاص من غوائل القناص، هل أسلم من الإعدام، أو يذيقني الأمير الحمام، فلا كنت يا ولدي الذميم، ولا كانت أمك نعيم؛ فلولاكما ما هبت العذاب، ولا عاينت هذه الكروب والأوصاب. مالي غير الهرب لأسلم من غوائل العطب، وترك ولدي الذميم، للخسر والعذاب الأليم؛ لأنه هو السبب في المصائب في الحرب. نعم نعم يابن خاقان، الهرب أجدر بك الآن وأسلم على الدوام من العذاب والإعدام.
بنفسك فز إذا ما خفت ضيما
وخلي الدار تنعي من بناها
فإنك واجد أرضا بأرض
ونفسك لم تجد نفسا سواها (يذهب)
الجزء الحادي والعشرون (علي - أنس الجليس)
علي :
إن أمرنا يا أنس الجليس مشكل، والحال الذي وقعنا فيه معضل، ولا ندري كيف الخلاص ، من غوايل القناص.
أنس الجليس :
لا تقنط يا سيدي من السلامة.
علي :
إنا نراها أو نخلص من الملامة، ما دام الأمير الأفخر قد بلغه الخبر، أن والدي المهاب، قد شراك له بلا استراب.
الجزء الثاني والعشرون (الحاضرون - منذر)
منذر :
انج يا سيدي بنفسك، قبل أن تحل في رمسك.
علي :
ما الخبر يا منذر؟
منذر :
قد جاء إلى الأمير المخبر، وقال له إن الفضل بن خاقان قد فضل ولده على الأمير ذي الإحسان، وأعطاه القينة التي شراها، وتملى بجمال محياها، فغضب الأمير الوحيد، غضبا ما عليه من مزيد، وأمر وزيره المعين وبعض الجنود، أن يقوداك مع أبيك في القيود، بعدما يحرقون داركم، ويعجلون بعدها دماركم. فأسرع يا سيدي بالفرار، حذرا من البوار.
علي :
ما نصنع يا أنس الجليس؟
أنس الجليس :
نفوز بالأرواح أيها الأنيس.
علي :
وكيف نفوز بالأرواح؟ وجند الأمير في سائر النواح.
أنس الجليس :
نختفي إلى أن يجن الظلام، ونركبا الدجلة ونذهبا إلى دار السلام، وبعد وصولنا بأمان، يفرجها العظيم المنان.
علي :
هذا هو الرأي السديد، والتدبير الحميد، فبادري الآن، والحافظ الرحمن. (يذهبا).
الجزء الثالث والعشرون (المعين - قائد عسكر)
المعين :
عليكم أولا أن تقبضوا على ابن خاقان، وعلى ولده الفاسق الخوان، وتخرجون النساء من بعدها حاسرات، وتحرقون الدار وما حوته من الخيرات.
قائد :
أمرك يا ذا الجلال.
المعين :
هيا بلا إمهال.
الجزء الخامس العشرون (المعين)
المعين :
ها قد بلغت مرادي، واشتفى بالفضل فؤادي، وسأقتله مع ولده الفاسق الخوان، وأعيش بعدها في نعمة وتهان.
الجزء السادس والعشرون (المعين - قائد العسكر - نعيم - الجواري)
قائد :
ما وجدنا يا مولاي غير النساء.
المعين :
قد فر الفضل يا ربة الخناء.
نعيم :
الخناء من فعالك يابن ساوي.
المعين :
اسكتي يا كثيرة المساوي ... اسحبوهن إلى السجن والعذاب، وأنا أبحث على الفضل الخلاب، وعلى ولده المشوم، وأسقيهما كئوس السموم، وبعدما يهلكان أسعر النار، وأحرق كما أمر الأمير الدار.
نعيم :
ستجازى يا ظلوم بأعظم جزاء، وينتقم منك رب الأرض والسماء. (تم الفصل الأول)
الفصل الثاني (ينكشف الستار عن هيئة حديقة وقصر وأنوار وناعوره.)
الجزء الأول (علي - أنس الجليس)
علي :
للورد عندي محل
لأنه لا يمل
كل الرياحين جند
وهو الأمير الأجل
أنس الجليس :
كتب الورد إلينا
في قراطيس الخدود
يا بني الأنس صلوني
قد دنا وقت الورود
علي :
انظري يا أنس، هذا البستان، وهذه الزهور المختلفة الألوان، وهذه المصابيح، وهذا الصرح المليح، وهذه المياه الهاطلة الجارية، وهذه الناعورة الشادية الباكية، بدموع كدموع مهجور، وفراق حبيب مسحور.
أنس الجليس :
نعم يا سيدي، هذا البستان، كأنه روضة من الجنان، ولكن دخلناه في هذا الظلام، ولم نر فيه صاحب ولا خدام، ونخشى إذا حضر صاحبه الآن، أن يؤنبنا على الدخول بغير استئذان.
علي :
مهما كانت أخلاق صاحبه ردية، فلا أظن يعاملنا بغير الإنسانية؛ خصوصا إذا علم أننا غرباء، وكان دخولنا إلى بستانه التجاء، من وثبة أسد أو غايل ذي رصد، وحيث قد لاعنا الجوع، وأنحلنا طيب الهجوع، فنصطاد شيئا من سمك هذا النهر، نوالي بأكله جزيل الحمد والشكر، للعليم العلام، وبعدها ننام، خذي أنت هذه السنارة، واصطادي من هذا العبارة، وأنا أصيد في هذا المكان، والرزق على الواحد المنان، ها قد صادت السنارة.
أنس الجليس :
وأنا يا ذا النضارة، قد صادت السنارة.
علي :
انظري سمكتي.
أنس الجليس :
هذه يا مولاي أكبر.
علي :
ما هذا الحظ الأوفر! اجلسي هجم الصيد.
أنس الجليس :
أمرك يا ذا الأيد، هذه سمكة تانية.
علي :
وأنا سمكتي وافية، سبحان مسهل الأرزاق! ارجعي يا ذات الإشراق، والميسر الحنان.
أنس الجليس :
سمعا أيها المصان، وهذه سمكة ثالثة.
علي :
سلمتي أيتها الضابسة، وأنا قد استكملت الثلاثة.
أنس الجليس :
هذه أعظم إغاثة، من الكريم الخلاق، العظيم الرزاق، يكفنا سيدي هذا القدر.
علي :
نعم يا شقيقة البدر، هذا القدر يكفي، وللتعب ينفي، وحيث قد حصل الزاد، فاضطجعي يا أنس للرقاد، وبعد ذهاب الوسن، وحصول راحة البدن، نشوي ونأكل، بالسرور نرفل، ونحمد المنعم، الرزاق المطعم (ينامان).
الجزء الثاني (علي - أنس الجليس - الشيخ إبراهيم)
الشيخ إبراهيم :
جاء الربيع وأزهار الربا نفحت
والوقت قد طاب والأطيار قد صدحت
والسحب قد خزقت أثوابها طربا
على الروابي وأرواح الصبا فرحت
والورد قام على عرش له بهج
وفوقه ألسن النعمان قد فصحت
والطير قد غردت فوق الأراك وقد
حلا النسيم على الأغصان فاصطلحت
هذا هو الأوان الذي يشرف فيه الخليفة هذا البستان، فيغمرني بمزيد الإحسان، وينعش مني الجنان. من هذان النايمان؟
لم يخلق الرحمن أحسن منظر
من عاشقين على فراش واحد
متعانقين عليهما حلل الرضا
متوسدين بمعصم وبساعد
من يا ترى هذا الغلام الأغر؟ وهذه الغادة الفائقة الشمس والقمر؟ هل هما غريبان أتيا في هذا الظلام، وما اهتديا لدار السلام، فدخلا هذا البستان، وناما فيه إلى الآن؟ فيلزم أن أنبه هذا الغلام وأنيط عن أمره وأمر غادته اللثام، فإن كان عاشقين أرفق بهما، وإن كان غريبان أحسن إليهما.
قم أيها النائم، انتبه يابن الأكارم، اصح أيها الأكمل.
علي :
سبحان من لا يغفل، من أنت يا ذا الوقار؟
الشيخ إبراهيم :
لا تجزع يابن الأخيار، أنا صاحب البستان.
علي :
سلمت أيها المصان، انهضي يا أنس الجليس، انتبهي يا ذات الجمال النفيس، اجلسي يا ريحانة الفؤاد.
أنس الجليس :
سبحان من تنزه عن الرقاد، من هذا الرجل يا صاحب الشان؟
علي :
هذا يا أنس، رب البستان، لا تؤاخذنا يا حسن الأمن، على دخولنا بغير إذن، لأننا غرباء الديار، وكان وصولنا في الاعتكار، وحيث نار ابن زكاء، فنشكر فضلك يا ذا الرواء، ونسير بسلام إلى دار السلام.
الشيخ إبراهيم :
هذا يكون يا ذا الرونق، بعدما أستطلع طلعكم المفلق، وأعلم المتنبه بغير خلب، وإلى أين الوجهة والطلب.
علي :
أنا يا مولاي منبتي البصرة، وهذه المذرية ببدر النصرة، هي قينتي، وينبوع نشأتي، ولقد لفظتنا الدجلة ليلا أيها الواقي، فاستولى الفتور على الأعضاء، والسنة على المآقي، فأحلنا القدر بستانك النضير، فنودعك الآن ونستأذنك في المسير.
الشيخ إبراهيم :
علمت المنبتة وما علمت الوجهة.
علي :
الوجهة بغداد، للفكاهة والنزهة، وبعد ما نستوفي مدة المؤجل جزره، نرجع يا سيدي بالسلامة إلى البصرة.
الشيخ إبراهيم :
وما اسمك يا فائق العين؟
علي :
اسمي علي نور الدين، واسم قينتي أنس الجليس.
الشيخ إبراهيم :
هذا أنفس كل نفيس، لكل منهما من اسمه نصيب، مع جمال يفتن لب الأديب.
علي :
حيث قد خبرت الجلي والمبهم، وغمرتنا بنيلك أيها الأكرم، فنودعك يا سيدي الآن، ونذهب إلى دار السلام بأمان.
الشيخ إبراهيم :
سر يا بني ما لديك، فالذهاب الآن بعيد عليك، وقد استهواني بيان لهجتك، إلى مسامرتك ومجالستك، فأرجوك يا ذا الاحتشام، أن تضيفني بعض أيام، وبعد انقضاء الضيافة ألتزم خدمتك يا ذا اللطافة، إلى أن تستقصي بغداد، وتبلغ من سياحتك المراد، وبعدها إذا أزمعت الشخوص إلى البصرة، أودعك وفي القلب ألف حرقة وحسرة، قائلا: إنا لله، الذي لا يدوم سواه.
علي :
أنت يا سيدي كفؤ لكل نزيل، وقد أوليتنا بجميل جزيل، فيكفينا الآن المبيت والمعرفة، وسنزورك يا كامل كل صفة.
الشيخ إبراهيم :
أما قلت لك سر ما لديك؟
علي :
نحن لا نرغب في التثقيل عليك.
الشيخ إبراهيم :
كلا أيها النبيل، وجودكما ما فيه تثقيل، وهو عندي برهة عيد، ونزهة فؤادي وحظي السعيد.
أهلا على القطر عطري الشذا
ومن الذي سلب النهى واستحوذا
فارقا لهذا القصر واغتنم فرصة
مع غادة تسبي ولا تخشى الأذى
وأنا على ذا الباب أحرص سيدي
وإذا دعاني الشوق أفعل هكذا
أنس الجليس :
يظهر عليه أنه صاحب دعابة.
الشيخ إبراهيم :
كيف لا وأنا رب الصبابة، والطرف والخلاعة والظرف والرواية، وأحفظ عجائب الأخبار، وغرائب الأثمار، وأحاسن الأوزان، ومحاسن الألحان، ولي بمعظم الفنون إلمام، بل أنا المقتدي بها والإمام.
علي :
عنوانك أيها الكامل، يبرهن أنك عاقل، والفضائل تحفظ منك، ولا يتحفظ في حالة عنك، وحيث قد راقنا فهمك، فأرجوك أن تعلمنا ما اسمك؟
الشيخ إبراهيم :
أنا الشيخ إبراهيم، صاحب الفرائد والتنظيم، فارقيا لهذا القصر، وسأريكما تحف الدهر ... يلزم أن أحضر أرباب الألحان، وأصنع من المأكول ألوان، وأقدم لهما كل مرغوب، من أنواع المشموم والمشروب (يذهب).
الجزء الثالث (علي نور الدين - أنس الجليس)
علي :
قد كفينا يا أنس شر ابن سليمان، وأوصلنا الله إلى دار السلام بأمان.
أنس الجليس :
إي وأبيك يا قرة العين، سنشكر مكارمه بلا مين، ولكن يجب أن نختلس برهة الإقامة، كي لا يحصل له منا سآمة.
علي :
صدقت، ولا نضيقه إلا ثلاثة أيام، فشر الأضياف من سام.
الجزء الرابع (علي نور الدين - أنس الجليس - الشيخ إبراهيم - مطربين)
الشيخ إبراهيم :
ها قد جئتكم بأرباب الألحان.
مطربين (لحن) :
غني لي نور وصبا
بمعرب الألحان
إن في النوى وصبا
لصاحب الأشجان
كم ترى حماما
قد شدا هياما
يشتكي غراما
مال ذو الهوى والصبا
إلى غصون البان
هيجت جواه صبا
مرت على نعمان
يا أخي النداما
اسقني المداما
ثم قل إلى ما
فاتني حوى شنبا
في ثغره المرجان
نحوه السوى قربا
وعنه قد أقصاني
إن أراد كلاما
زادني كلاما
تورث السقاما
مهجتي كوى وسبا
لقلبي الولهان
ليته أرعوي ونبا
عن قول من يلحاني
لحظة إذا ما
فوق السهاما
يقتل الأناما
كلما هوى طربا
وارتاح كالنشوان
خلت باللوى قضبا
تهتز كالمرجان
ينثني قواما
مال واستقاما
يخجل التماما
خده روى عجبا
عن رود ورد قاني
صدغه التوى وأبى
أني أكون الجاني
يا شذا الخزاما
بلغ السلاما
ثم قل إلى ما
سق إلى طوى نجبا
يا سائق الأظعان
كم شج طوى كثبا
شوقا إلى الأوطان
على مستهاما
في الغرام هاما
يبلغ المراما
الجزء الخامس (الحاضرين - هارون الرشيد - جعفر - حجاج)
مطربين (لحن) :
دام مولانا الملك الأفضل
بالعلا والافتخار
رأيه السامي سديد كامل
بالوفا والاقتدار
بحره جود مديد للورى
جوده أحيا الفؤاد
بين بين الورى عالي الزرى
فضله عم العباد
الخليفة :
يا شيخ إبراهيم.
الشيخ إبراهيم :
لبيك أيها الفخيم.
الخليفة :
من عندك في القصر؟
الشيخ إبراهيم :
الصدق يا جليل القدر، أسلم ملجا، وللمرء منجا، الذي عندي يا أمير المؤمنين، بعض أصحاب التلاحين، أحضرتهم لضيف جاني من البصرة، ومعه قينة تفوق الشمس والزهرة.
الخليفة :
علي بالضيف والقينة.
الشيخ إبراهيم :
أمرك يا صاحب الفطنة (يذهب).
الجزء السادس (الحاضرين ما عدا الشيخ إبراهيم)
الخليفة :
عليك بالصدق ولو أنه
أحرقك الصدق بنار الوعيد
وابغ رضا الله فأغبى الورى
من أسخط المولى وأرضى العبيد
صدق إبراهيم يا جعفر، يعصمه أبدا من الخطر، وقد جربته مرار، فوجدته غير مهزار، لا يستعمل الزخرفة، ولا عنده سفسفة؛ ولهذا أظن ختله، وأرغب قوله وفعله.
جعفر :
دام أمير المؤمنين، وقطب عثرة الأظهرين، الناس على دين ملوكهم، وسالكين طرايق سلوكهم، فإذا صلحت أخلاق الملوك العلية، تنصلح بالضرورة سائر الرعية، طائعين كانت أم كارهة، وتمرح في الصلاح فارهة، لا سيما أتباع الخليفة، المنتصبون لخدمته الشريفة؛ فإنهم يقتبسون من خلاله السنية، وتنطبع في قلوبهم أنوار جلاله الإرشادية، ويظهرون بأكمل صفة، منزهون على الختل والذخرفة، ومن هذا الشيخ إبراهيم، قد سلك السبيل المستقيم، وتنزه بالصدق عن المين والملق، فلا عدمناك يا ذا الإيناس، ودرة عقد بني العباس.
الجزء السابع (الحاضرين - علي نور الدين - أنس الجليس - الشيخ إبراهيم)
علي :
لخليفة المختار أرفع شكوتي
ليقد أغلالي ويطفئ غلتي
فالظلم قاض دعايمي وأهاضها
عمدا وأوغل في استلاب زخيرتي
فاستأصل العدوان سيبي بعدما
أحجمت أجمح من حلول منيتي
وأتيت بابك صارخا متعلقا
بعرى الخلافة كي أفوز بنصرتي
فادرأ خطوبي إنني بك لائذ
واجلو بنور العدل غيهب ظلمتي
الخليفة :
من ظلمك يا غلام؟
علي :
ظلمني يا ذا الإكرام، نائبك حاكم البصرة، وكبدني ألف حسرة.
الخليفة :
ولما ظلمك ابن سليمان؟
علي :
أعرض يا حاسم البغي والعدوان، إنه أمر والدي عبدك الفضل بن خاقان أن يشتري له قينة ذات معارف وألحان، فذهب واشترى له قينة غراء، تدع لب من رآها هباء، فلما رأيت يا مولاي القينة، أحببت أن تكون لي قرينة، فسألت أبي أن يهبني إياها، ويشتري للأمير قينة سواها، فأجاب والدي سؤالي؛ لكوني وحيد وعليه غالي، وبعد ما ملكتها أيها الأفخر، قد بلغ ابن سليمان الخبر، فغضب على والدي وعلي، وسول له ابن ساوي جعبة الغي، أن يقتلنا جميعا أيها المفضال، ويسبي عيالنا والأطفال، ويحرق ديارنا العامرة، وما حوته من النعم الفاخرة، ومنذ فقهنا ما نوى، نزح والدي فانزوى، وأنا أخذت قينتي والتزمت الفرار، وما ندري بعد فرارنا ما سار.
سلبنا العز يا ذا المكرمات
وقد فتكت بنا أيدي العدات
فمزقنا وقد صبت علينا
صروف الدهر كأس النايبات
ولم يفتك بنا غير ابن ساوي
قرين الموبقات اللاثبات
بأمر محمد ابن الزين ظلما
علينا بكت عيون النايحات
أيابن المهدي غوثا وانتصارا
فقد جرعنا كاسات الشتات
أيظلمنا الزمان وأنت فيه
وجدك في العلا والصالحات
الخليفة :
أأنت ابن الفضل؟
علي :
نعم يا معدن العدل، واسمي يا أمير المؤمنين عبدك علي نور الدين، وهذه يا مولاي هي القينة التي نائبك ابن سليمان قد نكبنا من أجلها يا سامي الشان.
أنس الجليس :
سرنا لبابك يابن مهدي الناس
وخلاصة الخلفا من العباس
لذنا بذل والزمان أبو البلا
أفنى القلوب بفاتك جرفاس
كي نكفى عدوان البغاة وظلمهم
ونقال مما جل عن مقياس
داهمتنا غائلة النوائب بغتة
بسهام إزراء تدك رواسي
من موئلي ألاك منجي ومنقذ
من وصمة المتحرد الخناس
ارحم أغث أنجد فقد أزكت بنا
أيدي الشوائب جمرة المقباس
الخليفة :
أيكون عدلي يجري بالقسطاس
وأنا لأمراض البرية آسي
ويقال ارحم أو أغث من ظالم
لا عاش إن أغضيت عنكما راسي
ابقى يا علي ضيفا عند الشيخ إبراهيم، وسنعطيك كتابا لابن سليمان اللئيم، ونأمره أن يرجع أباك لرتبته، ويعوض عليه داره وجميع نعمته، ونعامله بعدها بما يستحق، إذا كانت شكواك صدق.
علي :
ما تكلمت وحياتك بغير الصدق، وليس بموجب أن أنصب له حبال الملق، وإذا استطلعت من بعض أعيان البصرة، تؤكد ما لاعنا عن لوعة وحسرة، وما حاق بنا من الخسران من جور محمد بن سليمان.
الخليفة :
سنستطلع يابن الفضل، ونميز الصدق من الختل ... خذهما يا إبراهيم الآن، ويهونا العظيم المنان (يذهبون).
الجزء الثامن (الخليفة - جعفر - حجاب)
الخليفة :
أيمططي يا جعفر غارب ظلم، أو يراشي أحد من الرعية بسهم، وقد جعلناك لسان الدولة، ولقمان الحكمة، وقسطاس الأعمال، والرئيس على العمال، ويتجرأ ابن سليمان على مثل هذا العدوان.
جعفر :
أنا يا مولاي الأريب، لا أستوجب ملاما ولا تأنيب، لأني أفقه يا ذا الرفعة والرواء، ما يجب على أمناء الملوك والخلفاء ، من الصدق والصيانة، والنصح والأمانة، والسياسة واللسن، والإدراك الحسن، وأن يكون المؤتمن أمينا، وفي كل حال ثابتا متينا، صدوق النطق، دائرا مع الحق، يقظان مراقب، في الخواتيم والعواقب، مقيما كل واحد في مقام لا يتعداه، ومنصب معلوم لا يتخطاه، حتى تستقيم بذلك أحوال المملكة، وتصان من الوقوع في مهاوى التهلكة، ويطمئن خاطر مخدومه، ويركن إليه في منطوق فعله ومفهومه. فمنذ جعلتني يا مولاي لسان الدولة العباسية، ما فهمت ضدها بكلية ولا جزئية، ولا سمعنا ما يوجب السؤال، والشاهد ذو الجلال، ومحمد بن سليمان، ما سمعنا عنه سوء قبل الآن، وشكوى علي نور الدين، خبر يحتمل الشك واليقين، وبأمرك سنعطي له كتاب، ونأمره بسرعة الإياب، ونتبعه سرا على الأثر، وستنجلي لنا صحة الخبر، وبعدها يا ملجأ الورى، الأمر إليك فيما ترى.
الخليفة :
قد أزعجني يا جعفر ابن سليمان، بما فعله مع الفضل من العدوان، فمره بلسان العنف والغضب، أن يرد ما هاض وما استلب، ويعيد الفضل مبجل، ويحضر إلينا بالعجل، ومعه ابن ساوي، ذو الزيغ والمساوي.
جعفر :
أمرك يا ذا الجلال، ومعدن الجود والإفضال، ومستشفاه ندامة الفرزدق، إذا كان ظلمه محقق.
الخليفة :
وندامة عامر ابن الحارث، حين جلا الصبح ليله الكارث. فبداري أيها الوزير، واكتب لهذا الختير، كما أمرت كتاب، كصواعق العذاب.
جعفر :
أمرك أيها الأجل، وسأكتب إليه بالعجل.
الجميع (لحن) :
يا هماما ساد فينا وملك
ملك أنت مهاب أم ملك
فاز من بين الورى من أملك
والهنا بعد العنا قد دام لك
قد عفا المولى فأحيى العباد
بحياة وسلام
ورضي عنا حنانا وجاد
عند من ساد الأنام
وبه نلنا المنا والمرام
وصفا منا الختام
فهو الأكرم
لما أنعم
طاب المغنم
والمرام (تم الفصل الثاني)
الفصل الثالث (ينكشف الستار عن منزل ابن سليمان.)
الجزء الأول (ابن سليمان - المعين - الفضل - حجاب)
ابن سليمان :
وكنت أظن أن جبال رضوى
تزول وأن حبك لا يزول
ولكن الزمان له انقلاب
وحالات ابن آدم تستحيل
ما وقفت يا فضل على ما غيرك بلا سبب، ولا فقهت كيف جال حالك وانقلب، حتى فعلت ما شوش الخاطر، وكدر الضمائر والسرائر، هل غيرك الزمان كما تغير، أو نكرك المعروف كما تنكر، أم كشف التحقيق أستار السبك ، فأبان عن الزغل أثر الحك، هلا تحريت الصواب، وأخلصت في العمل يا خلاب، أما نظرت في العواقب، وأنذرك فكرك الثاقب، حتى قابلت الإيجاب بالسلب، والاستقامة بالقلب، والإقبال بالصد، والقبول بالرد، وفضلت ولدك يابن خاقان، على ولي نعمتك ابن سليمان.
الفضل :
قد حكم علي أيها الأغر، محتوم القضاء والقدر، وما هي يابن الأجواد، إلا كبوة جواد، ما غيره الزمان، ولا أنكره العرفان، وعدم الخطأ أيها المخدوم، لا يكون لغير معصوم، وأفضل شمايل الجلال، وأعلى مراتب الكمال، العفو عمن أجرم وأساء، وأحسن منة يا مولاي من الأمراء، ما يصدر منهم، ويروى للناس عنهم، من الصفح والإشفاق، والعفو ومكارم الأخلاق، لا يحصيه قلم حصر، ولو كان مداده البحر، فأمحو جل هفوتي وأقبلها، ولا أفعل ما عشت مثلها.
ابن سليمان :
أعدا عدوك أدني من وثقت به
فحاذر الناس واصحبهم على دخل
فإنما رجل الدنيا وواحدها
من لا يعول في الدنيا على رجل
اذهبا به إلى السجن الآن، ريثما يقبض على ولده الخوان، ونفعل به ما تقتضيه السياسة، من حفظ ناموس الإمارة والرئاسة (يذهبون).
الجزء الثاني (ابن سليمان - المعين ابن ساوي)
المعين :
حذاري يا مولاي من ختله، وقابله بالقتل جزاء فعله؛ لأنه عدو لئيم، وقتله يا مولاي الفخيم، نعمة طائلة، وسعادة متواصلة، وعزة مستصحبة، وفرصة غير مترقبة، وكذلك ولده متى يقبض، يلقى مع أبيه في العذاب ويرمض، لا تبصر العينان ولا تسمع الآذان، فيقضي العتاب ويفضي إلى العقاب.
ابن سليمان :
سنفعل ما قلت يا معين، ولكن بعدما يقبض على نور الدين.
المعين :
لا يا مولاي المصان، اقتل الآن ابن خاقان، وبعدها نجعل على ولده الأرصاد، ومتى يقبض نجدع منه الأكباد.
ابن سليمان :
التأني يا معين أنجح، وأنصح في كل الأمور وأصلح، فلا تكن عجول، وسيحصل المأمول.
المعين :
أنا ما تعمدت إنجاز أمره، إلا لتخلص من ختله وختره، والتسويف يا مولاي بغير الأفكار، يفضي إلى الأماني والأمطار، والصواب يا مولاي هو الإنجاز، ولك الأمر بالصدور والأعجاز.
ابن سليمان :
أغمض يا معين غضب نجواك؛ فقد فقهت كنه فحواك، ولاح لي يابن ساوي، ما أنت عليه ناوي، وهذا لا يمكن ما لم يوجد ابن الفضل، ولي الأمر بعدها بالعفو أو القتل، فحذاري من المكايدة؛ فشباكها غير صايدة.
المعين :
أنا ما تعمدت كيد، ولا نصبت شباك صيد، وما حرضتك على قتل الفضل، إلا لعلمي أنه معدن الختل، وإبقاؤه خطر، ونصب كدر.
ابن سليمان :
لا تخطئ من يتأيد في الأمر يا معين.
الجزء الثالث (ابن سليمان - المعين - حاجب)
حاجب :
على الباب يا مولاي علي نور الدين.
ابن سليمان :
أحضره بلا توان.
حاجب :
أمرك يا علي الشان (يذهب).
الجزء الرابع (ابن سليمان - المعين)
المعين :
ها قد حضر يا مولاي ابن الفضل، فلا تحول عزمك عن القتل.
ابن سليمان :
صبرا يا معين لنراه.
المعين :
أمرك يا سامي الجاه.
الجزء الخامس (ابن سليمان - المعين - علي نور الدين - حاجب)
علي :
أهدي لحضرتك الثنا وأسلم
راجي رضاك، به أقال وأرحم
حسبي صلاحك منصفا ومساعدا
يا أيها الشهم الأجل الأكرم
صفحا فحلمك بي فديتك منصفا
وعظيم ذنبي منه عفوك أعظم
حاشاك تهدم ما رفعت بناءه
يا من به ثغر المراحم يبسم
هذا الكتاب من الخليفة سيدي
فاقرأه وارحمني لعلك ترحم
ابن سليمان :
لخليفة الهادي الحياة نقدم
ولأمره المسموع نسعى ونخدم
طب يا علي فشمس سعدك أشرقت
وحللت في حصن لخطبك يحسم
علي :
دم بالسيادة والسعادة ما شدا
طير علي فنن ولاحت أنجم
أنت الذي ترجي إذا خطب طما
وتغيث من يرجو بذاك وترحم
المعين :
وكيف تحصلت على هذا الكتاب؟
علي :
تحصلت عليه بعناية الوهاب.
ابن سليمان :
وهل اجتمعت بأمير المؤمنين؟
علي :
نعم، وأبان بتوجهاته دائي الدفين.
ابن سليمان :
قف ظاهر الباب.
علي :
أمرك أيها المهاب (يذهب).
الجزء السادس (الحاضرين ما عدا علي نور الدين)
ابن سليمان :
هذه آراؤك يا معين، أسخطت علينا أمير المؤمنين، حتى أرسل إلينا هذا الكتاب ، وأنذرنا فيه بوقوع العذاب.
المعين :
وهل حققت يا ذا الجناب، أن الخليفة أرسل هذا الكتاب؟ ومن أين لعلي نور الدين، أن يجتمع بأمير المؤمنين، من الجلال، الذي يرهب أسد الدحال؟ ومتى كان الخليفة يا بازغ السجية، يخاطبك بكتب غير رسمية؟! فهذا الكتاب نفاق وتزوير، والخليفة ما عنده خبر، وأنا أستطلع من الوزير جعفر، بكتاب أبرهن لك فيه يا طاهر الأصل، أنها من تزويرات ابن الفضل، وبعدما تتحقق من الكتاب مينه، تلزمك الشهامة أن تقتل الفضل وابنه، جزا إفكهما المبين، عليك وعلى أمير المؤمنين.
ابن سليمان :
هذا إذا كان الكتاب مزور. وإذا كان من الخليفة الأفخر، فماذا يكون الجواب؟
المعين :
الجواب علي بلا استراب، ومن ثم ترى من المعين تجاه أمير المؤمنين من أجوبة سديدة، وجمل معجبة مفيدة، تعلن ما للفضل ذي الخديعة، من سوء سريرة وخبث طبيعة، وبعدما يقف الخليفة على التحقيق، ويقلبه باسترلاب القبول والتصديق، يأمرك بقتل الفضل الخوان، وابنه المهان، حفظا لناموس الخلافة المنير، وتربية لكل خئون ختير.
ابن سليمان :
هلم يابن الفضل.
الجزء السابع (الحاضرين - علي نور الدين)
علي :
لبيك يا ذا العدل.
ابن سليمان :
ما فعلت بالقينة التي استوهبتها من أبيك؟
علي :
حاضرة يا مولاي، إن شئت تكون من بعض جواريك.
ابن سليمان :
نحن لا نشرب من ماء نجس يا حقير ... ضمه مع القينة إلى أبيه أيها الوزير، واستطلع كما قلت من الوزير جعفر بن يحيى، والأمر لمن بيده الممات والمحيا.
المعين :
هذا هو الصواب، اقبضوا على هذا الخلاب.
علي :
عدلا يابن سليمان.
ابن سليمان :
اسكت أيها الخوان.
المعين :
اسحبوه أيها الجنود.
علي :
آه، أغثني يا معبود (يأخذوه).
الجزء الثامن (المعين)
المعين :
بالمكر أبلغ ما أهوى من الأمل
وبالخداع أنال الفوز عن عجل
وإنني بهما قد نلت مطلبي
وسوف أتمم ما أبغيه بالحيل
ويصبح الدهر لي طوعا على صغر
أقوده ببناني قودة الجمل
كذا قد خلقت كما شاء ربي لي
فلا أخاف ولا أخشى من الخجل
فإن من لم يكن في الدهر ذا حيل
تنيله ما يرجى ليس بالرجل (تم الفصل الثالث)
الفصل الرابع (ينكشف الستار عن هيئة ثلاثة سجون.)
الجزء الأول (الفضل في سجن بمفرد - علي نور الدين في سجن بمفرد - نعيم - أنس الجليس - جواري في سجن - حرس)
الجميع (لحن) :
أسعرت يابن ساوي
بنا لظى المكاوي
نلت ما كنت ناوي
وما لواك لاوي
الفضل :
عداوة المعين
قضت بهذا الأين
قد فزت يا ذا المعين
ويل لكل غاوي
الجميع :
أسعرت ... إلخ.
علي :
أسرف بالغواية
مباين الهداية
وحاز حد الغاية
بالزيغ والمساوي
الجميع :
أسعرت ... إلخ.
الفضل :
ألا يابن ساوي من دعاك معين
وأنت مهين للورى ومشين
معين ولكن بالضلال عن الورى
وبالصالحات الناصحات ضنين
علي :
عتبنا أيها الوالد على ابن سليمان، كيف طاوع المعين وقبل منه البهتان، وما في الأمر ما يوجب العناء، أو يقضي بالعقوبة والجزاء.
الفضل :
هذا يا بني معلوم، لابن السليمان الظلوم؛ لأنه في كل حال هو المسئول، وعليه أن يميز حدود الفضل من الفضول. واعلم يا بني وجوهر ناظري، أن ولي الأمر على زيد وعمر، كالسهم الخارج من الوتر، بل شبه القضا والقدر، لا يصد ولا يرد، ولا حيلة في منعه لأحد، فإذا لم يتدبر قبل إبرازه في عواقب مآله وأعجازه، ربما أدى إلى الندم والتأسف، حيث ذلت القدم. ولو تأمل ابن سليمان، في عواقب بغية والعدوان، لما كان طاوع المعين، وقبل منه البهتان.
علي :
وما قصد المعين أيها الوالد، بما أوقعنا به من الشدائد؟
الفضل :
ما له مقصد غير الطمع، الذي ما استعمله أحد وانتفع، وصاحبه من الشر والحرص والسفه، لو قبلت إليه الأراضون وما حوته تبرا، وهطلت عليه السماء جوهرا أو درا، وألبسته الأقيال تاج السيادة، لا يمتنع عن الزيادة، والمعين يا بني من هذا القبيل، لا يقنعه قليل ولا جزيل، وقد أحب أن يخلو له الجو فيظفر، ويبلغ بكيده منا حظه الأوفر، لكن حفظ منه شيئا وغابت عنه أشياء، ولا بد ما يقع هو وابن سليمان في أشد العناء؛ حيث إن الجزاء من جنس العمل، ولكل امرئ نتيجة ما فعل .
علي :
صدقت يا ذا العلاء، لكل عمل جزاء، والمرء ما يثمر زرعه يجنيه، ومن حفر بئرا لأخيه وقع فيه، وحيث قد علم الخليفة أمرنا، فلا بد قريبا ما يكشف ضرنا، ويذيق المعين وابن سليمان، كئوس الإهانة والخسران، جزاء فعلهما الشنيع، وزيفهما الفظيع، ونحن يجب علينا أن نستعمل الصبر، ونستقبل القضا بالشكر، والسميع المجيب، يفرجها عن قريب.
الجميع (لحن) :
فرجا قريبا يا قدير
يأتي بتيسير العسير
أنت المجير أنت النصير
فرجا قريبا قدير
الفضل :
يا علي صبرا
قد جرى الحكم
علي :
يا أبي أجرى
مدمعي الظلم
الجميع :
ربنا اكفنا
ضرنا العنا
أوهن الظهر
وطما الفم
الفضل :
يا علي الصبر مفتاح الفرج
علي :
أنى نلقاه وقد زاد الحرج
الجميع (لحن) :
يابن ساوي، أين أخلاق الكرام؟
يابن ساوي هكذا حفظ الزمام
جرت بالعدوان يا نسل اللئام
فاتق الله بتكليم المهج
الفضل :
صبرا نعيم فهذا الضيق والفرج
جنحا ظلام طما يجلوهما البلج
ما دام خطب ولا كرب على أحد
لكل ضيق بأحكام القضا فرج
الجميع :
متى نلقاه فقد شد الوثاق
وعفت أحشاؤنا بالاحتراق
وكذا الأرواح صارت في تراق
ومدى الأزمات حلت في الودج
الفضل :
ما حكم الرزئ في الأرواح والودج
ألا يجوز المعين الأحقر السمج
يا جاحد الصنع أبشر بالسقوط فلا
تدوم رفعة باغ بين الزلج
الجميع :
رفعة الباغين كزورة طيف
أو كمر الظل أو مزنة صيف
ألف حيف ثم ألف ألف حيف
أن يرجى لقوام ذا عوج
الجزء الثاني (الحاضرين - ابن سليمان - المعين)
ابن سليمان :
نعم نعم لست أعفو عنهما أبدا
لا عاش من خان يوما لا ولا وجدا
كم يابن خاقان في خيري وفي نعمي
نعمت لكن جميلي ضاع فيك سدا
لا أعف ... ... ... ... ... ...
المعين : ... ... لا تعف يا مولاي قط ولا
تحنو عليهم فما منهم نرى رشدا
هم الطغاة البغاة الخائنون وكم
لهم فعال تذيب القلب والجسدا
حكم بأعناقهم سيف الجزاء تفز
من خان لا كان جرعهم كئوس ردا
ابن سليمان :
أخرجوا ابن خاقان وولده الخوان.
أتدري ما فعلت أبا علي
وكيف جدعت حبل الود ظلما
الفضل :
نعم أدري ولكن حسن ظني
بعفوك أن أرى صفحا وحلما
ابن سليمان :
أبعد الجرم تطلب منا عفوا
وهذا لا أظن تراه جزما
الفضل :
إذا كنت المسيء فكن غفورا
لتكفي بالرضا شرا وضيما
وهذا مقام من بالمعذرة، يعتمد على المغفرة، فامح الإساءة والإحسان، وأصفح يا ابن سليمان، وانظر ذلتي بين يديك، والغفران لا يكثر عليك.
هبني أسأت، فأين العفو والكرم؟
إذ قادني نحوك الإذعان والندم
بالغت في السخط فاصفح صفح مقتدر
إن الكرام إذا ما استرحموا رحموا
العبد يا مولاي يذنب ويستغفر، والمولى يعفو عن الذنب ويغفر، ولولا جرائم العبيد الأدنياء، لم يظهر حلم الملوك والأمراء، وهذا موقف الاستكانة بالندم، فعاملنا بالعفو يا ذا الكرم، وإذا كان الانتقام عدل، فالتجاوز منة وفضل، والكريم أوسع ما يكون مغفرة، إذا ضاقت بالمسيء سبل المعذرة.
إذا اعتذر المسيء إليك يوما
من الآثام عذر فتى مقر
فصنه عن عقابك واعف عنه
فإن العفو شيمة كل حر
ابن سليمان :
العفو عن الذنب من واجبات الكرم، وقبول المعذرة من محاسن الشيم.
تجاوز عن الجرم العظيم تكرما
فيكفي المسيء العذر والذل والكرب
إذا ما امرء من ذنبه جاء تائبا
إليك ولم تغفر له فلك الذنب
قد عفوت عن ال ... ... ... ... ... ... ...
المعين :
لا يا ذا الطعن، ما العفو صواب، واقرأ هذا الكتاب، الذي جاءني من الوزير جعفر، جواب سؤالي منه أيها الأفخر، وحقق ما لهذا الخئون من إفك وجرأة أيها المصون (صورة الجواب).
ابن سليمان :
بسم الله العليم العلام، وله الحمد على الدوام، وقد وصل يا معين كتابك، وأعلن لدينا خطابك، وسؤال كتابك لابن سليمان، ويريده ابن خاقان، ومنطوق الكتاب وفحواه، تأنيبا لكما بسبب شكواه، بالحضور إلى بغداد، بعدما تردون على الفضل داره وما أراد، فعجبنا من هذا السؤال، وجرأة ذلك الختال، كيف تعمد الافتراء والتزوير على الخلفاء، فبحضورنا كتابنا إليكم واطلاعكم عليه، يجب عليكم أن ترسلوا الفضل وابنه مغلولين؛ لنقف على التزوير والمين، وبعدما يتوضح منهما البهتان، يجازيهما العدل بما يستحقان، وإذا تقاعس الفضل، فعامله وابنه بالقتل، جزاء البهتان، وتعمد العصيان، والحذر يابن ساوي الحذر، من الرفق بأهل الكبر.
خادم سدة الخلافة العليا
الوزير جعفر أبي يحيى
ابن سليمان :
هذا كاشف اللبس ، والداعي إلى الرمس، أسمعت يابن خاقان؟
الفضل :
نعم يابن سليمان، سمعت إفك المعين، الصادق معك والأمين.
المعين :
من الأفاك يا فضل؟
الفضل :
أنت يا سيئ الفعل. وكيف زورت غير هياب، على الوزير جعفر هذا الكتاب؟ مع شهرته بالسداد والرحمة والاتآد، ومتى جاء منه كهذا الكتاب، أو عدل في مشكل عن الصواب؟! فعليك من الله ما تستحق، يا قرين الإفك وعديم الصدق.
المعين :
أنا يا فضل لا أعرف بغير الصدق، ولا أقول في جميع الأقوال إلا الحق، ولساني في جميع الحالات لا ينطق بغير الحسنات، ومالي تزوير وهذا الثاني، والأمير يعرف من منا الجاني، أو ترضى با ابن سليمان أن أحقر وأهان، وأنا في حضرتك، وغرس نعمتك؟!
ابن سليمان :
الويل لك يابن خاقان، الكثير الزيغ والبهتان، ما أجرأ لسانك، وأقل إحسانك، والويل لي إن تركتك سالما، أو عفوت عنك يا ذا الجرائم.
الفضل :
ارحمنا يا وافر الكرامة.
ابن سليمان :
أما تحوز أن السلامة مع ما لكما من الخديعة وسوء سريرة وخبث طبيعة، فلا بد من الانتقام جزاء ما ارتكبتماه من الآثام، أن تقتلون أشر قتلة، وأمثل بكما أشر مثلة، من مال معك إلى الحيف، لا تبخلن عليه بالسيف.
قط العدا قط اليراعة وانتهز
بظبا السيوف سوايم الأضغان
إن البيادق إن توسع خطها
أخذت إليك مآخذ الفرزان
المعين :
عجل بقتلهما أيها الندب، فترك العقوبة أولى بالذنب.
الفضل :
نحن يابن سليمان لا نستحق القتل، ولا نستوجب التنكيل والختل، وستندم ندامة، تفضحك في القيامة، ولا فضيحة الضحاك، الزايغ السفاك، وأنادي من فؤاد مكلوم: مظلوم يا إلهي مظلوم، فانتقم لي من هذا يا رب؛ فإنه قتلني وولدي من غير ذنب. والويل لك في هذا اليوم، ولكل غشوم ملوم، من يوم حساب يابن سليمان، تصم لهوله الآذان، وتصطك له الأسنان، وأنا وولدي سنقتل أتقياء، ونحشر أبرياء، ونلقى الله راضين بما قدره وقضى، وله فيه رضى.
أنا راض بما حكمت لترضى
إذا ما تشاء يكون يقضى
لك يا ذا الجلال فوضت أمري
فقضاء التفويض للمرء أقضى
ابن سليمان :
قدر الله لكما الهلاك، والوقع فيما نصبتماه من الإشراك، فيستغفر الله بما جنيت يابن الأشرار، واستعد لشرب كأس الدمار، ولتخرج نساءهم ليكون القتل بحضورهم؛ إذ يطربوا بعويلهم، وأخرجوهم في الحال لنقطع ما بقي عندهم من الآمال.
الفضل :
ارحمنا أيها الأمير، يرحمك السميع البصير، وتذكر عند القدرة قدرة الله عليك، وعفوه عنك، وإحسانه إليك، واعلم يابن سليمان أن كل ما تدين تدان، ولا تندمل من المظلوم جراحه حتى ينكسر من الظالم جناحه.
الجميع (لحن) :
راقب الجبار فينا يا أمير
واطفي بالعفو لظى حر السعير
ما لنا إلاك منجي ومجير
فأجرنا بك منك نستجير
ابن سليمان :
دخولي مع فرعون وهامان النار، أحب إلي من العفو عنكما يا أشرار.
الجميع (لحن) :
أيابن الأكارم أنلنا السماح
فكم بالمراحم غفرت جناح
لأهل الجرائم رضاك مباح
برانا الكدر وزاد الضرر
وقد صرنا مما
علانا عبر
ابن سليمان :
ابدءوا بقتل هذا الخائن، وثنوا بقتل ولده المائن.
الجميع (لحن) :
ما هذا البلاء مولانا، يا أميرنا رحمانا، فاعفو عنهما إحسانا، ما علانا قد كفانا.
علي :
يا أمير راقب ربك.
الفضل :
يا أمير عطف قلبك.
الجميع :
يا أمير أغمض غضبك
عنا واقبل الشكرانا
المعين :
مه يا فاجرات.
ابن سليمان :
صه يا عاهرات.
المعين :
عجلوا يا همج.
الجميع :
يا إله الفرج.
الجزء الثالث (الحاضرين - حاجب)
حاجب :
قد شرف يا مولاي الوزير جعفر.
ابن سليمان :
مهلا لنكشف الخبر.
الجميع (لحن) :
الحمد لله لقد جاء الفرج
واكتفينا الخطب وانجاب الحرج
مرحبا أهلا بمن يشفي المهج
من بلاء قد كواها ووهج
الجزء الرابع (الحاضرين - جعفر)
جعفر :
ما هذا يابن سليمان؟
ابن سليمان :
هذا انقياد وإزعان، وإجراء يا مولاي المهاب، بما أمرنا به هذا الكتاب.
جعفر :
ما سمعت العالمون، بأقبح من هذا الجنون. ومن زوره يا مولاي هذا الكذاب.
الجميع :
زور على هذا الكتاب.
الفضل :
رسول لابن سليمان، أن يذيقنا الهوان، ولولا تشريفك الآن يا ذا الشئون، لسوينا من مضى عليهم في القبور سنون.
جعفر :
سحقا لك يا معين، ولمن رضيك أمين، ما أكثر شينك، وأقبح مينك.
إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا
وتستحي مخلوقا فما شئت فافعل
هذا وقت لا يقتضي فيه عتاب، ولا يسع تأنيبا ولا عقاب، فليتهيأ كل منكما في هذا الحين للسفر والعرض على أمير المؤمنين.
الجميع :
اليوم قد زال العنا
عنا وقد نلنا المنا
وأشرقت شمس الهنا
بما يوالي أنسنا
هيا لنمضي كلنا
إلى الرشيد
دور
فهو يجازي من ظلم
بما يذيقه العدم
يا رب فاكفينا النقم
وجد علينا بالنعم
واجعلنا يا ذا الكرم
في عيش رغيد (تم الفصل الرابع)
الفصل الخامس (ينكشف الستار عن ديوان الخليفة هارون الرشيد.)
الجزء الأول (الخليفة - جعفر - مسرور - الفضل - علي نور الدين - أنس الجليس - نعيم - ابن سليمان - المعين - حجاب)
الجميع (لحن) :
عش مليكنا دوما
منزه الأفكار
فكلنا لك عونا
لكل ما تختار
دم أميرنا وارقا
للمعالي واسترقا
من أساءكم يلقا
مرهفا بتلم
أبقاك ربي أبدا
لكل ما تختار
الخليفة :
الملك لله من يظفر بنيل منن
يردده قهرا ويضمن بعده الدركا
لو كان لي أو لغيري قدر أنملة
فوق التراب لكان الأمر مشتركا
ما هو جرمك يابن خاقان، مع محمد بن سليمان؟
الفضل :
عبدك أيها المنعم، مع الأمير غير مجرم، وما توقع مني، يا ذا الهبات، يعد من الهفوات.
الخليفة :
أما علمت يا ذا الجريرة، أن هفوة الكبير بمقام الكبيرة، وأن هفوة العقال لا يغضى عنها ولا يمكن أن تقال. فاشرح ما حصل وكان؛ لنعفو عنك أو تدان.
الفضل :
إني أخجل من التصريح يا سامي الشأن.
الخليفة :
لا، قل ولا تخجل؛ ليعلم عذرك ويقبل.
الفضل :
حفظت يا طوس الخلافة، ورب المرحمة والعفافة، أعرض يا مولاي أن هذا الأمير، أمرني أن أشتري لك قينة تنير، فذهبت واشتريت له قينة، ذات ألمعية وفطنة وحسن جمال، كالشمس والهلال، فذهبت واشتريت له قينة غراء، تدع لب من رآها هباء، وجئت بها إلى البيت، لأزينها بحسن ما اقتنيت. وبالقدر المحتوم، رآها ولدي المشئوم، فأحبها وأحبته، وعشقها وعشقته، فرأيت أن أهبه إياها، وأشتري للأمير قينة سواها؛ خشية يابن الأطهرين ، من وقوع ريبة تشين، إذا قدمتها لحضرة الأمير ومنعتها من ولدي الختير. فلما بلغ ابن سليمان ذلك، نصب لنا أشراك المهالك، وبدسائس المعين ابن ساوي، أحرق داري، وسبى عيالي، وتعمد قتلي وقتل ولدي الغالي، وأمر بسجني وسجن ولدي، وأحرق بذلك كبدي، وزيادة على ذلك سجن زوجتي وولدي وخدمي وأنس الجليس، وسلب منا كل غال نفيس، وسول له ابن ساوي قتلنا جميعا، فكان له سميعا مطيعا، ولولا تشريف هذا الوزير، لما نجونا من التدمير. فأمرنا بالتشريف بين يديكم، لنعرض ما ألم بنا عليكم، وها جئنا لائذين بحمى ولي العدل، ورب الإحسان والفضل.
الخليفة :
هل صدق الفضل يابن سليمان؟
ابن سليمان :
نعم، صدق في البعض يا علي الشان، وفي البعض يا مولاي ذل، واستعمل الختر والختل.
الفضل :
وكيف أيها الأمير صدقت في البعض وكذبت في البعض؟ أما حرقت داري وسبيت عيالي؟ وتعمدت قتلي وقتل ولدي الغالي؟
ابن سليمان :
نعم، قد فعلت يابن خاقان لما رأيتك غير صادق، وجدعت بالخيانة العلائق، فرأيت حرق دارك وسلب نعمتك وقتلك جزاء لك، وتربية لما يفعل مثلك.
الخليفة :
أما حفظت يا قبيح الفعل من الجزاء غير القتل؟! وأي شريعة بين الأنام تجازي على الهفوة بالإعدام؟! أوكان شيخك به الشيطان، حتى تلقيته بالقبول والإذعان! وهل أنت حاكم مستقل حتى تعمدت القتل بدون مخابرة، وتفكر في الآخرة! ما هذا العناد، والظلم والفساد، وما هذه القبائح يا جعفر؟!
جعفر :
والأقبح يا مولاي، جرم هذا الأحقر الذي زور علي هذا الكتاب، ولا ارتاع من بأسكم ولا هاب.
الخليفة :
ما هذا الزيغ يا معين؟!
المعين :
عفوا يا أمير المؤمنين، فحسدي لابن خاقان، وخفة عقل ابن سليمان، قد سولا لي ما فعلت، وقد ندمت ورجعت، وها أنا يا مولاي واقف ببابك، ولائذ بأعتابك، وهذا قدر الله حكم علي به وقضاه.
الخليفة :
وأنت يابن سليمان، هل تحول جرمك على القدر؟
ابن سليمان :
نعم يا رافع الضرر، إن كنت أخطأت فما أخطأ القدر، إن القضا إذا أتى يعمى البصر، ومن خلايق الخليفة، وشمائله اللطيفة، العفو عن المذنبين، والصفح عن المسيئين، العفو عمن أجرم وأساء، وأحسن منه يا مولاي للخلفاء، وقد قيل أيها الجليل:
إذا أراد الله أمرا بامرئ
وكان ذو عقل وسمع وبصر
أصم أذنيه وأعمى قلبه
وسل منه عقله سل الشعر
حتى إذا أنفذ فيه أمره
رد إليه العقل حالا فاعتبر
لا تقل فيما جرى كيف جرى
كل شيء بقضاء وقدر
الخليفة :
إن العفو عنكما محال، ولا بد من العقوبة في الحال.
ابن سليمان :
أما عرضنا إنه قدر.
الخليفة :
والجزاء لكما قدر. خذ يا جعفر منه ختم الإمارة، وخذ من المعين ختم الوزارة. خذ يا فضل، أنت أمير البصرة.
الفضل :
حفظت يا مزيل كل هم وحسرة.
الخليفة :
قد حكمت عليكما بالسجن المؤبد. خذهما يا مسرور إلى السجن.
مسرور :
أمرك يا معدن الأمن واليمن (يأخذهما).
الجزء الثاني (الحاضرين ما عدا ابن سليمان)
الخليفة :
العاقل يا فضل من يعتبر بغيره، ولا يؤذي بضرره ليرضى عنه مولاه، ويوده من والاه.
الفضل :
نعم أيها الأكرم، لا يسلم من العثار، ولا يأمن من الدمار، من يؤذي بضرره، ولا يفتكر بغيره.
الخليفة :
أعطي يا جعفر للفضل مائة بدرة؛ ليرجع بالسراء إلى البصرة، ويعمر داره، ويجدد دثاره ... فاذهب بالسلامة يا فضل.
الفضل :
أمرك يا رب العدل.
تبرعت لي بالجود حتى نعشتني
وأعطيتني ما لا يعد ويحسب
وأنبت ريشا في الجناحين بعدما
تساقط مني الريش أو كاد يذهب
فأنت الندا وابن الندا وأخو الندا
حليف الندا ما للندا عنك مهرب
الجميع (لحن) :
أنت مولانا الكريم
سدت بالملك العظيم
بك الجود تحلى
والسعد حقا تجلى
والأنس فينا تبدى
والهم عنا قد تخلى
أمان
فالعدل ظهر
والظلم استتر
والخير اشتهر
والغم عنا تولى
أمان
والمجد انتشر
والجود ظهر
باد كالقمر
في طالع السعد يجلى
يا سيدي يا غنائي
أنت عالي المقام
مليكنا يا همام
دم بكل احترام
يا مسعدي برجائي
سدت بالانتصار
وحويت الفخار
على جميع الأنام
وافت لكم بشرى بكل الخير
في عزكم تدوم طول الدهر
والسعد لديكم زها كالبدر
والأنس بجودكم طول العمر
دم بحفظ غانما وكمال دائما
ربي يبقيك إلينا سالما
فابقى يا نسل الكرام
في نعيم لا يرام
بالغا كل المرام
في صفا حسن الختام (تم الفصل الخامس) (وبه تمت الرواية بحمد الله وعونه.)
فتى العصر
بأبيك قل لي يا فتى العصر
ماذا تركت لربة الخدر
أين سرت راح الردف مضطربا
فكأنما تمشي على جمر
متماثلا كالخيزران متى لعبت
برأسك نشوة الخمر
فالراقصات أخذن عنك بلا
ريب قواعد هزة الخصر
وإذا مررت بنا تركت لنا
بعد المرور روائح العطر
ويميل الطربوش مزدريا
وعلى جبينك طرة الشعر
والشعر مسدول يضارعه
لون الدجى والفرق كالفجر
والرأس مهتز يماثله
جيب الموظف آخر الشهر
أو جيب ذي علم وليس له
رزق بغير العلم في مصر
ترمى بعين كلها غنج
وتتيه تيه الكاعب البكر
لونت وجهك بالطلاء كما
تهواه من يعق ومن خمر
فارفق بعشاق الجمال فقد
فتنوا بلون خدودك الحمر
في الجيب منديل له ذنب
وعلى نهودك باقة الزهر
وتزين كفيك الخواتم من
أصل البنان لمنبت الظفر
والجسم بض كالعجين إذا
قمت التوى والعقل كالصخر
والبنطلون عليك ملتصق
بالجلد مثل جبائر الكسر
وتظل تثنيه وترفعه
لنرى بديع جوارب صفر
ونرى حزاء لست تلبسه
لو قل طول الكعب عن شبر
وإذا قصصت لسامع خبرا
أبلغت قولك غاية الفشر
أما الكلام فنصفه عربي
والنصف إفرنسي على عبري
فتمزق الآذان صيغته
أو يبتلى المصغون بالكفر
فصلت عند ريبو «هابي تونسي»
واثنين «چاكيت» كحل وبالطو «جري»
في «اللوستيران» كلنا مع «الهاريكو»
صنفين سمك «هوي» وبعده «فري»
بعدين حمام «بوتيه» مع «لابيبنار»
بعدين روني وشكروت بري
مونشير أنا مجنون في واحده بوتيه
زي «ماپارول» القمر كلام دغري «أبير» سهرت كتير «چي مال ألا تيت»
أحسن أنام «ده بونير» وأقوم بدري
وحياة أبوك يا ثقيل ما تفلقنيش «إيير» طلعت أيماني وراح صبري
ما ضر لو شابهت من عقلوا
وبعدت عن ذي المسلك الوعر
والعقل يرفع قدر صاحبه
سيان في يسر وفي عسر
تسعى لجذب الفاتنات وقد
نفرتهن وأنت لا تدري
فوداعة الخرفان تفضلها
عند النساء شراسة النمر
وظرافة الطاووس تفضلها
لو كنت تعلم صولة النسر
هذا حديث كالثمار به
حلو اللباب وتافه القشر
أودعته نصح الحكيم ولو
أني خلطت الجد بالهزر
لا أبتغي والله منه سوى
إصلاح حالك يا فتى العصر
فتاة العصر
علم بناتك يابو البنات
دا الجهل يتلف أصحابه
والعلم أحسن م الجنيهات
عمره ما يغدر أربابه
المال مقلقل موش ثابت
يمكن يخون اللي جابه
والعلم طول عمره ما خان
اسمع كلامي يابو العيال
غنى الجهول دايما صدفة
والعلم جلاب الأموال
ما فيش فقير صاحب حرفة
مع الجهالة مفيش كمال
ولا أمانة ولا عفة
ولا شهامة ولا أوطان
للمدرسة شيع بنتك
متقولش تغنيها الدوطة
ما تخليهاش تشبه نينتك
معنى الكلام زي البطة
اظهر في تعليمها غيرتك
أحسن دي تبقى فيك حطة
تندم عليها كل زمان
وحياة أبوك قول لي يا بيه
يا خفة يا مغرم بالمال
الدوطة تنفع بنتك إيه
وهي جاهلة وأم عيال
لما بقى لكم ألف جنيه
يضيعوا في مخزن بسكال
ويكون راجلها واد كحيان
مقصدش في العلم التطريز
ولا البيانو والتصوير
خلي الحجات دي لأهل باريز
مرادي أن البنت تصير
مع الفطانة والتمييز
تقرا وتعرف في التحرير
والطبخ أشكال وألوان
يمكن في يوم تبقى فقيرة
ويروح بقى الأوسطى الطباخ
ما تصيرشي بنتك في حيرة
بين الكانون وبين المنفاخ
تعمل ليوحنا فطيرة
وتهندسه بخرشوف وفراخ
ومفتقة وسمك مرجان
تعمل محشي وأورما
وكستلية وملوخية
وديك محمر وشورما
ولا كبيبة في صنية
يدبها دبة أعمى
وبعد ما ينامله شوية
يقوم كدة مفرفش فرحان
ضرب البيان ميشبعشي
الطباخ الزم وحياتك
للست غيره ما ينفعش
الزم بتعليمه بناتك
في جرنالاتك مقرتش
ضيعت فين جرنالاتك
كدة عمل ملك الألمان
والبنت حتما يلزمها
لسان أبوها وأجدادها
هو اللي دايما يخدمها
ويجرها لحب بلادها
كلمة وطني دي تفهمها
تغرزها في قلب ولادها
فيطلعم أولاد جدعان
علم الحساب نافع للبنت
يفيد فقيرة وصاحبة مال
شوف النهارده أعلم ست
تتوحل في حسبة نص ريال
عينيك عليها لما تشت
وهي في محل الجمال
ولا في دكان سي سمعان
دي تعمل إيه لما الراجل
يموت ويترك حبة مال
وله دعاوي ومشاكل
وله عيال لسة أطفال
وقبل موته يكون عامل
برتيتة في محل الكيال
أسهم بحيره أو أقطان
اصحك تغرك بنت اليوم
وتفتنك لما تلبس
أكتر عملها أكل ونوم
وتحط بدره وتتحلوس
في بيت أبوها المال بالكوم
وعقلها وحده فلس
وفكرها خامل عدمان
مرة سهرت في بيت صاحب
له بنت حلوة مغرورة
في العالم يجيها ميت طالب
تردهم دي الأمورة
فشفت أنا إن الواجب
أهدي التحية ولو صورة
ورحت ناحية غصن البان
وشفت صاحبتنا جالسة
أما الجمال يا قلبي عليه
فقلت يا ست أنسه
ما تكلمينا ساكتة ليه
سمعت أنا إنك دارسة
في المدرسة اتعلمت إيه
يا صاحبة الطرف النعسان
قالت أنا أعرف بولكه
وشد وسطي بالكورسيه
وفالس أعرف ومزوركه
وحاجات كتير غير دول «چي سوي»
واعرف أغني ألا توركه
وشوية مصري «وفرنسيه»
واعرف شوية بيانو كمان
واعرف أقوم وحدي وأمشي
واعرف أقول «مسيو بونچور»
وأعمل أنا وردات وشي
وفي الدلع أمري مشهور
واللي يقول د ما يقبلش
خليه في ستين داهية يغور
بعدين يجي خاضع ندمان
واعرف أنقنق بالشوكة
والملعقة والسكينة
أكل الكنافة المفروكة
يعجبني بعد الجلينة
ورحت معها في دوكة
ما عرفت مين جاهل فينا
وبقيت لك قاعد حيران
قالت لي شوفني وقت الأنس
في «الفلس» أنا أمري معروف
ويا الموزيكه كوم «چبلانش»
مع الرجال رقصي موصوف
بس انت تعرف إيه يا «فلنص»
اسكت كده اعمل معروف
إنتو الحمير واحنا الغزلان
قلت الكلام ده كله مليح
لكن نسيت علوم أشرف
نطقك جميل خالص وفصيح
ينقصه عقل مثقف
قالت كفى رمز وتلميح
اسأل وشوف ازاي أعرف
في كل علم وكل لسان
فقلت أسأل في الإعراب
بعدين نشوف علم الحيوان
بعدين في طبخ وبعده حساب
وشوية في علم البلدان
قالت لي خد لك كل جواب
يعلم البلبل ألحان
ويفرح القلب الحزنان
قلت اعربي جاء القاضي
قالت مجاش لسا مسافر
فقلت جا فعل ماضي
زعلت وقالت لي حاضر
انت يا شيخ قلبك فاضي
في النحوي عامل لي شاطر
اسألني في علم الحيوان
قلت الجاموسة تعيش كام عام
قالت لي بيقولم مية
فقلت والبط العوام
قالت عوام في المية
فقلت إيه داء النعام
قالت نزلة معوية
قلت النعام ياكل صوان؟
قالت إيه البط العوام
وإيه كلام النحويين
علم الحساب أحسن يا سلام
يعلمك عد الملايين
فقلت الستة في ستة بكام
ضحكت وقالت لي بستين
يالله بقى علم البلدان
فقلت فين موقع مدريد
وفين باريز وفين الخرطوم
قالت يا شيخ مترح ما تريد
أهم بيقولوا في بحر الروم
سألتها فين بورت سعيد
قالتلي دي عند الفيوم
يشرف عليها جبل لبنان
فقلت مين باني الأهرام
قالتلي طول عمري بقراه
قلت لها مش فهمانة تمام
نفس الهرم مين اللي بناه
قالت لي سليم تقلا يا سلام
وأخوه بشارة كان وياه
فيه ميت حكاية وميت إعلان
فقلت يا آنسة الهرمين
اللي أبو الهول قدامهم
في الجيزة هما موجدين
وامرار عديدة ريحالهم
ما فيش كبير في السواحين
ولا صغير إلا زارهم
بلاش بقى هلس وهزيان
قالت لي «ليبيراميد»
كلمني بالعربي «بردون»
إيه الكلام ده كلام عبيد «لبييراميد مونمي فوابون»
أعرف تاريخهم بالتأكيد
واللي بناهم نابليون
البرمكي ملك الحبشان
فقلت يا آنسة كفاني
وقتك ما بيضعش خسارة
بزيادة إعراب ومعاني
أحسن تقولي دي عبارة
كمان سؤال وملوش تاني
إذاي تطبخي البيسارة
آخر سؤال في الامتحان
قالتلي خد برغل ناعم
وحمره بمية أوطة
وشوية فلفل وطماطم
وتوم وقرعة مخروطة
والدهن من فوق دول عايم
تبقى بيسارة مظبوطة
قلت اغرفيلي أنا جيعان
وسبتها وطلعت اجري
وأقول يا رب السلامة
الشرق دا ميت بدري
وعلى رجاله الملامة
وفضلت أسخط من قهري
وقلت يا ألف ندامة
على البنات وعلى الجدعان
هارون الرشيد:
خليفة بغداد.
جعفر:
وزير.
مسرور:
سياف.
ابن سليمان:
حاكم البصرة.
الفضل:
وزيره الأول.
المعين:
وزيره الثاني.
علي نور الدين:
ابن الفضل وعاشق أنس الجليس.
نعيم:
زوجة الفضل ووالدة علي نور الدين.
أنس الجليل:
جارية ومحب علي نور الدين.
عطارد:
حاجب.
منذر:
خادم.
قاصد:
خادم النحاس.
الشيخ إبراهيم:
خولي بستان الخليفة هارون الرشيد.
جواري وعسكر ومطربين على قدر الإمكان.
رواية عنتر ابن شداد
وهي تاريخية أدبية غرامية حربية تلحينية تشخيصية ذات أربعة فصول
الفصل الأول
المنظر الأول (قيس - الربيع - عمارة - عنتر - مقري الوحش - شيبوب)
قيس :
ألا يا رياح الرند والعلم السعد
فحي حما أرض الشربة من نجد
وإن جزت يوما في العقيق وبارقه
فبثي غرامي واشرحي بينهم وجدي
لقد جرت يا نعمان ظلما وملت عن
طريق الهدى والحق والعدل والرشد
ظعنا وفي الأحشاء أرواحنا سرت
وأجسامنا بانت على النجب والجرد
وما نزحت عن حيها باختيارها
ولكن قضاء الله حتم على العبد
عنتر :
لو طاوعتني يا ملك لما فارقنا الأوطان، ولو عادانا مع النعمان كسرى أنو شروان، وملوك بني غسان، وأعوان صاحب الإيوان. ومع هذه النوائب، والخطوب والمصائب، كلما دخلنا أرضا من عرب اليمن يأتونك أيها الهمام، فتشفق عليهم وتعطيهم الزمام، وما بقي قدامنا غير البحار، فنجاور الأسماك والحيتان، ونعيش بالضنك والهوان، لا أرضى بمعصية ولا جيرة مكربة.
قيس :
أنا ما أعطيت الزمام إلى الملك الجون، خوفا من بأسه أو من المنون، ولكن رأيت أرضه كثيرة المرعى، وسهلت المسالك على الإبل أن تسعى، فأعطيته ما طلب، وسرنا في البر والسبسب.
الربيع :
الرأي عندنا أيها الملك المصان، ألا نقيم في هذه الأراضي والقيعان، إلا بعدما نعرف مالكها وحاميها، والذي يحكم على منابعها ومراعيها. فإذا وجدناه صاحب حمية، ومن أهل النخوة العربية، نبرطله بالأموال والخيول والجمال، ونأخذ منه الأمان والزمام، ونقيم في ظله مدى الأيام، آمنين من الحروب، ومن غوائل الخطوب.
عنتر :
ما هذا يابن زياد؟
الربيع :
اسكت يابن شداد، أنت دأبك إثارة الفتن، ولولاك لما دخلنا بلاد اليمن، ولا نزحنا من الأوطان، خوفا من الملك النعمان. ومع غربتنا وبعدنا عن الأطلال، هيجت علينا فرسان اليمن والأقيال، بقتل الأمير داثر، وأخيه الأمير جابر، وقتل معاوية بن النزال، وبعض مشاهير الأبطال، وقد احمرت الجمرة بقتل سيدي بني ضمرة ... ولا بد أن بني سعد وبني تميم، ما يجتمعون علينا في عالم عظيم، من سادات العربان، وجبابرة بني قحطان، وكذلك بنو القين وبنو فهد، لا بد أن يبذلوا في قتالنا الجهد، لا سيما الملك الجون، الذي فارقناه محزون، وإذا بقينا على هذه الأهوال، تفنى فرساننا والأبطال، ونصير بين البشر، عبرة لمن اعتبر.
عمارة :
إن أخي الربيع يا عنتر، قد أصاب فيما أشار ودبر، وإلا إذا بقينا على رأيك، وتحت أمرك ونهيك، لا نفتر عن الحروب ليلا ولا نهار، ولا نحصل على قرار، إلى أن نصير كالهبا، وتلعب فينا أيدي سبا، وأنا قد سئمت من الحرب، ومعاناة الضرب، حينما كنت أصول وأجول، وآخذ الميدان عرضا وطول، ونحامي بسيوفنا عن النساء، في كل صباح ومساء.
عنتر :
ما هذا يابن زياد؟ ومتى تخلصون الوداد؟ أما كشفت عنكم الكروب مرار، وخلصت نساءك من أيدي الأشرار، وحكمتكم في الملوك، وكل أمير وصعلوك؟ وكيف تكون يا أمير عمارة، كأخيك الربيع بالشجاعة والزعارة، وتبرطلون على حفظ أرواحكم بالأموال، أما هو عار عليكم أيها الرجال، أن تبذلوا مالكم وخيلكم وجمالكم لمن لا يستحقها من الأنام، ولا ضرب لأجلها برمح وحسام، وهل يبذل المال والنوق والجمال، لغير صعلوك عديم، أو أرملة أو يتيم، أو لقاصد من قصاد العرب، أو لشاعر من أهل الأدب، فما هذا يا فارس النياق؟
مقري الوحش :
هون عليك يا حلاحل الآفاق؛ فعمارة وأخوه الربيع مطبوعان على كل فعل شنيع، وقيس بشأنهما أخبر، وأنت أبو الفوارس عنتر، الذي قهرت الآساد، وآكل خفارة كل البلاد، فبادر إن أمرت الآن، لنمرح إلى مروج الفصلان.
عنتر :
أحن إلى ضرب السيوف القواضب
وأصبو إلى طعن الرماح اللواعب
ويطربني والخيل تعثر بالقنا
حداة المنايا وابتهاج المواكب
وضرب وطعن تحت ظل عجاجة
كجنح الدجا من وقع أيدي السلاهب
لعمرك إن الفخر والمجد والعلا
ونيل الأماني والعلا والمراتب
كمن يلتقي أبطالها وسراتها
بقلب صبور عند وقع المضارب
ومن لم يرو رمحه من دم العدا
إذا اشتبكت سمر القنا بالقواضب
ويعطي القنا الخطي في الحرب حقه
ويبري بحد السيف عرض المناكب
يعيش كما عاش الذليل بغصة
وإن مات لا تندب عليه النوادب
اتبعني يا فارس غسان.
مقري الوحش :
أمرك يا أوحد الشجعان (يذهبان، يريد الذهاب شيبوب).
قيس :
قف يا أبا رياح.
شيبوب :
أمرك أيها المناح.
قيس :
قد أخطأتما مع أبي الأبطال، وما هذا وقت خصام ولا جدال.
الربيع :
المخطئ أخي عمارة.
قيس :
أنت المخطئ من أول العبارة، فلو لم تبدأ بالملام، لما تجاسر أخوك على الكلام، ولكن يجب علينا الآن، أن نعرف نحن في أي مكان، ومن من ملوك العرب مالك هذه الأراضي والسبسب. أوتعرفه أبا رياح.
شيبوب :
نعم أيها المناح، هذه الأراضي والرياض المزهرة، هي منازل بني كلب بن وبره، وموردهم من ماء يقال له عراعر، وهم حوله مثل الأسود الكواسر، وصاحب هذه المناهل والوهاد، الملك مسعود بن مصاد، وهو ملك عظيم الشأن، قوي الشوكة والسلطان، وتحت أمره من الأمراء والفرسان، أكثر من عشرين ألف عنان، والرأي عندي أيها الملك الهمام، أنكم تقصدونه وتطلبون منه الزمام، ولا تتوقف من كلام أخي يا ذا النضارة؛ لأنه أغضبه كلام الربيع وعمارة، وأنا ألين قلبه وأترضاه، وأجعله لك تبعا فيما تهواه.
قيس :
هذا الرأي السديد، والتدبير الحميد، فهيا إذا يا ربيع، لنذهب إليه سريع، وإذا وجدناه بطل همام، نسوق له الخيول والأغنام، ونقيم في حماه إلى أن يفرجها الله.
الربيع :
إذا فبادر بنا الآن، والحافظ الرحمن (يذهبوا).
المنظر الثاني (ترتفع الستارة عن عبلة ومسيكة.)
عبلة :
قد انصلحت يا مسيكة حالنا، وصحت بالكلاء خيلنا وجمالنا، وحصلنا على الوطر، بهمة ابن عمي عنتر.
مسيكة :
إي وأبيك يابنة مالك.
عبلة :
من ذا القادم علينا؟
مسيكة :
أظنه أمير أو ملك خطير.
عبلة :
اصبري لنراه، ونفقه فحواه، مرحبا بك يا وجه العرب، فماذا تطلب وترغب؟
مسعود الملك :
ارغب يا منيعة الحمى، شربة من رائق الماء، لأطفئ بها حر الأوام، وأذهب بعدها والسلام.
عبلة :
أبشر يابن الأقيال، بالماء العذب الزلال.
مسعود :
بالله عليك يابنة الملوك، لا ترسلي الماء مع أمة أو مملوك، بل عودي به إلي، ليحصل فؤادي على الري.
عبلة :
أبشر بحصول مناك، وإطفاء حر ظماك.
مسعود :
ما هذا الجمال الباهر؟ فجل الصانع القادر! وما هذه العيون المقرونة بسهم المنون؟
غازلتني بأعين كالظباء
ذات دل تبدي نفار الظباء
ظبية لو رأى محاسنها البد
ر استحى من طلوعه في السماء
وجهها معدن الجمال وفيه
عنصر اللطف قد نما والحياء
ينثني تحت ثوبها غصن بان
غرسته الأشواق في أحشاء
عبلة :
خذ يا فتى واشرب وتهن، واذهب بكل راحة وسلامة حسنى (يشرب الجرعة على ثلاث مرات، وهو ناظر نظرة غرام).
يا هذا، إن كنت ظمآن فقد ارتويت، وإن كنت ضالا فارجع من حيث أتيت، ولا تطل النظر، فتوقع نفسك في الخطر ... أما سمعت المثل السائر بين القبائل والعشائر: «من أطلق ناظره أتعب خاطره.» فعاص نفسك وهواك، قبلما تذوق الهلاك.
مسعود :
رحمة يابنة الكرام.
عبلة :
اذهب بلا كثرة كلام، وإلا تقتل في هذا المكان، ولو كنت كسرى صاحب الإيوان، والزم الأدب والشهامة، وارجع مصحوب السلامة، فما أغلظ جثتك! وما أصقع لحيتك! (بعد أن تطرده عبلة تذهب، وينزل ستار ويدخل مسعود.)
مسعود :
أأكون مسعود بن مصاد، وقاهر الأبطال والآساد، وهيبتي ترهب جميع البرية، وتحقرني جارية عبسية، ولا أستطيع الجواب، فما هذا المصاب؟! وهل غير الهوى، أوهن مني القوى، وألزمني السكوت والاحتمال، والصبر على الأهوال؟!
جئت أطفي غليل قلبي بماء
يشفي حر الأوام والالتهابا
فسقتني الزلال لطفا وجودا
وسقتني بعد الزلال عذابا
أم مسعود :
ما هذا يا ولدي مسعود؟ ولما تأخرت عن الجنود، وأشغلت بالي، وهيجت بلبالي؟
مسعود :
أماه، وا ويلاه من الوجد والبعد، اللذين ما لهما حد!
أم مسعود :
ما سبب هذا المقال؟
مسعود :
سببه العشق القتال، الذي لاعه جناني، وأطال أشجاني.
أم مسعود :
ومن أين اعتراك يا ولدي هذا الغرام؟
مسعود :
قد اعتراني في هذا المقام، في حب جارية عبسية، تفتن بمحاسنها البرية.
أم مسعود :
وأنت أصابتك هذه الرزية، من أجل جارية عبسية؟ فأخبرني بالعجل، وكيف ذلك حصل؟
مسعود :
اعلمي أيتها الوالدة، والشفوقة المساعدة، أن بعض رجالي والفرسان، قد وصفوا لي أحوال بني عبس وعدنان، ونوقهم وجمالهم وخيلهم ورجالهم، وما هم فيه من الخيرات والنعم الخيرات، فتاقت عيني للنظر إليهم، فملت في هذه المرة عليهم فريدا وحيدا، بلا خدم ولا عبيد؛ لكي لا يرتابوا أو يخجلوا أو يهابوا، وقلت للأعوان والجنود، اذهبوا وأنا مساء أعود، ودخلت بعدها هذا الخبا، فرأيت فيه فريدة الظباء، وشمس السماء، ومشكاة البهاء، وطلبت منها شربة من الماء؛ لأطفي من فؤادي حرارة الظماء، فانثنت كغصن البان، وعادت إلي بقدح ملآن، فأخذت منها القدح، وحبها في فؤادي طفح، وما ازددت في شربه غير أوام، حتى اعتراني ما أنا فيه من الغرام، فلما شعرت مني بالخبل، أخذت مني القدح بالعجل، وأخرجتني من المكان ذليلا مهان، فوقفت برهة خارج الباب، وأنا لا أستطيع الجواب، ودخلت لأراها، فما أبصرت محياها، فدهشت من الفراق، ووقعت في الاحتراق. وإن لم أبلغ من الظبي وصاله، مت من العشق لا محال، فساعديني يا أماه، قبلما أفقد الحياة.
أم مسعود :
أتصيبك هذه الرزية، من أجل جارية عبسية، لا قدر لها ولا قيمة، ولو كانت درة يتيمة، وحسبك بنات اليمن وصنعاء وعدن من جميع نساء العرب، فارجع عن حبها، وأنا أخطب لك سواها، وتتملا بجمال محياها.
مسعود :
ما هذا الكلام يا أماه، الذي لا أقبله ولا أرضاه؟! أظننت أني أسمع كلام، أو يرجعني ملام؟! فوحق البيت الحرام، والركن والمقام، وزمزم والحطيم، ومقام الخليل إبراهيم، لا بد لي من تلك العبسية، ولو سقيت من أجلها المنية، وإن راجعتيني مرة ثانية، أجعلها على نفسي قاضية، وأزهق روحي بهذا الحسام.
أم مسعود :
لا لا يا ولدي الهمام، فاذهب أنت، وها أنا ذاهبة إليها وأخطبها لك يا ولدي، وعن قريب تزف عليها (يذهبان).
المنظر الأول (عبلة - مسيكة) (أهكذا يوجد وقاحة، وغلاظة وقباحة، مثل هذا الرجل الذي سقيناه الماء، وكان في غاية الظماء.)
مسيكة :
لا وأبيك يا ربة المقام المحمود، ما رأيت مثله في عالم الوجود، انظري هذه المرأة، امرأة غريبة .
عبلة :
ادخلي يا حرة العرب.
أم مسعود :
أمرك يا عالية النسب.
أهدي سلاما طيبا
إليك يا ذات العلا
عبلة :
أهلا وسهلا ومرحبا
شرفت هذا المنزلا
اجلسي يا خالتي بالهنا، واطلبي ما شئت؛ فإن كل شيء حاضر عندنا.
أم مسعود :
أرجوك أن تخبريني يا ذات القدر، هل أنت ذات بعل أم ذات خدر؟
عبلة :
ما هذا السؤال يا أماه؟ أوعندك بعل تزوجيني إياه؟
أم مسعود :
إي وأبيك إن كنت خالية من القرين، فأنا أزوجك بأسد العرين، وأعز موقر ومخدوم من العرب والعجم والروم.
عبلة :
ومن هو هذا السيد أيتها الجليلة؟
أم مسعود :
هو الذي زارك من برهة قليلة وسقيتيه الماء، وذهب وهو في غاية الظماء.
عبلة :
ومن يكون من العرب؟ وأي ملك هو من ملوك الحسب؟
أم مسعود :
هو الملك مسعود بن مصاد، والحاكم على هذه الوهاد، وهو ولدي الوحيد وغصني الفريد.
عبلة :
أتحبين مسعودا يا حرة العرب؟
أم مسعود :
نعم يا عالية النسب.
عبلة :
إذن يجب عليك أن ترديه عن الجنون الذي هو فيه، وإلا لو علم زوجي بهذا الخبر يجعله عبرة لمن اعتبر، وينهب أمواله ويهلك رجاله.
أم مسعود :
أهو كسرى أم قيصر؟ أم أحد ملوك بني الأصفر؟
عبلة :
هو أعظم منهم شان، وأرفعهم مكان، آكل خفارات الجميع، وسيد الرفيع والوضيع، مغني عبس إذا افتقرت، ومعزها إذا ذلت، قاتل خالد بن محارب، وفارس المشارق والمغارب، الليث الهصور والأسد الغضنفر، الذي قتل العوبتا وابن المنذر النعمان، حية بطن الواد، وقادح النار بغير زناد، الضارب بالسيوف الحداد، والطاعن بالرماح المداد، ومعلم الفرسان الحرب والجلاد، عروس الخيل عنترة بن شداد.
أم مسعود :
إذا كان زوجك بهذا المقدار؟ وهو فارس كرار؟ فلماذا يابنة اللئام، أخذتم منه الزمام؟!
عبلة :
الذين أخذوا الزمام ابن زهير، والربيع قليل الخير، وإلا لو علم بما فعلوا، لقتل ولدك قبلما يصلوا، فاذهبي إلى ولدك وودعيه، قبلما تطلبينه فلم تجديه، هيا اذهبي يا كهينة، وابنة الهجينة، فلا طعمت ولا سقيت، ولا عشت ولا رعيت (يخرجونها، تذهب عبلة ومسيكة، ينزل ستار ، ويدخل مسعود وجندلة).
مسعود :
قد أصاب فؤادي يابن بلال من لحاظ عبلة سهم قتال، وإذا ما دبرتني أقتل ذاتي وأحترم سائر لذاتي، أو ألتزم إلى نقض الزمام الذي أعطيته لبني عبس اللئام، وأقتل أسودهم عنتر، المطبوع على الدنس والأشر، وآخذ زوجته سبية، ولو عيرتني جميع البرية.
جندلة :
عفوا أيها المهاب؛ فإن هذا الرأي ليس بصواب، ونقض الزمام ليس من أخلاق الكرام، وأنت يا مولاي أعظم ملوك اليمن، ومشهور بكل لطافة وفعل حسن، فلا تفعل ما يوجب الملام، ولا تنقض عهدا ولا زمام، وإن كان ولا بد لك من تلك العبسية، فأنا أدبر هذه القضية، بأن أكلف لك زوجتي سعاد ابنة الزرقاء، أن تسحرها لك بدون ما يتعب أحد منا أو يشقى، وإن تعرضوا لنقض الزمام، فلا عتب إذ ذاك ولا ملام، إذا أذقتهم كاسات الحمام.
مسعود :
زوجتك تسحرها يا جندلة؟
جندلة :
نعم، وتكفيك هذه النازلة، فكن في راحة من عناك؛ فعن قريب تبلغ مناك.
الاثنين (لحن):
مسعود :
فرجت عني جندلة همي وحزني.
جندلة :
أبقاك ربي، أبشر سعاد كاملة.
مسعود :
تقضي بقربي حق الهنا، زال العنا، وارتاح لبي، نلنا المنا.
جندلة :
دمت لنا.
مسعود :
عبيلة قصدي.
قد أشرقت شمس الإصلاح
وكوكب الأفراح لاح
هيا بنا نجلو الأقداح
فالأنس وافي والأفراح
الفصل الثاني
المنظر الأول (يرتفع الستار عن تنور نار في وسط المرسح، وتدور سعاد حوله وهي تقول.)
سعاد :
قد أسعرت النار، وطرحت البخور للشرار، من سكان البراري والقفار، والهوى والغمام، في الزوابع والآكام، أقبل يا خندش بحق أريك ذكاء، هلم يا دهنش بحق القمر ذي الضياء، أسرع يا نقطش بحق كل كوكب أنور، سباسب سباسب، صلاهب صلاهب، سبوكة سبوكة سيدوكة، زمار زمار هار هار، أسرعوا أسرعوا، هرولوا هرولوا؛ فقد أسعرت النار، وارتفع الشرار، وخرج منها لهيب ودخان، لكل من عصاني من الجان، أقسمت عليكم أيها الخدام، بأجل الطلاسم والأقسام، أن تجيبوا دعوتي، وتسمعوا كلمتي، وتأتوني خاضعين، ولأمري سامعين، عجلوا عجلوا، هرولوا هرولوا، أقبلوا بالخشوع، أقبلوا بالارتعاد (تدخل 4 عفاريت تمام).
4 عفاريت :
لبيك يا سعاد.
سعاد :
علي بعبلة ابنة مالك في هذا الظلام الحالك، عارية، حاسرة، مغمومة، باكية، وأتوا بها الآن إلى هذا المكان (يذهبون).
قد نفذ السحر، وتم الأمر، ولا بد ما أجعل ابن شداد عبرة في هذا النار (يدخل عنترة وبصحبته مقري الوحش).
عنتر :
أتاك الموت يا أم الدهاء
سريعا فاشربي كأس الفناء
وما هذا البخور وما ترومي
بهذا الفعل يا بنت الخناء
لماذا أنت في ذا الليل تقري
ورائحة البخور إلى السماء
سعاد :
أروم عبيلة ذات البهاء
لمسعود المطالع والعلاء
وقتلك بعدها أقصى مرامي
فابشر بالمهالك والعناء
عنتر :
كذبت يابنة اللئام (يهجم عليها بالسيف).
سعاد :
ارجع يا لون الظلام (يرفع يده بالسيف، فلا يقدر).
مقري الوحش :
آه يا فاجرة.
سعاد :
قف يابن الخاسرة (ويهجم عليها مقري الوحش فيقتلها، ويكون معه حجاب يلبسه لعنتر فترجع يده كما كانت).
مقري الوحش :
هذا عليك بعيد، ودونه كل عذاب شديد، قد عاد عليك يا رجيمة سوء أفعالك الوخيمة ... سلامتك يابن شداد، من الغوائل الشداد.
عنتر :
بارك الله فيك يا فارس الشام، وسلمك من كدر الليالي والأيام، فقد كدت أن أحترق من فعل هذه الفاجرة، العجوز الخاسرة، فلا زالت روحها في العذاب، وحماك الله من الأوصاب ... ما هذا؟
مقري الوحش :
هذا حجابي يا فارس العرب، ولولاه ما نجوت من الكرب.
عنتر :
صدقت يا أخي؛ فلولا هذا الحجاب لما خلصت من الأوصاب، ولكن من كتبه لك يا همام.
مقري الوحش :
قد كتبه لي أيها الهمام حكماء نجران؛ حفظا من الجان، وتفر من حامله الشياطين، فرار الجبان من أسد العرين.
عنتر :
خذه بارك الله لك فيه، وأنالك كل ما تشتهيه، فلولاه لما نجوت من العذاب، من هذه العجوز ذات الاكتئاب.
مقلعة النواجذ والثنايا
من الأسنان إلا فرد ناب
لها وجه كوجه الغول فيه
أمارات الضلال والاكتئاب (هنا يرفع منظر عن عبلة مسحورة، ومعها الأربع عفاريت الأول.)
عنتر :
ما هذا يا فارس الشام؟
مقري الوحش :
لا تخف يا همام، آه يا أشرار.
عفاريت :
زنهار (3 مرات).
عنتر :
لا بأس عليك يا بنت العم، ومذهبة كل هم وغم، فأين يا صديقي الحجاب.
مقري الوحش :
ها هو يا مهاب (يضع الحجاب في صدرها).
عبلة :
آه، من هذا؟ وأين أنا؟
عنتر :
لا تخافي يابنة مالك، أخبرينا عما جرى لك، في هذا الظلام الحالك.
عبلة :
اعلم يابن العم، أنني كنت في المضرب، وإذا بأربعة كالغيلان، أو من شياطين سليمان، أرجلهم كأرجل الكلاب، وروسهم كروس الكلاب، فهجموا علي وحملوني، وفي هذا المكان وضعوني، وبعدها رأيتك أمامي، فزالت همومي وآلامي، وقد خلصت على يديك من الآلام، والحمد لله على ذلك يا همام.
عنتر :
اعلمي يابنة الكرام، أن نجاتك كانت على يد فارس الشام، ولأنني أنا أيضا سحرت، وفي شرك المكائد وقعت، وقد نجاني فارس الشام كما نجاك، وخلصني من سرك كما خلصك من بلاك، فهيا بنا إذن للخيام، وعند الصباح يفعل الله ما يرام (يذهبون يدخل مسعود وجندلة واثنان من العرب معهما فقط ومسير المحن).
مسعود :
قلب على وصب الهوى يتقلب
وحشا على لهب الجوى يتلهب
يا فتنة الألباب حسبك أنني
أودعت قلبي في يديك يعذب
عطفا أيا ذات النفار على شج
بفؤاده أيدي التصابي تلعب
إن كان حبك حل في قلبي فلا
عجب فذا برج وذلك كوكب
أواه من غرام هذا الجمال الباهر، فجل المنشئ القادر.
عبلة الحسن والفؤاد كفاني
ما بقلبي من الهوى والهوان
أنعمي لي بالوصل يا شمس عبس
ضاع رشدي وذاب وجدا جناني
إن سكري من غنج طرف كحيل
فعله في القلوب فعل اليماني
وقوام إذا تثنى رأينا
حركات المران في المهرجان
إني أرى النار، وأثر البخور والشرار، فأين يا ترى سعاد؟
جندلة :
سعاد يابن الأجواد، مشغولة باستحضار الجان، وجلب عبلة إلى هذا المكان، ذليلة مطيعة، ولأمرك سميعة.
مسعود :
من هذا القتيل؟
جندلة :
سعاد أيها الجليل، سعاد بنت الزرقاء، ما هذا الكدر والبلاء؟
غابت عن الأبصار شمس سعاد
والرزء خيم فوق هذا النادي
قتلت سعاد فويل من قد غالها
من سيف مسعود صليل مصاد
مسعود :
ما هذا يابن بلال؟ وهل يليق الندب بالرجال؟! فارجع الآن لرشدك والسداد؛ لنبحث عن قاتل سعاد.
جندلة :
وهل غير ابن شداد يفعل كهذه الفعال، ويتجرأ على النساء والرجال؟! سعاد، آه، لقد ذاب الفؤاد!
مسعود :
صبرا يا بلال؛ لنعرف من القتال، فإذا كان عنتر، أذيقه الموت الأحمر، وأفني بعده بني عبس، ولو فروا إلى مطلع الشمس، وبعدها لا ملام إذا فسخنا الزمام.
جندلة :
عندي أيها الهمام رأي أحسن من فسخ الزمام، وهو أن آخذ معي خمسماية فارس، في زي بني قين وبني فهد الأبالس، ونكمن بهم تحت الظلام، بدون ما يشعر أحد من الأنام، وحينما يجن الليل، نركب ظهور الخيل، بين بني فهد وبني القين، ونرمي بني قراد بالبين والحين، وننادي في كل ثورة وكسرة، يا لثار سيدي بني ضمرة، عمر بن حزمة، صاحب الشفقة والمرحمة، وعندها نجعل عنترة هالك، ونملك زوجته بنت مالك، ونعود بها تحت الظلام، بدون ما يشعر أحد من الأنام.
مسعود :
هذا يا جندلة صواب، ورأي سديد لا يعاب، ولكن إذا رجعتم بالفشل، وما بلغتم قصدا بهذا العمل، ما نفعل بعد ذلك؟
جندلة :
أذهب بأمرك أيها الملك إلى بني عبس وعدنان، وأبلغهم سلامك أيها المصان، وأخطب لك على رءوس الأشهاد، عبلة ابنة مالك بن قراد، فإن أجابوا تحصل أنت على المرام، وإذا امتنعوا فلا عتب إذ ذاك ولا ملام، إذا نقضت بعدها الزمام، وأذقتهم كأس الحمام.
مسعود :
هذا رأي نبلغ به المراد، ونكيد ابن شداد.
جندلة :
ولكن يابن الأجواد، لا تنس ثأر سعاد.
مسعود :
لا وأبيك يابن بلال، لا بد أن أدفعه إلى القتال، وأذيقه الموت الذؤام، ولو ركب على ظهر الغمام، فاحملوها الآن وواروها التراب.
جندلة :
آه، ما هذا المصاب؟ (يحملوها العرب ويذهبون جميعا، وهنا يدخل قيس ومعه عروة بن الورد).
قيس :
ماذا نفعل يابن الورد، في خروجنا من اليمن بغير قصد؟
ابن الورد :
خروجنا من بلاد اليمن سالمين، هو خطأ مبين، وعار مشين. (لحن من الخارج):
ثارت نار الحروب
فأين القتال
نخوض في الخطوب
في نيل الآمال
قيس :
ما هذه الأصوات ؟ أفرسان غائرات؟
ابن الورد :
هذه أصوات أحزان وأتراح
لا أصوات أفراح وانشراح
قيس :
لا يابن الورد، هذه أصوات سرور، وفرح وحبور (يدخل عنتر ومقري الوحش وشيبوب والربيع وعمارة مكتفين.) (لحن):
ذق ربيع الضلال
كئوس النكال
يا قيس لا تبالي
يا نسل الموالي
قيس :
ما هذا يابن شداد؟
عنتر :
لا تسل يابن الأجواد، عما حل بأخيك الحارث، وما أنزل به من البلاء والكوارث.
قيس :
ومن أنزل به البلاء والدمار؟
عنتر :
الربيع وأخوه عمارة الغدار.
قيس :
وما هو السبب يا أبا الأبطال؟
عنتر :
سلامتك يابن الأقيال.
مقري الوحش :
قل له يا عنتر لتعذر وتشكر إذا تظاهر مسعود بالبغي في الوجود.
قيس :
وما فعل مسعود من العدوان؟
عنتر :
اعلم يا ملك عبس وعدنان أن مسعود ابن اللئام، قد تظاهر لعبلة بالغرام، وأنا أقسم بالبيت ومن طاف، وبالركن والحجر الأسود والمطاف، ونخوتي العبسية، ومروأتي العدنانية، لا بد ما أقتل ابن مصاد، ولو عصمته مني السموات الشداد، وأخرب دياره، وأنهب أمواله، وأقتل رجاله بحد هذا الأسمر، الذي تعنو له البشر، فأنا خصمه وخصم الزمان، في التباعد والتدان.
يريد مذلتي ويدور حولي
بجيش النائبات إذا أتاني
ولم يدري بأني سوف أصلي
حشاشته بجمر الهندوان
أيا ملكا سما أصلا وفصلا
ودونك في المعالي الفرقدان
أيطلب عبلتي وغد ليئم
وسيفي والقنا فرسا رهان
أيابن مصاد سوف ترى مصادا
عفيرا في المذلة والهوان
وفوقك في الثرى العقيان تهوي
إذا ما سار في اليمن اليماني (يذهب عنتر ومقري الوحش.)
قيس :
نحن ما صدقنا أن خلصنا من الأوصاب، أتجددون علينا شيئا ما كان في الحساب، أوهذا وقت خصام يا ربيع؟!
ربيع :
لا وأبيك يا صاحب الجاه المنيع، نحن ما كنا في خصام، بل في احترام واحتشام، وطرب وارتياح، وارتشاف أقداح، وبينما نحن في انشراح ولعب وارتياح، قد ركب أخوك الحارث المصان، وأخي عمارة وبعض الفرسان، للنزهة بين الهضاب، فرآهم عنترة الوثاب، وظن أنهم في قتال، وفعل بنا هذه الفعال. والآن الأمر إليك، وها نحن جميعا بين يديك.
قيس :
أطلقهما الآن يا أبا رياح؛ لننظر ما يجد في هذا النهار من الأتراح، وهيا بنا إلى الخيام، ويفعل الله ما يرام (يذهبون جميعا، ويدخل مسعود وجندلة ومسير المحن).
مسعود :
من لصب غدا أسير الجمال
هائم الوجد هائج البلبال
بأبي غادة إذا ما تبدت
أخجلت بالجمال بدر الكمال
خدها والجبين نار ونور
واللمى والطلا شذا لآلي
مذ طلبت الوصال والقرب قالت
هل ينال الفتى طلاب المحال
وإذا ما المطلوب جاء على الطا
لب صعب فالفوز بالإجمال
قد أنزلتنا يا جندلة من الرفعة إلى الوهد، وسقيتنا في كئوس بني عبس السم بالشهد، بآرائك المعكوسة، ومشوراتك المنحوسة.
جندلة :
من ظن يا ذا الهيبة والجلال، أن تقتل فرساننا والأبطال، ونلقى من عنترة الزنيم، ما لاقيناه من الهول العظيم، وأنا ما حسبته أيها المصان، إلا كمن أعهد من الفرسان؛ ولهذا أخذت لقتاله خمسمائة فارس، ترتاع من بطشها الجن والأبالس، فما كان إلا ساعة أو أقل، حتى ألجأ من سلم من القتل إلى الهرب والفرار، والتشتت في القفار.
مسعود :
ومع عدم حصول المرام، ما لاح لنا وجه لنقض الزمام، وما علموا من هرب ومن سكن اللحد، إلا من بني قين وبني فهد، ورأيك الثاني بخطبة عبلة، أظنه لا يروي غلة؛ لأنهم على كل حال يجيبون سؤالي؛ خوفا من بأسي وكثرة رجالي، وأنا إن لم أتحصل على عبلة، وتركت قومها سالمين، فهو عين الغلط.
مسير المحن :
نعم، خروجهم من بلاد اليمن سالمين، هو خطأ مبين، وعار مشين، فمرنا أنت أيها الخطير، لنستأصل كبيرهم والصغير، فابدأ بهم أنت أيها المهاب.
جندلة :
خروجهم لا يمكن يا ذا النوال، إلا بخطبة عبلة ذات الدلال، وأنا أخطبها لك بعنف وجبروتية، فتلزم قومها الشهامة العربية، إلى الرد والامتناع، والنضال بعدها والقراع، لا سيما أسودهم يابن الأكارم، لا يسلم بعبلة وهو سالم، فطاوعني يا أوحد الزمن وأنا أفتح لك باب الفتن.
مسعود :
وإذا لم تبلغني المراد؟
جندلة :
ألحقني بزوجتي سعاد، إذا لم أبلغك المرام، من عبلة وقومها اللئام.
مسعود :
على الدنيا بني عباس السلام
إذا بتم وما نقض الزمام
لقد أعطيتكم مني عهودا
مدى الأيام ليس لها انفصام
ولكن عشق عبلة قد دعاني
إلى نقض العهود ولا ألام
وعنترة الذي أفنى رجالي
فليس له من الموت اعتصام
سيلقى مني جبارا عنيدا
وسيفا ليس بعروة انفصام
الفصل الثالث (يرفع الستار عن الملك قيس والحارث والربيع وعمارة جالسين.)
قيس :
بلغي بالله يا ريح الصبا
سحرا نجدا وهاتيك الربا
واللوا والرقمتين وظبا ال
علم السعدي سلام الغربا
صبحي أطلال أنس وصفا
لعبت في حيها أيدي سبا
اعلموا يا بني الأعمام، وسادات عبس الكرام، أن قلبي خائف، وفكري راجف، من عاقبة جهل ابن شداد، وعشق مسعود بن مصاد، ونحن ما صدقنا أن خلصنا من الأوصاب، فتجدد علينا شيء ما كان في الحساب.
الربيع :
وأنت أيها الغضنفر، صدقت كلام عنتر، وأكدت أن مسعود عشق عبلة، بعدما رأيته وحققت نبله، ومتى رآها أيها الهمام، واعتراه من أجلها الوجد والغرام؟ فلا تكن يا ملك في وسواس، فالملك مسعود من أكمل الناس، وعنتر ما اتهم مسعود بعشق عبلة، إلا من القهر الذي اعتراه والذل، حينما أخذنا من مسعود الزمام، لم نسمع له قولا ولا كلام؛ ولهذا استعمل الفساد، واتهم ابن مصاد، بالعشق والغرام، لينال المرام، بقتال مسعود، وإهلاك الجنود، وتشتيت الفرسان، في كل ناحية ومكان.
عمارة :
أنا أقول يا ذا النوال، إذا كان لا بد للملك مسعود من أخذ عبلة، فنسلمها له بلا قتال، ولا حرب ولا نزال.
حارث :
أهكذا يا عمارة، إذا عشق أحد من نسائك عقيلة، واشتهر أمر عشقه بين كل قبيلة، نسلمه إياها يا ذا الشنار، ونعيش في الضنك والعار.
عمارة :
وهل ذهبت النخوة يا ذا الإشراق، حتى نسلم نساءنا للعشاق؟!
حارث :
إذا كنت تعرف النخوة، فلما ارتكبت هذه الهفوة، وحتمت أخذ عبلة، وتسليمها لمسعود الأبله، وأنت تعلم أن دونها سيف عنتر الذي لا يبقي ولا يذر.
عمارة :
عنتر يا عالي النسب، لا يعد من سادات العرب، وما هو إلا عبد زنيم، وابن أمة لئيم.
حارث :
اللئيم يا عمارة والحقير، الذي يقهره الكبير والصغير، وأما عنترة ابن الأمة، فأرفع من ألف ابن حرة مكرمة، وقاهر الأبطال والصناديد، ومذيب بهمته الجلاميد، ومكرم الضيف، والضارب بالسيف، الذي قال في حقك يابن زياد، حينما تعرضت لعبلة بنت مالك بن قراد، بعدما ضرب بك الأرض، وأدخل طولك في العرض، ونتف سبالك، وضمخ أذيالك، وأضحك عليك البنات والنساء والإماء، وأبدع وقال، وأجاد في المقال:
عمارة خل عجبك والفخارا
وهذا التيه والتزم النفارا
وقم واغسل ثيابك يا مهان
كفاك اليوم فخرا وانتصار
هنئا للتي ترجوك بعلا
تحملها الكآبة والشنارا
لئيم بني زياد تروم عبلا
وما هبت الذي يردي البوارا
ويرهب كل جبار عنيد
ومن سكن القفا كذا البحارا
أتيت عبيلة ترجو لقاها
فوافاكا شجاع لا يبارى
وردك في التراب فرحت تعوي
ورجس الثوب ألبسك احتقارا
وعبلة والنساء ضحكن لما
بك الإذلال قد دارى ومارى
ولولا قيسنا الملك المفدى
يعاتبني على فعلي جهارا
لكنت فلقت رأسك يا دنيء
بماض يملأ الأقطار نارا
أو تنكر هذا يا وهاب؟ وماذا يكون الجواب؟
عمارة :
إن هذا الأمر أيها الهمام، قد وقع مني وأنا غلام، وأما الآن فأنا فارس الفرسان، ومبيد الأقران، ولا تسل أيها الأفخر، إذا لبست الأخضر، وتحزمت بالأحمر، ولبست المغفر المشغول والكركر، ونقلت الأسمر، وركبت حصاني السبوق الأشقر، ما أفعل بألف ألف عنتر (يدخل عنتر ومعه مقري الوحش وشيبوب).
عنتر :
ما هذا يا حارث؟
عمارة :
لا تذكر الباعث.
عنتر :
وما الباعث يا وهاب؟
عمارة :
قد كنا يا سيدي المهاب في فرح ومجون، ومسامرة فنون، والآن قد لزمنا الحد، وذهب الهزل وأقبل الجد، فمرحبا بك يا عالي الشان؛ فقد أضاء بوجودك المكان، وبوجود فارس النياق صاحب البهجة والإشراق.
حاجب :
قد جاءنا يابن الأخيار، ونخبة الملوك الكبار، قاصد على قاعود، من عند الملك مسعود، وطلب الدخول عليك، والمثول بين يديك.
قيس :
فليحضر إلى هنا بالعجل.
حاجب :
أمرك أيها الملك الأجل.
جندلة :
تصبحك المسرة والسيادة
أيا ملكا حوى كل السعادة
ودمت كما تروم بصفو عيش
ومجدك في حلا الدهر قلادة
قيس :
فأهلا مرحبا آنست يا من
له الألطاف والآداب عادة
فما أمر المليك أخا المعالي
وما يبغي فعجل بالإفادة
جندلة :
اعلم يا صاحب الرأي والسداد، أن الملك مسعود بن مصاد، قد أرسلني لأهنيكم بالظفر والسلامة، وبلوغ الوطر من أعدائكم أهل النخس، الذين غاروا عليكم أمس، وقد عول أن يغزو ديارهم، ويمحو من الدنيا آثارهم، ولكن يابن الأماجيد، أفراحه ما عليها مزيد، بحصولكم على الانتصار، والسلامة وبلوغ الأوطار، ولا تسل يا معدن الافتخار، عما أصابه من الأكدار، من ساعة الإخبار، بقدوم أعدائكم الأشرار، وعند رجوعي أيها البهلول، ما مكنني الملك من النزول، بل أرسلني إليكم يا ذا القدر، لأهنيكم بالظفر والنصر، وحصولكم على الانتصار، على أعدائكم الأشرار؛ ولهذا أراد أن يتقرب إليكم، ويسبل ستور فضله وكرمه عليكم، وقد أرسلني عنه نائب، وراغبا بقربكم وخاطب.
عمارة :
مسعود أرسلك خاطبه؟
جندلة :
نعم يابن الأطايب.
عمارة :
ومن التي نادى منادي سعدها في السما، ويرغب أن يخطبها مسعود صاحب الحمى؟
جندلة :
اعلم يابن الحرة الكريمة، أنه لما كان عندكم في الوليمة، قد رأى عبلة ابنة مالك بن قراد، التي زوجتوها لعنترة بن شداد؛ لأنه قد سمع أنه تزوج بها غصبا، وهذا زواج لا يجوز في شريعة العرب العربا، وعار على أصحاب الحسب والنسب أن يزوجوا بناتهم للعبيد، حمالين الحطب ورعاة الإبل والأغنام، في السباسب والآكام، ويقول لكم إذا أجبتم الخبر وأردتم السلامة من الكدر والضير، اجعلوا الجواب إرسال عبلة؛ لتسلموا من الكرب والذلة، وخذوها من ذلك العبد الزنيم، وأرسلوها له أيها الفخيم، وعنتر يعوضه عنها الملك مسعود بجمل يركبه وأمة من الإماء السود.
عمارة :
والله يا شيخ لقد بالغت معنا في النصيحة، وقلت أقوالا لا يدركها إلا أصحاب العقول الرجيحة، وهذا زوج عبلة حاضر، وهو يسمع لك ويناظر، فإذا أراد الخير ورغب السلامة عن الشر، فيسلمها لك بلا قتال ولا حرب ولا نزال، وإذا استنكف وأبى، يضطر الملك أن يأخذها غصبا، ويسلمها لك لتوصلها إلى الملك مسعود، الذي من عاداه لا ينجح ولا يسود.
عنتر :
اسكت أيها المهان، ويا أحقر من جبان، ودع الملك يرد الجواب، بما يكون فيه الصواب.
قيس :
الجواب لك يا فارس الفرسان، فنحن لا يعنينا هذا الشان، فجاوب الرسول بما ترغب أيها المؤتمن، والذي تراه حسنا نراه أحسن، وهذا هو جوابي أيها المحترم، والشهم الأكرم.
عنتر :
الجواب يابن زهير، وكثير المرحمة والخير، ما تراه من عنترة الآن، في عنق هذا الجبان، الذي رغبني بالجمل والأمة، عوضا عن عبلة المكرمة (يهجم عليه ويخنقه).
أنا عنتر بن شداد، أنا قاهر الأبطال والآساد، أنا مشبع الوحش من لحوم الأعداء، أنا صاحب «هل غادر الشعراء».
النار أهون من ركوب العار
والعار يدخل أهله في النار
والعار في رجل يسلم عرسه
جبنا ويدعى فارس الأقطار
والعار فيمن يا عمارة يختفي
يوم الوغى ويغور في الآبار
لا بد ما يأتيك يوم شهده
صاب وبهجته كجنة نار
عمارة :
عفوا يابن شداد.
عنتر :
آه يابن الأوغاد، ما أقبح لهجتك وأقل مروءتك!
الربيع :
عظمتها يا عنتر.
عنتر :
اسكت أيها الأحقر، فلا كنت ولا كان أخوك ولا كانت أمك ولا كان أبوك، هيا احمله على ظهرك، قبل ذهاب عمرك، وساعداه أنتما بحمله، وبشرا مسعود وجميع رجله، أني سأقتله عن قريب، وأذيقه البلاء والتعذيب (هنا عمارة يحمل جندلة هو والعربيان ويخرج من المرسح).
عنتر :
لا تقضي الدين إلا بالقنا الذبل
ولا تحكم سوى الأسياف في المقل
ولا تجاور لئاما ذل جارهم
وخلهم في عراص الدار وارتحل
ولا تفر إذا ما خضت معركة
فما يزيد فرار المرء في الأجل
أنا الشجاع الذي تعنوا السباع له
طوعا وترهب مني سطوة البطل (يدخل عمارة)
عمارة :
أنا امتثلت أمرك يا أبا الأبطال، بحمل جندلة الخئون المحتال، وسلمته خارج الخيام، إلى خادميه يابن الكرام، وجئت إليك أيها السامي، لتعفو عن ذنوبي وآثامي.
الربيع :
أنا أعلم يا أبا الفوارس، وزينة المحافل والمجالس، أن أخي عمارة ما قال ما قال، إلا ليجبرك على قتل جندلة الختال، وقد قتلته أيها الأفخر، وأذهبت روحه إلى سقر، وها نحن الآن بين يديك، ولا نبخل بأموالنا وأرواحنا عليك، فمرنا بما تريد، لنفعله أيها الفريد. أما هو كذلك يا مهاب؟
قيس :
نعم يابن الأنجاب، رءوسنا والأشباح، وأجسامنا والأرواح، فداء ابن شداد، من الغوائل الشداد، فاسمح الآن عن عمارة، لندبر يا صاحب النضارة، أمر الحرب والقتال، مع مسعود بن الأنذال.
عنتر :
عمارة لا يؤاخذ بما فعل، وقد أفلته أيها الأفضل، أما مسعود بن مصاد، وعشيرته والأجناد، فلا بد أن أستأصلهم أجمعين، وأذيقهم العذاب المهين.
حاجب :
اعلم يا ملك أن الملك مسعود، قد بلغه ما فعل أسودكم الجحود، من الإهانة والعار الذي ألحقته به في هذا النهار، وهو يقول لكم أرسلوا إلي عبلة، وهو يسامحكم بدم جندلة، وإذا امتنعتم من الإرسال، فبادروا إلى الحرب والقتال.
عنتر :
خب أيها الأحقر، وقل له أن يتهيأ للميدان، فلا كنت ولا كان يابن الأرذل المهان.
قيس :
لا فض فوك يا أبا الأبطال، فما أنت وحياتي إلا فارس الدهر، وغرة هذا المصر.
عنتر :
أنا أقل عبيدك يابن زهير، وفداك من كل ضير، فهيا بنا لنستعد للقتال مع مسعود بن الأنذال. (لحن ختام):
عنتر (يقول عنتر والجيش يرد عليه) :
أصبح السيف الحكم
على النواصي والقمم
وكل ويل لمن ظلم
يوم تهوي به القدم
هيا بنا أسد الأكم
نجري الدما مثل الديم
مسعود أبشر بالعدم
نحن السباع فلا نضام (تم)
الفصل الرابع (ترفع الستار عن قيس والربيع وعمارة وعنتر وشيبوب والحارث وابن الورد وعربان باستعداد الحرب.)
عنتر :
ها نحن قد اجتمعنا الآن، فما هو أمرك أيها المصان.
قيس :
الرأي عندي أن نذهب إلى جبل الغمام ونعتصم فيه والنساء والأنعام، قبل ما يصل المنهزمون، ويدري بذلك العالي والدون.
عنتر :
وما يفعل إذا حضر المنهزمون.
قيس :
يستحضر لقتالنا يا ذا الشئون.
عنتر :
أمثلنا يا ملك يرتاع، من كل من سكن البقاع؟! فدعه يجمع الوحوش، والأسود والجيوش، فلا يبلغون منا مرام ، ولو ركبوا ظهر الغمام.
قيس :
الرأي عندي أن نكمن لهم، وندهمهم على حين غفلة، ونمحو آثاره وآثار رجاله بغمود حمله، والله البصير، على كل شيء قدير.
عنتر :
هذا رأي سديد وتدبير حميد.
قيس :
ولكن من نترك عند النساء؟
عنتر :
إن أمرت نترك الربيع وإخوته وعشيرته والجميع.
عمارة :
هذا لا يمكن يابن شداد.
عنتر :
ولماذا يابن الأجواد؟
عمارة :
أنت لكل حرب تصير طليعة، وتكسب بعدها الشهرة البديعة، وتترك بني زياد لحفظ النساء والأولاد، وهم أهل الوقائع، وخواض المعامع.
عنتر :
وماذا ترغبه الآن؟
عمارة :
أرغب أن أطاعن الفرسان وأربض في الميدان كالرخ، وأذبح مسعود بخ، بحد شقيق المجن، المستحد على المسن.
عنتر :
أنا أعلم يا وهاب، أنك كفوء مهاب، ولكن نحن لا نأمن على العيال، إلا بوجودكم على كل حال، وفي غيرها يا سامي الشان، نقدمكم على سائر الأقران.
عمارة :
كن مستريحا يابن شداد، من جهة النساء والأولاد، فنحن نحفظهم والمواشي من كل طارق وواشي.
عنتر :
بارك الله فيك يا وهاب.
عمارة :
وفيك يابن الأنجاب.
عنتر :
فهيا بنا إلى الحرب الآن؛ ليلقى مسعود في هذا النهار على وجه الصحصحان (يذهبون جميعا وتدخل عبلة ومسيكة).
عبلة :
هل يا مسيكة زوجي يبلغ الأوطار، من مسعود ابن الغدار، أم يرجع بالفشل، ولا يبلغ القصد بهذا العمل.
مسيكة :
لا ريب يا ذات الفخر، يحصل على النصر، بهمته وهمة زوجي فارس النياق، صاحب البهجة والإشراق (يدخل عنتر لوداع عبلة، ومقري الوحش لوداع مسيكة).
مقري الوحش :
مسيكة قبل بينك ودعينا
ومن طيب العناق فذودينا
وإن حل الفراق وكان حتما
علينا الموت ويحك فاندبينا
منازلنا بأرض الشام قفر
بنا كانت تسر الناظرينا
تركناها لسكان سوانا
وعوضنا بقوم أكرمينا
كرام اتركونا في كل مكان
من العلياء أقصى الراغبينا
رأينا كل ليث لا يبارى
ولكن مثل عبس ما رأينا
ليوث دأبها هز العوالي
وضرب السيف دون العالمينا
فكيف نخاف من صرف الليالي
وعنتر سيد الأبطال فينا
همام كلما كثر الأعادي
وجدناه لنا حصنا حصينا
مسيكة :
بهمة ذي العلا فخرا حبينا
وشمس السعد قد بزغت لدينا
شجاع ضيغم يفني ويبري
بعزم كالجنادل لن يلينا
عبلة :
أعنتر قد غدا قلبي حزينا
ومن طرف البلا دمعي سخينا
مدامع مقلتي زادت ففاضت
على خدي لآلئ مع لجينا
عنتر :
غدا يا بنت مالك تنظرينا
وسوف ترين آساد العرينا
وسوف ترين مسعودا ملقى
على الصحراء من رمحي طعينا
أيابنة مالك قري وسودي
وطيبي وافرحي وامشي الهوينا
ولا تخشي فإن حماك ليث
يميت الموت قبل الدار عينا
وها نحن ذاهبون إلى الحرب الآن، فادعوا لنا بالنصر في كل آن، يودعونهما، ويذهب عنتر ومقري الوحش، ويدخل عمارة متغزلا بعبلة، وهي لا تريده؛ لأنه كان ثقيلا عندها لسماجته.
عمارة :
سودي علي ببض الأعين السود
وادعي الحسود فما غيري بمحسود
ما أنت إلا عمود للجمال وما
أنا سوى مغرم بالحسن مكمود
أشقت خدودك قلبي وهي ناعمة
وعذبت كبدي في نار أخدود
عبلة :
وإلى الآن وأنت في ضلالك؟
عمارة :
إي وأبيك يابنة مالك إلى الآن، وأنا في الغرام وحليف الصبابة والهيام.
عبلة :
من تعني بشعرك يا عمارة؟
عمارة :
وتجهلين يا صاحبة النضارة، من التي سلبت فؤادي وأعدمتني رشادي؟! أما هي عبلة الجمال وربة الدلال؟
عبلة :
هكذا يا عديم الرشاد، من يؤتمن على النساء والأولاد، فاذهب لا بارك الله فيك، ولا أوصل إحسانه إليك (تدفعه بيدها فيقع على الأرض، تذهب عبلة ومسيكة).
عمارة :
قد أخذتني، وما وقرتني، آه، فلا كان الغرام، كيف يذل الكرام، لو أجابت سؤالي، وترفقت بحالي، وأقالتني من الغم، كنت أطعمها مم، وأسقيها امبو، ولو طاوعتني لو أجهلت ما لي من القدرة والحفاوة، حتى زجرتني وجعلتني واوة، آه فلو لم أكن شرابا بأنقع، لكنت خوفتها بالبعبع، ولو عنتر الأسود الأفطس الأنكد، وتأنيبه وعتبه، لقلت لها به به به (يدخل عنتر وحده مارا).
عنتر :
مما هبت يا وهاب.
عمارة :
من هيبتك يا مهاب، ولما رجعت من القتال؟
عنتر :
رجعت يابن الأقيال، لصديقي مقري الوحش وعروة صاحب البطش.
عمارة :
اذهب مظفرا ومنصور، على مدى الأيام والدهور ... يذهب عنتر ... لو سمع مقالي، لعجل ارتحالي، اذهب لا رجعت ولا ستيت ولا طعمت، ما أغلظ جثتك وأسمج لحيتك (تدخل امرأة وقابضين عليها اثنان حرامية عربان).
امرأة :
أين أهل المروءة؟ أين أهل النخوة ؟ خلصني أيها الشجاع.
عمارة :
عنها يا لكاع ... (ينظر إليها)
وخذاها واتركاني؛ فقد لاع جناني.
عربي أول :
اشلح يا جبان ثيابك.
عمارة :
أنا ما كلمت جنابك، فلا تكلم حضرتي.
عربي أول :
اشلح ثيابك بالتي، أو أرمي رأسك عاجلا.
عمارة :
لا لا، فلا حول ولا، خذ مسحي واقنع ورح.
عربي أول :
لا يكفني.
عمارة :
أين الرمح؟ ها، فذا سيفي الصقيل.
عربي :
اشلحه حالا يا ذليل.
عمارة :
وبما أحارب بعدها؟
عربي :
هذي لمن؟
عمارة :
لا، ردها؛ راسي برد يابن الكرام.
عربي :
اشلح ولا تكثر كلام.
عربي ثاني :
كفى أخي؛ فالباقي لي.
عربي أول :
اغنم كسا أفخاذه.
عربي ثاني :
أجل وهذه حصتي.
عمارة :
يا ويلي، راحت جزمتي، لكن وأين شجاعتي؟ ه ه فهاتوا كسوتي.
عربي أول :
قف خذها يا نذل العرب.
امرأة :
انقذني يا عالي النسب (يذهبون العربان والمرأة).
عمارة :
هيا اذهبي، فلا ولا، من أجلك هذا البلا، تأتي ثيابي يا ترى، لا، لا تجي بلا مرا، وأقول هذا من المزاح، ها جاء حبوب الصباح (يدخل العربي الأول، ومعه حبل يكتف عمارة).
عربي (شعر) :
هذي ثيابك يا حقير.
عمارة :
ما هذا إني مستجير.
عربي :
لا تخشى هذي العبا.
عمارة :
كن راحمي.
عربي :
يا مرحبا، مثلي فلا تلقى رحيم، أمد الملا يابن اللئيم. (يكتفه)
كيف رأيت نقمتي؟
عمارة :
اصبر أتتني همتي حتى أقوم لقتلتك.
عربي :
مت عاريا في حسرتك (ويذهب).
عمارة :
لو كنت غير مكتوف، لشربت من دمك يا منتوف، قد أخذتم ثيابي، وما هبتم من جنابي، أما علمتم أني مهاب، واسمي عمارة الوهاب، تعالى فكني (يدخل عنتر).
عنتر :
ما هذا يا دني؟ ومن فعل بك هذه الفعال؟
عمارة :
فكني يا أبا الأبطال، وأنا أخبرك في الحال (يفكه عنتر).
عنتر :
ها قد صرت مفكوك، فما الذي صار يا زعلوك؟
عمارة :
اعلم يا أبا الأبطال، أنها دهمتنا الرجال، فلقيتهم بصدري، ومزقتهم بسيفي وأسمري، ولو لم يعثر الجواد، لما قدروا علي يابن الأمجاد، وأخذوا ثيابي، وكتفوا جنابي.
عنتر :
ومن أين ساروا يا وهاب؟
عمارة :
من هنا يابن الأنجاب.
عنتر :
اتبعني لأخلص ثيابك، ممن كتفوا جنابك (يذهب عنتر).
عمارة :
هكذا تكون العبيد، مع الأسياد الأماجيد (يذهب الآخر، يدخل عروة ابن الورد مترنما، ومعه مقري الوحش، وكلاهما بملابس حربية).
ابن الورد :
إذا هبت الأرياح من ملعب الحزد
طفأت بها حر الصبابة والوجد
وإن جزت يوما في العقيق وبارق
فبثي غرامي واشرحي بينهم وجدي
فبالله يا ريح النسيم تحملي
رسالة مشتاق يحن إلى نجد
وعند بني عبس من الشوق والأسى
ومن نائبات الدهر مثل الذي عندي
ونحن جميعا قد يئسنا من اللقا
ولكن قضاء الله حتم على العبد
مقري الوحش :
ما هذا يابن الورد؟
ابن الورد :
سببه الصبابة والوجد، والشوق يا فارس غسان، لشقيقتي أم نعمان، ولا أدري هل نعود إلى الوطن سالمين، أو نكون في اليمن من الهالكين، ولا أدري الأوطان، ولا أم حسان.
مقري الوحش :
هذا يابن الورد مع انتصار الجند والظفر والاستظهار، على أعدائنا الأشرار (هنا يدخل عنتر، وحامل رمحا عليه رأس مسعود وقيس وعموم العربان، يقول شعره والعرب ترد عليه).
عنتر :
جئنا بالفوز العالي
والعز والإفضال
مسعود ولا الي
نار الشقا والبلا
حاجب من الخارج (يدخل يقول) :
اعلم يا ملك أن الملك مسعود بن مصاد، قبلما تحاربوه ويقتله ابن شداد قد أرسل كتبا إلى بلاد اليمن، وكل من له من أطلالها مناخ وسكن، يحضهم على قتلكم، وإهلاك أبطالكم، والآن واصل بنوا بارقة وبنوا حريقة وبنوا باغضة وبنو زؤيب وبنو القين وعرب البرين وجيوش البحرين، إلى أن وصلوا إلى عند حسان بن مسعود، ورفعوا على رأسه الرايات والبنود، وجعلوه ملكا عوض أبيه، ووعدهم بالظفر أيها النبيه، بعدما اجتمعت يا ذا المفاخر، المنهزمون من فرسان أتيا عراعر، وعدة الجميع أيها الموقر، خمسون ألفا أو أكثر، وكلهم بالحديد والزرد النضيد، وخيلهم سابقة، ورماحهم بارقة، ولهم دمدمة كالرعود، وقلوبهم أقسى من الجلمود.
عنتر :
مه أيها الجبان، وإذا كانوا ألوف، وفرق وصفوف، فما هم وحياة أبي شداد، إلا كالغنم السارحة في الوهاد، وعند الامتحان، يكرم المرء أو يهان.
كل من يدعي بما ليس فيه
طالبا إرغام أنف الزمان
فهو فدم وجاهل وغبي
كذبته حوادث الامتحان
لا تكن يا ملك في التياح؛ فعندك من يكفيك سكان البطاح، وسكان البحار والخلجان، وسر شياطين سليمان.
رسول أول :
لك البشرى يابن شداد.
عنتر :
وما هي يابن الأجواد؟
رسول أول :
قد أقبل صاحبك نعمة الأشطر، ومعه جيش كثير أيها الموقر.
عنتر :
وأين تركته يا باسم؟
رسول أول :
قريب من جبل الغمام، فبادر لملتقاه، والنصر على الله.
عنتر :
صدقت يا بسام، فهيا يا ملك الأنام.
رسول ثاني :
بزغ السعد يا ذا الأياد، بقدوم الملك عباد، ومعه خمسماية فارس؛ لأجل حضرتكم أيها القناعس.
عنتر :
حقا بزغ السعد، ولله الشكر والحمد.
رسول ثالث :
لك البشرى يا ملك الأنام، بقدوم الملك النعمان.
قيس :
حقا بزغت لنا شموس الأفراح، فمرحبا بلقاء الملوك أهل الكفاح. (لحن، عنتر يقول وهم يردون عليه):
عنتر :
مرحبا يا مرحبا يا مرحبا
بالملوك الفضلاء النجبا
بلقاكم يا ملوك الأمم
نرتجي حتم صروف النقم
علنا بعد الشقا والألم
ننسى في الأوطان هذا النصبا
الملك عمر بن هند :
لا ريب تنسونه يا أبا الفرسان؛ فقد رضي عليكم أخي النعمان، بشفاعة المتجرة، ذات الشمائل المفردة.
عنتر :
حفظ أخوك يابن هند، وحفظت معه يا سامي المجد، وقد جئتنا أيها الشقيق، ونحن بغاية الضيق، وكل منا يتكلم وهو سقيم، ويتحرك وهو حثيم، من توالي الحروب وغوائل الخطوب.
الملك عباد :
الحق يا ملك على أبي الفرسان، الذي جعل مثلي ملكا وسلطان، وسلمني بسيفه والسنان، أرض السواد وجبل الدخان، وتركني بعدما آب، في هذه الكروب والأوصاب، لانتهاز فرص الزمان، لأكافئه على هذا الإحسان.
الملك النعمان :
اتركوا الآن المدح والعتاب، واشكروا رب الأرباب، الذي جمعكم سالمين، ومن الخطر آمنين.
عنتر :
حمدا وشكرا للعليم
المنعم البر الرحيم
كذا للنعمان الفخيم
ذي الجود والفضل العظيم
دور
احفظ وأيد يا مجيد
سلطاننا عبد الحميد
كذا خديوينا الفريد
بدء وحسنا وختام (تمت الرواية)
رواية ناكر الجميل
الفصل الأول
في عهد الملك قسطنطين، خرج حليم نجل وزيره الأول إلى بعض البساتين، فرأى غلاما اسمه غادر يشبهه، منطرحا في الطريق يقاسي عذاب المرض والجوع، فأخذه وأطعمه وعالجه وكساه وواخاه، ولما رأى الوزير الأول أن علائق الحب تمكنت بينهما تبناه؛ ليكون معينا لابنه في السراء والضراء، ولما بلغا رشدهما قال غادر لأخيه حليم هذه الأبيات:
ألا بالحمد أبدأ للقدير
مزيل الضر عن قلبي الكثير
كريم راحم بر رءوف
سميع منعم ملك بصير
فلا أحصي الثناء عليك ربي
أيا من جدت بالفضل الغزير
فأنت أغثتني وجبرت كسري
وأنقذت الفؤاد من السعير
وأنت منحتني نيل الأماني
وأعليت الحقير على السرير
ومن ضعفي ومن جوعي وسقمي
أرى بين الورى دون النقير
فحننت الحليم علي فضلا
ملازي سيدي نجل الوزير
فداواني وأطعمني وآوني
وألبسني ثيابا من حرير
جزاك الله عني كل خير
أيا سندي ويا غوث الفقير
غمرت عبدك الفاني بجود
عميما الظل فيه كالأمير
جميع جوارحي بالشكر تثني
على علياك يا بدر البدور
فدم واسلم بعز ما تغني
حمام الأيك في روض نضير
وما بذغ الصباح وما تخلى
جمال ثناك في أفق الحبور
فأجابه حليم بما عنده من الشهامة:
ألا يا صاح دع حمدي وشكري
فإن الحمد للرب الغفور
ودع تذكار إحساني وفضلي
ودع ذكر القليل مع الكثير
فأنت أخي وريحاني وروحي
وأنت رجائي في كل الأمور
فسر واحضر لنا ما نبتغيه
لكي نمضي إلى صيد الطيور
وبلغ والدي قصدي بهذا
وعد نحوي لنسرع بالمسير
فأجابه غادر بهذين البيتين:
على رأسي وعيني يا حياتي
سأحضر ما طلبت بلا قصور
حماك الله من كيد الأعادي
ودمت كما تروم مدى الدهور
وذهب سريعا ليأتي بما يلزمهما من أدوات الصيد والقنص، فأخذ حليم ينشد هذه الأبيات:
أحسن إلى الناس تستبعد قلوبهمو
فطالما استعبد الأحرار إحسان
وكن مع الناس معوانا لذي أرب
يرجوا نوالك إن الحر معوان
فما أتى على آخر هذه الأبيات إلا ونظر إلى معلمه الشيخ ناصر وقال له: أرأيت يا ناصر مثل صنع الجميل. فأجابه: لا وأبيك أيها الحليم النبيل؛ فإن صنع الجميل يفرج الضيق، ويجعل العدو أحسن صديق.
فأجابه حليم: قد نطقت بالصواب، وقد صدق من قال:
ازرع جميلا ولو في غير موضعه
فلا يضيع جميل أينما زرعا
إن الجميل وإن طال الزمان به
فليس يحصده إلا الذي زرعا
ها أنا قد فعلت مع غادر فعلا لم يسبقني إليه أحد في الزمان الغابر؛ وذلك أني رأيته منطرحا في الطريق، من كثرة الأمراض والضيق، فأخذته وأحضرت له الأطباء، واعتنيت به غاية الاعتناء، وبعد شفائه من المرض أيها الصديق، قد اصطفيته لنفسي خليلا ورفيق، وكذلك والدي نظرا لحبه إلي، كتب على نفسه صكا شرعيا، أن يعامله كولده طول حياته، وأن يكون شريكا لي في جميع الأموال بعد وفاته، أملا أن يصير عوني وعضدي، ومسعفي في كل الأمور وسندي، وقد بان والحمد لله معه الجميل، وصار لنا أفضل صديق وألطف خليل.
فهز الشيخ رأسه وقال: وكيف أمكن لك يا سيدي أن تصافي هذا الإنسان، قبل الاختبار والامتحان؟
فأجابه حليم: إني اختبرته يا ناصر، وعرفت باطنه والظاهر، أما سمعت ما أبداه من الحمد للواحد القادر؟ وما أظهره لي من الشكر الفاخر؟ ولذا رمت أن أصطحبه معي إلى صيد الطيور، لنحصل على كمال النشأة والسرور.
فابتسم الشيخ وقال:
أمور تضحك الجهلاء منها
ويبكي من عواقبها اللبيب
أراك يا مولاي تصف غادر بالخلة والصداقة، وما هي عن إذنك إلا خفة وحماقة؛ حيث إنك وجدته منطرحا في الطريق، وأنقذته من كل كرب وضيق، وداويته وآويته، وأطعمته وكسوته، وشاركته في نعمتك، وجعلته أنيس حضرتك، فشكرك بلسانه، وأعلم بما في جنانه، أهذا هو الصديق؟! لا والله ما هو إلا زنديق.
إن أخا الهيجاء من يسعى معك
ومن يضر نفسه لينفعك
ومن ذا ريب الزمان صدعك
شتت فيك شمله ليجمعك
أوصل غادر إلى هذه الدرجة؟
فأجابه حليم: لا ما وصل إلى هذه الدرجة، وأنا ما وصلت إلى درجة أمتحنه بها هذا الامتحان، بل رأيته حسن الوجه عذب اللسان، فقربته إلي وجعلته من الخلان.
فالتفت إليه الشيخ وأخذ ينصحه بهذه الأبيات:
وهل ينفع الفتيان حسن وجوههم
إذا كانت الأخلاق غير حسان
فلا تجعل الحسن الدليل على الفتى
فما كان كل مسقول الحديد يماني
ما هذا التغفل الظاهر، الذي لا يستحسنه عاقل ولا فاجر؟
إن ود الناس أضحى
لنفاق أو لعلة
فاهجر الأصحاب إلا
صاحبا يصحبك الله
انتبه يا بني من هذه الغفلة، وانشل نفسك من ورطة هذه الهفوة، واقبل يا معدن اللطائف، نصيحة مجرب عارف، قد أنحله الزمان، وأفتنه غوائل الحدثان، وعرفته الصالح والطالح، والزائغ والناصح، والخاسر والرابح، والهالك والناجح، وأرته الشدة والرخاء، والعافية والضراء، والعسر واليسر، والسعة والفقر، والتفريج والضيق، والعدو والصديق.
وكنت إذا الصديق أراد قهري
وشرفني على ظماء بريق
غفرت ذنوبه وكظمت غيظي
مخافة أن أعيش بلا صديق
ولكن ما أجداني ذلك نفعا، وما زادني إلا حطة ووضعا، وذلك عقد الامتحان، وانقلاب الزمان، ميزت الصدق من المين، واتضح الصبح لكل ذي عينين، وملني الأهل والأصحاب، وتغلقت في وجهي جميع الأبواب، إلا باب العظيم، الرءوف الرحيم، الذي لا يخيب من دعاه، ولا يحرم من استجداه، فإياك يا ابني إياك، من صحبة كل منافق أفاك.
إياك تغتر أو تخدعك بارقة
من ذي خداع يري بشرا وإلطافا
فلو قلبت جميع الأرض قاطبة
ولا أخا يبذل الإنصاف إن صافا
فلم ينتصح حليم من هذا الكلام، وقاطعه وقال: قد أطلت يا ناصر الكلام، وأسهبت بالتقريع والملام.
فأجابه الشيخ: لا أيها الحليم، والزاهر الوسيم، أنا ما أطلت الكلام، ولا أسهبت بالملام، بل ما قلته هو الحق، والعدل والصدق. وأكرر النصح والمقال، وإن ألقيته في زوايا الإهمال، إنك لست من صبحة غادر على طائل، ولو كان والله سحبان وائل؛ لأن أفكاري ما استحسنت صداقته، ولا استطابت مرافقته، ولا أراه إلا كذابا خداع لذاع، ذا شقاوة ومرية، وعداوة وفرية، ظاهره سرور، وباطنه شرور.
يعطيك من طرف اللسان حلاوة
ويروغ منك كما يروغ الثعلب
فأصم حليم أذنيه عن سماع هذه الحكم البليغة، وقال لناصر ذلك الشيخ الوقور:
إن الخفي على الجلي دليل
ومن الفؤاد إلى الفؤاد سبيل
لا تحسبن بغادر غدرا فما
لصفاء نيته أخي مثيل
وعندما فرغ من نظامه، أخذ ينشد هذه الأبيات:
إظهار ما تخفي الصدور
قد خص بالمولى القدير
إن رمت إدراك الأمور
فمن الظواهر كن بصير
في كل حال يا شكور
سلمت أمري اليوم لك
فبأمرك السامي يدور
ما في البسيطة والفلك
فتكدر الشيخ من حليم، ولكنه لم يتركه وشأنه؛ لأنه عالم بأنه:
تلجي الضرورات في الأمور إلى
سلوك ما لا يليق بالأدب
فأعاد عليه النصيحة وقال: آه يا مولاي حليم، والله إنك مع غادر على خطر جسم، ولا بد ما يدس لك السم في الدسم، فتندم حيث لا ينفعك الندم، ولا يفيد التلافي بعد التلاف، ولا يرد السهم في القوس وقد خرق الشفاف؛ حيث إني درست السياسة على أعظم شيخ وهو الزمان، وما رسمت ما شان وما زان، وأنت شاب غرير، وبعواقب أمور لست بخبير، لا ما رسلت الخلق، ولا ميزت بين الصدق من ذوي الملق، ولا خيرت ولا سيرت، ولا سمعت ولا نظرت، بل نشئت في ظلال النعيم، واستهلال ظهورك صحبة غادر اللئيم، فاستخلصته لنفسك، وجعلته ريحانة أنسك، وشاركته في النسب، وما فكرت في العاقبة والحال، وفعلت فعلا لا يرضاه عاقل، ولا يقربك عليه جاهل.
فانحمق حليم من هذا الكلام، وقال: قد تجاوزت الحد يا ناصر، وأصرفت في دم غادر، أما علمت أن الأخ الصلبي ربما يضرك، وأما الصديق الصالح فإنه أبدا يسرك، والصاحب الشفيق خير من الأخ الشقيق، وأنا ما اتخذت غادرا لا لشدة ولا لرخاء، بل ما فعلته معه ما هو إلا من باب المروءة والسخاء. وأنت ما نقص عليك من محبتي لغادر؟!
فتبسم الشيخ ناصر، وأراد أن يجزبه إلى سماعه نصائحه، فقال: أنا أيها المحسن الباهر، ما نقص علي شيء من المراسيم، وما فقد مني شيء مما أسديته إلي من النعيم، إنما نظرا لما لك من الإحسان يجب أن أحذرك من نوائب الزمان، ولا تظن ما قلته لك هو ناشئ عن خبث طوية، لا بل هو من خلوص السريرة وصفاء النية. وحيث إني رأيت الزمان حقود، والصاحب أول ناكث للعهود، فقد أخبرتك، وحذرتك وأنذرتك، من غدر صاحب أنت تختاره، وهو يختار سواك، وأنت تفديه بنفسك، وهو يود لك الهلاك، إن أعطيته حرمك، وإن رحمته ظلمك، تصعد به إلى ظلال النعيم، وهو يهوي بك إلى حضيض الجحيم، تطعمه الشهد والحلاوة، وهو يسعى بينك وبين الناس بالعداوة، وما ذلك إلا لنفعه وضرك، وخيره وشرك، يدنس ويدلس، ويوسوس ويهوس، ويروج الباطل ويحلي العاطل، لا يستحسن الترف، ولا ينظر إلى الشرف، بل يجد في منفعته الخصوصية، بقطع النظر عن الجهة والحيثية، ومتى ذهبت الكرة، وجاءت الفكرة، يتضح للإنسان حقيقة الحال، ويتذكر قول من قال:
المرء في زمن الإقبال كالشجرة
والناس من حولها ما دامت الثمرة
حتى إذا ما انقضت أيام مدتها
تفرقوا وأرادوا غيرها شجرة
ولا يزداد المرء إيقان، إلا بالتجريب والامتحان.
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت
له عن عدو في ثياب صديق
فاتعظ أيها الحليم، بنصح مجرب حكيم.
إذا أنت فتشت القلوب وجدتها
قلوب أعاد في جسوم أصادق
فلما أتم الشيخ ناصر نصائحه، التفت إليه حليم بعين الغضب وقال له قولا خاليا من الأدب: ما هذا الحمق الشديد، والنصح الذي لا يفيد؟! أترغب أن أعيش وحشيا يا لئيم؟ بلا خليل ولا نديم؟
وكلما زاد حليم في الحماقة، قابله الشيخ بنصائحه المقنعة وقال: أما سمعت يا حميد الصفات، ما قاله صاحب المقامات:
ونديم محضته صدق ودي
إذ توهمته صديقا حميما
ثم أوليته قطيعة قال
حينما ألفيته صديقا حميما
خلته قبل أن أجرب إلفا
ذا زمان فبان جلفا زميما
تخيريه كليما فأمسي
منه قلبي بما جناه كليما
وأنا يا مولاي ما قلت بعدم صنع الجميل، لا بل أقر بأنه لازم وجليل، وعلى كل افعل ما بدا لك، نجح الله أمورك وأفعالك، ولكن:
الرأي عندي أن تكون على حذر
من غادر كي لا تهان إذا غدر
أحليم كن متيقظ حتى إذا
وافى اللصوص تكون ليلا في سهر
إن نام غيرك آمنا لجميله
فاصحوا لكونك محسنا واجل النظر
احذر وكن مستيقظا لا سيما
إن تم فعلك بالجميل هنا الخطر
أوما ترى أن الكسوف أوانه
لما يتم النور في قرة القمر
فاحفظ كلامي كله كي لا تقول
رميت سهمي حينما انقطع الوتر
فهناك تغدو نادما متحيرا
بين الأنام وعبرة لمن اعتبر
كلما ازداد الشيخ في النصح، ازداد حليم في حب غادر، وأراد أن يظهر لناصر أنه لا ينقاد لنصائحه، فقال: وإن يا ناصر كلامك مرصع بجواهره الصواب، فلا يمكن أن أقبله؛ حيث إني في مودة غادر بعيد عن الارتياب؛ لأني منذ عرفته إلى اليوم لم أر منه ما يوجب اللوم، وكان من الواجب أن اتبع رأيك، وأكون منه على حذر، ولكن قلبي لا يطاوعني أن أسمع بغادر كلام أحد من البشر.
فكظم الشيخ غيظه في قلبه، وأخذ يقول في نفسه: يالله! انصحه فيناقض، وأرشده فيعارض، ونتيجة قوله لنصحي المفتخر، ألا يسع بغادر كلام أحد من البشر.
ثم أطرق برأسه إلى الأرض وقال لحليم: والله إن غادر لذميم، وشيطان رجيم، كثير الوسواس، خئون خناس، قليل الأمانة، مصدر الخيانة، ذو مضرة ورياء، ومخاصمة ومراء، أخلاقه زميمة، وأوصافه مشومة، خبيث الطوية، وحركاته شيطانية، كالنار في الإحراق، وإبليس في الشقاق، وحيث إني ألمعي الفراسة، وماهر في السياسة، أقول إني غادر لغدار، وماكرا فاجر، ولو لم يكن مستحقا لما كان عليه، أوصلي الله تلك الإهانة إليه، حليم حليم، مولانا حليم، أتريد أن تسعد من أشقاه الله، وتقرب من طرده وأقصاه؟! كلا، كلا.
إذا المرء لم يخلق سعيدا من الأزل
فخاب الذي ربى وخاب المؤمل
فموسى الذي رباه جبريل كافر
وموسى الذي رباه فرعون مرسل
فلا تحصل يا سيدي من صحبة غادر على السلامة، ولا بد ما تقع في الحسرة والندامة؛ حيث إنه خال من الصفات الحميدة، والشمائل السعيدة، قبيح الفعل، رديء الأصل.
هيهات تجني سكر من حنظل
فالشيء يرجع بالمزاق لأصله
وعند ذلك غضب حليم وقال لمعلمه: قد خرجت يا ناصر عن حد الاحتشام، ودخلت فيما لا يعنيك بالتأنيب والملام، فأنا عن محبة غادر لا أحيد ، ولو ألقيت في العذاب الشديد، فاغرب عن وجهي يا بغيض، وأرحني من كلامك الطويل العريض.
فذهب الشيخ ناصر، يردد قول القائل:
إذا المرء لم يعرف مصالح نفسه
ولم يك يوما للأخلاء يسمع
فلا ترج منه الرشد واتركه إنه
بأيدي صروف النائبات سيوقع
أما حليم السليم النية، فقال بعد ذهاب مربيه: أف لك من نصوح زميم، وحاسد لئيم، أهكذا يفعل الحسد! تحصنت بالواحد الصمد، ظهر كلامه نصيحة وبر، وباطنه حسد وشر؛ حيث إني أعرف من ذاته، ومطلع على جميع حركاته.
وإني بلوت الناس أطلب منهموا
أخائفة عند اعتراض الشدائد
فلم أر فيما ساني غير شامت
ولم أر فيما سرني غير حاسد
يرغب ذلك الوسواس الخناس، أن أقطع علاقتي من حب جميع الناس، وأعامل كلا من الخلان بالصد والجفا والعداوة، وأقتصر على ذاته الشريفة وأخلاقه اللطيفة. وما فعل غادر معه من الإضرار حتى أسر على بغضه هذا الإسرار؟! فأنا منذ عرفته ما عاملته بغير الإحسان، ولا أظهرت له غير الحب بالقلب واللسان، وذاته الردية وخلاله الشيطانية يأبيان فعلي الخير، ويرغبان كل شر وضير، بلا سبب يوجب، ولا ذنب يغضب.
لسع العقارب لم يكن لعداوة
لكن لخبث تقضيه ذواتها
ولكن خاب أمله، وفسد عمله، وعزة ربي القادر، لا أميل عن محبة غادر، وأكتفي منه بالوداد، عن محبة جميع العباد.
وإذا تألفت القلوب لبعضها
فالناس تضرب في حديد باردا
وإذا صفا لك من زمانك واحد
فهو المراد فعش بذاك الواحد
ولكن قد أبطا غادر، هل أبي ليس بحاضر؟ يلزم أن أستحضره، قبل فوات الفرص، وأستحضر كلما يلزمنا للصيد والقنص.
فقال ذلك حليم، وخرج من محله يبحث عن غادر، أما الشيخ ناصر اختبأ في مكان يطل على محل حليم، وإذا بغادر قد أتى إلى تلك المحل، وكل شعرة بجسمه تحركه على الفتك بحليم، شأن كل لئيم، وصار يخاطب نفسه، والشيخ يسترق السمع: قد استحضرت على ما يلزمنا للذهاب، لكن مالي أرى سليما ذاهبا من هذا الباب، آه، إن بلاء الإنسان عظيم، وخصوصا إذا عاش في ظل وغد مثل حليم، نعم إنه داواني وآواني، وأطعمني وسقاني، وشاركني في نعمة أبيه، وجعلني أعز من أخيه، وكفاني جميع الأحزان والآلام، وغمرني بمزيد الإنعام، لكن أرى ذاتي أن أمجده وأعظمه، وأبجله وأفخمه؛ شكرا على إنعامه، وجزيل إكرامه. ومن يحتمل هكذا تحقير، ويكابد من الذل عذاب السعير.
لا تسقني كأس الحياة بذلة
وأدر بعزلي كئوس الحنظل
كأس الحياة بذلة كجهنم
وجهنم في العز أفخر منزل
فلا بد أن أقتله في وقت مناسب، وأسلم به من غوائل العواقب، وإذا سمحت الفرصة أقتل أباه، وأصير وزيرا عوضه بلا اشتباه، وحينئذ أعيش بالصقة والهناء، آمنا من كل إهانة وعناء؛ ولذلك القصد قد أحضرت هذا الخنجر لأزيقه من حده الموت الأحمر، ولكن يلزمني الآن أن أحدثه بالكلام اللطيف، وأخضع لأمره الشريف، كي لا يشعر بما تخفي الصدور، فأقع في البلاء والشرور، نعم هكذا أفعل، وعن هذا القصد لا أتحول.
أغشه اليوم في حلو الكلام عسى
أسقيه سماء وأخفي السم في الدسم
وبعد هذا أحوز المال وأجمعه.
فما أتى غادر على آخر شعره إلا ونظر حليم آتيا من بعيد، فغير كلامه المؤلم بالترحيب وقال:
أهلا وسهلا بفرد العرب والعجم
آنست عبدك يا محيي الفؤاد ومن
جمال طلعته كالبدر في الظلم
ما عشت أثني على علياك يا سندي
وبعد موتي إذا أمسيت كالرمم
فأجابه حليم من القافية عينها:
الله يبقيك يا ذخري ومعتمدي
مدى الزمان بأهنا العيش والنعم
فأنت روحي الذي حقا أعيش بها
وأنت ريحاني فاسلم وعش ودم
فقال غادر: قد استحضرت كل ما يلزمنا للذهاب، فهل تأمر أن نستدعي معنا أحد الأصحاب.
فأجابه حليم: لا يكون وحدنا فقط، ولكن ما قلت لأبي وأمي، ألم تنظرهما قط؟
فقال غادر: نعم، قد أخبرتهما بما تريد، فاستصوبا ما عزمت عليه أيها الحليم الفريد، وهذه أمك آتية مع أبيك، الله يحفظهما ويبقيك.
ما تم غادر كلامه إلا وقد حضر أبو حليم يقول: همة مباركة يا حليم.
فأجابه حليم على الفور: تكون مباركة بعنايتك أيها الوالد الكريم.
فقال أبوه : مع من عزمت أن تذهب للصيد يا ولدي الحبيب؟
فقال: مع أخي غادر إلى هذا الحرش القريب.
فصرح له أبوه بذلك إذ قال: لا بأس، اذهب مع غادر؛ عسى ينشرح منك الخاطر.
فقال حليم: سمعا وطاعة، وسنعود إن شاء الله بالسرور، مصطحبين معنا كثيرا من الطيور.
فقال والده: مناسبا، اذهبا بالأمان.
فقال غادر: حفظت يا مولاي مدى الزمان.
أما حليم فقد قبل يد والديه وقال: عن إذنك يا والدي الكريم.
فقال له أبوه: سر محفوظا بعناية الرءوف الرحيم.
فقال أيضا: عن إذنك يا أماه.
فقالت له: سر ملحوظا بعناية الله.
ولما ذهب حليم صحبة غادر إلى الصيد قال الوزير: الحمد لله المنعم العظيم، الذي جمع الأوصاف الحسنة بولدي حليم؛ فإنه جل علاه قد غرس في رياض قلبه روح التقوى والصلاح، وجعله منهلا صافيا يرده كل من يبتغي الفلاح والنجاح؛ وما ذلك إلا مجازاة لعمله العجيب، الذي أجراه مع غادر الغريب، إنه سبحانه وتعالى ينظر إلى حالة العبيد، ويجازي كل أحد بما يشاء ويريد، وأنا أسأله أن يحفظ حياة ولدي، ويجعله عوني وعضدي، ويبقيه محبا لكل غريب وقريب، إنه السميع المجيب.
وما كاد يفرغ من كلامه إلا وقد قالت قله قرينته: مولاي، لا أعلم لما خفق فؤادي عند ذهاب وحيدنا حليم، وهذا ضد العادة، فأخشى عليه من خطر جسيم.
فقال لها: ما هذا المقال المريع والكلام الفظيع؟! أما ذهب بصحته من هذا المكان؟ وسيرجع إن شاء الله آمنا ريب الزمان، فدعي هذه الأفكار؛ فإنها لا تفيد سوى الأكدار.
قال ذلك ولم يعلم ما تحدثه الأيام والليالي، إن الليالي من الزمان حبالي، يلدن في كل يوم عجيبة.
وهنا قد حضر الشيخ ناصر يقول للوزير بلهفة: قد تشرف يا مولاي سمو الأمير المكرم نجل جلالة مولانا الملك المعظم، فاصرفه في الحال ولا تطل معه المقال؛ حيث لي معك كلام سأعرضه عليك، وها هو قد أقبل.
ما أتم الشيخ كلامه إلا ودخل حبيب نجل الملك قسطنطين يقول:
سلامي للوزير الفرد أهدي
رفيع القد ذي المجد الأثيل
فأجابه:
أهلا بالحبيب أخي المعالي
ونجل العادل الملك الجليل
وبعد أن حيا كل منهما صاحبه قال حبيب: اعلم أيها الوزير أنه نظرا لصدق خدمتك؛ قد صدر أمر والدي بترفيع رتبتك، وقد جعلك وزيره الأول ومدبر الأحكام، فيجب عليك أن تذهب لأداء التشكر على هذا الإنعام، وقد بلغني أن حليم ذهب إلى الصيد هو وغادر، فأريد أن أتبعهما لينتعش بحديثهما مني الخاطر، وإذا سألك والدي عني فأخبره بما كان، وعن إذنك أنا ذاهب الآن. فقال له: سر بالأمان وكلاءة الرحمان.
ولما ذهب نظر إلى قرينته وقال لها: أنظرت كيف استمال حليم نحوه جميع القلوب؟ - نعم وقاه الله من الأقدار الكروب.
فقال: إن حسن السيرة دليل على صفاء السريرة، فأسأل الله العظيم المنان أن يرده علينا بالأمان.
فقال الشيخ: قد أمنت يا مولاي على حليم، وسلمته لغادر اللئيم، وما تفكرت في العواقب، وما سيقع به من المصائب، من يد غادر الجحود، الناكث للعهود.
فصرخت عندئذ أم حليم من فؤاد مجروح: ويلاه! يا لها من نكبة مريعة ومصيبة فظيعة! ناصر، ماذا صار؟ وما حل بولدي من الدمار؟
فأجابها ناصر: هدئي روعك قليلا واسمعي مني خبرا مهولا. - ناصر، تكلم، ناصر، تكلم. آه، قلبي تكلم. - اعلمي يا مولاتي أني دخلت هذا المكان حينما ذهب حليم يطلب منكما الاستئذان، فرأيت فيه غادر، وهو لي غير ناظر، فسمعته يحدث نفسه، بما أطلعني على سره، وأفهمني حقيقة أمره؛ وهو أنه مغتاظ من حليم؛ كونه معظم، وملزوم أن يعيش دونه وإن كان يحير مكرم، وواجب عليه أن يخضع لما يريد، وأن يكون سامعا لأمره كأحد العبيد؛ ولذا صمم على قتله هذه المرة، ليتخلص على رغمه من عيشته المرة، هذا ما سمعته من فم غادر اللئيم، بعدما كررت النصيحة على مولاي حليم، وقد ذهبت لأخبره بذلك كي أخلصه من المهالك، فرأيته قد ذهب، وعن عيني قد احتجب، فرجعت وأخبرتكما بما كان وما سيكون؛ لتنقذاه من مخالب المنون.
فبكت هزار أم حليم بكاء يفتت الأكباد، وقالت: إلهي، ما هذا الخطب العظيم والبلاء الجسيم!
فقال الوزير: وهل تجاسر غادر على مثل هذه الفعال؟
فأجابه: إي وحق العظيم المتعال، هذا ما سمعته من فم غادر، أطلعتك عليه يا ذا المفاخر، وقد صمم أيضا أن يقتلك بعد قتل حليم؛ أملا أن يصير وزيرا عند مليكنا الفخيم، فتدارك لولدك الخلاص، قبل أن يقتنصه القناص.
فقالت أمه: أواه! ولداه!
فقال الوزير: صبرا يا هزار. - آه، قد أحرقتني النار، أدرك يا مولاي ولدك الناصر، وخلصه من كيد غادر الفاجر. - قد وجب يا هزار، فعسى أن ننجيه من الدمار، سر يا ناصر وأحضر لي السيف والجواد، وانتظرني تجاه الواد. - هذا ما أطلب، وأنا ذاهب.
وزير :
سر وعد بالعجل
خاب منه الأمل
هزار :
يا إله السما، نجه كرما.
وزير :
أين ذاك اللئيم
أين أين الأثيم
هزار :
كي يرى الآخرة
وزير :
اجلسي صابرة
هزار :
آه، وا حسرتي!
وزير :
واصبري واثبتي.
هزار :
هيا يا ناصر
ناصر :
ها أنا سائر
هزار :
سر وخذني معك
بالذي أبدعك
وزير :
أمكثي في سكون
هزار :
آه ذقت المنون
الفصل الثاني
فلنترك الوزير وناصر يبحثان على حليم لأجل أن ينجياه من مكايد غادر، وننظر ماذا جرى لحبيب ابن الملك قسطنطين لما ذهب مع حرثه الملوكي لأجل أن يلحق بحليم؛ ليصطاد معه في الأودية والأحراش، مما يصادفونه من الأرانب والطيور، وهو لا يعلم ما هو مخبأ في عالم الغيب له ومقدور، فلما وصل إلى بعض الغابات، فصار حرثه ينشد له الأشعار:
دم بالمسرة والصفا
يا أيها البدر المنير
فيك الزمان لقد صفا
وتيسر الأمر العسير
فاسلم بعز وانشراح
ما شرقت شمس الصباح
وشد النهار مشنقا
صبحا على غصن النضير
ولما انتهوا من نشيدهم قال لهم: حيث إني لم أجد حليما في مثل هذا المكان، فأرغب أن أصطاد وحدي، فابعدوا عني الآن، ولكن لا تذهبوا إلى محل بعيد كي أدعوكم أينما أريد.
فأجابوا كلهم بالسمع والطاعة، وهو أخذ يقول: يا ترى أين التقى غادر حليما، لتنتعش بالاجتماع منا الخواطر، ومع ذلك لا أرى صيدا في هذا المكان ، فيلزم أن أتوجه إلى غيره؛ عسى أجد بعض طيور أو غزلان، ولربما أرى حليم أو غادر، وهذا طائر طائر، فلتسرع بالمسير قبلما يطير. فذهب مقتفيا أثر الطير.
فنترك أيضا حبيب يجد في إقناص الطيور، ونرجع إلى ذكر حليم وغادر.
علم القارئ اللبيب بأن حليم ذهب مع غادرا ليصطاد، لما وصلا إلى بعض الغابات أخذ غادر يتملق لحليم بهذه الأبيات، فقال:
يا أخي صيد الطيور
في رياض الارتياح
يدني أنواع السرور
والتهاني والمراح
سيما والوقت خال
من رقيب ذي ضلال
فهنا صيد الغزال
لنا يمن وفلاح
فأجابه حليم: بالحقيقة يا أخي غادر، لقد سر مني الخاطر؛ حيث وقت المساء تقدم لأبي أنواع الطيور، فيسر منا غاية السرور. فأثنى عليه غادر وقال: نعم يا بهجة الزمان، وخصوصا كان معنا بعض غزلان.
فقال حليم:
يا إلهي لك حمدي
فلقد أسعدت جدي
وبغادر تم سعدي
والصفا والانشراح
فانشرح عندئذ صدر غادر، فانطلق لسانه بالثناء عليه قائلا: أدام الله يا سيدي صفاك، وبلغك من كل خير مناك، بأي لسان أشكر هذا الإنسان؟! وبأي قلم أحصر هذا الإحسان؟!
موافق لسبيل الرشد متبع
يزداد في الحلم والمرزول يجتنب
له خلائق بيض لا يغيرها
صرف الزمان كما لا يصدق الذهب
وما هذه إلا نفس هنية، وأيادي حاتمية، وقلب عطوف، وطبع ألوف، ولسان رطب، وحديث عذب، وعهد وثيق، ومجد عريق، وجمال باهر، وكمال فاخر، ورأي سديد، وصنع حميد، وعطايا عميمة، وسجايا مستقيمة، كأنه خلق من الكمالات، وانطبق على أحسن الصفات. فسأل حليم غادرا: ومن صاحب هذه الصفات يا غادر؟ فأجابه: هو أنت يا معدن المفاخر، هي وصفاتك الباهرة، هي خصالك الزاهرة، قد أصرفت عني كل كدر، وأقلتني من نوائب الزمان ودواهيه، ورفعتني مكانة سامية، وغمرتني بنعمك الهامية، وقلت: إن سعدك وصفاك قد تم بوجودي، فسبحان من سواك وجعلك منهلا لكل وارد، وملجأ لكل قاصد، إنه السميع البصير، وعلى ما شاء قدير.
فقال حليم: وهل من الناس يا معدن الألطاف من يتصف بغير هذه الأوصاف؟
فقال غادر: ترى من تقربه وتواسيه، وتهذبه وتراعيه، وتعلمه الأدب، وتكفيه النوب، وتكون ذا رأفة وإشفاق، وعليه ذرا حنوا وإنفاق، وتخرجه من الظماء إلى الضياء، وترفعه من الحضيض إلى العلياء، أو تعادي من أجله الأصحاب والأقارب والأحباب؛ حرصا عليه من أهل الفساد، وأرباب الضلال والعناد، أملا أن يصير لك صديق، وعدة في كل شدة وضيق، فبعد ذلك العطايا والمواهب والهدية، تراه كنقش على الحيطان، أو رقص بين حيطان، وغمام بلا مطر، وأكمام بلا زهر، يقابل حسناتك بالسيئات، ويكلمك بلسانه وطرفه يرقب أصحاب الغايات، إن حدث كذب، وإن لمس خلب، وإن لان هان، وإن استؤمن خان، وإن عوتب نافق، وإن استشير على ضرك وافق، وإن ظفر نهش، وإن قدر بطش، لا يراعي وداد، ولا يألف أحدا من العباد، إلا لغاية نفسية، أو منفعة ذاتية، لا يستقيم على حال، ويصدق فيه قول من قال:
أعلمه الرماية كل يوم
ولما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي
فلما قال قافية هجاني
وهذا يا مولاي من يتصف بضد أوصافك الحسان، ويكون منافقا بالقلب واللسان، ومن الناس من يقابل الإحسان بالإحسان، ويكون صادقا إلى آخر الزمان، إن أطعمته سقاك، وإن واسيته ودك ورعاك، وهذا أيها الحليم الفاخر، في هذا الزمان قليل ونادر، وعلى كل أيها الكامل، يجب على كل نبيه عاقل، ينفي صحبة الأنذال، ويتمسك بصحبة آل الكمال، ولله در من قال: «وأنذر، وطوبا لمن سمع وتفكر.»
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم
ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي
ما انتهى غادر من حديثه حتى قال حليم: آه يا أخي غادر، هذا وصاف ناصر، ما كنت أجد عنه انفصال ولا خلاص، نصائحه الثقال، كلما أردت أن أصطحب مع إنسان، يهمز علي كأنه شيطان، ويرغبني في العزلة والانفراد، وأن أهجر جميع العباد، حتى إنه نصحني عن صحبتك مرار، وقال إنك من الأشقياء الأشرار، ولكني تركته إلى حيث لا يعود، لما تيقنت أنه كنود جحود.
فقال غادرا متأففا:
إلى كم يداري المرء حاسد نعمة
إذا كان لا يرضيه إلا زوالها
كم أسدي ذلك الخير، وأخدمه خدمة العبد للأمير، وهو يود لي الهلاك، والوقوع في الأشراك، وعند الاجتماع يظهر لي الوداد والمحبة دون جميع العباد، فأعوذ بالله من صحبة ذي الوجهين، المتكلم كخائض المداد بلسانين:
قل للذي لست أدري من تلونه
أصادق أم على غش يناديني
تغتابني أقوام وتمدحني
في آخرين وكل عنك يأتيني
وأنا لا ألوم ناصر على بغضي، ولا أتكدر من دخوله في عرضه؛ لأنه توشح بما فيه، وطرده جزاء يكفه.
سألزم نفسي الصفح عن كل مجرم
وإن عظمت منه علي الجرائم
فأجابه حليم: بارك الله فيك يا غادر، وحماك الله من كيد كل ماكر فاجر. - قد حماني، وله المنة والفضل، وألبسني حلة الكمال والعقل.
يعد رفيع القوم من كان عاقلا
وإن لم يكن في قومه بحسيب
إن حل أرضا عاش فيها بعقله
وما عاقل في بلدة بغريب
والعاقل يا مولاي لا يكون إلا بصير، وبعواقب الأمور خبير، لا يغضبه القادح، ولا يسره المادح، تراه ثابتا في النوازل، معدودا في البواسل، لا يتسبب في نقمة، ولا يحسد على نعمة، ولا ينظر إلى عورة، ولا يسعى إلى مضرة، ولا يعجب بنفسه، ولا يتكبر على أبناء جنسه، ولا ينم ولا يستغيب، ولا يكون إلا في جميع الأقوال مصيب، وما ذلك إلا بفراسته ونبالته، وكمال عقله أو سياسته.
إذا أكمل الرحمن للمرء عقله
فقد كملت أخلاقه ومآربه
فقال حليم: مثلك يا غادر من يكون في جميع الأحوال والشئون، فلله درك من عاقل أديب، جمع الله فيك كل وصف عجيب.
فأحنى رأسه أمامه وقال: ما أنا يا مولاي إلا عبد إحسانك، وغريق حسب بنانك؛ فلولا وجودك ما ذكرت بلسان ولا ميزت الإساءة من الإحسان، وحيث إن الله كفاني كيد ناصر، وأبعده عني نادما خاسر، فأرغب ألا يضيع الوقت بذكره؛ فقد لقي عاقبة مكره.
فقال حليم: ماذا تريد يا أخي أن تفعل؟ - أرغب يا مولاي أن نرجع إلى المقصد الأول، وهو صيد الطيور، ولنحل على كمال النشأة والسرور. - قد صدقت أيها الفاخر، ولكن لا أرى في هذا المكان ولا طائر. - الطيور يا سيدي ما لها محل مخصوص، وأحوال الصيادين دائما كاللصوص، ينتقلون من مكان إلى مكان، يتفقدون الطيور والغزلان. والصياد لحصول المراد، لا ينفك عن الانفراد، فإذا شئت فلنفترق إلى جهتين، كي لا نرجع بخفي حنين. - رأيك يا أخي غادر. - سر بحراسة القادر.
ولما افترقا عن بعضهما، نطق لسانه بما في ضميره قائلا: بحراسة الشيطان الرجيم، أيها النذل الذميم، إلى كم أتملقه بالكلام، وما كنت أحصل على المرام، فلا بد عن قتله في هذا النهار، ولو ألقيت بعدها في النار، وأقول لوالده الثقيل، قد افترسه أسد أو فيل، وبهذا العذر أخلص من العنى، وأبلغ القصد والمنى، وهذا طائر طائر، إلي سائر.
هنا يتصور القارئ حالة من عقد النية على فعل الجناية، لا شك أن يكون كمجنون لا يعي ما يفعل، وغادر لما رأى الطائر، وصياد آخر، ظنه حليما المقصود بالذات، فانتهز الفرصة وأراد قتله قائلا: ما هذا؟ آه يا خئون! أجابه ذلك الصياد: حبيب نجل الملك قسطنطين، مهلا أيها المصون، تخلق بأخلاق الكرام. أجابه غادر: آه، يابن اللئام، قد غشي ظلام الحقد على عيوني، والغضب قد أثار سرار جفوني، وسأنتهز الفرصة بقتل هذا البغيض، وسحق لحمه وعظمه العريض.
فشتمه حبيب قائلا: أخسأ يا غدار، وإلا أسقيك الدمار. - أنت تذيقني الدمار؟! آه، يابن الأشرار الأدبار، إلى شرب الحمام بهذا السيف يا نسل اللئام، خسئت وخيبت يا نسل زميم. - لك الخسران من بطل همام. - فخذها واذهبن للقبر حالا. - اسكت وذق طعم المنية من حسامي. - جنودي أدركوني، قتلت ظلما. - ألا فاسكت، ومت قهرا أمامي.
لكن من قتلت الآن، ويلي
أنا في يقظة أو في منام
وهل هذا حليم لا وربي
هذي رمية من غير رامي
فقم يا نور عيني يا حبيبي
ولكن لا حياة لمن أنادي
إلهي من أرى قد جاء جندي
وقد ألفيت في عور الضرام
ولما وصل الجندي، ورأى سيده مدرجا بالدماء، وغادرا ملتبسا بالجناية، قال بحماس:
ألا يا من قتلت ابنا فريدا
لسلطان العلا ملك الأنام
هلم معي إليه كي تجازى
على ذا الفعل ... ...
فأجابه غادر مكملا لشعره: ... ... عد يابن الحرام
وإلا أذقتك من كفي سيفا
يقد لحده حمام الحمام
فقال الجندي في نفسه: يلزم أن أذهب بلا قيل وقال، وأحضر بقية الجند في الحال.
وبقي غادر يندب سوء تسرعه قائلا: ويلاه! في أي هاوية سقطت، وفي أبي بلية وقعت! ما هذا الضلال المبين! وكيف قتلت ابن الملك قسطنطين! من نصيري! من مجيري! الآن تأتي الجنود، وأسحب مكبلا بالقيود.
قال هذا، وإذا بحليم آت، فارتمى غادر على قدميه وقال: آه يا مولاي حليم، خلصني من هذا الأمر الذميم. - ماذا صار؟ أشغلت مني الأفكار. - انظر يا مولاي إلى هذا القتيل. - آه، هذا الأمير نجل الملك قسطنطين، ومن قتله من البشر؟ - أنا يا مولاي المفتخر، قد قتلته على غير عمد، ورآني أحد الجند، وذهب ليحضر العسكر ليأخذني عند الملك محقر، فكيف العمل؟ قد فرغ مني الأجل. - هذه الداهية الدهماء والبلية العظمى. - أرجوك يا مولاي أن تخفي معك هذا الخنجر قبل أن تحضر العسكر، فعسى أنجوا من الأتراح، إذا رأوني خاليا من السلاح؛ فقد عزمت على الإنكار؛ لأخلص من الدمار، خذه يا مولاي بالعجل، آه، مت من الوجل. - شفقة الوداد يا غادر، تلجئني أن أخاطر مع جرمك عظيم. - الصنيعة يا مولاي حليم. - أنا آخذه وأخفيه، وأساعدك على ما تبتغيه، بشرط تتوب من جميع الذنوب. - أتوب يا سيدي أتوب، خلصني الآن من الخطوب.
فلما أخذه حليم وخبأه معه قال غادر: الله يحفظ ويبقيك، ومن كل بلاء ينجيك.
أما حليم فاغرورقت عيناه بالدموع، ولسان حاله يقول: أسفا على طلعتك أيها الحبيب، وقوامك القويم الرطيب، قد غار كوكب مجدك، فكيف حالنا من بعدك؟ سيدي الحبيب، آه، أعياني النحيب.
قتلت أيا حبيب القلب ظلما
وأدرك ذاتك العليا الحمام
لفقدك كل ذي روح ينادي
على الدنيا وما فيها السلام
إلهي امنح الملك صبرا على هذه المصيبة العظيمة.
فقال غادر: آواه، وا سيداه، ما هذه الليلة الأليمة! - غادر، ها قلبه يختلج، انظر، فعسى نشفيه.
فقال: أمرك يا سيدي.
وأخذ حليم يجس في نبضه، وغادر يقول همسا: وعسى أتبعك فيه.
وما خرجت هذه الألفاظ من بين شفتيه، إلا وقد أقبل الجندي صحبة شرذمة من الجنود قائلا: هذا هو القاتل اللئيم.
فقال غادر: أغثني يا مولاي حليم.
فقال الجندي: أمسكوه أيها الجنود.
ولما هم الجند بالقبض على غادر، تعرض لهم حليم وقال: اتركوه أيها اللئام، فما فعل من الآثار؟
فأجابه الجندي: وهل إثم أعظم من هذا أيها اللبيب؟! الذي قتل مولانا حبيب.
فقاطعه الكلام غادر وقال: أنا؟! أنا؟! ما هذه التهمة؟! أنا؟! أنا؟! ما هذه النقمة؟! أنا التقي، أنا الذاكر، أنا الشاكر، أنا الصائم، أنا القائم!
فقال الجندي: صه يا رجال، اقبضوا عليه أيها الرجال.
ولما قبض الجنود عليه قال: أظهر براءتي أيها المتعال.
فنهره الجندي قائلا: آه يا قبيح الفعال، قتلت الأمير حبيب بكل جراءة، وتطلب من الله البراءة، اسحبوه أيها الجنود، ليسكن اللحود.
وعندما يئس غادر من نجاته، أظهر ما أكنه في ضميره من الغدر وقال: دعوني دعوني يا أخيار، لا أحكي لكم ما صار.
فأجابه الجندي: تكلم يابن الفجار.
فقال غادر: اعلموا أيها الأبرار، أني دخلت هذا المكان لأصطاد بعض طيور أو غزلان، فرأيت حليم بيده خنجر، ومولاي حبيب بدمه معفر، فسألته عن القاتل، فقال هو الفاعل، وهذا ما سمعته يا كرام، من فمه والسلام.
فاندهش حليم من هذه التهمة وقال: غادر، ما هذا البهتان؟! اسكت أيها الخوان، أما أنت القاتل يا كنود، فتشوه أيها الجنود، وحياتكم ما عندي خبر. - أظهر يا غائل الخنجر الذي قتلت به الحبيب الوحيد والأمير الفريد.
فلما فتشه الجند وجدوا معه الخنجر، فأخذ غادر يقول: ها حصحص الحق، واتضح الصدق، آه يا خئون.
فقال حليم: غادر، ما هذا الجنون؟!
فأجابه: ذق يا خائن الدمار جزاء لك يا غدار. - إني بريء ورب السموات، فارحموني أيها السادات. - أهذا جزائي يا غادر؟ - اسكت يا فاجر، أمطري أيتها السموات نارا محرقة، وارشقي بألف صاعقة، الذي اغتال فرقة مسرور، آه، أغثني يا غيور.
بينما كان الجند يكبلون حليم بالقيود حضر والده، ولما رآه على هذه الصورة قال إلى الجندي: خلي عن ولدي أيها الغادر.
فقال حليم: آه يا أبي، قد بهتني هذا الفاجر، بقتل الأمير حبيب، وهو الذي قتله بحق القريب المجيب.
فتبرأ غادر قائلا: أنا؟! أنا؟! مع من وجد الخنجر؟
فقال الجند: مع حليم.
وبعد ذلك أخذ غادر يقول: المحسوس لا ينكر، فعل ما فعل، وقال إنه ما قتل. - ويلك يا ظالم. - شلت يداك يا أثيم. - ما هذا الجحود؟ اسحبوه أيها الجنود.
فلما أقبل الجنود لسحبه قال حليم:
غادر الأمان
يا أبي أغثني
خان ذا المهان
الوزير :
اتركوا الحبيب
قبل أن تحولوا
من هذا المكان
الجند :
أيها الوزير
تركه بعيد
ليس في الإمكان
حليم :
أيها الجنود
إنني تقي
طاهر الجنان
الجند :
كتفوه واسحبوه
أيها القوم الكرام
واصلبوه واجعلوه
عبرة بين الأنام
الوزير :
انظروا نقض العهود
من لئيم ذي نفاق
وشهدوا فعل الكنود
باتعاظ يا رفاق
الجند :
هيا للويل الوبيل
يا خئون والدمار
حليم :
يا أخي اذكر جميلي
غادر :
اسمعوا هذا القشار
حليم :
بان غلبي زاد كربي
وبرى جسمي الوبل
فسيجزي الله ربي
فاعلا ما قد فعل
الفصل الثالث
فأصبح حليم مكبلا بالقيود والأغلال، وهو داخل السجن من الظلام، وذلك لعدم سماعه نصيحة معلمه الشيخ ناصر، وأما الملك قسطنطين فصار يبكي على نجله الوحيد ويرثيه:
يبلى الحبيب وحزنه يتجدد
فكأنه في كل يوم يفقد
إن كان قد أمسى بعيدا نازحا
عني فإن سلو قلبي أبعد
هم يذكرون من الحبيب فضيلة
وأنا أعد النجم حين أعدو
تلك السجايا البيض عند محبها
مما يليق به اللباس الأسود
ويحي متى أنسى الذي طرد الكرى
وخياله عن مقلتي لا يطرد
ناديته فأجاب سائل أدمعي
والدمع أدرى بالجواب وأجود
يا راحلا رحل اصطباري بعده
هل بيننا يوم القيامة موعد
إن كنت لا تسمع نواحي في الحما
فعلى ضريحك ألف دمع يشهد
آه إن الزمان علينا جار
وبدل صفونا بأكدار
قد غبت يا ولدي والقلب منذعر
ودمع عيني غدا كما السحب ينهمر
فارقتنا يا حبيب القلب يا سندي
من بعد بعدك طال الحزن والكدر
قد صار للصيد فاصطيد الحبيب فلا
يطيب لي بعدها ورد ولا مدر
قال هذا والتفت إلى الجندي قائلا: وكيف تجاسر حليم على ما فعل؟
فأجابه الجندي: حليم يا مولاي يدعي أنه ما قتل، مع أن غادر شاهد على إقراره، وخنجره هذا برهان على إقراره. - وأين هو الآن موجود؟ - هو في السجن مكبلا بالقيود. - علي به الآن لأذيقه الموت ألوان.
فذهب الجندي ليحضر حليم حسب أمر مولاه، أما المليك استمر في البكاء على ابنه قائلا:
أفكر في عصر مضى لك مشرقا
فيرجع ضوء الشمس عندي مظلما
لئن عظمت فيك الرزية إننا
وجدناك منها في البرية أعظما
بكاك الهوى والريح شقت جيوبها
عليك وناح الرعد باسمك معلما
ومزق ثوب البرق واكتسب الضحى
حدادا وقامت أنجم الجو مأتما
آه يا ولدي الحبيب، قصف غصن قدك الرطيب، وغار نجم محياك، خسرا لقاتلك الأفاك، شلت يداه من غائل خئون، كلم بفعله القلوب وقرح العيون.
عجل الحتوف عليه قبل أوانه
فغطاه قبل مظنة الأبرار
وكأن قلبي قبره وكأنه
في طيه سر من الأسرار
أبكيه ثم أقول معتذرا له
وفقت حين رحلت عن ذي الدار
جاورت أعدائي وجاور ربه
شتان بين جواره وجواري
أواه وا ولداه، وإن كان البكاء مخلا بمقام الملوك، فأنا عشت لأسلك هذا السلوك، وأخرق هذه العادة البربرية، وأسلم نفسي للجبلة الطبيعية، وأبكي وأنوح، في كل غبوق وصبوح؛ حزنا على الحبيب وجماله العجيب.
أبطأ الجند فضاعت فكري
من مصاب كاد يمحوا أثري
ها أنا أذهب كي أقتله
لا يحك الجسم غير الظفر
قال هذا وخرج مسرعا من السلاملك، وإذ بالجنود آتين قائلين:
جئنا بالنذل الذميم
الخئون المفتري
اللئيم ابن اللئيم
الكنود المجتري
ابن ذوا المجد الفطيم
المليك الأنور
ليرى ذل حليم ... ... ... ...
حليم ... ...
ارحموني إني بري
وزير :
اتركوا روح حياتي
الجند :
ارتجع هذا محال
حليم :
آه من لي بالممات
جندي :
ستراه بك حال
حليم :
حسناتي سيئاتي
أصبحت ماذا الضلال؟
فمتى السلطان يأتي
طال هذا الأمر طال
حليم :
مكنوني من وداع
والدي العاني الكليم
الجند :
لك من غير امتناع
هذا ودع يا رجيم
حليم :
أدمعي ذات انهماع
يا أبي الله كريم
قادر قبل ضياعي
على إظهار الغريم
بعدما تم حليم نظامه، أغرورقت عينا أبيه وقال: أواه قد كسر ظهري، وحرت في أمري.
فالتفت إليه حليم قائلا: والدي، بلغ والدتي مني السلام، وقل لها إني بريء من الآثام، والله شهيد وعليم. - أسفي عليك يا ولدي حليم، أسف والد طال عزاه، وكثر من نوائب الزمان حزنه وبلاه. - آه، قد أتت ساعة المنون.
فقاطعهما في الكلام غادر وقال: إلى متى هذا الجنون؟! وعلى من هذا الندب والعويل؟
فقال حليم: ترفق أيها الجليل. - بمن أترفق يا شقي. - بأخيك التقي النقي. - كنت أخي قبل قتل الأمير حبيب، وأما الآن والقريب المجيب، لا أعترف بك يا خوان، ولا أذكرك بعدها بلسان. - أهذا جزاء الإحسان؟! أسكت يا مهان، وذق ثمرة غرسك في مضيق رمسك.
إذا رأيت غراب البين في شرك
يصيح من مدية الصياد في قلق
فاحذر تخلصه من ضيق غمته
واذبح وكل وزد الأفراح في عتق
فرد عليه الوزير: آه يا قليل الوفا يا زنديق! - دعه يا والدي الشفيق، دعه يفعل ما أراد، فأنا قيد الانقياد لما قدره الله وقضاه، وما يكون فيه رضاه، فلا يسعني سوى التسليم لما حكم به الرءوف الرحيم. غادر، أنا لا أتقرص فيك غير الصلاح، وها دمي لسيفك مباح، فأنت منه في حل، ولك المنة والفضل، وأشهدك يا من تنزه عن الفحشاء، ويا من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء أني أبرأت غادر مما نسبه إلي، وما ألقاه من البهتان لدي، بحياتي عليك يا ولدي لا تجرحه من بعد موتي من يديك، واجعله كولدك العزيز الوحيد، ولا تعامله إلا بما يشتهي ويريد، وأنت يا أخي غادر، تذكر عهدنا الطاهر، ولا تنساني من مفاتحة، والأدعية الصالحة؛ لأنك الشقيق الشفيق، والصديق الرفيق. وأنت يا أبي وحاسم كربي، لا تنساني عن الدعاء، في كل صباح ومساء، وبلغ والدتي مني السلام، واطلب لي رعاها على الدوام، لتؤانسني في وحشتي، وتنعشني في وحدتي، فأني قد قربت أفقد المحيا، وأمسي في الرمس نسيا منسيا. - كفى يا ولدي؛ فقد تمزقت أحشائي، وازداد حزني وعظم بلائي، وها أمك آتية، ودموعها جارية.
هنا يتصور القارئ الدهشة التي اعترت أم حليم حينما أتت ورأته واقفا تحت سيف السياف، بالحقيقة غشي عليها بعد أن صرخت من صميم فؤادها قائلة: آه يا ولدي، ما هذه القيود؟
فرفع زوجها يده إلى السماء وقال: أغثنا يا ودود. هزار، ودعي ولدك الوحيد، آه عذابي شديد.
ألا يا دهر بالأحزان جرت
ألا يا دهر كم قلب كسرت
كأنك قد خلقت بلا عيون
وزير :
يا رباه، ما هذي البلية!
حليم :
أيا أبتاه، قد دنت المنية.
وزير :
أيا رباه، ما هذي الرزية!
حليم :
أيا أبتاه، في الخلد العلية.
قال حليم ذلك، ولما نظر الملك آتيا لزم الصمت، والملك قال له:
ألا مت أيها الباغي الأثيم
ومن بفعاله قلبي كليم
تهيأ للممات بحد سيفي
لسفك دماك جرديا يا ذميم
فجاوبه حليم برقيق ألفاظه:
أيا ملك الورى عدلا فإني
بريء طاهر عاني تهيم
فعاملني بعفوك يا ملاذي
فأنت السمح والبر الرحيم
فقال له الملك: كيف أرحمك يا أشقى البرية، وقد أذقت ولدي المنية؟ وكيف سمح لك قلبك القاسي بذلك؟ وهل ظننت بعد قتله النجاة من المهالك؟ فكن مستعدا يابن اللئام، لشرب كاس الحمام. - مولاي، أقسم بخالق الأنام، أني بريء من الآثام، وما نظرت ولدك إلا قتيلا، وبدمه معفر، وغادر عنده وبيده الخنجر، فسألته من القاتل، فقال إنه هو الفاعل.
فقاطعه الكلام غادر وقال: وسكت يا منافق؛ فإنه وحياة رأسك غير صادق، مع من وجد الخنجر يا كنود؟ أتظن أني مثلك يا جحود، أقتل وحيد المملكة، وألقي نفسي في التهلكة؟! أسفي عليك يا مولاي حبيب.
فهيج الملك من قول غادر، وهم بقتله وقال: قاتلك الله أيها الكئيب، احلم يا مولاي، وامهل علي ، وأعلم أني ما ارتكبت غير ذنب واحد، والله عليم وشاهد؛ وهو أني أخذت منه الخنجر لأنجيه من فعله المنكر، وقصدت كتم الأمر، وما فعل من الوزر، فجازاني بالبهتان، والوقوع في الخسران، فإن كنت بهذا الفعل أستحق القتل، فأنا أشرب المنون بكل ارتياح، وإن كنت أستحق العفو فتكون عاملتني بما أنت أهله من الصفح والسماح.
فخاف عندئذ غادر من أن حليم يستميل الملك بفصاحة لسانه، فيقع تحت العقاب، فقال الملك: ما هذا الكلام الذي ما تحته طايل؟! أسمعت أن أحدا يأخذ خنجرا من رجل قاتل ليخلصه ويري نفسه، ويسكن بعدها رمسه. - لا تسمع يا مولاي لكلام هذا المخاتل؛ لأنه وحق رأسك هو القاتل، وتشهد عليه هذه العساكر، أنه وجد معه الخنجر.
فسأل الملك الجندي: أصحيح هذا الكلام؟
فأجابه الجندي: أي وحق رأسك يا ملك الأنام، إنا وجدنا الخنجر مع حليم. - عبدك صادق يا مولاي الكريم، لا أشهد الزور، ولا أتكلم بالفجور، وحيث اتضح الحال، وامتاز الصدق من المحال، فاقتل هذا الشرير، وأذقه من عذاب السعير.
مطري يا سحب جمرا وضرام
واحرقي هذا اللئيم ابن الحرام
جاحد الإحسان من أفعاله
سيئات وظلام في ظلام
فهيا للردى يا مجرما
ثم ذق من محب سامجات الحمام
فقال حليم: الأمان يا مولاي الأمان.
وتقدمت هزار أم حليم إلى الملك وقالت: ارحمه يا ملك الزمان، وارحم أدمعي الجارية ومهجتي الفانية. - أبعدي يا مجرمة، إلهي، ما هذه البلية المؤلمة!
فتقدم الملك نحو حليم وقال: آه يا معدن السيئات! - ارحمني يا بديع السموات.
فبعد أن تضرع حليم إلى الله، وقال الوزير إلى الملك: ترفق أيها الملك الكريم، واحلم إن مولانا حليم. - على من أسلم يا فاجر، أعلى ولدك الغادر؟! فخذها من يدي يا كنود.
فقال الوزير: خفض عليك يا ملك الزمان، أما عندك خدم وأعوان، فأمر بقتله بين يديك، ولا أبخل بعدها بروحي عليك؛ لأني بعد فراق الأمير حبيب وقتل ولدي النجيب إذا وثقت بالدنيا وركنت إلى ما فيها من الأشياء أكون كمن جعل له السحاب حصنا، ومن الزوابع ركنا، ومن تأمل فيها بعين التبصر، وتفكر في تقلباتها بالعقل والتدبر، عد إقبالها إدبارا، ونسيمها إعصارا، وعطاءها أخذا، وعهدها نبذا، ووهبها نهبا، وإيجابها سلبا، وكثرتها قلة، وعزها ذلة، ضحكها نياحة، وطلاقها راحة، لا يدوم بها حزن ولا سرور، ولا فرح ولا حبور، ولا عزيز ولا مهان، ولا وزير ولا سلطان، بل كل ما سوى الله فان، ولا يبقى إلا الواحد الديان.
تأمل بما فوق التراب فإنه
تراب ولا يبقى سوى الواحد الأحد
هو المبدئ المغني المعين وما له
يرشك فجعل الواحد الماجد الصمد
فأطرق الملك رأسه إلى الأرض وقال: حكمة وصواب في لسان خلاب، قد عفوت عنك يا إسكندر بهذه العبارة، وخلعتك من الوزارة، لكن ولدك لا بد من قتله، جزاء له على سوء فعله. اقتله يا منتقم بعد ذهابي، وائتني بدمه لأذهب ما بي، اتبعني يا غادر. - أمرك أيها الفاخر.
لما خرج الملك قال السياف إلى حليم: اركع أمامي أيها الأثيم.
فبكت هزار قائلة: آه يا ولدي حليم. - ارحمني أيها الجلاد.
وتقدم أبوه قائلا: اتركوه يا أغاد.
فقال له السياف: امضي يا مغضوب السلطان.
فقالت أم حليم: عامله يا سيدي بالإحسان.
فصرخ حليم من صميم فؤاده: أغثني يا جبار.
فأجابه السياف: آه، يابن الفجار: ركعوه أيها الجنود. - ارحمني يا معبود.
قال هذا حليم وأمه هاجت في وسط العسكر، وقالت: ابعدوا عنه يا أشرار، اتركوه يا فجار، أغثه يا جابر المنكسرين، وأمان الخائفين، ورجاء السائلين، وغياث المستغيثين، إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير.
ما تمت أم حليم كلامها إلا وكان الوزير أسرع من البرق في إعطاء الرشوة إلى السياف، فأخذه وقال: ما دمت أنت وأمك في هذا المكان لا نقدر على تنفيذ أمر مولانا السلطان، فاتركوه الآن أيها الجنود لنستريح من عناد هذا الكنود، وكل منكم يذهب إلى محله، وأنا أنفرض بعدها بقتله، وأقتل أباه بهذا الحسام إن عارضني بعد ذلك، والسلام.
فأنشد حليم من صميم فؤاده قائلا:
ودعوني إخواني
هذا أمر سلطاني
هذا حكم رباني
ذا جزاء إحساني
الفصل الرابع
علم القارئ اللبيب بأن الوزير أعطى السياف رشوة، فقبل وادعى أنه قتله أمام أم حليم، فأخذت تبكي على قبر ولدها زورا وبهتانا، لتوري الناس أن ابنها قتل ودفن قائلة:
هي الدنيا تقول بملء فيها
حذار حذار من بطشي وفتكي
فلا يغرركمو مني ابتسام
فقولي مضحك والفعل مبكي
آه، أسفي عليك يا ولدي حليم، إن فؤادي على فراقك كليم، ودمعي لأجلك سجيم، وحزني عليك أليم، وبلائي جسيم، آه، صبرني يا كريم، وارحمه يا رحيم.
قالت هذا وإذ بأحد الجنود يقول لها: تواري يا مولاتي من المكان؛ فالملك آت إلى هنا الآن؛ حيث إنه انتبه من رقاده وهو في كرب عظيم، وسأل عن القبر الذي دفن فيه حليم. - ماذا يريد الملك، أما جعله في رسمه رميم؟ - لا أدري يا مولاتي ما يريد؟ - أواه، يا ولدي الشهيد! - تواري يا مولاتي بالعجل؛ فها هو قد أقبل.
فتوارت أم حليم بعيدا عن القبر، وإذا بالملك آت إلى القبر يقول:
دهر خئون قد زلزل الأوطانا
فبغدره وبمكره قد خانا
وا لوعتي سلب المنوم أحبتي
وأنار في قلبي الشجي نيرانا
مصائب لو أنها صبت على
رضوى لدكت أرضها الصوان
ما هذا الخطب المذهل؟ ومن هذا الرجل المقبل؟ الذي جاءني في الحلم، وأنذرني عاقبة الظلم، وهددني بحربة تتلظى، وأفعمني نصيحة ووعظا، ما هذه الرؤية الهائلة؟ وما هذه المصيبة القائلة؟ من يوضح لي الحق، ويخبرني بالصدق؟ آه، ومصيبتاه، مهلا مهلا، مهلا أيها الحليم، عذرا أيها الكريم، والله ما قتلك إلا غادر، ولا أغرا إلا ذلك الغادر، آه يا ربي أظهر لي الحق يا حق، وألهمني الصدق، فلقد اشتعلت بجسمي النيران، أغثني يا رحمان:
الرشد ضاع من المصاب المؤلم
والعقل أمسى في خيال مظلم
هذا حليم أتى لنحوي صارخا
يا ظالما هذا دمي هذا دمي
حقا أرى دما أمامي جاريا
ويحيى وهذا زفيرا نار جهنم
أحليم سامحني فلست بظالم
لا لا، ولست بقاتل أو محرم
فلما رأى المنتقم مليكه في هذه الحالة كان محضرا دما مكذبا، وقال له: أبشر؛ فهذا دم حليم سيدي. - ابعد، فحر النار أحرق أعظمي.
فأجابه منتقم: لا بأس عليك يا ملك الرقاب، فما هذا الاضطراب؟ - هذا الاضطراب يا منتقم سببه أني رأيت رؤية مريعة، أوقعتني في بلية شنيعة، وهو أني رأيت رجلا طويل القامة، وفي يده حربة نارية كالهامة، فهجم على حربته، فكدت أن أذوب من هجمته، وقال: إنك ظلمت من حكمت عليه بالقتل، وسلكت مسلك العدل، فقم واملأها قسطاطا وعدلا، كما أفعلتها جورا وظلما. وقل لي أيها الجلال، وأنا تائه عن الصواب:
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا
فالظلم مصدره يفضي إلى الندم
تنام عيناك والمظلوم منتبه
يدعو عليك وعين الله لم تنم
قال هذا يا منتقم وغاب، وأنا غائب عن الصواب، وبعد هذا رأيت حليما ملطخا بدم البراءة، وكلمني بكل جسارة وجراءة، أسمعت بهتان غادر المهان؟ وقتلتني ظلما وعدوان؟ مع أنه هو القاتل، والخائن الخاتل، وفضل يؤنبني تأنيب الحق، وأنا بين يديه كالعبد الرق، وكان آخر كلامه، بعد تأنيبه وملامه:
ستلقى يا ظلوم إذا التقينا
غدا عند الإله من الظلوم
أما والله إن الظلم شؤم
وما زال الظلوم هو الملوم
إلى ديان يوم الدين نمضي
وعند الله تجتمع الخصوم
قال هذا يا منتقم وغاب عن عيني، وأنا غائب عن الصواب، فانتبهت وأنا أكابد لوعتي وأنيني، فهذا هو سبب الاضطراب، فاصنع ما ذهب به ما بي، وافعل طريقة واستوضح الحقيقة. - هذا يا مولاي أمر ليس بعسير؛ حيث إنه غادر شرير، فأنا أخل عليه بأسلوب عجيب، وأظهر له بغض حليم وحبيب، وأكثر له القدح والملق، فعسا يتكلم بالصدق. - آه يا منتقم، لو أقر ذلك الأفاك؛ لأنيلك وحياة رأسي مشتهاك، لا تفتكر يا مولاي، فأنا أبذل كل جهدي، وها هو قد أقبل فاختف لألقاه وحدي.
فابتعد الملك عن عين غادر حينما جاء يترنم بالألفاظ:
مات الشقاء والكدر
وزال عنا الضر
وشخص من أبغضه
اليوم أمسى في سقر
حليم يا أشقى البشر
بموتك الأنس اشتهر
ونال غادر الوطر
لما علاك الأبتر
كذاك أنت يا حبيب
جزاك مولاك الرقيب
فرد عليه المنتقم:
أهلا وسهلا بالحبيب
المنعم السمح الشفيق
آه يا حبيب القلوب، ومفرج الكروب، طب نفسا يا أخي غادر، لقد هلك عدوك الفاجر، وهذا دمه اشرب منه بكل سرور، وأسقيك الباقي لتحصل على الحبور، فأخذ غادر جرعة من دم حليم وقال: آه.
من عاش بعد عدوه
يوما فقد بلغ المنى
لا رحم الله ثراك يا رجيم، ولا زلت في حضيض الجحيم، الآن تم ارتياحي وتكاملت أفراحي، يا قرة العيون، ومذهب الشجون، حقا خلصتني من عدو مهان، وسيرتني أسير إحساناتك مدى الزمان، بل أنا غارق إحسانك وكرمك؛ لأنك قتلت عدوي حبيب اللئيم، وأنا قتلت عدوك حليم الذميم، فكلانا على أخيه منعم، ولكن فضلك هو الأعظم؛ لأني كلما تذكرت ذلك الظلوم يتلظى فؤادي المكلوم، فلا رحم الله روحك يا حبيب، ولا بل ثراك وابل يا كئيب، آه، ثم آه، أما كنت تراه يا أخي غادر حينما كان يحتقرني ذلك الفاجر، دعني بالله عليك أن أقبل قدميك. - لا تفعل، بالله يا أخي لا تفعل، حفظك الله أيها البطل. - اذكر لي أيها المصان، كيف كان هلاك ذلك المهان؟ وكيف ضربته بالخنجر وأذهبت روحه إلى سقر، لينتعش فؤادي وأتحصل على مرادي. - قد ضربته يا أخي بالخنجر في نحره، واتهمت بقتله فلحقه على إثره، وصفا لي الوقت بغير رقيب، كما صفا لك بقتل حبيب، ولا بد ما أحتال على قتل أبيه الوزير، وبعدها أمرح في ماله الكثير.
نلت المنى ورقيت هام الهمم
لما قتلت حبيبا يا أخا الكرم
وقد تهمت حليما بعد قلته
فحل من سيفك الفتاك في عدم
بشراي ... ... ...
فصرح الملك قائلا: ... بشراك يا نسل اللئام بما
يرميك في شر الأهوال والندم
غادر:
ويحي فقد حان حيني جئت معترفا
كيف الخلاص إذا وإزالة القدم
فقال له الملك: آه يا لئيم، اقبضوا على هذا الشيطان الرجيم. - ويلاه! لقد ذل اللسان ووقعت في الخسران. - خسرا لك أيها الشيطان، كيف احتميت في حمى النفاق وتسترت في حجاب الفساد، وألبست علي الأمر وأوقعتني بعدها في الوزر، بعدما قتلت ولدي وأحرقت عليه كبدي؟ - ارحمني يا ملك الزمان. - كيف أرحمك يا مهان؟ بعد قتل الحبيب وحليم، اسحبوا هذا المجرم الأثيم، وكبلوه بالقيود والأغلال؛ فقد وقع في النكال.
فكتف العساكر غادر وأخذوه إلى السجن أمر مولاهم، وبقى الملك في دهشة عظيمة، ولكنه تجلد وقال: قد ظهر الحق يا منتقم، ولكن آه، قلبي يضرم، أواه، ما هذه النيران؟ ماذا أرى؟ ما هذا المكان؟ - سلامتك يا ملك الزمان! - دعني يا منتقم، دعني في هذا الحال، وا مصيبتاه، لست بقتال، حليم، حليم، أنا ما قتلتك يا بني، ما هذا الضلال والغي! سامحني أيها البري، أواه قد ضاعت فكري، تمتع يا حليم بالنعيم، وأنا في العذاب الأليم، انظر يا منتقم خيال حليم، ارحمني يا رحيم، يا رب ما هذه الأحوال؟ ارجع أيها الخيال، واعفوا عني وسامحني، قاتلك غادر، نجني يا قادر، ما هذا الهاجم؟ إني لست بظالم، ما هذا السيف الملول؟ هذه درجة الذهول. - مولاي، ما هذا الجوع؟ - آه يا منتقم، فؤادي انصدع من الذنب الذي ارتكبته بقتل حليم بقبري، وها خياله مقبل ليمحوا أثري. - يا سلام، دع يا مولاي هذه الأوهام، وأبشر بحياة الأمير حليم. - منتقم، ماذا تقول؟ أصدق هذا الكلام؟ - إي وحياتك يا ملك الأنام، إنه في قيد الحياة عن الكرب وعناه. - الآن ذهبت أتراحي، وحصلت على انشراحي. وأين هو الآن أيها الأنور؟ - هو عند عبدك مع أبيه الوزير إسكندر، الذي سلبت منه نعمتك، وأنزلت عليه غضبك ونقمتك. - نعم، حصل مني ذلك، وسأجزيك على فعالك، فاذهب وأحضرهما الآن، لنذهب عنهما الأحزان.
ومن يضع الكرامة في لئيم
تراه أساء إلى الكرامة
وقد ذهبت صنيعته ضياعا
وكان جزاء فاعليها الندامة
بعد أن أتم الملك نظامه جاء منتقم ومعه حليم وأبوه ينشدون هذه الأبيات:
ظهر الحق وبان
أيها المولى الكريم
وتلظى بالهوان
وغادر النذل الذميم
فقال الملك لوزيره: قد ظهر الحق أيها الوزير، ووقع في الشرك غادر الختير، الحمد لله الذي ألبس ولدي ثوب البراءة، وأعاد إلى غادر عاقبة ما فعل من الغدر والجراءة، حيث اتضحت براءة ولدك بعدما أمرنا عليه بالقتل، وتأكدنا صدقك بعد أن أذقناك علقم العزل، قد صدر أمرنا بتقليدك مسند الوزارة؛ لتدوم بعواطف مكارمنا الكريمة، وأنعمت على ولدك بزواج ابنتي بديعة، لتذهب بالسرور أتعابه المريعة.
فأنشدوا جميعا هذه الأبيات:
أشرقت شمس التهاني
في سماء الارتياح
وازدها نجم الأماني
بسرور وانشراح
دمت يا فاني الوجود
في ذرى العلياء سامي
بصفاء وسعود
في ابتداء وختام
ولما أتموا نشدهم قال الملك: أحضروا غادر الخوان؛ لنذيقه كأس الهوان.
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته
وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا
فوضع الندا في موضع السيف في العلا
مضر كوضع السيف في موضع الندا
ما أتم الملك كلامه إلا وقد أحضر الجند غادرا مكبلا بالقيود يقول:
أتيت معترفا بالذنب يا سندي
فاسمح فمثلك يعفوا عن الجاني
أنت الحليم الذي ترجى مراحمه
انظر، حليم أخاك المنظر العاني
فاشفع له ... ...
حليم : ... يا إلهي نجه كرما
من كربه فاعف عنه ...
غادر : ... ... ... ... ذاب جسماني
دمعي جرى كالسحب ...
حليم :
وا أسفي ... ...
غادر :
ما ذا البكاء يا أخي
عامل بإحسان
واسمح وسامح عبيد
جاء معترفا
مما جناه
حليم :
طمى طيار أحزاني
جرت هذه المناقشة بين حليم وغادر التي فتت أفئدة الحاضرين، فاستغرب الملك من شفقة حليم على عدوه غادر الغادر، فقال: ما ذا الحال يا حليم؟ وكيف أعفو عن هذا الأثيم، بعدما قتل ولدي المضان، وأوقعك بعدها بالزور والبهتان، أيمكن هذا أيها الوزير؟
فأجابه حليم: حلمك يا مولاي الشهير جرأني أن أطلب العفو عن غادر؛ ليصير مثلنا مجبور الخاطر؛ حيث أعز الناس من يعفو إذا قدر، ويصفح إذا انتصر، فعامل عبدك غادر الجاني بما قاله أبو فراش الهمزاني:
يجني الخليل جنايته
حتى يدل على عفو وإحسان
تجبو علي وأحنو دائما أبدا
لا شيء أحسن من جان على جاني
فركع غادر على ركبتيه وقال متضرعا: مولاي .
فقال له حليم: لا تقنط يا غادر من المغفرة؛ فالعفو ثمرته المعذورة.
بنيلك العفو عن قدرة
ويغفر الذنب على علمه
كان يأنف من أن يرى
ذنب امرئ أعظم من حلمه
فبكى غادر بكاء مرا وقال: ما أذنب يا مولاي من اعتذر، ولا أساء من استغفر، فالأصاغر يهفون والأكابر يعفون.
بك أستجير من الردى
متعوذا من سطو بأسك
وحياة رأسك لا أعو
د لمثلها وحياة رأسك
فأطرق الملك رأسه وقال:
فيا رب هبني منك حلما فإنني
أرى الحلم لم يندم عليه حليم
قد عفوت عنك يا غادر؛ كرامة لحليم، وأرجعتك لما كنت فيه من النعيم، فاحمد الواحد القهار، الذي أنقذك من الدمار:
الحمد للوهاب ذي الإكرام م
بدي الوجود مصرف الأحكام
المنعم البر الرحيم ومن به
عوفيت ومن ضعفي ومن أسقامي
يا عين قري قد نجوت من البلا
يا قلب طب قد نلت أهنا مرام
وبلغت ما أملت من ملك العلا
بشفاعة النذل المهيج ضرامي
حسدا وبغضا لا أحسب صيانته
فارجع بعفوك يا مليكا سامي
أنا قبل قتل حبيب ما كافأته
وتهمته زورا وهذا كلامي
ليموت قتلا ثم أمرح بعده
بالخير والإسعاد والإنعام
والآن لا أمضي الحياة بذلة
بل عزتي موتي وسحق عظامي
من أين للجاني الشقي سعادة
أو أين للغدار حفظ زمام
اللؤم طبعي والضلال سجيتي
والطبع تحت الروح في الأجسام
قد زال عمري بالسرور وبالعنا
وسئمت من غدر ومن إعدامي
أنا غادر أنا ماكر أنا فاجر
أنا ناكر أنا حافر أنا رامي
يا حاضرين تنبهوا وتأملوا
وتذكروا فعلي مدى الأيام
ثم افهموا أن الأثيم مصابه
كمصائبي وختامه كختامي
فقال الملك: لله در الحمد ما أعدله، بدا بصاحبه فقتله.
فثنى عليه الوزير وقال لغادر: إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، مصيرك حقا إلى حضيض جهنم.
فأخذ الحاضرون ينشدون.
غادر للخطأ قد تعمد فمضى للعذاب المؤبد، هكذا كل من تمرد سائر للعذاب المستديم، في لظى نور الجحيم، فاحذروا الأشرار أهل الفضل، وادعو للسلطان مولى الحمد، وفق يا رحمن يا نعم المنان ، وانصر يا ديان مولانا السلطان، واحفظ بالإيناس مولانا العباس طاهر الأنفاس يا مولى الأنام، أمان، احفظ يا كريم، وأدم عزه المستديم، فالهنا لنا ونلنا المنا، ودمنا في هنا بحسن الختام. سلام. (تمت الرواية)
رواية الأمير محمود نجل شاه العجم
وهي غرامية أدبية تلحينية تشخيصية ذات خمسة فصول
الفصل الأول (ترفع الستار عن بيت شاه العجم واثنين من الحرس وغلمان.)
المنظر الأول
الغلمان :
بزغت شمس التهاني
في سماء الافتخار
مذ بدا قان الزمان
ذو المعالي والوقار
ملك فينا عطوف
منعم بر كريم
محسن عدل رءوف
طاهر القلب رحيم
فأدمه بالسرور
يالآه والصفا
أبدا مدى الدهور
مسعفا ومنصفا
عش أخا الإنشاد واسلم
ما انجلى البدر التمام
مشرقا سامي معظم
في ابتداء وختام (ويذهبون)
ملك :
لا يسلم المرء من هم ومن كدر
ولو ترفع فوق الشمس والقمر
إن أحسنت هذه الدنيا لطالبها
يوما فتعقبه غما مدى العمر
علي بولدي محمود.
حاجب :
أمرك يا معدن الجود.
ملك :
ما أنعم الله على عبده بنعمة أوفى من العافية، وكل من عوفي في جسمه ودينه في عيشة راضية، أسفا على رشدك يا محمود، وعقلك الذي كنت عليه محسود، ما أصابه بعد الحزم والنبالة، فأضاع نكاله، وأفقده خلاله، كان أديبا عاقلا أريبا كاملا، إن تكلم فاضت الحكم من ينابيع لسانه، وأعجب البلغاء بفصيح نطقه وبيانه، والآن أراه يجتهد في الابتعاد، وتقليد مذهب الانفراد، لا يأنس بإنسان، ولا ينفك عن الكتمان، فبما أستطلع خبأة غوره، وأقف على حقيقة أمره.
ولدي محمود.
محمود :
لبيك لبيك يا والدي، فإني سميع مجيب.
غرامي غريمي ودمعي غدا
من الوجد والسقم صبيبا صبيب
وجسمي براه الهوى والنوى
كواه فأمسى كليما كئيب
وقلبي الولهان تلظى بالنيران
وطال أيني وحان حيني
من لوعة الهجران
يا بهجة الأكوان وصل الشجي ما آن
جودي بقربي أذهبت لبي
بالصد والحرمان
ملك :
بزغت إمارة الفرج، وانجاب غيم الحرج، وظهر أنه كليم هواه، وأسير وجده وجواه، مما اعتراك يا ولدي هذا الغرام.
محمود :
آه هذا الغرام.
بذات حسن تنجلي
كالشمس وسط الحمل
لها الدموع قد جرت
مثل الفرات السلسل
يلوم فيها عاذلي
أين الشجي من الخلي
ملك :
ومن هذه العشيقة يا ولدي؟
محمود :
آه، هي التي أذابت كبدي .
ذات القوام السمهري
أخت الغزال
من أخجلت بالخفر
ضوء الهلال
كادت بسهم الحور
واللطف تمحو أثري
فاعذروني ضاع فكري
من الجوى والسهر
ملك :
أنت مغرور يا بني، فأوضح عشيقتك لدي، لأبلغك مشتهاك، ولو كان في السماك.
محمود :
آه يا أبي، السماك أقرب من طلبي؛ لأني عشقت صورة على ورق، واعتراني في حبها الوجد والأرق، ولو لم تكن صاحبتها في الوجود، لما استحوز حبها على قلب ولدك محمود.
يا ليت شعري من كانت وكيف سرت
أطلعت الشمس كانت أم هي القمر
أظنها العقل أبداها تدبره
أو صورة الروح أبدتها لي الفكر
أو صورة مثلت في النفس من أملي
فقد تحير في إدراكها البصر
لو لم يكن كل هذا فهي حادثة
أتى بها سببا في حتفي القدر
ملك :
ما هذا الزيغ يا محمود؟ الذي أخرجك عن الحدود، أسمع أن أحدا من الناس، عشق صورة على قرطاس؟!
محمود :
مذاهب العشق يا والدي تختلف، يدركها كل مشوق كلف؛ فقد يكون باللمس ويكون بالنظر، ويكون باستحسان بعض الصور، ويكون يا والدي بالسماع، فيوقع المحب في النزاع، وقد يكون بمجرد الوصف، فيورد العاشق موارد الحتف، ومنهم من أصابه في الأحلام، فانتبه مرعوبا من الوجد والهيام، ومنهم من عشق باللثم، فكابد كل غم وهم، وقد يكون العشق اختياري، ويكون بمسارقة النظر اضطراري، وللعشق يا والدي مراتب وأحكام، يعرفها كل من عشق فهام. والخلاصة يا والدي الحنون أن الجنون فيه فنون:
جنون العشق والبلوى فنون
إذا عبثت بذي لب عيون
وتلك عن القلوب لها حديث
وأسرار تدق لها شئون
وما حركاتها إلا معان
بما يبديه تنبعث الشجون
فتنطق عن خبايا في الزوايا
بما تبدو به السر المصون
فيطمع بالمنى صبا تعنى
بمعناه وغايته المنون
يدخل الوزير :
سلام في سلام في سلام
عليك ورحمة الله السلام
محمود :
سلام في سلام في سلام
عليها ورحمة الله السلام
أضاعت بين أحشائي فؤادا
وجسمي ضاع من بعد السقام
عيني لمعناك ذات الحسن عاشقة
يا صورة رسمها العقل فتان
الله في حال صب لا نصير له
في قلبه من جوى الأشجان نيران
ملك :
انظر يا وزيري الودود، أحوال ولدي محمود.
وزير :
ما هذا الحال أيها الأمير؟
محمود :
دعني أيها الوزير.
دعني من اللوم إن العشق فعال
وإن تفصيله في القلب إجمال
واسلم بنفسك فالأشجان أولها
سقم وآخرها للناس قتال
لو كنت تدري يا صاحي فعل الغرام
لملت عن لوم اللاحي أين الحمام
فقد توالت أتراحي من الهيام
ريحان روحي وراحي لثم اللثام
ملك :
أما لهذا آخر يا ولدي؟
محمود :
أوله إحراق كبدي، فكيف الآخر! جمال باهر، وطرف ساحر، وخد ناضر، ولب طائر، وقلب حائر، أغثني يا قادر.
صورة الحسن الجمال تبدت
للمعنى فراح في الحب صبا
وغدا دمعه السجيم كسحب
كلما شام بارق الثغر حبا
ملك :
ما هذه الأقوال والأفعال؟! محمود، عد عن هذا الضلال.
محمود :
أبي قلبي لكأس العشق نهال
ودمع العين هطال وسيال
ألا يا من علا من فيك أذلال
كفى وجودي فما لي عنك أبدال
والدي نأى عني سائما ملول
آه في الهوى حزني شرحه يطول
وا عنائي من يدني ساعة الوصول ... ... ... ... ... ...
وزير :
يا بني طاوعني، واترك الغرام.
محمود :
دعني هائما دعني، يا أخا الملام.
وزير :
تنسب لي يا مولاي الملام، وما أنا إلا عبدك وعبد والدك الهمام، وما تجاسرت عليك بمثل هذا الكلام، إلا أملا برجوعك عن هذه الأوهام، وأن تجعل علاقتك بصورة، بعد لطائفك المشهورة، وإن أكثر الصور من نتائج الأفكار، لاستجلاب الدرهم والدينار، ما لها موضوع صحيح، ولا رسم صريح، أما عندك الهنديات والروميات والقيان الحسان، ذوات الآداب والألحان؟ أما أنت محمود الاسم والفعال؟ أما أنت معدن الجمال والكمال؟ أين أخلاقك المحمودة؟ أين شمائلك المعدودة؟ فانتبه أيها الأمير المكرم، وتدارك ما فرط منك تجاه والدك الأكرم؛ فإنه خرج من هنا حاقدا عليك، ولا أعلم ما يوصله من السوء إليك، وأنا أضمن لك رضاه، إذا طاوعتني على مبتغاه.
محمود :
ما فعلت ضد والدي أيها الوزير؟!
وزير :
أقليل ما فعلت أيها الأمير تجاه والدك الجليل؟! ومتى كنت أيها النبيل تتغزل بالأشعار والألحان، في حضرة والدك المصان، أما هو مخل بشرف الملوك، ومن ذا الذي سلك قبلك هذا السلوك، وعشق نقشا على قرطاس، وأصبح فاقد الرشد والحواس.
محمود :
أهذا هو ذنبي أيها الوزير.
وزير :
نعم، هذا هو ذنبك أيها الأمير، أما تعلم أيها الأكمل، أنك ابن ملك مبجل، وأنك ولي عهده، والملك المطاع من بعده.
محمود :
آه يا جهول، وكثير الفضول، الملك من ملكه لا يبيد، وكل الملوك تحت أمره كعبيد، لا راد لما قضاه، ولا مانع لما أمضاه، ولا هادم لما بناه، ولا صادا لما سواه، حكم علي أن أعشق صاحبة هذه الصورة، مع أنها مجهولة غير مشهورة. وما يفيد التأنيب والملام، في قدر العليم العلام؟! والعشق أيها الوزير جائز على الصغير والكبير، والشيوخ والغلمان، والسلطان والمهان، ما له حد مفهوم، ولا قدر معلوم.
يقول أناس لو نعت لنا الهوى
فوالله ما أدري لهم كيف أنعت
فليس لشيء منه حد أحده
وليس لشيء منه وقت مؤقت
ومنهم من جعل له أبوابا وأصول، البحث في شرحها يطول، يدريه من عشق فسلب رشده، وعلق فتجاوز حده، وله مراتب ولوازم، وأسماء تستعبد الأحرار، وتذل الأعزاء؛ فمنها: الهوى، والعشق، والجوى، والوله، والكلف، والتتييم، والتتييه، والتبل، والشغف، والتوله، والصبابة، والمقة، والوجد، والهيام، والشجن، والتبريح، والفتون، والآلام، والأرق، والجنون، والأنين، والكمد، والاحتراق، والنحول، والاصفرار، والذل، والإهانة، وتحمل ما لا يطاق، وكلها أيها الوزير لها في فؤادي زفير وتكليم وتأثير، فأعد نشر تأنيبك في الطي، فما بي في الهوى مقدور علي.
خل ملامي فالقلب خالي
من الغرام والاشتعال
ذات الجمال رقي لحالي
كم ذا التوالي زاد انتحالي
عسكر :
أيها السيد بادر
صدر الأمر بقتلك
محمود :
دون قتلي حد باتر
يخطف الروح ويهلك
وزير :
لا تكن للجند زاجر.
محمود :
خف فلا أصغي لختلك.
عسكر :
زيغه مولانا ظاهر.
وزير :
انتصح وارجع لعقلك.
محمود :
والدي أمر بقتلي، والغرام أذهب عقلي، فما هذا البلاء؟ فليس لي أن أشاء.
كل الحوادث مبداها من النظر
ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها
فتك السهام بلا قوس ولا وتر
يا صورة الوجه الجميل
فتنت ربات الجمال
رفقا بولهان نحيل
في الحب أمسى كالخيال
زاد ذلي وانتحالي
في هوى ذات الجمالي
منيتي إن احتمالي
قل يا أخت الهلالي
ما لمدنف جواه لا يوصف، وقد غدا متلف بوصالي، آه، مني وجودي باشتغالي، آه، آه آه، قلبي محمودي (يغشى عليه).
وزير :
إن هذا الغرام، صاحبه لا يلام، أنهضوا أيها الجنود سيدي محمود.
محمود :
أنفس العاشقين في الحب مرضى
وبلاء المحبين لا يتقضى
زفرات المحب كيف تراها
بعضها يستحث في الحب بعضا
ليس يخلو أخو الهوى أن نراه
كل يوم يلام أو يترضى
باكيا ساهيا ذليلا نحيلا
ليس يقضي وليس يطعم غمضا
خالفت نصاحي وعزل المليم
فلا تكن لاحي فؤادي كليم
ساعدني يا صاحي وكن بي رحيم
كفيت أتراحي وخطبي العميم
وزير :
أنا أيها الأمير البهي، أبذل روحي في كل ما تشتهي؛ لأني قد عذرتك يا همام، وتأكدت أن مثلك لا يلام، فمرني بما تريد، أن أسعى لك بقضائه أيها الفريد.
محمود :
غيرتك أيها الوزير لا تنكر، وفضلك أشهر من أن يذكر، لكن أيها الوزير المصان، عشيقتي لا يعلم لها مكان، والوصول إليها ربما يتيسر، وأوانه لا يستعذر، فمالي غير السفر والسياحة؛ لأحصل على الراحة، ولعلي أحصل على المرام، أو أقضي شهيد الغرام.
وزير :
أوما وجدت غير السفر دواء؟!
محمود :
لا والذي فلق النوى، ما وجدت غير الاغتراب دواء، أيذهب ما حاق بي من العذاب.
أجوب الأرض شرقا ثم غربا
وأجهد في الصباح وفي العشية
فإما نيل غاية ما أرجي
وإما أن تصادفني المنية
وزير :
أرجو أيها الأمير الأكرم، أن تأذن لي باستئذان والدك المعظم، وأسعى عنك في هذه الخدمة، وقضاء حاجتك الملمة.
محمود :
لا أيها الوزير، والملاذ الكبير، أنا ولي بجميع أمري، ما حك جسمي غير ظفري، فإن أصبت خيرا فمن الله، وإن أصبت شرا فبقدره وقضاه.
وزير :
أظن أن أباك لا يمكنك من السفر.
محمود :
أنا أرغب عدم إطلاعه على هذا الخبر، فأرجوك أن تكتم سري، ولا تطلع أحدا على أمري، وأنتم كذلك أيها الجند، لا تشيعوا عني هذا القصد، وأنا أكافئكم بكل خير، إذا رجعت سالما من الضير.
وزير :
أما لك عن هذا القصد محيد؟
محمود :
لا وأبيك الفريد، لا أحيد عن هذا المرام، ولو سقيت الحمام.
وزير :
وما أقول لوالدك أيها النبيل؟
محمود :
قول له أيها الوزير الجليل، ولدك ذهب للصيد والقنص، واغتنام اللهو والفرص، ليذهب ما به من الهيام، ولواعج الغرام.
وزير :
القدر لا يرد، وحكمه لا يصد.
محمود :
وأرجو أيها الوزير المهاب، أن تكتب لي عن لسان والدي كتاب، وتختمه لي بختمه بدون اطلاعه وعلمه؛ لأظهره عند الاحتياج حجة، وأشكر لك هذه المنة.
وزير :
هذا أمر ليس بعسير.
محمود :
حفظت أيها الوزير، وهذا موقف الوداع، أيها السيد المطاع.
أودعكم فأودعكم فؤادي
وننثر أدمعا مثل الجمان
ولو نلت الخيار لما افترقنا
ولكن لا خيار مع الزمان
عسكر :
سر بالأمان موفقا
يا أيها الشهم الخطير
محمود :
ستعود أيام اللقا
عسكر :
ونرى محياك النضير
وزير :
اجمعنا يا باري الأنام
محمود :
وجد لي ربي بالمرام
عسكر :
وامنحه مع طول البقا
إسبال ستر يا قدير
الفصل الثاني (يرفع الستار عن حديقة ملك الهند، وبها هند وورد وشمس الصباح.)
المنظر الأول
هند :
قد أتينا الرياض حين تجلت
وتحلت من الندى بجمان
ورأينا خواتم الزهر لما
سقطت من أنامل الأغصان
ورد :
لله بستان حللنا بروضه
وأزهاره تزهو وتزهر كالشهب
تراقصت الأغصان فيه ونقشت
معاني رباه السحب باللؤلؤ الرطب
محمود (من الخارج) :
بالذي أشكر من عرف اللما
كل كأس تحت ظل وحبب
والذي كحل جفنيك بما
سجد السحر لديه واقترب
والذي أجرى دموعي عندما
عندما أعرضت من غير سبب
ما على جفني إذا ما سجدا
فجرى الماء بإطفاء اللهب
هند :
من هذا يا شقيقتي ورد؟
ورد :
لا أدري وحياتك يا هند.
هند :
انظري يا نور الصباح، من تجاسر ودخل بستان ملك الأفراح. هل أبوك يا ورد أرسل لنا بعض المطربين، ليطربنا بين هذه الرياحين؟
ورد :
أين أبوك الآن يا شقيقتي هند؟ ومن أين يخطر في باله هذا القصد وهو مرتبك الأفكار، وحليف الهموم والأكدار؟
هند :
وما سبب بكائه يا ورد؟
ورد :
عجبا! أتجهلين ما عليه استجد؟
هند :
نعم، أعلم ما حدث، وما عليه خبث، فأخبريني بما صار؛ فقد أشغلت مني الأفكار.
ورد :
أما في أفكارك يا شقيقتي من منذ خمسة أعوام، حينما زار والدك أزدشير أحد ملوك الأعجام، وغلبه أبوك بالشطرنج بين الوزراء والأعيان، ورجع إلى بلاده وهو حاقد عليه وغضبان!
هند :
نعم، ذلك في أفكاري. والآن ما هو جاري؟
ورد :
الآن بلغ أباك الخبر، بأنه جهز ألوفا من العسكر، وأمر عليهم وزيره ورد شان، ليسيروا لنار الحرب العوان، في جميع بلاد الهند، وأن يهلكوا جميع الجند، ويقودوا أباك أسيرا، وذليلا حقيرا، بعدما يخربون البلاد، ويهلكون العباد.
هند :
ويلاه! ومتى جاء هذا الخبر؟
ورد :
منذ يومين.
هند :
الله أكبر.
شمس :
قد فتشت يا مولاتي جميع البستان، فما وجدت فيه إنسان (صوت خارجا).
يا الآه أي حين
تنجح الأعمال
ثم أنجو من أنين
ويروق البال
أنت لي خير معين
أيها المتعال
يا سميعا لأنيني
أحسن الأحوال
هند :
وهذا الصوت من أين؟
ورد :
صبرا يا قرة العين، فأنا أستوضح الخبر، وأستجلي ما استتر (تذهب).
هند :
أحضري الخولي إلى هنا.
شمس :
أمرك يا كل المنا (تذهب).
محمود :
قد طاب يا خل وردي
ما بين ند وورد
فذكر باهي المحيا
أمسى حديثي ووردي (يدخل الخولي)
هند :
ويلك! ما عندك في البستان؟
خولي :
مولاتي الأمان.
هند :
تكلم وعليك الأمان.
خولي :
حفظك الواحد المنان، إن عندي يا راحة الأرواح، درويشا من السواح، حسن الصوت والألحان، وله معرفة بالشعر والأوزان، لا يمل جليسه، ولا يسأم من كان أنيسه، فإن أمرت بإحضاره، فهو بين يديك، وإن شئت صرفته والأمر إليك.
هند :
ما قولك يا ورد بإحضاره إلى هذا المكان؟
ورد :
الأمر إليك في هذا الشان، وما يكون عذرنا إذا بلغ أبانا الخبر؟
هند :
أبونا الآن في أعظم كدر، لا يفكر بإنسان، ولا يأتي إلى هذا المكان.
ورد :
العهدة عليك إذا حدث ما يشين.
هند :
لا تجزعي، لا يحدث إلا ما يزين. أحضره إلى هنا بالعجل.
خولي :
أمرك يا غاية الأمل.
ورد :
هند، ما هذا العمل؟ أيكون والدنا في الهموم والأكدار، ونحن في انبساط وسماع أشعار؟
هند :
لا تقنطي يا ورد من النصر، ورفعة الشان والقدر، وننتهز فرص الزمان بما ينعش الروح والجنان (يدخل محمود).
محمود :
سادتي أبدي السلام
لعلاكم بالاحتشام
فاقبلوا من جاءكم
راجيا نيل المرام
يقبل الأرض عان مسه نصب
من لوعة البين والأسفار والكمد
فعاملوه بإحسان القبول لكي
يعود بالفوز مسرورا مدى الأمد
هند :
أبشر يا درويش الخير، بما يذهب عنك كل ضير، فما هي حاجتك أيها المصان؟
محمود :
حاجتي، آه يا ربة الحسان، قرب من اتصفت بهذا الجمال، وحملتني في حبها الوجد والبلبال.
حملتني في الهوى
منيتي ما لا يطاق
غادة تهوى النوى
وأنا أهوى التلاق
هند :
يظهر عليه سيمة الغرام.
ورد :
نعم، ولواعج الوجد والهيام.
محمود :
نعم، سيم الصبابة والغرام
تلوح على فؤادي المستهام
وما لي منقذ من نار وجدي
فها في مهجتي أزكى ضرام
خولي :
قد شرف يا مولاتي، مولاي السلطان.
هند :
آه، حيننا حان.
ورد :
هند، لا تجزعي.
هند :
وهت أضلعي.
محمود :
أين الخلاص؟
هند :
جاء القناص، فكيف العمل؟
خولي :
ها هو قد أقبل.
ورد :
اختف هنا أيها السواح (يختفي بطابق).
ملك :
أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت
ولم تخف سوء ما يجري به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها
وعند صفو الليالي يحدث الكدر
ما كان ذنبنا أيها الوزير، مع الملك أزدشير، حتى أرسل لنا وزيره وردشان، الذي لا يقاومه إنسان، ألحقه منا في حياته أقل ضرر، أو أظهرنا عليه أدنى بطر أو أشر؟! ومن يطيق منا هذا الشجاع، أو يقدر على مقاومته عند الدفاع؟!
وزير :
أنا قد فهمت أيها السلطان ، أنه ما خصنا وحدنا بالحرب والطعان، بل وجه وزيره وأجناده بالكلية؛ ليسيروا لنار الحرب في عموم البلاد الهندية، وأنا أتأكد أن جميع ملوك الهند أهل الهمم، يقومون لفداء وطنهم على ساق وقدم، ومن أين للملك أزدشير أن يقاوم بلاد الهند، أو يستطيع أن يصد ملكا منهم أو يرد؟! فكن في راحة من هذا الضرر، فلا يلحقنا منه أدنى شرر، ولا بد بعون القريب المجيب، أن نحصل على النصر القريب، ونرده على أعقابه مكسور؛ لأنه متعدي والمتعدي مقهور.
ملك :
وأنا أقول إنه لا يقدر على صد جميع الملوك الهندية، ولو حاز ما حازه إسكندر المقدوني من السطوة والجبروتية، وما أظنه يقصد أحدا من ملوك الهند، ولا يبذل في محاربة أحد منهم أدنى جهد، وما قصده إلا بلادي فقط، وأنا لا أقدر على مقاومته قط، فبما نكفى أذاه ونحصل على رضاه؟
وزير :
أيها الملك الشجاع، والحلاحل المطاع، إن من يكون مثلك من ملوك الأمم، وله في ممالك الهند أثبت قدم، لا يمكن أن يخاف أو يجبن من لقاء الأعداء، ومعاناة الطعن والضرب، إذا التخمت النجباء، فاثبت إلى أن يصل الوزير وردشان، ونقف على ما يقصده أيها المصان، وحينئذ يفرجها رب الأرض والسموات، وعالم الجليات والخفيات.
ملك :
أأثبت إلى أن تطأ عساكره بلادي، وتمزق شمل أعواني وأجنادي، ومن يقدر على محاربة من يكون هكذا من ملوك البرية، أما يجب أن تنظر بعين البصيرة في نتيجة هذه القضية؟! أيها الوزير، هذا الملك أزدشير، الذي لا يقدر على بطشه إنسان، ولا يرهبه ملك من ملوك الزمان، ما هذا الخطب العميم، والبلاء الجسيم؟ قد ترقب أزدشير غياب الحكيم الدهقان، فوجه إلينا وزيره وردشان.
وزير :
مولاي، ما هذا الاضطراب؟
ملك :
حاقت بي يا وزير جميع الأوصاب، ولا أتصور أن وردشان وزير أزدشير، يرجع بدون ما ينزل بنا الذل والتحقير، ويستولي علينا قسرا ويقودنا بالأسر جبرا.
وزير :
خفض عليك أيها السلطان، ومن يكون وردشان من الفرسان؟ فكن في راحة من العنا، وأنا أبلغك القصد والمنا.
ملك :
وبما تبلغني القصد أيها الوزير؟
وزير :
بحيلة أملكك بها ملك أزدشير قد جالت الآن في أفكاري. من هذا المتواري؟ انظر يا ملك الزمان.
ملك :
من أين هذا المهان؟
وزير :
لا أدري يا ملك الزمان، ويك من أدخلك هذا المكان؟
محمود :
أنا دخلت، وما رآني إنسان.
وزير :
وكيف دخلت بدون استئذان، أما تعلم أنه منتزه السلطان؟
محمود :
لا وحياتك يا رفيع المقام، ما أعلمني أحد من الأنام، وما دخلت إلا عن جهل وبغير اختيار؛ لأني غريب عن هذه الديار.
ملك :
أنا لا أظن أيها الوزير، إلا أنه جاسوس خطير، أتى يكشف أخبارنا، ويسعى بما يجلب دمارنا.
محمود :
لا وحياتك أيها السلطان، عبدك غريب عن هذه الأوطان، لا أعرف التجسيس، ولست من أهل التدليس.
ملك :
الآن نحن في شغل شاغل، من الفحص في أمرك أيها المخاتل، اسحبوه إلى السجن وكبلوه بالأغلال، وبعد نعلم ما أضمره من النكال.
رسول :
قد وصل يا مولاي وزير الملك أزدشير، ونزل تجاه المدينة بعسكر كثير، فأغلقنا في وجهه أبواب البلد، بعدما جزع كل العسكر، وتخيل أنه فتح له البلد.
ملك :
ها قد وصل وردشان أيها الوزير، فما هي الحيلة؟ وما هو التدبير؟
وزير :
الحيلة أيها الملك، أن نخلي له البلد من الأموال والآلات الحربية، ونملكهم من دخولها بعد خروجنا من الجهة الغربية.
ملك :
أهذه هي الحيلة أيها الوزير؟
وزير :
نعم أيها الملك الشهير.
ملك :
ما هذا الرأي الفاسد؟
وزير :
وما فساده أيها الملك؟
ملك :
فساده لا ينكره عاقل، ولا يتردد فيه جاهل، وكيف نجعل إعطاء المدينة براعة الاستهلال، ونعتاض لسكن القفار والجبال، أملا أن نجعله محصورا، ومكبلا مقهورا، ألهمنا الرشد يا مستعان، في هذا المكان.
محمود :
اعف عني أيها المفضال، وأنا أحل لك هذا الإشكال، وأخلصك من الكرب، وأكفيك نصب هذا الحرب.
ملك :
أنت تكفيني نصب الحرب يا مهان؟!
محمود :
إي وحياتك يا ملك الزمان، وأجلب لك الوزير وردشان يقبل قدمك في هذا المكان.
ملك :
وأنا وحياتك أجعلك قائد أجنادي، وأحكمك بجميع بلادي.
محمود :
مر لي بدواة وقرطاس؛ لأفديك بالعين والراس.
ملك :
أحضروا له ما طلب، فعسى نكتفي النوب (يكتب محمود جوابا).
محمود :
خذ هذا الجواب وسلمه لوردشان، واطلب منه الرد، وأنت ثابت الجنان، لا تكن أيها الملك في حرج؛ فعن قريب يحصل الفرج.
ملك :
وحياتي إن حصل الفرج على يديك، فلا أعول بعد الله إلا عليك، وأجعلك وزيري الأكبر، النافذ أمره على كل العسكر.
محمود :
وما موجب العداوة أيها الملك الشهير، بينك وبين الملك أزدشير؟
ملك :
موجبها يا ولدي لا يذكر، ولا يستوجب هذا الفعل المنكر؛ لأنه زارنا منذ خمسة أعوام، فقدمنا له كل خدمة وإكرام، وفي أثناء ذلك الصفو والانبساط، غلبته بالشطرنج فغضب واستشاط، وعاد إلى مركز ملكه غضبان، وقطع المخابرة إلى الآن، وفي هذه الأيام ثار للحرب، وسبب لنا ما رأيته من الكرب.
محمود :
أهذا موجب العدوان؟
ملك :
هذا موجبه يا مصان، بعد الصداقة والألفة، التي قطعت من بيننا كل كلفة.
محمود :
تبا لكل حقود، وخئون جحود! لا تحزن يا ملك الزمان، وها هو وردشان.
وردشان :
عفوا يا مولاي محمود، عطفا يا منهل الكرم والجود.
محمود :
ما هذا الزيغ الذي ارتكبه أزدشير؟
وردشان :
هذا خطأ يمحوه عفوك أيها الأمير.
محمود :
ماذا ترغب أن أفعل معه أيها السلطان؟
ملك :
أرغب أن تعامله بالإحسان، ليعترف عند أزدشير بعفوك عنه وكرمك الشهير.
محمود :
حلم هذا الملك أنقذك من الدمار، وأرجعك سالما أيها الغدار، فخذ عسكرك من حيث جئت، فلا عشت يا كنود ولا كنت.
ملك :
قد غمرتني أيها الأمير بفضلك، وجعلتنا عتقاء طولك ونيلك. فنرجوك العفو عما فرط، في حقك منا من الغلط، ونرجوك بعد العفو يا مصان، إيضاح نسبك ولك الفضل والإحسان.
محمود :
أنا سبب غلطك أيها الهمام، فلا تثريب عليه ولا ملام، وأما نسبي الرفيع المهاب، فيوضحه لك هذا الجواب.
ملك :
مرحبا بك أيها الأمير الأكرم، ونجل ملك ملوك العرب والعجم، ذي المقام الذي يجب احترامه، وتقابل بالخضوع أعوانه وخدامه، صاحب الظل الظليل، الجاه العظيم الجليل، والبطش والقوة والرفعة والسطوة، من لا يضاهى فخاره، ولا يماثل نجاده .
ملك بهمة بأسه وطئ العلا
وبنى حصون المجد عالية العمد
عم الورى إحسانه لا سيما
من حوا بهذا الشبل من ذاك الأسد
أهلا وسهلا بالأمير الكريم، الذي أغمرنا بفضله العميم، ما هذا الزي أيها المناح، الذي أظهر عليك أمارة السواح، وكيف خرجت بدون خدم وأعوان، أزهدا في الملك، أم لغرض أيها المصان؟
محمود :
آه، خرجت لغرض أوقعني في حرقة الرمد (يظهر الصورة).
جبت الأماكن والبلاد فلم أر
ما يشفي قلبي من لهيب أواره
رفقا بمن بالملك جاءك زاهدا
يسعى للقياك على أبصاره
ملك :
هذا من العجب العجاب، الموجب للاستغراب. وكيف عشقت صورة أيها الأمير، وسحت في حبها بدون أنيس ولا سمير، ولا تعلم لها مكان، ولا جهة تقصد أيها المصان؟!
محمود :
قدر الله يا ملك لا يرد، وحكمه على العبيد لا يصد، فإن أرشدتني فلك الفضل، وإلا فدعني من التأنيب والعذل.
ملك :
أنا أيها الأمير الكامل، لست بلائم ولا عاذل، بيد أني جهلت معنى هذه الصورة، واستعدت من هذا الطي منشوره، وأرغب نظرا لما لك من الإحسان علي، أن أعوضك عنها بإحدى ابنتي، وبهذا أكون وفيت لك بعض كرمك، وأعيش بعدها في ظلال نعمك.
محمود :
هذا يا مولاي أمر خارج عن إرادتي، وغير ممكن أن يحسن في عيني غير حسن مالكتي، فلا تكلفني ما هو مستحيل، واعذرني بهذا الرد أيها الجليل.
ملك :
أما عندك رأي أيها الوزير، ينحل به هذا المشكل العسير؟
وزير :
عندي يا ملك رأي سديد، أتأمل أن نستأنس به بما يفيد.
ملك :
وما هو الرأي الذي ينتج تبيانا.
وزير :
هو أن نفرز حماما يدخلونه الأغراب مجانا، ونضع أيها المهاب هذه الصورة على ذروة الباب، ونكلف كل داخل النظر إليها، فعسى نحصل على الوطر.
ملك :
وهل يحصل بهذا المراد؟
وزير :
ربما يحصل؛ حيث إنه أمر مجهول، وبغير هذه الحيلة لا يمكننا الوصول.
ملك :
لا مانع أيها الوزير، افعل ما إليه تشير، فعسى واجد الوجود، يفرج عن الأمير محمود.
محمود :
عسى الأمر الذي أمسيت فيه
يكون وراءه فرج قريب
فيأمن خائف ويغاث عان
ويرجع بالمنى النائي الغريب
الفصل الثالث (حمام وبه أربعة غلمان، الصورة على الباب.)
المنظر الأول (لحن):
إن هذا لحمام
راحة للأجسام
خصه ذو الإنعام
لكل غريب يبتغي الإكرام
بادروا للنعيم
وسط حر الجحيم
فيه ماء سجيم
كعطر وطيب
يذهب الآلام
غلام أول :
هلموا لحمام المسرة والصفا
وبيت التهاني والنظافة والطهر
حميم له يدعى الحميم إلى الشفا
بسلسال طيب من ينابيعه يجري
غلام ثاني :
بشرى لمن وافى لحمام غدت
تثني عليه جوارح الزوار
بيت ترى الجدران فيه ينابعا
وترى السماء كثيرة الأقمار
ثالث :
بادروا إلى النعيم الذي فيه
صلاح الأجسام والأرواح
وتلاقي الجسوم في خلع منه
رقاق على الجسوم ملاح
رابع :
بيت بنته حكماء الورى
فهو إلى الحكمة منسوب
مجاور النار ولكنه
يجاور النار به الطيب
غريب :
أين بيت الطهر
وشفاء السقم
غلمان :
هذا يا ذا البشر
باب بيت الكرم
غلام الأول :
انظر أولا أيها الغريب إلى هذا الجمال العجيب، وادخل بعدها بالأمان، ولك التهان.
غريب :
جمال جميل زاهر
وحسن بديع باهر
وخد أثيل ناضر
وطرف كخيل ساحر
جمال خالي من العيوب، يجذب حبات القلوب، فطوبى لمن نزه بمعناه طرفه، وجال في ميدان ظرفه، صورة من هذا يا كرام؟
الأول :
ادخل فلا يعنيك هذا الشان.
الثاني :
ما حصلنا منه على مرام.
الثالث :
سيحصل من غيره إن شاء العلام.
الرابع :
أنا أقول هيهات.
الأول :
وأنا كذلك يا حميد الصفات، لكن أمر مولانا السلطان، لا يمكن أن نلقاه إلا بالإذعان، فنجتهد بما أمر، والله يوضح ما استتر.
الثاني :
هذا هو الصواب، والرأي الذي لا يعاب، فانعشون الآن بالأسماع، بما يحلو من السماع. (لحن):
تثنى كغصن رشيق القوام
وأحرم عيني لذيذ المنام
غزال ربيب به القلب هام
وأمسى كليما أسير الغرام
خلعت عذاري بحب العذار
وليس بعار انهتاك الستار
به جل نار من الجلنار
ألا فاعذروني براني الغرام
هلموا إلى الحمام مجانا أيا أغراب.
سابق ولاحق :
أتينا أيا سلام عذابي بهذا.
لاحق :
طاب ... ابك يطيب عذابي.
لاحق :
ما أحلا جنابي .
سابق :
ما هذا يا مهيصل؟
لاحق :
اسكت يا مغفل، هذا من الكلام المسجع.
سابق :
من الكلام المسجع؟
لاحق :
نعم، من الكلام المسجع، ويسمونه أيضا نثر، وهو قريب من الشعر.
سابق :
ما هذا الذكاء والبديع؟
لاحق :
اسمع يا صقيع: أقلت أما مستفهما، أبك يطيب عذابي؟
سابق :
بلى.
لاحق :
وأنا قلت ما أحلا جنابي.
سابق :
غاب صوابي.
لاحق :
فاصلتان متفقتان في حرب واحد، وهو الباء، ألست أنا من الفصحاء الأدباء؟
سابق :
نعم، ومن الشعراء البلغاء، ادخل الآن إلى الحمام، متنا من البرد.
لاحق :
طبع أخي حد.
سابق :
ادخل يا غبي، ادخل، بردنا.
لاحق :
شاهد أدبي.
سابق :
أما شهدنا، أسرع بالدخول.
لاحق :
لا لا لا لا، هذا يطول.
سابق :
ماذا الذهول؟
لاحق :
أنا شلبي.
سابق :
للطف عدنا، أما شهدنا لك بالأدب، وأنك معدن ما يجب، فادخل الآن؛ متنا من البرد.
لاحق :
أنقذتني أزعجتني.
سابق :
أربعتني قتلتني.
لاحق :
لو كنت مأدب مثلي مهذب لما أزعجتني بالكلام.
سابق :
آه علتني جميع الأسقام، وما ترغب أن أكون؟
لاحق :
كن مثلي لطيف الشئون، وادخل إلى الحمام بكل أدب واحترام.
غلام أول :
أنتما من الأغراب؟
الاثنين :
نعم من الأغراب.
غلام أول :
انظر أول ما على الباب.
لاحق :
يظهر على صاحب الحمام أنه نجيب ومتمدن أريب.
سابق :
وما دليلك يا معدن الآداب؟
لاحق :
وضع صورة الحمام على الباب. وهل يوجد أعظم من هذا دليل؟!
غلام أول :
ادخل يا ثقيل، واتبعه أنت إلى سقر، وعذاب الله الأكبر.
الثاني :
أهكذا يوجد في الناس أقوام، ما يميزوا صورة الإنسان من صورة الحمام.
الثالث :
ويدعي أنه متمدن وأديب.
الرابع :
أعوذ بالله من كل كئيب.
الثاني :
متى نحصل أيها المصان، على مطلوب السلطان؟
الأول :
تأن؛ المملوك لا يكون إلا مطيع، فلنصبر ويفرجها السميع.
الثاني :
الحصول على المطلوب مجهول، وقد يكون قريبا أو أنه يطول، فما لنا غير التسلي بالألحان، وطلب السؤل من الرحمن. (لحن):
اصرف همومك بالألحان
تغنيك عن بنت الدن
وميل على نغم العيدان
مع الندامى كالغصن
شحاتين 4 :
أين الحمام؟ أين الحمام؟
شحات :
إني أسمع صوت أنغام.
شيخ :
حقيقي، ولكن ما بها طعام.
شحات :
وهل الطعام يوجد في الألحان؟
شيخ :
آه يا قليل العرفان، الطعام غذاء الأرواح التي تقوم بها الأجسام، وقوام الأجسام الشراب والطعام، ما هذا الجهل!
شحات :
خلط النغم بالأكل.
شيخ :
اسمع مني يا جهول، واروي عني لكل أكول.
شحات :
أسمعنا يا معدن العرفان، وأنجب آل ساسان.
شيخ :
صحن الكباب إلى القلوب شفاء.
الجميع :
شفاء.
شيخ :
ولكل داء في الجسوم دواء.
الجميع :
دواء.
شيخ :
يا رب شبعنا القطائف عندما.
الجميع :
عندما.
شيخ :
تبنى عليه قبضة بيضاء.
الجميع :
بيضاء.
شيخ :
يا صدر بصمة كم برزت أحارب.
الجميع :
ابرز ابرز.
شيخ :
والقطر طابت للنفوس مشارب.
الجميع :
اشرب اشرب.
شيخ :
ما من أرز واللحوم تصاحب.
الجميع :
به به به به.
شيخ :
إلا وبالتحقيق ها أنا جاذب.
الجميع :
اجذب اجذب.
شيخ :
بالكف للأسنان.
شحاتين :
جوعان.
شيخ :
قم سقسق الرغفان.
شحاتين :
سقسق سقسق.
شيخ :
بالسمن والأدهان.
شحاتين :
ادهن ادهن.
شيخ :
فالجوع شين والطعام يناسب.
شحاتين :
صدقا صدقا.
شيخ :
ما أطيب القرع الطويل أناله.
شحاتين :
احفر احفر.
شيخ :
إذا كان محشيا فبطني أناله.
شحاتين :
ادفن ادفن.
شيخ :
صدر البغاشا جئته لأناله.
شيخ :
فهو الذي ضاءت علي كواكبه.
شحاتين :
تلمع تلمع.
شيخ :
مذ كان في الأفراح.
شحاتين :
جوعان.
شحاتين :
خروف محشي طب، به يطيب قلبي، عن كل شيء صحب، بوصله أقنع، بادر أخي واقطع، وادفع إلي المبلغ، إلى الأرز هيا، ولا تكن بطيا، واشرب مهلبيا؛ لأنها تنفع، يا صاحبي، ما أبدع بياضها الألمع، واسعى بها في الحارة، بالدست والمغارة، وحازر من البسارة؛ لأنها أشنع، من ذهنة الأقرع، حقا لها فامنع، واجعل ختام الأكل من طيبات النقل، وإن تخف من ثقلي، فاستعمل النعناع؛ لأنه ينفع، للبطن إذا قرقع، وادخل إلى الحمام بالطبل والأنغام.
غلام أول :
يا معشر الأنام، جسمي لقد ضعضع.
ثاني :
هيا لهم نتبع.
ثالث :
قد صاروا في مصرع.
رابع :
ما أريناهم الصورة.
أول :
الآن وقت المهجورة.
رابع :
هذا محلها يا بارد.
أول :
ما هذا الكلام الفاسد.
الثالث :
كلام لا يقبله إنسان.
الرابع :
نعم، إنه هزيان.
بنات :
أهذا هو الحمام الذي أعد للأغراب؟
أول :
نعم أيها الأنجاب، وعليكم أولا أن تنظروا هذه الصورة الحسنا، وتتنعمون بالشفاء بعدها.
بنات (لحن) :
ذي صورة الحسن الجميل
ومظهر الخد الأسيل
فيا ترى من التي
ذا رسم معناها الجليل
غلمان (لحن) :
حيث جهلتم فادخلوا
وبالتهاني فاغسلوا
أجسامكم وعجلوا
لا تجعلوا المكث طويل
همت :
الراح مع الرحيق من ريقته
والثغر برد در وعقيق
والجنة والجحيم في وجنته
ما بين زود در وشقيق
لو صور آدم على صورته
من فرد صمد بالخلق رفيق
ما كان أبى إبليس عن سجدته
بل كان سجد في كل طريق
بأبي الشموس الجانحات غواريا
اللابسات من الحرير جلابيا
الناهبات قلوبنا وعقولنا
وجناتهن الناهبات الناهبا
الناعمات القاتلات المحييا
ت المبديات من الدلال غرائبا
أهذا هو الحمام الذي أعده مولانا السلطان للغرباء؟
غلام أول :
نعم يا نخبة الأدباء.
همت :
ولم أدخل الحمام قصد تنعم
وكيف ونار الشوق بين جوانحي
ولكنني لم يكفني فيض أدمعي
دخلت لأبكي من جميع جوانحي
غلام أول :
انظر يا سيدي أولا إلى هذه الصورة، واستجلب لقلبك بعدها من الضيم حبوره.
همت :
زهر الرياض، وا شوقاه، آه من العشق وحالاته، أحرق قلبي بحرارته، ما عشقت عيني سوى حسنكم، أقسم بالله وآياته (يغمى عليه).
غلام أول :
قد حصل الأمير محمود على مناه، احفظوه في هذا المكان، وها أنا ذاهب لأخبر مولانا السلطان.
الفصل الرابع (ترفع الستار عن ملك الهند، وزيره، الأمير محمود، همت مغمى عليه.)
المنظر الأول
ملك :
أهذا هو الدرويش الصريع.
غلام أول :
نعم أيها الملك الرفيع، هذا هو الدرويش الذي صرعه الغرام، حينما نظر الصورة على باب الحمام، وقد حملناه وجئنا به إلى هذا المكان، بعدما جهدنا أن يفيق فما أمكن يا ملك الزمان.
ملك :
عجائب! أهكذا يفعل العشق والغرام!
محمود :
نعم أيها الهمام، فكم له من قتيل وشهيد، وكم به من شقي وسعيد، أوله قطر، وآخره بحر.
تولع بالعشق حتى عشق
فلم يستقل لما لم يطق
رأى لجة ظنها موجة
فلما تمكن منها غرق
والعشق يختلف باختلاف المصابين، وما جبلوا عليه من القساوة واللين؛ فمنهم من رأى الصورة الحسنة فمات، ومنهم من وقع عند رؤية الحبيب في سكرات.
مات إذ رأى الجمال تجلى
من حبيب وذاك مغمى عليه
من ذاق أيها الملك عرف، وعذر أهل الشغف.
لا يعرف العشق إلا من يكابده
ولا الصبابة إلا من يعانيها
ملك :
صدقت أيها الأمير، والشهم الخطير.
إن رب البيت أدرى
بالذي فيه يكون
وبماذا يصحو من إغمائه، ونجتني ثمار أنبائه؟
محمود :
لا يصحو يا ملك صريع الهوى، إلا بذكر من كابد بعشقها الجوى، فأنا أذكر له ذكر زهر الرياض، فتنجاب عن قلبه الأمراض.
قم يا صريع العشق وانظر إلى
خد به الحمرة شابت بياض
واجني ثمار القرب من غادة
فتانة تدعى بزهر الرياض
همت :
زهر الرياض! آه، وا فرحاه.
ترى المحبين صرعى في ديارهم
كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا
قوم إذا هجروا من بعدما وصلوا
ماتوا وإن عاد من يهوونه بعثوا
مرحبا برشيقة القوام، أهذه أضغاث أحلام؟
الله في مهجتي زهر الرياض فقد
كلمت قلبي بهذا الهجر فارثي لي
غيري غدا مستريحا في الهوى وأنا
دوما أموت وأحيا بالأباطيل
محمود :
آه، وا مصاباه!
ملك :
ما هذا البلاء أيها الوزير؟
محمود :
أين أنا؟
همت :
أنت معي في عذاب السعير.
محمود :
من جفا زهر الرياض
ربة الطرف الكحيل
همت :
زاد حزني واكتئابي
قد غدا جسمي نحيل
محمود :
لم أذق طيب اغتماضي
سيدي أين السبيل
همت :
عزب عضب العشق ماضي
كم به صب قتيل
محمود :
أعد ذكر زهر الروض يا هذا إنها
بها القلب عان والدموع سواجم
أعيش بها ما عشت صبا متيما
وإن مت بالهجران فالله دائم
همت :
بديعة حسن لو تبدت لناظري
لشام بدورا أشرقت بين أنجم
على الأسد تسطو بالسيوف جفونها
وألحاظها ترمي القلوب بأسهم
لها فهم لقمان وصورة يوسف
وأنغام داود وعفة مريم
ولي حزن يعقوب ووحشة يونس
وأسقام أيوب وحسرة آدم
ردينية الأعطاف صبحية الطلا
ومسكية الأردان ذات تبسم
أغار على أعطافها من ثيابها
إذا لبستها فوق جسم منعم
وأحسد كاسات تقبلن ثغرها
إذا وضعتها موضع اللثم بالفم
أغار عليها من أبيها وأمها
ومني ومن عيني ولفظي ومعصم
وبك يا همت، الرزيئة طمت، وباح اللسان، ببشر الجنان.
باح اللسان بسر كنت أكتمه
عني ومن أين للعشاق أسرار
وجد وبعد وأسقام منوعة
ومدمع فوق صحن الخد مدرار
هل فوق هذا لأرباب الغرام إذا
راموا التستر إشهار وإظهار
محمود :
دلائل العشق لا تخفى على أحد، كحامل المسك لا يخلو من العبق.
همت (لنفسه) :
ولكن يلزم أن أتستر عن هذا الإنسان، وأظهر له الانقباض، وأسأله من أين يعرف زهر الرياض. ومن أين يا هذا تعرف زهر الرياض؟
وزير :
الزم الأدب والانخفاض؛ لأنك يا مهان، في حضرة السلطان.
همت :
الأمان يا ملك الرقاب.
ملك :
لا تجزع يا مصاب، ثب إلى عقلك، واكشف لنا عن جلك وقلك.
همت :
كيف وأنا مستهام صب، وعقلي أحير من ضب، وفكري ضره غاض، من أعراض زهر الرياض، إذا أخبرته بقصتي، وسبب غصتي، أنا أنجو من العطب، وأفوز بحسن المنقلب، إذا أخبرته بالتي أسرتني بأجفانها، وأخضعتني لعزة سلطانها، وهي ابنة ملك فخيم، وهو ملك عظيم، فربما تلزمه الغيرة الملوكية، أن يذيقني طعم المنية، فما أصنع لأحصل على الانفلات، نجني يا بديع السموات، قاتل الله اللسان؛ فإنه يوقع في الخسران، لو صنت لساني، لما ارتاع جناني.
احفظ لسانك أن تقول فتبتلى
إن البلاء موكل بالنطق
ملك :
قد نم عليك عنوان طرسك، وما أجريته في همسك، إنك خلاب نهم، وجواب ملتهم.
همت :
لا وحياتك يا عزيز الجناب، ما أنا خلاب ولا جواب، غير أني جزعت من الرزيئة القاضية، إذا بحت بما خامر قلبي وأوقعه في داهية، فألتمس أولا إعطائي الأمان، وأنشر بعدما طواه الجنان.
ملك :
عليك الأمان، ولك الامتياح، بعد نشر سرك أيها السواح.
همت :
الآن أمنت من العطب، واستبشرت بحسن المنقلب، عبدك يا معدن الإسداء، مسقط رأسي صنعاء، فاستفزني يوم مرح الراحة، إلى الدروشة والسياحة، وقصدت في بعض الأحايين، بلدا من بلاد الصين، وهي مدينة الملك حسان، صاحب الشوكة والسلطان، فدخلتها في يوم زينة وحبور، وفرح وسرور، فوافق دخولي مرور موكب منتظم، وقد أخذ الزحام بالكظم، وفي مقدمته هودج ابنة الملك، زهر الرياض، التي ما وجد ولا يوجد مثلها في البهجة والإيماض، فحين نظرتها أخذت لبي، واستولت على قلبي، وصرت بعشقها ولهان، لا أستطيع الصبر والكتمان، إلى أن شاع أمري واشتهر، وبلغ الملك حسان الخبر، فغضب الغضب الشديد، وأمر بقتلي أيها الفريد، وبعناية الواحد الجبار، نجوت بشفاعة وزيره من الدمار، وطردوني بشرط ألا أعود، ولا أذكر اسمها ما دمت في الوجود، فصرت ذليلا حقيرا، أكابد من الذل عذاب السعير، إلى أن دخلت هذا البلد في هذا النهار، فسمعت بالحمام الذي أعددتموه للأغراب والسفار، فدخلت لأغتسل من ذهومة الاغتراب، فرأيت صورة زهر الرياض على الباب، فصرعني الوجد والغرام، وهذه قصتي والسلام.
ملك :
طلع عجاب، وحديث مستطاب، قد أصاب سهمك يا وزير غرضي المطلوب، وحصلت أيها الأمير على المرغوب.
وزير :
الحمد لله الذي ألهمني الصواب، وأذهب عن الأمير محمود كمد الأوصاب.
ملك :
وكم بيننا وبين مدينة الملك حسان؟
همت :
سنة كاملة يا ملك الزمان.
ملك :
ليس على الله بعسير، فطب قلبا أيها الأمير.
محمود :
قد ذهبت عني يا ملك جميع الأتراح، وحصلت بهمتك على الانشراح.
ملك :
أعطوا هذا الدرويش ألف دينار، جزاء له على هذا الإخبار، اذهب أيها الدرويش بأمان.
همت :
حفظت يا مولاي مدى الزمان.
ملك :
قم يا وزير وسر إلى عند الحكيم الدهقان، واستشره بعد التحية في إمضاء هذا الشان.
وزير :
أمرك أيها الملك مطاع.
ملك :
سر ميمون الاجتماع ... إن هذا الحكيم أيها الأمير، ماهر بكل شيء وخبير، عمره مائة عام، وعنده عدة من الجن خدام، فأحببت أن تستمد برأيه الفياض، قبل الحصول على زهر الرياض.
محمود :
رأيك أيها الملك مصيب.
ملك :
فعسى يرشدنا لطريق قريب به نبلغ المنا، ونكتفي شر هذا العنا.
محمود :
أنا عندي يا ملك رأي سديد، أرجو مطاوعتي عليه أيها الفريد.
ملك :
وما هو الرأي أيها الأمير؟
محمود :
هو أن أقوم من الآن، وأسر متوكلا على الرحمن، في قضاء حاجتي أيها المصان.
ملك :
هذا أمر لا يكون، ولو ذقت في خدمتك المنون، أتكون خلصتني من الملك أزدشير، وأدعك وحدك تسير، فانزع من فكرك هذا الخاطر، فأنا لا أمكنك أن تخاطر.
محمود :
أنا ملزوم بهذه المخاطرة، ومجبور على عدم المسايرة؛ لأني أنا العاشق الولهان، وأنت غير مكلف بهذا الشان.
ملك :
أنا غير مكلف بخدمتك، مع أني غريق نعمتك.
محمود :
أنا لا أقبل منك يا ملك هذا الكلام، وها هو قد حضر وزيرك أيها المصان.
ملك :
بشر أيها الوزير.
وزير :
اعلم أيها الخطير أني أخبرت الحكيم الدهقان بالقضية، وأفهمته أنها منوطة لأمره بالكلية، فأمر خادمه سحاب، أن يحمل هذا الأمير المهاب، ويوصله إلى مدينة الملك حسان، ويملكه زهر الرياض قسرا إذا امتنع أبوها من الإذعان، وقد أمرني أن أسلم بالنيابة عنه عليك، بعدما أظهر مزيد اشتياقه إليك.
ملك :
هذا ما كان في الحساب، وأين الآن سحاب؟
وزير :
هو يا سيدي مرصود لأمر الأمير محمود.
محمود :
ومن رصده لأجلي أيها المصان؟
وزير :
رصده الحكيم الدهقان، فقل: اظهر يا سحاب، ترى العجب العجاب.
محمود :
اظهر يا سحاب.
سحاب :
لبيك يا مهاب.
ملك :
الآن قد بلغت أيها الأمير المراد.
محمود :
نعم، واكتفيت شر جميع العباد، فأودعك الآن، متوكلا على الرحيم الرحمن.
ملك :
سر محفوظا بعين العناية، وعليك من الله أسمى وقاية.
محمود :
أسبل يا مستعان، ستار التوفيق والأمان.
الفصل الخامس (يرفع الستار عن هودج به زهر الرياض، وأربعة حرس، ووزير الصين.)
الواقعة الأولى
الجميع (لحن) :
أسفا عليك يا زهر الرياض
أن نلقى عن محياك اغتياض
أوثر الرزء لنا سهم الردي
فاتروى ظلما وقد هاض وفاض (يدخل محمود.)
محمود :
عشقت وما نظرت مهاة حسن
رمتني في وطيس الارتماضي
وها قلبي الكليم بها شفاه
من البلوى شذا زهر الرياض
وزير :
ومن أين يا هذا تعرف زهر الرياض؟
محمود :
وهل غير أعينها الصحاح المراض
تركتني حليف السهاد
فتكت بي ذات ألحاظ مراض
بمداد كلمت قلبي ففاض
يا لحزني قد جرى دمعي وهاض
وعيوني لم تذق طيب اغتماض
نديم أول :
من يا ترى هذا العشيق؟
نديم ثاني :
لا أدري أيها الرفيق، وما هو إلا كواقع في تيار، أو قابض على نار.
محمود :
أنا الذي أفنى الهجران
قلبي المهان
وا لوعتي طال الحرمان
والحين حان
من لي برت جسمي الأشجان
والصبر بان
عيني ودمعي كالغدران
في كل آن
وزير :
أأنت الأمير محمود نجل شاه العجم؟
محمود :
نعم أنا الأسير المدنف، ومن أخبرك بأمري أيها المصان؟
وزير :
أخبرنا أمس رسول الحكيم الدهقان، بأنك قادم لتخطب زهر الرياض بنت الملك حسان، ولكن أيها الأمير الأجل، قد فاتك الوبل والطل، وجئت في وقت لا يساعد الملك حسان، على إعطائك زهر الرياض أيها المصان.
محمود :
وما هو الداعي لعدم المساعدة؟
وزير :
اعلم يا ذا الفطنة الوقادة أن زهر الرياض عشقها شيطان وهبة منه أعطاها له الملك حسان.
محمود :
وا كثرة الأحزان! وأين هي الآن؟
وزير :
هي في هذا الهودج، ولسانها من الخوف يتلجلج.
زهر الرياض :
آه آه!
محمود :
أواه، وا مصاباه!
من الخوف جاءت ذات حسن بهودج
فأذكت بي النيران ذات التوهج
رنت من خلال السجف نحوي فكلمت
فؤادي بطرف ساحر اللب أدعج
وأنت، ما وظيفتك عند الملك حسان؟
وزير :
أنا يا سيدي وزيره بهرمان.
محمود :
أوتضمن لي عنده زواج زهر الرياض، إذا خلصتها وقتلت شيطانها الجرماض.
وزير :
نعم أضمن لك ذلك، إذا خلصتها من المهالك.
محمود :
وأنا بعون الملك المستعان، أخلصها وأقتل الشيطان، ولكي أحظى بلذاتي، أخاطر بحياتي.
تهون علينا في المعالي نفوسنا
ومن خطب الحسناء لم يغلها المهر
وزير :
جاء الشيطان أيها الأمير، فاختبئ قبلما يحل بك التدمير.
محمود :
اظهر يا سحاب (يدخل سحاب يقتل العفريت).
الجميع (لحن) :
زال عنك الحزن يا زهر الرياض
فارشفي كأس سرور مستفاض
وتملى يا أمير المجد في
وجنة حمرتها تحت البياض
وزير :
ما هذا البكاء أيها الأمير؟
محمود :
هو من الفرح أيها الوزير.
دمعي جرى كالسحب مذ أبصرتها
وازداد قلبي العاني في الخفقان
فاض السرور علي حتى إنه
من فرط ما قد سرني أبكاني
يا عين قد صار البكا لك عادة
تبكين في فرحي وفي أحزاني
رسول أول :
قد بلغ يا مولاي الملك حسان، أن الأمير محمود قتل الشيطان، ففرح فرحا شديد، ويأمرك أن تحضره معك أيها الفريد.
وزير :
هيا بنا أيها الأمير.
رسول ثاني :
اعلم أيها الوزير أن شاه العجم وملك الأفراح الأفخم قد بلغا مولاي السلطان أنهما في هذا اليوم يحضران، وما علم السبب، فأسرع لإجابة الطلب.
وزير :
ما هذا الخطب العسير؟
محمود :
لا تخف أيها الوزير، فمجيئهما جميعا لأجلي.
وزير :
سلمت يا سؤلي، فهيا نلقاهم بالحبور؛ فقد فاض السرور.
رسول ثالث :
أجب أيها الوزير مولانا السلطان؛ فقد جاء الحكيم الدهقان.
وزير :
مرت سحائب التهان، فأسرع يا مصان.
المنظر الثاني (الدهقان ملك العجم، ووزيره، ملك الهند، ووزيره، ملك الصين، ووزيره، الأمير محمود، زهر الرياض، الأربع ندما. هم جميعا قيام، ما عدا الدهقان جالس بالصدر.)
الجميع يقولون (لحن) :
ألبست الأوطان
ثوب الإجلال
أيها الدهقان
عند الإقبالي
وزها في الأكوان، سنا الهنا لما دنى، فرض الكمال العالي، مرحبا أهلا وسهلا، بالحكيم الكريم، معدن النبيل، نوره لما تبدي كالهلال عن نزال غيهب الويل، دمت في أوج الفخار للأنام، يا همام حاسم النيل، ومجيرا ونصيرا من أتاك، ونداك دائم السيل.
محمود :
تجلى كبدر لاح في غسق الدجا
حكيما صفا حبا وقلبا ومشربا
الجميع :
شمائله بالطيب قد فاح نشرها
فأهلا وسهلا يا همام ومرحبا
دهقان :
اجلسوا أيها الملوك العظام، والوزراء الفخام؛ فقد حسن المقام، وطاب المقام، وقد سررت بامتثالك أمري يا ملك حسان، بإعطاء زهر الرياض لهذا الأمير المصان.
حسان :
من يقدر أيها الحكيم، أن يخالف أمرك الكريم. فنرجو يا معدن البلغاء، أن تمنحنا من أنفاسك الطاهرة بالدعاء، ولنشرع بعده بالأفراح، ونحصل على الانشراح.
دهقان :
قد وجب أيها السلطان، وبالله المستعان، اسأل ممدوح الأسماء، ومحمود الآلاء، وواسع العطاء، وحاسم اللأواء، علم الأحكام والإحكام، ووسم الحلال والحرام، ادرعوا حلل الورع، وداووا على الطمع، قوموا أود العمل، وعاصوا وساوس الأمل، واكدحوا لمعادكم كدح الأصحاء، وادرعوا لأعدائكم ردع الأعداء، رعاكم الله ما صدح حمام، وهمر ركام، وطلع هلال، وسمع إهلال، وألهمكم أحمد الإلهام ، وهو المسلم والسلام، فهيا أقيموا الأفراح، من المساء إلى كل صباح.
الجميع (لحن ختام) :
قد تمت الأوطار
ولاحت الأنوار
وضاءت الأقمار
وطابت الأنغام
دم أيها الدهقان
لك العلى والشأن
بك الورى تزدان
والحكم والإلهام
أسبل ستار الفضل
علينا يا ذا الطول
وعمنا بالنيل
وأحسن الختام (والسلام) (تمت)
رواية لباب الغرام أو الملك متريدات
شخيصية ذات خمسة فصول وهي رواية أدبية غرامية حربية
الفصل الأول
الواقعة الأولى (ترتفع الستار عن هيئة برية، وبها الملك متريدات والوزير أرباط والجند.)
الجميع :
دمت يا قان العلا
ذا جلال وولا
ولك الفخر الذي
كشموس تجتلى
أنت كشاف الكروب
أنت صهار الحروب
سيفك الماضي الغضوب
كم شجاع جندلا
آن يا رومان آن
أن تروا حربا عوان
وتبوء بالهوان
والفنا والابتلا
من رماح راصعة
وسهام قاطعة
وسيوف لامعة
تردي آساد الفلا
إنهم قوم لئام
بغيهم عم الملا
ملك :
بشروا الرمان بالويل الوبيل
من حسام قاطع الحد ثقيل
كم له وقع على هاماتهم
وله عند لقاهم من صليل
أنا رب السيف والرمح الذي
يجعل الضرغام في الحرب كليل
أنا متريدات هصار الوغى
أنا ذو العليا والمجد الأثيل
ملك يرتد من سطوته
كل طود عاصم سامي وقيل
ولي الآساد تعنو خشية
ولي الإقدام والباع الطويل
لا أبالي بجموع شمترى
فرقا بين دخيل وخليل
من غضاب كلما جردته
هابه كل ضئيل وجليل
الواقعة الثانية (مونيم - وفوديم - ملك - وزير)
مونيم :
الغيرة الغيرة ... النصرة النصرة ... البدار البدار ... الثأر الثأر، من قاتلي والدي فليبوليمان، انتقم لي يا مولاي من الرومان، الذين جندلوا أبي ولوعوا بعدها كربي، وتركوني في احتراق، وحزن ولا يطاق.
من نصيري يا مليك سواك
أدام في ذروة الفخار علاك
أحزم الرزء في الحشا نار حزن
أحرقتني وأورثتني الهلاك
كن مجيري ومنقذي وملاذي
وأذل لوعتي جعلت فداك
إن بغى الرومان ألبس جسمي
ثوب سقم صاحبت فيه انهتاك
قتلوا والدي وأجروا دموعي
فانتقم لي أطال ربي بقاك
ملك :
يا حسامي آن أن أروي ظماك
من دماء العدا وأجلوا صداك
حاشا ألوي عن أخذ ثأر خليل
صادق الود ولو عدمنا الحراك
كفكفي مونيم أدمعا بلبلتني
وأبشري بالمنا ... ...
مونيم : ... ... إلهي رعاك
ملك :
ويلهم ويلهم إذا ما رأوني
ورأوا للجيوش حولي اشتباك
أن يلقوا إلى النجاة نصيرا
أو ينالوا من المنون انفكاك
إن بغي الرومان يا أرباط قد لوع فؤادي؛ فقد استشاط، لا سيما قتلهم فليبوليمان الذي كان لنا من أعز الخلان؛ فإنهم قطعوا من بيننا علاقة الوداد، وألزموني أن أنصب عليهم بجيوش كالجراد، وأقسم بهذا البتار وأعمارهم وأقلع من الدنيا آثارهم.
أرباط :
وفق الله أيها الملك سعيك، ونفذ في كل الأمور أمرك ونهيك، ولا زال سيفك في رقاب الأعداء مكين، ودمت محفوظا بعناية الله ونصره المبين، إلى غاية الزمان، ومنتهى الدوران.
الجميع :
وفق الله سراك
يا مليك البشر
ورمي كل عداك
بالبلا والضرر
دمت مصحوب السعود
بالصفا والظفر
وطئا هام الحسود
مشرقا كالقمر
سر بنا يا ذا الفخار
لبلوغ الوتر
والمنا والانتصار
بالقنا والأبتر
نحن في الحرب نبيد
كل ليث قسوري
ولنا البأس الشديد
ولنا البطش الجري
دأبنا يوم الحروب
شق هام المفتري
كم أسرنا في القلوب
شررا من سقر
هيا قان المجد هيا
حان حين السفر
وبدا النصر زهيا
في العلا كالمشتري
ملك :
قد سلمتك يا أرباط زمام السدة الملوكانية، ووكلتك مدة غيابي وكالة وقتية، فاحفظ مقام الرئاسة، والزم حقوق السياسة، وإياك أن تخابر ولدي فرناس وإكسيفار، إلا إذا حدث ما ليس في الأفكار.
أرباط :
سر يا مولاي بالأمان، والله الموفق والمستعان.
ملك :
كوني يا مونيم في راحة وسرور؛ فعن قريب بعون الله تحصلين على الحبور.
مونيم :
أعانك الله أيها المهاب، وسلمك ذهابا وإياب.
ملك :
تأهبوا أيها القواد إلى السفر، وعلى الله النصرة والظفر.
الجميع :
هيا بنا للحروب والقتال، نحن فرسان في البراري والقفار، بسيوف ورماح كالصواعق الشداد في يد الفرسان.
يا عظيم يا قدير، يا سميع يا بصير، اجعل مولانا الشهير كوكبا فينا ينير، يا عظيم يا سميع يا بصير، اجعل مولانا الشهير، كوكبا منزها علاه، نحن ما لنا مثيل، ما لنا عديل، في الحروب والقتال.
يا عظيم يا قدير، يا سميع يا بصير، اجعل مولانا الشهير، كوكبا فينا ينير.
الواقعة الثالثة (مونيم - فوديم - أرباط)
مونيم :
حكم الزمان بفرقتي
والبين ضاعف حرقتي
وا لوعتي وا حسرتي
سلب المنون أحبتي
أرباط :
مونيم ما هذا النحيب
صبرا فذا حزن مذيب
مونيم :
أرباط عيشي لا يطيب
والموت فيه راحتي
فوديم :
صبرا يا مولاتي مونيم.
مونيم :
آه نديمتي فوديم، فراق والدي فليبوليمان أثار في حشاشتي النيران، وهذه الحروب المتوالية قد أوقعتني في أشد داهية، وسئمت من الحياة والنياحة، وليس في غير الموت راحة.
فوديم :
حسبك يا مولاتي عويلا ونحيب، واطلبي الفرج من القريب المجيب؛ فإنه السميع البصير، وعلى ما يشاء قدير.
مونيم :
لا فرج يا فوديم بغير الممات، الذي هو راحتي من الحسرات، وبه الخلاص من الأحزان، ومن آفات الزمان.
لحى الله الزمان ولا رعاه
فلا يدع الصلاح بلا فساد
زمان يعقب النعمى ببؤس
ويشقي الناس في كل البلاد
فكم ألقى على الدنيا خطوبا
وكم أجرى دموعا كالعهاد
يشتت كل شمل كالمنايا
ويبدل كل قرب بالبعاد
فوا فرط انتحابي واكتئابي
لفرقة من له في القلب نادى
سهم النوى، قلبي انكوى، لما زوى، بدر منير، في سما العز استوى.
الجميع :
سهم النوى ... إلخ.
مونيم :
فليبوليمان أيا طود الفخار
ظلما سقاك البين كاسات الدمار
مولانا متريدات ركن الصبر هار
عجل بأخذ الثأر أفنانا الجوى
الجميع :
سهم النوى ... إلخ.
مونيم :
وفقه وأنصره على الأعداء اللئام
واجل ظلام الكرب عنا يا سلام
الجميع :
واسبل علينا الستر وانفي الاصطدام
فضلا فداء الحزن قد أعيا الدوام
الفصل الثاني
الواقعة الأولى (ترتفع الستار عن هيئة بيت وبه فرناس وأرباط.)
فرناس :
أحرق الحب مهجتي وكواها
بفتاة تهوى القلوب رضاها
ليس ترضى من المحب بقرب
وهو يبغي دون الأنام لقاها
ما نعتني الأيام عنها بظلم
ويح هذه الأيام ما أقساها
بهواها ترى الملوك عبيدا
ذات حسن سبحان من سواها
وصلها جئتي وطيب نعيمي
وعذاب الجحيم عند جفاها
كيف ترضى مونيم هجري وأني
لست أرضى دون الأنام سواها
كيف العمل يا أرباط بمونيم؟ وإلى متى وأنا في العذاب الأليم؟ وبأي جسارة تعاملني بأسوأ معاملة، وتوالي إلى مهجتي سهام هجرها القاتلة، مع أني أصبحت ملك هذه البلاد، وما بها من الرجال والنساء والأولاد، أما سمعت بوفاة والدي متريدات؟ أم تجهل أنها تحت طاعة أمري في سائر الحالات؟ فوحياتي إذا ما رجعت عما بها من الامتناع اختيارا، فأنا أرجعها عنه جبرا واقتدارا. فاذهب الآن وأخبرها بأني في انتظارها، وأني قد سئمت من إعراضها واعتذارها، واستعلم هل قدوم أخي إكسيفار حقيق، أم هو من أنواع الأكاذيب والتلفيق، وعد إلي بأصدق الأخبار؛ فإني لك في الانتظار.
أرباط :
أمرك أيها الأجل.
فرناس :
سر وعد بالعجل (يذهب).
الواقعة الثانية (فرناس)
فرناس :
بهجرك يا مونيم فنيت صدا
ولم أبلغ من الأيام قصدا
وأحكام الزمان علي جارت
بحبك والجفا قد زاد حدا
وحقك إنني ملك عظيم
ولكني لذا لك صرت عبدا
فلبي دعوتي كرما وفضلا
وإلا فالهلاك يكون عمدا
آه، ماذا ينفعك يا فرناس ملك اليونان والرومان، إذا ما تحصلت على مونيم ربة الحسان؛ إذ ببعدها لا نجاح، وقربها هو عين الفلاح، فلا راحة ببعدك يا مونيم، وإعراضك عني هو العذاب الأليم، فآه ثم آه من قلبك ما أقساه، كيف النجاة من الآلام، والخلاص من حرقة هذا الغرام.
كيف التخلص مما قد بليت
والدهر حاربني ظلما وعدوانا
أنا العليل ومن أبغى الشفاء بها
نوت على تلفي سرا وإعلانا
ما ضرها لو بطيب الوصل تسعفني
مونيم بعد الجفا فضلا وإحسانا
في حبها ضل عقلي عن طريق الهدى
ومن مدام الهوى أصبحت سكرانا
الواقعة الثالثة (مونيم - فرناس)
فرناس :
أهلا بك يا شمس الصباح، ومشكاة الحزن وزينة الملاح، فلا عدمتك مدا الأيام والليالي، ولا سقيت من يديك إلا كاسات الوصال.
مونيم :
ماذا تريد مني أيها الأمير المصان، فالوزير أرباط أمرني أن أقابلك في هذا المكان، فإجابة للطلب أتيت، وللأمر لبيت فسعيت.
فرناس :
أو تجهلين يا مونيم ما أنا طالب وما أريد؟ أم تتجاهلين ليزداد عذابي الشديد؟ أم تعلمي أني لا أرغب من الدنيا سواك، ولا أطلب منها إلا قربك ورضاك، فأنت مشتهاي ومرادي، وعليك دون الأنام اعتمادي، فارحمي ضعفي ورقي لانتحابي؛ فقد زاد وجدي وعظم والله مصابي.
انعمي بالوصل يا ذات الجمال
إنما الصبر عن الهجر محال
مونيم :
دون وصلي أخذ روحي فارتجع
عن سؤالي إن ذا الأمر ضلال
فرناس :
ذابت الروح بنيران الجفا
وغدا جسمي نحيلا كالخيال
مونيم :
انتبه واصحوا فقلبي قد غدا
مثل جلمود فلا ترجو منال
فرناس :
إن يك قلبك صخرا قاسيا
فمن الصخر جرى الماء الذلال
راقبي الله بصب مغرم
صال في أحشائه الوجد وصال
مونيم :
ما هذه الحالة يا سيدي؟ أعدمت عقلك؟ أم فقدت رشدك ونبلك؟ متى كنت تخاطبني بمثل هذا الكلام؟! أما تعلم بأني خطيبة والدك الهمام؟
فرناس :
أوتجهلين وفاة والدي يا مونيم؟
مونيم :
موته ما تأكد أيها الفخيم.
فرناس :
بل قد تأكد موته عندي؛ ولهذا أظهرت لك وجدي؛ لتعلمي أني بجمالك ولهان، وتبلغيني الأمل بعقد الاقتران.
مونيم :
كيف تطلب مني عقد الزواج، وأبوك أهداني لأجله عقدا وهاج، وهو علامة الارتباط، ويشهد على ذلك رجال الدولة والوزير أرباط.
فرناس :
أما قلت لك إن أبي قد مات؟
مونيم :
ارجع يا فرناس عن هذه الجهالات، ولا تشمت ما لنا من الحساد والعواذل، واخلع عنك رداء الجهالة؛ فإنه داء قاتل، وافتكر يا سيدي في العواقب، وأخرج ذاتك من ظلمة النوائب، وألزم نفسك حفظ العهد والزمام، ولا تخاطبني بعدها بكلام، يوجب عليك الملام.
فرناس :
ارحمي مونيم حالي
ذبت وجدا وغرام
في الهوى طال انتحابي
فاصرفي عني السقام
مونيم :
كف يا فرناس عني
واجتنب هذا الكلام
إن ما تبغيه مني
أضحى في الناس حرام
فرناس :
أحرقت نار الصدود
بالجفا منك وعود
يا حياة الروح جودي
لي ولا تخشي صدام
مونيم :
أيها المغرور جهلا
في الهوى قولا وفعلا
أنا لا أرضاك بعلا
لي ولو ذقت الحمام
فرناس :
ليس في هذا المقال
لك خير في المآل
أنا ما بين الرجال
ملك حاز احترام
مونيم :
يا أخي البغي كفاك
ما به خنت أباك
لا تطع جهلا هواك
وارعى للأهل الزمام
فرناس :
اتركي يا مونيم هذا الجدال، وارجعي عن هذه الأحوال؛ فامتناعك لا يجديك نفعا، ولا بد من الاقتران بك قطعا، ولا تسلي عما يحل بك من الخسران، إذا حاولتي وامتنعتي عن الاقتران.
مونيم :
ما هذه الحالة والرزية القتالة ... وكيف يمكني أن أقترن بك أيها الأمير، وأنا لأبيك دون كل كبير وصغير؟! ومن أشاع لك عن وفاته هذا الخبر حتى استندت على فعل هذا الأمر المنكر؟! وما يكون جوابك لأبيك إذا كان الأمر بخلاف؟ عافني يا مولاي وارجع عن هذه الأوصاف التي تجلب لنا الأكدار، وتلبسنا أثواب الذل والعار، وارحم مونيم الواقعة على أقدامك الطالبة الرجوع عن قصدك ومرامك.
فرناس :
طال يا مونيم أيني
وبرى جسمي الغرام
فارحميني حان حيني
وانعمي لي بالمرام
مونيم :
يا مليك الكون ارحم
حالتي وانفي العناد
أنت بي أدرى وأعلم
يا فتى دون العباد
فرناس :
بان يا مونيم صبري
وفؤادي في لهيب
فاغنمي بالوصل أجري
مدمعي أضحى صبيب
مونيم :
أنا لا أرضى لذاتي
صاحبا غير أبيك
والوفا من واجباتي
فاقتصر لا أرتضيك
فرناس :
كفى يا مونيم، كفى عني إعراضا وجفا، فإلى ما أطلب منك قربا فتطلبين مني ابتعاد، وأبتغي منك لينا وأنت لا تزيدي إلا قساوة وعناد؟! فكفاكي أيتها القاسية تجبر وازدراء، واعلمي أني سأضاعف لك الجزاء، إذا بقيتي مصرة على هذا العناد، وحاولتي سبيلا لمسالمتي والسداد، كم عاملتكي بالرحمة، فقابلتيني بالقساوة، وخاطبتكي بالرأفة فأظهرتي الإعراض والعداوة! فأمعني النظر بمن تخاطبين، وافتكري عن من تمتنعين، واعلمي أني سيدك ومولاك، وفي يدي سعادتك وشقاك. وها أنا أعرض لك يا مونيم أمرين، فانظري فيهما وميزي شانهما من الزين، وهما الحياة والسعادة بالقرب مني، والممات والشقاة بالبعد عني، فاختاري لنفسك ما يطيب، واعتمدي على السلامة دون التعذيب، وها أنا ذاهب عنك الآن، لتفضلي الربح عن الخسران، ويتم الأمر حسب المراد، ونكتفي شر هذا العناد.
الواقعة الرابعة (أرباط)
أرباط :
إن خبر قدوم أخيك يا مولاي صحيح، وعن قريب يحضر إلى هنا وترى وجهه الصبيح.
فرناس :
وسالمتك الليالي فاغتررت بها
وعند صفو الليالي يحدث الكدر
أفهمت سبب مجيئه إلى هذه الديار؟
أرباط :
لا يا سيدي، ما تحصلت منه على فرصة الاختبار.
فرناس :
أظن أنه سمع بوفاة أبيه الملك متريدات، فأتى طامعا في الملك وبلوغ الغايات، وهذه عليه أبعد مرام، ودونه حد هذا الحسام.
أرباط :
ما فهمت منه يا سيدي أدنى إشارة، وما أظن مجيئه إلا بقصد الزيارة.
فرناس :
إن كان ذائر فحبابة وكرامة، وإن كان مشاجرا فخسرا له وندامة، فسر واستعلم عن مقصده بقدر الإمكان، وارجع إلي بالخبر الصحيح في هذا المكان.
أرباط :
أمرك يا ذا الشهامة.
فرناس :
سر مصحوبا بالسلامة.
الواقعة الخامسة (فرناس - مونيم)
فرناس :
وها أنا ذاهب عنك الآن يا مونيم، لتفضلي الرجوع إلى السبيل المستقيم، وأؤمل أن أراك موافقة لي فيما أريد، لتحصلي بعدها على الرفعة والحظ السعيد، باقترانك بالملك فرناس، صاحب البطش والشهامة والبأس. (ويذهب)
الواقعة السادسة (مونيم)
مونيم :
وا كرباه، وا عذاباه ... وكيف يمكني أن أقترن بمن لا أحبه ولا أرغب أن أراه، وأعيش بعيدة عمن أصبحت قتيلة هواه، منية القلب إكسيفار، صاحب البهجة والوقار، وقرة العيون، من أورثني الشجون، وحملني الوجد والغرام، وقيدني بسلاسل الهيام، أنا ألبست على فرناس الأمر، وخادعته بالتمويه والمكر، وأظهرت له حب أبيه، مع أني لا أرغبه ولا أشتهيه، وأسأل رب الأرض والسموات، أن يلحق فرناس بمتريدات، ويبقى لي حبيبي إكسيفار، الذي تخجل لحسنه الأقمار، متى أرى طلعته البهية، وأجتني بمحاسنه السنية، إكسيفار ... إكسيفار، آه، أحرقتني النار، إلى ما أقاسي في هواه العنا، وما كنت أحصل على المنا، يا ترى عنده ما عندي من الغرام، أم هو في راحة من الهوى، وأنا حليفة السقام، أنا الأسيفة الأثيرة، أنا المظلومة الكثيرة، التي أحرمت أباها، والحبيب جفاها، وألوعها الزمان، في كل نكبة وهوان.
من مجيري من لظى نار الغرام
أو نصيري يا ترى بين الأنام
بان عني كلما أرغبه ...
وعلاني كل قهر واصطدام
والدي غالته أيدي الظالمين
وحبيبي القاسي ما كان يلين
يا حياتي رق لي قلبي طعين
واشفه بالقرب يا نسل الكرام
ما لي إلا أن أذهب إليه، وأترامى على قدميه، وأتوسل به أن يخلصني من أخيه، وأقدم له قلبي فعساه يرتضيه، وبعدها أحصل على الإيناس، بالقرب منه، والبعد عن فرناس.
الواقعة السابعة (إكسيفار - أرباط)
إكسيفار :
الدهر إن صافى فظل زائل
وله مدا الأيام ختل غائل
يا دهر كم أرديت من بطل وكم
دكت بنورك يا ظلوم جنادل
تبا لدهر جار بالحكم على
ملك بأحكام الرعية عادل
ملك رحيم في البرية كم له
من مكرمات عادلتها فضائل
فجعت به اليونان وانقطع الرجا
عنهم وحلت في البلاد مشاكل
تعسا لأيام بها ظهر الأسى
بزوال من هو للمراحم فاعل
أبكيه ما بقيت حياتي بعده
حتى أراه ودمع عيني هاطل
واه، وا حزناه! من خبر كلم فؤادي، وأضاع عقلي ورشادي، أسفا عليك يا ولدي متريدات، يا من جددت بفراقه الحسرات، قتلك فرقة الطغيان، وأورثتني بعدك الأحزان، آه من الدهر وبلاه القهر.
أرباط :
ارفق بنفسك أيها الأمير.
إكسيفار :
عظمت كروبي أيها الوزير، ولاعني البين أشد التياع، وحملني الدهر خطوبا لا تستطاع، وأعظم من هذه الخطوب والكروب، عداوة أخي الكنود العضوب، وأحقاده التي هي ينبوع الشرور، وتجده أن يكون ضدي في جميع الأمور، وحيث إنه منافق وأنا متق، فبعيد علينا أن نتفق.
أرباط :
وما سبب عدم الاتفاق؟
إكسيفار :
أوتجهل غدر أخي والنفاق اللذان انطبع عليهما، ولا ينفك لحظة عنهما، أما كنت تنظر بغضه لي ولوالده في كل آن، وحبه الزائد ورعايته لأعدائنا الرومان، أما هو السبب في موالات الحروب والقتال، والذي جرأ الرومانيين على أقبح الفعال، أما كان ينقل لهم أخبارنا ويحرضهم دائما أن يخربوا أمصارنا، ويحترم دائما أمورهم، ويروح غامضهم ومشهورهم، أما هو مشهور لدى جميع البرين أن جميع حركاته رومانية، أما هيج الشعب ضد والده مرارا، وزين لنا المخالفة مع أعدائنا الأشرار، ومع هذا المكان يظهر الحب الزائد لأبيه، ويفعل شرا كلما يكدره ويؤذيه، وحيث الآن قتل والده وبلغ المراد، فلا بد حالا ما يظهر لي العناد، ويفوق على هذه الأسباب سبب واحد، يجبر أخي أن ينصب لي أشراك المكائد، وتدور رحى المفاضلة، لتحصل بيننا المقاتلة.
أرباط :
وما هو السبب الذي يجبر أخاك أن ينصب لك الشرك؟
إكسيفار :
آه ... هو شيء كتمته في صدري، وسيصحبني يا أرباط إلى قبري، وهو حبي لمونيم ذات القوام القويم، الذي خلد لوعتي، وأطلق عبرتي، وأثار النار في فؤادي، وحرمني لذة رقادي، ورهبا من والدي متريدات، كنت أكتمه وأكابد الحسرات؛ ولهذا طلبت من أبي مقاطعة كلسوس، فأجاب طلبي وصرت حليف النحوس، واخترت البعد عن الإقامة؛ لأسلم من غوائل الملامة، وكذل أعطى أخي مقاطعة البون، لما رأى من المخالفة والجنون، وقصد عدم رؤيته والراحة من ثقالته، ومنذ حكمت في كلسوس إلى الآن، وأنا في وطيس الكروب والأحزان، رقادي سهادي ورشادي فساد، وسروري كمد وحبوري نكد، وأعظم شيء أوهن من الجنان، هو أيها الوزير الكتمان، خشية من أبي أن يعجل عطبي، وحيث الآن قتل والدي وشرب كأس الدمار، حضرت لانتقم من أعدائه الأشرار، وبعد حين من الزمان، أعرض لدى مونيم قلبي المهان، وأظهر لها وجدي المكين، فعساها تقبلني لها قرين، وأعيش معها بالصفاء، حاصلا على الراحة والشفاء.
أرباط :
مونيم يا سيدي لا ترغب سواك، وقصار آمالها أن تراك.
إكسيفار :
وأنا بغيتي رضاها، ولا أشتهي قرينة سواها، ولكن أيها الوزير، بلغني أن أخي الخئون الحقير، أظهر لها الحب والتسهيد، وانخلط عليها بعنف شديد، ومراده أن يجبرها على الاقتران، إذا قابلت طلبه بغير الإذعان.
أرباط :
نعم يا سيدي، وقع ذلك من أخيك، ولكنها رفضت طلبه رغبة فيك، وأظن أنها لا تجيب له طلب، ولو أذاقها أنواع العذاب والعطب.
إكسيفار :
وأنا لا أسلمها له مدا الزمان، وأجبره ألا يذكرها تجاه إنسان، فسر وبشره بضد مراده، وحذره أن يرجع عن غدره وعناده، وإلا أسقيه كاس الدمار، من حد هذا البتار، إذا خالف مقاصدي ولو مرة، أرجع عليه غدره وشره ... وأنت من الآن، فاختار لنفسك سيدا منا، أو فاعتزل في كل الأمور عنا، وجانب كل حسن وقبيح، لتعيش صريحا ومستريح.
أرباط :
ما هذا الكلام يا سيدي إكسيفار؟ أتظن أني سواك أختار، وأعيش في ظل غيرك، وأتنعم في خير غيرك وبرك؟ وغاية مقصدي يا ذا المكارم أن تقبلني لزهنك خادم.
إكسيفار :
أنا أقبلك أيها الوزير، وأرضاك لي سميرا ومستشيرا، وأجعلك في سائر الحالات محل والدي الملك متريدات، فسر وأخبر مونيم بحضوري، وحذر فرناس أن يعاكسني في أموري، وعد إلي بالجواب.
أرباط :
أمرك أيها المهاب (ويذهب).
الواقعة الثامنة (إكسيفار)
إكسيفار :
الحب قد رشق الفؤاد بجمرة
فغدوت من نار الغرام بحرقتي
مونيم جودي بالوصال فإنني
أهوى المنية كي تخف بليتي
إن الممات لمغرم ألف الجوى
هو راحة ومتى أفوز براحتي
مونيم، ما هذا التجافي
رقي فذا الإعراض كافي
حسب اللقا يا نور عيني
منك توافيني وصافي
كم ذا التجني والبعاد
يا منيتي ضاع الرشاد
أنت المنا والمراد
ووصلك للقلب شافي
الواقعة التاسعة (إكسيفار - مونيم)
مونيم :
جورا على قلبي حكم
دهري بالأذية صدر
وبات قلبي في ألم
وقلب من أهوى حجر
إكسيفار :
مونيم ماذا الارتباك
مونيم :
فرناس لي نصب الشراك
دخيلة وافت حماك
أغثها ... ... ...
إكسيفار : ... لا تخشي ضرر
مونيم :
يا سيدي كن مشفعا
لحالتي ومنصفا
أصبح جسمي تلقا
وأنت لا تدري الخبر
إكسيفار :
أبشري يا مونيم بالمنا، والسلامة من كل عنا، واشرح لي ما نابك من فرناس، لألحقه بسكان الأرماس.
مونيم :
اعلم يا سيدي، أنه أتى مشهرا خبر وفاة أبيه، وكلفني به الاقتران، مع أني لا أرغبه ولا أشتهيه، وعن قريب يحضر إلى هذا المكان ليجبرني قهرا على الاقتران، أو يذيقني الدمار، إذا خالفت ما يختار.
إكسيفار :
كفى، كفى يا مونيم هذه الدموع، وستنظرين رأس فرناس مقطوع، ورأس كل مقعد مهان، من اليونان والرومان، ولا بد ما أشق الصفوف، وأبدر المئات والألوف، وأرجعهم جميعا إلى الأعقاب، وألجئهم إلى الكهوف والأشعاب، وأذيقهم كاس العطب ، بحد هذا المشطب.
أنا البطل الذي خضعت لسيفي
بنوا الدنيا كما خضع الزمان
إذا هاجت بحور الحرب يوما
أخوض بها ولا عاش الجبان
فكوني يا مونيم بطيب عيش
ومن كيد الأعادي لك الأمان
وسوف ترين لي في الحرب سيفا
يقد الهمام إن وقع الطعان
مونيم :
لغير علاك لا يعنو العنان
ويخشى السيف بأسك والسنان
أيا رومان سوف ترون قيلا
له ملا الدنيا والإفك شان
ويا فرناس خاب رجاك فاقصر
وعد بالخسر حاق بك الهوان
رعاك الله يا مولاي فاسلم
بعز ما أنار النيران
إكسيفار :
ستنظرين يا مونيم فعال إكسيفار، وكيف يحصد رءوس أعدائه الأشرار، وكذلك أخي فرناس ... أخي فرناس، أخمد منه الأنفاس، وأذهب روحه إلى صقر، إذا بقي على غدره والأثر ... ولكن يا ذات الجمال، أتسمحي لي بعدها بالوصال، وتبقليني لك قرين، وتنقذيني من هذا العذاب المهين؛ لأني قتيل عينيك، وأسير بين يديك، فارحمي يا مونيم حالي، وأصرفي حرقتي وبلبالي، واعلمي أن سعادتي في رضاك، وشقاوتي في هجرك وجفاك، فعامليني بالإحسان، وخلصيني من الأحزان، وتأكدي أني أموت قتيل الغرام، إذا رفضتي مسألتي والسلام.
بقربك يا مليحتي أسعفيني
فوصلك راحتي وجفاك أيني
لقد هدم الجفا أركان صبري
وقلبي على جمر الشجون
فرقي وارحمي حالي فقلبي
لقد لعبت به أيدي المنون
وقد أصبحت مأسور التصابي
وليس سوى اللقا منك معيني
مونيم :
دعيني يا خطوب وفارقيني
فقد قرت بما تهواه عيني
ونلت مناي من محبوب قلبي
وحاسم لوعتي ومبين بيني
فيا بشراي أتحفني زماني
بدرة عقده الزاهي الوصين
فما أحلاه لما قال لطفا
بقربك يا مليحة أسعفيني
أنت يا سيدي تحب مونيم؟
إكسيفار :
نعم، نعم، وبسيف لحظها كليم.
مونيم :
وا فرحاه.
إكسيفار :
بعد ترحاه (يتعانقا).
الاثنين :
بشرى لنا نلنا الأماني
وأشرقت شمس التهاني
طب بالصفاء آه يا جناني
قد نلت لذات التداني
يا فرحتي لاحت سعودي
ترهوا على رغم الحسود
ونلت من ورد الخدود
لثما من الوجد شفاني
الواقعة العاشرة (إكسيفار - مونيم - فرناس - جند)
فرناس :
سلامي على ذات الجمال التي سبت
معاطفها الأغصان بالتيه والعجب
وتاقت على البدر المنير بوجهها
ضياء وضنت بالتواصل والقرب
فهيا بنا يا منية القلب للقا
فقد آن وقت الأنس يا ظبية السرب
مونيم :
يا طالبا مني الوفا
النجم منه أقرب
كدرت أوقات الصفا
مني وعز المطلب
فرناس :
إلى متى هذا الجفا
وأنا بقربك أرغب
كفاك مونيم كفى
لا شك قلبي يغضب
مونيم :
اعلم يا سيدي، أني لا أقترن بك لأسباب، إذا أردت معرفتها فأنا أشرحها لك يا مهاب.
فرناس :
اشرحي لي جل أفكارك، ولا تبقي شيئا من أسرارك.
مونيم :
إن لا يخفاك أيها الريبال، أني من نسل ملوك وأبطال، وأبوك خطبني من أبي من منذ سنين فأجاب طلبه؛ لسمو نسبه ونسبي، وقبل عقد الزواج حدث ما يسبب الانزعاج، وهي الحروب السالفة بين أبيك والرومان، وكان من المحاربين مع أبيك أبي فليبوليمان، فأسر وقتل تحت اسم أبي مونيم قرينة عدوهم والدك الملك الفخيم، والآن قتلوا والدك الملك متريدات، وجددوا لي المصائب والحسرات، فما كفاني ذلك قهرا حتى أقترن بك عنوة وجبرا، وأنت أول متحد مع الرومان الشاحذين سيوف البغي والعدوان، فحول أفكارك عني أيها العاتي، ودون اقتراني بك ذهاب حياتي.
فرناس :
ومن أخبرك أني متحد مع الرومان؟
مونيم :
اتحادك مع الرومان لا يجهله إنسان، وأكبر دليل على ما قلته يا ذا الشئون اختلاط عساكر الرومان بعساكر البون، مع أنك أميرها وحاكمها وكبيرها، فوجود هذه الأسباب هي المانعة من الاقتران، فدعني بالله عليك وشأني، ولا تزدني حزنا فوق أحزاني.
فرناس :
لا لا ... إن أسباب رفضك الاقتران لا لكوني متحد مع الرومان، بل لأسباب فهمتها الآن، وستكون عليك وبالا وخسران.
إكسيفار :
مهما كانت أسباب امتناعها تكون، وأنت ما حملك على إجبارها يا خئون، مع أنها لا ترضاك ولا ترغب أن تراك؟!
فرناس :
التزم حدك يا ذميم، ولا تعارضني في أمر مونيم.
إكسيفار :
وكيف لا أعارضك بأمر هو عين العار، وألبستنا أثواب الفضيحة والشنار، وماذا تقول يا ترى الملوك والأمراء إذا سمعوا بهذا الفعل الذي لا تفعله الجهلاء، أما يجب عليك أن تقدم على شهوتك الانتقام من قاتل والدك يا قليل الزمام، فاصحوا من سكرتك والذهول، وارتجع عن هذا الزيغ يا جهول، وبادر لأخذ الثأر من أعدائنا الرومانيين الأشرار ، وبعد بلوغ الآمال لكل مقام مقال.
فرناس :
وها أنا في احتياجك أيها المهان، حتى تشور علي بإشهار الحرب على الرومان، ومن أنت أيها الجبان من الأبطال، حتى تطلب مني إشهار القتال، أما تعلم أني ملك اليونان والرومان، والمتصرف المطلق في جميع البلدان، أوتجهل أني ملكك ومولاك، والمذيق لك إن خالفتني الهلاك، فاحذر أن تفوه بشيء أمامي، وإلا أذقتك المنون من حد حسامي.
إكسيفار :
وبأي جسارة يا أنذل الأنام، تهدد مثلي بهذا الكلام، وتعلمني أنك ملك عظيم، وشيء غليظ جسيم، أتظن أني أخافك أو أخشاك، أو أرهب بأسك لي يا أفاك، فدونك مبارزتي وقتالي، لتذوق الموت من نصالي.
فرناس :
صه يا جبان وجعبة الإظعان ... دونكم هذا النذل فاقتلوه، وإلى نار الجحيم أرسلوه.
إكسيفار :
ارجعوا يا لئام، قبل أن تذوقوا الحمام ... وأنت ما أوقفك يا جبان عن الحرب والطعان، فبادر إن كنت من الأبطال، لترى من حسامي الأهوال.
فرناس :
ألك أيها الأحقر، حسام بين الرجال يذكر، أم حسبت أني امتنعت عن قتالك ارتياع، فما هو وحياتي إلا احتقارا بك يا بلكاع.
إكسيفار :
دع عنك يا جبان هذه الأعذار، وأسرع لشرب كأس الدمار.
في الحرب تعرف يا فرناس أفعالي
وليس تخفى على الفرسان أهوالي
إن كنت تجهلها فاليوم تعرفها
حقا وتدرك مني صدق أقوالي
أنا الشجاع الذي تعنوا السباع له
وتختشي في الرحى من طعن عسالي
فرناس :
صه يا مهذار، وحذاري حذار؛ فقد أسأت الأدب، وجزاؤك حد هذا المشطب.
أنا الذي لا يهاب الموت إن سعرت
نار الوغى بين أبطال وأقيال
أنا المنون لمن يبغي مخاصمتي
وهمتي ترشق الدنيا بزلزال
دع عنك ما أنت مني الآن طالبه
أو تسقي كأس الرد من حد فصال.
إكسيفار :
سترى من يسقى الردى، ويذهب سعيه سدى (يتبارزان).
يا ساقط الهمة خذ ضربة
من صارم تسقط منه الجبال
فرناس :
وأنت خذ أعظم منها فلا
أظن تلقى مثلها في القتال
إكسيفار :
كذبت يا ندل بما قلته
فأنت عندي في قدم خيال
فرناس :
كن مستعدا والقى مني أبتر
حربا شديدا يردي أسد الدجال
مونيم :
إلهي، ما هذا البلاء العظيم والخطب الجسيم، ارحمهما يا بديع السموات، وخلصهما من البليات ... (لحن)
بالله ماذا الاعتدا؟
الجميع :
يا أخوة صاروا عدا.
مونيم :
أرواحنا لكم فدا.
الجميع :
يا ربنا أكفيهما شر العدا. أمان، أمان، أمان، أمان.
مونيم :
هيا اتركوا أمر الجدال.
الجميع :
واسقوا أعادينا النكال.
مونيم :
بالله أصغوا للمقال.
الجميع :
وبادروا لأخذ ثأر الوالد الشهم الهمام. أمان، أمان، أمان، أمان.
الواقعة الحادية عشر (أركاس - مونيم - فرناس - إكسيفار - جند)
أركاس :
لكم البشرى أيها الأميران.
فرناس :
ما الخبر يا أركاس؟ عجل بالبيان.
أركاس :
إن شاطئ البحر قد امتلأ بالعساكر من سائر الجهات، فذهبنا لكشف الخبر فرأينا والدك الملك متريدات وهو مقلد بحسامه المشطب، وخبر وفاته قد تكذب.
إكسيفار :
والدي قد أقبل؟
أركاس :
نعم أيها الأكمل، وقد نزل لملاقاته الوزير أرباط وجميع رجال الدولة بكل انبساط، فبادرا لملاقاته، لتحصلا على مرضاته (يذهب أركاس).
الواقعة الثانية عشر (فرناس - إكسيفار - مونيم - جند)
إكسيفار :
قد منعتنا يا مونيم الأقدار، عن بلوغ الآمال والأوطار.
مونيم :
نعم أيها الأمير الأجل، خاب القصد والأمل، وتأكدت ألا خلاص من أبيك ولا مناص، فأستودعك الله أيها الأمير.
إكسيفار :
اذهبي بكلاة السميع البصير (تذهب مونيم).
الواقعة الثالثة عشر (إكسيفار - فرناس - جند)
فرناس :
وأنا بقدوم أبي خابت مقاصدي، وتوارت سعودي، وفقدت مساعدي، وأصبحت عرضة للأخطار، من غضب والدي العنيد الجبار ... فاذهبوا الآن أيها الجند؛ لأن لي مع أخي قصد (يذهبوا الجند).
الواقعة الرابعة عشر (فرناس - إكسيفار)
فرناس :
قد مضى ما مضى يا إكسيفار، وعلينا الآن أن نستخدم الأفكار، لنخلص من العذاب الشديد، وغضب والدنا الجبار العنيد؛ لأنك تعلم قساوته وجبره وعداوته، خصوصا إذا علم ما جرى بنينا وبين مونيم، فيوقع بنا كل ضرر وبلاء جسيم.
إكسيفار :
وأنا ما جرى بيني وبين مونيم؟
فرناس :
أحسبت يا إكسيفار أني صميم، أما سمعت كلامكما عند الوداع، وصار لي عن حالك وحالها اطلاع، ولكن فلندع هذا الأمر لوقت آخر، وندبر أمور، نحصل بها على الحبور.
إكسيفار :
وما هو التدبير يا سديد الآراء ؟
فرناس :
التدبير أن ... أن نقتل آبانا ونخلص من العنا، قبل أن يبطش بنا، ويوصل إلينا ما يؤذينا، وأنا وأنت نملك جميع البلاد، ونحكم على سائر العباد.
إكسيفار :
دع يا فرناس هذا المقال، ولا تتمسك بأذيال المحال، فمهما كانت طباع والدي ردية، فأنا لا أطاوعك في أمر يوصل إليه أدنى أذية، وهل أنا عديم النخوة بهذا المقدار، حتى تكلفني قتل والدي يا غدار، أما هو ينبوع ذاتك وذاتي، والسبب في حياتك وحياتي، فأنا لا أتجاسر على فعل ذلك، ولو سقاني والدي كئوس المهالك، ولا أقدم له غير الطاعة والاحترام، مع عدم مخالفة أوامره على الدوام، وأنا أبشرك بأنك لا تسود ما دمت مصرا على هذا البغي يا جحود.
فرناس :
اعف يا إكسيفار عني، واكتم ما سمعته مني؛ فقد اعترفت بأوزاري، وارتجعت عن أفكاري، وأعاهدك ألا أخرج بعدها عن طاعة أبي، ولغير مرتضاته لا يكون طلبي، وحيث علمت أمرك وعلمت أمري، فأكتم سرك وتكتم سري، والناجي منا لا يتخلى عن أخيه، إذا أبصر عين الغدر من أبيه.
إكسيفار :
هذا الأمر أعاهدك عليه، وتنجح جميع أفكاري لديه؛ لأنه عين صلاحك وصلاحي، وبه نجاحك ونجاحي.
فرناس :
هيا إذن لملاقاة أبينا، الله يحفظه ويحمينا (لنفسه) : إن أبقيت عليك أو على أبي، فلا أكون فرناس أيها الغبي.
إكسيفار :
ولم توقفت عن الذهاب؟
فرناس :
هلم أيها المهاب.
الاثنين :
أتى ذا الملك مولانا المعلى
فغض الطرف عن ملك المعالي
وها نحظى بلثم الكف منه
وربي سابل ستر الأمالي
الفصل الثالث
الواقعة الأولى (ترتفع الستار عن هيئة تخت ملوكي، وبه الملك والوزير وإكسيفار وفرناس وأركاس والجند.)
الجميع :
مظهر لسعد تجلى
فوق أفلاك الكمال
وبه الكون تحلى
وازدهى وجه الجمال
يا ليالي الأنس عودي
عاد سلطان الوجود
بعلامات السعود
والمعالي والجلال
ملك سامي المناري
ذو وقار واعتبار
دام في أعلا فخار
فائقا نور الهلال
ملك :
زمان لعوب بهذا الأنام
وكل يود نوال المرام
وما كل سار يحل بالديار
وما كل طير يطول الغمام
وما كل عان ينال مراما
وما كل عين تذوق المنام
فما الدهر إلا ظلوم خئون
كثير التعدي قليل الزمام
كليث الدحال يرينا ابتساما
ويبطش من بعد ذا الابتسام
نود الدفاع بدر التأني
فيغزي الدروع بسيف الصدام
فيا قلب صبرا ولا تيأس
فإني صبور جسور همام
ما فهمت السبب الذي ألجأكما يا إكسيفار لأن كلا منكما يترك مقاطعته ويأتي إلى هذه الديار.
إكسيفار :
السبب في مجيئنا أيها الولد الجليل، هي أكاذيب أهل العدوان والأضاليل، التي أشاعوها في جميع البلدان، بأنك قتلت في بلاد الرمان؛ ولهذا جئت وجاء أخي فرناس، وكل منا لا يعي على أحد من الناس، وعزمنا على الانتقام وأخذ الثأر من أعدائنا الرومانيين الأشرار، وفي أثناء عزمنا على هذا الأمر، وردت لنا البشائر، بتشريفك من البحر، فحمدنا المنعم الراحم، الذي ردك إلينا سالم، وأسرعنا لملتقاك؛ لنحصلا على رضاك، فهذا يا صاحب البطش والبأس، السبب في مجيئي ومجيء أخي فرناس.
ملك :
أصادق أخوك يا فرناس؟
فرناس :
نعم يا معدن الإيناس، هذا الخبر الذي سمعناه، والأمر الذي قصدناه، وقد اكتفينا والحمد لله العظيم، بتشريفك سالما من كل خطب جسيم، ونسأله تعالى أن يحفظ ذاتك العلية من الزمان، وينصرك على الأعدا في كل آن ومكان. - أنا لا أشتبه بصدقك يا فرناس، ولا بصدق أخيك الخالي من الأدناس، وحيث إني رجعت مكسور، وخائبا مقهور، وقد سمحت الإرادة باجتماعنا بعد مشقاة عظيمة، وحروب هائلة وخطوب جسيمة، فأرغب أن أتمتع قليلا بالراحة، وأخبركم بعدها بما ترغبون إيضاحه، وندبر أمور نحصل بها على النجاح، والفوز على الأعادي بعناية الملك الفتاح، فاذهبا بالسلامة الآن، وحين الطلب تحضران (يذهبوا الجميع ما عدا الملك والوزير).
الواقعة الثانية (ملك - أرباط)
ملك :
إلى ما يميل الحظ عني ويرغب
وأطلب منه نصرة وهو يهرب
وأستقبل الأيام وهي عبوسة
وأستضحك الآمال وهي تغضب
حسامي وعزمي لم أجد لي سواهما
معينا إذا ما غر سعديا مطلب
ولا بدع إن صادفت أعظم شدة
بما أرتجي فالحر يشقى ويتعب
فوا عجبا ممن أود لقاءها
فمني لها قرب ومنها تجنب
ألين لها قلبا وأرضى بحكمها
علي فتقسوا كل حين وتغضب
إنني بعد معاناة الحروب، ومقاساة الأهوال والكروب، قد رجعت إلى الوطن، وأنا في تيار الأجن، من القهر والكسر، وعدم الفوز والنصر، فرأيت ولدي الخائنين، قد حضرا إلى هنا بكل قبح وشين، لما شاع عني من الأخبار، بأني شربت كأس الدمار، ولكن رجوعي سالما إلى الأوطان، ألجأهما إلى التزوير والبهتان، فاكشف لي يا أرباط جميع الأسرار، التي فقهتها من فرناس وإكسيفار، وحذاري من الكتمان؛ لنأمن الخسران.
أرباط :
إن أول من أتى هو الأمير فرناس، وأشاع خبر قتلك بين عموم الناس، وبقينا مدة بين الشك واليقين، إلى أن حضر الأمير إكسيفار آسفا حزين، وأكد لنا بفزارة دموعه وشدة احتراقه وعدم هجوعه.
ملك :
وما فعلا بعد ذلك؟
أرباط :
إكسيفار أيها المالك أزعم على الانتقام من الرومان، وفرناس مانعه عن ذلك الشأن، أملا أن يطرده من هذه الديار، ويقترن بعدها بمونيم ذات الافتخار، ويصير ملكا وسلطان، وحاكما على جميع اليونان والرومان.
ملك :
وهل اجتمع فرناس بمونيم؟
أرباط :
نعم أيها الفخيم؛ فإنه بحال وصوله استحضرها وطلب اقترانها بعدما أخبرها بأنك أيها المصون، قد سقيت كأس المنون.
ملك :
وما كان جواب مونيم لفرناس؟
أرباط :
مونيم يا سيدي أرجعته باليأس، بعدما تهددها بالإعدام، إذا رفضت قصده والمرام.
ملك :
آه يا لك من ولد خئون، أهكذا سول لك الجنون، وجرأك على خيانة أبيك، فأبشر يا فرناس بما لا يرضيك، من حد هذا الحسام الذي يذيقك الحمام. وإكسيفار ما تعرض لمونيم؟
أرباط :
لا يا مولاي الفخيم، إكسيفار ما زاع أسراره، ولا أوضح أفكاره، ولا أبصرنا منه سوى الاهتمام، والرغبة في الحرب والانتقام.
ملك :
بالحرب والانتقام، سنستوضح المرام، ونميز الصدق من التزوير، بعون الله أيها الوزير.
أرباط :
أنت يا مولاي أعلم بفرناس الجري، وأدرى بإكسيفار البري، وأنا أخبرتك بالظاهر، والله أعلم بالسرائر.
ملك :
أنا لا أشك ببراءة إكسيفار، وما عنده لي من الطاعة والاعتبار، ولكن ذلك كان من قديم الزمان، وأما بعدما سمع بوفاتي، ربما صار كأخيه عاتي، فلا بد من الفحص والتدقيق؛ لنعرف العدو من الصديق، ونقابل العدو بالإعدام، والصديق بالإحسان والإنعام. آه من زماني الغادر الخوان، كيف أوقعني في أشراك، وحملني على بلاء وارتباك، وظفر أعدائي، وطال عنائي، وجرأ ولدي على فعل الزيغ والغي، فأزعما على الخيانة وقلة الحفظ والأمانة.
لا يرتجي المرء حفظ الود من أحد
ولا يعول في الدنيا على ولد
فالغدر في الناس طبع لا يغيره
شيء فيا قلة الإنصاف والمدد
هم والزمان على نهج الفساد سروا
في كل حال وقد ضل عن الرشد
كيف التخلص مما قد بليت به
وقد تجردت عن صبري وعن جلدي
أرباط :
قد أقبلت يا مولاي مونيم.
ملك :
سر من هنا أيها الفخيم؛ لأحظى بها وحدي، وأبذل في تقريرها جهدي.
الواقعة الثالثة (ملك - مونيم)
مونيم :
بزغ الهنا بالطالع المسعود
وأضاءت الدنيا بخير وقودي
يا أيها الملك المعظم شأنه
لا زلت بالتوفيق والتأييدي
شرفت ملكا أنت عين حياته
يا غاية المأمول والمقصودي
ملك :
أهلا وسهلا يا مونيم ومرحبا
بك بالتقرب منك أكبر عيدي
إن ساءني دهري ببعد محاسن
عن ناظري فالقلب غير بعيدي
مونيم :
أهلا وسهلا ومرحبا
ملأت ذا الكون شعاع
وتفرقت أيدي سبا
أكدارنا بالاجتماع
ألبستنا ثوب الهنا
بعد العنا والانقطاع
ونلنا غاية المنا
بالقرب يا ذا الارتفاع
ملك :
أنا لا أقدر أن أصف لك يا مونيم، أشواق قلبي الكليم، الذي لاعه الهوى، وألهبته نار الجوى، وأرغب بعد هذا الفراق، أن نجمع أيام التلاق، بتهاني الاقتران، قبل عواقب الزمان؛ لأني رجعت مكسور، وخائبا مقهور، وعازم بعد حين، بمدد الله المعين، أن أستعد لقتال الرومان، وآخذ لك بثأر أبيك فليبوليمان، فبادري الآن للسعادة، وحصول الفوز والإفادة، قبل موانع الدهر، الذي طبعه الغدر والكدر.
مونيم :
أمرك يا رب العلا
عندي هو الأمر المطاع
فأنت سلطان الملا
وأنت قناص السباع
إني لهذا بانتظار
وليس لي عنه امتناع
وبه حبوري والفخار
وسعادتي والارتفاع
ملك :
حيث الأمر على هذا المنوال، فهيا بنا إذا لعقد الاقتران في الحال ... ولم توقفت عن الذهاب؟ هل لك مانع؟ ما الجواب؟
مونيم :
لا يا سيدي ليس لي مانع ... ولكن ...
ملك :
ولكن ... ما هذا الدمع الهامل؟
مونيم :
حزنا يا ملك الزمان، على والدي فليبوليمان؛ فهذا الذي أجرى دموعي، وأحرمني لذة هجوعي، وعلى كل لا أرغب عما تريد ... ولا ...
ملك :
ولا ... الخلاصة بلا ترويد.
مونيم :
الخلاصة ... أن ...
ملك :
أن لا ترغبين غير فرناس المطبوع على الأدناس.
مونيم :
ما هذا الكلام أيها الجرفاس؟ وما أخبرك أني أرغب فرناس؟
ملك :
امتناعك يا فاجرة، روغانك يا خاسرة، أحسبت أني ما أخذت الخبر، وعرفت ما جرى وتدبر، بينك وبين فرناس، المخاطر الخناس، وكيف تجاسرتي على نقض الزمام، مع أنك لي من سنين وأعوام.
مونيم :
لا تظلمني أيها الهمام، أنا ما نقضت لك ذمام، ولا اجتمعت بفرناس، ولا بأحد من الناس، وأعلم أني مسلمة لك من أبي، ولغير قربك لا يكون طلبي، فأمرني بما تريد يا ذا الشجاع، ولا يكون جوابي لك سوى الطاعة.
يا مليك الكون مالي
مقصدا إلا رضاك
وأنا في كل حال
لم أزل تحت لواك
لست أعصي لك أمرا
يا فريدا في الزمان
كل من في الكون طرا
يرتجي منك الأمان
ملك :
وكيف أنكرت اجتماعك بفرناس؟ مع أنه أرشفك من حديثه أطيب كاس، ووعدك أن يجعلك ملكة اليونان والرومان، إذا أجبت طلبه وقبلت به الاقتران.
مونيم :
نعم يا ملك الزمان، ما تفضلت به كان، ولكني كتمت عليك الأمر، لما رأيتك مغموما من القهر، وقصدت ألا أزيد على الكرب كربا جديدا، فهذا يا ذا الفخار ما جبرني على الإنكار، وها أنا لك الآن مطيعة، ولأوامرك سميعة، ومهما ...
ملك :
ومهما ... والغاية؟
منيم :
الغاية بلا شك لا أرغب غيراك ... إك ... إكليل المجد والتعظيم، الذي سأناله بقربك أيها الفخيم.
ملك :
قد لاح لي منك أمور، توجب البغضاء والنفور، وهي التردد في الكلام، وعدم إظهار المرام، فأوضحي لي جل أفكارك، وأنا أبلغك جميع أوطارك.
مونيم :
أنا ما لي أفكار إلا ...
ملك :
يا إكسيفار.
مونيم :
ما هذا الاتهام والوسواس؟! أنا لا أرغب إكسيفار ولا فرناس، وجل ما أرغبه وأتمناه، اقتراني بك بلا اشتباه ، فعجل بما تريك، وأنا لأمرك كالعبيد، لا أعصي لك أمر، ولو ألقيتني في الجمر.
ملك :
آه يا باغية.
مونيم :
ما هذه الداهية؟
ملك :
شبهتي الاقتران مني بالجمر، وما هبت يا عظيمة الوزر، أني أقتلك وأقتل إكسيفار وفرناس وأسقيهم كئوس الدمار.
سريرة فكري سوف تظهر للورى
وتعرف أبناء الزمان مآلها
وسيرته من خان العهود عن الورى
إذا حملته النائبات جبالها
لا بد ما أبدأ بقتل فرناس، المتصف بالخيانة والأدناس، وأعجل لك بعدها الانتقام جزاء لك على ارتكاب الآثام.
زماني وأولادي وأهلي تعمدوا
نكالي وكل لاح لي زيغ ختله
ستنظرين فرناس الخئون مجندلا
جزاء له مني على سوء فعله
تصورته في باطن الأمر صادقا
فبان كذوبا مستحقا لقتله
وعن شكوتي لا يفيد بغاية
وهيهات أن ترجى النجات لمثله
وبعده ... ... ...
مونيم : ... مليكي، زيغ فرناس ظاهر
عن الرشد فاقتله على سوء فعله
ومن لإكسيفار بالعفو والرضى
فأفعاله بالصدق عنوة قوله
ملك :
إكسيفار صادق؟
مونيم :
نعم يا سيدي وموافق.
ملك :
آه يا خائنة، آه يا شقية، ما هما وحياتي إلا أشقى البرية، فرناس غدار، وإكسيفار ... إكسيفار ... أحضروه بالعجل.
جندي :
أمرك أيها الأجل.
مونيم :
إلهي ما هذا العمل؟ ماذا تريد يا مولاي من إكسيفار؟ اقتلني عوضا عنه، آه، أحرقتني النار، أعفي عنه فإنه بري.
ملك :
صه.
مونيم :
ضاعت أفكاري.
الواقعة الرابعة (ملك - مونيم - أرباط)
أرباط :
قد شاع يا مولاي خبر قدوم الرومان، وقبل أن أقف على الصحيح، أتيت لأخبرك يا ذا الوجه الصبيح.
ملك :
ومن أشاع ذلك الخبر؟
أرباط :
قد أشاعه يا مولاي معظم العسكر، فيلزم أن تتدارك الأمر قبل ما نقع في الخسر.
ملك :
غارت علي جيوش الهم والكدر
والدهر قد قد مني درع مصطبري
ولم أجد لي على خطب أكابده
عونا وصار قلبي حادث الخطر
فخانني من عليه كنت معتمدا
حتى أراني لا أنفك عن حذر
قد جرت يا دهر فيما أنت فاعله
ونار شرك لا تخلو من الشرر
إن الليالي أتتني في عجائبها
وحادثات الأسى قد جبرت فكري
ولم أر في سما حظي سوى زحل
حتى تريني ضياء الشمس والقمر
اتبعني أيها الوزير.
أرباط :
أمرك أيها الخطير.
الواقعة الخامسة (فوديم - مونيم)
مونيم :
آه ثم آه من تقلبات الزمان، وغوائله المذيبة للجنان، زمان غدار غرار قهار، في الصباح يسر، وفي المساء يضر، يعطي باليمين ويسترد باليسار، صفاءه درهم وكدره قنطار، أنا ما صدقت أن أراني الحبيب، فاسترجعه وتركني في لهيب، وعوضني عنه بمتريدات، الذي هو عندي من أعظم البليات، ظننت أني خلصت من الأهوال، وبلغت بقتل متريدات الآمال، فرجع وأرجع لي المصائب، وحلت علي جميع النوائب بقدومه وفراقه، وإكسيفار الذي ألبسني بعده الأكدار، بمن أستعين على المصائب، وأكتفى من غوائل الأوصاب، أبالصبر؟ وأين أراه؟ أبالقبر؟ ومتى ألقاه؟ آه، وا حزناه.
فوديم :
صبرا يا مولاتي مونيم، واتكلي على السميع العليم؛ فهو المفرج القريب، المنقذ من التعذيب.
مونيم :
آه نديمتي فوديم، فؤادي في عذاب اليم، من فراق حبيبي إكسيفار، وقرب متريدات الجبار.
رماني زماني بالمصائب والبلا
وصادمني من كل خطب يريده
يفارقني في الناس من لا أريد فراقه
ويصحبني في الناس من لا أريده
الواقعة السادسة (ملك - مونيم)
ملك :
أرى الدهر من أخلاقه الغدر والمكر
وهيهات أن يلقى المراد به الحر
يساعد أعدائي على سلب راحتي
ومع كل هذا لا يساعدني الصبر
يحرك مني الغيظ بعد سكونه
فألقى هموما لا تقاسى بها البحر
ولكنني ملت للحلم بمقصدي
ولله فيما قد جرى الحمد والشكر
فلو أعطيت نفسي مرادها
لأدركها بعد رجحانها الخسر
اعلمي يا مونيم أني أصبحت عرضة للنوائب، وفريسة أتقلب في مخالب المصائب، ولا أدري متى الفرج من مصائب الحرج، وقد بلغت هذا العمر وأنا في العذاب والقهر من الرومانيين وعدم راحة اليونانيين.
مونيم :
وهل تأكد خبر قدوم الرومان؟
ملك :
لا ما تأكد بعده للآن، وقد وجهت ولدي إكسيفار، وهو متأهب لأخذ الثأر، والذي ظهر من أفعاله أنه صادق في أقواله؛ ولهذا زعمت أن أتنازل عن التخت الملوكاني، وأجعله ملكا مكاني، يحكم على كل قاصي وداني. أما هو رأي سديد؟
مونيم :
افعل يا مولاي ما تريد .
ملك :
نعم، أجعله ملك عظيم، وقيلا جليلا فخيم، رغما عن أنف فرناس، وأنف كل حسود خناس، وحيث خطني المشيب، وبلغت سن الترهيب، فالأجدر أن أزوج مونيم بإكسيفار، وأنفرد بعدها للراحة والاستغفار، إلى أن أذوق الممات، وأساوي الرفات الناخرات، فماذا تقولين يا مونيم؟
مونيم :
عافني يا مولاي الفخيم، فأنا لا أقترن بسواك، ومنتهى رغبتي رضاك.
ملك :
إكسيفار، ريحانتي الزكية، وخلاصة محبتي القلبية، قد أحببت أن أجعله لك قرين، فلماذا تمتنعين؟
مونيم :
إلام يا مولاي تلقيني في أخطار، وتذكر لي تارة فرناس وتارة إكسيفار، وأنا في سائر الحالات هواي بالملك متريدات؛ لثقتي بصدق مودته، وراحتي في ظل شوكته، فإن رغب عني يكون قد قصد أيني، وسلمني لأيدي المنون، في جميع الأحوال والشئون.
ملك :
ما هذا الهمس يا مونيم، عزيزي إكسيفار الوسيم، قد أهديتك إياه، وهو كالقمر في سناه، ازهدي به حب فرناس.
مونيم :
أنا يا مولاي لا أحب فرناس.
ملك :
كفى تروغين أيتها الظالمة، فلا بد وحياتي ما أجعلك نادمة، إذا بقيتي مصرة على هذه الأفكار، ورفضتي الاقتران بولدي إكسيفار، أما تعلمين أني أبغض فرناس، وأحب إكسيفار دون جميع الناس، والذي يوده فهو حبيبي، والذي يأباه فهو عدوي ورقيبي، فطاوعيني يا مونيم، ليكمل حظك الوسيم، بقرب ولدي إكسيفار، صاحب البهجة والوقار.
مونيم :
هذا الترغيب، وبماذا أجيب؟
ملك :
عجلي بالجواب.
مونيم :
مهلا أيها المهاب ... آه، قد تاه فكري، وحرت في أمري.
ملك :
ما هذا الهمس يا مونيم؟
مونيم :
سلامتك أيها الفخيم (لنفسها)
وكيف أبوح له بسري، وأطلعه على حقيقة أمري قبل ما أقف على المراد.
ملك :
ما هذا العناد؟ قربك من فرناس بعيد، ودونه كل عذاب شديد، وكل راحة واعتبار، بقرب ولدي إكسيفار، فامتثلي الأمر لتأمني من الضر، وتحصلي على الافتخار، بزفافك على ولدي إكسيفار.
مونيم :
إلهي، ماذا أقول؟ أنا يا مولاي آه، ...
ملك :
ما هذا الذهول؟ ... ولم قطعتي الكلام؟
مونيم :
آه سلمني يا سلام ... قلبي غير مطمئن.
ملك :
لا، كوني في راحة وأمن، وتكلمي بالمرام، ولك الفوز والسلامة.
مونيم :
لي الفوز والسلامة ؟
ملك :
نعم.
مونيم :
آه يا مولاي الهمام، إكسيفار ريحانتي وروحي، إكسيفار غبوقي وصبوحي، إكسيفار نشأتي وأنيسي، إكسيفار قمري وشمسي.
غرامي غريمي في هواه فليته
يمن على قلبي وينفي جفاه
فلو قيل لي ماذا على الله تشتهي
لقلت رضى الرحمن ثم رضاه
ملك :
كوني يا مونيم مطمئنة البال؛ فقد حصلت على الآمال، فادخلي غرفتك الآن، وسيطيب منك الجنان، ببلوغ الأوطار، وقربك بولدي إكسيفار. (تذهب)
الواقعة السابعة (ملك - جندي)
ملك :
آه من زماني الغدار ... أحضروا فرناس وإكسيفار.
جندي :
أمرك يا صاحب الافتخار.
ملك :
الدهر علم أولادي خيانته
فيا قلة الحظ من دهري وأولادي
ولم أجد لي من الأيام فائدة
مثل المسافر في الدنيا بلا زاد
وإن من كنت أبغي من مودته
يوما صلاحا سعى نحوي بإفساد
أنا أفسد الداء عضوا منك يا جسدي
فداؤه بعلاج القاف والصاد
فسوف يجري على من خانني غضبي
والحزن له دوما بمرصاد
لا كان من عاش في الدنيا بلا شرف
ولا يرى الخير في قرب وإبعاد
الواقعة الثامنة (ملك - فرناس - إكسيفار)
فرناس (لحن) :
طالع الأفراح عم الوجود
بالمليك الأعظم
إكسيفار :
وصفت أوقاتنا بالسعود
يا بهي الشيم
شيد الله معالي علاك
بجيوش الظفر
إن من تدعوه طوعا أتاك
لاكتشاف الخبر
ملك :
إنكما يا ولداي تعلمان، ما لنا من العداوة عند الرومان، وانتصارهم علي في هذه المرة، أوقع في فؤادي كل حسرة وجمرة، وفرق شمل العسكر وجدع، وملأ قلوبهم خوفا وفزع، وعلى هذا تخور دعائم المملكة من اختلاف الأحوال والحركة، وقد أزمعت أن أجرد جيشا جرار، أزحف به على أعدائنا الأشرار، وذلك بعد مدة وجيزة، أتمكن بها على ما أرغب تجهيزه، وفي هذا اليوم قد جاءني كتاب، من طرف ملك البورس المهاب، يعلمني أنه مستعد لإنجازي، وأن جميع ملكه طوع مرادي، وقد فوض أمر ابنته لدي لأجعلها قرينة لإحدى ولدي، ويصير بعدها حليفي وسميري ومساعدي في كل الأمور ونصيري، وقد توجهت يا فرناس إرادة أبيك أن يخصك بهذا الاقتران دون أخيك، فبادر للهدايا والأموال، من ذلك الملك المفضال، وبعد عقد الاقتران نستعد لقتال الرومان.
فرناس :
لا ريب هذه الأفكار، هي مغناطيس الانتصار، سبل النجاح الموصلة لكل ربح وفلاح.
ملك :
ألك شبهة يا ولدي بهذا الكلام؟
فرناس :
لا يا والدي الهمام ... وكيف لا أشتبه بأفكار تجعلنا أتباع التبع، وتجبرنا أن نعيش أذلاء ما بزغ الصبح وما لمع، ومن يكون ملك البورس أيها السلطان، حتى نصاهره ونجعله من الأقران، أما نخجل أن يكون عوننا مع أنه في كل في شيء دوننا، وأنا أقول بكل جسارة، وأجلي مقالة وعبارة، إذا كان ولا بد من التنازل لأحد السلاطين، فليكن تنازلنا للرومانيين؛ لأنهم أعظم منا اقتدارا، ولنا بمحالفتهم أجل افتخارا.
إكسيفار :
متى ترجع يا فرناس عن هذا الكلام؟ الذي لا تقبله شهامة أحد من الأنام، ومن طمع الرومانيين سواك، وكلفهم موالاة الحرب يا أفاك، أما هو أسف عليك أيها الجبان، أن تكون ابن ملك وسلطان، أسف وألف ألف أسف عليك يا عديم النخوة والشرف ... أنا يا والدي للرومان، ولو ملئوا جميع القيعان، أنا ابن الملك متريدات، أنا إكسيفار صاحب الغارات، أنا طود الشجاعة والبأس، أنا الأسد الحلاحل يا فرناس، مر يا والدي بتجهيز العسكر؛ لأريحك من نصف السفر، وستسمع ما أفعل بأعدائنا الفجار، وكيف أبدد شملهم في البراري والقفار، إذا التقت الجيوش والأبطال، وثارت نيران الحرب والقتال.
نحن الذين إذا هاجت مواكبنا
ترتد أعداؤنا من بأسنا جزعا
فكيف نخشى لهم حربا وهمتنا
صبح الشجاعة من أفلاكها طلعا
إن الزمان لنا بالفتك قد شهدت
أبناءه لنا بالبطش قد خضعا
من ذا الذي يخبر الرومان إن لنا
مشطبا كيفما وجهته قطعا
لو قابلته الرواسي وهو مشتهر
لطأطأت هاماته من بأسه فزعا
ملك :
بارك الله بهمتك يا إكسيفار، ولا زلت مزيلا عن أبيك الأخطار، فما أنت وحياتي إلا فارس اليونان والرومان، وحصنها العاصم لها من طوارق الزمان ... وأنت أيها الجبان ، متى ترجع عن الطغيان؟ أما كفاك أن جعلتنا سخرية عند الرومان؟ حتى تعمدوا حربنا في كل آن، فإلى ما يا خائن ترد كلامي، وتظهر كل خيانة أمامي ، فسر لما أمرتك به الآن، وإلا أذيقك الموت ألوان.
فرناس :
عافني يا مولاي من هذا الاقتران، الذي أفضل عليه عذاب النيران.
ملك :
تفضل عليه عذاب النيران؟
فرناس :
نعم، ولا أود الزواج مدى الزمان.
ملك :
ولم لا تود الزواج؟
فرناس :
لأنه داء ما له علاج، وصاحبه يعيش مأسور، ومجبور عليه ومحيور.
ملك :
ولو كان بمونيم؟
فرناس :
ذاك نعيم في نعيم ... لا ... لا يا والدي جحيم في جحيم، آه، قد سبقني اللسان، ووقعت في الخسران.
ملك :
الآن تأكدت ما تقرر لدي، وعرفت من معي ومن علي. آه يا خناس! بنت ملك البورس كعذاب النيران! والزواج لا توده مدى الزمان! وقرب مونيم ذاك نعيم في نعيم! آه يا لئيم! وكيف تجاسرت على ارتكاب الخيانة، وتجرأت على مونيم يا قليل الأمانة، مع أنك تعلم أنها خطيبتي، وبغير رضاها لا يحصل نشأتي، ما هذه الذنوب الفظيعة، والخطوب الهائلة الشنيعة؛ فقد استحقيت غضبي يا خئون، وستذوق من سيفي المنون.
أسعر الرزء بقلبي
غضبا عم البطاح
من خئون ليس يلقى
بعد ذا اليوم نجاح
أوثقوه واحبسوه
دمه صار مباح
من حسام كم عليه
عن دم الأكباد ساح
فرناس :
ارحمني يا أبي، ولا تعجل عطبي؛ فقد أخطأت وأرجو السماح، عما ارتكبته من آثامي القباح، وأنا فعلت ما فعلت عن عقل، وما هو إلا عن طيش وجهل، وكذلك أخي إكسيفار ...
ملك :
اسكت يا غدار، ولا تنجس هذا المحل بأنفاسك، إكسيفار سيدك ومبرأ من أدناسك ... اسحبوه أيها الجند، وكبلوه بالقيود والأغلال؛ فقد وقع في النكال، وحرضوا على حفظه الحراس، إلى أن أطلبه لقطع الراس.
الواقعة التاسعة (ملك - إكسيفار)
ملك :
أنظرت يا إكسيفار، فعل أخيك الغدار؟
إكسيفار :
حلمك يا مولاي أوسع من جهله، وسيرجع قريبا إلى عقله، وأرجوك أن تمن عليه بالإطلاق، وأنا أكفله أن لا يرجع إلى الشقاق.
ملك :
لا تطلب مني ما لا ينال، فلا بد عن قتله في الحال.
إكسيفار :
اقبل شفاعتي يا أبي، أو فاجعل قبله عطبي، كي لا أراه قتيل، وألازم بعده الويل.
ملك :
أنا حسبتك يا إكسيفار عاقل، فوجدتك مثل أخيك جاهل.
إكسيفار :
وما رأيت من جهلي؟
ملك :
اعتراضك على فعلي، أنت اصبر إلى الآخر، وستعلم الباطن من الظاهر.
إكسيفار :
ما فهمت يا والدي المعنى.
ملك :
ستفهمها يا ولدي وتراها حسنة، أنا ما سجنته إلا لأجلك.
إكسيفار :
لأجلي؟
ملك :
نعم لأجلك.
إكسيفار :
كذلك ما فهمت المقصود.
ملك :
اعلم يا ولدي الودود، أني بلغت سن اللغوب، وأنحلني الخطوب والكروب، وقد أزمعت أن أرقيك على التخت الملوكاني دون أخيك، وأزوجك بمونيم ذات الجمال الوسيم، وأنفرد بعدها للعبادة والراحة والزهادة، وبعد أن تصير ملكا وسلطان، وحاكم على اليونان والرومان، ويصير تحت أمرك ونهيك، ويناط لأمرك، إطلاقه لرأيك، فهذا ما كلفني حبسه، لنكتفي كيده ونكسه.
إكسيفار :
أنت تزوجني بمونيم، وتجعلني ملكا عظيم؟
ملك :
إي وعينيك يا إكسيفار، أصيرك ملكا في هذا النهار، واجعل في هذه الليلة مونيم لك يا ولدي حليلة.
إكسيفار :
وا فرحاه ... وا طرباه، جبرتني يا أبتاه، فأعز أن يوجد في المخلوقات مثلك يا والدي متريدات، وأكمل وأجمل وأعظم وأفضل، ميمون الحركات، كثير البركات، حسن السيرة، طاهر السريرة، وأوحد ملوك الملا، فهكذا هكذا وإلا فلا.
إليك وإلا لا تشدوا الركائب
لديك وإلا لا تنال النجائب
عليك وإلا ليس يؤخذ موثق
ومنك وإلا لا تنال الرغائب
وفيك وإلا فالحديث زخارف
ومنك وإلا لا تسوغ الشارب
لديك وإلا فالنزيل محقل
وعنك وإلا فالحديث مآدب
ملك :
أنا تفرست فيك يا ولدي النبالة، وأرغب أن أراك في كل حالة، كثير المحاسن والإحسان، كثير الأنصار والأعوان، حسن السياسة والسلوك، مع الرعاية والملوك، ليقال يا عزيزي الأوحد، حبذا الشبل ونعم الولد.
إكسيفار :
ستراني يا والدي الفخيم، في كل ضئيل وعظيم، شفوقا عطوف، صدوقا رءوف، حتى يقال يا والدي الأوحد، حبذا الشبل ونعم الأسد.
ملك :
وكذلك أوصيك قبل ما أرقيك، أن تعامل مونيم بكل احترام وتعظيم؛ لأنها عزيزة علي، وتعادل ضياء ناظري.
إكسيفار :
وكيف لا أعظم مونيم، وهي حياة قلبي الكليم، ولذة حواسي وينبوع إيناسي.
ملك :
قد بالغت يا إكسيفار.
إكسيفار :
ما بالغت يا ذا الوقار؛ لأني قتيل هواها، ولا أشتهي قرينة سواها، وكذلك هي تهواني، وشأنها في الغرام كشأني.
ذاتها ذاتي وذاتي ذاتها
من رآنا لم يفرق بيننا
عينها عيني وعيني عينها
جرمها جرمي وجرمي جرمها
إذا أبصرتني أبصرتها
فأنا مونيم ومونيم أنا
قلبها قلبي وقلبي قلبها
نحن روحان حللنا بدنا
آه من العشق والغرام، وحرقة الوجد والهيام.
ملك :
أبشر يا خئون بمناك، وستحصل على مشتهاك، بقطع رأسك وإخماد أنفاسك، أوثقوه أيها الجند؛ فقد تجاوز كأخيه الحد، وظهر أنه خوان، وجحود مهان، اسحبوه إلى السجن.
إكسيفار :
يا والدي الأمان.
ملك :
اخسأ يا شيطان، فلا كنت ولا كان، أهكذا الأهل والولد؟! فلا عشت أيها الألد، ولا عاشت مونيم، أحبولة إبليس الرجيم.
آن أن أعطيك حكما
يا حسامي في الأعادي
خفروا عهدي وخانوا
ثم حادوا عن ودادي
كل من ينصب فخا لسواه
فهو الواقع فيه دون أن يلقى نفاد
فليصافيني المصافي
وليعاديني المعادي
وأنا في كل حال
على مولاي اعتمادي
الفصل الرابع
الواقعة الأولى (ترتفع الستار عن هيئة سجن مظلم، وبه فرناس وإكسيفار ومونيم.)
فرناس :
نعم نعم، لا بد ولا جرم، من صعود وهبوط، وارتفاع وسقوط، وفرح وحبور، وحزن وسرور، وصحة وسقم، ووجود وعدم، وكذلك من آدم إلى انقراض العالم، وعلى الأديب السديد، أن يكون طودا حديد، لا تزعزعه النوازل، ليعد في البوازل، وأنا ما زعزعني الحبس، ولا جور أبي المشئوم بالبخس، فأي مهند لا يغمد، وأي أسد تراه لا يتردد، ومن النبل الحزم، والصبر على المصائب، والتجلد عند حلول المصائب.
على قدر فضل المرء تأتي خطوبه
ويحمل من في الصبر هما يصيبه
فمن قل فيما نلتقيه اصطباره
لقد قل فيما تلتقيه مصيبه
ولكن فهمت شيئا وجهلت أشياء بالعاشق العاني، تضيق به الدنيا لأنه لا يطيق الصبر عاشق، ولو كان بالصبر ينال المحيا، وكيف أصبر على مونيم التي تركتني كليما سقيم، وقلبي في شجن، وجوارحي في محن، وحزني لا يطاق، من لوعة الفراق، والوجد والجوى، والصبابة والهوى، اللذان يأكلان الاصطبار، كما تأكل الحطب النار.
ثلاثة يعز الصبر عند حلولها
ويزهل عنها عقل كل لبيب
خروج أحرار من بلاد تحبها
وفرقة إخوان وفقد حبيب
بان اصطباري
وقل احتمالي
والدمع جاري
كفى ما جرالي
أشعلت ناري
رقي لحالي
كم ذا التواني
أطلت انتحابي
والقلب بالي
مونيم لبي
أسير الغرام
وارحمي قلبي
قد زاد كربي
وحكم الغرام
أفتى بسلبي
حليف السقام
فكيف احتمالي
والوصل بالي
ما على مونيم إذا منحتني رضاها، وحصلت على جميع قصدها ومناها، فلولاها ما كابدت هذا العذاب، ولا عاينت هذه الأوصاب، وصار العشق يجول في جوارحي، ويصير إكسيفار لديها محبوب، وفرناس شقي ومغضوب، ولأجلها أبي تعمد عطبي، فما هذا الحرج؟ ومتى أنال الفرج؟ وأقتل أبي وإكسيفار الغبي، وأصير ملكا عظيم، ومالكا زمام مونيم، الله إلام أخاطب ذاتي، وأنا مضيع لأوقاتي، وحتى ما هذا الذل، والتمنطق بهذا الفعل، وعلى أي شيء أتحمل هذه المكابدة، وما كنت أحصل على فائدة، فلا بد ما أدبر أمور، أحصل بها على الحبور، أو أصير حديثا منسيا، فإما الثرى وإما الثريا.
إكسيفار :
إن الأمور إذا اشتدت مسالكها
فالصبر يفتح منها كل ما ارتدجا
لا تيأسن وإن طالت مطالبه
إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا
آه، كيف أغراني أبي بنكره، وخاضعني بتمويهه ومكره، حتى اطلع على سري، وفهم حقيقة أمري، وأوقعني في الشدائد، والمصائب والمكائد، وقد ظهر لي علامات الصلاح، وأوضح لي سبيل النجاح، وقال لي إني بلغت سن اللغوب، وأنحلتني الكروب والخطوب، وقد أزمعت أن أرقيك، على التخت الملوكاني دون أخيك، وأزوجك بمونيم، وأجعلك ملكا عظيم، فرقاني حالا إلى الحبس، وجعل قريني النحس، ما أيمنها من عبارة، وما أحسنها من زهارة، يا ترى أين مونيم الآن، وما فعل بها والدي الخوان، هل عيوني تراها، أو أقضي شهيد هواها، آته وا عنائي وشدتي وطول بلائي، من ظلم أبي ولواعج كربي، وجور طوالع الهوى التي أذاقتني علقم الجوى، وسيرتني محزون وأسير مسجون.
لولا الهوى ما نابني
ضيم ولا ذقت العذاب
كلا ولا أبصرت س
جنا قد علاني باكتئاب
هلا يا ترى مونيم تد
ري ما بقلبي من العذاب
أم هل أنال منها بعد
البعد ذا الحبس اقتراب
والدعتي جسمي غدا
من حرقة البين مذاب
أنا في القيود مصفد
وفؤادي عاد في التهاب
وسواي بالإطلاق ير
فل والنعيم المستطاب
سبحان من قسم الحظو
ظ فلا ملام ولا عتاب
طال انتحابي وزادت شجوني
والقلب صابي ألا فارحموني
نار الجوى بي أبادت شجوني
لكم ثوابي فلا تظلموني
قيدي ثقيل وحبي جحيم
وجسمي نحيل ودمعي سجيم
حزني طويل وقلبي كليم
إني دخيل فلا تقتلوني
مونيم :
إذا أدناك سلطان فزده
من التعظيم واحذره وراقب
فما السلطان إلا البحر عظما
وقرب البحر محذور العواقب
آه، قربي من الملك متريدات، أوقعني في هذه البليات، فلو أخذت حبيبي إكسيفار، ونزحت به من هذه الديار، لحصلت بقربه على المنا، وخلصت من أصل الكروب والعنا، وما كنت رأيت الحبس، المعد لأهل النحس، يا ترى ما فعل إكسيفار، هل أباه مثلي على الأسرار، أم بقي مصرا على الكتمان، وأنا قد بحت وألقيت في الهوان، هل يوجد خداع كمتريدات، الذي ألزمني الإقرار بألطف العبارات! قطع الله لساني؛ فإنه هو الجاني، فلولاه ما وقعت في السجن، ولا كابدت أنواع العذاب والحزن، أنا قد بحت وصار ما صار، ولا أخشى إلا على حبيبي إكسيفار، أن يبوح فيسجن، أو يهان فيحزن، هل يا ترى علم بحبسي، وأني سأعجل في رمسي، أم درى بما صار وجرى، من يخبره بحالي! آه، عظمت بلبالي، أنسيت مونيم يا إكسيفار؟! وا شقائي كلمتني الأكدار، وذبت من الهوى ونوائب الجوى.
متى اتصالي يا أهل ودي
رقي لحالي قد زاد وجدي
يا ذا الجلال قد خنت ودي
فاطفى اشتعالي أطلت صبري
من لي مجير من متريدات
زاد العسير حان وفاتي
قلبي كسير فوا حسرتي
غصني النضير ذوى من بعد بعدي
ما حيلتي ما حيلتي
عيني جفت طيب المنام
وكوى الغرام مهجتي
أواه من جور الغرام
وأبان عني أحبتي
فعلاني ذل واصطدام
وا صبوتي وا كربتي
ذاب الفؤاد من الغرام
وقد زادت ظلمتي
فمتى أرى البدر التمام
يا بغيتي يا منيتي
صلني برى جسمي السقام
غادرتني في حرقتي
والقلب إكسيفار هام
إن لم تعامل بالتي
فعليك يا سؤلي السلام
فرناس :
الحب أضنى حالي
وقد كوى قلبي بناري
مونيم جسمي بالي
وفي الهوى طال انكساري
من مقلتيها قلبي طعين
في حاجبيها سحر مبين
بدا وفي خديها قد ط
اب لي خلع العذارى
إكسيفار :
متى أرى الوصالا
فهو الدواء لداء وجدي
مونيم :
جرمي غدا خيالا
فمن النوى يا طول بعدي
فرناس :
مونيم أهلا.
إكسيفار :
وا لوعتي!
مونيم :
بدري وسهلا.
فرناس :
وا حرقتي، أرجو وصالا.
مونيم :
من ذا الذي يرجو مزاري؟
إكسيفار :
قتيلك المسجون.
فرناس :
أسيرك المحزون.
مونيم :
من هذا يا سيدي إكسيفار؟
فرناس :
مهجورك فرناس عديم الاصطبار.
مونيم :
وأين أنت أيها الأمير؟
فرناس :
في السجن وعذاب السعير.
مونيم :
وأنت أيضا محبوس؟
فرناس :
نعم، ومغموم ومنحوس.
إكسيفار :
وأنا مصفد بالقيود.
مونيم :
أغثنا يا إلهي المعبود! ومن حبسك يا حبيبي إكسيفار؟
إكسيفار :
حبسني والدي الجبار.
فرناس :
وأنا ما حبسني أبي.
إكسيفار :
آه طالت كربي.
مونيم :
كلنا حبسنا متريدات.
الجميع :
أغثنا يا بديع السموات.
أصرفت بالجور والضر والظلم متريدات والدهر، بالقهر والكثر، ولنا القرار.
فرناس :
أنقذنا يا جبار.
الجميع :
قد طالت الأكدار.
فرناس :
متى من العسر لليسر ننجوا؟
الجميع :
كفى حسرات.
فرناس :
امنحنا ذا الغفر بالنصر.
الجميع :
في سائر الحالات.
أرباط :
بالله اعف واسمح يا مهاب، وأنعم وأكرم وأصفح، تابوا تابوا.
فرناس :
نعم، نعم.
إكسيفار :
يا ذا النعم.
أرباط :
فاقبلهما.
فرناس :
يا من سما.
إكسيفار :
دمعي هما.
الجميع :
ما جرى كفانا طال العنا والعذاب.
ملك :
أخرجوهما بالعجل.
أرباط :
الأمل أيها الأجل، أن تصفح عنهما.
ملك :
معلوم لانتفش بهما، وكيف لا أصفح عن أعدائي، وأطيل بحياتهم شقائي.
أرباط :
سيدي.
ملك :
صه ... أنا لا أصفح عن عدو محض، ولو انطبقت السموات على الأرض ... ويلك يا فرناس، كيف رأيت حالك؟
فرناس :
رأيت حالي مذنبا بتوقع نوالك.
ملك :
بتوقع نوالي؟
فرناس :
نعم، وهو الدوا لي.
ملك :
أبشر يا فرناس، بحصول الإيناس ... وأنت يا عاشق مونيم؟
إكسيفار :
أنا جرمي عظيم، وما لي سوى رضاك، يقذني من الهلاك.
ملك :
ستنالان مني العفو والرضى، والذي مضى مضى.
إذا كنت بين الحلم والجهل جالسا
وخيرت أنى شئت فالحلم أفضل
ولكن إذا أنصفت من ليس منصفا
ولم يرض منك الجهل فالحلم أتبل
إذا جاءني من يطلب الجهل عائدا
فإني سأعطيه الذي جاء يسأل
ولم أعطيه إياه إلا لأنه
وإن كان مكروها من الذي أجمل
ركعوا فرناس في الأول.
فرناس :
اعف عني أيها الأفضل، وإلا فأصغي لكلامي، واسقني بعدها حمامي.
ملك :
تكلم أيها الخئون.
فرناس :
اعلم يا عظيم الشئون، أن الغضب على من تملك لؤم، وعلى من لا تملك شؤم، وليس من أخلاق الكرام سرعة الغضب والانتقام، والحر يمنعه الاقتدار، من العقوبة والاستغفار، والمرء لا يكن من المسحيين، ما لم يكن من العافية عن المسيئين، وأنا فعلت ما فعلت، وقد ندمت ورجعت، وها أنا بين يديك، فافعل بي ما يطيب عليك.
لذة العفو إن نظرت بعين ال
عدل أحلا من لذة الانتقام
فهذه تكسب المحامد والمجد
وهذه تلجئ بالآثام
ملك :
لسان الفتى أكبر شفعائه، وأنفذ سلامة على أعدائه، به يتصل الود وينحسم الحقد ... قد عفوت عنك يا فرناس.
فرناس :
حفظت يا ذكي الأنفاس، فمثلي من يهفو ومثلك من يعفو.
ملك :
فكوا قيده أيها الجند.
فرناس :
سلمت يا فرقد المجد.
ملك :
سر وسافر إلى مقاطعتك الآن؛ فقد حصلت على الربح بعد الخسران، وإياك أن تحضر بغير طلب؛ لتأمن من غوائل العطب.
فرناس :
أمرك يا والدي الفخيم.
ملك :
سر بكلاءة الملك العظيم ... وأنت يا إكسيفار؟
إكسيفار :
أنا يا ذا الاقتدار أعشق مونيم، وفؤادي بها كليم، وقربها حياتي، وبعدها مماتي، وقصار كلامي، أيها الوالد السامي، أوعدتني أن تنقذني من نار وجدي، والكدر العظيم، بقرب ذات الجمال مونيم، فأنلني غاية القصد، فقد أنجز الحر ما وعد.
ملك :
أنا قد وعدتك صحيح؛ لأقف على فعلك القبيح، لا لأعطيك مونيم يا خوان.
إكسيفار :
هذا من غرائب الزمان، وهل يوجد الخلف في الملوك؟
ملك :
اسكت يا أفوك ... ركعوا هذا الأثيم.
أرباط :
ارحمه يا مولاي الفخيم، ولا تؤاخذه فإنه أسير جهله، ورده في السجن ليرجع إلى عقله.
ملك :
السجن يرده إلى الهداية؟
أرباط :
نعم، ويخلصه من الغواية، وأنا أوالي تأبينه وأتولى تهذيبه ... أرجعوه بأمر الملك إلى السجن.
إكسيفار :
آه قتلني الحزن.
ملك :
مت في السجن يا عديم الأدب، إلى كم أعاني التعب والنصب، الأهل والأبناء، يرجون لدفع الداء، فإذا كانوا هم الأعداء، عظم البلاء، اشتد العمل، وأصل الداء، أخرجوا مونيم.
أركاس :
أدركنا أيها الفخيم.
ملك :
ما الخبر يا أركاس؟
أركاس :
إن الأمير فرناس قد سول للجند العصيان، وأخذهم وصار لملتقى الرومان.
ملك :
أقبلت جيوش الرومان؟
أركاس :
نعم، وملئوا جميع القيعان.
ملك :
كم أشتكي زمني ولو أنصفته
لغدرته وشكوت أهل زماني
والجند خانوا كفرناس؟
أركاس :
نعم يا معدن الإيناس.
ملك :
يندم المرء على ما فاته
لو قتلناه لاكتفينا شره
سيرى فرناس يوما هائلا
وحساما يلقى من قبره
اتبعني أيها الوزير، وأنتما أيها الجند.
أرباط :
قد بلغت الأرب، وفزت بالهرب، فخذيه وفري من هذه البلدان، قبل أن يراكما إنسان.
مونيم :
قد بلغت الأمل، وسأتقن العمل ... اتبعني أيها الحبيب؛ فقد فرجها القريب المجيب.
الجميع :
يا ربنا استجب منا دعانا، سهل لنا مسعانا، أمان أمان أمان، وأسبل لنا يا ربنا، سترا سليما دائما من الأزمان.
الفصل الخامس
الواقعة الأولى (ترتفع الستار عن هيئة بيت وبه فرناس.)
فرناس :
مونيم صبري
قد صار فاني
وضاق صدري
والقلب عاني
وضاع فكري
والدمع فاني
ولست أدري
متى التهاني
سلبت لبي
ذات الجمال
جودي بقربي
زاد اشتعالي
أذبت قلبي
فرقي لحالي
لقياك طلبي
في كل آن
صروف الدهر قد حكمت بظلمي
وإبعادي وتعذيبي وسقمي
ألا يا دهر قد حملت جسمي
عذابا ليس تحمله الجبال
ألا يا دهر سلبي ما كفاك
ألا يا دهر قربت الهلاك
ألا يا دهر من أفنى سواك
فؤادي فيه وجدا واشتعال
ألا يا دهر من أفنى بسلبي
ألا يا دهر من في الخلق مثلي
ألا يا دهر لو فرقت حملي
على الدنيا لحاق بها الزوال
ويك يا فرناس، إلام تضرب أخماسا في أسداس، وتحمل نفسك الذل والهوان، وترغب التي ترغب بعدك في كل آن، ولا تهوى غير إكسيفار، الذي سيذوق من سيفك الدمار، أما آن أن تصحو من سكرتك، وتنتبه يا ذهول من غفلتك، أما أنت الأمير فرناس؟ صاحب الشهامة والبطش والبأس، التي خضعت لك السباع والأطواد، وستصير ملكا على هذه البلاد، ارجع يا فرناس إلى ساحة القتال، واقتل أبوك الغدار المحتال، واقتل بعدها إكسيفار ومونيم، وعش ملكا جليلا فخيم، وها أنا ذاهب إلى الميدان، ويفرجها العظيم المنان (يذهب فرناس).
الواقعة الثانية (مونيم - فوديم)
فوديم :
ستلقى يا ظلوم في حفرتك، وتعود عليك عاقبة نيتك.
مونيم :
حكم الدهر بقهري وقضا
ورماني بالبلا ظلما وجار
وبه سلمت أمري للقضا
حيث مني طلب الصيد الفرار
فلمن أشكوا تياتيج الهوى
بلظاها حرقت مني الفؤاد
وعلى تشتيت شملي قد نوى
حادث البين ودمع العين جار
آه، ما صدقت أن رآني الحبيب وبلغت المنا، بتخليص حبيبي إكسيفار من العنا، فداهمني الرزء رزاء، أضاع مني الحواس، من ذوي القباحة فرناس، فإنه أقام الحرب على قدم وساق، وألهم قلوب الأعداء أشد احتراق، فيا له من شيطان مريد، وعدو حقود عنيد، وكذلك حبيبي إكسيفار، قد هاج كالأسد الكرار، وذلك لنصرة أبيه، وقتال أعاديه، مع أنه عامله بغير الإحسان، وأذاقه في السجن كل هوان، ما هذه الخطوب المريعة، والكروب الهائلة الشنيعة.
الواقعة الثالثة (مونيم - فوديم - إكسيفار)
إكسيفار :
إن الغرام سبا صبري
ومهجتي ذابت وجدا
مونيم :
أهلا وسهلا يا بدري
بدر اللقا ينفي الوقدا
إكسيفار :
حبيبتي ودعيني
يوم التلاقي مجهول
مونيم :
بالله يا نور عيني
ارجع فجسمي منحول
الحرب لا يجدي نفعا
وأنت غير مكلف
إكسيفار :
لا بد ما أمضي قطعا
للحرب شوقي لا يوصف (يذهب إكسيفار)
الواقعة الرابعة (مونيم - فوديم)
مونيم :
أواه، وا حزناه! إكسيفار إكسيفار ، آه، قد عدمت الفرار، قد غاب عني الحبيب، ولست أبغي سواه، وما لي في الدنيا نصيب إلا هواه، هل يجتمع بعد هذا الفراق، أو أقضي شهيدة الحزن والاحتراق، أف لك يا زماني، قد صيرت قلبي كليم، لفراق الحبيب والكرب والتعذيب.
لقد بان عني من إليه أميل
ونار الجوى بين الضلوع تجول
علي قسى دهري وأحرمني المنى
وزادت همومي والفؤاد عليل
فيا ليتني قد مت قبل فراقه
ونجم حياتي قد عراه أفول
سأبكي بكاء الخنساء على فقد صهرها
وتجري دموع العين وهي سيول
فوديم :
آه يا مولاتي مونيم.
مونيم :
ما الخبر يا فوديم.
فوديم :
اهربي ... اهربي، فرناس.
مونيم :
آه تأكدت اليأس (تذهب مونيم وفوديم).
الواقعة الخامسة (فرناس)
فرناس :
أين توارت تلك الباغية؟ وأين يا ترى مونيم العاتية؟ لأجرعها علقم العطب، من حد هذا المشطب، قلبي نفر، مونيم على عهدي، آه، وقد شهر سيف الجفاء والصد، آه، حان الظفر فأبشري باللحد، آه، كم في خطر ألقيتني، ووجدي، آه، وفي كدر وزي وا لوعتي، آه!
عار على مثلي الرجوع إلى الهوى
بعد السلو فذاك فعل لئام
أو كيف تقتحم الغرام ودونه
صالت ظبا همي وشهر حسامي
إن تفتخري بجمالك الزاهي فلا
يسلوه فخر مدى الأيام
اليوم يوم الملتقى والهجوم
والسلب والضرب وكشف الغموم
وارجع الخيل وفرسانها
بالكسر والقهر وذل الهجوم
آه فلو برز الزمان إلي شخصا
لخضب شعر مفرقه حسامي
إذا امتلأت عيون الخيل مني
فويل في التيقظ والمنام
الواقعة السادسة (ملك - أرباط - جند - فرناس)
ملك :
آه يا عديم الوفا يا خوان.
فرناس :
الأمان يا والدي الأمان.
ملك :
إني أراك قد عصيت وأكثرت العصيان، فذق كأس الردى يا لئيم، واهبط بسوء فعلك إلى الجحيم ... احملوه واصلبوه أيها الجند الآن؛ ليصير عبرة لكل خوان، وسأتبع به مونيم وإكسيفار بعدما أذيق الأعادي كأس الدمار.
الواقعة السابعة (مونيم - وفوديم)
مونيم :
هل ذهب فرناس يا فوديم؟
فوديم :
قد قتل يا مولاتي وصار رميم.
مونيم :
ومن قتله يا فوديم؟
فوديم :
قتله الملك الفخيم، وأمر بعد قتله بصلبه، ليصير عبرة لحزبه، وقد أزمع أن يقتلك ويقتل إكسيفار، بعدما يرجع من قتال الأعادي الأشرار، فنعوذ بالله من شره ورد الله كيده في نحره.
مونيم :
لا يسعني يا فوديم، سوى الرضى والتسليم، بما حكم الإله وما قدره وفضله، أنا امتنعت من الوداع يا إكسيفار، خشية عليك من الدمار، والذي حسبته سيصير، من جور أبيك العنيد الخطير، فالبدار البدار، يا حبيبي إكسيفار، الوداع ما بعده اجتماع، وفرقة ليس لها انقطاع.
أودع من سيلبثني الحداد
على كره وادي الفؤاد
نأى فأهاج في الأحشاء نارا
تذيب بحر جمرتها الجماد
وأورثت مهجتي حزنا شديدا
وعن عيني قد حجب الرقاد
وخلف لي الأسى والحزن لما
قد اختار الفضالة والبعاد
فوديم :
قد أقبل يا مولاتي أركاس، وبيده كاس.
مونيم :
أرجو أن يكون شراب الراحة، من مزعجات الحزن والنياحة، بشر يا أركاس، ما الخبر؟
أركاس :
قد حصل يا مولاتي هذا الظفر، ومن علاماته هذا الكاس.
مونيم :
وما فيه يا أركاس؟
أركاس :
فيه يا مولاتي شراب الفراق.
مونيم :
أسم؟
نعم :
نعم، سم.
مونيم :
هذا هو الترياق، الذي يشفيني من العذاب، ويخلصني من الأوصاب ... ومن أرسله لي؟ أمتريدات؟
أركاس :
نعم، لتساوي بشربه الرفات، ويقولوا لك أهداك هذا الكاس، لتشربيه حبا بإكسيفار الخناس؟
مونيم :
يا لها من هدية سنية، وشربة سائقة هنية، هات يا أركاس هات، شراب الفرح والمسمرات، مرحبا بالهدية المطلوبة، والتقدم المحبوبة المرغوبة، مرحبا بفراق هذا العالم الفاني، مرحبا بلقاء هذا العالم النوراني، مرحبا بفراق اللوعة والاحتراق، مرحبا بفراق ما بعده تلاق.
طوالع حكم السعد تهوي وتظلم
وطوالع حكم النحس تعلو وتبسم
تكدرت من يومي وأمس بكية
وعلقت آمالي بما سوف يندم
وكل عظيم سوف يلقى كروبة
وكل صغير سوف يعلو ويعظم
فهذا فعال الدهر والدهر ظالم
له في اجتماع الشمل أيدي تقسم
أودعه إن كان يبغي حياته
كجنح دجى في طيه الرزق أرحم
أودع أحياء لأهلي وجيرة
له الخيال شوق في الفؤاد عرمرم
أودع ذاك السجن والكرب والشقا
وأغلال ذل للمفاصل تكلم
أودع نفسي من قبل يدهم حينها
فإن جيوش الموت للعمر تهزم
يهون علي الموت بعد فراق من
له في الحشا نار من الوجد تضرم
أموت ولكن الهوى غير مائت
وأقوى ولكن الفؤاد متيم (تهم بشرب الكاس.)
فوديم :
مهلا يا مولاتي مهلا؛ فقد أساء الملك فعلا، وظلم مونيم بجوره الذميم، فسر وأنذره يا أركاس؛ عساه يرجع عن الأدناس.
أركاس :
أنت لا يعنيك هذا الشان، ولا بد من تنفيذ أمره الآن، وهو يدبر أمرا شغله أن صادمه الدهر بخيله ورجله.
مونيم :
دعيه يا فوديم دعيه، فما أمر به الملك ارتضيه، وقد تلقيته بالقبول، وهو بغيتي والمأمول، وعليك أن تبلغي أهلي السلام، وتخبريهم أني شربت كأس الحمام، من يد الملك متريدات، وتذكري أمامهم هذه الأبيات.
لاع النوى في قلبها وهي تلتهب
وقد قضت ما قضت في العمر ما يجب
بانت عن الأحباب والخلان راجية
نيل المراد فخاب القصد والطلب
وما رأت أبدا مع متريدات سوى
عيش هو الذل والأكدار والكرب
أيامها معه سوى إذا بزغت
كذا لياليها لا مؤنس ولا شهب
هذا إلى أن سقاها السم من يده
ظلما فمذقها من شربه العطب
جزاكم الله عنها الخير أجمعه
سلمتموها لفرد يدره اللهب
لا لوم ولا عتب ذا حظى وذا
قدري وذا نصيبي فما ينفع العتب
منها السلام عليكم دائما أبدا
ورحمة الله مثل السحب تنسكب
فوديم :
أركاس، ماذا؟
أركاس :
زمان كله خطب، لا صفو فيه ولا بصط ولا طرب.
فوديم :
حقت ظلما أمتريدات أني أرى
من يحمل الحقد لا تعنو له الرتب
لا بد ما تلتقي جيشا فوارسه
تعنو السباع له والعجم والعرب
هناك تأكل كف الخسر من ندم
إذا أتاك من الزلزال منقلب
مونيم :
راح الحبيب وراحت الأرواح
وبسيره كاس المنون مباح
أسفا على بدر تحجب نوره
عني وماتت بعده الأرواح
ما دمت في هذا الوجود حزينة
هيهات يشمل أضلعي إصلاح
فالروح مني في العذاب نعيمها
والسم إكسيفار بعدك راح
الواقعة التاسعة (مونيم - فوديم - أرباط - أركاس)
أرباط :
لا تفعلي يا مونيم، لا تفعلي (يمسك كاس السم يكسره).
أركاس :
دعها أيها الفخيم، ولم كسرت الكاس؟
أرباط :
اسكت يا أركاس؛ فإن إكسيفار صاحب الشوكة والاقتدار.
مونيم :
أصدق أيها الوزير؟
أرباط :
نعم يا ذات الوجه المنير، والسبب أن جيوش الرومان قد أحاطوا بالملك متريدات من كل مكان، وسدوا عليه الطرق من جميع الجهات، فجرح نفسه جرحا أشرف به على الممات، خوفا من أن يأخذوه أسير، أو يقتله أحد من جيوش الأعداء حقير، لما رأى إكسيفار ذلك ألقى نفسه في تيار المهالك، وانقض على الرومان كالقضاء المبرم، وأذاقهم من سيفه كل عزم وهمم، وضرب فيهم ضربا يقد الجبال، ويروي أسد الدحال، وصاحوا جميعا بفرد لسان: الأمان يا إكسيفار الأمان ... الأمان يا فارس الأقطار ... الأمان أيها الأسد الكرار، وقدموا له الطاعة والإذعان، وصار ملكا على اليونان والرومان، وذلك بأمر الملك متريدات، لما رأى منه الشجاعة والثبات، وعن قريب يحضر إلى هذا المكان، ليكلله بالتاج الملوكاني، ويسلمه الصولجان، فافرحي طربا يا مونيم؛ فقد بزغ سعدك الوسيم.
مونيم :
بزغت شمس التهاني
في سماء الافتخار
مذ بدا قان الزمان
ذو المعالي إكسيفار
بطل سمح عطوف
منعم بر رحيم
محسن عدل رءوف
طاهر القلب سليم
قادم بالسرور
يا إلهي والصفا
أبدا مدى الليالي
مسعفا ومنصفا
الجميع :
مظهر الجمال بدا، ونار مطلعا شموس هدى، سيفه إذا العدا توار يردي بأسه الأسد، مرحبا بمن أجزل المنن، وجهه الحسن يذهب الحزن، من رأى سناه غدا، وصار فاقدا النهى أبدا.
ملك :
إذا اشتملت على البؤس القلوب
وضاق لما بها الصدر الرحيب
وأوطنت المكاره واطمأنت
وأرست في مكاتبها الخطوب
فلا ترى لانكشافها غير أني
ولواعي بحيلتها الأديب
أتاك على قنوط ويأس ولكن
يمن به اللطيف المستجيب
فكل الحادثات لها تهون
فموصول بها فرج قريب
ها قد صرت يا ولدي إكسيفار ملكا وسلطان، وحاكما على بلاد اليونان والرومان، فاحمد العليم العلام، الذي أوصلك إلى هذا المقام.
الجميع :
الحمد لله العظيم، ذو الفضل والجود العميم، أبقاك مولاك الكريم، يا أيها الملك الفخيم، مدى الزمان، شهم همام، وبالإحسان تشدو الغمام، أنت الملك الأوحد، أنت الأصيل الأمجد، بك الورى تسترشد، أبدا وفعلك يحمد، في كل آن تروى الأوان، وأنت قان هذا الزمان.
ملك :
اعلموا أيها القواد الفخام، أني تنازلت عن الملك لولدي الهمام ، فقدموا له الطاعة والإذعان، وامتثلوا جميع أوامره مدى الزمان.
أركاس :
يعيش مليكنا إكسيفار ويبقى، في دست الملك تقيا أتقى، وكلنا نقدم له الطاعة والخضوع، ونمتثل أوامره الثانية في كل مشروع، حفظه الله تعالى وحماه، وحرسه في كل الأحوال وتولاه وأبقاه، في ذروة الفخار، وما توالى الليل وأضاء النهار.
ملك :
كللوه إذا بالتاج، وألبسوه الأرجوان، وقلدوه بسيف الملك والصولجان، ليقوم على قدر الإقامة، ويحكم بما نتيجته السلامة، وتجتهد بإحياء ذكرى مدى الزمن، ويوالي شكر واهب الفضل والمنن.
أرباط :
أيها الهمام بادر.
الجميع :
قد بدت أنجم سعدك.
أرباط :
فارتقي عيش المفاخر.
الجميع :
كلنا طوعا لأمرك.
أرباط :
خذ بتاج الملك واهنا.
الجميع :
يا وحيدا في الأنام.
أرباط :
ما بدا طير وغنا.
الجميع :
وانجلا البدر التمام.
أرباط :
وتقلد سيف نصر.
الجميع :
وكذا ذا الأرجوان.
أرباط :
دمت محفوظ بنصر.
الجميع :
ناشرا عدل الأمان.
ملك :
وهذه مونيم التقية النقية الجميلة، قد صارت لك يا ولدي حليلة، فعليك أن تقوم بأعباء الملك، وتعصمه من السقوط والهلك، ولا تجعل مبتدأ أمرك بين الأنام خيرا، وأعلم أن عليك رقيبا يسمع ويرى، فأنب إليه تدبير أمر الرعية، وابري أقلامك ليتوقع بهما ما يجب عليك للبرية، واسحبه لينام الأنام في مهادي الأمان، وكن في اللين والشدة بين بين؛ فإن الناس لا يؤاخذون بالمحض من الطرفين، واحكم بالحق ولو على نفسك، فضلا عن أبناء جنسك، وراقب الله في جميع الأمور، وأوصل إحسانك إلى عموم الجمهور، وارفع شأن العلماء؛ لأن لهم شرف من السماء، واقتصر على مجالسة الحكيم؛ فإنه يهديك إلى الصراط المستقيم.
رواية هارون الرشيد مع الأمير غانم بن أيوب وقوت القلوب
(أدبية، غرامية، تمثيلية، خيالية) ذات خمسة فصول
الفصل الأول
الواقعة الأولى (ترفع الستارة عن برية وبها قبور وأشجار، وغانم بن أيوب واقف بين القبور.)
غانم :
يا رب جسمي بطول الخوف قد هدما
ولي فؤاد بما ألقاه قد ندم
أمسيت بين رموس لا أرى أحدا
فاشتد خوفي وصبري اليوم قد عدم
أنا الملوم بما فرطوا أسفي
ليس المخاطر محمودا ولو سلما
آه، لا حول ولا قوة إلا بالله، قد أتيت من بلاد الشام بتجارة والدي أيوب الهمام، ومكثت في أرض بغداد، وعاملوني أهلها بحسن الوداد، فبعت وربحت، وبلغت من المكاسب ما أملت، حتى توفي في هذا النهار صديقنا التاجر عبد الغفار، وخرجت بجنازته مع سائر التجار، ومكثت على رمسه إلى الآن، وازدادت بي لفقده الهموم والأحزان، وعند رجوعي إلى البلد، ما وجدت بطريقي أحد، ووجدت باب المدينة مقفولا، فازددت هما وذهولا، وارتكبت جميع الأهوال، لخوفي على تجارتي ومالي من لص محتال، فرجعت وأنا في الشدة وقور، وعلى المكاره صبور.
إلهي سيدي مولاي كن لي
فقد فارقت خلاني وأهلي
أغثني سيدي فسواك من لي
أتيت لبابك العالي بذلي
فإن لم تعف عن ذنبي فمن لي
إلهي زاد بي فرط اشتغالي
على حالي ومن حسن اتكالي
أتيتك قاصدا يا ذا الجلال
مقرا بالجناية وامتثالي
لأمن النفس في عقد وحلي
إلهي سيدي مولى الموالي
أتيتك قاصدا والجسم بالي
مقرا بالذنوب وسوء حالي
ومعترفا بأوزار ثقالي
أقاد لحملها طوعا لجهلي
آه، كم غريب يحن إلى وطنه بالامتثال، ونسيب يحن إلى مقامه بالاتصال، ولكن آه من هؤلاء المقبلون، وإلى الضوء حاملون، ويلي! لقد قربوا هذا المكان، فأخشى أن يقتلوني وأقع في الخسران، فما لي غير الدخول هنا، وأصعد على هذه الشجرة بدون ارتياب، نعم نعم، هكذا أفعل، عسى أن يحفظني المولى وأبلغ الأمل.
الواقعة الثانية (يدخل جملة من العبيد حاملين صندوق وبه قوت القلوب.)
هلال :
هيا يا أخي مسعود، لنوفي بما وعدتنا به الملكة زبيدة، ونوضع هذا الصندوق في هذه المغارة.
مسعود :
نعم يا أخي، ونذهب بالعجل قبل أن يرانا أحد (هنا يضعون الصندوق في المغارة، ويذهبون وينزل غانم من فوق الشجرة).
غانم :
إلهي وفقني، من هذا لاستمساك بما يقربني إليك من الحمد، واعصمني من الاسترسال فيما يبعدني عنك من الخطأ والعمد، وقد انشرح خاطري، وسرت سرائري، بنجاتي من السودان، بفضلك يا ذا الجود والإحسان، فالسعيد من تأمل في معاني الحكم، وتلقى الأشياء من طريق الاعتبار ، فالحمد لله على خلاصي من بلائي، وما دهاني من شدة عنائي؛ فقد نجوت من مكر هؤلاء العبيد؛ فإنهم لو رأوني لقتلوني، ليت شعري، ما الذي في هذا الصندوق تركوه.
فلا بد أن يكون مالا لبعض التجار سرقوه، وبعد قليل يأتوا إليه ويخرجوه، ويأخذون ما فيه وعلى بعضهم يقسموه، فينبغي علي أن أدخل في هذه المغارة وأنظر ما في هذا الصندوق. (يدخل غانم المغارة ثم يخرج سريعا.)
ما هذا! هه، هذه غادة حسناء، وجميلة هيفاء، بدر محياها فتان، كأنها من الحور الحسان، ولا شك أنها من بنات الولاة، وهي في قيد الحياة، لكن مغمى عليها، فيا ليت شعري، من أوصل هؤلاء العبيد، فلا بد لها من شان، ولكن ما أبدع هذا الجمال الفتان، وما أحلى هذا الدلال والبهجة والكمال.
وعذري الهوى العذري وهو يميل
به مقسم التبريح ليس يمين
لأفتك من ضرب الصفاح تبين
عيون على السحر المبين تبين
تسالمها العشاق وهي تخون
عجبت لها تنسى وقلبي حافظ
وإنسانها يهبي النهى وهو واعظ
وأعجب من ذا الفتك وهو لواحظ
مراض صحاح ناعساة يواقظ
لها عند تحريك الجفون سكون
فآه لها مرضى على شدة الكرى
وهاروت عن أجفانها السحر قد روى
ولا ذنب للولهان في شدة الجوى
إذا أبصرت شيئا خليا من الهوى
تقول له كن مغرما فيكون
ما أجمل هذه العيون المراض الصحاح، وما أعدل هذا القد الذي يزري بالرماح، فيا ليت شعري هذه ابنة من في الأنام؟ وما سبب وقوعها في هذه الآلام؟ فكيف العمل للاطلاع على هذا الأمر، الذي جلب لي الهم والقهر! أني أظنها انتبهت.
قوت :
ألا يا نسيم ما فيك ري للظمآن، وورد للعطشان، جميلة جليلة، شجرة الدر، يا بنات، ويلي، ما هذا الأمر المقدور، ومن أتى بي من بين السطور، ووضعتني بين القبور، فعدمت السرور، لا أعجب؛ فالدهر أبو العجائب، ولا ينفع حذر من قدر، وقد نزل القضاء.
أخلاي من لي والزمان أضاعني
أطال عذابي وانتحالي وخانني
أخلاي من لي إن دهري أخانني
وضاع فؤادي واصطباري وزادني
على أسفي حزنا وذبت من الوجد
أقول وصبري من هواني وحسرتي
جفاني وزادت يا أخلاي بلوتي
غرامي وأشجاني ووجدي ولوعتي
وسقمي وتبريحي ومهدي وحيرتي
وذلي وتغريبي عدمت بهم رشدي
من أنت أيها الأخ الكريم والصديق الحميم؟
غانم :
أنا عبد جمالك الزاهي، وأسير قوامك الباهي، أنا غانم بن أيوب، ساقني إليك علام الغيوب؛ لإنقاذك من هذه الكروب.
قوت :
بمكارمك العميمة، ومحاسن أخلاقك الكريمة، قد أوليتني الإحسان، وسلكت بي طريق الامتنان، بما لا يقطعه سيف الحدثان، فأنعم بك من خليل كريم خطير، وجليل ذو رأي مستنير، من الهلاك أنقذتني، وبفضلك غمرتني، ولكن أقسم عليك ببارئ النسم، وموجد الأشياء من العدم، أن ترثي لحالي، وتخبرني بما جرالي، ومن أتى بي إلى هنا، ورماني في الشدة والعناء.
غانم :
حفظ الله طلعتك المحروسة، وأبقى ذاتك المأنوسة، إن جملة من العبيد أتوا بك إلى هذا المكان، وأنت في هذا الصندوق يا ربة الحسان.
قوت :
لفرط الأسى قلبي يذوب وهل يغني
نواحي وصبري زال من شدة الحزن
بكيت على نفسي وزاد تأسفا
لما بي ولي قلب من الهم في شجن
عتبت على الدهر الخئون لأنني
بكيت دما لو كان سفك الدما يغني
أرى العيش في الدنيا كأحلام نائم
فلذاتها تقضي وأقدارها تضني
شكوت إلى دهري عظيم مصيبتي
فأصبح نائ عني ما لا أذني
يا زمان أهنتني، وفي نفسي أفجعتني، وبحالي أفزعتني، وبحسرتي تركتني، وبحرمتي غادرتني، وبذلتي أوجعتني، وفي البلاء أوقعتني، فلا رأيت لدمعي الغزير، وحزني الكبير، ارحم فتاة يجرح النسيم خديها، وقد جار الزمان عليها، وأوصل يد الأذى إليها، وقد عدمت قواها، وصبرها جفاها، وازداد عناها وبكاها. والشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها، لقد ازدادت بلوتي واشتدت مصيبتي، وعدمت هنائي. فمن فعل بي هذه الفعال، ورماني في هذا الحال؟ فيا دهر تحكم فالبلاء تحتم، والدنيا لا تصفو لشارب ولا تبقى لصاحب، ولا تخلو من فتنة، ولا تتخلى من محبة، رفقا بفتاة عيشها قصير، وحزنها كبير، ودمعها غزير، ويسرها عسير، إلهي ما هذا الحال؛ فقد ذقت مر الوبال ، واغتنمت أعدائي فرص الزمان، وانتهزت فرصة الإمكان، حتى فعلوا بي ما فعلوا، وعن طريق الاستقامة عدلوا.
غانم :
يا شقيقة البدر، ويا درة العصر، انفي عنك الأحزان، واجعليها في خبر كان، واستعملي الصبر بدلا من الجزع، والرفق بدلا من الفزع، وتحققي حسن نيتي، واستبشري بخلاص طويتي، وأوضحي لي حقيقة حالك، وأخبريني بما جرى لك.
قوت :
ما هذا وقت إخبارك بقصتي؛ فقد زادت غصتي، فخذني إلى دارك وبعدها أخبرك بحقيقة الحال، وما قاسيت من الأهوال.
غانم :
أمرك يا أخت الهلال، فهلمي معي لنسير، وعلى الله حسن التيسير.
الفصل الثاني (ترفع الستارة عن قصر الملك، وبه قبر، والعجوزة واقفة.)
عجوز :
قد تمت الحيلة وبلغت المراد، وساعدني على ذلك رب العباد، واجتهدت في سبك الحيل، حتى بلغت سيدتي زبيدة غاية الأمل، وهو أن الخليفة يحب قوت القلوب، وفي إحساسات الحب ما يغطي العيوب، وكان يحبها محبة زائدة، ولا يصبر عليها دقيقة واحدة، فاستولت على زبيدة الغيرة، ووقعت في الحيرة، فعند ذلك طلبتني، وبما جرى أخبرتني، وطلبت مني الإعانة فأعنتها، وعلى أفكارها ساعدتها، وبلغتها القصد والمرام، وصرفت عنها تلك الأوهام؛ وذلك أني بنجت قوت القلوب، واستحصلت على كل المرغوب، وأرسلتها مع جملة من العبيد، فذهبوا بها إلى مكان بعيد، ولخوف الملكة من خليفة العصر، صنعت لها قبرا في هذا القصر، ودفنت فيها شخصا من الخشب، وقد أعلنت موت قوت القلوب في الدار، واشتهر ذلك بين الكبار والصغار، وقد بلغني اليوم أن الملك سيعود من الصيد والقنص، ولا شك أن ذهابه هو الذي مكننا من انتهاز الفرص.
ومع كل يلزمني أن أستحضر الجواري إلى هذا المكان، ليندبان على قبرها عند دخول الملك، وتظهر أمامه الأحزان، ونتمم سبل الحيل لنقطع منه الأمل.
جميلة (تدخل) :
سيدتي زبيدة تقرئك السلام، ومنها إليك مزيد الإكرام، فقط ترغب سبك الحيل منك لأن الخليفة آت على عجل.
عجوز :
قولي لها أن ترسل الجواري إلى هذا المكان، ليندبان معي وينشدان الألحان.
جميلة (لنفسها) :
أف لهذه الماكرة، والغادرة الخاسرة، التي قد غدرت بقوت القلوب ، وأذاقتها الكروب (تذهب ويدخلوا الجواري).
عجوز :
ساعدوني أيتها الأبكار، على سبك حيلتي مدى الأعصار؛ لأن الخليفة سيشرف علينا، وبعد قليل يقدم إلينا، هيا اندبوا معي أيتها الجواري، على قوت القلوب؛ فلقد ذقنا لفقدها الكروب.
الجواري :
أسفا عليك يا قوت القلوب
من ذواك قد نمت منا الكروب
ويحنا الدهر علينا قد سطا
إنما الحكم لعلام الغيوب (يدخل الملك)
الجواري :
مرحبا أهلا وسهلا بالهمام
المليك الأمجد سامي المقام
فتعزى سيدي فيما مضى
وتسلى عز بها قوت القلوب
قد ذوى غصن محياها الرطيب
واختفى بدر محياها العجيب
فاسلو عنها أيها المولى الأريب
نلت أجرا في الصباح والغروب
ملك :
هلما إلى قوت وقولا لقبرها
سقتك الغوادي مربعا ثم مربعا
يا قبر قوت كيف واريت حسنها
وغادرت قلبا هام حتى تصدعا
ويا قبر قوت أنت أول حفرة
من الأرض خطت للمحاسن مضجعا
ضممت فتاة بالدلال تسربلت
وواريت وجها بالجمال تبرقعا
سأسقيك من عيني بكل دقيقة
مذاب فؤاد بالفراق تقطعا
ولما مضت قوت مضى الحسن وانتهى
وأصبح عرنين المحاسن أجدعا
قوت القلوب، قد عظمت لفقدها الكروب، فوا أسفاه، وا حر قلباه، ووقعنا في أعظم المصائب، وحلت بنا جميع النوائب، قوت القلوب، آه، قوت القلوب.
أنت في رحمة الله وقلبي في
عذاب وفرط حزني ضجيعي
وقد تنهدت إن ذكرتك حتى
زالت اليوم عن فؤادي ضلوعي
وا رحمتاه لسقيم عز دواه، وزاد به الحزن ما أدهاه، قوت القلوب، أتذكر حسن زمان مضى، وعيش بالسرور قد انقضى.
الجواري :
اسلو يا فخر الموالي يا عميم الكرم
واسلو عن ذات الدلال يا وافر النعم
دمت يا كهف المعالي يا عالي الهمم
وابقى يا وافي النوال آمنا من النقم
إنما الدهر زوال يا كريم الشيم
واسلو عن قوت القلوب يا رفيع العلم
ملك :
صبرا على الدهر الجاني، الذي لم يرع حقي ومكاني؛ فحتما هذا الحال الشنيع؟ وإلام هذا الحزن المريع؟ قوت القلوب كانت في مدتها لي أنيسة، وعلى حفظ حقوقي حريصة، فاغتنم الدهر الفرصة، حتى تجرعت مني الغصة، وعاندني جهارا، وانهمل دمعي مدرارا، وانهزم جند الأفكار، بهجوم جيش الأكدار، لعمري هذا هو البلاء العظيم، والشقاء الجسيم ... اكشفوا لي عن قبرها؛ لأرى ضجيعها في سراها.
عجوز :
أيها الملك المعظم، والشهم العادل المكرم، فأنت السيد السديد والكامل الرشيد، أسألك بالذي رفعك إلى هذا المقام، أن تسمع مني هذا الكلام؛ لأن الدنيا قاطعة مانعة، والآخرة جامعة نافعة، واتبع رضا المولى بالتصبر على المصائب، والتجلد عند حلول النوائب، ولا ينبغي لمولانا السلطان، كثرة الهموم والأحزان، على جارية مرغوبة وغادة محبوبة، وفي ملكه ما يغنيه عنها، وفي قصره أجمل منها.
الناس للموت كحيل التراد
فالسابق السابق منه الجواد
والله لا يدعو إلى داره
إلا من اصطلح من ذي العباد
والموت نقاد على كفه
جواهر تختارها الأجياد
لا تصلح الأرواح إلا إذا
يروى إلى الأجساد هذا الابتعاد
ملك :
أيتها الجواري، قد ازدادت أشجاني، وتلهبت نيراني، ولا يمكنني أن أخرج من هذا المكان، لما اعتراني من الهموم والأحزان، فأتوني بشيء عليه أنام، لعلي أراها ولو في المنام. (يذهبون الجواري، ثم تدخل جميلة وجليلة بفراش الملك.)
جميلة :
أمرك أيها الهمام.
ملك :
نعم لا ينبغي الحزن للملوك والأمراء، لكن ماذا أصابني فيما قد جرى! (ثم ينام).
جليلة :
أظن أن مولانا ليس له علما بما قد جرى يا جميلة، حتى إنه يحزن على قبر خالي صنعته يد الحيلة، وليس فيه إلا خشبة مصنوعة، وهي بيد العجوزة موضوعة.
جميلة :
وأي شيء أصاب قوت القلوب.
جليلة :
يعلم الحقيقة علام الغيوب، وهي أن السيدة زبيدة أرسلت إليها من يبنجها، وفي الصندوق يضعها، وأعطتها لجملة من العبيد، فذهبوا بها إلى محل بعيد، وعلى ما بلغني أخذها شاب من بلاد الشام يدعى غانم بن أيوب، ولها عنده مدة من الأيام.
جميلة :
إني لأعجب من هذا، ألم تمت قوت القلوب؟
جليلة :
لم تمت، بل هي عند غانم بن أيوب.
جميلة :
وعلام يشتكي مولانا السلطان كثرة الهموم والأحزان؟
جليلة :
لأنه لا يعلم بهذه القضية، وهو حزين على خشبة في هذا القبر ملقية.
جميلة :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا .
ملك :
ويأتيك بالأخبار من لم تزودي، أقوت القلوب لم تمت؟
جليلة :
سلامتها يا مولاي من الموت.
ملك :
ومن أين لك هذا يا جليلة؟ كيف تعلمين ما جرى هو محض حيلة؟
جليلة :
قد سمعت من بعض الزائرين إلى القصر، لما يزيل عنك القهر.
ملك :
أخرجن وأرسلن من يأتي بجعفر ومسرور.
الاثنين :
أمرك يا معدن السرور (يذهبان).
ملك :
لا حول ولا قوة إلا بالله، قد انخدعت بهزيان هذا الكلام، وسهرت الليل الطويل في الظلام، وأشغلت بالي على قبر خالي، وجاريتي عند غيري مقيمة، لعمري حالتي ذميمة، ولا شك أنهما تواصلا ببعضهما، فالويل لهما ولا بد من قتلهما، وسأقتل غانم بن أيوب، وألحق به جاريتي قوت القلوب (يدخل جعفر ومسرور).
جعفر :
أقبل أعتاب المليك أخا العلا
عميم الندى وافي المكارم والولا
فلا زلت كهفا للمكارم والندى
وحصنا منيعا في البرية والملا
مسرور :
أيا ملك الأنام لك التحية
ودمت محكما بين الرعية
فدم واسلم بعز ما يفنى
حمام في الصباح وفي العشية
ملك :
يا جعفر، قد علمت بالخبر اليقين، وظهر لي ما خفي على العين، وعرفت ما جرى لقوت القلوب، وأرشدني للحقيقة علام الغيوب، وظهر لي ما دبرته تلك العجوزة الغادرة والخائنة الماكرة؛ فقد فعلت بجاريتي ما فعلت وصنعت بها ما صنعت، وقالت إنها في هذا القبر دفنت، فاذهب وفتش على غانم بن أيوب، وأوقع به الكروب، واقتله بلا مهل، وأحضر جاريتي على عجل، وإن لم تجده فاكتب لعامل الشام أن يقتله ويذيقه الإعدام.
جعفر :
أمرك أيها الهمام، سأسير من الآن، وأفتش على ذاك المهان، وأوقع به الذل والهوان.
ملك :
وأنت يا مسرور، اذهب الآن، واقتل العجوزة بلا توان.
مسرور :
أمرك يا معدن الإحسان.
الجميع (لحن الختام) :
أي نعم هذا هو الحق ولا
غيره يجدي لإبلاغ الأرب
فلنسر بالحزم والعزم على
سرعة كبرى مجدين الطلب
نسأل الستار سترا دائما
ليزول الهم عنا والكرب
الفصل الثالث (ترفع الستارة عن منزل غانم وقوت القلوب بجانبه.)
غانم :
يا ربة الحسن الزاهي، والجمال الباهي، عندي من خالص المحبة ، وبقلبي من صافي المودة، ما أرفع حديث الشوق إليه، ولا أستطيع الدفاع جسدي عليه، فهلا تسمحي لي ببلوغ الأرب، بعد هذا التعب.
قوت :
يا عزيزي، تصبر على الشدة، وانتظر فروغ المدة، ولا تكن أسير الجوى؛ فإنه يهد القوى، واكتفي بالكفاف، وتصبر بالعفاف.
غانم :
يا عزتي كم عالم ذل، وعابد ضل، فهل من سبيل إلى الوصال؛ فقد ضاق مني الحال، وارحمي عبدا أينما حبك بضير الفؤاد، وسهر الليل الطويل بذكرك حتى نفا الرقاد، فاصفحي الصفح الجميل، وارحمي العبد الذليل، فأنت راحة جناني، وحسنة زماني، فاشربي معي كاس الصفا، واعدلي يا حبيبتي عن طريق الجفا؛ لأن وجدي شديد، وشوقي ما عليه من مزيد، فلا تقطعي ودي ولا تنسي عهدي، واشفي خاطرا عليلا، ارحمي جسما نحيلا، وأجيبي سؤالي وحققي آمالي.
قوت :
العهد البعيد، والكدر ما عليه من مزيد، فحق فيك ظني، وثق بحفظ عهدك مني، فإن مع كثرة فضلك، وملاحة شكلك، أولى بصيانة عرضي دون الأنام، وبسط الرحاب وحفظ الزمام.
غانم :
الله يطول لنا مدة عمرك، ويمد أيام عزك، ويمتعني الله بقربك؛ فقد سلبت فؤادي، ونما سهادي، وهل يهدأ لي قرار وهجوع، ولواعج النيران تتلهب بين الجوانح والضلوع.
قوت :
لا تكن ممن غلب عليهم هواهم فهد قواهم؛ فقد انشغل مني البال، وقضى البلبال، أف لهذا الدهر الخئون، إنا لله وإنا إليه راجعون.
غانم :
الدنيا طبعها القدر، وشرابها القهر، فاحمدي الله على كل حال، ولكن مرادي أقضي بك ليالي وأيام، تكون غرة لوجه الدهر، ولنا نعيم وابتسام.
قوت :
سلام على تلك المعاهد، وحيا الله سالف تلك الموارد، ولا توقع نفسك في الضلال؛ لأن وصلي ضربا من المحال.
غانم :
قد طال تلهفي، وكثر انتحالي وتأسفي، وانصدع قلبي، وانزهل لبي. (لحن على وزن يا نمرة نمرتيني):
بديعة المحيا
صلى المحب البالي
قوت :
صه لا تكن بغيا
فإن وصلي غالي
غانم :
يا طلعة الثرى
صليني حان حاني
قوت :
حبيبي كن تقيا
واصبر على الأهوال
غانم :
يا قوت عيل صبري
وفيك عطف بالي
قوت :
وصالنا بعيد
يا صاحب النوال
غانم :
ألا يا قوت رفقا عيل صبري
ورقي فالغرام أذاع سري
قوت :
أغانم دع هواك فدتك نفسي
فإن الأمر هذا عين ضري
غانم :
كيف أسلوك يا بغيتي
والهوى هد منيتي
قوت :
خلي عشقي وصبوتي
واترك الحب بالتي
غانم :
ترفقي أيتها البهية، وارحمي عيوني البكية.
قوت :
اترك أمر الوصال بالكلية ... ودعنا نعيش عيشة هنية.
وذي حاجة قلنا له لا تبح بها
فليس لها ما حييت سبيل
لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه
وأنت بغير صاحب وخليل
غانم :
ومن هو غير خليل، يا ربة الوجه الجميل.
قوت :
اعلم أيها الفريد، إنني من سراي الخليفة هارون الرشيد، وكان يحبني حبا ما عليه من مزيد، فاستولت على زبيدة الغيرة، وأوقعتني في الحيرة، وأرسلت إلي من يبنجني، وفي صندوق وضعتني، وأرسلتني مع جملة من العبيد، فرموني في إحدى الترب، وأنت أخرجتني يا رفيع الرتب، فلا يمكنني إجراء ما ذكرت من الوصال؛ لأن الخليفة لا بد ما يطلبني يا زين الرجال.
غانم :
حكت لنا بواضح الأمر، بما هد مني الحيل.
قوت :
أغانم، تب عن الأوزار، وكن عفيف الذيل.
غانم :
عدلت الآن عن العصيان، ورمت العفو والغفران!
قوت :
أخا الأشجان دع الأحزان؛ فإن الله ذو الغفران.
غانم :
ودمعي جرى مما جرى.
قوت :
لا تحزن أيها المحبوب؛ فإن الله غفار الذنوب، فعاملني يا صاحب الإحسان، معاملة الإخوان.
غانم :
نعم يا مائسة القوام، بما أنك لسيدي الخليفة الهمام، فما كان لسيدي فهو على العبد حرام، فأنتي عندي بمنزلة أختي فتنة، التي بفراقها جلبت لي كل محنة، فلا تفتكري يا زهرة الجمال؛ فإني لا أذكر لك بعدها أمر الوصال.
قوت :
لا أدري ما الذي جرى لي حين سمعت هذا المقال، فأظن أنني فتنت بهذا الجمال، وتيمت بهذا الوجه اللطيف، وسئمت من عشق هذا الخسر النحيف، وسحرني هاروت بهذا الطرف الكحيل، وما بقي إلى الفرار سبيل. (هنا ترمي نفسها على غانم.)
إليك أخا الهوى أهديت نفسي
فصلني فإن وصلك عين أنسي
غانم :
أنا يا قوت لا أرضى بوصل
ولو أني سكنت اليوم رمسي
قوت :
خلي عنك هذا الدلال ... واسمح لي بطيب الوصال، فإن عشقك أشغل مني البال.
غانم :
أرى ماء وبي عطش شديد
ولكن لا سبيل إلى الورود
قوت :
إذن بما نسلي أفكارنا يا زاهر القوام؛ فقد استولى علي وعليك الغرام.
غانم :
لا بأس من أن نستدعي غلمان صديقي عبد الرحمن؛ فهم ينعشون الأبدان، ويطربون بأصواتهم الألحان ... يا غلام.
خادم :
لبيك أيها الهمام.
غانم :
اذهب إلى صديقي عبد الرحمن، وقله له شرف مولاي أنت وندمانك الحسان.
خادم :
أمرك يا رفيع الشان.
غانم :
نزهت في روض المحاسن مقلتي
وامنع نفسي أن تنال محرما
واحمل من ثقل الهوى لمودتي
ويصب على الصخر الأصم لهدما
وينطق طرفي عن نسيم خاطري
فلولا اختلاسي رده لتكلما
رأيت الهوى من الناس كلهم
فلست أرى حبا صحيحا مسلما
خادم :
قد حضر غلمان صديقك عبد الرحمن، وهو سيحضر بعد قليل إليك يستأذن لهم بالدخول عليك.
غانم :
نعم، فليدخلوا.
خادم :
السمع والطاعة (ثم يدخلوا الغلمان).
غانم :
اجلسوا وأسمعونا شيئا من الألحان.
نديم أول :
سمعا لك يا رفيع الشأن.
الجميع :
بدر أدر لي كأس الطلى، يا ليل يا عين، فالراح لي مضنى حلا، آه يا ليلي، شمس تجلت وانجلت، آه يا عين، آه يا ليلي ذبت شوقا، وهو عني معرض، لست أدري هو بخل أم دلال.
غانم :
أسمعنا بمفردك شيئا من الإنشاد.
نديم :
أمرك يا زكي العقل والإرشاد.
أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت
ولم تخف سوء ما يأتي به القدر
غانم :
أعوذ بالله، إني تشاءمت من هذا الإنشاد.
نديم :
استمع إلى الباقي يا حسن الرأي والسداد.
وسالمتك الليالي فاغتررت بها
وعند صفو الليالي يحدث الكدر
خادم :
مولاي الرفيع الشان، قد حضر صديقك عبد الرحمن.
غانم :
وهل بيننا وبينه حجاب؟! دعه يدخل بدون ارتياب.
خادم :
السمع والطاعة (ويحضر عبد الرحمن).
غانم :
أهلا وسهلا، تفضل يا صاحب الوقار.
عبد الرحمن :
لا لا، الفرار، والهرب من هذه الديار؛ لأني حينما كنت آتيا إليك، وجدت جعفر ومسرور يفتشون عليك، ومعهما جملة من العسكر، يريدون قتلك أيها الهمام، والقبض على قوت مائسة القوام، فأسرع يا صديقي بالهرب، قبل ما يحل بك العطب (ويذهب).
نديم :
ائذن لنا أيها الأمير بالذهاب، قبل ما تغلق في وجوهنا الأبواب.
الجميع :
يا هماما ساد قدرا، هب لنا إذن الذهاب، لمولانا فهو في انتظار.
غانم :
ها أنا أمضي أراه في ذي الآن.
قوت :
آه حبيبي غانم.
غانم :
اصبري مهلا يا فؤادي، واقتدي أهلا لودادي، يا من قلبي.
الجميع :
عفوا وامنح لنا الذهاب، إنه طال الاصطبار، وقد حان.
غانم :
اصبروا على الولهان.
الجميع :
وقتنا هنا قد طال، أيها الهمام الأعظم.
غانم :
آه، ارحموا فؤادي المغرم.
الجميع :
إنه حان الذهاب، ولقد طال الغياب، سيدي كفى إمهال.
غانم :
آه، أمان.
الجميع :
سر بنا إذن في الحال، وقتنا هنا قد طال.
غانم :
كوني في أمان (ويذهبوا الجميع ما عدا قوت، ثم يدخل جعفر والعسكر).
قوت :
آه يا غانم، مرحبا بسيدي الوزير، صاحب الرأي المنير.
جعفر :
أين غانم يا بنت الكرام؟
قوت :
قد ذهب بتجارة إلى الشام.
جعفر :
قد أمر الخليفة بقتل غانم بن أيوب، والقبض عليك يا قوت القلوب، اعذريني في هذه القضية، ولا تنسبيني للغرضية.
قوت :
افعل ما أمرت به يا ذا الشيم المرضية.
ظلموا غانم ذو القلب السليم
ورموني بالنكد
وبسجني حكموا هل من رجيم
واصطباري قد نفد
العسكر :
كيف يجدي النجد والملك العريم
وبهذا قد قصد
فاسبل الستر علينا يا كريم
أنت عوني والمدد
الفصل الرابع (ترفع الستارة عن هيئة سجن، وبه قوت القلوب، والسجان على الباب.)
قوت :
الدهر قطع اوصالي
من بعد باهي الجمال
اسمح بوصل يا غزالي
فالسجن غير أحوالي
آه، قد جار الزمان علي، ورماني في الهوان، وكساني ثوب الأحزان، وحكموا بفرقتي عن حبيبي، وهو من الدنيا نصيبي، فآه، وا حزناه! بعدما كنت أنام فوق الفراش تحت الستور، صرت أنام في السجن فوق التراب والصخور.
زاد حزني من فؤادي والهوان
هد حيلي ما احتيالي يا زمان
حسن صبري قد نأى عني وبان
يا إلهي جد علي بالأمان
ويلاه! قد ضاقت علي في السجن الدنيا، وفقدت المحيا، وأبعدوني عن حبيبي غانم، وما لنا ذنب سوى العفاف، والتحلي بصفة الأشراف.
في السجن قد ذقت الأحزان
والقيد قطع أوصالي
والسقم قد هد الأبدان
ويلاه حالت أحوالي
ويلاه من جور الأنام
قد حيرتني عذالي
فارثوا لقد زاد الأسقام
والصبر حقا أولا لي
ولكن يلزمني الصبر على حكم الدهر، فعسى أن يساعدني الزمان بقرب شقيق البدر.
قل للذي بصروف الدهر عايرنا
هل عاند الدهر إلا من له خطر
أما ترى البحر تعلو فوقه جيف
وتستقر بأقصى مائه الدرر
وفي السماء نجوم لا عداد لها
وليس يكسف إلا الشمس والقمر (هنا يدخل مسرور وجملة من العسكر.)
مسرور :
أحضر لنا قوت القلوب؛ فقد صدر الأمر بقتلها وإذاقتها الكروب.
سجان :
الحكم لعلام الغيوب، اخرجي وعاملي نفسك بالتي يا بنت الكرام، واصبري على جور الأيام.
قوت :
هل حصل شيء أيها السجان.
سجان :
ماذا أقول لها الآن، وا أسفاه، نعم يا صاحبة الجاه، ها هو قد أتى سيدي مسرور، فاسأليه عما جد من الأمور.
قوت :
مرحبا بمسرور الهمام، أخبرني بما جد في هذه الأيام.
مسرور :
الحكم يا قوت القلوب للعليم العلام؛ إذ عن قريب ينفذ الأمر المقدور، وتجاوري سكان القبور، وذلك بأمر الخليفة، فأعذريني لأني عبد مأمور. (يغطي عينيها ويركعها، ويدخل الملك مستخفيا.)
قوت :
خبر رشيد حق يا باهي الشيم
بأنني قد أذقت في السجن العدم
وأن حبيبي غانم باهي الثنا
من قبل موتي طاهر أذاق العدم
وا أسفاه، وأنت خبرة؛ فقد بلغ الكرب منتهاه، ومن استوثق بالزمان أهانه، ومن استعظم عليه هانه، ولكل نجمة أفول، ولكل زهرة ذبول، فاصبر أيها الحبيب، فإن قدومي عليك قريب، وإني سائرة إليك ووافدة عليك؛ فقد حفظت يا حبيبي حق من لم يحفظ حقك، وصنت عرض من لم يصن عرضك، وأحسنت لمن أساء إليك، فرحمة الله عليك.
ملك :
من الذي صان عرضي ولم أصن عرضه يا قوت القلوب؟
قوت :
هو مولاي غانم بن أيوب؛ لأني لما بنجت ووضعت في الصندوق أخرجني، ولم يدن مني بفعل يغضب الإله المنان، أو يخل بشرف ناموس مولانا السلطان، فحبستني وقتلته ظلما وعدوان، وقد أمرت الآن بقتلي يا ملك الزمان.
ملك :
أحقيقي هذا الخطاب؟
قوت :
حقيقي ورأسك أيها المهاب.
ملك :
إن غانم لم يقتل يا قوت القلوب، وسنفرج عنك وعنه إن شاء الله الكروب، فتمني علي ما يسرك؛ لأحسن به عليك بعد هذه الخطوب.
قوت :
أتمنى، أتمنى، أن تهبني لحبيبي غانم بن أيوب.
ملك :
وأين هو يا قوت القلوب لأهبك إياه، وأصرف عنكما الخطوب والكروب.
قوت :
لا أدري وحق علام الغيوب، فأرجوك أن تأذن لي بالتفتيش عليه، فلربما أجده وأبلغه رضاك عليه.
ملك :
قد أذنت لك في الوقت الذي تريديه، وسأبلغ كلا منكما بعد حضوره ما يشتهيه، وقد عفوت عنك وعنه بلا خلاف؛ وذلك نظرا لثباتكما على الصيانة والعفاف.
قوت :
حيث سمحت لي بالتفتيش عليه أيها المفضال، فائذن لي بأن أتزيا بزي الرجال.
ملك :
لك ذلك في الوقت الذي ترغبيه يا بنت الكرام، ومني عليك السلام.
الجميع :
قدرك الباهي يسمو بالإنعام
ملكك الزاهي مولا الأنام
يا شمس الأنام والبدر التمام
يا عالي المقام تسمو بالإكرام
أمان
احفظ يا كريم وأدم عزه المستديم
ذو الإحسان العميم والجود المستديم
فالهنا دنا ونلنا المنا
ودمنا في هنا بحسن الختام
الفصل الخامس (ترفع الستارة عن أوده نجاري، وبها صالح، وغانم نائم، والخادم واقف.)
صالح :
أيها الدهر ما كفاك عنادا
جرت ظلما وكم أذبت فؤادا
لو تنادى فما أراك منادا
إن لله في العباد مرادا
إني لأعجب من جور الأيام؛ حيث لا ترمي بمصابها إلى الكرام، ومن أعجب ما جرى في الماضي من العصور، إني كنت ذاهبا إلى بعض الأشغال، فوجدت هذا الشاب مطروحا في الطريق، غائبا عن الصواب، ولما عرفته غريبا عن الأوطان، أتيت به إلى هذا المكان، ولم أدر هو من أي البلاد، ولا أعرف له اسما بين العباد، ولكن جذبتني إليه داعي الشفقة، وما أسديت إليه من الإحسان وصدقة ... يا غلام.
خادم :
لبيك أيها الهمام.
صالح :
أحضر ماء ورشه على وجه هذا العليل.
خادم :
أمرك أيها الجليل (ويحضر الماء ويرشه على وجه غانم).
غانم :
بلوت الناس قرنا بعد قرن
فلم أر غير ختال وقال
ولم أر في الخطوب أشد هولا
وأصعب من معادات الرجال
وذقت مرارة الأشياء طرا
فما شيء أمر من السؤال
يا أيها الملأ أفتوني في أمري؛ فقد ضاق والله صدري، وانعكس سعدي وانقلب، وصادمني الدهر بلا سبب، فهل من رحيم يرحم الشكوى، ويتأمل في بلاها من نازلة التقوى.
صالح :
فاصبر لها غير مختار ولا ضجر
في حادث الدهر ما يغني عن الفكر
غانم :
ومن العجب من القضاء وصنعه
موت اللبيب وطيب عيش الأحمق
صالح :
هي النفس ما حملتها تتحمل
وللدهر أيام تجور وتعدل
وعاقبة الصبر الجميل جميلة
وأحسن أخلاق الرجال التفضل
ولا عار إن زالت عن الحر نعمة
ولكن عار أن يزول التفضل
غانم :
أيها السيد الجليل، والحسيب النسيب الأسيل، بفضلك علي قد أوليتني جزيل الإحسان، وقلدتني قلائد الامتنان، فأنعش الله بالك، وأحسن في الدارين مآلك.
صالح :
قد اتفق لي مشاهدتك، فلا بد من أن أحيي أيامك، وأزيد في إكرامك، وتقيم في محلي بين أولادي وأهلي، حتى ينتظم لك الأمر وتنجو من هذا الشر.
غانم :
أبقاك الله راقيا أوج الكمال، رافلا في ثوب المهابة والإجلال.
صالح :
يا أعز الأحباب، عندي من الرأي والصواب، أن تركن إلي، فاقم عندي حتى ينتظم لك الحال، واعلم بأني شفيق عليك، وسأخدمك بما يعود نفعه إليك، حتى تنجلي الشرور عن أبصار أفكارك، وتدور مؤانسة التهاني عن إبصار أسرارك، فتتوصل إلى بلوغ مقاصدك، ويقع الأمر كيفما تريد ... يا غلام.
خادم :
لبيك أيها الهمام.
صالح :
ترفق بهذا الرجل الكامل، وأحضر له ما طلب من الطعام، واخدمه بنفسك على الدوام، ليحظى عندنا بالمرام، وكلما حاباك أو حياك ونطق باسمك أو ناداك، فقابله بالبشاشة والإكرام والشهامة، وأحضر له طبيبا يعالجه حتى يشفى، ولا تدخل عليه بالي، لأني ذاهب إلى بعض أشغالي (ويذهب).
خادم :
مولاي، أنا واقف على قدم الطاعة رهين إرادتك.
غانم :
بلغك الله الآمال، وأصلح إليك الأحوال، فاذهب أنت إلى خدمة مولاك.
خادم :
بلغك الله من الشفا مناك، فها أنا ذاهب لآتيك بطبيب يداويك. (ويذهب)
غانم :
هم حملوني في الهوى فوق طاقتي
فمن أجلهم قامت علي قيامتي
وما كنت لولا هجرهم وصدودهم
حليف ضنى بل للطبيب إرادتي
بحقكم يا جائرين تعطفوا
فقد رق لي من جوركم كل شامتي
وكان ظني أن تسمحوا لي بنظرة
تخفف أشجاني وفرط صبابتي
سألت فؤادي الصبر عنكم فقال لي
إليك لحان الصبر من غير عادتي
أقيم إلى الداع الدفين جوانحي
وأظهر من خوف الرقيب بشاشتي
وليس تلافي بأن بليت بهجركم
عجيب ولكن العجيب سلامتي
وكيف اشتغالي عنكم لا عدمتكم
ونار الأسى والشوق ملء حشاشتي
فوا حسرتي طال الأسى وتصرمت
دهوري ولم يك مصيبكم كمصيبتي
آه، وا حسرتاه، ليت شعري أين أنا؟ من أتى بي إلى هذا المكان؟ الذي كأنه بقعة من الجنان، آه، قد جار علي زماني، وبفرقة أمي وأختي دهاني، وبعدي عن حبيبتي قوت القلوب، التي من أجلها ذقت هذه الكروب. (يدخل صالح)
صالح :
تمتع بالسرور وعش مصانا
مدى الأيام يا شمسي وبدري
غانم :
يدم لك السرور مع التهاني
مدى الأيام يا نفسي وزخري
صالح :
كيف تجد نفسك الآن؟ فهل زالت عنك الأحزان؟
غانم :
يا صاحب الإحسان والجود الذي
مدعمني أروى به أمل الصدوى
ورجوت منه الخير ما أملته
لنروي عن جوده المتردد
لا زلت في كنف الإله وستره
متفياء ظل النعيم السرمدي
خادم :
مولاي، إن بالباب امرأتين عليهما آثار النعم يطلبون الدخول عليك يا معدن الكرم.
صالح :
فليدخلا.
خادم :
السمع والطاعة (ويذهب يدخلهما).
صالح :
أهلا بدرتي العصر وجوهرتي الدهر، مرحبا بالعزيزتين، أهلا بالسيدتين الكريمتين، أجلسا في أعز مكان، وسعى جهدي في بذل الإحسان، أيها الخادم، خذ هاتين الفقيرتين، ولا تغفل عن إكرامهن، وها أنا ذاهب لبعض الأشغال، وسأعود إليك في الحال (ويذهب).
خادم :
اجلسن هنا، فستنالون كل المنا.
ظهرة :
انظري يا ابنتي هذا العليل؛ فإنه شاب جميل، فلنسأل المولى الجليل، أن يخلصه من هذا السقم الطويل، أو يمن عليه باجتماع أخيك الخطير، إنه السميع البصير. (يدخل صالح مع قوت القلوب بزي الرجال.)
صالح :
شرف يا مولاي وانظر هؤلاء الفقراء، فأن جميعهم عندي يا صاحب الوفا، أما هذا الشاب السقيم، فإني وجدته على قارعة الطريق مقيم، وللآن ما عرفت اسمه ولا علمت سبب سقمه، وأما هاتين الفقيرتين، قد حضرن إلى هنا بلا مين، فدعاني داعي الشفقة والإحسان، أن أخلي لهما هذا المكان، ولما علمت أنك تبحث على بعض الأعراب، أخبرتك عليهما بلا ارتياب، فإن كان الذي تبحث عنه موجودا هنا يابن الكرام؛ فقد نلت المرام.
قوت :
أنتما من أي البلاد؟
ظهرة :
نحن يا مولاي من بلاد الشام، وكنا من أكابرها، فجارت علينا الأيام، وكان لي ولد وحيد، فغاب عني وطال بعده وجفاه، وكان ذاهب إلى دار السلام بتجارة أخذها من الشام، ولما لم يتدبر في حوادث الزمان أحب جارية من جواري مولانا السلطان، وبلغ الملك أنهما اجتمعا ببعضهما، فغضب عليهما وسجن الجارية، وأمر بقتل ولدي وحشاشة كبدي، وصدر الأمر بنهب دارنا التي في الشام، فنهبوها وأخرجونا منها، فسرنا وبعد التعب والاجتهاد دخلنا إلى مدينة بغداد.
قوت :
أخبريني، ما اسم ولدك يا بهجة الدهر؟
ظهرة :
اسمه غانم بن أيوب يا فريدة العصر.
قوت :
أغانم ولدك يا أماه؟
ظهرة :
نعم ولدي بلا اشتباه.
قوت :
وا أسفاه، وا حر قلباه، اعلمي أن ولدك غانم هو حبيبي، ومن هو في الدنيا نصيبي، والجارية التي أحبها هي أنا، وكم ذقت في حبه العنا، وما اجتمعنا على معصية أبدا، بل كنا كأخوين متفقين، وبلباس التقوى متسربلين، ولما علم الخليفة بأمرنا وتحقق له صيانة عرضنا أوهبني له يا أماه، وأمرني بالتفتيش عليه لكي أبلغه مناه، ولكن من هذه الصبية؟
فتنة :
أنا أخته فتنة، من ذاقت لفراقه كل محنة.
قوت :
وا حبيبتاه.
ظهرة :
وأنت ما اسمك يا سيدتي؟
قوت :
أنا من ذقت في حب غانم الكروب، وقعت في الخطوب، أنا حبيبته قوت القلوب (هنا ينتبه من نومه).
غانم :
قوت القلوب، آه، قوت القلوب.
قوت :
حبيبي غانم بن أيوب، آه، أأنت غانم.
غانم :
نعم يا مزيلة الكروب.
قوت :
وا حبيباه.
ظهرة :
وا ولداه، وا نور عيناه.
غانم :
وا أماه، وا فرحاه.
فتنة :
وا أخاه، وا شوقاه.
غانم :
وا أختاه، وا عزيزتاه.
صالح :
وا غلاماه.
خادم :
وا سيداه (ويذهب الخادم).
قوت :
أبشرك يا حبيبي بعفو الملك عنا بعد علمه بصداقتنا فيما فعلنا، وقد وهبني إليك، وإني كنت سائرة لأفتش عليك، فوجدت أمك وأختك في هذا المكان، وقد فقدنا بعد تغيبك الجنان.
غانم :
الحمد لله الذي من علينا باللقاء، وخلصنا من البلاء، فهذه ثمرة العفة والصيانة، وعاقبة الصدق والأمانة.
خادم :
إن الخليفة يا مولاي قد قارب باب الدار، تعلوه المهابة والوقار، ومعه جعفر ومسرور، ويريدون الاستراحة قليلا ليتم لنا بوجودهم السرور، فاستعد لتشريف مقامهم العالي.
صالح :
هيا افرشوا هذا المكان، وأنتم استعدوا لقدوم مولانا السلطان.
الجميع :
في سماء السعد مجدك
يرتقي أعلى مكان
وازدهى بالعز ملكك
مرحبا مولى الموالي
مرحبا بدر الزمان
أنت سلطان المعالي
صاحب القدر المصان
دمت يا رب الكمال
بالغا أعظم شان
أقبل السعد وهنى
صاحب العفو الكريم
وازدهى حسنا ومعنى
قدره السامي العظيم
ملكه الزاهي تهنى
في أمان مستديم
يا إلهي زده قدرا
وابقه طول الدوام
واعطه عزا وفخرا
في سرور وأمان
ملك :
وأنت ما تصنعين هنا يا قوت القلوب؟
قوت :
قد اجتمعت مع عبدك غانم بن أيوب، وها هو بين يديك يا مفرج الكروب.
ملك :
قد أسأنا إليك يا غانم يابن أيوب، ولما بلغنا صدقك وهبنا لك قوت القلوب، وسأعوض عليك مالك الذي نهبوه منك في الشام، وسأكتب بالتفتيش على أمك وأختك بكل إقدام.
غانم :
فقد اجتمعنا هنا يا ملك الزمان، ومن بسط على رعاياه بساط الأنس والأمان، وهذه أمي وهذه أختي يا صاحب الإحسان.
ملك :
والله إن هذا الاجتماع لعجيب، وأمره مطرب غريب.
صالح :
حيث كان الاجتماع عندي يا زين الأوصاف، فأرجوك أن يكون عندي الزفاف.
ملك :
لك ذلك يا معدن الألطاف (ويسار جعفر).
جعفر :
حيث سمح لك مولانا يا غانم بقوت القلوب، وأزال عنك الكروب والخطوب، فقابله بنتيجة الطلب؛ حيث يريد الزواج بأختك فتنة؛ لأنها وقعت لديه موضع الاستحسان.
غانم :
هي جارية تهدى مني إليه، وأنا وأمي وأختي خدما بين يديه.
ملك :
بارك الله فيك يا غانم، فاغمره يا جعفر بخيرنا الدائم، زوجه لقوت القلوب، ليزول عنه الكروب، وافتح خزائن الإحسان، واغمر بالنعم كل قاص ودان، ليثنوا علينا في البداية والختام، ولنقول على كل حال: «وعلى الله الاتكال.»
الجميع :
أنعمت بالخير الجزيل
يا أيها الملك الجليل
فاسلم ودم طول المدى
بالأمن يا شافي الغليل (تمت الرواية)
رواية عفيفة
ترجمة المرحوم الأستاذ الكبير الشيخ أحمد أبي خليل القباني الدمشقي نقلا عن كتاب «الموسيقى الشرقي»
1
هو العلامة الفاضل، والأديب الكامل، الأستاذ الجليل، الشيخ أحمد أبي خليل.
ولد المترجم من أسرة كريمة المحتد بمدينة دمشق المحمية، سنة 1258ه، ولما ترعرع شمر عن ساعد الجد في اجتناء ثمر العلوم، حتى صار بين أخدانه كالبدر بين النجوم، وارتقى ذروة المعارف، فتحلى من المجد بالتالد والطارف، وفي ذلك الحين كلفه «صبحي باشا» والي تلك الديار، والعالم بما في الأسفار، من جليل الأخبار، أن يؤلف جوقا للتمثيل، الممزوج بالغناء والترتيل، ليرقي بواسطته الأفكار السقيمة، إلى مكارم الأخلاق والمبادئ القويمة، فقام بهذه المأمورية خير قيام، حتى افتخر به الخاص والعام، وما زال بين آله وصحبه في أسعد حال، وأرغد عيش وأنعم بال.
والشمل مجتمع والجمع مشتمل
على الجميل وحسن الخلق والخلق
حتى أنزلته الأيام بعد إثبات رجله في ركابها، وخذلته حوادث الدهر بعد أن ذلل العظيم من صعابها.
ومكلف الأيام ضد طباعها
متطلب في الماء جذوة نار
ذلك أن بعضا من مشايخ الشام قدموا تقريرا إلى دار خلافة الإسلام، قالوا فيه ما معناه: إن وجود التمثيل في البلاد السورية، مما تعافه النفوس الأبية، وتراه على الناس خطبا جليلا، ورزءا ثقيلا، لاستلزامه وجود القيان، ينشدن البديع من الألحان، بأصوات توقظ أعين اللذات، في أفئدة من حضر من الفتيان والفتيات، فيمثل على مرأى الناظرين، ومسمع من المتفرجين، أحوال العشاق، وما يجدونه من اللذة في طيب الوصل بعد الفراق، فتطبع في الذهن سطور الصبابة والجنون، وتميل بالنفس إلى أنواع الغرام والشجون، والتشبه بأهل الخلاعة والمجون، فكم بسببه قامت حرب الغيرة بين العشاق، وسفك الدماء البريئة وأراق، وكم سلب قلب عابد، وفتن عقل ناسك، وحل عقل زاهد. كذا قد يرى الإنسان فيه من اللهو، وأحاديث اللغو، ما يذهب بفكره، ويضل الطير عن وكره، حتى إذا ما ارتكبت النفس أعظم الموبقات، واحترمت أنكر المحرمات، وابتذلت الخدور، ونفقت سوق الفحش والفجور، وذهب المال، وساء الحال، لا ينفع من ثم التلافي بعد التلاف، ولا يرد السهم إلى القوس وقد خرق الشغاف، ومثلوا بالتمثيل، زاعمين أنه أس كل رزيلة وفعل وبيل ...
فحرر الأوغاد كتابا إلى أحد أعيان الإسكندرية، المشهود له بالفضل وحسن الطوية، يستشيره في الشخوص من عدمه، ويخبره بما جرعه الدهر من كأس غدره وظلمه، فاستدعاه، مؤكدا له نيل مناه، فكان الناس ينتظرون وقت وصوله، انتظار المحب رجع رسوله، وأقاموا يترقبون تحقيق ذلك الأمل حتى حضر الفاضل الأجل، فقوبل من وجهاء القوم على الرحب والسعة، والكرامة والدعة، وأخذ اسمه من ذلك الحين ينتشر ويدوي في كل قطر، كأنما تداول سمع المرء أنملة العشر، فكان مرسحه موردا عذبا يؤمه الكبراء والشعراء والأدباء لمشاهدة رواياته، وجلها من منشآته،
2
لما جمعت بين جزالة الألفاظ وعذوبتها، ورقة المعاني ودقتها، أرهفت نواحيها بالتهذيب، وطرزت مبانيها بكل فكر غريب، شهد بحسنها الكثير من أئمة البلاغة، ومتقني صناعة الصياغة، كما شهد من قبل أكابر الموسيقيين، وفطاحل الملحنين، بما له من بديع التلاحين الرقيقة، لأناشيد الطرب الأنيقة، ما يزري برنة الدينار، ويذهب بصوت الناي والأوتار، ويطوح بالهموم والأتراح، ويغني بلذته عن الراح، فكم له من قطعة رافعة للقدر، ومدحة شارحة للصدر، ومرثية مبكية للعيون، ومقطعات مختلفة الفنون. هذا ما يتعلق بالإنشاد والإنشاء، أما التمثيل فحدث عنه كما تشاء؛ فقد بلغ فيه أستاذنا من الإجادة ما فوق الإرادة، يجسم الوهم، ويقربه إلى الفهم، يلبس المجاز بالحقيقة، وما تكلف ولكن أملت عليه السليقة.
وفي تعب من يحسد الشمس نورها
ويجهد أن يأتي لها بضريب
ومن أجل مزاياه أنه كان خصيصا بطريق من طرق الغناء، وتفرد بها تفرد القمر في السماء، فكان بعد انتهاء كل رواية، يلقي ألحانا تشهد له بالمعرفة والدراية، تنزو لها الأكباد، ويتحرك لحسن وقعها الفؤاد؛ حتى أحرزت مصرنا من إقامته فيها فنونا جزيلة، وفضائل جليلة، يقدرها قدرها أولو السجايا الحميدة والعقول الحصيفة، ولا ينكرها إلا ذوو الأغراض السافلة والآراء السخيفة. وكان أيضا على جانب عظيم من ثبات الجأش وقوة العارضة، في تفهيم المعنى وتقرير القاعدة، فيقولهما بكلام بسيط يقرب من الأفهام، ويسهل تناوله لمن له بهذا الفن أدنى إلمام، ولطالما سمعته يقول: «التمثيل جلاء البصائر، ومرآة الغابر، ظاهره ترجمة أحوال وسير، وباطنه مواعظ وعبر، فيه من الحكم البالغة، والآيات الدامغة، ما يطلق اللسان، ويشجع الجبان، ويصفي الأذهان، ويرغب في اكتساب الفضيلة، ويفتح للبليد باب الحيلة، ويرفع لواء الهمم، ويحركها إلى مسابقة الأمم، ويبعث على الحزم والكرم، يلطف الطباع، ويشنف الأسماع، وهو أقرب وسيلة لتهذيب الأخلاق ومعرفة طرق السياسة، وذريعة لاجتناء ثمرة الآداب والكياسة، هذا إذا تدرج فيه من ذكر الأحوال إلى ضرب الأمثال، ومن بيان المنهاج إلى الاستنتاج؛ ليرتدع الغر عن غيه ويزدجر، ويجد العبرة في غيره فيعتبر.»
صفاته: كان رحمه الله أنيسا وديعا، ذا خلق وسيم، وطباع أرق من النسيم، أديبا ذرب اللسان، لبيبا لم يختلف في فصاحة ألفاظه اثنان، يجمع في شعره الرواية والروية، والبديهة القوية، كل بيت له من الشعر، خير من بيت تبر، له سماحة وحماسة، وتدبير وسياسة، مع ثبات أقدام، وصبر وإقدام، قد صيغ من إكسير اللطافة، وتجسم من روح الظرافة، كريم الظفر، وكذا ذو المنة إذا قدر، مقبول الرجاء، عند الوزراء والأمراء، له معرفة تامة ببعض اللغات غير العربية، كالفارسية والتركية، ولم يزل اسمه يضرب في كل مكان به المثل، كما كانت باطن يده في حياته للندى وظاهرها للقبل، وبالجملة فمحاسنه لا تحصى بعد، وأوصافه لا تدرك؛ لأنها لا تنتهي إلى حد.
سافر إلى الآستانة في آخر عمره، ولا رفيق له غير علمه وفخره، فأكرم مثواه بعض وزرائها ذوي المروة، والنخوة والفتوة، وأنزله المنزل الرحيب، واعتنى به اعتناء المحب للحبيب، وأخيرا استأذنه في الظعن، وأعلمه باشتياقه إلى الوطن، فآب إلى الشام، شاكرا جميل هذا الهمام، مثنيا عليه ثناء الروض على الغمائم، مترنما بذكر محاسنه ترنم الحمائم، فوافته المنية ليلة سبع وعشرين من رمضان سنة 1320ه.
فهلعت القلوب عند هذا النبأ العظيم، وارتاعت النفوس لوقعه الأليم، بموته أحيا الأسف، وشوى الأكباد على جمر التلف.
وكنت عليه أحذر الموت وحده
فلم يبق لي شيء عليه أحاذر
فكم ارتفعت عليه من الصدور حسرات وزفرات، وسالت من المآقي دموع وعبرات!
فواها لحشاشة الفضل أرصدها الدهر غوائله، وبقية الفن جر عليها كلاكله، ويا لهفي على هضبة العلم كيف زلزلت، وحدة الذكاء والفهم كيف فللت، ويا حسرتي على رجل كان عالما في جسم، وأمة في فرد شهم، أصبح نفسا هامدا، وجسما بائدا، في جوف رمس تقتتل عليه الآراض والنمال، بعد أن كان علما في هدايته، وعلامة في درايته، وبدرا ساطعا ونجما معا!
والموت نقاد على كفه
جواهر يختار منها الحسان
ترك خلفه فنونا تبكيه، وتلاميذ ترثيه، ومرسحا كان بوجوده مجمع الأنس ونادي الهنا والسرور، فإذا ما صعد عليه صفق الناس طربا وانشرحت الصدور. تفرق شمل صحبه والرفاق، وآخر الصحبة الفراق.
وقد انقضت تلك السنون وأهلها
فكأنها وكأنهم أحلام
ذلكم هو الموت الذي لولاه لما كان للشجاعة فضل على الجبن والضراعة، والكأس التي يستوي في تجرعها الصغير والكبير، والسبيل المحتوم سلوكه على الصعلوك والأمير، فكلنا مسوقون بقدرة من يقول للشيء كن فيكون، فسبحانه الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون.
مقدمة
الحمد لله الذي جعل سير الأولين، تذكرة وعبرة للمتأخرين، وصلاة وسلاما على نبي جاءنا بالكتاب المبين، هدى ورحمة للعالمين.
وبعد، فهذه القصة من أحسن قصص المقدمين، أزفها للأدباء من القراء والمتأدبين، لما اشتملت عليه من الغرض النبيل، والفضل الجزيل، وما شحنت به من ألفاظ تأنق الخاطر في تهذيبها، ومعان عني الطبع بتهذيبها، ونثر كنثر الورد، ونظم كنظم العقد، وسماع مقرون بأطيب النقر، وغناء كالغنى بعد الفقر، يحيي القلوب، ويميت الكروب، وناهيك بمؤلفها من كاتب لا تمج كلامه الآذان، ولا يبليه الزمان، إن قال صال، وإن أجاب أصاب، وإن تكلم أبهج القلوب، وإن خطب دفع الخطوب، وإن نظم ترقرق في شعره ماء الطبع، وارتفع له حجاب القلب والسمع، كأنما يوحى إليه في النظم والنثر، أو كأنما يغترف آدابه من البحر، العلامة الجليل، الشيخ أحمد أبي خليل. كان رحمه الله يجمع في شعره ونثره بين الإسراع والإحسان والإبداع، يرضى بعفو الطبع، ويقنع بما يخف على السمع. وما حدا بي إلى تدوين هذه القصة الغراء، والفريدة العصماء، إلا غيرة على ما للأستاذ من المؤلفات، وجليل القصص والمصنفات، أن تعبث بها يد الزمان، أو تترك في زوايا النسيان، فاستعذت بالله من العجز والكسل، واستعنت به على بلوغ الأمل، ولم آل جهدا في تنميقها، وترصيعها وتنسيقها، فاخترت لها من أجود القريض، ما يزدري البيت منه بالروض الأريض، وزينتها بالمعاني المخترعة الرائقة، وكسوتها بالألفاظ الشائقة، ونزهتها عن العبارات السخيفة والمعاني السقيمة، فأصبحت بمنه كالجوهرة صغيرة الحجم كبيرة القيمة، وأسأله تعالى التوفيق إلى أقوم طريق.
أما تلخيص هذه القصة، فهو أن أميرا من الأمراء اشترى جارية حسناء، كاعبا رداح، ترتاح لها الأرواح، عديمة المثال، نشأت في حجر الدلال.
فأحبها وتزوجها، ومن ربقة العبودية أعتقها، ورفعها مكانة عالية، وأفرغ عليها التحف الغالية، وبينا هو يرتشف كئوس اللذات، ويمتع النفس بصنوف المسرات، والوقت معين، وماء الشبيبة معين، ونشر البشر فائح، ونور الهناء لائح، إذ جاء كتاب من صديق يخبره فيه بوقوعه في الضيق، ويرغب في نجدته، برجاله وعدته، ويذكره بالمروة، والنخوة والفتوة، فلبى الأمير الطلب، وراعى حق الجوار وذمة العرب، ونزح إليه بجيش ذي أفواج كالأمواج، وخيول كالسيول، ومواكب كالكواكب، بعد أن فوض الأمر لجليسه القديم، الأمير سليم، وأوصاه خيرا على الآل والمال، وأخبر زوجته بحقيقة الحال، ثم سارع بالمسير، لخلاص صديقه الأمير.
أما سليم هذا فكان على غاية من الدهاء، والخيانة والرياء، ظاهره يسر الناظر ، وباطنه يسوء الخابر، يمينه حنث، وعهده نكث، يحفظ الإساءة، وينسى الإحسان، ويخون وقد وفى الزمان، حبب الشيطان إليه الفساد، حتى سيط بلحمه ودمه، وكره إليه الرشاد، حتى ألقاه وراء ظهره وتحت قدمه، فراود زوجة مولاه على إثر رحيله، ولم يراع حرمة صفيه وخليله، فاعتصمت منه بالعفاف والأمانة، ولم تتبع طريق الخيانة، فأبى له ضعف العقل والنحيزة، ولؤم الطبع والغريزة، إلا إصرارا على جهله وسفهه، واستمرارا في غيه وعمهه، ورماها في ضيق الحبوس، تعاني المصائب والبئوس، وصار يتزلف إليها تارة بالترغيب، وأخرى بالتهديد والترهيب، فلم ينل منها إلا إعراضا، زاده ولها وأمراضا، فحرر كتابا إلى مولاه بالبهتان والزور، ورماها فيه بالفسق والفجور، فجاءه الأمر بقتلها، جزاء خيانتها وغدرها، ومن هنا يعلم أن للباطل صولة، غير أن للحق دولة، والباطل لجلج، والحق أبلج؛ لأن الأمير عليا آب من السفر، مكللا بإكليل الفوز والظفر، بعد أن شتت الأعداء أيدي سبا، وفرقهم جنوبا وصبا، ونكأ بهم نكاية القضاء والقدر، وأثر فيهم تأثير النار في يابس الشجر، فوجد بلاده ملتهبة بجمرات سليم وظلمه، ومنتهبة بنزوات غشمه؛ الأعراض منهوكة، والأستار مهتوكة، والدماء مسفوكة، ومعالم الحق فيها قد درست، وألسنة العدل بينها قد خرست، وصارت الخصاصة، فوضى بين العامة والخاصة، حتى أداهم الغلاء إلى البلاء، والبلاء إلى الجلاء، فاستنارت فكرته بنور الحقيقة، وأزمع على كشف المخبأ بأية طريقة، فسأل من القينتين، ليتبين له الصدق من المين، فنزهاها عن المعصية والخيانة، ووصفاها بكل صيانة وأمانة، واستشهدتا على ذلك بكتاب سليم، الذي أرسله في سجنها بواسطة النديم، ولحسن حظه أن وجد أيضا حليلته العفيفة، والطاهرة النادرة الشريفة، فسجد لله شكرا، وتلا قوله تعالى:
إن مع العسر يسرا ، وأمر بقتل ذلك الخائن، والعتل المائن، فقبضت روحه الخبيثة على ضلال وخبال، وسوء حال ووبال، وذهب إلى أخراه على النفاق، كما عاش في دنياه على الشقاق، بعد أن ظهرت للملأ عيوبه، ونشرت ذنوبه، وصار مادحه هاجيا، وصديقه معاديا، وتناولته الألسن العاذلة، وتناقلت تاريخه الأندية الحافلة، ولزمه عار لا يمحى رسمه، وشنار لا يزول وسمه، وأحرى بالظالم أن يصير عظة للرائين، وحديثا للراوين.
إذا ما أهان امرؤ نفسه
فلا أكرم الله من يكرمه
واجتهد الأمير بعد ذلك في تطهير بلاده من الفساد، ومحو أهل الشقاق والعناد، فسكنت الرعية، وانحسمت الأذية، وأيقنت السكان بالخير الموفور، والانتقال من الظلمات إلى النور. «النتيجة»: إن الهوى مركب لذيذ، يهوي براكبه إلى المهالك والفساد، إن لم يمسك عنانه بيد العقل والرشاد، ومن اجتهد في مجاهدة هواه؛ فقد كفي أعدى أعداه؛ لأن سليما أضله عماه، وزلت به قدماه، فراغ عن المذهب القويم، وزاغ عن الصراط المستقيم، وشرب كأس الجهالة، واستوطأ مركب الضلالة، ترقى مرتبة بغير عقل، ومنزلة حلها بغير فضل، فأزاله الجهل عنها، وسله منها، فانحط إلى رتبته، ورجع إلى قيمته، بعد أن حلق إلى السماء وخليق به الخفض.
فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض .
فلا تعدلوا إذا أيها الشبان عن محجة الحجا، واتقوا دعوة المظلوم في ظلام الدجى، وامنعوا من الأمل ما كان جموحا، وتوبوا إلى الله توبة نصوحا، والزموا الإخلاص في الأعمال، واقطعوا حبال الآمال، وتحلوا بعقود المكارم، وتخلوا عن انتهاك المحارم، وجدوا كي تنالوا جد المجتهدين، ولا تعتدوا؛ إن الله لا يحب المعتدين، واعقلوا بالشكر شوارد النعم، وصونوا أعراضكم ببذل النعم، واتخذوا الصبر على البلوى عدة وجنة، وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة. اللهم ألهمنا جميعا إلى ما فيه الصواب، ولا تزغ قلوبنا إنك أنت الوهاب.
الفصل الأول
الجزء الأول (دار وبه عفيفة)
عفيفة :
بحمدك يا مولاي في السر والجهر
وبالشكر أحظى بالمزيد مدى الدهر
إلهي لك الإنعام يا خير منعم
رزقت جميع الخلق في البر والبحر
رحمت خضوعي وانكساري وذلتي
وخلصتني من ربقة الأسر والضر
وأعليت قدري إذ غدوت قرينة
لشهم علي الشان والمجد والقدر
له كرم يغني عن السحب مثلما
له طلعة تغني عن الشمس والبدر
فيا رب متعني بطول حياته
وهبه جزيل الخير يا جابر الكسر
اللهم لك الحمد والشكر، على ما منحتني به من رفعة القدر؛ إذ حننت على مولاي الأمير ذا الرتبة الجليلة، فاشتراني وأعتقني وجعلني لحضرته حليلة، وأفرغ علي التحف الثمينة، واشترى لي قينين وهما أمينة وفطينة، وأمرهما بخدمتي؛ لأحصل على راحتي، فأسأل الله أن يحفظه من كيد الحسود، ويمتعنا ببقاء ذاته في الوجود.
الجزء الثاني (عفيفة - أمينة)
أمينة :
قد شرف يا مولاتي سيدي الأمير الجليل.
عفيفة :
أصحيح ذلك يا أمينة؟
أمينة :
نعم، وها هو قد قرب من الباب.
عفيفة :
اذهبي إذا وأحضري المطربين الحسان؛ ليطربونا بالسماع ورخيم الألحان.
أمينة :
سمعا وطاعة.
الجزء الثالث (عفيفة)
عفيفة :
أشكر أيادي الزمان البيضاء التي أنهلت علي أعظم هناء؛ حيث أنعمت علي بقرب سيدي الأمير، الذي أحيا بفضله فؤادي الكسير.
الجزء الرابع (عفيفة - الأمير علي)
عفيفة :
أهلا وسهلا يا أمير ومرحبا
فرقت أتراح النوى أيدي سبا
وجمعت شمل الأنس يا كل المنا
وسقيتني كأس السرور مطيبا
علي :
وأنت انعمي أيتها العفيفة، والحبيبة اللطيفة الشريفة.
عفيفة :
وأنت انعم مساء وصباح، يا منى النفوس وحياة الأرواح، لقد أحييت يا مولاي قلبي، كما أذهبت بمزيد إحسانك كربي، فأسأل العظيم المنان، أن يبقيك سعيدا مدى الزمان.
علي :
قد أنجزت يا عفيفة الأيام تلك المواعيد، وقلدني الله من خزائن السرور بالمقاليد، واستقبلتني ثغور اللذات بواسم، وجعلت أوقاتي أعيادا ومواسم، فعلي أن أقيم سوق الطرب، وأجعل قربك بعد الفراق غاية الأرب، وأجتلي وجوه الأفراح المتتابعة، وأجتني من الوصل ثماره اليانعة، وأتمتع من حديثك بكل مطلوب، إلى أن تأذن شمس حياتي بالغروب.
أتاني الأنس يسعى بعد حين
على رغم العدا فأقر عيني
ووافتني عفيفة بالتهاني
لأقضي من لمى اللذات ديني
الجزء الخامس (عفيفة - الأمير علي - المطربون)
المطربون (مقام حجاز دوكاه - أصول نوخت 7 من 4)
3 :
زارني مرادي
وكان الطبيب
واشتفى فؤادي
وجاد الحبيب
والهنا ينادي
بموت الرقيب
ما هنا عواذل
كفينا الملام
خانة
مرحبا وأهلا
بسيد الملاح
ناطري تملى
بنور الصباح
ذا الرضا تجلي
ووصله أباح
ليلة تعادل
صفاها بعام
علي :
على المعالي شهدنا ميل أغصان
تدني التهاني بأوزان وألحان
يا حبذا وقت أنس لا نظير له
هذا هو العيش لولا أنه فاني
لقد أحسنتم بالإطراء والاضطراب، وفتحتم لنوافذ السرور أعظم باب، وأنعشتم منا الأرواح، وأسكرتمونا بدون راح، فلكم الإذن بالانصراف، بغير استثقال منكم ولا استخفاف. (يذهب المطربون)
الجزء السادس (عفيفة - الأمير علي)
عفيفة :
لقد أرعبتني يا ذا الفخار، وشعرت منك بتشويش الأفكار، إذ قلت:
والوقت صاف لا يكدره
شيء وميلاتنا ميلات أفنان
وقد تنكفنا على اللذات من طرب
هذا هو العيش لولا أنه فان
علي :
لقد صدأت يا عفيفة مرآة فكري، وغش الكدر أسارير سري، واعترتني هزة وبلبال، فسبحان محول الأحوال.
الجزء السابع (عفيفة - الأمير علي - حاجب)
حاجب :
قد حضر يا مولاي من عند الأمير زهير رسول، يريد الحظوة بالتشريف والمثول.
علي :
أحضره بالعجل.
حاجب :
أمرك أيها الأجل.
الجزء الثامن (عفيفة - الأمير علي - الحاجب - الرسول) (مقام حجاز دوكاه - أصول سربند 3 / 4.)
4
الرسول :
أنجز الصديق المكروب
صاحب الوفا
واقرأ الجواب المكتوب
دمت في صفا
سيدي الأمير المحبوب
سعده غفا
فأنجد الأمير المغصوب
سيفك الشفا
سلسلة
ربنا عظيم حنان
بارئ لطيف منان
بالفتى المقصر رحمان
عله يرينا المرغوب
في أهل الجفا
مرني بالشروط والأسلوب
جورهم طفا (يفض الأمير الكتاب ويقرؤه.)
باسم المعز المذل، مسبب كل عقد وحل، من الأمير زهير الكسير، إلى الأمير علي أكرم حليف ونصير، اعلم يا سيد الأبطال والفرسان، أنه قد حلت بنا الأعداء من كل مكان، وبددوا جمعنا، وأفسدوا أرضنا، فأدركنا يا أصدق الخلان، فليس الخبر كالعيان.
خان الزمان زهيرا والعدا ظلموا
لما استطالوا فما رقوا وما رحموا
قد شتتوا شملنا من كل ناحية
وأفسدوا أرضنا مذ بغتة هجموا
وبادرونا وخيل الحي غائبة
ونالوا منا مناهم بعدما انتقموا
كم قد أبادوا شجاعا من فوارسنا
تعنو له العرب في الهيجاء والعجم
غوثا وحاشاك أن ترضى بذلتنا
إن الأعادي بنا فازوا وقد غنموا
علي :
ومن فعل بكم هذه الفعال ؟
الرسول :
بنو ربيعة يا سيد الأبطال، وأميرهم نازح الغدار، الذي لا يحفظ حقوق الجار.
علي :
بشر ربيعة أن قد جاءهم عدم
من حد سيفي ورمحي حين أنتقم
أنا الشجاع إذا خيل العدا طلعت
يوم الوغا وبحار الحرب تلتطم
ولي عضاب هو الضد الألد على
هام الفوارس وهو الضد والحكم
نلقى الفوارس شعثا يوم معركة
عبس الوجوه ووجهي ثم يبتسم
الخيل والليل والبيداء تعرفني
والسيف والرماح والقرطاس والقلم (للرسول):
ارجع إلى الأمير زهير، وقبل يديه، وقل له إني قادم بفرسان عشيرتي عليه.
رسول :
أعطاك مولاك ما تتمناه.
علي :
سر ملحوظا بعناية الله (يخرج الرسول) ، (للحاجب):
وأنت فأحضر قواد الحرب إلى هذا المكان.
الحاجب :
أمرك يا علي الشأن (يخرج الحاجب).
الجزء التاسع (عفيفة - الأمير علي)
علي :
لنا نفوس لنيل المجد عاشقة
وإن تسلت أسلناها على الأسل
لا ينزل المجد إلا في منازلنا
كالنوم ليس له مأوى سوى المقل
الجزء العاشر (عفيفة - الأمير علي - الحاجب - القواد) (شاهناز الحجاز - أصول مدور)
5
القواد :
شهمنا المحبوب
في صفا الأزمان
فزت بالمطلوب
يا عظيم الشان
جئنا كالمرغوب
سيد الشجعان
حاسدك مغلوب
من إله ديان
علي :
اعلموا أيها القواد الأنجاب، أنه جاءني من عند الأمير زهير كتاب، يخبرني فيه أن بني ربيعة، أوقعوا به وبقومه كل فعلة شنيعة، ونهبوا المواشي والأموال، وسبوا الحريم والأطفال، وهو طالب منا الإعانة، وهي في ذمتنا له أمانة؛ إذ له علينا أياد سابقة، وهو عزيز لدينا ومودته صادقة، فماذا أنتم قائلون أيها الأخيار.
قائد :
كلنا تحت الأمر كما تختار، فمرنا بالركوب أيها الأمير؛ لنذيق الأعداء من حربنا عذاب السعير.
وا شوق قلبي لحرب لذ لي فيها
نصر به بلغت نفسي أمانيها
ما الفخر إلا بساحات نجول بها
وقد كست جثث القتلى ضواحيها
أنا المجرب رب البيض بأذلها
جودا وعند ازدحام الخيل حاميها
إن تعطش الخيل يوم الحرب أوردها
بحر الدماء فأسقيها وأرويها
أو تشتكي جوعها ذات المخالب من
لحم الفوارس أغذيها وأقريها
ويل العدو إذا ما جئت أطلبه
تضيق في عينه الدنيا وما فيها
علي :
بارك الله في همتكم المشكورة، وشمائلكم المحمودة المبرورة، فتأهبوا إذا للذهاب، وانتظروني عند قلاع شهاب، حتى ألبس ملابسي الحربية، وأتبعكم بعد برهة جزئية.
القواد (مقام شاهناز الحجاز - أصول مدور) :
هيا يا أبطال
حومة الميدان
واظعنوا في الحال
أيها الشجعان
شتتوا الأنذال
في ربا الوديان
صاحب الإجلال
يحبنا الإحسان
الجزء الحادي عشر (عفيفة - الأمير علي - الحاجب)
علي :
أنا لي همة أشد من الصخر
وأقوى من راسيات الجبال
وحساما إذا ضربت به الدهر
تخلت عنه القرون الخوالي
يا سباع الفلا إذا اشتعل الحر
ب اتبعيني بين الربا والتلال
ثم عودي بعد ذا واتركيني
واذكري ما رأيتيه من فعالي
وخذي من جماجم القوم قوتا
لبنيك الصغار والأشبال
عفيفة :
وا عنائي وذلتي وانتحابي
غش عين السرور غين النكال
ويح دهري يعطي الفتى بيمين
ثم حالا يرده بالشمال
علي :
ولم يا حبيبتي هذا الأسف؟
عفيفة :
على فراقك يا صاحب الشرف ... آه، ما خلق الفراق؛ إلا لتعذيب العشاق.
ألا ليت الزمان بلي بعشق
وذاق دقيقة طعم الفراق
فلو يا دهر ذقت فراق إلف
لما فرقت ما بين الرفاق
علي :
لا تكوني جزوعة يا شقيقة الشمس والبدر، فقريبا بعون الله نرجع بالفوز والنصر، بعدما نبيد الأعداء، ونفرق شملهم في البيداء، واعلمي أيتها البهية، أن شهامتي العربية، أبت أن ترد رسول الأمير زهير بالخيبة والحرمان، مع ما له علينا من الأيادي وجميل الإحسان، فتدرعي بالصبر على هذا الفراق، والأمل من الله أن يقرب أيام التلاق.
عفيفة :
ومن أذمعت أيها الهمام، أن تجعله وكيل ديوان الأحكام؟
علي :
قد أزمعت يا ذات الوجه الوسيم، أن أوكل عليكم وعلى الحكومة الأمير سليم؛ لأنه بالدين والسياسة فريد، وبالصيانة والعفاف وحيد (للحاجب)
فسر وأحضره بالعجل.
الحاجب :
أمرك أيها الأجل.
الجزء الثاني عشر (عفيفة - الأمير علي)
علي :
اعلمي أن هذا الإنسان، عفيف الطرف واللسان، ثاقب الفكر، بارع في النظم والنثر، صادق أمين، لا يخون ولا يمين، فأكرمي مثواه يا ذات الخفر، إلى أن أعود بالنصر والظفر.
عفيفة :
سمعا، سأغمره بفضلك سيدي
وله بمنحك المحل الأعظم
فلأجل روح ألف روح تفتدى
ولأجل عين ألف عين تكرم
الجزء الثالث عشر (عفيفة - الأمير علي - سليم) (إنشاد حجاز، ولا بأس أن يكون البيت الثاني من الراست توا، والهبوط على الحجاز الدوكاه.)
سليم :
دعوتني يا أمير وافي الذمم
فجئت أسعى إلى لقياك كالخدم
وقلت لما أتاني سامي أمركم
سعيا على الرأس لا سعيا على القدم
علي :
مرحبا بك أيها الصديق الصادق، والخل الموافق، أتدري يا أوحد الخلان، لم دعوتك الآن؟
سليم :
لا، ومكون الأكوان.
علي :
اعلم يا ظاهر الجنان، أني سأسافر لنجدة الأمير زهير، وأنقذه بإذنه تعالى من الضير، لما له من كرم المحتد والمروة، ومحاسن الأخلاق والفتوة، وقد جعلتك في غيابي نائبا لبيت الأحكام، وأمينا على حرمي أيها المصون المقدام، وسأنبه على جميع المأمورين والرؤساء والموظفين، ألا يمضوا شيئا من غير إطلاعك عليه، والله خليفتي؛ إذ لا ملجأ إلا إليه.
سليم :
أشكرك يا مولاي على حسن الظن بالضعيف، وسأجتهد بإمضاء أمرك المنيف.
علي :
هيا يا ذات الحور؛ فقد آن وقت السفر.
عفيفة :
صبرني يا رباه، على الفراق ويلاه (يخرج الجميع).
الجزء الرابع عشر (سليم)
سليم :
ها قد بلغت مرادي، وسأشفي من عفيفة فؤادي، وإذا ما طاوعتني على بلوغ الآمال؛ أذيقها عذاب الموت والنكال. (مقام شاهناز الحجاز.)
آه وشوقي لأوقات الوصال
والهوى نحوي براح الأنس مال
يا لقومي عز صبري في غزال
أن تثني يزدري السمر العوال
سلسلة (1)
هيهات أن تخفي العيون
سر الذي وجده مصون
واللحظ يدعو ذا الشجون
كن مغرما بي فيكون
سلسلة (2)
قلبي غدا مضنى كليم
ولم أجد له من نديم
فاغدق على العاني سليم
الستر مولانا العظيم (تنزل الستار)
الفصل الثاني
الجزء الأول (عفيفة في دارها)
رويدك قد أفنيت يا بين أدمعي
وحسبك قد أحرقت يا شوق أضلعي
إلى كم أقاسي فرقة بعد فرقة
وحتى متى يا بين أنت معي معي
لقد ظلمتني واستطالت يد النوى
وقد طمعت في جانبي كل مطمع
فيا راحلا لم أدر كيف رحيله
لما راعني من خطبه المتسرع
ولما قضى التوديع فينا قضاءه
رجعت ولكن لا تسل كيف مرجعي
جزى الله ذاك الوجه خير جزائه
وحيته عني الشمس في كل مطلع
ويا رب جدد كلما هبت الصبا
سلامي على ذلك الحبيب المودع
نفوا بعدنا تلقوا مكان حديثنا
له أرج كالعنبر المتضوع
أأحبابنا لم أنسكم وحياتكم
وما كان عندي ودكم بمضيع
لحا الله قلبي هكذا هو لم يزل
يحن ويصبو لا يفيق ولا يعي
عفيفة :
قضت الأيام على رغم أنف الطرب، بما يبدل صفو عيشي بأكدار الكرب، آه وا عظم عناتي، وا شدة شقائي وبلائي، كيف ألتجئ إلى الصبر بعد تلك الحلاوة، وأميس في لباس سرور بغير طلاوة، فارقت روحي والجسد، واعتراني كل هم ونكد، أين ذهب روح قلبي وحياة مهجتي ولب لبي، ولا طاقة لي على فراقه طرفة عين، وصرت بعد بعده هدفا لسهام البين.
يعاندني دهري كأني عدوه
وفي كل يوم بالكريهة يلقاني
فإن رمت خيرا جاء دهري بضده
وإن يصفو لي يوما تكدر في الثاني
آه، وا حر قلباه!
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت
لها المنايا إلى أرواحنا سبلا
الجزء الثاني (عفيفة - أمينة - فطينة)
عفيفة :
أمينة.
أمينة :
نعم.
عفيفة :
فطينة:
فطينة :
نعم.
عفيفة :
قد انفردت في هذا المكان؛ لأطالع درس الأشواق والأشجان، فشخص الأمير تجاه ناظري، والجزع باد على باطني وظاهري، وقد حاولت تجرع الصبر فردته النفس، ولا أدري كيف استحال طالع سعدي إلى النحس، فهل يرجع الأمير وأراه، أو أقضي شهيدة هواه؟
أمينة :
أراك عاهدت عهد الخنساء، وأوقعت نفسك في البلاء، وما في الأمر يا ذات الحور، ما يستوجب هذا الكدر، فتسلي بما يروح الأرواح، وينفي الهموم ويذهب الأتراح، وإن شئت ذهبت لإحضار المطربين الحسان؛ ليزيلوا عنك الفكر برقيق الألحان.
عفيفة :
لا بأس، فأحضري المطربين في الحال، عسى بوجودهم ينتعش مني البال.
أمينة :
أمرك يا ذات الجمال (تخرج).
الجزء الثالث (عفيفة - فطينة)
عفيفة :
إنني يا فطينة، لا أزال بعد الأمير حزينة، ولا يطربني إنشاد سعيد الفريد، ولا تحركني أصوات نديم الرشيد، ولكني أعلل النفس بالمحال ، راجية من الله حسن المآل.
فطينة :
لا ريب يا مولاتي بعون السميع البصير، يرجع مكللا بالنصر سيدي الأمير، فارفعي عنك هذه الهموم، وقريبا تنشقع عنا غياهب الغموم.
الجزء الرابع (عفيفة - فطينة - أمينة)
أمينة :
قد أحضرت يا مولاتي أرباب السماع.
عفيفة :
لا بأس، فليدخلوا.
الجزء الخامس (عفيفة - فطينة - أمينة - المطربون)
المطربون (ينشدون بعد إهداء التحية بانحناء الرءوس) : (مقام حجاز دوكاه - أصول مصمودي.)
نفس أمانيها تعللها
تعلها تارة وتنهلها
ولوعة في الفؤاد أصعب ما
يذيب شم الجبال أسهلها
خانة شاهناز.
6
وفي سبيل الغرام لي كبد
تبيت أيدي النوى تململها (لحن شاهناز الحجاز - أصول مصمودي.)
7
عفيفة (بهيئة ذهول) :
فارحموني وامنحوني
نظرة بالعين
عيل صبري ضاق صدري
وبراني البين
سلسلة
فاتركوني في عذابي
يا أخلاء الغرام
هاج شوقي وانتحابي
وبرى جسمي السقام
دور
غاب عن نور عيني
صفوة الخلان
جار دهري طال هجري
فأسكتوا الألحان
سلسلة
ساعدوني يا رفاقي
في احتراق واشتعال
قربوا يوم التلاقي
زاد بي البلبال (يخرج المغنون)
الجزء الرابع (عفيفة - فطينة - أمينة)
أمينة :
قد أزهقت روحك أسفا، وأورثت جسمك ولها وتلفا، فاستعيني بالصبر، على نوائب الدهر، والعاقل يا مولاتي، لا تستفزه الأيام بخطوبها، كما أن متون الجبال لا تهزها العواصف بهبوبها، وأنت أعلا من أن تدعي التماسك وهو مرجع اللبيب ومأواه، وتتهالكي في الجزع وهو منزع الجهول ومغزاه، فما هذا أيتها الأميرة؟
عفيفة :
عذرا يا شقيقتي المنيرة؛ فقد براني الغرام، وأذهلني الوجد والهيام.
ذاب جسمي من لوعة واحتراق
وحنين ولوعة واشتياق
إن يوم الفراق قطع قلبي
قطع الله قلب يوم الفراق
الجزء الخامس (عفيفة - أمينة - فطينة - الأمير سليم)
سليم :
لك البشرى بمكتوب الهناء
من الشهم العلي أخي الوفاء
فطيبي وافرحي طربا وأنسا
فقد حل السرور بلا مراء
عفيفة :
حباك الله ربي كل خير
فقد ألبستني حلل الصفاء
فعش واسلم سليم القلب دوما
على رغم الأعادي بلا شقاء (تفض الجواب وتقرؤه.)
سلامي عليك أيا عفيفة ما بدا
صباح وما غنى هزار على غصن
فأنت حياة القلب يا ربة البها
وأنت ضياء النفس بل قرة العين
اعلمي أيتها العفيفة الطاهرة، أن جيوش الأعداء كانت الخاسرة، وقد بلغنا الفوز والانتصار، بعدما أذقناهم كئوس الدمار، والآن نحن في ضيافة الأمير زهير، آمنين من كل كدر وضير، وعما قريب نحضر بالظفر والنصر، ونشاهد وجهك البدر، فاستعدي لملتقانا أيتها السنية، وعليك أزكى السلام وأثنى التحية. (الأمير عطفان علي حمدان.)
عفيفة :
الحمد لله على الفرج بعد الضيق. وأنت هل جاءك كتاب أيها الصديق؟
سليم :
نعم أيتها السيدة؛ فقد أوصاني عليك وصية مؤكدة، فاكتبي له رد هذا الكتاب، وأنا ذاهب لأكتب مثله لرفيع الجناب، وسأرجع إلى هنا بعد قليل؛ لأرسل الكتابين إلى سيدي الجليل.
عفيفة :
ما من موجب لذهابك، فاجلس هنا وجود تحرير خطابك، وأنا أكتب كتابي داخل الدار، وأحمله إليك يا ذا الوقار، فترسل بعدها الكتابين، إلى حضرة الأمير قرة العين، فأحضري له يا أمينة دواة وقرطاس.
أمينة :
أمرك على العين والراس (تذهب عفيفة وأمينة).
الجزء السادس (الأمير سليم) (لحن حجاز دوكاه - أصول مصمودي.)
8
الطرف من أول نظره
أشجى سليم يا أهل الغرام
والقلب أمسى في حسرة
وهو كليم بادي السقام
يلزم أن أكتب الجواب بالعجل، وأستعمل بعدها جميع الحيل، وأفرغ جعبة دهائي؛ لأطفئ لوعة عنائي، بوصال عفيفة البهية، وألا أجعلها هدفا لسهام المنية.
الجزء السابع (الأمير سليم - أمينة)
أمينة :
خذ يا سيدي، هذه دواة وقرطاس.
سليم :
سلمت يا جالبة الأنس والإيناس (تخرج أمينة).
الجزء الثامن (سليم)
سليم (يجلس وينشد من الحجاز) :
إن العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به
وهن أضعف خلق الله إنسانا
ما هذا الوجه المشرق بالأنوار، الذي تحج إلى كعبته الأبصار، فمن عيون بابلية، كم أوقعت في بلية، وجبين واضح، تحن له الجوارح، وحواجب تذيب المهج، وتجذب الأرواح بقبضة البلج، وخد كالجلنار، قد جمع بين الماء والنار، وخال يختال في أحلى الحلل، يوقع الخلي في خطب جلل، ومرشف عذب الأرياق، رضابه لسليم الهوى نعم الدرياق، ووجه هو بالإجمال نزهة المشتاق، ومرآة لوجوه العشاق، ومن عنق كالريم، در عقوده نظيم.
وجيد جداية لا عيب فيه
سوى منع الحب من العناق
ونهود كالعاج، ملتحفة بأثمن الديباج، وبنان رطيب، على مثله يدور الخطيب، وقوام يقيم الحروب ، ويثير الكروب، الرماح تخضع إليه، والأغصان تسجد بين يديه، وخصر نحيل، يشكو من ردفها الثقيل، وأرداف كالأحقاف، خارجة عن العادة، لكن فيها للمحبين الحسنى وزيادة.
تمشي بأرداف أبين قعودها
بين النساء كما أبين قيامها
آه يا إلهي لقد وقعت في الخبال وأورثني الحب الجنون والوبال
وهيهات لعيني أن تذوق الكرى، بعد الذي جرى. (إنشاد حجاز دوكاه، وله فيه أن يضع الراست النوا، والأوج، والشاهناز، والمحير، والبوسليك.)
سلوا فاتر الأجفان عن كبد الحرى
وعن در أجفاني سلوا العقد والنحرا
غزال إذا ما رمت عنه تصبرا
يقول الهوى لن تستطيع معي صبرا
من السمر بالألحاظ إن مال أو رنا
فلا تذكروا من بعده البيض والسمرا
بخيلا غدا بالوصل ما جاء سائلا
له الدمع إلا رد سائله نهرا
له مقلة يعزى لبابل سحرها
كأن بها هاروت قد أودع السحرا
يذكرني عهد النجاشي خاله
وأجفانه الوسنى تذكرني كسرى
ويفتر عن ثغر تنظم دره
فلم أدر عقدا مذ تبسم أم ثغرا
تعشقته كالظبي والغصن قامة
رنا وانثنى كالسيف والصعدة السمرا
الجزء التاسع (الأمير سليم - عفيفة)
عفيفة :
هل كتبت الكتاب، يا رفيع الجناب؟
سليم :
نعم ... لا ... ما ... ويحي ما الجواب!
عفيفة :
ما هذا الذهول؟
سليم :
وما أقول ... نعم ... ولكن ...
عفيفة :
ما معنى الاستدراك؟ وما سبب هذا الارتباك؟
سليم :
نعم ... ولكن ...
عفيفة :
نعم ولكن! نعم ولكن! هل اعتراك جنون؟
سليم :
لا يا قرة العيون، ولكن ...
عفيفة :
عاد إلى ولكن! حل هذا المعمى؛ فقد أفعمتني هما، وأظهر ما هو في الباطن، بدون نعم ولكن.
سليم (لنفسه) :
لا بد من الملاطفة والملاعبة، والمباسطة والمداعبة، وألمح لها ببعض الغرام، عسى أحصل على المرام. (لعفيفة):
اعلمي يا ذات الجمال اليوسفي، أن من، وإلى، وعن، وعلى، وفي ... فمن ابتدائية، وإلى انتهائية، وبينهما أنا، أرجو بلوغ المنا، وعن للمجاوزة، عند النحاة أهل الأدب؛ أي لا أتجاوز عن هذا المكان، حتى أنال الأرب، وعلى هذا يكون الأسلوب، أما هو حسن ومرغوب؟
عفيفة :
نعم، وخلط وخطل، وخبط وخلل، وما مرادك بإرسال الكتاب على هذا الطريقة القبيحة، الجالبة لحضرتك الإهانة والفضيحة؟
سليم :
مرادي يا مولاتي حسم اللغط، ومنع الافتراء والشطط؛ لأن بعض الفرسان، أخبروا سيدي بأني فارس الزمان، وبطل الطعن في الميدان، وما علموا أني خوفا من النحل أفر من العسل، حتى صار يضرب بخفتي المثل، أحسب كل صيحة أنها علي، وكل هيعة تغيض على يدي، وإذا ذكر أمامي شجاعا، طارت نفسي شعاعا، وطالما لجأت إلى الهرب والفرار، إذا رأيت صورة الفار، أو ضغاء الأرنب طار قلبي قلقا، أو سمعت مواء الهر طاحت روحي فرقا، وكم أغمى علي بين يدي شيخي صاح بالمناقب، حينما كان يمثل لنا بضرب يضرب فهو ضارب، وكنت أتوسل ألا يمثل لنا في علم البيان، برأيت أسدا في الحمام، بل بجنيت وردة في البستان، ووسدني بزنده بدر التمام، وكنت لا أحضر قراءة أحكام الجنائز، وكتاب السير، ولا أود محادثة العجائز، ولا أعبأ بمن لام أو عذر، ومع أني تمثال الجبن، ومقر الرعب والأفن، فإني يا زينة الحسان، وربة الوشاح، ذو إقدام على مغازلة العيون الملاح، ولم أر أحسن من طعن سمر القدود، ولا أرتاح إلا من ضم النهود ولثم الخدود.
عفيفة :
يظهر عليك أنك مغرم، وولهان متيم؟
سليم :
نعم نعم، متيم، وبسهام ألحاظك مكلم، فأنعمي علي بطيب الوصال، وإلا أموت بلا محال.
عفيفة :
هذا يا سليم الفعال، أمر يخالف الحلال، وقد حرمته الشرائع في كل كتاب، ولا خير في لذة يعقبها أليم العذاب، وإن ما تطلبه لسهل لولا الأمانة، والمروءة التي انطبعت عليها والصيانة، والاسم الذي أعطيته يا سليم، فانتبه وافعل فعل الحكيم، الذي يقرأ العواقب، ويتجنب خيانة الصاحب.
سليم :
دعينا يا سيدتي من هذا الكلام، وأهملي ذكر الحلال والحرام، فكم وكم رأينا من الفحول، يفعل ضد ما يقول، وكلامك من جهة الأمانة حسن، ولا تليق الخيانة بالمؤتمن، ولكن ذلك كان، من قديم الزمان، أما نحن فقد أصبحنا في دهر عنود، وزمن كنود، يعد فيه الحلم عجزا وضعفا، والنوك صولة وشرفا، والسفالة نسبا، والعفاف عجبا، واجترام الموبقات حرية صائبة، والرجوع إلى الدين فلسفة كاذبة، واعلمي أيضا يا بديعة الصفات، أن جل الجناة من أصحاب المقامات، ومركزهم كتميمة، تمنع عنهم كل بلية أليمة، وضغينة سخيمة، ومن كشف عن ستارهم، وبحث عن أسرارهم، ظهر له الكامن من غدرهم، والدفين من مكرهم، وعلم أنهم يمشون الخفاء، ويدبون الضراء، ليقيموا بالباطل أسواقهم، وينفقوا به أعلاقهم، فهم في الحقيقة عيبة العيوب، وذنوب الذنوب، وحقيبة القبيحة، وعنوان الفضيحة، ولا غضاضة عليهم فيما يفعلون، ما دامت القوة فوق القانون، والآمال متعلقة بالأموال، والناس أتباع لمن غلب، ولو كان الظالم يا ربة الأدب.
إذا كنت ذا ثروة من غنى
فأنت المسود في العالم
ويساعدهم على هذا الافتراء، جماعة المتملقين الضعفاء، الذين يصفونهم بأنهم ملح الأرض إذا فسدت، وعمارة الدنيا إذا خربت، وأنهم جمال الأيام، وخواص الأنام، وفرسان الكلام، وجابري عثرات الكرام، وهلم جرا، من الأوصاف المموهة الأخرى؛ ولذا تجدين الواحد منهم له كبر، ومنطق نذر، يومئ بأصابع الكف، وينظر بمؤخر الطرف، إن قام تكلف، وإن نطق تعسف، قد أسكرته خمرة العجب، واستهوته غرة المال الموروث من السلب، فطغى، وتجبر وبغى، وصار على الناس طاعنا، ولنفسه مداهنا، ولو أمعن المغرور النظر، ودقق الفكر، لوجد نفسه في ضلال وسوء حال ووبال، حسناته أغاليط، وأفعاله تخاليط، ووعده كالوعيد، بمطل شديد، يشيب الوليد، سائله محروم، وماله مكتوم، لا يحسن إنفاقه، ولا يحل خناقه، وإن حله فللأذى والقمار، أو لمظاهر هذه الدار، منادمته ندم، تورث الهم والسقم، يحكي الحديث المعاد، ويمشي على القلوب والأكباد، وبالجملة، فأعلمهم جهول، وأفضلهم مرذول، أما أنا فلست والعياذ بالله من هؤلاء الناس، الذين يوسوس في صدورهم الخناس، فيحبون المال حبا جما، وينصبون شراك العدوان للخلق ظلما، وينزفون ماء القلوب ودماء العيون، وما الله بغافل عما يعمل الظالمون، بل أنا كما تعلمين فتى ذا خلق وضي، وخلق رضي، وفعل مضي، أخلاقي سوية صحيحة، وصورتي مقبولة صبيحة، وإن ذنبي الوحيد، رغبتي في وصالك السعيد، وهو لا ضرر فيه يا ربة الجمال، فانعمي به ودعي الهجر والمطال، واتركينا من هذا البحث العويص، الباعث على النكد والتنغيص.
عفيفة :
اعلم أيها الأمين، أني ما خاطبتك باللين، وجعلت غضبي مكنون (بشدة) إلا لترجع عن هواك أيها الغادر الخئون، وهل يوجد ضرر أقبح من ثلم عرض المحصنات، يا ذا الخطيئات؟! أما استحيت مني حين خاطبتني بكلام الفساق، أما هبت بطش الأمير الذي لا يطاق، أما تعلم أن اسمي عفيفة، وأني طاهرة نقية شريفة، فإذا لم يكن لي من اسمي نصيب، فما الفائدة بحياتي أيها الكئيب؟ أما يجب علي أن أحفظ للأمير أمانته؟ وكما لازم حبي ألازم صداقته، وهل تمدح خائنة بين الناس؟ أو ترفع لها بين شريفات النساء راس. لو كانت يا نسل الخنا من نسل ماء السما، ولكن الحق على الأمير الذي ما تفقد الأخبار، وعلم ما في السرائر من الأسرار، فاذهب من وجهي يا خئون، قبل أن تذوق المنون (وتهجم عليه بخنجر).
سليم :
رفقا رفقا يا ذات الوجه الوسيم.
الجزء العاشر (عفيفة - سليم - أمينة - فطينة)
أمينة :
ما هذا يا أمير سليم؟
عفيفة :
أخرجاه من هذا المكان، فلا عاش ولا كان (يخرج سليم والجاريتان).
الجزء الحادي عشر (عفيفة - أمينة - فطينة)
عفيفة :
إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه
فكل رداء يرتديه جميل
وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها
فليس إلى حسن الثناء سبيل (تذهب عفيفة والجاريتان.)
الجزء الثاني عشر (يدخل سليم)
سليم :
إن لم أعمل على قتل هذه الغبية، فلا أكون سليما بين البرية، نعم لا بد من ذلك، ولو ألقيت من مهاوي المهالك، وما دام زمام الأحكام في يدي، ولا مراجعة فيما أعيد وأبدي، فلا بد أن أضعها في السجن، تكابد أنواع العذاب والحزن، وأكتب للأمير أنها زنت في غيابه، وأعذبها ريثما يأتي رد جوابه، نعم لا أحول عن هذا المقصود، وها أنا ذاهب لإحضار الجنود (يخرج).
الجزء الثالث عشر (عفيفة)
عفيفة :
الخيانة والغدر، من صغر القدر، وأقبح ما يكون من الأمين، الذي يؤتمن على العرض والدين، وأربعة من علامات اللؤم، ودلائل الخيانة والشؤم: إفشاء السر، وتعمد الغدر، وإثارة الفتن، وخيانة المؤتمن، وفي المرء ثلاث منجيات، وثلاث مهلكات. أما المنجيات: فالعدل في الرضا والغضب، وخشية الله في السر والعلانية، والقصد في الغنى والفقر. وأما المهلكات: فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه والعياذ بالله. مولاي الأمير نظرا لسلامة قلبه، وطهارة ضمير ولبه؛ ظن أن كل الناس مثله في الصفات، ومنزهين عن ارتكاب المحرمات، وائتمن الهر على اللحم، والكلب على الشحم، وسلم سليما زمام الأحكام، وألبسه رداء عصمة الملائكة الكرام، ولكن كان الواجب، والرأي الأسد الصائب، أن لا يضعه في هذه المكانة، قبل أن يجربه إن كان يصلح للأمانة، ولكن سبق السيف العذل، والعجلة موطن الذلل، وعلى العاقل الأديب، ألا يثق بإنسان قبل التجريب.
متى تحمد صديق السوء فأعلم
بأنك بعد محمدة تذمه
كطفل راقه ترقيش صل
فلما مسه أرداه سمه
الجزء الرابع عشر (عفيفة - سليم - الجند)
سليم :
اقبضوا على هذه الباغية.
عفيفة :
ما هذا يابن الطاغية؟!
سليم :
اسكتي يا خائنة العهود، اقبضوا عليها أيها الجنود، وضعوها في أضيق الحبس، إلى أن تسكن الرمس (يمسكها الجند).
عفيفة :
سترى يا جعبة النحس، من منا يسكن الرمس. (تنزل الستار)
الفصل الثالث
الجزء الأول (سجن وبه عفيفة - وولدها الصغير - والسجانان)
عفيفة :
أصاب حشاشتي سهم الأعادي
فأبدل نوم عيني بالسهاد
وأورثني لقا الأهوال خطبا
خطيب البين قام به ينادي
وروعني بأنواع الرزايا
وألبسني النوا ثوب الحداد
وعاد لي المسالم فيه ضد
يرى في قتلتي فضل الجهاد
فعاملني بما لا ترضيه
فتاة لا تميل إلى الفساد
ألا من مبلغ مولاي أني
رماني الغدر في سجن السواد
ومن جور الذي ولاه حفظا
يرق لشقوتي قلب الجماد
سليم سرني بالقول لكن
بلا فعل ويفتك فتك عاد
سأصبر للخطوب إذا ادلهمت
مسلمة إلى مولى العباد
وعند الله تحتكم البرايا
إذا عادوا له يوم المعاد - أواه، وا عذاباه، وأعظم كربة كابدتها في هذا الحبس، على هذا الطفل الذي ولدته في طالع النحس، وأنا وحيدة حزينة، لا أمينة ولا فطينة، ولا والدة شفيقة، ولا شفيقة رفيقة، ولا أب ولا قرين، ولا صادق ولا أمين، وسادتي من تراب، وغطائي ضباب العذاب، وصباحي ظلام، ونهاري أسود من القتام، وطعامي زقوم البلاء، وشرابي أجاج دمع البكاء، ووضعت هذا الطفل على الأرض، وكله هين مع سلامة العرض.
بحسن الظن يا ربي سأسقى
بفضلك شهد عاقبة الصيانة
ويسقى الخائن العاتي سليما
كئوس سموم غائلة الخيانة (يبكي الطفل)
صبرا يا يتيم الأحياء، ومولود البلاء والشقاء، فلا بد من الفرج، بعد الذل والحرج، أواه وا حزناه! أنا رفضت طلب الأمير سليم، فعاملني بالعذاب الأليم، ولكن ما ذنب هذا الطفل الصغير، الذي ألهبته حرارة السعير، أواه وا كرباه عليك يا ولدي، وحشاشة كبدي، أجئت لتشاركني في النحوس، أم تسكن معي مظلمات الحبوس، فأين عين والدك لتراك، لتخلصك من بلاك، آه من الدهر وبلاه، وعذابه وشقاه، لا تصفو فيه المشارب، حتى تكدرها الشوائب، ومن عرف الزمان، لم يستشعر منه الأمان، فموهوبه مسلوب وإن أرخى على مهل، وممنوحه محروب، وأن أخر إلى أجل، وإنما نحن في الدنيا على أوفاز، ومجاز، وحذار، وانتظار، فالحازم من لا يفرح بمواهبها، ولم يتضاءل لنوائبها.
أقول والقلب مكدود بأحزان
والصبر أبعد مما كان أجفاني
حتى متى أنا يدمي العض أنملتي
غيظا على زمن قد رام إزماني
في كل يوم أراني من نوائبه
كأنني أصبعي والدهر أسناني
من لي بالممات، لأتخلص من الآفات، وأستريح من العذاب الشديد، الذي لا تقوى عليه جبال من حديد.
الجزء الثاني (عفيفة - السجانان - رسول)
الرسول :
خذي يا عفيفة هذا الكتاب، وعجلي برد الجواب.
عفيفة :
أهو من الأمير سليم؟
الرسول :
نعم، من الأمير سليم، فاقرئيه وأعطني الجواب، سلبا كان أم إيجاب. (تقرأ الجواب)
اعلمي يا عفيفة العنيدة، أنك لا تقدرين أن تعيشي سعيدة، إذا ما بلغتيني الآمال، وأبدلت عذاب الجفا بقرب الوصال، وقد أرسلت لك هذا الكتاب بشيرا، ومن عواقب الإعراض والهجران نذيرا، فإما وصل وفعل، أو امتناع وقتل، ولك يا عفيفة الخيار، ولا عذر بعد إنذار.
الإمضا: المغرم الكليم، الأمير سليم
عفيفة :
قد بشر وأنذر، وخير وحذر، فارجع إليه ما يريد، وقل له يفعل ما يريد ، وبلغ ذلك المهان، الذي نقض العهد وخان، أن لي ربا يقيني، ومن نوائب غدره يحميني، ودون وصالي قطع الأعناق، وكل داهية لا تطاق، ومقصدي وشرفي أيها الأثيم، أن أقتل وأقبر وعرضي سليم، ولا تحوز المرأة في الدنيا مكانة عليا، إلا إذا بذلت ماء الحياة دون ماء المحيا، والطاهرة من النساء، تموت ولا يموت اسمها في الأرض ولا في السماء، وتنال في دنياها كل حظ سعيد، وتؤمن في آخرتها من عذاب الوعيد، وأنا عفيفة، النقية الشريفة، فاذهب وقل له أيها الكئيب، بقطيعة جهيزة، قول كل خطيب، فدعه يقتل أو يحرق، أو يصلب أو يشنق، فكلها مقصدي وآمالي، وفداء لعرضي الغالي (يذهب البريد).
الجزء الثالث (عفيفة - سجانان)
السجان 1 :
أسألك يا قاصم الجبارين، ومخزي الغدارين، ومنكث كل خائن، ومبيد كل مائن، وقاهر كل أثيم، ومدمر كل ظالم لئيم، أن تكفيني شر سليما وغدره، وترد كيده في نحره، إنك سميع الدعاء، والواقي من كل بلاء.
لا ريب أن الأمير سليما قد ظلم مولاتنا عفيفة، وكلفها ما لا تفعله كل طاهرة شريفة، وارى أن هذا الطغيان سيلبسه رداء الذل والهوان.
السجان 2 :
بل رداء القتل، إذا ما رجع عن الجهل؛ لأن مولانا الأمير سيرجع عن قريب، ويذيقه جزاء ما فعل أنواع التعذيب، هذا إذا ما قتله، وعجل من الدنيا مرتحله، فسر لنحذره قبل ما يندم، فعساه يتأنى في أمره ليسلم، وإذا رفض النصيحة، وبقي على نيته القبيحة، يكون قد ألقى نفسه في خطر، يجعله مدى الأيام تاريخا يذكر في السير.
السجان 1 :
هذا هو عين الصواب، والأمر الذي لا يعاب، وسنقوم بالواجب علينا؛ لنخلص من شر جريرة ترجع علينا، فالبدار أيها الرفيق، وعلى الله التوفيق (يخرجان).
الجزء الرابع (عفيفة - أمينة - فطينة)
أمينة :
تبا لهذا الزمان الغدار، كيف يظفر الفجار بالأبرار؟ فقد كتب سليم الأثيم إلى أميرنا الهمام، أن مولاتنا عفيفة زنت وجاءها ولد في الحرام، وجاء الجواب بقتلها وقتل الغلام؛ جزاء ما ارتكبته من الذنوب والآثام، وهي والله بريئة عفيفة، نقية طاهرة شريفة، صوامة ذاكرة قوامة، وكل جرمها العظيم مخالفة الأمير سليم، الذي تعمد فعلته الشنيعة، وخالف كل شريعة، وما هاب بطش الغيور، الذي يعلم بخفايا الصدور، والعجب كل العجب، من أميرنا المنتخب، كيف سمح بقتلها وولده الصغير، بمجرد بهتان سليم الختير، مع أنه هو المخاطب، والمسئول والمطالب، ولا لوم على الواشي الكمين، بل على الذي أنزل خبره بمنزلة اليقين، والمشهور عند العقلاء، أن الخبر يحتمل الصدق والافتراء، وخصوصا إذا كان من أثيم نظير سليم.
عفيفة :
أسمعك يا أمينة تذكرين اسم سليم.
أمينة :
آه يا مولاتي من ذلك اللئيم (سرا)
وكيف أخبرها بالقصة؟ التي تجرعها ألف غصة ... أسفا على قوامك الرطيب.
فطينة :
حزنا على جمالك العجيب.
عفيفة :
ما لي أراكما في أسف وندب، هل جد شيء يوجب الكرب؟
أمينة :
وأي كرب عظيم، وبلاء جسيم، ومصيبة فادحة، وكارثة جارحة.
عفيفة :
وما هو يا أمينة؟
أمينة :
أخبريها يا فطينة.
فطينة :
أأخبرها بالهلاك؟
أمينة :
لا كان سليم الأفاك، كيف بلغ بالإفك المراد، وألبسنا ثوب الأسف والحداد؟
عفيفة :
أخبراني أخبراني، لقد ذاب جناني.
أمينة :
اعلمي يا مولاتي المظلومة، أن سليما بتدبيراته المشومة، قد تحصل على أمر من سيدنا الأمير، بقتلك وقتل ولدك الصغير، وادعى أنك ارتكبت الآثام، وولدك جاء من الحرام، وعن قريب يرسل سيافين، ليجرعاك وولدك علقم البين.
عفيفة :
ومن أخبرك يا أمينة؟
أمينة :
سليم أخبرني وأخبر فطينة، وأرسلنا إليك بالخبر؛ لتكوني على حذر.
عفيفة :
أمن هذا الأمر اعتراكما الوجل؟! وقطعتما من نجاتي الأمل؟! أما تعلمان أن الله سميع بصير، وعلى إنقاذي قدير، أإله غير الله؟!
أ - ف :
لا والله، لا والله.
عفيفة :
أيرحم العبد سواه؟
أ - ف :
لا والله، لا والله.
عفيفة :
من يفرج عنا الكروب؟
أ - ف :
مذهب حزن يعقوب.
عفيفة :
من يجبر الكسير؟
أ - ف :
ربنا السميع البصير.
عفيفة :
من يكشف عنا الخطوب؟
أ - ف :
كاشف ضر أيوب .
عفيفة :
من يخلصني من الأكدار؟
أ - ف :
منجي إبراهيم من النار.
عفيفة :
من ينجيني من الحرق؟
أ - ف :
منجي موسي من الغرق.
عفيفة :
من يكفيني العذاب المهين؟
أ - ف :
منجي إسماعيل من السكين.
عفيفة :
أما هو الذي يستجيب الدعاء؟
أ - ف :
نعم وهو المنجي من البلاء.
عفيفة :
إذا فارفعوا إليه أكف الضراعة، وادعوا معي بمهجة ملتاعة. (مقام حسيني عشيران - أصول - سماعي ثقيل 10 من 8.)
9
يا رب يا منان
يا واهب الإحسان
أنقذنا مما كان
من جاحد قد خان
بالجور والبهتان
والزور والعدوان-رمانا
دور
قلبي غدا ولهان
من لوعة الأشجان
والمائن الخوان
عاملنا بالعدوان
فاصنع لنا إحسان
يا عدل يا سلطان، إلهي (يغشى عليهن)
الجزء الخامس (السياف - السجانان)
السياف (للسجانين) :
أنتما عليكما الإذعان، لما يأمر به الأمير سليم وكيل الديوان، وما لكما حق بالمعارضة، والمجادلة والمناقضة؛ فلو لم يكن رأى من عفيفة أقبح فعل، لما سبب لها من القتل، فالزما حد الأدب، ولا تجعلا لطردكما من سبب.
السجان 1 :
قد أخطأنا أيها الهمام، والعفو من شيم الكرام، وبعد الآن لا نتداخل فيما لا يعنينا، لئلا نسمع ما لا يرضينا ... هه، انظر أمينة وفطينة وعفيفة الحزينة.
السياف :
انظر، أهو موت أم إغماء؟
سجان :
لا يا سيدي بل هو إغماء، فيلزم أن نرشهن بالماء.
سياف :
عجل، كفيت البلاء (يذهب السجان).
هذا جزاء من تخون بعلها في غيابه، ولم تخش رجوع المشرفي إلى قرابه. (يحضر السجان الماء ويرشهن به فيتنبهن.)
أمينة :
أواه قد بلغت أرواحنا التراق.
فطينة :
قد آن وقت الفراق.
سياف :
أخرجوا عفيفة البغية.
عفيفة :
أغثني يا رب البرية.
سياف :
أخرجوها بالعجل.
سجانان :
أمرك أيها الأجل (يخرجانها).
سياف :
اعلمي أيتها الاميرة، أنك لبست لباس الجريرة، وستجازين بما في هذا الكتاب، فاقرئيه وتشجعي على تحمل العقاب.
عفيفة :
الحكم للواحد الغيور، الذي يعلم بخفايا الصدور، هات الكتاب لأقرأه، والفرج على الله.
صورة الجواب
اعلم يا أمير سليم، أن كتابك أوقعني في الخطر العظيم، ولعلمي بما صدر عنها من الفعل المشين، قد كان عندي في درجة اليقين ، والذي يجب عليك، حين وصول كتابي إليك، أن تقتل عفيفة ذات الخنا، وولدها ثمرة البغي والزنا، بدون مراجعة أحد من الأنام، أو شفاعة بها، وعليك السلام.
الأمير عطفان علي حمدان
سياف :
أقرأتيه؟
عفيفة :
نعم قرأته.
سياف :
والإمضا.
عفيفة :
عرفتها.
سياف :
أهو خط الأمير وإمضاه؟
عفيفة :
نعم خطه بلا اشتباه، قد سعى بقتلي سليم الغدار، وساعده الأمير بمجرد الإخبار، أما كان يجب عليه أن يتمهل، ويتأنى في أمره ولا يستعجل، أما علم أن عاقبة العجلة الندامة، وأنه مسئول عن النفس يوم القيامة، يوم يؤخذ بناصية الظالم دون سائر الخلق، وأنادي وأقول هذا ظالمي يا حق، أينفع حينئذ عذر؟
أ - ف :
لا وعالم السر والجهر.
عفيفة :
أينفع وقتئذ جار؟
أ - ف :
لا ومن يعلم الأسرار.
عفيفة :
أينجي مال أو بنون؟
أ - ف :
لا ومن يعلم ما كان وما يكون.
عفيفة :
ما حجة الظالم يوم الدين، إذا وقف أمام رب العالمين، يوم تشخص فيه الأبصار، لحكم الواحد القهار، يوم يفر الإنسان من أبيه، وآله وذويه، وأنا أتأسف على الأمير وعلائه، أن أكون يوم القيامة من خصمائه، مع أني أعد في أعتابه من الخدم، وهو صاحب المهابة والعظم، كل هذا بفعل الإغراء الكبير، آمنت بالله القدير. اعلمي يا أمينة، وأنت يا فطينة، بأني عن قريب ستكور شمسي، وأسكن بعدها رمسي، جزاء طهارتي، وعفي وصيانتي، ولا لوم على الظالم فيما ظلم، بل اللوم على الحاكم فيما حكم، ولست بأول مظلومة غالها الظلوم، وسنلتقي في يوم تجتمع فيه الخصوم، وأنا ملطخة بدم البراءة، وهو مصفد بسلاسل الجراءة، وينادى على رءوس الأشهاد: هذا يوم العدل في العباد، ويجازى كل امرئ بما قدمت يداه، ويكون الأمر بيد الله.
سياف :
نعم، وفي هذه الدنيا الفانية، القتل جزاء لكل فاسقة زانية، فسلمي نفسك أيتها البغية، وتهيئي لشرب كأس المنية.
عفيفة :
أبلغ من قدرك يابن الطاغية، أن تقول على مولاتك زانية؟! فاغرب عن وجهي أيها اللئيم، فلا كنت ولا كان الأمير سليم (يذهب).
الجزء السادس (عفيفة - أمينة - فطيمة)
عفيفة :
إلى جهنم وبئس القرار، خسرا لكم يا أشرار، وسحقا لأميركم ذي الخيانة، الذي نقض العهد وخان الأمانة، ائتيني يا أمينة بدواة وقرطاس.
أمينة :
أمرك على العين والراس.
عفيفة :
سلامة ضمير مولانا الأمير، الذي وكل في أحكام هذا الشرير، ولا تثريب عليه فيما فعل، ولا حيلة للمحتال إذا أدركه الأجل.
وإذا المنية أنشبت أظفارها
ألفيت كل تميمة لا تنفع
لذا أسلم أمري في جميع الأحوال والشئون، إلى من أمره بين الكاف والنون، وقضاء الله لا تدفعه حيلة محتال؛ إذ الأمر بيد ذي الجلال.
أمينة :
خذي يا مولاتي، هذه دواة وقرطاس.
عفيفة :
سلمت من كيد كل خناس (تكتب الجواب، وفي أثناء ذلك تتحدث سرا أمينة وفطينة).
خذي يا أمينة هذا مكتوب الأمير سليم، ومكتوبي سلميهما معا لمولاي الفخيم، الذي حكم سليم الشرير، بقتل زوجته وولده الصغير، بدون مراجعة فكر، ولا تأمل في الأمر، وهذا قضاء الله، فله الشكر والحمد، من قبل ومن بعد.
الجزء السابع (سليم - السياف - الجند)
سليم :
بأية جراءة يا ذات العيب الكبير، خالفت أمري وأمر مولاي الأمير، أظننت بعد الفسق والزنا، تخلصين من القتل والعنا.
عفيفة :
أسكت يا خوان، ومعدن الغدر والعدوان، فأنا أطوع لمولاي الأمير من يديه، وجميع أموري منه وإليه، وكل ما فيه رضاه، أقبله وأرضاه، وأما أمرك يا جحود، فهو مرفوض ومردود، فمل إلى العدل والإنصاف، وارجع عن الجور والإسراف، وتخلق بأخلاق الأمين، الذي لا يخون ولا يمين، واعلم يا أمير سليم، أن الظلم مرتعه وخيم، يزيل النعم، ويورث النقم، ويصرع الرجال، ويقصر الآجال، وأنت أغراك هوى الضلال، فراقب مولاك، الذي حكمك وولاك، فلا تدوم إمارة، ولا تبقى نضارة، ودوام الحال محال، وكل شيء مصيره للزوال، وستعرض في غد أيها الأمير أنت وعملك على اللطيف الخبير، فأصلح لتسلم، وإلا فوالله تندم، وصن عرضك من العار، ونفسك في الآخرة من النار.
سليم :
صه يا زانية، اسحبوها إلى البادية، واقتلوها هي وولدها، في شعب الهلكات، ودعوها تنطبق عليها الأرض والسموات.
عفيفة :
أغثنا يا غيور.
سليم :
آه يا ذات الفجور!
عفيفة :
الفجور من مثلك يا غدار، وسينتقم منك الواحد القهار. (مقام حسيني عشيران - أصول دارج 6 من 4.)
محبوبي قصد نكدي
قوى بالبكا رمدي
صحت من لهيب كبدي
أحرق الضنى جسدي
خانة
مسني السهر
بت في فكر
زاد بي الضجر
حين غاب القمر
سترك الجميل سندي
وعليك معتمدي (تنزل الستار)
الفصل الرابع
الجزء الأول (الأمير سليم - ندمان - مجلس شراب) (مقام حجاز نكريز - أصول ورشان.)
10
عاذلي في الأغيد الأنس
لو رآه اليوم قد عذرا
خانة
وردة بالخد أم خجل
ريقه بالثغر أم عسل
سليم :
اشرب ثلاثا يا نديمي واسقني
وأطرب لنقطة عجمة وبيان
كأس إذا صافحتها أثرت يدي
من فضة ملئت من المرجان
حمراء رصعها الحباب بجوهر
كالزهر في مرج من العقيان
والله لو عقل المجوس لكأسها
جعلوه بيت عبادة النيران
في محبتكم.
الجميع :
هنيئا (يشربون). (مقام حجاز دوكاه - أصول نوخت 7 من 4.)
املأ لي يا دري
من صافي الأدنان
وأجلها يا بدري
يا حور الحسان
خانة
املأ لي يا صاح راجي
وأجل لي الأقداح
من مدامة تبري
فؤادي الظمآن (مقام أوج - أصول نوخت 7 من 4.)
يا نسيمات الصبا
روحي أرض الحجاز
غني في لحن الصبا
أو نغيمات الحجاز
سلسلة
وانشدي صبا صبا
وانعشي أهل المجاز (مقام حجاز دوكاه - أصول نوخت 7 من 4.)
هل يرى في الناس مثلي
عاشق مضنى متيم، ومغرم
رق حتى صار وهما
حار فيه من توهم، فسلم
سليم :
يا ليلي، يا ليلي، يا ليلي، يا ليلي، يا ليل.
وحق يا بدر من لك مهجتي ملك
لا تستمع من يقول لك عاشقك ملك
جعلت جفني محلك والفؤاد مال لك
بالله واصل ولا تسمع كلام واصل
والعقل يا منيتي والروح والمال لك
الجميع :
يا سلام، كمان آه.
سليم :
في محبتكم.
الجميع :
هنيا.
نديم 2 (يقدم للأول كأسا فلا يقبله، فيتغاضى عنه ويقول) :
إن مجلسنا أيها الأمير، والقمر المنير، قد أخذت فيه الأوتار تتجاوب، والأقداح تتناوب، ونحن بين بدور، وكاسات تدور، ومسموع ومشموم، ومشروب ومطعوم، وعود يحرك ويحرق، وقدح يروب ويروق، وشاد يغرد، وشارب يعربد، وخد ورد ينشق، وورد خد ينشق، إلى غير ذلك من روح وريحان، ومحاسن وإحسان، وإنما يا سيدي العيش، مع الخفة والطيش، فانتهز فرصة اللذات، قبل فوات الأوقات.
صل الراح بالراحات واقدح مسرة
بأقداحها واعكف على لذة الشرب
ولا تخش من ذنب فأوراق كرمها
أكف غدت تستغفر الله للذنب
في محبتكم.
الجميع :
هنيا.
نديم 3 :
اشرب يا سليم الجنان، وارتشف بنت الدنان، من كئوس، تسر بحسنها النفوس، ثغورها باسمة، ومناهلها لمادة الأسى حاسمة، تحمد عند الصبوح والغبوق، وتشرح الصدور في حالتي الغروب والشروق.
وكأس ترينا آية الصبح في الدجى
فأولها شمس وآخرها بدر
مقطبة إن لم يزرها مزاجها
فإن زارها جاء التبسم والبشر
فيا عجبا للدهر لم يخل مهجة
من الحب حتى الماء يعشقه الخمر
سليم :
لله دركم من ندمان، لا يسمح بمثلهم الزمان، حاشيتهم أرق من النسيم، ومزاج كاساتهم من تسنيم، إن نظموا أودعوا أصداف المسامع درا، أو نثروا نفثوا في عقد العقول سحرا.
تنازعوا درة الصهباء بينهم
وأوجبوا لرضيع الكأس ما يجب
لا يحفظون على النشوان ذلته
ولا يريبك من أخلاقهم ريب
فقد والله طيبتم القلوب والأسماع، وأحييتم موات الخواطر والطباع، وأطعمتم الآذان سرورا، وقد حتم في القلوب نورا، سيما وقد ارتاح الجنان، بقتل عفيفة من الأكدار والأحزان، وفي أملي أن يقتل ابن اللئام، في ساحة الطعن والصدام، وأملك بعد موته الأمر والنهي، وأحكم على كل من في الحي. فما تريان أيها النديمان الصادقان؟
نديم 1 :
إني أرى ما أنت فيه أيها الأمير، هو محض خطأ ومسخط للعليم الخبير، وأما رأيي في العشق والغرام، أيها السيد الهمام، فهو ملك قاهر وحكم جائر، هزله جد وراحته تعب، وأوله لغب وآخره عطب، يعتري النفوس العاطلة والقلوب الفارغة، ويكسف من الآراء شموسها البازغة، يستعبد الأحرار، ويستأثر ذوي الأقدار، ويصغر الأبدان، ويوقع في الذل والهوان، ويورث الأسف والحرق، ويجلب الوسواس والأرق، ويجدد ملابس الوجد والألم، ويمنع عن الاشتغال بالعلوم والحكم، ويعطل عن المصالح، ويجرح بمديته الجوارح، ومن جنده الغرام والكلف، ومن رفده الهيام والشغف، يعوق الطالب عن الاستفادة، ويشغل الإنسان عما خلق له من العبادة، يفضي إلى الجنون، ويدني أهل المنى من المنون.
وما عجب موت المحبين في الهوى
ولكن بقاء العاشقين عجيب
ولولاه لما قتلت عفيفة ظلما، وارتكبت شططا وإثما، وما غررت بنبيل الإمارة، وأحببت الحكم المطلق والإدارة، مع أن أميرنا على قيد الحياة، ومحبوب بما له من رفعة القدر والجاه، فعليك أن تتدارك الأمر، قبل ما يحيق بك الخسر.
سليم :
وأنت ما تقول أيها النديم؟
نديم 2 :
أنا أقول أيها الفخيم، إن ما فعلته قدر ومكتوب، في لوح علام الغيوب.
إذا نزل المقدار لم يبق للفتى
نهوض ولا للمخدرات إباء
فدع ما فاه به هذا العتل الزنيم؛ فقد لا يحسن الحديث في مجلس النديم.
ما للغناء مع الحديث نظام
إن الكلام على السماع حرام
وداو الأوهام بشرب راح ألطف من نسيم الصبا، وأرق من دموع العشاق وعهد الصبى، النور إزارها، ومعدن الذهب قرارها، وقد قيل: إذا تراكمت الغموم، ففي المدام بماء الغمام شفاء الهموم، فهي في الحقيقة كيمياء الفرح، وصابون الترح.
وليست الكيميا في غيرها وجدت
وكل ما قيل في أوصافها كذب
قيراط خمر على قنطار من ترح
يعود في الحال أفراحا وينقلب
وعول على اغتنام فرص اللذات؛ حيث دعتك إلى المدام قبل الفوات، واجعل كلام هذا النصوح في زوايا الإهمال، وبعد هذا الوقت لكل مقام مقال، ولنرجع أمير الأمراء، إلى ما كنا فيه من الأنس والصفاء.
نديم 1 :
لا بأس بما قاله، فأوعه سمعك؛ فإنه يرى غير ما رأيت ويقصد نفعك، وها أنا قد خرجت من عهد الأمير بالمعروف بما قدمته لديك، ودخلت فيه من أبواب النصائح بين يديك، وليس لي غاية في ذلك ولا فائدة، ولا أمل في صلة تكون علي عائدة، وألتمس منك الإذن بالانصراف الآن، والشأن لمن كل يوم هو في شأن. (يقول سليم بعد أن يخرج النديم الأول.)
الجزء الثاني
سليم :
صدقت أيها النديم، الراح تشفي السقيم، وتسمع الأصم، وتنطق الأبكم، وتؤلف شمل البعيدين، وتزرع المحبة بين المختلفين، وتشجع الجبان، وتزيل تعقيد اللسان، فأنشدنا بمفردك أيها النديم، شيئا يداوي قلبي الكليم.
نديم 2 :
ولما رآني العاذلون متيما
أهيم بمن أهوى وعقلي ذاهب
رثوا لي وقالوا كنت بالأمس عاقلا
أصابتك عين قلت عين وحاجب
الجميع (مقام حجاز همايوني - أصول دارج 6 من 4)
11 :
يا راعي الظبا
في حيك غزال
خلته في قبا
مذ رنا وصال
دور
قال لي خذ جبا
واشربها حلال
ناديت مرحبا
يا بدر الكمال
خانة
قل لي يا مصون
ما هذا الدلال
يا حلو المجون
ما آن الوصال
زادت بي شجون
سلواني محال
وحال أبي
عن غيرك ومال
إيه أمان أمان
إيه أمان أمان
دور
كم هذا القديد
يقتنص أسود
والخال في الخديد
حارسه يسود
دور
ينثني رويد
راخي البنود
يمشي معجبا
في ثوب الجمال
خانة
مقصدي أراك
يا بدر البدور
يا عود الأراك
محلي تزور
لا أعشق سواك
بسك لا تجور
يا غصن الربا
يا مزري العوال
إيه أمان أمان
إيه أمان أمان
سليم :
قد ضاق صدري من هذا الأمر، واشتعل في قلبي وقد الجمر، وما أبداه هذا النصوح البارد، قد أقصى آمالي عن بلوغ المقاصد، ولم أدر نتيجة هذا الشأن، تعود علي ربحا أو خسران.
نديم 2 :
هون عليك أيها الأمير، فالأمر سهل ويسير؛ فإنك عند الأمير علي مقبول، وكل كلام غير كلامك يعد من الفضول، فلا تشغل فكرك بتباريح الفكر، وما كان من أمر عفيفة، فهو قضاء وقدر، فهيا بنا أيها الندمان؛ لنطرب الأمير بالسماع وبديع الألحان.
فصل سماع (مقام حجاز دوكاه - أصول مربع 13 من 4.)
غصن بان قد تبدى
بالمحاسن والجمال
يا له ظبي مفدى
قد سبى بدر الكمال
دور
وحوى في الثغر شهدا
ذا الرشا عذب المقال
وأسر بالجفن أسدا
منه بالسحر الحلال (مقام حجاز دوكاه - أصول نوخت 7 من 4.)
يا غزالا قد أعار الظبى
تكحيل العيون
وغصينا قد أعار الروض
ميلات الغصون
خانة
بالذي ولاك
حسنا رق وارحم
صب مغرم
بالجوى حيران
قفلة
أوف وعدي وتفضل
وأزل عني شجوني
ما الصبر إلا جدلا
والحب لا يبرح ولا
خل من لي
خلي ذلي بين الملا (مقام حجاز دوكاه - أصول مصمودي 8 من 4.)
هجرني فدعني من البعاد أنتحب وجدي
وخلي دموع العين تجري على خدي
خانة
دموعي جرت في الخدود
وحبي بدا بالصدود
ترى يا زماني تعود
وانظر حبيبي عندي
دور
ألا يا صبا نجد متى هجت من نجد
لقد زادني مسراك وجداك على وجد
خانة
حبيبي رشيق القوام
وريقه شقيق المدام
أتى في دياجي الظلام
وجادلي بحل البند (مقام حجاز دوكاه - أصول دور هندي 7 من 8.)
هات يا باهي السنا
كاس الطلا، بين ندمان
وأدر راح الهنا
بدري علا، طب بالحان
خانة
خمرة تنفي العنا
بها انجلى، غين أحزاني
قفلة
كم بها نال المنا
بعد القلا، مغرم عاني (مقام حجاز دوكاه - أصول أقصاق 9 من 8.)
12
جادك الغيث إذا الغيث هما
يا زمان الوصل بالأندلس
خانة
لم يكن وصلك إلا حلما
في الكرى أو خلسة المختلس
دور
إذ روى النعمان عن ماء السما
كيف يروي مالك عن أنس
خانة
فكساه الحسن ثوبا معلما
يزدهي منه بأبهى مجلس
الجزء الثالث
البشير :
قد بزغت يا مولاي طوالع الأمير المنصور، وعن قريب تشرق شمسه في سماء السرور.
سليم :
اغرب عني أيها الحقير، فلا كنت ولا كان الأمير، الذي كدر أوقات الطرب (يخرج البشير).
الندمان :
نعم وقد جبرنا على الهرب (يخرجون).
الجزء الرابع
سليم :
لا تخافوا، لا ترهبوا، اذهبوا إلى فلا ولا، ومن يكون الأمير اللكاع، حتى أخشى منه أو أرتاع، فعلي أن ألازم كأسي، جالبة أنسي وإيناسي، وإذا حضر الأمير، أقابله بالشتم والتحقير، ومهما شاء يفعل، وأنا على الراح لا أتحول (يملأ الكاس ويشرب).
إذا لم أجد للراح خلا موافقا
فلي بي أنس كامل حين أشرب
لساني يغنيني وفكري منادي
وكفي يسقيني وسمعي يطرب (تدق طبول النصر، وينشد الجيش من الخارج.) (شاهناز - أصول دارج 6 من 4.)
بشرى لنا بشرى لنا
فزنا على الأمدا ونلنا المنا والمرام
جاد الهنا جاد الهنا
واشتفت النفس بقهر اللئام الطغام
سليم :
آه يا ترى آه يا ترى
أظفر الوصل ولو في الكرى، لل يا ليل
الجزء الخامس (الأمير علي - الجيش - سليم سكران يعربد في دار الأمير)
الجيش :
رب الورى رب الورى، ارض على المولى علي النهى والمقام.
علي :
ما هذا يا حليف الخمر ؟! (مشيرا إلى سليم).
سليم :
هذا حظ ونشأة وسكر.
علي :
أفي بيتي تفعل هذه الفعال؟
سليم : (أمال) يا (واد) يا راعي الجمال.
علي :
اقبضوا على هذا الفاسق الخئون، واجعله في السجن ليذوق المنون، واذهبوا أنتم إلى منازلكم، واستأنسوا بأهلكم وأقاربكم (يمسكونه).
الجند :
شهم علا شهم علا
أوج علا المجد بطعن القنا والحسام
سبع الفلا سبع الفلا
حزت رضا الشعب فطب بالصفا والسلام (يخرجون سليم)
الجزء السادس (الأمير علي - أمينة - فطينة)
علي :
أمينة.
أمينة :
نعم.
علي :
فطينة.
فطينة :
نعم.
علي :
أخبراني بحقيقة الحال؛ ليزول عني الإشكال، هل عفيفة زنت كما قال سليم؟
أمينة :
لا لا، حاشا يا مولاي الفخيم، عفيفة نقية، وطاهرة تقية، صوامة وذاكرة قوامة، وقد ماتت مظلومة، بدعوى سليم المشئومة، وأنت يا مولانا تساهلت بقتل عفيفة، وهي والله بريئة شريفة، وهذا كتاب سليم الذي أرسله لها في الحبس، وهذا كتابها لك، فاقرأهما ليزول عنك اللبس (يقرأ كتاب عفيفة).
باسم رب الملكوت، الحي الذي لا يموت، مقدر الخير والشر، مسبب النفع والضر، الذي لا يغرب عن علمه في جميع الأمور، ذرة من خفايا القلوب والصدور، من المذبوحة بمدية البهتان، المقتولة بالظلم والعدوان، اعلم يا مولاي أنني قتلت بسيف حكمك الصارم، فأنت الخصم والحاكم، وكان يجب عليك التروي والإمعان؛ لنفرق الحق والبهتان، قتلت بغير حق أيها الأمير، ولم أجد غير الله لي من نصير، مع أني والله عفيفة، ومنزهة عن النقائص شريفة، ولو طاوعت الأمير سليم، لما ذقت العذاب الأليم، وليس الحق عليك، بل على الزمان، وسنجتمع في يوم تشيب فيه الولدان، وسلام الله العظيم المنان، على كل منصف بالعدل والإحسان.
الإمضا: المغتفر لها النقية، عفيفة البرية
علي :
آه، قد يدرك المتأني بعض حاجته، وقد يكون مع المستحيل الزلل. (لأمينة)
وأين قتلها ذلك الخوان؟
أمينة :
اعلم يا قرة العين، أن سليما أمر سيافين ، أن يأخذاها إلى شعب الهلكات، ويذيقاها وولدها علقم الممات، ولم ندر بعد ذلك ماذا جرى، حيث إن السيافين للآن ما حضرا.
علي :
يلزم أن آخذ سليما مصفدا إلى ذلك الشعب، وأحرق أحشاءه بالعذاب والضرب، وأستقي عن مدفنها الطاهر، وأسقي ترب ثراها من مدمعي الهامر، وألازم بعدها العويل والحسرات، إلى أن يأتي هادم اللذات، فأسبل علينا يا بارئ النسم، ستار التوفيق والكرم. (تنزل الستار)
الفصل الخامس
الجزء الأول (برية مقفرة - الأمير علي - الجند - سليم مصفدا بالأغلال)
علي :
بشر عفيفة نخبة الأطهار
أني عجلت لها بأخذ الثار
من فاسق كلم القلوب بغدره
ومحا حيا المعروف بالأوزار
قتل الغلام وأمه متعمدا
ورمى فؤادي في لهيب النار
سحقا له من ظالم متعمد
بعدا له من جاحد غدار
فاليوم يومك يا خئون فمت بما
كسبت يداك بصارم بتار
سليم :
حاشا تعاملني بفعلي سيدي
عفوا فإن الحلم للأحرار
والعفو من كرم الطباع فلا تدع
مني الرجاء على شفير هار
علي :
أترجو مني العفو يا خداع، وتعلمني أنه من كرم الطباع، بعدما راودت مولاتك عفيفة، وكلفتها ما لا تفعله كل طاهرة شريفة، ولما يئست منها يا خوان، قتلتها بالزور والبهتان، وقتلت ولدي، وأحرقت عليهما كبدي؟!
سليم :
أتيت ذنبا عظيما
وأنت للعفو أهل
فإن عفوت فمن
وإن جزيت ففضل
وإني أتمثل يا ذا الأفضال، بقول من قال
ذنبي إليك عظيم
وأنت أعظم منه
فخذ بحقك أو لا
فاسمح بحلمك عنه
إن لم أكن في فعالي
من الكرام فكنه
علي :
العفو يا ذا الخطيئات، يكون على الهفوات والذنوب الصغائر، لا عن موبقات الكبائر، وأما جرمك العظيم يا ذا الحيف، لا يستحق مقابلته بغير السيف. أولا: فأفضل العقاب والقصاص، برميك بالرصاص، فمت أيها الجبان؛ فقد لقيت الهوان (يمر سياف بسرعة قبل أن يرميه بالرصاص، فيرخي يده).
ويقول: إني أرى شبحا مارا مر السحاب، فعلي به قبل أن يختفي في الهضاب (تلحقه الجند).
أمينة :
أظنه يا مولاي أحد السيافين، الذين أمرهما سليم بقتل سيدتي قرة العين.
الجزء الثاني (الجند - السياف - الأمير علي - أمينة - فطينة - سليم)
أمينة :
هه ... هو بعينه يا مولاي الفخيم، فسله عما فعل بسيدتي ونجلك الكريم.
علي :
وماذا فعلت بعفيفة البرية؟
السياف :
هي على قيد الحياة يا ذا السجية العلية.
علي :
عفيفة على قيد الحياة؟!
السياف :
نعم يا علي الجاه.
علي :
وا فرحاه، وا طرباه، ولكن ما الذي ألجأكما لترك ما أمركما به هذا اللئيم؟
السياف :
براءة عفيفة من كل فعل ذميم.
علي :
وأين هي الآن؟
السياف :
هي قريبة من هذا المكان.
علي :
أخبرنا يا باقعة، كيف كانت تلك الواقعة؟
السياف :
حيث أذن مولاي في حسن البيان، فلا بد من إتمام الإحسان، وذلك بالإصغاء، وحسن الرعاية والإرعاء.
علي :
كلي آذان، فعليك بالصدق في البيان.
السياف :
عش يا سيدي واسلم، وتيقن واعلم، أنه بعد أن أمرنا هذا الجحود بتصفيدها في القيود، وضعناها في السجن، وقد عانت فيه كثيرا من الحزن، حتى لقد جاءها المخاض في غيابته، ولم تجد من يواسيها بعنايته (يظهر الأمر على علامة الاستياء) . إلى أن جاء أمركم الكريم بقتلها وقتل ولدها الفخيم، فكان بمنزلة القضاء النازل من السماء، وإذا نزل القضاء، وفتحت له أبواب السماء، فلا يرد ولا يصد، ولا حيلة في منعه لأحد، كذلك كان أمركم يا ذا العلاء، لا يمكن تلقيه إلا بالإذعان والإمضاء، فأخذناها وهي بحالة تبكي لها العواذل، وترق لشكواها الليالي الموائل، فهزتني الرحمة والفتوة، وحركتني الشفقة والمروة، إلى كشف الحقيقة، ودفع ما التمس علي من غامض الطريقة، فأقسمت لي بأغلظ الأقسام، أنها بريئة من العيوب والآثام، وأيدت كلامها بالبرهان القاطع، والدليل الدامغ، فأشفقنا عليها من الهلاك، وصبينا جام غضبنا على هذا الأفاك (مشيرا إلى سليم) ، وخشية من شره تركناها في منقطع من العمران، غير مأهول بالسكان، ولكن نعمة الله أعلى من أن تدركها الأفهام، أو يحيط بها علم الأنام، ولا بد من أن تتم كلمته، وتنفذ مشيئته، ولولا الحرص والأمل، لبطل العلم والعمل، ولما انتظم أمر المعاش، ولا اهتم لادخار قوت ولا رياش، ولا زرع زارع ولا غرس غارس، ولا بنى بان ولا اخضر يابس، ولانقرض إذ ذاك نظم العالم، وبانقراضه تنقرض أمور بني آدم؛ فقد أرسل الله الرحيم، شاة من فيضه العميم، فانتفعت بصوفها ولبنها، وآنستها في وحدتها، ثم أسعدتني الظروف بمعرفة المغارة، وهذا إيجاز ما حصل يا صاحب الإمارة، فأما وقد عرفت الخطأ من الصواب، وتبينت الرشد من كلامي والخطاب، فما عليك إلا أن تنتقم من هذا الجحود، وتسكنه مظلمات اللحود؛ ليكون عبرة لمن ينسج على منواله، وينهج نهجه من أمثاله، وبغير ذلك تفيض اللئام فيضا، وتغيض الكرام غيضا، فيستفحل الداء ويعز الدواء.
ولقد نصحتك إن قبلت نصيحتي
فالنصح أغلى ما يباع ويوهب
علي :
إن لساني عاجز عن مدحك والشكران، على ما أبديته من الجميل والإحسان، وسأتبع كل ما أشرت به علي أيها الكريم، ولا تحسبن عليا يعفو بعدئذ عن هذا اللئيم (للجند)
فاذهبوا معه الآن، وائتوني بها وولدي؛ لتزول عني الأشجان (يذهبون).
الجزء الثالث (بعض الجند - علي - سليم مكبلا بالقيود)
علي :
إذا ظالما يستعمل الظلم مذهبا
ولج عتوا في قبيح فعاله
فكله إلى صرف الليالي فإنها
ستبدي له ما لم يكن في حسابه
فكم قد رأينا ظالما متجبرا
ير النجم تيها تحت ظل ركابه
طغى وبغى حتى إذا غره البقا
أناحت جميع النائبات بابه
الجزء الرابع (الجند - عفيفة - طاهر - الأمير علي - سليم) (لحن أوج - أصول أقصاق 9 من 8.)
إن هذا اليوم يبدي
ألسنا تسنى عن النفوس
إذا غدا للبدر يهدي
كوكبا يغني عن الشموس
وبدا الدهر بعد
ضاحك السن بعد العبوس
طاب المتلقى
والدهر انتقى
يوما أشرقا
قال لي غنى (يقبلان بعضهما، ويحمل ولده على صدره، ويظهران كثيرا من علامات الشوق.)
عفيفة :
هذا يا مولاي الفخيم، صديقك الأمير سليم، المتصف بأنواع الكمال، المتحلي بزينة الأدب والجمال، الذي ما له نظير بالمعارف، والشمائل الحسنة واللطائف، الصادق الأمين، الذي لا يخون ولا يمين (بتهكم).
علي :
لك يا عفيفة أكثر من هذا التأنيب، وسنخلص من رؤية هذا الكئيب، فذق أيها الخئون، علقم المنون (يضربه بالرصاص فيقع يتخبط).
عفيفة :
الحمد لله الكريم، الذي أعاد على ذلك اللئيم، عاقبة الغدر والشرور، وأراه نتيجة نكث العهد المبرور.
علي :
قد جعلتك أيها السياف الهمام، نائبا لديوان الأحكام، واتخذتك من الآن سميرا، وفي أموري ناصحا ومشيرا، وسأفيض عليك من ملابس الإنعام، وخلع الإفضال والإكرام، ما يجعلك في عيشة هنية، وحالة مرضية. (للجند)
أما أنتم، فاشكروا الباري على ما أولانا من النصر، والفوز على الأعداء والظفر؛ فقد تركنا جلهم مقرنين في الأصفاد، وعبرة للساعين في الأرض الفساد، وجزءا منهم صاروا كرميم وهشيم، طلع في ريح عقيم، والباقي نكصوا على الأعقاب، وطاروا بخوا في العقاب، واستبدلوا بمسكة العزائم، هتكة الهزائم، وما ذلك إلا باتفاق قلوبكم أيها المخلصين، ومعرفتكم لواجب الوطن والدين، ومن قصتي علمتم أن مخالطة ذوي المنابت الوضيعة، مقوضة لعمد البيوت الرفيعة، ومعرفتهم تجر ندما، وتعقب حسرة وسدما؛ ذلك لأن لئام المكسر إن استغنوا بطروا وفتنوا، وإن افترقوا قنطوا ووهنوا، فأمعنوا النظر، ودققوا الفكر، إلى ما فيها من قمع نواجم الفخر، وقدع طوالع الكبر، ونتائج سوء الأفعال، وذميم الأعمال، وانظروا الفرق بين النتيجتين، والبون الشاسع بين الخصلتين، فضيلة عفيفة الإزار، الطاهرة من الأوزار، وهمتها التي تعزل السماك الأعزل سموا، وتجر ذيلها على المجرة علوا، أو رذيلة سليم الذي وقف في ظل الطمع، وترك التقى والورع، ولبس ثوب الخذلان، وجاهر بالبغي والعدوان، وقابل النعمة بالكفران، فالأولى حفظها الله في الدنيا من الهلاك والبوار، وسيحفظها بإذنه في الآخرة من النار.
إذا أكرم الرحمن عبدا بعزه
فلن يقدر المخلوق يوما يهينه
ومن كان مولاه العزيز أهانه
فلا أحد بالعز يوما يعينه
أما الثاني؛ فقد قضى نحبه، ولقي بأسود صحيفة ربه، وآل أمره إلى وبال، وسوء حال واضمحلال، وصار مضغة في كل لسان، وأضحوكة كل إنسان، وفي أخراه إلى سقيا الحميم وسكنى الجحيم؛ لأنه جحد النعمة بعد أن رفعته عن خمول، وغمط الصنيعة، وقد أطلعته عن أفول، فتجنبوا الصرعة في المهاوي، والضلال في المغاوي، وخذوا نهج الخير فتهتدوا، واصدفوا عن سمت الشر فتقصدوا، واجنحوا إلى الطاعة، ولازموا أهل السنة والجماعة، واشتملوا على الخيرات قبل أن تمزقوا، واعتصموا بحبل الله ولا تفرقوا، ولا تهتموا في إدراك الغرض، وتذهبوا جوهر نفوسكم في تحصيل العرض، ولا تستبدلوا الضلالة بالهدى، وترتدون بما يوقعكم في الردى، إني لكم من الناصحين (تظهر الجند شيئا من التأثر والاستحسان).
قائد :
شكرا لك يا مولانا على حسن عنايتك، وحمدا على نصحك وهدايتك، فكلنا بها قريري العين والناظر، منشرحي الصدر والخاطر، متعظين بأقوالك التي تسر المحزون، وتسهل الحزون، وتجتذب الألباب، وتستلب النفوس، وتنفس كرب المكروب، وتزيل البؤس، فلا زالت الأيام طوع يديك، ولا زلنا منك وإليك.
علي :
بارك الله في آرائكم السديدة، وهممكم السامية الرشيدة، فالزموا منازلكم ثمانية أيام؛ لتستريحوا من عناء الصدام، واشكروا المولى العظيم على ما أغدق علينا من النعمة والتكريم. (مقام أوج، أصول دارج 6 من 4.)
13
أمير العصر
جليل القدر
عظيم الفخر
بلا نكر
فدم في يسر
طويل العمر
مطاع الأمر
مدى الدهر
سلسلة
وسيفك صان
حوزة البلدان
وهو في الميدان
القضاء الشافي
دور
شقيق السعد
فخارك يهدي
جميل الحمد
منى القصد
فعش في رغد
مصون العهد
جزيل الرفد
بلا ضد
سلسلة
ونحوك مال
منتهى الآمال
واستراح البال
بالحبيب الوافي
مارش جديد
14 (مقام حجاز كار - أصول 13 من البلانش.)
غر هزار الغناء نشيدي (13) وأطربني بصوت رخيم (13) هنئ فؤادي بدهر جاد (13) واهد لمليك الورى المفضال (13) مدحا ينعش النادي (13) شهم بصفاء سعود علاه - طابت الأرواح (13) بدر بسناء شموس هداه - زادت الأفراح (13) وازدهت أنوار ذا المقام (13).
عباسنا ذو محيا زاه (13) مكي الختام (13) ملك بعدل سني ساد (13) فاشد ببقاء البهي الوضاح (13) مدحا ... إلخ.
3 من 4 (نوار).
هبوا بوفا
فالدهر غفا
وانهوا لجفا
طابت ألحان
طيبوا بأمان
من كيد زمان
مولى الأكوان
يسدي الإحسان
وادعوا الكرام
ببقاء دوام
آل الإنعام
في طيب ختام
مضحكات شعرية ونثرية
اقتطفنا هذا المقطعات الفريدة في بابها من رسالة لحضرة الموسيقي الأديب «كامل أفندي الخلعي» في مغن نكر الصوت نهم على الموائد؛ فأحببنا نشرها هنا تفكهة للقراء، واعترافا بما للمنشئ من انتقاء الألفاظ واختراع المعاني. قال حفظه الله:
أما صوته فمظلم قطيع، مغتص فظيع، تمجه الطباع، وتنبو عنه الأسماع، أطيب من سماعه النقيق، وأوقع منه النعيب والنهيق، إن قارب الصواب انحدر، وإن أخطأ استمر، كأن لهاته وقت الغناء، قصبة مشدوخة جوفاء، ما للغراب سفاهة، بين البلابل ينعب، فقبحا له من صوت، كحشرجة الصدر ساعة الموت، يميت الطرب، ويحيي الكرب، صرصوري مشوم، يتطير منه البوم.
كأنما تسمع من حلقه
دجاجة يخنقها ثعلب
ما عجبي منه ولكنني
من الذي يسمعه أعجب
أما ألحانه، فهي ضعيفة الإتقان، قليلة الأعيان، تخدر الحواس، وتميل بالأعناق إلى النعاس، لا يرفع الطبع لها حجابا، ولا يفتح السمع لها بابا، تزوي الوجوه وتغير الألوان، وتسيل الأنوف وتمرض الأبدان، أبرد من استعمال النحو في الحساب، والبناء في موضع الإعراب.
غنى لنا يوم حر فمات بردا رفاقي
يا ليتنا في حجاز لما شدا في عراق
وفيما يرويه من القديم تبديل وتكلف، وتحريف وتعسف، غمر، كالواو في عمرو، لا يميز بين خبيث اللحن وطيبه، ولا يفرق بين بكره وثيبه، موشحات مضطربة النغمات، وألحان تصدي الريان، وضرب يوجب الضرب، وإيقاع كالإيقاع، وسماع كالإسماع، وغناء كالفقر بعد الثراء، من حجاز كار كنهيق الحمار، وعشاق كالجزع يوم الفراق، وجركاه كثغاء الشياه، وحجاز كذل الإعواز، وصبا كالتأسف على الصبا، وحصار كضيق الحصار، ونوى كألم النوى، وحسيني كطعن الرديني، وعجم كذلة القدم.
وفي الضروب من خفيف، كالمسخ والتحرف، وشتير كسير البعير الأعور، وظرفات كقوائم الزرافات، وورشان كمشية النشوان، ونوخت كالدحرجة إلى تحت، وخروج في الدوارج كتعاريج المدارج.
فما طلعة الرقيب، على خلوة مع الحبيب، وكتاب الطلاق، وغداة الفراق، والهبوب من سبات عميق، على التهاب الحريق، وولولة النساء، لموت الأبناء، ودفن الذكي في ثيابه، وهو في نضرة شبابه، مع أخبار النعاة، ويأس الأساة، وأنين المريض، من عضو مهيض، وهدير الرعد، وزئير الأسد، وحديث البأساء لفاقد الصبر، وجزع الخنساء لمقتل صخر، وضجة المحشر في اليوم الأكبر، أو نفخة الصور في يوم النشور، وصيحة اللهام تحت سماء القتام، نعم ولا حالة الأيتام إذا استجدوا اللئام، ومقترف الآثام تحت آلة الإعدام؛ بأزعج من صوته في الآذان، ولا بأصدأ من وقعه على القلوب والأذهان.
ومغن إن تغنى
أوسع الندمان غما
دفه والوجه منه
قطعا ضربا ولطما
ليس يدري الوزن حتى
يبدل التكات تما
صوته سوط عذاب
ليتني كنت أصما
ذبحة فيه كنبح الكل
ب لو أعطوه سما
جمجم الصوت فمن ذا
يشرح اللغز المعمى
إن يقل يا دعد يوما
ظنها الجلاس سلمى
هو للأرواح ثقل
وهو للأجسام حمى
وجهه نحس يزيل ال
سعد مهما كان جما
لو رآه البوم يوما
مات منه البوم شؤما
هو للخير نزوح
يملأ الأكوان عدما
لو تراءى لنجوم
رحن قيد الدهر سحما
ليس بالمحسن من أو
لاه بعد البؤس نعما
فكه أقوى من الطا
حون عند الأكل قضما
هو كالسهم انطلاقا
لو رأى في النار طعما
إن رأى الخير توانى
أو تبدى الشر هما
أثقل الناس طباعا
وأخف الناس حلما
يا أراح الله منه الن
اس إحسانا ورحما
غرامه بالطعام
هو جعظري هبلع، يلتقم ولا يشبع، جشع أكول، له من نفسه إلى الولائم رسول، لو وجد أكلا عند أهل الجحيم لهرول إليه، وخرج من دار النعيم منقضا عليه.
إما توهم في الجحيم وليمة
يكفر ليصلاها مع الوراد
ينقض على الولائم انقضاض القشاعم، وينساب إليها انسياب الأراقم، أهدى لمواقع الأكل من دعيميص الرمل، طفيلي ويقترح، يلتقم ولا يمتدح، وساساني قد أنضب الإلحاف من وجهه أديمه، يحسب كل قنديل عرسا، وكل ضوضاء وليمة، إن وضع السماط هزته فرحة، وإن رفع أصابته ترحة، ينزل على الحساء نزول القضاء، ويسقط على الكباب سقوط العقاب، ويهوي على الدرامك هوي النيازك، يتبارى في الطعم كما يتبارى أولو العلم في العلم، تسافر يده على الخوان بأسرع من خطرات الأذهان.
ما بين لقمته الأولى إذا انحدرت
وبين أخرى تليها قيد أظفور
ناب كالقرضاب، وأضراس كالمهراس، يفتك بالدجاجة والأرنب، فتك ابن آوى والثعلب، فكأن بفكيه دولاب يدار، بربك أيها الفلك المدار، وكأن يديه في الشواء، وهو يمزقه أجزاء.
يدا سابح خر في غمرة
وقد شارف الموت إلا قليلا
أشجع الرجال عنده أشعب، وأبسل الأبطال لديه الأرنب، وخير رائحة عنده القتار، كما يشتم عبير الورد والبهار، وأمثل كتاب سطرته الأقلام، كتاب «حسن الطعام»، يقدس الشاة تقديس الفرس للشاه ، ولا يحفظ من الكتاب الكريم، إلا
وفديناه بذبح عظيم ، ومن الأشعار قول بشار:
لها عشر دجاجات
وديك حسن الصوت
ويكره من قول الحكماء: المعدة بيت الداء، والبطنة تذهب الفطنة. ومن أمثال الأوائل: رب أكلة أودت بآكل.
ومغن يتغنى
بطعام وشراب
فإذا رمنا سكوتا
فبضرب وسباب
وقلت فيه شعرا - بعد أن أتعبني نثرا:
هات الدواة وهات الطرس والقلما
فأفضل الناس في الأكوان من رقما
وصف لنا رجلا راحت نقائصه
تملى علي وقد سطرتها كلما
هو الجهول فإن أنكرت معرفتي
بجهله إن هذا الكون قد علما
أو قلت إن الدجى أرخى ذوائبه
لقال إني أحب الضأن والغنما
ولو رأى الليل قال الشمس قد طلعت
أو أشرقت قال إني أبصر الظلما
ليس الذي عميت منه العيون كمن
راحت بصيرته لا تستنير عمى
هو الذي يفعل الآثام مجترئا
فلا ذماما يراعيه ولا ذمما
وحظه أن يرى الأجفان باكية
وما على الأرض من حي يصير دما
نقالة لكلام الناس بينهم
لا يرعوي أن يرى بالحقد متسما
فكاد يملأ صدر الدهر من حرق
على بنيه ليذكي فيهم الضرما
وأجج النار من حقد ومن حسد
بين الدجى وضياء اليوم فاحتدما
قد ملأ الغل صدرا منه لو نظرت
عيناه خيرا لراح الصدر مضطرما
ولو رأى كسرة سوداء يخطفها
من كف طفل وأبكاه وما رحما
ولا ينام ظلام الليل من ألم
إن كان يبصر في بيت امرئ نعما
يطير من فرح يوما إذا سمعت
آذانه بنت بؤس تشتكي الألما
وخير أيامه يوم تمر به
جنازة حملت ذا فطنة علما
ويدعي صنعة الألحان في بلد
يضيع فيه الذي قد ساد أو فهما
إذا تغنى بصوت رحت تحسبه
صوت الرعود وخلت البرق مبتسما
وذبحة فيه لو أصغيت تسمعها
لقلت محتضر والموت قد حتما
يلحن الصوت لكن كل خطأ
مثل اليهود إذا ما حرفوا الكلما
تراه ينكب فوق الرق منعطفا
كما تلوى سلوقي ينهش الرمما
وطلعة لو رآها الجن يرهبها
كأنما الله والى فوقها النقما
وأسأل الله إسداء لمكرمة
أرجو بها الخير إن القول قد حتما
ملحق
رواية هارون الرشيدي مع أنس الجليس
رواية عنتر بن شداد
رواية ناكر الجميل
رواية الأمير محمود نجل شاه العجم
رواية لباب الغرام أو الملك متريدات
رواية هارون الرشيد مع الأمير غانم بن أيوب وقوت القلوب
رواية عفيفة
Shafi da ba'a sani ba