أو على يهودي منهم كان جاسوسا وأعقب بني إسرائيل مذلة وهوانا في الدنيا والآخرة فهذه العقوبة هي التي سماها الله تعالى مكرا في قوله ومكر الله وذلك مهيع أن تسمى العقوبة باسم الذنب وقوله والله خير الماكرين معناه فاعل حق في ذلك وذكر أبو القاسم القشيري في تجبيره قال سئل ميمون احسبه ابن مهران عن قوله تعالى ومكروا ومكر الله فقال تخليته إياهم مع مكرهم هو مكره بهم أه ونحوه عن الجنيد قال الفراء المكر من المخلوق الخب والحيلة ومن الإله الاستدراج قال الله تعالى سنستدرجهم من حيث لا يعلمون قال ابن عباس كلما احدثوا خطيئة أحدثنا لهم نعمة أه وقوله تعالى إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك الآية اختلف في هذا التوفي فقال الربيع هي وفاة نوم وقال الحسن وغيره هو توفى قبض وتحصيل أي قابضك من الأرض ومحصلك في السماء وقال ابن عباس هي وفاة موت ونحوه لمالك في العتبية وقال وهب بن منبه توفاه الله بالموت ثلاث ساعات ورفعه فيها ثم أحياه بعد ذلك وقال الفراء هي وفاة موت ولكن المعنى إني متوفيك في أخر أمرك عند نزولك وقتلك الدجال ففي الكلام تقديم وتأخير قال ع واجمعت الأمة على ما تضمنه الحديث المتواتر من أن عيسى عليه السلام في السماء حي وإنه ينزل في آخر الزمان فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويقتل الدجال ويفيض العدل ويظهر هذه الملة ملة محمد صلى الله عليه وسلم ويحج البيت ويعتمر ويبقى في الأرض أربعا وعشرين سنة وقيل أربعين سنة ثم يميته الله تعالى قال ع فقول ابن عباس هي وفاة موت لا بد أن يتمم أما على قول وهب بن منبه وإما على قول الفراء وقوله تعالى ورافعك إلى عبارة عن نقله من سفل إلى علو وإضافة الله سحبانه إضافة تشريف وإلا فمعلوم أنه سبحانه غير متحيز في جهة ومطهرك أي من دعاوى الكفر ومعاشرتهم وقوله وجاعل الذين اتبعوك الآية قال جمهور المفسرين بعموم اللفظ في المتبعين فتدخل في ذلك أمة محمد صلى الله عليه وسلم لأنها متبعة لعيسى قاله قتادة وغيره وكذلك قالوا بعموم اللفظ في الكافرين فمقتضى الآية إعلام عيسى عليه السلام أن أهل الإيمان به كما يجب هم فوق الذين كفروا بالحجة والبرهان والعز والغلبة ويظهر من عبارة ابن جريج وغيره أن المراد المتبعين له في وقت استنصاره وهم الحواريون وقوله تعالى ثم إلي مرجعكم خطاب لعيسى والمراد الإخبار بالقيامة والحشر وباقي الآية بين وتوفيه الأجور هي قسم المنازل في الجنة فذلك هو بحسب الأعمال وأما نفس دخول الجنة فبرحمة الله وتفضله سبحانه وقوله تعالى ذلك نتلوه عليك من الآيات الآية ذلك إشارة إلى ما تقدم من الأنباء ونتوله معناه نسرده ومن الآيات ظاهره آيات القرآن ويحتمل أن يريد من المعجزات والمستغربات أن تأتيهم بهذه الغيوب من قبلناوبسبب تلاوتنا والذكر ما ينزل من عند الله قال ابن عباس الذكر القرآن والحكيم الذي قد كمل في حكمته وقوله تعالى إن مثل عيسى عند الله الآية قال ابن عباس وغيره سبب نزولها محاجة نصارى نجران فى امر عيسى وقولهم يا محمد هل رأيت بشرا قط جاء من غير فحل أو سمعت به ومعنى الآية إن المثل الذي تتصوره النفوس والعقول من عيسى هو كالمتصور من آدم إذ الناس مجمعون علىأن الله تعالى خلقه من تراب من غير فحل وفي هذه الآية صحة القياس وقوله تعالى ثم قال ترتيب للإخبار لمحمد صلى الله عليه وسلم المعنى خلقه من تراب ثم كان من أمره في الأزل أن قال له كن وقت كذا وقوله تعالى الحق من ربك أي هذا هو الحق والممترين هم الشاكون ونهي النبي صلى الله عليه وسلم في عبارة اقتضت ذم الممترين وهذا يدل على أن المراد بالامتراء غيره ونهي عن الامتراء مع بعده عنه على جهة التثبيت والدوام على حاله وقوله تعالى فمن حاجك فيه أي في عيسى ويحتمل في الحق والعلم الذي أشير إليه بالمجيء هو ما تضمنته هذه الآيات المتقدمة وقوله فقل تعالوا استدعاء للمباهلة وتعالوا تفاعلوا من العلو وهي كلمة قصد بها أولا تحسين الأدب مع المدعو ثم اطردت حتى يقولها الإنسان لعدوه وللبهيمة ونبتهل معناه نلتعن ويقال عليهم بهلة الله والإبتهال الجد في الدعاء بالبهلة قال محمد بن جعفر بن الزبير وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا نصارى نجران إلى المباهلة قالوا دعنا ننظر في أمرنا ثم نأتك بما نفعل فذهبوا إلى العاقب وهو ذو رأيهم فقالوا يا عبد المسيح ما ترى فقال يا معشر النصارى والله لقد عرفتم أن محمدا النبي المرسل ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم ولقد علمتم ما لاعن قوم قط نبيا فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم وأنه الاستيصال إن فعلتم فإن أبيتم إلا إلف دينكم وما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم حتى يريكم زمن رأيه فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك وأن نبقى على ديننا وصالحوه على أموال وقالوا له ابعث معنا رجلا من أصحابك ترضاه لنا يحكم بيننا في أشياء قد اختلفنا فيها من أمولنا فإنكم عندنا رضي قال ع وفي ترك النصارى الملاعنة لعلمهم بنبوءة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم شاهد عظيم على صحة نبوته صلى الله عليه وسلم عندهم ودعاء النساء والأبناء أهز للنفوس وأدعى لرحمة الله للمحقين أو لغضبه على المبطلين وقوله تعالى إن هذا لهو القصص الحق الآية هذا خبر من الله تعالى جزم مؤكد فصل به بين المختصمين والإشارة بهذا هي إلى ما تقدم في أمر عيسى عليه السلام والقصص معناه الأخبار وقال ص إن هذا لهو هذا إشارة إلى القرآن أه واختلف المفسرون من المراد بأهل الكتاب هنا فروى قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم يهود المدينة وقال ابن زيد وغيره المراد نصارى نجران قال ع والذي يظهر لي أن الآية نزلت في وفد نجران لكن لفظ الآية يعمهم وسواهم من النصارى واليهود وقد كتب النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية إلى هرقل عظيم الروم وكذا ينبغي أن يدعى بها أهل الكتاب إلى يوم القيامة والكلمة هنا عند الجمهور عبارة عن الألفاظ التي تتضمن المعاني المدعو إليها وهي ما فسر بعد ذلك وهذا كما تسمى العرب القصيدة كلمة وقوله سواء نعت للكلمة قال قتادة وغيره معناه إلى كلمة عدل وفي مصحف ابن مسعود إلى كلمة عدل كما فسر قتادة قال ع والذي أقوله في لفظة سواء أنها ينبغي أن تفسر بتفسير خاص بها في هذا الموضع وهو أنه دعاهم إلى معان جميع الناس فيها مستوون وقوله ألا نعبد إلا الله هو في موضع خفض على البدل من كلمة أو في موضع رفع بمعنى هي ألا نعبد إلا الله واتخاذ بعضهم بعضا أربابا هو على مراتب اشدها اعتقادهم الألوهية وعبادتهم لهم كعزير وعيسى ومريم وادنى ذلك طاعتهم لأساقفتهم في كل ما أمروا به من الكفر والمعاصي والتزامهم طاعتهم شرعا م فإن تولوا أبو البقاء تولوا فعل ماض ولا يجوز ان يكون التقدير تتولوا لفساد المعنى لأن قوله فقولوا اشهدوا خطاب للمؤمنين وتولوا للمشركين أه وقوله فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون أمر بالإعلان بمخالفتهم ومواجهتهم بذلك واشهادهم عل معنى التوبيخ والتهديد وقوله تعالى يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم الآية قال ابن عباس وغيره اجتمعت نصارى نجران وأحبار يهود عند النبي صلى الله عليه وسلم فتنازعوا عنده فقالت الأحبار ما كان إبراهيم إلا يهوديا وقالت النصارى ما كان إبراهيم إلا نصرانيا فأنزل الله الآية ومعنى قوله تعالى فيما لكم به علم أي على زعمكم وفسرالطبري هذا الموضع بأنه فيما لهم به علم من جهة كتبهم وأنبيائهم مما ايقنوه وثبتت عندهم صحته قال ع وذهب عنه رحمة الله ان ما كان هكذا فلا يحتاج معهم فيه إلى محاجة لأنهم يجدونه عند محمد صلى الله عليه وسلم كما كان هناك على حقيقته قلت وما قاله الطبري ابين وهو ظاهر الآية ومن المعلوم أن أكثر احتجاجاتهم إنما كانت تعسفا وجحدا للحق وقوله تعالى ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا الآية أخبر الله تعالى في هذه الآية عن حقيقة أمر إبراهيم عليه السلام ونفى عنه اليهودية والنصرانية والإشراك ثم أخبر تعالى اخبارا مؤكذا أن أولى الناس بإبراهيم هم القوم الذين اتبعوه فيدخل في ذلك كل من اتبع الحنيفية في الفترات وهذا النبي يعني محمد صلى الله عليه وسلم لأنه بعث بالحنيفية السمحة والذين ءامنوا يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء على ما يجب ثم أخبر سبحانه أنه ولي المؤمنين وعدا منه لهم بالنصر في الدنيا والنعيم في الاخره روى عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لكل نبي ولاة من النبيين وإن وليي منهم أبي وخليل ربي إبراهيم ثم قرأ أن أولى الناس بإبراهيم الآية وقوله تعالى ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم قال مكي قيل أن هذه الآية عني بها قريظة والنضير وبنو قينقاع ونصارى نجران ص قوله تعالى ودت طائفة ود بمعنى تمنى ويستعمل معها أن ولو وربما جمع بينهما نحو وددت أن لو فعل ومصدره الودادة والاسم منه الود وبمعنى احب فيتعدى كتعدى احب ومصدره مودة والأسم منه ود وقد يتداخلان في الاسم والمصدر أه وقوله تعالى وما يضلون إلا أنفسهم إعلام بأن سوء فعلهم عائد عليهم وأنهم ببعدهم عن الإسلام هم الضالون ثم أعلم تعالى أنهم لا يشعرون بذلك أي لا يتفطنون ثم وقفهم تعالى موبخا لهم على لسان نبيه والمعنى قل لهم يا محمد لأي سبب تكفرون بآيات الله التي هي آيات القرآن وأنتم تشهدون ان أمره وصفة محمد في كتابكم قال هذا المعنى قتادة وغيره ويحتمل أن يريد بالآيات ما ظهر على يده صلى الله عليه وسلم من المعجزات قلت ويحتمل الجميع من الآيات المتلوة والمعجزات التي شاهدوها منه صلى الله عليه وسلم وقال ص وأنتم تشهدون جملة حالية ومفعول تشهدون محذوف أي أنها ايات الله أو ما يدل على صحتها من كتابكم أو بمثلها من آيات الأنبياء أه وقوله لم تلبسون معناه تخلطون تقول لبست الأمر بفتح الباء بمعنى خلطته ومنه قوله تعالى وللبسنا عليه ما يلبسون وفي قوله وأنتم تعلمون توقيف على العناد ظاهر وباقي الآية تقدم بيانه في سورة البقرة وقوله تعالى وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين أمنوا وجه النهار الآية اخبر رالله سحبانه في هذه الآية أن طائفة من اليهود من أحبارهم ذهبت إلى خديعة المسلمين بهذا المنزع قال قتادة وغيره قال بعض الأحبار لنظهر الإيمان بمحمد صدر النهار ثم لنكفر به آخر النهار فسيقول المسلمون عند ذلك ما بال هؤلاء كانوا معنا ثم انصرفوا عنا ما ذاك الا لانهم انكشفت لهم حقيقة في الأمر فيشكون ولعلهم يرجعون عن الإيمان بمحمد قال الإمام الفخر وفي أخبار الله تعالى عن تواطئهم على هذه الحيلة من الفائدة وجوه الأول أن هذه الحيلة كانت مخفية فيما بينهم فلما أخبر بها عنهم كان إخبارا بمغيب فيكون معجزا الثاني أنه تعالى لما أطلع المؤمنين على تواطئهم على هذه الحيلة لم يحصل لهذه الحيلة أثر في قلوب المؤمنين ولولا هذا الإعلام لأمكن تأثيرها في قلب من ضعف إيمانه الثالث أن القوم لما إفتضحوا في هذه الحيلة صار ذلك رادعا لهم عن الإقدام على أمثالها من الحيل والتلبيس أه وذكر تعالى عن هذه الطائفة من أهل الكتاب أنهم قالوا ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم ولا خلاف إن هذا القول هو من كلام الطائفة واختلف الناس في قوله تعالى أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم فقال مجاهد وغيره من أهل التأويل الكلام كله من قول الطائفة لأتباعهم وقوله تعال قل إن الهدى هدى الله اعتراض بين الكلامين قال ع والكلام على هذا التأويل يحتمل معاني أحدها ولا تصدقوا وتؤمنوا إلا لمن جاء بمثل دينكم حذارا أن يؤتى أحد من النبوءة والكرامة مثل ما أوتيتم وحذارا أن يحاجوكم بتصديقكم إياهم عند ربكم إذا لم تستمروا عليه وهذا القول على هذا المعنى ثمرة الحسد والكفر مع المعرفة بصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ويحتمل الكلام أن يكون معناه ولا تؤمنوا بمحمد وتقروا بنبوته إذ قد علمتم صحتها إلا لليهود الذين هم منكم وأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتيم صفة لحال محمد صلى الله عليه وسلم فالمعنى تستروا بإقراركم أن قد أوتي مثل ما أوتيتم أو فإنهم يعنون العرب يحاجونكم بالإقرار عند ربكم وقرأ ابن كثير وحده من بين السبعة آن يؤتى بالمد على جهة الاستفهام الذي هو تقرير وفسر أبو علي قراءة ابن كثير على أن الكلام كله من قول الطائفة إلا الاعتراض الذي هو قل إن الهدى هدى الله فإنه لا يختلف أنه من قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم قال فلا يجوز مع الاستفهام أن يحمل ان يؤتى على ما قبله من الفعل لأن الاستفهام قاطع فيجوز أن تكون أن في موضع رفع بالابتداء وخبره محذوف تقديره تصدقون أو تعترفون أو تذكرونه لغيركم ونحو هذا مما يدل عليه الكلام قال ع ويكون يحاجوكم على هذا معطوفا على أن يؤتى قال أبو علي ويجوز أن يكون موضع أن نصبا فيكون المعنى أتشيعون أو تذكرون أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ويكون ذلك بمعنى قوله تعالى عنهم أتحدثونهم بما فتح الله عليكم فعلى كلا الوجهين معنى الآية توبيخ من الأحبار للاتباع على تصديقهم بأن محمد صلى الله عليه وسلم نبي مبعوث قال ع ويكون قوله تعالى أويحاجوكم في تأويل نصب أن بمعنى أو تريدون أن يحاجوكم وقال السدي وغيره الكلام كله من قوله قل إن الهدى هدى الله إلى آخر الآية هو مما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أيقوله لأمته وحكى الزجاج وغيره أن المعنى قل إن الهدى هو هذا الهدى لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ومعنى الآية على قول السدي أي لم يعط أحد مثل حظكم وإلا فليحاجكم من أدعى سوى ذلك أويكون المعنى أو يحاجونكم على معنى الإزدراء باليهود كأنه قال أو هل لهم ان يحاجوكم أو يخاصموكم فيما وهبكم الله وفضلكم به وقال قتادة والربيع الكلام كله من قوله قل إن الهدى هدى الله إلى آخر الآية هو مما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أن يقوله للطائفة قال ع ويحتمل أن يكون قوله أن يوتى بدلا من قوله هدى الله قلت وقد أطالوا الكلام هنا وفيما ذكرناه كفاية وقوله تعالى قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم في الآية تكذيب لليهود في قولهم لن يؤتي الله أحدا مثل ما أتى بني إسرائيل من النبوءة والشرف وباقي الآية تقدم تفسير نظيره وقوله تعالى ومن أهل الكتاب من إن تامنه الآية أخبر تعالى عن أهل الكتاب أنهم قسمان في الأمانة ومقصد الآية ذم الخونة منهم والتفنيد لرأيهم وكذبهم على الله في استحلالهم أموال العرب قال الفخر وفي الآية ثلاثة أقوال الأول ان أهل الأمانة منهم الذين أسلموا أما الذين بقوا على اليهودية فهم مصرون على الخيانة لأن مذهبهم أنه يحل لهم قتل كل من خالفهم في الدين وأخذ ماله الثاني أن أهل الأمانة منهم هم النصارى وأهل الخيانة هم اليهود الثالث قال ابن عباس أودع رجل عبد الله بن سلام ألفا مائتي أوقية من ذهب فأدى إليه وأودع آخر فنحاصا اليهودي دينارا فخانه فنزلت الآية أه قال ابن العربي في أحكامه قال الطبري وفائدة هذه الآية النهي عن ائتمانهم على مال وقال شيخنا أبو عبدالله المغربي فائدتها أن لا يؤتمنوا على دين يدل عليه ما بعده في قوله وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب الآية والصحيح عندي أنها في المال نص وفي الدين تنبيه فافادت المعنيين بهذين الوجهين قال ابن العربي فالامانة عظيمة القدر في الدين ومن عظيم قدرها انها تقف على جنبتي الصراط لا يمكن من الجواز إلا من حفظها ولهذا وجب عليك أن تؤديها إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك فتقابل المعصية بالمعصية وكذلك لا يجوز أن تغدر من غدرك قال البخاري باب أثم الغادر للبر والفاجر أه والقنطار في هذه الآية مثال للمال الكثير يدخل فيه اكثر من القنطار وأقل وأما الدينار فيحتمل أن يكون كذلك مثالا لما قل ويحتمل أن يريد أن منهم طبقة لا تخون إلا في دينار فما زاد ولم يعن لذكر الخائنين في أقل إذ هم طغام حثالة ودام معناه ثبت وقوله قائما يحتمل معنيين قال قتادة ومجاهد والزجاج معناه قائما على اقتضاء حقك يريدون بانواع الاقتضاء من الحفز والمرافعة إلى الحاكم من غير مراعاة لهيئة هذا الدائم وقال السدي وغيره معنى قائما على رأسه وقوله ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل الآية الإشارة بذلك إلى كونهم لا يؤدون الأمانة أي يقولون نحن من أهل كتاب والعرب أميون أصحب أوثان فأموالهم لنا حلال متى قدرنا على شيء منها لا حجة علينا في ذلك ولا سبيل لمعترض وقوله تعالى ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ذم لبني إسرائيل بأنهم يكذبون على الله سبحانه في غير ما شيء وهم عالمون بمواضع الصدق قال ص وهم يعلمون جملة حالية أه ثم رد الله تعالى في صدر قولهم ليس علينا بقوله بلى أي عليهم سبيل وحجة وتباعة ثم أخبر على جهة الشرط إن أوفى بالعهد واتقى عقوبة الله في نقضه فإنه محبوب عند الله وقوله تعالى أن الذين يشترون بعهد الله الآية أية وعيد لمن فعل هذه الأفاعيل إلى يوم القيامة وهي أية يدخل فيها الكفر فما دونه من جحد الحق وختر المواثيق وكل يأخذ من وعيدها بحسب جريمته قال ابن العربي في أحكامة وقد أختلف الناس في سبب نزول هذه الآية والذي يصح من ذلك أن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف يمين صبر يقتطع بها مال أمري مسلم لقي الله وهو عليه غضبان فأنزل الله تصديق ذلك أن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا الآية قال فجاء الأشعث بن قيس فقال في نزلت كانت لي بير في أرض ابن عم لي وفي رواية كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني فقال النبي صلى الله عليه وسلم بينتك وذكر أو يمينه قلت إذا يحلف يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث اه وقوله تعالى وإن منهم لفريقا يلوون السنتهم بالكتاب الآية يلوون معناه يحرفون ويتحيلون لتبديل المعاني من جهة أشتباه الألفاظ واشتراكها وتشعب التأويلات كقولهم راعنا واسمع غير مسمع ونحو ذلك وليس التبديل المحض بلي وحقيقة اللي في الثياب والحبال ونحوها وهو فتلها واراغتها ومنه لي العنق ثم أستعمل ذلك في الحجج والخصومات والمجادلات والكتاب في هذا الموضع التوراة والضمير في تحسبوه للمسلمين قوله وما هو من عند الله نفي أن يكون منزلا من عند الله كما ادعوا وهو من عند الله بالخلق والاختراع والإيجاد ومنهم بالتكسب وقوله تعالى ما كان لبشر الآية معناه النفي التام لانا نقطع أن الله لا يؤتى النبوءة للكذبة والمدعين والكتاب هنا اسم جنس والحكم بمعنى الحكمة ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم أن من الشعر لحكما وقال الفخر هنا اتفق أهل اللغة والتفسير على أن هذا الحكم هو العلم قال تعالى وءاتيناه الحكم صبيا يعني العلم والفهم ا ه وثم في قوله ثم يقول معطية تعظيم الذنب في القول بعد مهلة من هذا الأنعام وقوله عبادا جمع عبد ومن جموعه عبيد وعبدي قال ع والذي استقريت في لفظة العباد أنه جمع عبد متى سيقت اللفظة في مضمار الترفيع والدلالة على الطاعة دون أن يقترن بها معنى التحقير وتصغير الشأن وأما العبيد فيستعمل في التحقير قال ص ونوقش ابن عطية بأن عبدي اسم جمع وتفريقه بين عباد وعبيد لا يصح ا ه قلت وقوله تعالى ءانتم أضللتم عبادي هؤلاء ونحوه يوضحه ا ه ومعنى الآية ما كان لأحد من الناس أن يقول اعبدوني واجعلوني إلها قال النقاش وغيره وهذه الإشارة إلى عيسى عليه السلام والآية رادة على النصارى وقال ابن عباس وجماعة من المفسرين بل الإشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسبب نزول الآية أن أبا رافع القرظي قال للنبي صلى الله عليه وسلم حين اجتمعت الأحبار من يهود والوفد من نصارى نجران يا محمد إنما تريد أن نعبدك ونتخذك إلها كما عبدت النصارى عيسى فقال الرئيس من نصارى نجران أو ذاك تريد يا محمد وإليه تدعونا فقال النبي ص - معاذ الله ما بذلك امرت ولا اليه دعوت فنزلت الآية قال بعض العلماء أرادت الأحبار أن تلزم هذا القول محمدا صلى الله عليه وسلم لما تلا عليهم قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني وإنما معنى الآية فاتبعوني فيما أدعوكم إليه من طاعة الله فحرفوها بتأولهم وهذا من نوع ليهم الكتاب بإلسنتهم قال الفخر وقال ابن عباس أن الآية نزلت بسبب قول النصارى المسيح ابن الله وقول اليهود عزيز ابن الله وقيل أن رجلا من المسلمين قال يا رسول الله أفلا نسجد لك فقال عليه السلام ما ينبغي السجود إلا لله قيل وقوله تعالى أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون يقوى هذا التأويل ا ه وقوله تعالى ولكن كونوا ربانيين الآية المعنى ولكن يقول كونوا ربانيين وهو جمع رباني قال قوم منسوب إلى الرب من حيث هو عالم ما علمه عامل بطاعته معلم للناس ما أمر به وزيدت فيه النون مبالغة وقال قوم منسوب إلى الربان وهو معلم الناس مأخوذ من رب يرب إذا أصلح وربى والنون أيضا زائدة كما زيدت في غضبان وعطشان وفي البخاري الرباني الذي يربى الناس بصغار العلم قبل كباره قال ع فجملة ما يقال في الرباني أنه العالم بالرب والشرع المصيب في التقدير من الأقوال والأفعال التي يحاولها في الناس وقوله بما كنتم معناه بسبب كونكم عالمين دارسين فما مصدرية وأسند أبو عمر بن عبد البر في كتاب فضل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال العلم علمان علم في القلب فذلك العلم النافع وعلم في اللسان فذلك حجة الله عز وجل على ابن أدم ومن حديث ابن وهب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلاك أمتي عالم فاجر وعابد جاهل وشر الشرار جبار العلماء وخير الخيار خيار العلماء ا ه وقرأ جمهور الناس تدرسون بضم الراء من درس إذا أدمن قراءة الكتاب وكرره وقرأ نافع وغيره ولا يأمركم برفع الراء على القطع قال سيبويه المعنى لا يأمركم الله وقال ابن جريج وغيره المعنى ولا يأمركم هذا البشر الذي أوتي هذه النعم وهو محمد صلى الله عليه وسلم وأما قراءة من نصب الراء وهو حمزة وغيره فهي عطف على قوله أن يوتيه الله المعنى ولا له أن يأمركم قاله أبو علي وغيره وهو الصواب لا ما قاله الطبري من أنها عطف على قوله ثم يقول والأرباب في هذه الآية بمعنى الآلهة وقوله تعالى وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما ءاتيناكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه المعنى واذكر يا محمد إذ فيحتمل أن يكون أخذ هذا الميثاق حين أخرج بني ءادم من ظهر ءادم نسما ويحتمل أن يكون هذا الأخذ على كل نبي في زمنه ووقت بعثه والمعنى أن الله تعالى أخذ ميثاق كل نبي بأنه ملتزم هو ومن ءامن به الإيمان بمن أتى بعده من الرسل والنصر له وقال ابن عباس إنما أخذ الله ميثاق النبيين على قومهم فهو أخذ لميثاق الجميع وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه لم يبعث الله نبيا آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في محمد صلى الله عليه وسلم لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه وأمره بأخذه على قومه ثم تلا هذه الآية وقاله السدي وقرأ حمزة لما بكسر اللام وهي لام الجر والتقدير لأجل ما آتيناكم إذ أنتم القادة والرؤوس ومن كان بهذه الحال فهو الذي يؤخذ ميثاقه وما في هذه القراءة بمعنى الذي والعائد إليها من الصله تقديره آتيناكموه ومن لبيان الجنس وثم جاءكم الآية جملة معطوفة على الصلة ولا بد في هذه الجملة من ضمير يعود على الموصول وإنما حذف تخفيفا لطول الكلام وتقديره عند سيبويه رسول به مصدق لما معكم واللام في لتؤمنن به هي اللام المتلقية للقسم الذي تضمنه أخذ الميثاق وفصل بين القسم والمقسم عليه بالجار والمجرور وذلك جائز وقرأ سائر السبعة لما بفتح اللام وذلك يتخرج على وجهين أحدهما أن تكون ما موصولة في موضع رفع بالابتداء واللام لام الابتداء وهي متلقية لما اجري مجرى القسم من قوله تعالى وإذ أخذ الله ميثاق النبيين وخبر الابتداء قوله لتؤمنن ولتؤمنن متعلق بقسم محذوف فالمعنى والله لتؤمنن قاله أبو علي وهو متجه بأن الحلف يقع مرتين والوجه الثاني أن تكون ما للجزاء شرطا فتكون في موضع نصب بالفعل الذي بعدها وهو مجزوم وجاءكم معطوف في موضع جزم واللام الداخلة على ما ليست الملتقية للقسم ولكنها الموطئة المؤذنة بمجيء لام القسم فهي بمنزلة اللام في قوله تعالى لئن لم ينته المنافقون لأنها مؤذنة بمجيء المتلقية للقسم في قوله لنغرينك بهم وكذلك هذه مؤذنة بمجيء المتلقية للقسم في قوله لتؤمنن وقرأ نافع وحده آتيناكم بالنون وقرأ الباقون آتيتكم بالتاء ورسول في هذه الآية اسم جنس وقال كثير من المفسرين هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى قال ءاقررتم وأخذتم على ذلكم اصري هذه الآية هي وصف توقيف الأنبياء عليهم السلام على إقرارهم بهذا الميثاق والتزامهم له وأخذتم في هذه الآية عبارة عما تحصل لهم من إيتاء الكتب والحكمة فمن حيث أخذ عليهم أخذوا هم أيضا وقال الطبري أخذتم في هذه الآية معناه قبلتم والأصر العهد لا تفسير له في هذا الموضع إلا ذلك وقوله تعالى فاشهدوا يحتمل معنيين احدهما فاشهدوا على اممكم المؤمنين بكم وعلى أنفسكم بالتزام هذا العهد قاله الطبري وجماعة والمعنى الثاني بثوا الأمر عند أممكم واشهدوا به وشهادة الله على هذا التأويل هي إعطاء المعجزات وإقرار نبوءاتهم هذا قول الزجاج وغيره قال ع فتأمل أن القول الأول هو إيداع الشهادة واستحفاظها والقول الثاني هو الأمر بأدائها وحكم تعالى بالفسق على من تولى من الأمم بعد هذا الميثاق قاله علي بن أبي طالب وغيره وقرأ أبو عمرو يبغون بالياء من أسفل مفتوحة وترجعون بالتاء من فوق مضمومة وقرأ عاصم بالياء من اسفل فيهما وقرأ الباقون بالتاء فيهما ووجوه هذه القراءات لا تخفى بادنى تأمل وتبغون معناه تطلبون قال النووي وروينا في كتاب ابن السني عن السيد الجليل المجمع على جلالته وحفظه وديانته وورعه يؤنس ابن عبيد بن دينار البصري الشافعي المشهور أنه قال ليس رجل يكون على دابة صعبة فيقول في إذنها أفغير دين الله تبغون وله اسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه ترجعون إلا وقفت بإذن الله تعالى وروينا في كتاب ابن السني عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة فليناد يا عباد الله احبسوا يا عباد الله احبسوا فإن لله عز وجل في الأرض حاضرا سيحبسها قال النووي حكى لي بعض شيوخنا أنه انفلتت له دابة اظنها بغلة وكان يعرف هذا الحديث فقاله فحبسها الله عليه في الحال وكنت أنا مرة مع جماعة فانفلتت منها بهيمة فعجزوا عنها فقلته فوقفت في الحال بغير سبب سوى هذا الكلام اه واسلم معناه استسلم عند الجمهور واختلفوا في معنى قوله طوعا وكرها فقال مجاهد هذه الآية كقوله تعالى ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله فالمعنى أن إقرار كل كافر بالصانع هو إسلام كرها ونحوه لأبي العالية وعبارته كل آدمي فقد أقر على نفسه بأن الله ربي وأنا عبده فمن أشرك في عبادته فهو الذي اسلم كرها ومن أخلص فهو الذي أسلم طوعا قال ع والمعنى في هذه الآية يفهم كل ناظر أن الكره خاص بأهل الأرض وقوله سبحانه أفغير دين الله توقيف لمعاصري نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الأحبار والكفار قوله تعالى قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم6 الآية المعنى قل يا محمد أنت وأمتك آمنا بالله الآية وقد تقدم بيانها في البقرة ثم حكم تعالى في قوله ومن يبتغ غير الإسلام الآية بأنه لا يقبل من آدمي دينا غير دين الإسلام وهو الذي وافق في معتقداته دين كل من سمي من الأنبياء عليهم السلام وهو الحنيفية السمحة وقال بعض المفسرين أن من يبتغ الآية نزلت في الحارث بن سويد قلت وعلى تقدير صحة هذا القول فهي تتناول بعمومها من سواه إلى يوم القيامة وقوله تعالى كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم الآيات قال ابن عباس نزلت هذه الآيات من قوله كيف يهدي الله في الحارث بن سويد الأنصاري كان مسلما ثم أرتد ولحق بالشرك ثم ندم فأرسل إلى قومه أن سلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم هل من توبة فنزلت الآيات إلى قوله إلا الذين تابوا فأرسل إليه قومه فأسلم قال مجاهد وحسن إسلامه وقال ابن عباس أيضا والحسن بن أبي الحسن نزلت في اليهود والنصارى شهدوا ببعث النبي صلى الله عليه وسلم وآمنوا به فلما جاء من العرب حسدوه وكفروا به ورجحه الطبري وقال النقاش نزلت في طعيمة بن ابيرق قال ع وكل من ذكر فألفاظ الآية تعمه وقوله تعالى كيف سؤال عن حال لكنه سؤال توقيف على جهة الاستبعاد للأمر فالمعنى أنهم لشدة هذه الجرائم يبعد أن يهيدهم الله جميعا وباقي الآية بين قال الفخر واستعظم تعالى كفر هؤلاء المرتدين بعد حصول هذه الخصال الثلاث لأن مثل هذا الكفر يكون كالمعاندة والجحود وهذا يدل على أن زلة العالم أقبح من زلة الجاهل اه وقوله تعالى إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا الآية قال ابو العالية رفيع الآية في اليهود كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بصفاته وإقرارهم أنها في التوراة ثم ازدادوا كفرا بالذنوب التي أصابوها في خلاف النبي صلى الله عليه وسلم من الافتراء والبهت والسعي على الإسلام وغير ذلك قال ع وعلى هذا الترتيب يدخل في الآية المرتدون اللاحقون بقريش وغيرهم وقال مجاهد معنى قوله ثم ازدادوا كفرا أي اتموا على كفرهم وبلغوا الموت به قال ع فيدخل في هذا القول اليهود والمرتدون وقال السدي نحوه ثم أخبر تعالى أن توبة هؤلاء لن تقبل وقد قررت الشريعة أن توبة كل كافر تقبل فلا بد في هذه الآية من تخصيص تحمل عليه ويصح به نفي قبول التوبة فقال الحسن وغيره المعنى لن تقبل توبتهم عند الغرغرة والمعاينة وقال أبو العالية المعنى لن تقبل توبتهم من تلك الذنوب التي أصابوها مع اقامتهم على كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم قال ع وتحتمل الآية عندي أن تكون إشارة إلى قوم باعيانهم من المرتدين وهم الذين اشار إليهم بقوله سبحانه كيف يهدي الله قوما فأجنر عنهم أنه لاتكون منهم توبة فيتصور قبولها فكانه أخبر عن هؤلاء المعينين أنهم يموتون كفارا ثم أخبر الناس عن حكم كل من يموت كافرا والملء ما شحن به الوعاء وقوله ولو افتدى به قال الزجاج المعنى لن يقبل من أحدهم انفاقه وتقرباته في الدنيا ولو أنفق ملء الأرض ذهبا ولو افتدى أيضا به في الآخرة لن يقبل منه قال فاعلم الله انه لا يثيبهم على اعمالهم من الخير ولا يقبل منهم الافتداء من العذاب قال ع وهذا قول حسن وقال قوم الواو زائدة وهذا قول مردود ويحتمل المعنى نفي القبول على كل وجه ثم خص من تلك الوجوه اليقها واحراها بالقبول وباقي الآية وعيد بين عافانا الله من عاقبة وختم لنا بما ختم به للصالحين من عباده وقوله تعالى لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون الآية خطاب لجميع المؤمنين فتحتمل الآية ان يريد لن تنالوا بر الله بكم أي رحمته ولطفه ويحتمل أن يريد لن تنالوا درجة الكمال من فعل البر حتى تكونوا أبرارا إلا بالإنفاق المنضاف إلى سائر أعمالكم قال ص قوله مما تحبون من للتبعيض تدل عليه قراءة عبد الله بعض ما تحبون أه قال الغزالي قال نافع كان ابن عمر مريضا فاشتهى سمكة طرية فحملت إليه على رغيف فقام سائل بالباب فأمر بدفعها إليه ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إيما امرىء اشتهى شهوة فرد شهوته وآثر على ففسه غفر الله له أه من الأحياء قال ع وبسبب نزول هذه الآية تصدق أبو طلحة بحائطه المسمى بيرحا وتصدق زيد بن حارثة بفرس كان يحبها وكان عبد الله بن عمر يشتهي أكل السكر باللوز فكان يشتري ذلك ويتصدق به قال الفخر والصحيح أن هذه الآية في إيتاء المال على طريق الندب لا أنها في الزكاة الواجبة وقوله سبحانه وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم شرط وجوب فيه وعد أي عليم مجاز به وأن قل وقوله تعالى كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل الآية إخبار بمغيب عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعلمه إلا الله علماء أهل الكتاب وحلا معناه حلالا والآية رد على اليهود في زعمهم أن كل ما حرموه على أنفسهم أنه بأمر الله تعالى في التوراة فأكذبهم الله تعالى بهذه الآية وقوله سبحانه إلا ما حرم إسرائيل على نفسه أي فهو محرم عليهم في التوراة لا هذه الزوائد التي افتروها وقال الفخر قوله تعالى من قبل ان تنزل التوراة المعنى أن قبل نزول التوراة كان حلالا لبني إسرائيل كل أنواع المطعومات سوى ما حرمه إسرائيل على نفسه فأما بعد نزول التوراة فلم يبق الأمر كذلك بل حرم الله عليهم أنواعا كثيرة بسبب بغيهم وذلك هو عين النسخ الذي هم له منكرون اه قال ع ولم يختلف فيما علمت أن سبب تحريم يعقوب ما حرمه على نفسه هو بمرض أصابه فجعل تحريم ذلك شكرا لله أن شفي وقيل هو وجع عرق النسا وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن عصابة من بني إسرائيل قالوا له يا محمد ما الذي حرم إسرائيل على نفسه فقال لهم أنشدكم بالله هل تعلمون أن يعقوب مرض مرضا شديدا فطال سقمه منه فنذر لله نذرا أن عافاه الله من سقمه ليحرمن أحب الطعام والشراب إليه وكان أحب الطعام إليه لحوم الإبل وأحب الشراب إليه البانها قالوا اللهم نعم قال ع وظاهر الأحاديث والتفاسير في هذا الأمر أن يعقوب عليه السلام حرم لحوم الإبل وألبانها وهو يحبها تقربا بذلك إذ ترك الترفة والتنعم من القرب وهذا هو الزهد في الدنيا وإليه نحا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقوله إياكم وهذه المجازر فإن لها ضراوة كضراوة الخمر ومن ذلك قول أبي حازم الزاهد وقد مر بسوق الفاكهة فرأى محاسنها فقال موعدك الجنة إن شاء الله وقوله عز وجل قل فأتوا بالتوراة الآية قال الزجاج وفي هذا تعجيز لهم وإقامة للحجة عليهم وقوله سبحانه فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك أي من بعد ما تبين له الحق وقيام الحجة فهو الظالم وقوله قل صدق الله أي الأمر كما وصف سبحانه لاكما تكذبون فإن كنتم تعتزون إلى إبراهيم فاتبعوا ملته على ما ذكر الله وقوله سبحانه إن أول بيت وضع للناس الذي ببكة الآية لا مرية أن إبراهيم عليه السلام وضع بيت مكة وإنما الخلاف هل هو وضع بدأة أو وضع تجديد وقال الفخر يحتمل أولا في الوضع والبناء ويحتمل ان يريد أو لا في كونه مباركا وهذا تحصيل المفسرين في الآية اه قال ابن العربي في أحكامه وكون البيت الحرام مباركا قيل بركته ثواب الأعمال هناك وقيل ثواب قاصديه وقيل أمن الوحش فيه قيل عزوف النفس عن الدنيا عند رؤيته قال ابن العربي والصحيح عندي أنه مبارك من كل وجه من وجوه الدنيا والآخرة وذلك بجميعه موجود فيه اه قال مالك في سماع ابن القاسم من العتبية بكة موضع البيت ومكة غيره من المواضع قال ابن القاسم يريد القرية قلت قال ابن رشد في البيان أرى مالكا أخذ ذلك من قول الله عز وجل لأنه قال تعالى في بكة أن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهو إنما وضع بموضعه الذي وضع فيه لا فيما سواه من القرية وقال في مكة وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة وذلك إنما كان في القرية لا في موضع البيت اه وقوله سبحانه فيه أي في البيت آيات بينات قال ع والمترجح عندي ان المقام وأمن الداخل جعلا مثالا مما في حرم الله من الآيات وخصا بالذكر لعظمهما مقام إبراهيم هو الحجر المعروف قاله الجمهور وقال قوم البيت كله مقام إبراهيم وقال قوم الحرم كله مقام إبراهيم والضمير في قوله ومن دخله عائد على البيت في قول الجمهور وعائد على الحرم في قول من قال مقام إبراهيم هو الحرم وقوله كان آمنا قال الحسن وغيره هذه وصف حال كانت في الجاهلية إذا دخل أحد الحرم امن فلا يعرض له فأما في الإسلام فإن الحرم لا يمنع من حد من حدود الله وقال يحيى بن جعدة معنى الآية ومن دخل البيت كان آمنا من النار وحكى النقاش عن بعض العباد قال كنت أطوف حول الكعبة ليلا فقلت يا رب أنك قلت ومن دخله كان آمنا فمما ذا هوآمن فسمعت مكلما يكلمني وهو يقول من النار فنظرت وتأملت فما كان في المكان أحد قال ابن العربي في أحكامه وقول بعضهم ومن دخله كان آمنا من النار لا يصح حمله على عمومه ولكنه ثبت ان من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة قال ذلك كله رسول الله صلى الله عليه وسلم اه وقوله تعالى ولله على الناس حج البيت الآية هو فرض الحج في كتاب الله بإجماع وقرأ حمزة والكساءي وحفص عن عاصم حج البيت بكسر الحاء وقرأ الباقون بفتحها فبكسر الحاء يريدون عمل سنة واحدة وقال الطبري هما لغتان الكسر لغة نجد والفتح لغة أهل العالية وقوله سبحانه من استطاع إليه سبيلا من في موضع خفض بدل من الناس وهو بدل البعض من الكل وقال الكساءي وغيره هي شرط في موضع رفع بالابتداء والجواب محذوف تقديره فعليه الحج ويدل عليه عطف الشرط الآخر بعده في قوله ومن كفر وأسند الطبري إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من ملك زادا وراحله فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا وذهب جماعة من العلماء إلى أن قوله سبحانه من استطاع إليه سبيلا كلام عام لا يتفسر بزاد ولا راحلة ولا غير ذلك بل إذا كان مستطيعا غير شاق على نفسه فقد وجب عليه الحج وإليه نحا مالك في سماع أشهب وقال لا صفة في هذا ابين مما قال الله تعالى وهذا انبل الأقوال وهذه من الأمور التي يتصرف فيها فقه الحال والضمير في إليه عائد على البيت ويحتمل على الحج وقوله سبحانه ومن كفر فإن الله غني عن العالمين قال ابن عباس وغيره المعنى من زعم أن الحج ليس بفرض عليه وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ هذه الآية فقال رجل من هذيل يا رسول الله من تركه كفر فقال له النبي صلى الله عليه وسلم من تركه لا يخاف عقوبته ومن حجة لا يرجو ثوابه فهو ذلك وقال بمعنى هذا الحديث ابن عباس وغيره وقال السدي وجماعة من أهل العلم معنى الآية من كفر بأن وجد ما يحج به ثم لم يحج قال السدي من كان بهذه الحال فهو كافر يعني كفر معصية ولا شك أن من أنعم الله عليه بمال وصحة ولم يحج فقد كفر النعمة وقال ابن عمر وجماعة معنى الآية ومن كفر بالله واليوم الآخر قال الفخر والأكثرون هم الذين حملوا الوعيد على من ترك اعتقاد وجوب الحج وقال الضحاك لما نزلت آية الحج فأعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك اهل الملل وقال أن الله تعالى كتب عليكم الحج فحجوا فآمن به المسلمون وكفر غيرهم فنزلت الآية قال الفخر وهذا هو الأقوى والله أعلم اه ومعنى قوله تعالى غني عن العالمين الوعيد لمن كفر والقصد بالكلام فإن الله غني عنهم ولكن عمم اللفظ ليبرع المعنى تنتبه الفكر لقدرته سبحانه وعظيم سلطانه واستغنائه عن جميع خلقه لا رب سواه وقوله عز وجل قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله والله شهيد على ما تعلمون هذه الآيات توبيخ لليهود المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم والكتاب التوراة وآيات الله يحتمل أن يريد بها القرءان ويحتمل العلامات الظاهرة على يدي النبي صلى الله عليه وسلم وقوله سبحانه والله شهيد على ما تعملون وعيد محض قال الطبري هاتان الآيتان قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله وما بعدهما إلى قوله فاولائك لهم عذاب عظيم نزلت بسبب رجل من اليهود حاول الإغراء بين الأوس والخزرج قال ابن إسحاق حدثني الثقة عن زيد بن أسلم قال مر شاس بن قيس اليهودي وكان شيخا قد عسا في الجاهلية عظيم الكفر شديد الضغن على المسلمين والحسد لهم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج وهم في مجلس يتحدثون فغاظه ما رآه من جماعتهم وصلاح ذات بينهم بعد ما كان بينهم من العداوة فقال قد أجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد والله مالنا معهم إذا اجتمع ملأهم بها من قرار فأمر فتى شابا من يهود فقال أعمد إليهم واجلس معهم وذكرهم يوم بعاث وما كان قبله من أيام حربهم وأنشدهم ما قالوه من الشعر في ذلك ففعل الفتى فتكلم القوم عند ذلك فتفاخروا وتنازعوا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب أوس بن قيظي من الأوس وجبار بن صخر من الخزرج فتقاولا ثم قال أحدهما لصاحبه إن شئتم والله رددناها الآن جذعة فغضب الفريقان وقالوا قد فعلنا السلاح السلاح موعدكم الظاهرة يريدون الحرة فخرجوا إليها وتحاوز الناس على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية وبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين فقال يا معشر المسلمين الله الله ابدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ووعظهم فعرف القوم أنها نزعة من الشيطان فالقوا السلاح وبكوا وعانق الناس بعضهم بعضا من الأوس والخزرح وانصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين فأنزل الله في شاس بن قيس وما صنع هذه الآيات وقال الحسن وغيره نزلت في أحبار اليهود الذين يصدون المسلمين عن الإسلام ويقولون أن محمدا ليس بالموصوف في كتابنا قال ع ولا شك في وقوع هذين الشيئين وما شاكلهما من افعال اليهود وأقوالهم فنزلت الآيات في جميع ذلك ومعنى تبغون أي تطلبون لها الاعوجاج والانفساد وأنتم شهداء يريد جمع شاهد على ما في التوراة من صفة النبي صلى الله عليه وسلم وصدقه وباقي الآية وعيد وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين الآية خطاب عام للمؤمنين والإشارة بذلك وقت نزوله إلى الأوس والخزرج بسبب نائرة شاس بن قيس قال ص قوله تعالى يردوكم بعد إيمانكم كافرين رد بمعنى صير فيتعدى إلى مفعولين الأول الكاف والثاني الكافرين كقوله ... فرد شعورهن السود بيضا ... ورد وجوههن البيض سودا ...
Shafi 294