Jughrafiya Siyasiyya
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
Nau'ikan
ولم تكن الهجرة نحو فلسطين متعمدة بدليل اختلاف خط الهجرة وتذبذبه من مكان لآخر في صحراء البطراء، ولكنها كأي هجرة سامية كان هدفها السيطرة على مصادر غنية بالغذاء بدلا من المصادر الهامشية التي تقدمها أعشاب أقاليم الانتقال الصحراوية، ولما كانت صحراء البطراء وسيناء تقع بين منطقتي جدب وغنية في مصر وفلسطين، ولما كان المصريون يطاردون هذا المجتمع الجديد، فإنه لم يبق أمام التجوال العبراني سوى فلسطين التي كانت مقسمة إلى إمارات وشعوب مختلفة متناحرة؛ مما أعطى الهجرة الجديدة الفرصة للدخول والسيطرة. (2)
أما الهجرة الحديثة لليهود إلى فلسطين فتختلف جذريا في أسبابها وتوجيهها عن الهجرة القديمة، فاليهود منذ فترة طويلة موزعون على دول كثيرة في الشرق والغرب، ولا يكونون تجمعا حضاريا في مكان واحد، والاضطهاد الذي عاشوه في أوروبا لم يكن يرجع إلى أسباب حضارية، بل إلى حرب اقتصادية بينهم وبين الشعوب الأوروبية التي عاشوا فيها؛ مما أدى إلى استفحال اضطهادهم.
وفضلا عن ذلك فإن الهجرة الحديثة لم تكن عشوائية كما كان في الماضي، بل مخططة وموجهة عمدا نحو فلسطين كموقع أرضي له علاقاته المركزية في عالم أوائل القرن الحالي. إذن فالهدف السياسي هو جذور الدعوة الصهيونية العالمية: محاولة إيجاد مركز أرضي لهم على مشارف طريق الشرق والغرب التاريخي في أوائل هذا القرن - قناة السويس - وبذلك يضيف اليهود لأنفسهم قوة اقتصادية سياسية جديدة إلى جانب سيطرتهم على كثير من حياة رأس المال الموجود في العالم العربي. (3)
وبمجرد الصدفة البحتة فإن هذا المكان الاستراتيجي الذي هدفت إليه الصهيونية كان مرتبطا بتاريخ اليهود القديم، ولا شك أن ذلك كله قد أدى إلى قوة في الدعوة الصهيونية، فهي تبدو مدعمة بحجج تاريخية، فلو كانت الدولة العبرانية القديمة قد نشأت في أوغندا مثلا - وهي التي كانت من بين المناطق التي اقترحها الإنجليز على زعماء الصهيونية لإقامة الوطن القومي اليهودي - فإننا نعتقد أن الصهيونية ما كانت تتوقع تأييدا مماثلا لذلك الذي حدث بين الساسة اليهود، بل أعتقد أن الصهيونية كانت سوف تجد صدى دينيا فقط بين اليهود، وهكذا فإن عدة ملابسات جغرافية وتاريخية واقتصادية قد ساهمت في قوة الدعوة الصهيونية. (4)
وليس من شك أن الدعوة الصهيونية قد ارتبطت في أذهان اليهود العاديين وعند الرأي العام الغربي بأن فلسطين سوف تكون مأوى ليهود العالم أجمع، ولكن ليس من شك أيضا في أن زعماء الصهيونية لا يتصورون فعلا أنه بإمكان فلسطين أن تأوي كل يهود العالم الذين يبلغ عددهم قرابة 13,5 مليونا من الأشخاص،
6
فهي الآن تستوعب حوالي المليونين من اليهود، ولحل هذا التناقض بين الأهداف العامة للسياسة الصهيونية وبين واقع الأمر نجد أحد الاحتمالين: (أ)
أن الخطط الصهيونية تستهدف التوسع الأرضي إلى أبعد مدى ممكن داخل المنطقة العربية، ولكن ذلك سوف يتم تدريجيا، وعلى هذا الضوء يمكن أن نفسر التوسع المستمر خلال ربع القرن الماضي في فلسطين وجيرانها من الدول العربية. (ب)
أن المخطط الصهيوني لا ينوي بالفعل نقل كل يهود العالم إلى فلسطين؛ إذ لا يعقل أن تضحي الصهيونية بالمراكز القوية في عالم المال والاقتصاد والسياسة والعلم والتكنولوجيا التي يحتلها اليهود في الدول الغربية بصفة عامة وأوروبا الغربية والولايات المتحدة بصفة خاصة.
ويبدو أن الاحتمالين مكملان لبعضهما، وأن السياسة الصهيونية عامة تنفذ المخططين معا، خاصة وأن بقاء اليهود في العالم الغربي يضمن لإسرائيل قوة مالية ودعائية واقتصادية واضحة، ويكون جسرا دائما بين إسرائيل والعالم الغربي بما لهؤلاء اليهود من نفوذ مؤثر في شتى مجالات الحياة العامة في العالم الغربي، وهم بذلك احتياطي عددي ومعنوي ومادي لإسرائيل، وبعبارة أخرى؛ هم إسرائيل عبر البحر.
Shafi da ba'a sani ba