ووجدتني فجأة أرغب عن الحديث وأشتهي أن أفرغ بين أحضان هذه المرأة التي أراها لأول مرة كل العفة التي ألزمت نفسي بها فترة زواجي من تحية، وحين جلست قلت لها: أريد أن أزورك في بيتك.
وسكتت وراحت تلبس ملابسها في صمت، وسيطرت على ذهني هذه ال «لماذا؟!» التي لا تريد أن تفارقني والتي أخالها ستقتلني في أتونها: هل زوجك شاب أم رجل عجوز؟
ودون أن تلتف إلي: عجيبة اهتمامك هذا بزوجي، ألا أكفيك أنا؟ - أريد أن أعرفك، أن أكون صديقك. - إن صداقة تقوم بيني وبينك من طبيعتها أن تنتهي بهذا الذي كنا نفعله الآن. - هناك ناس يحبون أن يبدءوا من النهاية. - هذا لا يكون إلا في القصص. - وأنا أكتب القصص أحيانا. - أنا أعرفك. - لماذا لم تقولي؟ - ليس من المفروض أن أقول. - من الذي فرض هذا؟ - أصول العلاقة التي تقوم في بيت الست حميدة، المفروض أنه لقاء يتم وينتهي ويمضي كل إلى حال سبيله. - فإذا أردت أنت لهذه العلاقة أن تتطور؟ - أكون بهذا قد خنت السيدة حميدة. - وأنت لا تحبين أن تخوني الست حميدة؟
لم تجب، ووجدت نفسي مضطرا أن أقول: وإذا استأذنت أنا الست حميدة. - في هذه الحالة ننظر في الأمر.
الشقة التي تسكنها فاخرة، فهي لا شك في غير حاجة إلى الأجر الذي تتقاضاه من الست حميدة، واستطاعت بحيلة بسيطة أن تعرفني بزوجها؛ فأنا صحفي وهو يعمل في مكتب أحد الوزراء، ويمكن جدا أن يكتب صحفي بحثا عن مكاتب الوزراء. زوجها شاب أنيق غاية الأناقة، لا يتغاضى عن أناقته هذه في مخارج ألفاظه وفي اختيار هذه الأناقة، وهو من هذا النوع الذي يمكن أن تتناغم أناقته مع ملامح وجهه، وواضح جدا أن الأناقة تمثل عنده أساسا من أسس الحياة التي لا تقوم الحياة إلا بها، وواضح أيضا أن بهيرة تحب هذه الأناقة في زوجها وتعجب بها وتتحراها في حياتها. قدمت لي الويسكي في عناية بإعداده، وحفت الكأس بألوان شتى من المأكولات التي تحيط بالويسكي، لم تغفل منها شيئا حتى الكفيار والفواجرا. وكان هاني سعيدا بالطريقة التي تقدم بها بهيرة الشراب إلي، سعيدا بأن بيته مستعد هذا الاستعداد الأنيق. وكلما التقت نظرة من بهيرة بنظرة من هاني أكاد أرى نوعا من ضوء الحب العميق يشع في الأجواء.
لا يمكن أن يقوم هذا الحب جميعه بين الاثنين إلا على أسس كاملة، فلا يمكن مثلا أن يكون الزوج عاجزا، أو قد يكون، وعزمت أن أسأل بهيرة عن هذا في لقائنا القادم. ترى هل تصارحني؟
ووجدت نفسي أندفع في توطيد الصداقة بيني وبين هاني: أنت تعرف أن سكرتير الوزير يجب أن يبقى في الظل. - أعرف هذا. - فما هذا البحث الذي تريد أن تقوم به؟ - ما رأيك أنت؟ - حين أخبرتني بهيرة رأيتها فرصة أن أتعرف بكاتب لامع مثلك. - أتعتقد فعلا أنني كاتب لامع؟ - وهل في هذا شك؟ - شك كبير، ماذا قرأت لي؟ - تكفي صورك في الجرائد وأحاديثك في الإذاعة والتليفزيون. - ولكن هذا جميعه لا يدل على أنني صحفي لامع. - فعلى ماذا يدل؟ - لا علينا. - المهم أنني أحببت أن أتعرف بك. - وأنا أحببت أن أتعرف بك.
وكأنما وجدت بهيرة نفسها قد سكنت طويلا: الله! الله! المسألة انقلبت إلى غزل. - غزل لغيرك وأنت موجودة، هل هذا معقول؟ - طبعا أنت رجل بضاعتك الكلام. - لا أبدا، عندي بضاعة أخرى. - مثلا. - مثلا عندي لوج الليلة في الباليه. - والنبي؟ - والنبي. - هاني، ما رأيك؟ ألححت عليك فلم تستطع أن تجد لنا ...
وقاطعها هاني: لا داعي لكثرة الحديث، اذهبي والبسي. - هيه، أنت هائل يا أستاذ أيمن! - لو قلت أستاذ هذه مرة أخرى ألغيت الدعوة. - ولا يهمك يا واد يا أيمن.
وذهل هاني: الله الله! كذا مرة واحدة! لا مؤاخذة يا أستاذ أيمن. - وأنت أيضا، إذا كررت أستاذ هذه سأوقع عليك عقوبات شديدة.
Shafi da ba'a sani ba