92

وسألته سوزيلا: ما بك؟ - لا شيء. لماذا تسألين؟ - لأنك لا تحسن إخفاء مشاعرك. كنت تفكر في أمر جعلك غير سعيد.

قال: عيناك حادتان. ثم صرف عنها النظر.

وساد صمت طويل. هل يخبرها. هل يخبرها عن بابز وعن مولي المسكينة، وعن نفسه، يخبرها عن كل شيء كئيب سخيف لم يخبر به قط أحدا - حتى وهو مخمور - حتى أعز أصدقائه؟ والأصدقاء القدامى يعلمون الكثير عنه، والكثير عن الأطراف الأخرى ذات الشأن، والكثير عن تلك اللعبة الخيالية المضحكة التي دأب عليها وتفنن فيها كما فعل ذلك السيد الإنجليزي الذي كان كذلك بوهيميا وشاعرا منتظرا، كما كان يدافع اليأس لأنه كان يعلم أنه لا يمكن أن يصبح شاعرا مجيدا؛ صحافيا محنكا ووكيلا خاصا لرجل ثري يزدريه على الرغم من أنه يغدق له في العطاء. كلا، الأصدقاء القدامى لا يصلحون. ولكن هذه الغريبة الضئيلة السمراء، هذه الغريبة التي أمسى مدينا لها بالكثير، والتي أخلص لها على الرغم من أنه لم يكن يعلم عنها شيئا، هذه الغريبة لن تصدر عنها أحكام مسبقة، ولا أحكام متحيزة، بل قد تصدر عنها فيما يأمل (على الرغم من أنه درب نفسه على ألا يأمل أبدا!) استنارة غير مرتقبة، ومعونة إيجابية عملية، (وإله يعلم أنه كان بحاجة إلى المعونة، والله يعلم كذلك جيدا أنه لن يعترف بأنه في حاجة إلى المعونة، ولن يهبط إلى الحد الذي يجعله طالبا لها).

وكالمؤذن وهو فوق المئذنة أخذت تلك الطيور الناطقة تصيح من أعلى نخلة باسقة خلف أشجار المنجة، وتردد قولها: الآن، وفي هذا المكان أيها القوم، الآن، وفي هذا المكان.

فصمم ويل على أن يغامر، بطريقة غير مباشرة؛ وذلك بأن يبدأ هو الحديث لا عن مشكلاته هو ولكن عن مشكلاتها. فبدأ يتكلم دون أن ينظر إلى سوزيلا «لأنه أحس أن ذلك قد لا يتفق وقواعد الاحتشام». - ذكر لي الدكتور ماك فيل شيئا عن ... عما حدث لزوجك.

ووقعت هذه الكلمات من قلبها موقع السهم. ولكن ذلك كان متوقعا، وصوابا وأمرا لا مناص منه.

قالت: تنقضي يوم الأربعاء المقبل أربعة أشهر بعد الحادث، ثم قالت وهي تتأمل وبعد صمت لم يدم طويلا شخصان وكأنهما خلق جديد. وفجأة يبتر نصف هذا المخلوق الجديد، ولكن النصف الآخر لا يموت، ولا يمكن أن يموت، ولا ينبغي أن يموت. - لا ينبغي أن يموت؟ - لأسباب عدة؛ من أجل الأطفال، ومن أجل الشخص ذاته، ومن أجل طبيعة الأشياء كلها. وببسمة خفيفة عززت بها الحزن البادي في عينيها أضافت إلى ذلك قولها: ولست في حاجة إلى أن أقول إن هذه الأسباب لا تخفف من صدمة البتر ولا تجعل ما يترتب عليه أمرا محتملا بدرجة أكبر. ولا يساعد المرء إلا ما كنا نتحدث فيه منذ لحظة؛ أقصد «التحكم في المصير». وهزت رأسها ثم قالت وحتى هذا ... لأن «ت. م» (التحكم في المصير) قد يجعل الميلاد بغير ألم، ولكنه أبدا لن يجعل فقد الحبيب بغير ألم، وذلك بالطبع هو ما ينبغي أن يكون. ليس من الصواب أن يكون فقدان الحبيب خاليا تماما من الألم. إن ذلك يهبط بك دون المستوى الإنساني.

وكرر عبارتها الأخيرة: «دون المستوى الإنساني»، إنها كلمات ثلاث قصيرة ولكنها تلخص حياته كلها!

وقال بصوت مسموع: والأمر المفزع حقا هو أن يعلم المرء أنه هو المسئول عن موت الشخص الآخر.

وسألته: هل كنت متزوجا؟ - اثنا عشر عاما، حتى الربيع الماضي ... - ثم ماتت؟ - ماتت في حادث. - في حادث؟ إذن كيف كنت مسئولا عن موتها؟ - وقع الحادث لأني ... فعلت الشر الذي لم أرد أن أفعله. وفي ذلك اليوم اقترفته. وأربكها هذا الإيذاء وأطار صوابها، ورفعتها إلى الانطلاق وهي تسوق العربة؛ فاصطدمت صدمة قوية. - هل كنت تحبها؟

Shafi da ba'a sani ba