ومما سألت عنه وأحببت الجواب فيه؛ ما كان من مجيء كبراء أهل صنعاء إلينا ومشائخهم، وما سألونا من التقدم إليهم والمصير إلى بلدهم، فاخبرناهم بقلة ذات اليد، وأنا لا نطيق الإنفاق على العسكر(1)، ولا نجد إلى ذلك سبيلا، فذكروا أنهم يعينون ويجتهدون، وأن أهل البلد على ذلك مجمعون.
فلما صرنا إليهم كتب على الناس على قدر طاقتهم، بل دون طاقتهم ودونها ، فكتب على صاحب العشرة آلاف مائة، وعلى صاحب العشرين ألفامائتان، وعلى صاحب الخمسين ديناران، وعلى صاحب الثلاثين دينار. وشبيها بذلك. فكلهم إلى ذلك مسارع، وكلهم رأى فيه المنفعة لنفسه في ماله وحرمته.
وقد علمت كيف كان فعل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه حين دخل البصرة بعد حرب طلحة والزبير، فوجد في بيوت الأموال من أهل البصرة مالا كثيرا؛ من الفي الذي هو للصغير والكبير، والمرأة والرجل، والطفلة والطفل، فدعا كبراء البلد ووجوه أهله؛ ثم قال لهم: إن في بيت مالكم مالا، وبأصحابي حاجة شديدة، فأطلقوا لي حتى أقسمه على أصحابي دونكم، ففعلوا وأطلقوا له قسمه على أصحابه دونهم، فقسمه على أصحابه؛ فوقع لكل إنسان منهم خمسمائة درهم قفله. ولم يدع أوساط الناس، ولا النساء ولا الصبيان، ولا كل من يملكه، واجتزى برأي كبرائهم، إذ كان في ذلك صلاح لهم ، ومنفعة لبلدهم، وعايدة في العاقبة عليهم، فافهم هذا المعنى.
وسنشرح لك في ذلك حجة أخرى قوية، نيرة بينة عند أهل العلم والفهم واضحة.
Shafi 765