لبنانكم، شيخ قابض على لحيته، قاطب ما بين عينيه، ولا يفكر إلا بذاته، أما لبناني ففتى ينتصب كالبرج، ويبتسم كالصباح، ويشعر بسواه شعوره بنفسه.
لكم لبنانكم وأبناؤه، ولي لبناني وأبناؤه.
فأبناء لبنانكم هم الذين ولدت أرواحهم في مستشفيات الغربيين، واستيقظت عقولهم في حضن طامع يمثل دور أريحي.
أما أبناء لبناني فهم الفلاحون الذين يحولون الوعر إلى حدائق وبساتين، هم الرعاة الذين يقودون قطعانهم من واد إلى واد، فتنمو وتتكاثر وتعطيكم لحومها غذاء وصوفها رداء.
هم الآباء الذين يربون التوت والأمهات اللواتي يغزلن الحرير، هم البناءون والفخارون والحائكون وصانعوا الأجراس والنواقيس، وهم الشعراء الذين يسكبون أرواحهم في كئوس جديدة، وهم شعراء الفطرة الذين ينشدون العتابا والمعنى والزجل.
هم الذين يغادرون لبنان وليس لهم سوى حماسة في قلوبهم وعزم في سواعدهم، ويعودون إليه وخيرات الأرض في أكفهم، وأكاليل الغار على رءوسهم.
هم الذين يولدون في الأكواخ ويموتون في قصور العلم، هؤلاء هم أبناء لبنان، هؤلاء هم السرج التي لا تطفئها الأرياح والملح الذي لا تفسده الدهور، هؤلاء هم السائرون بأقدام ثابتة نحو الحقيقة والجمال والكمال.
لكم لبنانكم ولي لبناني، هذا ما يقوله جبران أما أنا فأقول لروحه في ذكراه السابعة عشرة: لقد تحقق الكثير مما تمنيت وحسب لبنان أنه له جبران. (6) في مدينة جبران
ما هذه أول مرة أزور فيها بشري عاصمة مقدمي المردة يوم كان لبنان مهابا، عرفتها سنة 1912، ونمت تحت أرز لبنان الراكب على كتفها، تنظره من الحدث والديمان فتخاله زهرة ناضرة شكها الزمن في عروة لبنان.
مررت بها في ذلك الحين بعدما زرت شيخ الجبل البطرك إلياس الحويك، بت عنده ليلتين أحلى وأقصر من ليل عمر، كانت نكاته ونوادره الوجيزة تنعش حضرته، وإذا احتشمنا تحكك بنا لنقول، ويأبى إلا التبسط فنفعل، متذكرين قول الفرزدق في زين العابدين:
Shafi da ba'a sani ba