فقال: شو بيريد أنتي من كبر موسلم هتيك (عتيق).
قلت: هذا لا يعنيك، صوره وخذ أجرتك!
قال: والمسروف (المصروف)؟! قلت: أنا أدفع المصروف، وثمن الصور، ولك مني علاوة إعلان عن فصاحتك.
وبعد يومين عاد جان يحمل إلي صورة الضريح، وخبرني أحاديث شتى جرت بينه وبين جيرة القبر، فقد تركناهم حيارى ولا سيما أنهم رأوا زوارا عديدين في هذه الأيام - من أساتذة الجامعة الوطنية وطلابها - حتى ظنوا أن انقلابا عظيما يحدث في الجمهورية، أو أن قديسا ظهر هناك عندهم ولم يعرفوه.
فهل لي أن أقترح على بلدية بعبدا أو الحدث، أو على الحكومة اللبنانية الجليلة وضع بلاطة فوق باب ذلك القبر الفخم، أو على دكة أمامه للدلالة عليه، فيعلم المتمشرقون والعلماء والمشايخ والأدباء والشعراء والصحافيون أنهم مارون بضريح الشدياق، العالم والأديب، والشاعر والكاتب، وأول صحافي شرقي عربي من الطراز الأول؟ أيكون أنبغ رجالنا ومؤسس نهضتنا الحديثة نكرة بيننا، فنمر بمثواه كأننا نقطع واديا كجوف العير؟
وهل تفكر الحكومة الجليلة بل الدولة الفتية بعمل هامش لهذا الكتاب الخالد المطروح في الحازمية، فتعلق عليه الحواشي والشروح الدالة على يقظتنا الروحية، لتعظيم أخلص أبنائنا للغة الفصحى، وأعظم العرب إدراكا لأسرارها؟
قد يكون الناس مشغولين بأحاديث المعاهدة والاستقلال والتظاهرات، ولا تلذ لهم قراءة هذه السخافات - الأدبية - أما أنا فأقول لهم، وسواء عندي أسمعوا أم لم يسمعوا، إن لبنان دولة أدبية يعز بنيان مثلها على أضخم الدول، فعلينا أن نخلد زعماءها، الدولة السياسية تضيق وتتسع، وقد تكتسح، أما دولتنا الأدبية فخالدة أبدية، لا يكتسحها فاتح، ولا يدخلها غاز عنوة، فأبوابها مشرعة لعابري السبيل، والفضل لمن يدخل، ولا يزيدها هذا إلا مناعة وقوة، فهبوا إلى إحياء رجالها، فهم ميراثنا الخالد.
سئل أمير الجبل الأسود مرة: ما هي حاصلات بلادك؟ فأجاب بأبهة الملوك وغطرستهم: الأميرات؛ لأن أكثر الملوك - قبل الحرب الكبرى - كانوا أصهارا له.
أما لبنان فلو سئل مثل هذا السؤال لأجاب: الأدمغة الكبيرة، والتاريخ يشهد له. (2) الشدياق بين مصر ولبنان
استولت مصر العزيزة على مبادرتين كان من واجب لبنان أن يستولي عليهما: الأولى يوم مجدت ذكرى مارون النقاش، أبي المسرح العربي، والثانية حين خصص مجمع فؤاد الأول جائزة لأدباء مصر، قدرها ألفا ليرة لبنانية يعطاها من يكتب أحسن بحث موضوعه: أحمد فارس الشدياق وأثره في اللغة والأدب، ووضع المصطلحات الحديثة.
Shafi da ba'a sani ba