وتجري التحليلات، إنه كلب مسعور، وأبدأ في العلاج، ما أهون العلاج بجانب الحب الذي تبدى لي من تحية ومن أمها ومن أبيها جميعا.
عادت تحية إلى أيام حبنا الأول منذ نحن نلتقي تحت الشجرة الحالمة في بيت أبيها. لقد أحسست فجأة أن حبي لها حب تلقائي، لا تفكير فيه، وهو في نفس الوقت مليء بالتفكير. أحسست أن الوهلة التي دفعتها فيها لأتلقى عنها الكلب قد جمعت كل حياتي لتكون وقاء لها ودرعا وحماية. وأحس أبوها وأحست أمها أن تحية في ظل رجل يبذل حياته دون تردد من خوف أو تريث فيحمي ابنتهما. فإذا الهدايا تنسكب علي ألوانا شتى.
ولكن هذا لم يجعل نصر بك يفكر في أن يتنازل عن نصيبه في عمولات الشركة. فالواقع أن الرجل حازم غاية الحزم في فصل المسائل العائلية عن أعمال الشركة.
أما حماتي، فقد فرحت بي لأني حميت ابنتها وفرحت بي أكثر لأنني أصبحت حديث الجرائد والمجلات لعدة أيام.
أما تحية فهي وحدها التي تدفقت بحبها علي تسكبه ألوانا متجانسة ومختلفة، ولولا الخجل لقلت إنني أرهقت بعض الشيء من هذا الحب، وإن أكن قد تمتعت به متعة لم أعرفها في سني زواجي جميعها، بل ولا أحسب أنني عرفتها عند السيدة الفاضلة حميدة دعبس.
8
لا يهم أين كنت، ولا يهم كيف جئت إلى بيتي قبل موعدي بليلة، لا يهم شيء من هذا، إنها تفاصيل تافهة صغيرة حقيرة دبرها الاتحاد الاشتراكي، وتحية وأنا وماجد وعصا القدر الذي يعزف سيمفونية الحياة المقيتة العجيبة المميتة دون أن تميت، والتي تصيب الإنسان في مقتل وتبقي عليه بعد ذلك جثة تحيا ولا تحيا، تعيش ولا تعيش، تسعى على قدمين وهي من داخلها تحمل الجثمان والكفن والقبر والنهاية.
زوجتي في أحضان ماجد! بهذا طالعني الفراش حين فتحت الباب. أسرعت أغلق الباب، ثم عدت وفتحته، ثم أغلقته، ثم فتحته، ثم ذهلت، ثم صحوت لأجد نفسي أتراجع خطوات لألقي بالبقية الباقية من جثماني على مقعد، ثم أنا في عالم آخر، أدريه ولا أعرفه، أعيه ولكني عنه في غيبوبة، أسمع صوتهما في شهقات ولا أسمع مما يقولان شيئا. لم يكن هناك شيء يقال إلا الهمهمة والخزي والألم يعتصر كل شيء في. لكن لماذا؟ للجنس؟ إنني مرهق من الجنس! للحب؟ إنني مرهق من حبها! للمال ؟ المال لديها! للمتعة؟ فماذا كنت أصنع طوال الأيام الماضية؟ حتى الأمس، الأمس فقط؟! لماذا؟ أنا أشهر منه، وأنا أجمل منه، وأنا أكثر شبابا منه، وأنا حبها الأول! المؤكد أنني حبها الأول! وأنا أبو أولادها، وأنا حب الطفولة والصبا والشباب، صنعنا أيامنا على أيدينا، وصنعناها كما تشتهي هي أن تصنعها. إذن لماذا؟! لماذا؟! لماذا؟! لماذا؟!
خرجت، و«لماذا؟!» تتدفق مع كريات الدم في عروقي وفي ضميري وفي عقلي وفي كياني.
ذهبت إلى بيت أبي والليل يقترب من الصباح، معي المفتاح لم أخلعه عن جيبي، فقد كنت أحس به الشيء النظيف الوحيد الباقي في كياني. كان هو وزوجتي اللذان يمثلان الصدق في حياتي، والآن لم يبق إلا مفتاح بيت أبي فقط، دخلت إلى حجرتي القديمة، وأغلقت الباب ثم أغلقته، ثم أتيت بكرسي ووضعته من خلفه، وجلست عليه. لم أكن أريد الحياة أن تتسلل إلى هذه الحجرة.
Shafi da ba'a sani ba