وفوجئت بشهاب يضحك ملء شدقيه.
ويلتفت نصر بك إلي وهو يضحك لا يزال: مر علي غدا في المكتب. - خير. - طبعا خير، ستعرف كل شيء.
وقالت تحية: بابا، أصبحت أنا الغريبة الآن؟! - كلام الرجال لا شأن للنسوان به. - كذا، طيب.
لم يكن عمي نصر بك وحده حين دخلت حجرته، ولم يكن الحديث الذي يجري بينه وبين الموظف يهمني، ولم أكن قد زرته كثيرا في مكتبه، فلم يتح لي من قبل أن أستوعب أناقة الحجرة، فانتهزت هذه الفرصة ورحت أقلب نظرتي في كل شيء. الغرفة كبيرة، كبيرة وليس في هذا جديد بالنسبة إلي، إنما الجديد مقدار الأناقة في أثاث الغرفة؛ لقد كان كل كرسي فيها تحفة من التحف، ولكن الذي فاجأني أنني وجدت بالغرفة أربعة أجهزة تكييف الهواء، لم أكن قد أحصيتها عددا قبل اليوم، وقبل أن أفرغ من دهشتي، كان عمي نصر بك قد فرغ من حديثه مع الموظف، وانفردت به وبي الغرفة والأجهزة الأربعة لتكييف الهواء: هيه يا سي أيمن. - تحت أمرك. - ما رأيك تعمل معنا هنا؟ - والجريدة؟ - ما لها؟ - أتركها؟ - من قال لك أتركها. - آه! وماذا تريدني أن أعمل؟ - مديرا للعلاقات العامة وللإعلانات. - وهل هذه الوظيفة خالية؟ - أصبحت خالية. - تقصد ... - منذ تزوجت أنت تحية وأنا أحاول أن أبعد عنها الموظف الذي كان يعمل بها. - من أجلي؟ - من أجلك. - فقط؟ - ولسبب آخر لا بد أن تعرفه. - وهو؟ - يا سيدي مدير العلاقات العامة هذا يتقاضى عمولة على الإعلانات. - رسميا؟ - ماذا تقصد بقولك رسميا؟ - أقصد أنها عمولة تعرف بها الشركة رسميا؟ - تعرف بها الشركة نعم، أما رسميا فلا. - يعني هو وشطارته. - شاطر.
ومد ما بين الطاء والراء ذلك المد الساخر المعروف في لهجتنا نحن المصريين. - طبعا سعادتك لم تقبل. - لم أقبل ماذا؟ - أن يسمسر على الشركة. - وما العيب في هذا؟ - رشوة! - من قال؟ - ليست رسمية. - هل خسرت الشركة شيئا؟ - لا أدري، ولكن أظن ... - إذن فما البأس أن ينتفع أحد موظفيها؟ - يعني سعادتك كنت موافقا على هذه العمولة؟ - طبعا. - إذن لم جعلت الموظف يترك عمله؟ - طماع. - كانت عمولته كبيرة؟ - جدا. - فسعادتك لم يعجبك طمعه؟ - على العكس. - كيف؟ - هو يزيد العمولة على الذين يقومون للشركة بالإعلانات. - إذن فالشركة لا تخسر شيئا؟ - طبعا لا تخسر شيئا. - ولكن ألا تظن أن الجهات التي ستقوم بالإعلانات ستضيف هذه العمولة على أجر الإعلان في بنود أخرى دون أن تذكر كلمة عمولة. - طبعا. - إذن فالشركة هي التي ستخسر آخر الأمر. - وليكن، وهل كانت شركة أبي! - إذن، لماذا أبعدت الموظف؟ - قلت لك طماع. - آه! فهمت. - يا سلام! أخيرا. - كم كان يدفع لسعادتك من العمولة؟ - خمسة وعشرين في المائة. - فعلا طماع. - من؟ - الموظف. - ما رأيك أنت؟ - هل ستأخذ؟ - نحن هنا في عمل، زوج ابنتي هذا في البيت. - أنا زوج ابنتك وأبو شهاب. - كله لشهاب. - إذن كم تريدني أن أدفع؟ - قدرها أنت. - طبعا مثل الموظف السابق، غير معقول. - ولماذا إذن فكرت فيك؟ تعرف لقد فكرت فيك منذ تقدمت لتحية، قلت هذا هو الذي يستطيع أن يشغل هذه الوظيفة وليس غيره، وساعدتني أنت بأن أصبحت من رجال الصحافة المعدودين. - حتى لا أضيع وقت سعادتك، إن دفعت خمسين في المائة، أيكون ...؟ - أليس كثيرا؟ - لا، أبدا، كله لشهاب.
ويقهقه نصر بك قهقهة عالية وهو يقول: على رأيك، كله لشهاب.
6
حين دخلت إلى مكتبي في الشركة لم أكن أتوقع أن تكون نيمت هي التي تنتظرني، فقد أنبأتني السكرتيرة أن سيدة بانتظاري، ولم أدهش، فقد توقعت أن تكون فتاة ممن يعملن في الإعلانات تريد أن تحتال بجمالها لتنال مني إعلانا لمجلة لا يعرفها أحد.
فحين طالعتني نيمت جالسة أمام مكتبي تولاني نوع من الدهشة؛ فقد كانت ليلة الأمس تجمعني وإياها مع أصدقائنا الآخرين، ولم تشر في جلستنا التي امتدت ساعات طويلة أنها ستزورني. ترى كيف استطاعت نيمت أن تصنع هذه الابتسامة، ابتسامة من نوع خاص، فوجهها كله إشراق حتى ليخيل إليك أن كل مكان في جسدها يشرق بابتسامتها تلك. وفي لماحية عجيبة تصيدت الدهشة التي لا أشك أنها ارتسمت على وجهي لمدة لحظة أو أقل إن كان هناك أقل: أعرف أنك لم تكن تتوقع. - ولكن هذا لا يمنعني أن أكون سعيدا. - جملة محفوظة. - هي التي وجدتها الآن. - المهم. - المهم. - عندك مصباح أحمر.
وطلبت إلى السكرتيرة ألا تدع أحدا يدخل إلى مكتبي، وتفرغت مشوقا إلى أسباب هذه الزيارة: أيمن، حياتي أصبحت لا تطاق. - أدرك ذلك. - لماذا لم تكلمني؟ - خشيت أن أقحم نفسي على المشكلة. - هل تظن أنها مشكلة خاصة؟ - طبعا هي مشكلة خاصة. - يا راجل حرام عليك. مشكلة الشرق الأوسط لا يشترك في حلها مع الناس قدر المشتركين في حل مشكلة دري. - ومع ذلك لم أستطع أن أقحم نفسي. - أنا أريدك أن تتدخل. - بأي صورة؟ - أولا، هل تستطيع أن تخبرني لماذا أبعد دري؟ - هل تحبين الشعر؟
Shafi da ba'a sani ba