ﷺ، كَمَا بَعَثَ الْمَسِيحَ وَغَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَتْ رِسَالَتُهُ أَكْمَلَ وَأَشْمَلَ كَمَا نَذْكُرُ فِي مَوْضِعِهِ، فَأَمَرَهُ بِتَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ إِلَى طَائِفَةٍ بَعْدَ طَائِفَةٍ، وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِ الْأَقْرَبِ مِنْهُ مَكَانًا وَنَسَبًا، ثُمَّ بِتَبْلِيغِ طَائِفَةٍ بَعْدَ طَائِفَةٍ ; حَتَّى تَبْلُغَ النِّذَارَةُ إِلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعام: ١٩] .
أَيْ مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ فَكُلُّ مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ فَقَدْ أَنْذَرَهُ مُحَمَّدٌ ﷺ.
وَنُبَيِّنُ هُنَا أَنَّ النِّذَارَةَ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِمَنْ شَافَهَهُمْ بِالْخِطَابِ، بَلْ يُنْذِرُهُمْ بِهِ وَيُنْذِرُ مَنْ بَلَغَهُمُ الْقُرْآنُ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ ﵎ أَوَّلًا بِإِنْذَارِ عَشِيرَتِهِ الْأَقْرَبِينَ وَهُوَ قُرَيْشٌ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [الشعراء: ٢١٤] .
وَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ انْطَلَقَ ﷺ إِلَى مَكَانٍ عَالٍ فَعَلَا عَلَيْهِ، ثُمَّ جَعَلَ يُنَادِي: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ إِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ رَأَى الْعَدُوَّ فَانْطَلَقَ يُرِيدُ أَهْلَهُ فَخَشِيَ أَنْ يَسْبِقُوهُ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ يَا صَبَاحَاهُ يَا صَبَاحَاهُ» .