Tsibirin Rhodes
جزيرة رودس: جغرافيتها وتاريخها وآثارها، تليها خلاصة تاريخية عن أشهر جزائر بحر إيجه
Nau'ikan
ولما خرج اليونانيون على الدولة الرومانية في آسيا وأوروبا أيام متريدات ملك بنطش طالبين الاستقلال، أبت رودس الانقياد لزعماء الثورة، وظلت موالية لهذه الدولة؛ لأنها كانت حليفتها، فقصدها متريدات وحاصرها سنة 63ق.م فانتصرت عليه بعد وقائع جسيمة، وفي سنة 42ق.م حاصرها كاسيوس الجنرال الروماني وفتحها عنوة وأباحها للنهب والسلب، وأخذ من الذخائر الثمينة شيئا كثيرا، وأتى مثله فيما بعد أنطونيوس الذي هام بحب كليوبطرة، فإنه أغار عليها وهدم كثيرا من الهياكل والمباني طمعا في ما عساه أن يكون مخبوءا فيها من الأموال، ولما وفد هيرودس ملك اليهودية على هذه الجزيرة سنة 31ق.م وكان مولعا بالفنون أعاد بناء هيكل «أبولون» وهو أكبر معابد الجزيرة. ولما ظهرت النصرانية أتى إليها بولس الرسول كما ورد في أعمال الرسل، وكان لها في ذلك العصر امتيازات بموجب معاهدات أبرمت بينها وبين المملكة الرومانية، حتى إذا تولى كلوديوس عرش هذه المملكة نسخ أحكام تلك المعاهدات ثم أعادها إليها، وتوالت على هذه الجزيرة محن عدة انتهت بدخولها في حوزة العرب سنة 653م في عهد معاوية بن أبي سفيان، ولم يحصل وقتئذ ما حصل حين استيلاء الرومانيين عليها من النهب والسلب والتخريب والتدمير. قال البلاذري في فتوح البلدان: «وكان معاوية بن أبي سفيان يغزي برا وبحرا، فبعث جنادة بن أبي أمية الأزدي إلى رودس، وجنادة أحد من روي عنهم الحديث ولقي أبا بكر وعمر ومعاذ بن جبل، ومات في سنة 80، ففتحها عنوة وكانت غيضة في البحر، وأمره معاوية فأنزلها قوما من المسلمين، وكان ذلك في سنة 52، قالوا: «ورودس من أخصب الجزائر، وهي نحو من ستين ميلا، فيها الزيتون والكروم والثمار والمياه العذبة»، وحدثني محمد بن سعد عن الواقدي وغيره قالوا: أقام المسلمون برودس سبع سنين في حصن اتخذ لهم، فلما مات معاوية كتب يزيد إلى جنادة يأمره بهدم الحصن والقفل.» ا.ه.
ولما خرجت الجزيرة من يد العرب، دخلت ثانية في حوزة دولة الروم البيزنطية، وفي سنة 1248م قصدها أسطول من مملكة جنوى فحاصرها وافتتحها، ثم عادت إلى دولة الروم وبقيت تابعة لها إلى أن استولى عليها الفرسان (الشفاليه)، وفي أيامهم بلغت ذروة مجدها وعزتها.
مدة الفرسان (الشفاليه)
الشفاليه جمعية سياسية دينية تعرف بجمعية فرسان أورشليم أو فرسان القديس يوحنا، أنشئت في بادئ الأمر لعمل الخير، وكان لها دار في أورشليم بناها بعض التجار الإيطاليين سنة 1048م، بالقرب من كنيسة القيامة، وجعلوها مثوى لفقراء الحجاج ومستشفى للمرضى، ولما فتح الصليبيون مدينة أورشليم سنة 1099، وانتخب رئيسهم «غودفروا دي بويون» ملكا عليها؛ أقطع هذه الجمعية أرضا كبيرة، وانضم إليها في ذلك الوقت كثير من الصليبيين وبنوا كنيسة باسم القديس يوحنا، وتنقل هؤلاء الفرسان في بلاد شتى بين عكا وقبرص ورودس وإقريطش (كريد) ومالطة، ولما عقدوا النية على فتح رودس وجعلها مقرا لهم؛ كانت هذه الجزيرة في رعاية دولة الروم البيزنطية، وكان الحكم فيها مختلا والفوضى ضاربة فيها أطنابها، وقد أضحت ملجأ للقرصان، فحمل عليها الفرسان سنة 1309م. وفتحوها بقيادة «فلك دي فيلاريه»، فانتخب هذا القائد رئيسا أعظم، وهو لقب من كان يتولى الحكم من أولئك الفرسان، ولما استقام لهم الأمر في هذه الجزيرة؛ قاموا بتحصينها فشادوا الأسوار والقلاع وغيرها من المباني العظيمة.
وفي عهد الرئيس «ريمون بيرانجه»، وهو سادس الرؤساء الذين تولوا الحكم على الجزيرة، غزا الفرسان سواحل سوريا واستولوا على طرابلس وطرسوس واللاذقية.
وفي سنة 1444م جاء من مصر أسطول كبير وحاصر الجزيرة مدة 42 يوما، وكان ذلك في عهد الرئيس «جان دي لاستيك» الحادي عشر من الرؤساء الذين قاموا بالحكم فيها، فأبلى في الدفاع عنها بلاء حسنا، ولم يفز هذا الأسطول بطائل.
ومن أشهر الحوادث التي وقعت في عصر هؤلاء الفرسان، الحروب التي دارت رحاها بينهم وبين السلطان محمد الفاتح، فإنه حاصرها في سنة 1454م بقصد فتحها، ولم يفز بمراده، وفي سنة 1480م أعاد الكرة فسير إليها أسطولا عظيما من 160 بارجة ومائة ألف جندي، وكان ذلك في عهد الرئيس «دي بوسون» الخامس عشر من الرؤساء، ودامت هذه الحرب ثلاثة أشهر وقعت فيها معارك هائلة وقتل عدد كبير من الفريقين، ولم يتمكن السلطان محمد من فتحها، وبلغ عدد من قتل من الجيش العثماني في هذه الحرب على ما رواه المؤرخون 9000 جندي وعدد من جرح 15000 غير السفن التي دمرت والأموال التي أنفقت.
والرئيس «دي بوسون» أشهر الرؤساء الذين تولوا الحكم على الجزيرة لما له من المآثر الجليلة، وما اتصف به من البسالة والمهارة في الفنون الحربية، وكان حائزا لرتبة كردينال.
وفي عهد الرئيس «أمري دامبواز» السادس عشر من الرؤساء، سير قنصوه الغوري سلطان مصر أسطولا مؤلفا من 25 سفينة حربية إلى سواحل آسيا الصغرى، ولما علم الرئيس بقدوم هذا الأسطول أرسل 22 سفينة حربية، فالتقت به ودمرته.
ولم يقتصر هؤلاء الفرسان على الذود عن الجزيرة؛ بل كانوا عونا لبعض ملوك أوروبا في حروب كثيرة، وأتوا من المهارة في الفنون الحربية ما بلغوا به أوج الشهرة والفخر.
Shafi da ba'a sani ba