Juha Dahik Mudhik
جحا الضاحك المضحك
Nau'ikan
وهكذا يسمع عن الرجل ما يدل على ذكاء وما يدل على تغفيل، ويوفقون بين الذكاء والتغفيل فيحسبون أن نوادر التغفيل من وضع المفترين عليه، وغير ابن الجوزي أناس يحسبون أنه من أصحاب الحالات والكرامات يتكلم ولا ينبغي أن يؤخذ عليه كلامه بظاهره؛ لأنه يتعمد فيه إخفاء الأسرار الإلهية بهذه المضحكات والخزعبلات، وقد حسبه بعضهم من التابعين رواة الحديث ثم شكوا في حقيقة اسمه كما شكوا في حقيقة مسماه.
وأما بعد ظهور جحا التركي، الملقب بخوجة نصر الدين، فالحكايات عنه تنسب إلى رجل واحد، وهي مما يمكن أن ينسب إلى عشرة متباعدين في الزمان والمكان والعقل والمزاج، وبعض هذه الحكايات متأخر إلى ما بعد اختراع الساعات التي تحمل في الجيب، وبعضها متقدم إلى أيام الصحابة والتابعين.
نوادر له ولغيره
ومما لا ريب فيه - قطعا - أن رجلا واحدا لا يمكن أن تصدر عنه جميع هذه الحكايات ولو كانت متناسقة متساوقة تدل على عقل واحد ومزاج واحد وتتحدث عن فترة واحدة وبيئة واحدة. فإننا إذا فرضنا وجود هذا الرجل وجب ألا يكون له عمل إلا أن يأتي بتلك النوادر والأضاحيك، ووجب ألا يكون لعشرائه وأصحابه عمل غير النقل عنه وإثبات هذه الأحاديث المنقولة، وهو ما لم يحدث في حياة الهداة الأعلام الذين تنقل عنهم الإشارات فضلا عن الكلمات.
فالعجب أن تكون حكايات جحا من رجل واحد، ولكنه لا عجب على الإطلاق في توارد هذه الحكايات وتلاقيها من أبعد المصادر، ومهما يخطر على بالنا من غرابة ذلك فالواقع يزيل كل غرابة فيه، ويرينا أن هذا الفيض من الحكايات - وما هو أغرب منه - يتلاقى من أقاصي أوروبا إلى أقاصي أفريقيا إلى أقاصي القارة الآسيوية على امتدادها.
ومثال ذلك قصة تروى عن جحا وعن أبي نواس وعن رابليه الفرنسي الذي تقدمت الإشارة إليه ، وفحواها أن تاجرا بخيلا رأى طارقا فقيرا يتبلغ بالخبز القفار على رائحة شوائه أو طبيخه فطالبه بثمن هذه الرائحة، وحار الفقير في أمره حتى أنقذه حلال المشكلات بحل من قبيل دعواه؛ لأنه رن أمامه قطعا من الدراهم وقال له خذ رنين هذه الدراهم ثمنا لرائحة شوائك!
ومن الذي روى هذه النادرة عن أبي نواس؟
لم يروها كتاب بغداد أو دمشق أو القاهرة، بل رواها الكاتب الإنجليزي إنجرام
Ingram
في كتابه عن أبي نواس وأساطيره كما سمعها باللغة السواحلية واللغة العربية في أفريقيا الشرقية، وهذه ترجمة القصة كما نقلناها في كتابنا عن أبي نواس، قال إنجرام ما ترجمته بحرفه على وجه التقريب:
Shafi da ba'a sani ba