بلفظ آخر مستقل بمعنى ما أمروا به، لم يؤاخذوا به، كما لو قالوا: مكان حطة نستغفرك ونتوب إليك، أو اللَّهم اعف عنا، وما أشبه ذلك (١).
ثم بيّن ﷾ أنَّه خص المبدلين بالعقاب نعمة منه، فقال: ﴿فأنزلنا على الذين ظلموا﴾، زيادة في تقبيح أمرهم، وإيذانًا بأن أنزل الرجز عليهم لظلمهم، والرجز: العذاب، وأخرج ابن جرير الطبري: أنهم هلكوا بذلك الرجز، ولم يبق منهم إلَّا الأبناء، ففيهم الفضل والعبادة والخير التي توصف في بني إسرائيل، وهلك الآباء كلهم. وقوله: ﴿بما كانوا يفسقون﴾ معناه: بما كانوا يتركون طاعة الله تعالى، فيخرجون عنها إلى معصيته، وخلاف أمره.
ولما بيّن تعالي نعمته عليهم بالإمكان من القرية، بالنصر على أهلها، والتمتع بمنافعها، وختمه بتعذيبهم، أتبعه التذكير بنعمته عليهم في البرية بما يبرد الأكباد، ويحيي الأجساد، مذكرًا لهم بقدرة الصانع، فقال:
﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٦٠)﴾.
لما عطشوا في التيه، دعا لهم موسى ﵇ بالسُقيا، والمعنى: ﴿وإذ﴾ استسقانا ﴿موسى﴾، أي: سألنا أن نسقي قومه ماء، فترك ذكر المسؤول لدلالة الكلام عليه، ﴿فقلنا﴾ له: ﴿اضرب بعصاك الحجر﴾ فضربه، ﴿فانفجرت﴾، فترك ذكر الخبر عن ضرب موسى الحجر، إذ كان فيما ذكر دلالة على المراد منه، وللمفسرين في بيان الحجر أقوال كثيرة، وليس على شيء منها دليل، غاية الأمر أن الله تعالى أخبر أنَّه قال لموسى ﵇: اضرب بعصاك الحجر، ولو كان لنا حاجة في بيانه لبينه تعالى.