وهذا هو الفرق بين القيود التي يفرضها «الهوى» والقيود التي يفرضها الرأي أو المصلحة.
فالتدخين «هوى» من البداية إلى النهاية، وعندما يبدأ الإنسان في تعود التدخين يكون قد بدأ في الهوى أو أراد الهوى إن صح هذا التعبير، وليس كذلك من يتناول الدواء أو يتناول الطعام، أو يتناول حتى اللون المحبوب لديه من ألوان الطعام.
وتعطيل الإرادة أصيل في الهوى كله ولا سيما الهوى الذي نسميه بالعشق أو نسميه بالغرام؛ لأن المرء يرتبط فيه بإرادة شخص آخر، فهو مقيد بهذا الارتباط الذي لا تتفق فيه الإرادتان في جميع الأحيان.
ثم يتقيد الشخصان معا بإرادة النوع كله أو بالإرادة القاهرة التي تتمثل في الغريزة النوعية، وتتغلب كثيرا على إرادة العاشقين، وإن اتفقا على حالة من الحالات.
ثم يتقيدان بالعرف الذي يفرضه المجتمع وتفرضه الآداب والأخلاق فوق ما تفرضه الطبيعة من طريق الغريزة النوعية.
ثم يتقيدان بظروف المعيشة وأحوال الدنيا التي تتاح على وفاق الهوى أو لا تتاح.
فإذا تميز العشق بين سائر العلاقات الإنسانية بخاصة من الخواص الظاهرة، فأكبر ما يتميز به هذا التقييد الشديد لإرادة العاشق من جملة نواحيه.
وقد يبلغ به هذا التقييد لإرادته أن يحول بينه وبين فهم إرادته فلا يعلم ماذا يريد فضلا عن أن يعلمه ويعجز عنه، فإذا به قد انقسم على نفسه كما ينقسم المعسكر الواحد إلى ضدين متحاربين، ولا غنيمة لأحد منهما في الانتصار؛ إذ هو انتصار لا يخلو في الحالتين من خسار.
وينتهي به الأمر إلى البقاء على حاله عجزا عن تغييره لا سرورا به ولا رغبة فيه، فهو لا يتعلق بمعشوقه؛ لأنه راض عن هذه العلاقة، يلتذها ويتشهاها ويتذوق النعمة والهناءة فيها، ولكنه يتعلق به؛ لأنه عاجز عن فراقه، مقيد بضروب من العادات والوساوس لا حيلة له فيها ولا قدرة له عليها.
ومثله في ذلك مثل المدمن الذي يتعاطى السموم ولا يجهل بلواها، ولكنه يقلع عنها فلا يقر له قرار، فيمضي فيها وهو كاره لها يبحث ما استطاع عن سبيل النجاة.
Shafi da ba'a sani ba