84

وتحدث من شهد موت جميل بمصر أن جميلا دعاه فقال: هل لك في أن أعطيك كل ما أخلفه على أن تفعل شيئا أعهده إليك! ... إذا أنا مت فخذ حلتي هذه التي في عيبتي فاعزلها جانبا، ثم كل شيء سواها لك، وارحل إلى رهط بني الأحب من عذرة، فإذا صرت إليهم فارتحل ناقتي هذه واركبها، ثم البس حلتي هذه واشققها، ثم اعل على شرف وصح بهذه الأبيات:

صرح النعي وما كنى بجميل

وثوى بمصر ثواء غير قفول

إلى آخر الأبيات الثلاثة المتقدمة.

قال الرجل: فلما واريته أتيت رهط بثينة ففعلت ما أمرني به جميل، فما استتمت الأبيات حتى برزت إلي امرأة يتبعها نسوة قد فرعتهن طولا وبرزت أمامهن كأنها بدر قد برز في دجنة وهي تتعثر في مرطها حتى أتتني فقالت: يا هذا! والله لئن كنت صادقا لقد قتلتني، ولئن كنت كاذبا لقد فضحتني!

قلت: والله ما أنا إلا صادق، وأخرجت حلته. فلما رأتها صاحت بأعلى صوتها وصكت وجهها، واجتمع نساء الحي يبكين معها ويندبنه حتى صعقت فمكثت مغشيا عليها ساعة، ثم قامت وهي تقول:

وإن سلوي عن جميل لساعة

من الدهر لا حانت ولا حان حينها

سواء علينا يا جميل بن معمر

إذا مت بأساء الحياة ولينها (11) مختارات من شعره

Shafi da ba'a sani ba