Jawhar Insaniyya
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
Nau'ikan
20
تتسم مجموعة أخرى من البروتينات، عمليا هي جزء من الجهاز المناعي، بدرجة مشابهة من التنوع. في هذه الحالة يكون الاختلاف من شخص لآخر، بدلا من الاختلاف في صورة «تحديد جزيء غريب واحد في مقابل جزيء آخر» داخل الشخص نفسه. من بين البروتينات الأساسية في التنوع من شخص لآخر جزيئات (تسمى مستضدات الكريات البيضاء البشرية) يختلف تركيبها قليلا لدى كل إنسان ما عدا التوائم المتماثلة. هذا هو المركب المسئول عن رفض زرع جلد أو عضو من أي شخص إلا من أقرب الأقارب. إنه المركب الذي يمدنا بقدر كبير من تفردنا ويكمن وراء مقاومتنا النسبية للأمراض المختلفة أو قابليتنا للإصابة بها.
توفر الطفرات التي تحدث داخل مركب مستضدات الكريات البيضاء البشرية عددا وفيرا من الجزيئات المختلفة التي لا تميز الأفراد فحسب، وإنما المجموعات العرقية أيضا؛ فربما يثبت أن نسخة معينة من البروتينات مفيدة في نوع معين من المناخ، بينما تكون نسخة أخرى مفيدة في مناخ مختلف، ويوفر شكل من أحد البروتينات وقاية من مرض معد منتشر في إحدى المناطق، بينما يقي شكل آخر منه من جرثومة مسببة للمرض توجد في مكان آخر. بمرور الوقت، سيتكاثر أصحاب التكوينات الجزيئية المناسبة بأعداد أكبر من غيرهم، وسيحمل أحفادهم هذه الجزيئات لعدة أجيال. وبما أننا ذكرنا مميزات امتلاك جزيء بروتين معين دون الآخر، ومن ثم الجين من أجل الحفاظ على استمرار إنتاجه لدى الذرية، علي أن أكرر نقطة قديمة؛ أن كثيرا من الجزيئات، مثل التي تدخل في تكوين الزائدة الدودية، توجد ببساطة دون أن يكون لها أي نفع أو ضرر، فربما ارتبطت فائدتها بفترة مبكرة من حياة البشر، أو في الواقع الثدييات. (3) المستكشفون المعاصرون (3-1) غزاة ورحالة
لم تنقرض الروح الاستكشافية للإنسان سواء منذ 50 ألف سنة أو ألف سنة فقط . ومع ظهور الحضارات في بعض أجزاء من العالم دون غيرها - سنتحدث عن هذا الموضوع في الفصل القادم - أراد حكامها معرفة ما يوجد وراء حدودهم. أرسلت البعثات الاستكشافية، وكانت تفيد على الدوام بوجود مجتمع أجنبي، وبناء على الطبيعة الحربية للحاكم، كان يرسل جيشا من أجل الإغارة على جيرانه وتوسيع أراضيه، أو كان بدلا من ذلك يوسع قاعدته الاقتصادية من خلال تكوين شركاء تجاريين جدد. ويظهر هذان النوعان من التوسع على نحو متكرر على مدار التاريخ البشري.
على سبيل المثال، في حالة الإسكندر الأكبر في النصف الثاني من القرن الرابع قبل الميلاد؛ كان هدفه الأول استعادة الأرض التي أخذها الفرس في الأناضول (تركيا حاليا)، بعد ذلك عمل على توسيع الإمبراطورية اليونانية من خلال هزيمة الفرس في مصر وسوريا وبلاد الرافدين (العراق حاليا)، وبعد ذلك كان هدفه أسر ملك الفرس المراوغ، داريوس الثالث، بنفسه. دخل الإسكندر بلاد فارس واستولى على برسبوليس، العاصمة القديمة للملك خشايارشا. حرق القصر وباقي المدينة، التي كانت الأكثر خصوبة وروعة في العالم في هذا الوقت، وسواها بالأرض، على ما يبدو انتقاما من الهزائم السابقة التي تعرض لها اليونانيون على يد الفرس. كان هذا عملا تدنيسيا لا يتناسب مع القيم اليونانية للسلوك المتحضر. لم يكن بحاجة لأسر داريوس؛ فقد عزل الملك الفارسي، ثم طعن حتى الموت على يد أحد رجاله. أصبح الإسكندر آنذاك حاكما لأكبر إمبراطورية في العالم، «الملك العظيم» و«سيد آسيا»، ومع ذلك واصل الغزو، واتجه نحو وسط آسيا. من هذه المرحلة أصبح الإسكندر مستكشفا أكثر منه قائدا؛ ففي معظم الأحيان لم يكن يعلم إلى أين يذهب، ومع ذلك وسع الدولة اليونانية شرقا وصولا إلى البنجاب، مسافة 2500 ميل. قضى 11 عاما في حملاته، فعليا فترة حكمه بأكملها. كان يقود جيشا يسير معظمه على أقدامه، لكن مثل القادة التالين له - نابليون في 1812 وجنرالات هتلر في 1941 في محاولاتهم على التوالي للاستيلاء على روسيا - فقد أفرط أكثر مما ينبغي في طموحاته. فالأراضي التي تؤخذ بالقوة عادة ما تعود إلى السكان الأصليين؛ ولهذا السبب تنجو الخصائص الثقافية واللغوية لأحد الشعوب عادة من فترات هيمنة قوة أجنبية. لم يعش الإسكندر ليرى إمبراطوريته وهي تنهار، بل لم تتسن له العودة إلى اليونان؛ ففي طريقه إلى بلده توفي على أثر حمى، على الأرجح التيفوس، في بابل، وكان في الثالثة والثلاثين فقط من عمره.
إذا كانت الشعوب التي خاضت البحر في جنوب شرق آسيا منذ 50 ألف عام أعظم المستكشفين في عصرهم، فإن كريستوفر كولومبوس، أو كريستوبال كولون كما كان يحب أن يطلق عليه، كان أحد أكثر المستكشفين إصرارا في العصور الحديثة؛ فإيمانا منه بما قرأ - في كتاب إسدراس الثاني الإنجيلي المشكوك في صحته، وفي كتابات بطليموس
21
والمختص الفلورنسي بعلم دراسة الكون المعاصر له باولو توسكانيلي - بأن الأرض مستديرة وليست مسطحة، وأن المسافة الأرضية من الحافة الغربية للعالم (إسبانيا) إلى الحافة الشرقية (الهند الشرقية وكاثاي) طويلة للغاية، حاول هذا البحار القادم من جنوة إثبات أن المسافة من إسبانيا إلى آسيا في اتجاه الغرب لا بد أن تكون بناء على هذا قصيرة نسبيا؛ 3900 ميل من جزر الكناري، وفقا لحساباته (لم يكن بعيدا للغاية عن الصواب؛ فالمسافة عبر المحيط الأطلنطي من النقطة التي عبر منها تبلغ في الواقع نحو 4 آلاف ميل). وعن طريق الإبحار غربا بدلا من الاتجاه شرقا يمكن للمرء الوصول إلى الأراضي الخرافية التي تمكن ماركو بولو من الوصول إليها فقط بعد رحلة برية طويلة عبر وسط آسيا منذ مائتي عام. كان كولومبوس يبحث عن شيء آخر أيضا؛ جزيرة أنتيليا الأسطورية - التي أسماها أفلاطون أطلنتس، ووصفها بأنها أقدم حضارة على وجه الأرض - والتي يقال إنها تقع «خلف أعمدة هرقل» (مضيق جبل طارق)؛ أي في مسار كولومبوس مباشرة.
ألح على ملك البرتغال، ودوق مدينة شدونة وكونت مدينة سالم، وحكام إسبانيا، والملك فرديناند والملكة إيزابيلا؛ من أجل الحصول على التمويل، فرفضوا كلهم. كان كولومبوس رجلا طموحا؛ فبعد 6 سنوات من التوسل للزوجين الملكين الإسبانيين، استطاع إقناعهما بتغيير رأيهما، وفي الثالث من أغسطس عام 1492 انطلق في رحلته (صورة 1). نحن جميعنا نعلم أن كولومبوس لم يرس على أرض آسيا، وإنما في أمريكا. بالطبع كان يعتقد أنه وصل إلى جزر الهند الشرقية. كذلك لم يعثر على جزيرة أنتيليا، التي يعتقد بأنها في حجم قارة أوروبا، لكن تكريما لسعيه الدءوب سميت بعض الجزر في البحر الكاريبي باسم الأنتيل. الأمر الأقل شهرة أن كولومبوس لم يكن أول أوروبي يعثر على الأمريكتين.
فقد وصل الفايكنج إلى هناك قبله بخمسمائة عام؛ إذ أبحروا هم أيضا، في حالتهم من مضايق النرويج، في اتجاه الغرب. لم يتضح لنا ما كانوا يبحثون عنه؛ هل استنزفت الأراضي التي كانوا يصطادون فيها، أم أنهم كانوا يهربون من الضرائب التي سيثور عليها إخوانهم الأوروبيون في نيو إنجلاند بعد 700 عام؟ استقر إريك الأحمر في جرينلاند في عام 982، بعد ما نفي من أيسلندا لارتكابه جريمة قتل، حاول تشجيع آخرين باتباعه من خلال إطلاق اسم «الأرض الخضراء» (جرينلاند) على هذه الدولة الجديدة (بخلاف المناطق الساحلية في الجنوب، هذا الاسم به قدر من المبالغة). في القرن الحادي عشر أدخل ليف إريكسون المسيحية من النرويج إلى جرينلاند، ووصل نورمانديون آخرون إلى أبعد من ذلك حتى البر الرئيسي لكندا. فأقيم موقع بالقرب من موقع لانس أوه ميدوز في شبه الجزيرة الشمالية لمقاطعة نيوفندلاند؛ وبذا وصل أول أوروبيين إلى الأراضي الأمريكية، ومع ذلك فقد ذهبوا دون ترك أي مستوطنات باقية. وكذلك لم يفعل المستعمرون لجرينلاند، مع أنهم التقوا بالإنويت المحليين في ثول حتى وصل الحال بهم أن أقاموا إبرشية في عام 1126. اتضح أن الظروف بالقرب من الدائرة القطبية الشمالية قاسية للغاية على هؤلاء البشر من أصل أوروبي؛ فعلى الأرجح ماتوا جميعا من نقص الطعام والمأوى. أما على بعد آلاف الأميال جنوبا فكان المناخ أكثر اعتدالا، وعاش الإسبان ليحكوا عن اكتشافاتهم.
Shafi da ba'a sani ba