Jawhar Insaniyya
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
Nau'ikan
32
وتتمثل الحجة تقريبا فيما يلي: توجد أدلة على زراعة الأرز في تايلاند قبل أكثر من 7 آلاف سنة، وهو ما يسبق تاريخ استخدامه في الصين. ينطبق الأمر نفسه على خزف ثقافة جومون في اليابان؛ فقد عثر على ملايين القطع، كثير منها به تماثيل بشرية. صنع بعض من هذه القطع قبل أكثر من 12 ألف سنة، أقدم من أي مكان آخر في العالم، وهكذا. لماذا لم تكتشف المزيد من آثار مثل هذه الحضارات القديمة؟ لأن معظم الأراضي التي حدثت عليها مثل هذه التطورات أصبحت الآن تحت الماء؛ إذ غمرتها الفيضانات التي صاحبت ذوبان الألواح الجليدية في نهاية آخر عصر جليدي. ومنذ أكثر من 10 آلاف عام كانت كتلة أرضية واحدة تسمى ساندالاند تغطي معظم المنطقة المعروفة حاليا بخليج تايلاند وبحر جاوة وبحر الصين الجنوبي والبحر الأصفر وبحر الصين الشرقي. ولم يدمر ارتفاع المياه فحسب - النظير الآسيوي لطوفان نوح - الأدلة على نشاط الإنسان في هذه المنطقة، بل إنه دفع بعضا من سلالته غربا نحو الهند، وبلاد الرافدين ومصر، وشمالا إلى الصين. وتشهد العلامات الوراثية واللغوية على مثل هذه الهجرات البشرية، وتسهم في تأييد حجة عدم انبثاق أقدم الحضارات في الهلال الخصيب في الشرق الأوسط، وعلى ضفاف نهر السند والنهر الأصفر، بل في جنوب شرق آسيا.
حدثت مثل هذه الفيضانات الكبرى في جميع أنحاء العالم منذ نحو 14 ألف سنة، و11500 سنة، و8 آلاف سنة، مع بدء كميات ضخمة من الجليد المحيط بالأرض في الذوبان، ويوجد توثيق جيد لها. كما أن الباحثين عن المدن المفقودة التي توجد حاليا غارقة تحت سطح البحر يعثرون عليها ليس في جنوب شرق آسيا فحسب،
33
بل في البحر المتوسط أيضا، على ساحل مالطا،
34
على سبيل المثال. وربما انطلق الناجون من الفيضان التالي للعثور على مدينة أخرى في الجوار؛ إذ يوجد على مالطا حاليا دوائر حجرية أقدم بنحو ألف سنة من الموجودة في ستونهنج. وربما كان أفلاطون يتمتع ببصيرة نافذة على نحو مذهل عندما وصف أرض أطلنتس بأنها دمرت قبل عصره بتسعمائة سنة، وبما أنه عاش منذ 2400 سنة، فإن هذا يجعل دمار أطلنتس حدث في وقت الطوفان العظيم الثاني.
هل كنت مخطئا في وصف الحضارات منذ 6 آلاف سنة بأنها أساسية؟ ربما، لكن بسبب عدم بقاء الحضارات الأقدم المحتملة، لا يمكننا قياس نجاحها بالمعايير التي طبقتها على تلك التي ظلت باقية لآلاف السنين على الأرض الجافة. فقد تسلق بناة ستونهنج والكارناك في شاتال هيويوك وليبينسكي فير، ومابونجوبوي وزيمبابوي العظمى، وقصر كليف في حديقة ماسا فيردي الوطنية (كولورادو)، وبيبلو بونيتو في شاكو كانيون؛ عدة درجات أعلى سلم الإنجاز، لكنهم سقطوا بعد ذلك. كذلك بدأ المهندسون المعماريون للمدن التي طمرها ارتفاع منسوب مياه البحر المتوسط والبحار الموجودة على ساحل جنوب شرق آسيا، عملية الصعود هذه، لكن في حالتهم ببساطة انكسر السلم.
هوامش
الفصل الثامن
Shafi da ba'a sani ba