وانطلقا عائدين حتى أطلا على الفضاء الرملي المحيط بالأهرام، فإذا بحبيب قد عاد مع شقيقته وأدما، وجلس الجميع على أكمة من الحجارة كأنها أثر هرم صغير كان قائما هناك.
ولاحظت سلمى أن الخادمة جالسة القرفصاء بجانب الأهرام حيث كانا واقفين، وهى توقد نارا لإعداد الطعام الخفيف الذي جاءوا به معهم من القاهرة، فخشيت أن تكون الخادمة قد سمعت شيئا من حديثها مع سليم، ولكنها استبعدت ذلك، ومضت معه مظهرة الانبساط حتى وصلا إلى مجلس الجماعة فاستقبلوهما بالترحاب. وكانت والدتها تنظر إليهما وهما قادمان وتشكر الله على تآلف قلبيهما لعلمها أن المحبة الطاهرة من ألطف العواطف وأعودها بالفائدة على الأسرة والمجتمع.
وبعد قليل فرغت الخادمة من إعداد الطعام، فأكلوا جميعا، ثم أمضوا بقية الظهيرة يخطرون بين الأهرام وأبي الهول بين تنزه وحديث وكل منهم يغني على ليلاه.
وكان حبيب ينظر تارة إلى حبيبته أدما، وتارة إلى صديقه سليم وخطيبته سلمى، ويجول بأفكاره حينا فيما وفق إليه من تحقيق ظنه وحينا فيما عرفه من ارتباك صديقه سليم بسبب رسالة والدته وحنقها على الفتاة التي أحبها. وكان قد لحظ على وجهي سليم وسلمى آثار البكاء والاضطراب، لكنه تجاهل لعلمه أن تشاكي الغرام لا يخلو من مثل ذلك ولا سيما إذا خامره شيء من المصاعب والمعاكسات.
أما سليم فتجاهل ما سمعه عن علاقة سلمى بداود وحبيب، ووقر في ذهنه ألا صحة لذلك، ولا سيما بعدما ظهر له من صدق محبة سلمى له وشدة انفعالها ورقة عواطفها ولطيف عتابها.
وأما أدما فقد كان ذلك اليوم أسعد الأيام عندها، إذ تحققت آمالها وبلغت أمانيها، ولكنها ودت لو تتاح لها فرصة أخرى تخلو فيها إلى حبيب قلبها فتبثه لواعج حبها في صراحة حيث لا واش ولا رقيب.
وفي نحو الساعة الرابعة بعد الظهر، ركبوا العربات عائدين إلى القاهرة. ولما بلغوا باب اللوق عرج حبيب وشقيقته ووالدته إلى محطة حلوان، وواصلت المركبتان الأخريان سيرهما، بعد تبادل عبارات الوداع.
رسول السوء
كان داود الذي وشى بسلمى وحبيب إلى سليم رجلا دنيء الأصل، اكتسب ثروة كبيرة من تعويضات الإسكندرية زورا وبهتانا، فابتاع أرضا وبنى منزلا هناك، ثم جاء القاهرة وأقام بها دون عمل إلا التردد إلى أماكن اللهو. وكان إلى دناءة أصله فاسد الأخلاق شديد البخل رغم غناه، ولم يكن ليستنكف أن يبيع شرفه وذمته بدراهم معدودة.
وكان مقيما بالقرب من بيت الخواجة سليمان، وليس في قصته التي قصها على سليم شيء من الصدق إلا كونه كان مقيما هناك، فلم يكن يزورهم إلا قليلا، وكانوا يعاملونه معاملة الغريب كلما زارهم لاختلاف المشرب والتربية، ولم يزوروه قط. على أن نفسه الخبيثة كانت تحدثه بإمكان حصوله على سلمى بعد أن فتن بجمالها ولطفها، ولكنه لم يجرؤ على التصريح بشيء من ذلك، ولا سيما بعد أن لاحظ إخلاص سلمى لسليم، واحتقارها له هو وعدم اكتراثها له.
Shafi da ba'a sani ba