أقيمت لمي في العالم العربي أعراس تليق بالعروسة الخالدة، ولا بدع أن كان خيرها عرس مصر، فقد أسدت إلى الكنانة خير الأيادي، وجددت عهد الأندلس في ذلك الوادي البهيج، فهذا إسماعيل صبري باشا يتلهف بشعره الرصين إلى يوم الثلاثاء - يوم صالون مي - ليرى مي وإلا فلا كان يوم الثلاثاء، وهذا أمير المنبر الدكتور نقولا فياض يهتف من على منبر الجامعة الأميركية:
يا مي هذي ساعة الميعاد
فسلي فؤادك عن خفوق فؤادي
وهذا الدكتور طه حسين يقول في ناديها: «وحسبكم أنني استطعت أن أصل إليه حين لم أكن أكثر من طالب بالجامعة القديمة.»
وهذا الدكتور شميل يخاطبها بقصيدة لتلين ويفرخ روعها بعد ما دخل خدرها محتشما فأفزعها:
إذا ما قمت أطري الحب يوما
ألا تدرين أنك في خيالي
ومي ترصد هذا الحساب الضخم بما أوتيت من فصاحة ولسن وشدة عارضة، كانت في ذلك المعترك - معترك العقول الكبيرة لا الأحداق والمهج - كما يقول المثل اللبناني: يا بحر ما يهزك ريح، وظلت شامخة كأنها سنديانة الكنيسة حتى اقتلعتها العاصفة الشمالية.
ليس بين يدي من كتب مي إلا كتاب واحد عنوانه بين «المد والجزر» كأني به عنوان حياتها، ولكنه لا يكفيني لرسم صورتها كاملة، بيد أنني أستعين بذاكرتي فأتخيلها وأرسمها ببضعة خطوط قد تبدي للأذهان صورتها المصغرة.
مي غربية شرقية في تفكيرها، تفاعلت في قلمها الثقافتان فكان من نتاجها تعبير رصين لم تظفر بمثله أنثى قبلها، فمي الكاتبة خير أنثى عرفها الشرق العربي، وهي في أسلوبها المتين تبز الكثيرين من الفحول كما قيل في بنت عمها الخنساء.
Shafi da ba'a sani ba