لست عليهم بمسيطر ،
وما أنت عليهم بوكيل .
واسمعوا ماذا يقول في خطابه للمؤمنين:
يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم .
كل هذا إشارة إلى أن لا حكم للإرادة على الإرادة وإنما الحكم للعقل والوجدان، فحرية الوجدان هي التي يقاتل من أجلها الروس، وقاتل من أجلها الفرنساويون، وكل أمم أوروبا، وهي التي كانت أساس الدعوة في دينكم، أي التبليغ كما رأيتم في الآيات، وإنما أضلكم عنها وترككم صرعى دونها حكم الأفراد الذي هو بطبيعته قاتل للوجدان خاذل للنفوس مانع من ترقي العقول وتلمس طرق العلم الصحيح، فلتعلموا إذن أن حكم الأشخاص إذا استمر سائدا على المسلمين فليس هو بأقل خطرا على حياتهم السياسية من هجمات الأوروبيين وصدمات الفاتحين، بل هو ممهد له داع في القريب العاجل إليه.
إذا تقرر هذا فنصيحتي الأولى لكم هي أن تعلموا أن حياتكم الأدبية بالعلم، وحياتكم السياسية بالحكومات النيابية، فأقبلوا بكليتكم على طلب العلم، جودوا بالأموال لتأسيس المدارس، ابعثوا بأولادكم إلى دور العلم في أوروبا، استفيدوا خير ما في المدنية الغربية وهو العلم، اهدموا كل حاجز يقوم في سبيل نشر العلم في بلادكم مهما كان ، عضدوا نوابغكم حيثما كانوا، عظموا قدر علمائكم أينما وجدوا، توفروا على التأليف وعلى العمل بجد في سبيل الرقي، انبذوا الأوهام ولا تستسلموا لليأس، ولتقم فئة من كل طائفة منكم استنارت بنور العلم والمدنية ببيان فوائد العلوم الحديثة للأقوام الآخرين الذين عزلتهم حكومات الاستبداد عن عالم الحركة وعالم العلم كأهالي مراكش وجزيرة العرب والتركستان وغيرهم، فأصبحوا يستنكرون كل ما أتاهم من طريق الغرب، لا لانحطاط في مداركهم أو لأثر من الدين في نفوسهم؛ بل لضعف في قلوبهم ولده استبداد الأمراء وممالأة الفقهاء أجيالا متوالية كادت تذهب بآثار الحياة الصحيحة من البلاد الإسلامية.
العلم به يحارب الاستبداد، وبه يعرف كل فرد قيمة الحياة ومعنى إرادة النفس وحرية الوجدان، فتعلموا ثم قاتلوا بسلاح العلم الحكم الشخصي حيثما كان سائدا عليكم، متحكما فيكم، قيدوا حكوماتكم أنى كان جنسها بالقانون النيابي؛ إذ بهذا تتم سعادتكم ويسلم استقلالكم وتأمنون على حياتكم السياسية وجوامعكم الملية، وبه تتعارفون وتتحابون كما كنتم في أيام الحكم الشخصي تتنافرون وتتباعدون.
واعلموا أن تبادل العواطف بين الشعوب الأوروبية هو الذي رفع منزلتهم بين الأمم ونفخ فيهم روح القوة، ومثاله إذا نهض أحقر شعب أو أكبره من الشعوب المسيحية في طلب الحرية والدستور أو الاستقلال عطفت عليه ثمة كل القلوب، ونصره الساسة وأرباب الأقلام، فإذا رأيتم شعبا منكم يحاول هدم الحكم الشخصي ويطالب بالحكومة الدستورية، فاعطفوا بقلوبكم عليه وانصروه ولو بالأقلام وعلى صفحات الجرائد كما تصنع الأمم المسيحية؛ ليعلم العالم أجمع أنكم أحياء متعاطفون تريدون السعادة الشاملة وتخدمون الإنسانية الراقية، واقتدوا في ذلك بشعب منكم لم ينل حرية الفكر والقول إلا بالأمس وهم مسلمو الروسيا، فإن أكثر جرائدهم تأتينا وفيها من روح التعضيد للعثمانيين الأحرار في طلبهم الحكومة الدستورية، ومن حسن استقبال النهضة المصرية وشكر القائمين بها، وبطلب الحكومة الدستورية في تركيا ما يدل على أن قوة الحنو والمشاركة في العواطف قد دبت في ذلك الشعب النشيط، وستسري إلى غيره قريبا إن شاء الله.
هذه نصيحتي الأولى، ونصيحتي الثانية أن توقنوا أن الشرق للشرقيين متى توفر لديكم ذانكم الشرطان وهما العلم والحكم النيابي، وأن تكتبوا ذلك على صفحات قلوبكم وتتدارسوه في دور علمكم، وأن تعلموا أن الأرض التي ينبت فيها المسلم والمسيحي واليهودي في الشرق هي وطن لهم جميعا، فتناصروا مع أهل وطنكم واعرفوا لهم حقوقهم التي عرفها قبل ذلك نبيكم
صلى الله عليه وسلم
Shafi da ba'a sani ba