Jughrafiya Siyasiyya
الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا: مع دراسة تطبيقية على الشرق الأوسط
Nau'ikan
وتتمثل مقومات الأمة - وخاصة النواحي الحضارية منها التي أهمها اللغة والدين بجانب الأصول المشتركة - بنسب مختلفة في تكوين الأمم، ويمكننا القول أن اللغة أهم مقومات الأمة والحاجز اللوني أهم الحواجز التي تفصل السلالات بعضها عن بعض، فاللغة العربية مثلا هي الرباط الهام الذي يربط شعوب العرب ويجعلهم أمة واحدة تمتد من المحيط إلى الخليج.
ونشأة اللغة البرتغالية ميزت البرتغاليين وفصلتهم عن الإسبان، وحتى في إسبانيا هناك شبه قوميتين قائمتين على اللغة القطالونية واللغة القشتالية.
في الجزر البريطانية سادت اللغة الإنكليزية على اللغات الغالية القديمة بعد أن فرض الأنجلو ساكسون أنفسهم سادة وحكاما على سكان الجزيرة؛ مما أدى إلى اندثار بعض اللغات الغالية القديمة مثل لغة كورنول. واتفاق المهاجرين الأوروبيين إلى أمريكا الشمالية في لغة واحدة هو في النهاية الأساس الذي تكونت عليه الأمة الأمريكية، وقد عملت القوميات الحديثة التي كونت دولا بعد الحرب الأولى على دعم قوميتها بجعل لغتها هي اللغة الرسمية الوحيدة وفرضها على الأقليات اللغوية والقومية الموجودة داخل حدودها، ونلاحظ أن بعض الدول عملت على إحياء لغتها القديمة كإحياء اللغة العبرية في إسرائيل أو اللغة الكلتية في أيرلندا الحرة، ومحاولة الفرنسيين إحياء اللغة البربرية في الجزائر وإنشاء قومية بربرية تناهض بها القومية العربية السائدة في شمال أفريقيا.
وقد اعترفت بعض الدول بوجود أكثر من لغة بها، ففي اتحاد جنوب أفريقيا تعتبر لغة البوير - وهي لغة هولندية قديمة - اللغة الرسمية بجانب اللغة الإنجليزية، وفي كندا تعتبر اللغة الفرنسية لغة رسمية بجانب الإنكليزية، وفي بلجيكا لغتان رسميتان: لغة الفلمنك ذات الأصل الجرماني في الشمال، ولغة الوالون ذات الأصل اللاتيني في الجنوب.
وتوجد في سويسرا أربع لغات هي: الفرنسية والألمانية والرومانشية والإيطالية، ويصل عدد اللغات أقصاه في الهند حيث توجد أكثر من 200 لغة مختلفة، وفي الملايو اثنتا عشرة لغة آسيوية ومن ثم كان لا بد من
Lingua Franca . (1-2) الدين
رغم أنه عنصر هام في بناء المجتمع إلا أنه في المجتمعات المتطورة ليس عاملا حاسما في تكوين القومية، بل ربما كانت اللغة أبلغ أثرا في التمييز بين الشعوب وتكوين القوميات من الدين، ولا يشذ عن هذه القاعدة سوى اقتران الدين اليهودي بالقومية الصهيونية من ناحية، واقتران الدين الإسلامي بالقومية الباكستانية من ناحية أخرى، وهاتان هما الدولتان الوحيدتان في العالم اللتان تقومان على أساس الدين في الوقت الحاضر باستثناء الفاتيكان، وهي مقر البابا الرئيس الروحي للكنيسة الكاثوليكية في العالم، ولا شك أن العاطفة الدينية تربط الشعوب بعضها بالبعض الآخر عبر الحدود السياسية المرسومة، فهناك عاطفة قوية تربط دول أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية بالدول الكاثوليكية بأوروبا، وللبابا نفوذ سياسي لا شك فيه في كثير من الدول الكاثوليكية مما جعل بعض الدول تعمل على فصل الدولة عن الكنيسة مثل فرنسا، وفي بلجيكا التي حاولت إبعاد الكنيسة الكاثوليكية، غير أن عوامل القومية قد تغلبت في بعض الأقطار القومية على الدين، والإسلام يعتبر قوة دينية كبيرة في العالم، وهو يتكتل وينتشر من المحيط الأطلسي غربا حتى غرب الصين شرقا، ومن البحر الأسود وقزوين شمالا إلى خط الاستواء جنوبا، وهذه القوة نمت بالتدريج من نواتها الأولى في شبه جزيرة العرب، وبعد قرن من الزمان كانت قد امتدت وشملت العالم العربي كما نعرفه في الوقت الحاضر، ومنه انتشر الإسلام بالتدريج شمالا وشرقا في آسيا كما انتشر عبر الصحراء الكبرى في أفريقيا إلى إقليم الحشائش، ومن شرق أفريقيا وجنوب الجزيرة العربية انتشر عبر المحيط الهندي مع التجار العرب إلى جزر إندونيسيا، ولم يعرف هذا العالم الإسلامي الكبير الوحدة السياسية الكاملة في تاريخه الطويل، غير أن أجزاء كبيرة منه عرفت تلك الوحدة في فترات من تاريخها مثلا أثناء الدولة العباسية. ويعتبر العالم الإسلامي بقومياته المختلفة - وهي العربية والإيرانية والتركية والإندونيسية - وحدة ثقافية من ناحية الدين والتقاليد وإن اختلفت اللغات.
ومن الدول التي تكونت في الوقت الحاضر «حديثا» على أساس الدين الإسلامي الباكستان وإندونيسيا، رغم أن إندونيسيا لم تزعم أنها استقلت على أساس الدين، ولكن فكرة باكستان قامت على أساس فصل الأقلية المسلمة الكبيرة التي بلغت 15٪ من سكان الهند بثقافتها ولغتها عن الأغلبية الهندوكية.
إن الدول التي تكون الغالبية العظمى من سكانها - أي 90٪ فما فوق - من دين واحد، لا توجد فيها عادة مشاكل أقلية دينية، فمصر وشمال أفريقيا حتى السودان وشبه جزيرة العرب والدول العربية الآسيوية ما عدا لبنان، وتركيا وإيران وأفغانستان وباكستان وإندونيسيا ذات أغلبيات عظمى إسلامية، وإسبانيا والبرتغال وإيطاليا وفرنسا وجمهوريات أمريكا الوسطى واللاتينية تتكون من غالبيات كاثوليكية، ودول اسكندناوة وأستراليا وجنوب أفريقيا أغلبيتها العظمى بروتستانتية، أما دول البلقان فغالبيتها العظمى أرثوذكسية.
أما الدول ذات الأغلبية الكبيرة من الناحية الدينية فهي التي يتكون 60-80٪ من سكانها من دين واحد، فالولايات المتحدة الأمريكية توجد فيها أقلية كبيرة كاثوليكية تتركز في شرقي الولايات المتحدة وفي الولايات الجنوبية القريبة من المكسيك، أما في أوروبا فهناك نطاق يعتبر منطقة انتقال بين الدول الكاثوليكية والدول البروتستانتية، وهذا النطاق يمتد من بحر الشمال إلى بحر البلطيق شمالا حتى جبال الألب، وهناك أقلية كاثوليكية في الجزر البريطانية، بينما معظم الأيرلنديين كاثوليك والفلمنك في بلجيكا بروتستانت، بينما الوالون كاثوليك، وهناك أقلية كاثوليكية كبيرة أيضا في ألمانيا.
Shafi da ba'a sani ba