Jawhar Insaniyya
جوهر الإنسانية: سعي لا ينتهي وحراك لا يتوقف
Nau'ikan
2
تهاجر الحشرات أيضا؛ وتعتبر الفراشة الملكية أحد الأنواع التي تطير أبعد من معظم الأنواع الأخرى، تقضي هذه الفراشة البرتقالية اللون المخططة باللون الأسود فصل الصيف في كندا، في تورونتو الملكية، التي اشتق منها اسمها؛ إذ سماها المستعمرون الاسكتلنديون المشيخيون على اسم ملكهم المفضل؛ الملك ويليام البروتستانتي من أورانج. تعمدت أن أقول فصل الصيف وليس فصول الصيف؛ هذا لأنها لا تعيش إلا لفصل واحد فقط، فمع دخول ليالي الخريف تترك الفراشة الشابة كندا وتبدأ في هجرة طويلة نحو الجنوب، إلى غابات الصنوبر على طول جبال سان أندريس في ولاية ميتشواكان في المكسيك، التي تبعد 3 آلاف ميل.
3
تعرف الفراشة الاتجاهات عن طريق استخدام بوصلة مغناطيسية داخلية وتتبع الشمس، وتطير مسافة تصل إلى 100 ميل في اليوم؛ ونظرا لكون هذه رحلتها الأولى، يكون عليها العثور على المكان الذي ستقضي فيه الشتاء إلى حد كبير بالغريزة فقط. ومع اقترابها من الغابات، تبدأ البحث عن أعضاء آخرين من نوعها، وتعثر عليهم، فتجد نحو 50 مليونا من نوعها، كلها تقضي الشتاء في هذا المكان وهي ملتصقة على لحاء أشجار الصنوبر في نوع من السبات الشتوي، حيث تتوقف عن تناول الطعام. عند حلول شهر فبراير تبدأ رحلة عودتها إلى الشمال. ستكون هذه الفراشات قد تزاوجت في طريقها إلى الجنوب، وتحمل كل أنثى الآن ما يصل إلى 400 بيضة، عند وصولها إلى تكساس، يبدأ أهم بحث على الإطلاق؛ فعليها أن تعثر على نبات حشيشة اللبن، الذي ستضع فيه بيضها. إن أوراق هذا النبات هي المكان الوحيد الذي سينمو فيه البيض ليصبح يرقات. تواصل الفراشات رحلتها إلى الشمال، وتضع البيض أينما عثرت على حشيشة اللبن بين مروج الربيع؛ ففي شمال تورونتو تموت حشيشة اللبن، ويضع هذا حدا لسفر هذه الفراشة المبهرة، لكنها على أي حال أصبحت في نهاية حياتها؛ فقد أتعبتها الرحلات الطويلة من المكسيك وإليها، فتسقط ضحية لأي مفترس يهجم عليها. أما بالنسبة لذريتها، فرحلتها على وشك أن تبدأ؛ فبمجرد أن تفقس تتغذى اليرقات على أوراق حشيشة اللبن، وتتحول في النهاية إلى فراشات. وتبدأ هذه الفراشات وقتئذ الرحلة إلى تورونتو في الشمال، وتتكرر دورة الهجرة.
تقدم لنا هجرة العوالق من إحدى طبقات المحيط إلى أخرى وفقا لنقاء الماء (فهي تستمد طاقتها من ضوء الشمس عبر التمثيل الضوئي)، مثالا جيدا على تداخل سلوك النباتات والحيوانات؛ فكل العوالق تهاجر، إلا أن بعضها يصنف على أنه من النباتات (العوالق النباتية)، بينما توجد أخرى ضمن مملكة الحيوان (العوالق الحيوانية). من ناحية أخرى، يوجد من يعتقدون أنه حتى النباتات الأرضية تقوم بنوع من الهجرة من أجل الوصول إلى مواقع إنبات جديدة،
4
ومع ذلك لم يهاجر أي نوع من الحيوانات على نطاق واسع مثل الإنسان؛ فقد جاب العالم بأكمله، فعلى عكس حوت العنبر في المحيط الهادئ، أو الظبي في منطقة سيرينجيتي، أو السنونو الذي يطير بين أوروبا وجنوب أفريقيا، لا يهاجر الإنسان لأسباب مناخية ؛ فالفضول يمثل حافزه الأساسي. كما توجد دوافع أخرى، مثل الهروب من الاضطهاد والرغبة في تحسين الوضع الاقتصادي. ويدور الفصل التالي حول هذه الأشياء مجتمعة.
ربما تقول إن بعض هذه الهجرات المذكورة لا تعتبر بحثا بشكل فعلي؛ لأن الحيوانات مبرمجة مسبقا، بفعل جيناتها، على الاحتشاد أو السباحة أو الطيران من مكان لآخر في الوقت المناسب. أنا أورد مثل هذه الاستجابات للظروف البيئية - الدوافع للبحث - على النحو ذاته الذي فسرت به استجابات النباتات والجراثيم للحوافز البيئية كأحد أشكال متابعة البحث؛ فالكائنات تسعى لزيادة فرصها في البقاء والتكاثر إلى أقصى حد. في حالة الحيوانات والإنسان، تكون الرؤية قاسما مشتركا.
5
بالإضافة إلى ذلك، يوجد بالتأكيد عنصر البحث النشط في هجرة الحيوانات. أولا: لا بد أن تكون أسلافها قد توصلت إلى الرحلات المناسبة التي تخوضها؛ فتبقى الأنواع التي نجحت على قيد الحياة، بينما تهلك الأنواع الأخرى. ثانيا: عند تغير الظروف المناخية، تستجيب الأنواع المهاجرة وفقا لهذه التغيرات؛ فتغير استراتيجيتها. ثالثا: تعثر معظم الأنواع المهاجرة على طريق للعودة بالضبط إلى موطنها الأصلي؛ فيعود السنونو إلى الركن نفسه في المنزل الريفي نفسه الذي تركه منذ 6 أشهر، وتشتهر السلاحف بأنها تترك أستراليا، وتسبح إلى كاليفورنيا وتعود منها (مسافة تبلغ 15 ألف ميلا)، ومع ذلك يظل بإمكانها العثور على الشاطئ نفسه الذي تركته منذ 30 سنة.
Shafi da ba'a sani ba