Juha Dahik Mudhik
جحا الضاحك المضحك
Nau'ikan
فابتدأت القول عن ملكة السخر عند المعري سائلا: لم يسخر الإنسان؟
ثم أجبت قائلا: «إنه ينظر إلى مواطن الكذب من دعاوى الناس فيبتسم، وينظر إلى لجاجهم في الطمع وإعناتهم أنفسهم في غير طائل فيبتسم، وهذا هو العبث، وذاك هو الغرور.» «فالعبث والغرور بابان من أبواب السخر، بل هما جماع أبوابه كافة، وكل ما أضحك من أعمال الناس فإنما هو لون من ألوان الغرور أو ضرب من ضروب العبث، وكثيرا ما يلتقيان، فإن الغرور هو تجاوز الإنسان قدره، والعبث هو السعي في غير جدوى، ولا يكون هذا في أكثر الأحيان إلا عن اغترار من المرء بنفسه وتعد منه لطوره.» «والناس يعلمون ذلك بالبداهة، فهم يعلمون أن الغرور والعبث مادة الضحك وجرثومته التي يتفرع منها كل مضحك من الأعمال والأقوال، ويجربون ذلك كل يوم في مداعباتهم لصغارهم وامتحانهم لقوة أطفالهم، يقبض الرجل كفه لابنه الصغير على غير شيء، فيأخذه بأن يفتحها ويعده بكل ما يجد فيها إذا هو قوي على فتحها، فيجاهد الطفل في ذلك ما يجاهد: يقوم ويقعد، ويشتد ويحتد، ويلتوي ويعتدل، ويرفع أصبعا بعد أصبع، فإذا الذي رفعه قد عاد فأطبق مرة أخرى، ويعييه الجهد فيركن إلى الملق والخديعة، وهو في كل هذا يحسب نفسه قادرا على أن يغلب أباه عنوة وقسرا أو يغلبه خديعة ومكرا، وهذا هو الغرور.» «ثم تلين تلك القبضة فيفتحها فإذا هي خاوية وإذا بذلك العناء الذي أجهده وبهره قد ذهب سدى، وهذا هو العبث، ومن هذا وذاك تضحكنا الطفولة وتعجبنا غرارتها وكبرياؤها ونتخذها تسلية ولهوا، ولكن هل يضحكنا من الكبار شيء غير هذا؟ وهل مهازل الحياة ومساخر التمثيل إلا صورة مكبرة من هذه اللعبة الصبيانية وسذاجة مركبة من هذه السذاجة البسيطة.»
وإذا كان هذا معدن السخر وأصل الدعابة، فما أجدر رجلا كصاحب رسالة الغفران أن يكون ساخرا! بل ما أجدره ألا يكون له عمل في الحياة غير السخر! إنه رجل استخف بالحياة جمعاء، وهانت عليه الدنيا بما وسعت، فما من دعوى من دعاوى الناس تتنزه عن الغرور في اعتقاده، وما من غاية من غايات الناس لا تنتهي في تقديره إلى عبث فارغ وخديعة ظاهرة؛ كلهم مغرور وكلهم عابث متعلق من الأقدار بمثل تلك القبضة التي يعييه أن يفض أصبعا منها ... حتى إذا فضها أو خطر في وهمه أنه فضها لم يجد ثم شيئا، أو وجدها ملأى بما يشبه الفراغ سخية بما ليس يختلف عن الحرمان ... وكلهم محتقب عدة لا تنجع ومتقلد سلاح لا يصيب:
ورب كمي يحمل السيف صارما
إلى الحرب والأقدار تلهو وتسخر
لا، بل هبه وصل بسيفه الصارم وقاتل وظفر وسلم، فماذا عساه يغنم؟ ألعله الثناء على الأفواه؟ أو لعله عرش مملكة؟ ... إن كان ذاك - وقل أن يكون - فلعمر أبي العلاء ما قصارى الثناء والسمعة؟
وما يبالي الميت في لحده
بذمه شيع أو حمده
وما العروش والدول؟ وما الملوك والأقيال؟ فلكم غبر على هذه الأرض من جيل وزال من مجد أثيل وملك عريض طويل.
وكم نزل القيل عن منبر
Shafi da ba'a sani ba