وإذا قيل له الآن مثلا: ما الطريق إلى وقوع العلم بما جاء به نبينا إلينا من ربنا -عز وجل-: صلى الله عليه وسلم؟ لم يجد محيصا على حال من أن يقول: طريق ذلك البلاغ والسمع؛ فإن الله تعالى شهد لنبينا صلى الله عليه وسلم أنه ختم به النبيين، ولا يجد بدا من أن يقول: دعينا حتما إلى اتباعه، وإن تطاول مضي الدهور والأزمان، إذ أقر أن دينه آخر الأديان، ولم ينته الأمر به في الرسالة إلى غاية، ولم يمتد إلى نهاية.
وإذا قيل له: ما الطريق الذي يتوصل به إلى معرفة ما دلهم عليه؟ لم يكد يتفصى عن أن يقول: طريق ذلك ضبط الدين بوراث علوم الأنبياء من العلماء، الذين هم بسمة العدالة متصفون، قال الله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
ونحن نعاين ذلك كما أن الحفظ من الله قائم مقامه، كذلك ضبط العدول الصادقين ثابت من الذين رفع الله بهم أعلامه، فرشح للدين من يذبون عنه، ويحمونه، ويقومون بضبطه، ويحيونه، ويفصلون -بقيامهم به حق القيام- بين صدق الصادق والكذب الزائغ المنافق، فيوطدون للصدق أركانه، ويهدمون للكذب بنيانه.
وإن قلت: ما هم إلا الفرقة المتسمية بالفقهاء؛ فلعمرك إنهم لمنهم، لكن أمام ذلك درجة لم يبلغوها، وهي المعرفة الحاصلة لحاملي الآثار بالصحيح والمعتل من الأخبار، وليس يمكنهم أن ينكروها، فإنه ما لم يثبت صدق الحديث وصحته لم تتجه [تقاسيم] الشعب، وإنما تتجه تقاسيم الفروع بثبات الأصل المسموع.
ولعل قائلا يقول: إن هذا الفن من العلم لا يرجع طالبه إلى طائل وراءه، وليس كذلك؛ فإنه تحتم في الابتداء حماية الأمر عن دغل المفترين، حتى قاموا به ذابين وناصرين، فميزوا الخالص من مشوبه.
Shafi 5