وأخرى بنا مجنونة لا نريدها
وأغمي عليه فأسعفوه فأفاق، ولم يعرفوا من أمره إلا أنه مجنون اسمه مخلوف، وتركاه على أن يلاقيهما إلى الأرز، وسارا إلى الحدث، فدخلاها والأهالي في جلبة وضوضى، يريد واحد أن يكري بيته من بروتستانيين قدموا إليه، والضيعة لا تريد، وينتهي الأمر بقبولهم؛ لأن أبا مرعب وهو من الذين حاربوا مع يوسف بك كرم قد أراد ذلك، ويتعرف كليم وسليم بالأميركيين، فإذا هم طلائع حاشية المستر كلدن لا مرسلون بروتستان كما توهم موارنة الحدث.
ويبيت كليم وسليم عند صديق لهما مسلول، وهذا أيضا من ضحايا لوقا طمعون، وفي الغد يذهبان إلى الأرز فينامان في العراء، ويعوي الذئب فيطير النوم، ويصبحان فيطلبان الصيد في ذلك الوعر، فيضلان في الجبل ويسقطان في واد صغير، وتنطلق بندقيتهما فتجيبهما أخرى ويصرخ صوت: الوحش الوحش الوحش.
ثم يقبل شبح كالوحش رافعا بندقيته في الفضاء إنذارا لهما فسلما، وتعارفوا فسألاه عن تاريخ وجوده في القفر فأجاب: منذ تكوين العالم.
واستغرب كيف لم يصدقاه، وحاولا كشف سره فاستحلفاه بأولاده، فغضب أشد الغضب، وذكرا له الله فخر إلى ذقنه، ثم انتصب وأخبرهما أنه في هذا القفر «يكون العالم الحقيقي، الذي يسود فيه الخير والصلاح، وأن أصل الشر الوحش الذي في الإنسان.»
وتم له ذلك بمعونة الله، وأنه سمع صائحا يقول: «لقد انتهى»، ويلوح ذئبان يقتتلان على رابية، فيعدو إليهما ويصرعهما ويجرهما إلى كوخه، ويقول لضيفي مملكته: «كلاهما معتد فأرحنا المملكة منهما.»
فأدرك كليم وسليم سره وسألاه لماذا لا يذهب إلى المدن؟
فغضب وقال: إني لا أقدر على جميع الوحوش التي فيها؛ إذ ليس لي غير يدين ولا أقدر أن أمسك بهما أكثر من بندقية واحدة، لا تصدقوا أنني ولدت هنا بل إنني ولدت في المدن وعشت في المدن، ولكن الوحوش فيها أكلتني وطحنتني ففررت منها، ولكن لا بأس ستأتي نوبة المدن، وحينئذ أدخل إليها بإذن الله دخول المنتقم لله من وحوشها الضارية (ص50).
أظنك عرفت الرجل، هو متى حاروم، ملك رأس القضيب، أبو إميليا الذي أنقض مع مخلوف على لوقا طمعون في يوم كلدن. •••
على القصة مآخذ شتى، لا يعنيني إذا كان حشاها فرح فلسفة اجتماعية ممكنة ومستحيلة، فهذا هدفه الأدبي، والمرء لا يساق إلى الهدف.
Shafi da ba'a sani ba