Jinusayid
جينوسايد: الأرض والعرق والتاريخ
Nau'ikan
بعدها بدقائق أصبحوا وسط الزقاق مع بقية اليهود، كان العدد كبيرا؛ لذلك لم يأتوا بالعربات العسكرية لنقلهم .. أثناء السير انتبه مايكل إلى امرأة عجوز تنظر إليه وهي تبتسم، كانت تلك العجوز التي ساعدها مايكل يوم اعتدى عليها ذلك الشاب في السوق، ابتسم في وجهها وفكر في أمرها «عجوز في عقدها السابع أو لربما الثامن، ما الخطر الذي تشكله على النازية؟ هي بالكاد تستطيع حمل جسدها، لا أدري أهي القرارات النازية لا استثناء فيها أم إنها مسألة أرقام كما كانت في المعسكر؟»
كان أفراد كل عائلة يمسك بعضهم يد بعض لكيلا يتم تفرقتهم إذا ما تم توزيع اليهود فجأة إلى العربات العسكرية، لنقلهم إلى المكان المحدد. أثناء سيرهم نحو المجهول كان الألمان واقفين على طرفي الطريق، البعض مستغرب مما يحصل والبعض الآخر فرح وآخرون لم يهمهم الأمر كثيرا، كانت نظرات البعض فيها الكثير من الشفقة وعدم الرضا بما يحصل، لكن لا يمكنهم فعل شيء سوى هز الرأس وإظهار التعاطف.
من بين الواقفين كان أحدهم يلوح بيده نحو مايكل والدموع تذرف من عينيه، أمعن النظر فيه وإذا به آيخمان صاحب المتجر المجاور لمتجره في السوق الشيوعي المعارض للحكم النازي، كان ذلك التصرف فيه الكثير من الخطورة وجذب أنظار الجستابو عليه، لكن أحيانا نشعر أن بعض المواقف الأخلاقية تعني الكثير لمن نحب، خاطر بنفسه فقط حتى يوصل رسالة إلى جاره منذ عشرين سنة، إنه غير راض عما يحصل، ولا شيء أكبر من أن يقدمه سوى تلك الدموع والتلويح باليد .. صرف مايكل نظره عنه حتى يقلل من تفاعله معه لأجل ألا يصيبه مكروه من الجستابو.
كانت المجاميع اليهودية يتم سوقها من الأزقة وتنضم إليهم تباعا، حتى المعاقون والمرضى تم حملهم على الأكتاف ولم توفر لهم عربات خاصة لحملهم .. في ذلك اليوم الذي لا يجوز فيه حمل أي شيء، حملوا فيه كل شيء، وكأنهم اختاروا ذلك اليوم قصدا ليغرسوا في نفوسهم الخطيئة في أقدس يوم لدى اليهود .. بعد مضي أكثر من خمس ساعات سيرا على الأقدام وصلوا محطة القطار، أمروا الجميع بالجلوس في الساحة المقابلة للمحطة لحين قدوم القطار، كانت سارة بحضن أمها خائفة ترتعد، وضعها مايكل في حضنه وقبل من رأسها: لا تخافي نحن معك ولن نتركك، بعد قليل سيأتي القطار ونصل إلى المكان الذي يريدون نقلنا إليه، وهناك سأشتري لك أي شيء تريدينه.
وصل القطار إلى المحطة، كانت لا تبدو عليها عربات لنقل البشر، أبوابها كبيرة ذات أقفال حديدية ضخمة، ولا يوجد شبابيك فيها بل فتحات مربعة للتهوية تبين بعد وضعهم فيها ومن الروائح أن القطار مخصص لنقل المواشي.
كانت العربة التي لربما لا تسع سوى خمسين رأس غنم فيها قرابة المائتي شخص لا مجال للجلوس فيها ؛ إذ تم وضع العوائل فيها حتى تحمل أكبر عدد ممكن لتقليل عدد المرات التي يتوجب للقطار نقل جميع اليهود إلى الوجهة المحددة، بعدها سدت الأبواب وأوصدت الأقفال، وتحرك القطار نحو المجهول.
الفصل الثالث عشر
يريفان - أرمينيا الشرقية 1896م
كان المركز في يريفان عبارة عن معسكر تدريبي بمساحة مربعة كبيرة محاط بالأسلاك الشائكة وأبراج مراقبة وأضواء كاشفة، المتدربون في الساحات يرتدون الزي العسكري الأخضر، يركضون بشكل غريب، يرفعون ركبهم إلى مستوى البطن بشكل متناسق، إذا أمعنت النظر فيهم شعرت أنهم متدرب واحد، وأمامهم أحد المدربين يبدو من هيئته وملامحه أنه ليس أرمينيا، كانت أصوات الطلقات النارية تأتي من بعيد، ومجموعات أخرى يتدربون على القتال الفردي بالأيادي، انتبه أرتين إلى غريغور ورآه فاغرا فاه يلتفت يمنة ويسرة كالمجانين وكأنه وجد نفسه في تلك الأجواء الحماسية الذين هم فيها.
استقبلهم السيد نيكولاي مسئول الأفراد أمام المبنى المخصص للمبيت، كان المبنى عبارة عن بناء حجري مصبوغ باللون الأخضر الباهت فيه باب رئيسي كبير وأبواب صغيرة متفرقة، مكون من عدة طوابق، وكل طابق يحوي ممرا طويلا متوزعا فيه الغرف على الجانبين، وفي نهاية الممر توجد الحمامات، والطابق الأرضي يحوي المطبخ ومكان الاستراحة للمتدربين. فتح السيد نيكولاي إحدى الغرف الصغيرة لهم كانت تحوي أربعة أسرة. - هذه غرفتكم من الآن فصاعدا وهذا المفتاح سيبقى معكم، وإن جاء متدرب آخر فسيكون معكم في السرير الرابع، إنكم محظوظون لوصولكم في هذا الوقت المناسب والجميع في التدريب؛ لذا أنصحكم بالاستعجال إلى الاستحمام؛ لأنه بعد ساعة من الآن سيعود الجميع ويكون حينها أمامكم طابور طويل أمام أبواب الحمامات. •••
Shafi da ba'a sani ba