وأجابته سوزيلا: في لا شيء بالذات. ولكنهما في الواقع تحدثا عن ديوجولد، وأنها لم تستطع أن تستعيد ما حدث بينهما. وقالت الأم في همس وهي تموت: هذا وليدي الأول، لم يطرأ على ذهني أن الأطفال يمكن أن يكونوا على هذه الصورة الجميلة. وتلألأت عيناها الفائرتان في محجريهما، وابتسمت شفتاها اللتان هربت منهما الدماء، وواصلت الكلام بصوتها الضعيف الخشن: ما أصغر يديه، وما أحوج فمه الصغير إلى الطعام! وبيد مرتعشة عجفاء لمست موضع ثديها الذي كان يعلوه قبل العملية التي أجريت لها في العام السابق، وكررت قولها: لم أعرف ذلك قط من قبل. وكيف كان يتسنى لها أن تعرف قبل الحادث؟ لقد كان كشفا جديدا، رؤية مارستها باللمس والمحبة. - هل تدركين ما أعني؟ وأومأت سوزيلا برأسها. وبطبيعة الحال كانت تدرك ؛ أدركت ذلك من علاقتها بطفليها، أدركته في رؤى أخرى من اللمس والمحبة أحست بهما مع ديوجولد الرجل وقد استحال صغيرا يداه دقيقتان وفمه جائع شره. وهمست المرأة وهي في فراش الموت: كنت أخشى عليه، فلقد كان قويا، مستبدا، يستطيع أن يوقع بغيره الأذى وأن يهدد وأن يحطم. ولو أنه تزوج من امرأة أخرى ... ولكني أحمد الله أنك كنت له زوجا! وتحركت يدها العجفاء من المكان الذي كان موضعا لثديها ولمست بها ذراع سوزيلا، وأحنت رأسها وقبلتها، وأخذا يبكيان.
وتنهد الدكتور ماك فيل، ونظر إلى أعلى، وهز بدنه هزة خفيفة وكأنه رجل خرج من الماء، وقال: اسم الرجل الذي كان ملقى على الشاطئ فارنبي، ويل فارنبي.
وكررت سوزيلا قولها: ويل فارنبي؟ يحسن بي أن أذهب إليه وأرى ماذا أستطيع أن أصنع له. ثم استدارت بجسمها وانصرفت.
وتابعها الدكتور ماك فيل بالنظر، ثم مال إلى الخلف في كرسيه وأغمض عينيه. وفكر في ولده، وفكر في زوجته، لاكشمي التي تذبل رويدا رويدا حتى تنتهي. فكر في ديوجولد وكأنه شعلة مضيئة مشتعلة انطفأت فجأة. فكر في تتابع التغيرات والمصادفات غير المعقولة التي تتألف منها الحياة. فكر في كل ما هو جميل ومفزع وعبث، الذي يتآلف فيخلق نموذجا لمصير الإنسان لا يمكن تفهمه ولكنه مع ذلك له خطورته المقدسة. وقال محدثا نفسه وقد تذكر وجه سوزيلا عندما أخطرها بما حدث لديوجولد: يا لها من امرأة بائسة! ثم ذكر المقال الخاص بالنبات الفطري المخدر الذي نشرته «مجلة الفطريات»؛ وهذا أمر آخر ناشز يتخذ له مكانة على صورة ما في نموذج الحياة. ووردت على ذهنه الكلمات التي جاءت في إحدى القصائد القصيرة العجيبة التي نظمها راجا العجوز:
كل شيء،
لا يأبه أبدا بغيره،
ولكن الأشياء جميعا،
تعمل في تكامل،
وإن تباعدت،
لخير يتجاوز خيرنا،
Shafi da ba'a sani ba