Jughrafiya Siyasiyya
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
Nau'ikan
ويمكننا أن نلخص مجمل الآراء في تعريف الحدود بأن كل خط من خطوط الحدود هو في الواقع خلق متعمد عبارة عن خط تجريدي يفصل بين دولتين أو جهازين عضويين - على حد تعبير راتزل - وبالتالي يعرب عن نبض كل من الدولتين.
إن هذا الشكل التجريدي من الحدود الخطية الفاصلة لم تصل إليه القوى السياسية والقومية إلا مؤخرا نتيجة تضاغط المصالح والقوى في كل دولة، وعلى هذا فإن الحدود السياسية الحالية تمثل طغيانا حديثا على مناطق الحدود والتخوم القديمة، التي قال بها غالبية الجغرافيين ابتداء من فريدريك راتزل، واقتسام هذه المناطق الحدية إلى آخر شبر يمكن أن تصل إليه القوى الضاغطة من جانب واحد أو من الجانبين.
ففي الماضي كان المتبع ترك مناطق حدية فاصلة - تخوم - بين المجتمعات القبلية أو الدول القديمة، وهذه المناطق هي ما نعرفه حاليا باسم «الشقة الحرام
No man’s Land » التي تلجأ إليها الدول المتحاربة أحيانا في محاولة لتقليل فرصة الاحتكاك بين هذه الدول، مثال ذلك الأرض منزوعة السلاح بين فيتنام الجنوبية والشمالية، وهذه الشقة الحرام كانت عبارة عن أراض مهجورة من السكان تتكون غالبا من بيئة صعبة مثل التلال أو المستنقعات أو الغابات والأحراش. وفي الماضي أيضا كان يمكن إنشاء دويلة أو إمارات صغيرة كمنطقة حاجزة بين دولتين أو مجتمعين متحاربين، وذلك أيضا من أجل تحقيق الحد الأدنى من الاحتكاك العسكري، ومن الأمثلة المشهورة على ذلك سويسرا التي قامت كدولة حاجزة بين فرنسا وألمانيا وإمبراطورية النمسا في منطقة التخوم الجبلية الفاصلة.
وتعطينا الخريطة رقم 12 نموذجا لأنواع الحدود عند مجتمعات قبلية ودول قديمة في نيجيريا، وأهم ما توضحه هذه الخريطة تعدد أنواع حدود الاتصال والانفصال في الدولة الواحدة، فإمبراطورية الفولاني - التي تتمثل في الخريطة في دولتي سوكوتو وجاندو - ترتبط وتنفصل عن الدول والقبائل المجاورة بشتى أنواع الحدود، على سبيل المثال الحدود الشمالية معظمها حدود فاصلة تعبر مناطق شبه جافة تفصلها عن إمارات زندر وجوبير وغيرها من إمارات الهوسا، بينما حدودها الجنوبية عبر نهر النيجر مع ممالك اليوربا الصغيرة هي حدود اتصال وعدم استقرار في منطقة إيلورين كدليل على اتجاه التوسع الفولاني صوب نطاق الغابات الاستوائية الغني في جنوب نيجيريا، كما أن حدودها مع مملكة بورنو كانت مناطق تخوم وغابات في الجنوب وقبائل وثنية في الشمال وإمارات صغيرة في الوسط، وعلى هذا تتضح مرونة الحدود القديمة بالقياس إلى تصلب الحدود الفاصلة الحالية الناجم عن الضغوط السكانية والاقتصادية الحديثة. (1-2) تأثير الحدود السياسية الحديثة على مناطق الحدود
يؤدي مجرد وجود الخط السياسي الفاصل بين الدول إلى إحداث تغييرات جغرافية في إقليم الحدود، كما يؤدي في أحيان أخرى إلى خلق وحدات جغرافية صغيرة عبر حدود الدولتين.
ففي الحالة الأولى نجد أن الحدود السياسية تصبح عوائق اقتصادية تؤدي في أحيان إلى اختلافات غريبة في المنطقة التي يقسمها خط الحدود إلى قسمين، فمثلا خط الحدود الفرنسية البلجيكية يظهر منطقتين مختلفتين: ففي الجانب الفرنسي من إقليم الحدود نجد نطاقا من حقول القمح، بينما لا يظهر ذلك بنفس الصورة على الجانب البلجيكي، ولا يرجع ذلك إلى ملاءمة أو جودة التربة في الجانب الفرنسي، وإنما يرجع إلى التوجيه العام للاقتصاد الفرنسي، فالقمح يتمتع في فرنسا بالحماية الجمركية، ومن ثم فإن زراعته تصبح زراعة نقدية مؤمنة بالنسبة للفلاح الفرنسي، بينما لا توجد مثل هذه السياسة الاقتصادية في بلجيكا، ويصبح القمح البلجيكي معرضا لمنافسة القمح المستورد.
خريطة (13): أنماط من حدود الاتصال والانفصال. إمبراطورية الفولاني في نيجيريا 1860م. نقلا عن برسكوت
J. R. V.
(1967) ص51.
Shafi da ba'a sani ba