180

Judad Wa Qudama

جدد وقدماء: دراسات ونقد ومناقشات

Nau'ikan

المقدمة للشيخ خليل تقي الدين، والختام للدكتور سهيل إدريس، أما الذي عندي فهو أن سعيد فريحة «حاف» غني عن التعريف؛ لأن قراءه لا يعدون ولا يحصون ، ما أظن أن هذا الجواد الأصيل كان يحتاج إلى هذه الناصية وذلك الذيل، لولا دخوله جديدا إلى كاتدرائية الأدب الأرستقراطي، بينما هو ما اعتاد الجلوس إلا في قرنة كنيسة قروية.

لا أرانا محتاجين إلى ذاكرة سيبويه والفراء والخليل وابن منظور حين نقرظ أو ننتقد جعبة سعيد فريحة، فما فيها غير ألفاظ لبنانية فصيحة عامية، ولو لم يقل الدكتور إدريس في هداب الجعبة ما يلي: «لست أرى في جعبة الصياد سيئات لسببين: أولهما أن صاحبه وكل إلي أن أزيل منه السيئات قبل دفعه للطبع، فلا يعقل أن أبقي على شيء منها» لما خطر لي أن أقول فيها شيئا.

أجل إن الاختيار جيد، والغربال غير واسع العينات، وكل ما يقصه الأستاذ فريحة - خالعا عليه طيلسان ظرفه وبرنس أنسه - جميل، وطيب، وحلو يؤكل بالعيون، ولكن إلى الصديق الأديب المرتجى الدكتور إدريس أقول: كنت تقيد ألفاظا فصيحة عامية بين خطين، وكنت تترك ألفاظا عامية تسرح وتمرح، فحرت في الأمر ولم أفهم السر، وهناك شيء آخر كثيرا ما وجدته مثل: قلت: لم لا، ثم بعد أسطر في آخر الصفحة تأتي هذه العبارة: بتسلم عليك خالتي، وبتترجاك، فإذا كانت هذه من كلام الولد، فليست «لم» من كلام سعيد.

وقال سعيد في مقدمته: «أما إذا وجدت فيه ما يستحق الهجاء فأرجو أن تخص به الدكتور إدريس وحده؛ لأنه هو صاحب الغربال»، وأنا بناء على هذا التوجيه أسأل الدكتور عن كلمة واحدة فقط، وهي «أهل» في هذه العبارة: لا أدري أهل كانت لي وحدي، أم كانت موزعة ... إلخ، ترى ألا يرى معي الدكتور سهيل أن كلمة أهل لا هي من كلام سعيد ولا من كلام الجدود رحمهم الله؛ لأن أداة الاستفهام لا تدخل على أداة استفهام، ومن يأكل خبزا بكعك!

وبعد فما لنا ولهذه التوافه، فليس سعيد نحويا يلوك لسانه ولا من علماء البلاغة واللغة، فما أيسر وجود هؤلاء، فأينما أجلت يدك تقبض على نواصي من يعرفون هذا على حقه، ولكن ليس من السهل أن تجد سعيد فريحة آخر يسد ما سد من فراغ.

عبثا نتعب في تكوين رأي جديد في هذا الجني، فالرأي مكون، فلا النقد يجدي ولا التقريظ يزيده، فكل صورة من تلك التي يوحي بها ذهنه وتخرجها مجلته تغني عن أبلغ الأقوال وأثقبها.

فكلنا معجبون بظرفه في فني الكتابة وإيحاء الصور والتزاويق البليغة، فالرجل كذا خلق ولا حيلة لنا فيما خلق الله، حقا إن الله كريم.

قرأت الجعبة كلها ولم أخرم منها حرفا، بل كببتها كما كب عبد الملك بن مروان كنانته، ووجد الحجاج أصلبها عودا وأشدها مكسرا، وقد أعجبتني جدا غمزاته ولمزاته في سياحة إنكلترا، ذكرني بكشف المخبأ، فأخونا سعيد وشيخنا الشدياق تشغل رأسهما المرأة دائما، وكما تذكر الشدياق الطبيخ في لندن كذلك فعل أخونا سعيد، ومن يقول بعد هذا، أن ليس في الدنيا توارد خواطر! فكلاهما مشغولان بالبطن وما يليه.

التهكم والالتفاتات العابرة، والاستطرادات والقرصات الموجعة، هي زينة كتابة صاحب الصياد، فهنيئا له ولقرائه بها، رأيت سعيدا أو سهيلا يسمي مقال «آخر العنقود» قصة. إنها قصة ولكن أروع قصة فنية في الجعبة هي «ليلة الميلاد»، فمتى حذفنا من ختامها بضعة أسطر صارت في طليعة أقاصيصنا الحديثة، فسعيد قصصي طبعا ويتفوق في الحوار، أما سلاح هذا القنفذ الفني فهو تلك التعابير الخاصة التي يلقنه إياها شيطانه المريد.

كل شيء في الجعبة لذ لي إلا فصل القمار، والمرء عدو ما جهل، إني لا أفهم الألفاظ التكتيكية، ولا أعرف المحيط لأتصوره، بل ما رأيت اللعب قط، والحمد لله. كنت أسر حين أفهم، أما حين أصطدم باللون المحلي، فكان يقصر حماري في العقبة، قد كنت أحدث نفسي بالصعود إلى السماء كإيليا، ولكني بعد ما قرأت وصف سعيد لأهوال الطيران ورعباته طلقت الفكرة ثلاثا، وترحمت على بديع الزمان الذي قال بلسان بشر عوانة يخاطب حصانه:

Shafi da ba'a sani ba