فالتفت حبيب إلى شقيقته شفيقة وقال لها: «هيا بنا يا شفيقة إلى الكنيسة مع الآنسة أدما.»
وكان يود لو أن شقيقته لا ترافقهما لكي يخلو إلى أدما ويستطلع ما في قلبها، لكنه تذكر أن شقيقته ساذجة وأنه يستطيع التفاهم مع أدما بالرموز والأحاجي دون أن تفطن هي إلى ذلك ، ثم مضى معهما حتى أطلوا على أبي الهول من الخلف فإذا هو تمثال هائل يشبه أسدا رابضا ورأسه رأس إنسان، فداروا حوله حتى وقفوا أمام وجهه، فجعلت أدما وشفيقة تنظران إليه وتتعجبان لكبره وهوله، وقالت شفيقة لحبيب: «أخبرني يا أخي عن سر هذا التمثال الكبير، ولماذا جعلوا جسمه جسم أسد ورأسه رأس إنسان؟»
فقال: «جعلوه كذلك إشارة إلى اجتماع القوة والعقل؛ لأن الأسد مثال القوة، والإنسان مثال العقل.»
فقالت أدما: «ولكن كيف عرف المعاصرون أن القوم جعلوه كذلك لهذه الغاية؟»
فنظر إليها حبيب وقد اعتزم أن يستطلع خفايا قلبها وقال: «إنهم عرفوا ذلك بقراءة ما كتب عليه. هذا إلى أن الإنسان المتبصر لا تخفى عليه أن الطبيعة كلها رموز وأن لكل رمز معنى. والرجل العاقل يستطيع أن يعرف الغايات بالنظر إلى المقدمات. أم أنت تتصورين أن الإنسان العاقل يخفى عليه مثل هذا؟»
قال ذلك ونظر إلى وجهها فإذا هي ترنو إليه منتظرة إتمام حديثه وقد كاد الخجل يتجلى في وجهها عند سماعها قوله، لكنها تمالكت عواطفها، وواصل هو كلامه فقال: «ثم هبي أن الإنسان لم يتمكن من فك رموز الطبيعة بوساطة النظر إليها، فإن الكتابة لم تدع سرا مسدولا ولا أمرا مكتوما.»
قال هذا ونظر إليها بطرف عينه فإذا بها قد توردت وجنتاها خجلا وأطرقت متظاهرة بالتأمل فيما يقول.
فنظر إليها وقال: «ما رأيك يا آنسة أدما؟ أليس صحيحا ما أقوله؟»
فأجابت وقد أبرقت عيناها قائلة: «ماذا أقول؟ ليس لي إلا أن أوافق على ما ذكرته من أمر الكتابة وما تدل عليه.»
فأعجبته فطنتها وفهم من ردها أنها التي كتبت إليه ذلك الخطاب، ثم وجه خطابه إلى شقيقته قائلا: «أليس كذلك يا شفيقة؟»
Shafi da ba'a sani ba