Janƙun Ƙasansu
الجنقو مسامير الأرض
Nau'ikan
قالت أداليا دانيال: أبيت أبيع ليهم مسجلاتي، أدوني سعر رخيص جدا، ولا الخسارة اللي خسرتها فيهم، وأضافت بعد أن ضحكت ضحكا يشبه الهيستيريا، قل إنه نوع من البكاء: هم اللي قالوا لي: خلي راجلك يتطهر، «تقصد يختتن.»
ولكن ما أدلى به أبرهيت المتحفظ دائما، المتشكك فيما حوله الغامض، الذي لا يغلط على أحد، كان المدهش، قال موجها حديثه لي: هم اللي خربوا بيتك، هم اللي ضيعوا ألم قشي، أغروها بالذهب والمال، أنت شخص غير مرغوب فيه هنا، عايزينك تفوت أو تموت، اعمل حسابك؛ لأنك أنت المتهم بتحريض الجنقو، ودفع صديقك الشايقي على الخروج عن القانون.
ولأول مرة تخرج ندوة بلا شيء؛ لأنها خمنت بما يشبه التقرير عن أنشطة البنك ملخصه: ما لم يقل الفكي كلمته، فإنه لا حقيقة يمكن اعتمادها، لكن على هامش الندوة دار حديث سري مفاده أن الفكي علي هو الذي مكنهم من الناس، هو الذي سخر شياطينه، وآياته، ومحايته، وعروقه، وكتبه الصفراء، وجلجلوتيته، وشمس معارفه الكبرى، وتبيانه، وسحره الأخضر والأحمر والأسود لمصلحة موظفي البنك؛ لأنهم يدفعون له أكثر؛ لأن الفكي علي بإمكانه تدميرهم جميعا، وخاصة أن ألم قشي عرفته بأسماء أمهاتهم جميعا، عن طريق مهارات استخدمت فيها مكر النساء، دهاء الرجال وخبث ود أمونة، والجميع يعرف أن الفكي علي ذهب إلى مدينة باسوندا، وقضى أسبوعين كاملين بها، وباسوندا هي المدينة التي توجد فيها خزنة أسرار علم الشجر في الكون كله؛ أو ما يسمى بالسحر الأخضر، وهي المدينة التي قيل في شأنها هنا في الشرق: إذا ناس باسوندا أبوك ناس الترب نادوك.
ود أمونة وحده الذي يلم بأطراف القوالات
ود أمونة المراسلة بالبنك وحده الذي يلم بأطراف القوالات والحقائق، وربما كان أحد صانعي الأحداث الكبرى في الحلة، كان الموظفون يولونه اهتماما بالغا، بل يصل لحد التدليل ، وما ذلك إلا لقوة المعلومة، وسلطة المعرفة النادرة التي يتمتع بها، أو ما يحلو للبعض أن يطلق عليه: المعرفة السريرية.
كانت أمه أمونة في بداية حياتها، عندما قدمت من القضارف، التي جاءتها كما يقولون من أقاصي غرب السودان، تعمل في المشاريع مع الجنقو، كانت تأخذه معها وهو صغير إلى المشاريع، ومثل أطفال صديقاتها تتركه تحت ظل ضيق من القصب والعدار، فارشة له على الأرض ملاءة قديمة عليها بعض البلح، أو قطعة حلوى يشاركه فيها الذباب والنمل، وقد تعلم ود أمونة منها درسه الأول: الصبر من النمل، والخسة من الذباب، في بلد يكبر الأطفال فيه سريعا، إذا لم يموتوا وهم دون الخامسة، أو في بطون أمهاتهم، تربى وسط ثلاث بنات كلهن أصغر منه عمرا، أخوات أمه لحقن بها بعد أشهر قليلات من إقامتها بالحلة، استقر المقام بهن في المملكة العربية السعودية، لقد بهرن بجمالهن، وشبابهن، ونضجهن، قاماتهن، ولونهن، امرأة تعمل بالكرنتينة بجدة، تجيد استثمار الصبيات ولو كن قاصرات، ولكن التاية أقنعت أمونة بأن من مصلحتهن أن يكبرن هنالك، وهي تعرف كيف تصنع منهن ربات جمال، وهن في هذا العمر.
التربية الجيدة في الصغر هي ضمان النجاح في الكبر، وأن يكبرن على عز ورفاهية خير من أن يعشن في هذا الذل يوما واحدا آخر، وسوف تجد لهن العمل المريح الشريف الذي يتناسب مع أعمارهن؛ من ثم حالما غادرن الأسرة، ولم يسمع لهن صوت، ولسوف لن يسمع أصواتهن ود أمونة، إلا بعد سنوات من سفرهن، أي عندما يتم افتتاح شركة الاتصالات رسميا بالحلة، إذا يمكن القول إن ود أمونة لم يعش بصورة متواصلة إلا مع أمه وجها لوجه، أمونة امرأة جميلة من كردفان، وهو المكان الذي دائما ما تطلق عليه هي: أقصي الغرب، ليس من السهل أن نصدق كل ما نسمعه ويحكى عنها وعن أصلها، ولا يمكن القطع عن المهن التي تنقلت إليها ولا الرجال، ولكن عرف عنها أنها مترددة سجون، ويترصدها بعض العسكر الذين يرجون منها وطرا وتصدهم، وهي أيضا امرأة شرسة وشجاعة : ألم نقل إنها جميلة أيضا؟ ومن المؤكد أن ود أمونة لم يرث من أمه شيئا سوى لون بشرتها، هذا إذا لم يكن أبوه هو اليماني، ويقول الناس من المفترض أن ينمو ود أمونة نموا رجوليا بحتا؛ نسبة للظروف القاسية التي عاشها مع أمه في السجن وفي المشاريع، ولكن لله في خلقه شئون، ولكن ووفقا للحكمة القديمة القائلة: النار تلد الرماد، فإن لا أحد يستبعد أن أمونة هي أم ود أمونة! قبل عمله في البنك كمراسلة كان يعمل بمنزل الأم أدي في مهنتين؛ خدمة الأم والنساء العاملات معها في المراسيل السريعة، مثل: جلب الدقيق من الطاحونة، شراء رطل سكر وبن من الدكان، خدمة الزبائن والضيوف، تسخين الماء، وجلب الحطب، وأيضا كان يعمل في هوايته المفضلة هي: عواسة وصنع الكسرة، وهي مهن شريفة إذا قيست بطريقة أو أخرى، ولكنه أيضا كان يعمل في مهنة ليست شائعة، وفي تقدير كثير من الناس ليست شريفة، وهي: نظافة الملاين لكبار الموظفين، والتجار، والنساء الثريات.
كان وسيما نظيفا أنيقا في ملبسه البسيط، له شارب كثيف شديد السواد، وذقن حليقة باتقان تام، تجده في كل البيوت في المناسبات، وفي غير المناسبات، ويعتبر الفرد الوحيد الذي يحق له دخول أي منزل في الحلة وقتما شاء، كان خفيفا كالروح، طيبا مسالما، مغنيا بارعا، خاصة لأغاني البنات، يجيد رسم الحناء للنساء، وترقيص العروس، وذلك منذ أن كان في السادسة عشرة، له ابتسامة لا تفارقه دائما، كان يعرف كل صغيرة وكبيرة عن كل صغير وكبير، ولا يبخل بسر، ولا يحفظ سرا، ولا يخفى عليه سر، بالأمس، الآن، وربما في المستقبل، استلطفه البنكيون فاستخدم لخدمتهم في البنك كمراسلة، بترشيح من ألم قشي، أما الآن فود أمونة شخص مختلف قليلا عنه قبل الوظيفة، وربما لطبيعة العمل الجديد، وأنه يقضي ثماني ساعات يوميا طالع نازل سلالم البنك، حيث أصبحت له اهتمامات أخرى إضافية، مثل التلصص على حسابات العملاء، ومعرفة من يمتلك كم، سحب كم، ورد كم؟ وهي لشخص غير ود أمونة تعتبر مهمة صعبة ، ولكن لشبه الأمي هذا، الذي لم ينل من فصول العلم سوي شهور ضئيلة يسرتها له العازة في أيام حريتها القلائل، من الحيل ما يمكنه دائما من إشباع طموحه للمعرفة التي يحتاج إليها في ونساته الليلية في بيت الأم، أو مع النساء في بيوتهن، أو حتى لتحلية نظافة الملاين لرجل ما؛ حيث إن العمل غير شائق فلا بد من تسويقه بحيل مدهشة: عارف الليلة الجلابي حسين خت كم في البنك؟
ولكن ود أمونة شخص ماكر؛ فإنه يعرف متى تصبح معرفة رصيد العملاء تجارة رائجة، ويعرف من بإمكانه دفع مبلغ كبير في الحصول عليها، كالدائنين، وأقارب الأثرياء، أما المعرفة التي تجعله يشعر بمتعة الونسة، وعظمة وسلطة المعلومة ويهبها مجانا، ويستطيع أن يدفع مقابل أن ينتصت إليه باهتمام، وأن يعلق بإعجاب على كلامه هي: المعلومات السريرية؛ فلان وفلانة، وكم اشترى مريسة، وعسلية للفدادة، وكم علبة سجائر برنجي قسمت للنساء، وكم من المشويات بذلت في سبيل قعدة، وونسة حلوة، يستعرض فيها ود أمونة بمعلوماته السريرية النادرة، التي قد يقع أحد المستمعين يوما ما ضحية لها، قد يكون مكان وزمان الونسة فيما يشبه الندوة، ولكن هكذا يقول الجميع: الونسة علاج الزهج.
ولكن الصفة غير الحميدة حقا هي القطيعة، والنميمة، وهي من صفات ود أمونة، التي لا يحسد عليها، وهي أيضا بمقابل؛ حيث يدفع الرماليون، والوداعيون، والفكيا الكذبة، مبالغ كبيرة في سبيل الحصول على معلومات عن مرضاهم: ماذا يدور في أذهانهم؟ من الذي يشكون أنه سبب مرضهم؟ ما هو تصورهم للعلاج؟ بل ما وجهة نظرهم في المداوي نفسه؟ لا زال ود أمونة رغم انشغاله وفيا لأدي، ويقدم لها خدمة نظافة ملاين شهرية مجانية، كان كان كثيرا يردد أن لأدي أحلى عبق ملاين خاصة ما بين الساقين؛ حيث إنه دائما ما يفرق بين الناس بما تفرزه ملاينهم من روائح ويقول: الزول ريحته منو وفيه، والريحة الحلوة قسمة من الله.
Shafi da ba'a sani ba