Jinusayid
جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ
Nau'ikan
فهل لي بوصالك لحظة
عمرها ألف عام من الإهمال؟
الفصل الثامن عشر
غيتو وارسو - بولندا 1940م
في طريقه إلى مبنى أعضاء المجالس اليهودية، كان المرضى والمعاقون ملقين على الأرصفة والشوارع، وقد تغوط بعضهم على نفسه وتجمع الذباب عليهم، وهم يطلقون تلك النظرات المحيرة للمارة لا تعرف أهي نظرة حقد وحسد، لماذا أنا هكذا وليس أنتم؟ أم إنها نظرة تستجدي الشفقة لحالهم؟ شعر مايكل بحيرة كبيرة عندما وقعت عيناه بعيني أحدهم وبدأ شعور اليأس يجري في داخله، أيعقل أن يقبلوا بنقل سارة إلى المشفى، وكل هؤلاء المرضى والمعاقين في الشوارع لا أحد يلقي لهم بالا؟
كان الناس قد تجمعوا أمام باب المبنى، حاول التقدم من بينهم عله يستطيع التحدث إلى مسئول الشرطة الواقف على عتبة الباب ويحمل بيده سوطا وعلى ذراعه قرب الكتف نجمة داوود الزرقاء، وينظر نظرة ترفع واستحقار نحو الواقفين ولا يقبل التحدث إلى أحد، كان الحاضرون من يأسهم للوصول إليه يوجهون مطالبهم بصوت عال: «يا سيدي دعني أدخل، أطفالي سيموتون»، «يا سيدي لقد تم مصادرة دكاني»، وتعالت الأصوات فشعر بعدم جدوى إشراك صوته إلى صوتهم غير المسموع، فآثر الخروج من بينهم، وقف بعيدا ينظر ما تئول إليه هذه الأصوات المتعالية، هل سيسمعهم أحد أم إنها تذهب أدارج الرياح؟
حاولت الشرطة تفرقة الناس بالكلام والرفض لدخول أي أحد ولم ينفع، كان لا بد من استخدام القوة كالعادة؛ فالشرطي غير محاسب مهما فعل هنا، ما قيمة البشر في الغيتو حتى يتم محاسبة أحد من السلطة المزعومة أو ممن يحمونها، لم يلزم الأمر سوى سحب أحد الواقفين وإشباعه ضربا بالسياط، فارتدع الباقون وتفرقوا صامتين خائفين، كان صوت السياط أقوى أثرا من الصياح كالعادة.
بقي هناك ينتظر الفرصة المناسبة لكي يجازف بالسؤال عن إمكانية دخوله إلى المبنى لمقابلة مسئول شئون مرضى الغيتو في المجلس، لكن الخوف قد تسلل إلى جوفه عندما رأى سياطهم تشق الملابس المهترئة لذلك المسكين، ثم تذكر مقولة الطبيب «المال يفتح الأبواب الموصدة في الحياة»، فأخرج خمسة ماركات من جيب معطفه، ثم سار بخطوات ثابتة واقترب من أحد رجال الشرطة الواقفين في زاوية المبنى من الجهة الشمالية وقال له بصوت منخفض: إن استطعت إقناع مسئولكم للسماح لي بالدخول فسأعطيك خمسة ماركات وأعطيه ما يشاء.
حرك العملة الورقية بيده ليتأكد من امتلاكه لها، انفتحت عيناه وانفرجت أساريره فرحا. - اصبر هناك قليلا.
قال مايكل في نفسه: «أنا لا أعلم مدى حب البشر للمال، لكنني أجزم أن لا أحد يحب المال كما نحن اليهود، هناك عشق أزلي بيننا وبينه حتى أشعر أن بعضنا يعبده!»
Shafi da ba'a sani ba