Jumimar Bayani Akan Tafsirin Alkur'ani
جامع البيان في تفسير القرآن
هذا مع خروج معنى الكلام إذا وجهت «إلا» إلى معنى الواو، ومعنى العطف من كلام العرب، وذلك أنه غير موجودة إلا في شيء من كلامها بمعنى الواو إلا مع استثناء سابق قد تقدمها، كقول القائل: سار القوم إلا عمرا إلا أخاك، بمعنى: إلا عمرا وأخاك، فتكون «إلا» حينئذ مؤدية عما تؤدي عنه الواو لتعلق «إلا» الثانية ب«إلا» الأولى، ويجمع فيها أيضا بين «إلا» والواو، فيقال: سار القوم إلا عمرا وإلا أخاك، فتحذف إحداهما فتنوب الأخرى عنها، فيقال: سار القوم إلا عمرا وأخاك، أو إلا عمرا إلا أخاك، لما وصفنا قبل. وإذ كان ذلك كذلك فغير جائز لمدع من الناس أن يدعي أن «إلا» في هذا الموضع بمعنى الواو التي تأتي بمعنى العطف. وواضح فساد قول من زعم أن معنى ذلك: إلا الذين ظلموا منهم فإنهم لا حجة لهم فلا تخشوهم، كقول القائل في كلامه: الناس كلهم لك حامدون إلا الظالم المعتدي عليك، فإن ذلك لا يعتد بعداوته ولا بتركه الحمد لموضع العداوة. وكذلك الظالم لا حجة له، وقد سمي ظالما لإجماع جميع أهل التأويل على تخطئة ما ادعى من التأويل في ذلك. وكفى شاهدا على خطأ مقالته إجماعهم على تخطئتها. وظاهر بطلان قول من زعم أن الذين ظلموا ههنا ناس من العرب كانوا يهودا ونصارى، فكانوا يحتجون على النبي صلى الله عليه وسلم، فأما سائر العرب فلم تكن لهم حجة، وكانت حجة من يحتج منكسرة لأنك تقول لمن تريد أن تكسر عليه حجته: إن لك علي حجة، ولكنها منكسرة، وإنك لتحتج بلا حجة، وحجتك ضعيفة. ووجه معنى: { إلا الذين ظلموا منهم } إلى معنى: إلا الذين ظلموا منهم من أهل الكتاب، فإن لهم عليكم حجة واهية أو حجة ضعيفة. ووهي قول من قال: «إلا» في هذا الموضع بمعنى «لكن»، وضعف قول من زعم أنه ابتداء بمعنى: إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم لأن تأويل أهل التأويل جاء في ذلك بأن ذلك من الله عز وجل خبر عن الذين ظلموا منهم أنهم يحتجون على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بما قد ذكرنا، ولم يقصد في ذلك إلى الخبر عن صفة حجتهم بالضعف ولا بالقوة وإن كانت ضعيفة لأنها باطلة وإنما قصد فيه الإثبات للذين ظلموا ما قد نفى عن الذين قبل حرف الاستثناء من الصفة. حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، قال: قال الربيع: إن يهوديا خاصم أبا العالية فقال: إن موسى عليه السلام كان يصلي إلى صخرة بيت المقدس، فقال أبو العالية: كان يصلي عند الصخرة إلى البيت الحرام.
قال: قال: فبيني وبينك مسجد صالح، فإنه نحته من الجبل. قال أبو العالية: قد صليت فيه وقبلته إلى البيت الحرام. قال الربيع: وأخبرني أبو العالية أنه مر على مسجد ذي القرنين وقبلته إلى الكعبة. وأما قوله: { فلا تخشوهم واخشوني } يعني فلا تخشوا هؤلاء الذين وصفت لكم أمرهم من الظلمة في حجتهم وجدالهم وقولهم ما يقولون من أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد رجع إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا، أو أن يقدروا لكم على ضر في دينكم أو صدكم عما هداكم الله تعالى ذكره له من الحق ولكن اخشوني، فخافوا عقابي في خلافكم أمري إن خالفتموه. وذلك من الله جل ثناؤه تقدم إلى عباده المؤمنين بالحض على لزوم قبلتهم والصلاة إليها، وبالنهي عن التوجه إلى غيرها. يقول جل ثناؤه: واخشوني أيها المؤمنون في ترك طاعتي فيما أمرتكم به من الصلاة شطر المسجد الحرام. وقد حكي عن السدي في ذلك ما: حدثني موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو بن حماد، قال: ثنا أسباط عن السدي: { فلا تخشوهم واخشوني } يقول: لا تخشوا أن أردكم في دينهم. القول في تأويل قوله تعالى: { ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون }. يعني بقوله جل ثناؤه: { ولأتم نعمتي عليكم }: ومن حيث خرجت من البلاد والأرض إلى أي بقعة شخصت فول وجهك شطر المسجد الحرام، وحيث كنت يا محمد والمؤمنون، فولوا وجوهكم في صلاتكم شطره، واتخذوه قبلة لكم، كيلا يكون لأحد من الناس سوى مشركي قريش حجة، ولأتم بذلك من هدايتي لكم إلى قبلة خليلي إبراهيم عليه السلام الذي جعلته إماما للناس نعمتي فأكمل لكم به فضلي عليكم، وأتمم به شرائع ملتكم الحنيفية المسلمة التي وصيت بها نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى وسائر الأنبياء غيرهم. وذلك هو نعمته التي أخبر جل ثناؤه أنه متمها على رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به من أصحابه. وقوله: { ولعلكم تهتدون } يعني: وكي ترشدوا للصواب من القبلة. { ولعلكم } عطف على قوله: { ولأتم نعمتي عليكم } { ولأتم نعمتي عليكم } عطف على قوله { لئلا يكون }.
[2.151]
يعني بقوله جل ثناؤه: { كما أرسلنا فيكم رسولا } ولأتم نعمتي عليكم ببيان شرائع ملتكم الحنيفية، وأهديكم لدين خليلي إبراهيم عليه السلام، وأجعل لكم دعوته التي دعاني بها ومسألته التي سألنيها فقال:
ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنآ أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينآ إنك أنت التواب الرحيم
[البقرة: 128] كما جعلت لكم دعوته التي دعاني بها ومسألته التي سألنيها، فقال:
ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آيتك ويعلمهم الكتب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم
[البقرة: 129] فابتعثت منكم رسولي الذي سألني إبراهيم خليلي وابنه إسماعيل أن أبعثه من ذريتهما. ف«كما» إذ كان ذلك معنى الكلام صلة لقول الله عز وجل: { ولأتم نعمتي عليكم } ولا يكون قوله: { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم } متعلقا بقوله: { فاذكروني أذكركم }. وقد قال قوم: إن معنى ذلك: فاذكروني كما أرسلنا فيكم رسولا منكم أذكركم. وزعموا أن ذلك من المقدم الذي معناه التأخير، فأغرقوا النزع، وبعدوا من الإصابة، وحملوا الكلام على غير معناه المعروف وسوى وجهه المفهوم. وذلك أن الجاري من الكلام على ألسن العرب المفهوم في خطابهم بينهم إذا قال بعضهم لبعض: «كما أحسنت إليك يا فلان فأحسن» أن لا يشترطوا للآخر، لأن الكاف في «كما» شرط معناه: افعل كما فعلت، ففي مجيء جواب: { اذكروني } بعده وهو قوله: { أذكركم } أوضح دليل على أن قوله: { كما أرسلنا } من صلة الفعل الذي قبله، وأن قوله: { اذكروني أذكركم } خبر مبتدأ منقطع عن الأول، وأنه من سبب قوله: { كما أرسلنا فيكم } بمعزل. وقد زعم بعض النحويين أن قوله: { فاذكروني } إذا جعل قوله: { كما أرسلنا فيكم } جوابا له مع قوله: { أذكركم } نظير الجزاء الذي يجاب بجوابين، كقول القائل: إذا أتاك فلان فأته ترضه، فيصير قوله «فأته» و «ترضه» جوابين لقوله: إذا أتاك، وكقوله: إن تأتني أحسن إليك أكرمك. وهذا القول وإن كان مذهبا من المذاهب، فليس بالأسهل الأفصح في كلام العرب. والذي هو أولى بكتاب الله عز وجل أن يوجه إليه من اللغات الأفصح الأعرف من كلام العرب دون الأنكر الأجهل من منطقها هذا مع بعد وجهه من المفهوم في التأويل. ذكر من قال: إن قوله: { كما أرسلنا } جواب قوله: { فاذكروني }. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، قال: سمعت ابن أبي نجيح يقول في قول الله عز وجل: { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم } كما فعلت فاذكروني. حدثنا المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. قوله: { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم } فإنه يعني بذلك العرب، قال لهم جل ثناؤه: الزموا أيها العرب طاعتي، وتوجهوا إلى القبلة التي أمرتكم بالتوجه إليها، لتنقطع حجة اليهود عنكم، فلا تكون لهم عليكم حجة، ولأتم نعمتي عليكم وتهتدوا، كما ابتدأتكم بنعمتي فأرسلت فيكم رسولا إليكم منكم، وذلك الرسول الذي أرسله إليهم منهم محمد صلى الله عليه وسلم.
كما: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: { كما أرسلنا فيكم رسولا منكم } يعني محمدا صلى الله عليه وسلم. وأما قوله: { يتلو عليكم آياتنا } فإنه يعني آيات القرآن، وبقوله: { ويزكيكم } ويطهركم من دنس الذنوب، { ويعلمكم الكتاب } وهو الفرقان، يعني أنه يعلمهم أحكامه، ويعني بالحكمة: السنن والفقه في الدين. وقد بينا جميع ذلك فيما مضى قبل بشواهده. وأما قوله: { ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون } فإنه يعني: ويعلمكم من أخبار الأنبياء، وقصص الأمم الخالية، والخبر عما هو حادث وكائن من الأمور التي لم تكن العرب تعلمها، فعلموها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخبرهم جل ثناؤه أن ذلك كله إنما يدركونه برسوله صلى الله عليه وسلم.
[2.152]
Shafi da ba'a sani ba