Jumimar Bayani Akan Tafsirin Alkur'ani
جامع البيان في تفسير القرآن
حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: { يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت } فالسحر سحران: سحر تعلمه الشياطين، وسحر يعلمه هاروت وماروت. حدثني المثنى قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: { وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت } قال: التفريق بين المرء وزوجه. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين } فقرأ حتى بلغ: { فلا تكفر } قال: الشياطين والملكان يعلمون الناس السحر. قال أبو جعفر: فمعنى الآية على تأويل هذا القول الذي ذكرنا عمن ذكرناه عنه: واتبعت اليهود الذي تلت الشياطين في ملك سليمان الذي أنزل على الملكين ببابل وهاروت وماروت. وهما ملكان من ملائكة الله، سنذكر ما روي من الأخبار في شأنهما إن شاء الله تعالى. وقالوا: إن قال لنا قائل: وهل يجوز أن ينزل الله السحر، أم هل يجوز لملائكته أن تعلمه الناس؟ قلنا له: إن الله عز وجل قد أنزل الخير والشر كله. وبين جميع ذلك لعباده، فأوحاه إلى رسله وأمرهم بتعليم خلقه وتعريفهم ما يحل لهم مما يحرم عليهم وذلك كالزنا والسرقة وسائر المعاصي التي عرفهموها ونهاهم عن ركوبها، فالسحر أحد تلك المعاصي التي أخبرهم بها ونهاهم عن العمل بها. قالوا: ليس في العلم بالسحر إثم، كما لا إثم في العلم بصنعة الخمر ونحت الأصنام والطنابير والملاعب، وإنما الإثم في عمله وتسويته. قالوا: وكذلك لا إثم في العلم بالسحر، وإنما الإثم في العمل به وأن يضر به من لا يحل ضره به. قالوا: فليس في إنزال الله إياه على الملكين ولا في تعليم الملكين من علماه من الناس إثم إذا كان تعليمهما من علماه ذلك بإذن الله لهما بتعليمه بعد أن يخبراه بأنهما فتنة وينهاه عن السحر والعمل به والكفر وإنما الإثم على من يتعلمه منهما ويعمل به، إذ كان الله تعالى ذكره قد نهاه عن تعلمه والعمل به. قالوا: ولو كان الله أباح لبني آدم أن يتعلموا ذلك، لم يكن من تعلمه حرجا، كما لم يكونا حرجين لعلمهما به، إذ كان علمهما بذلك عن تنزيل الله إليهما. وقال آخرون: معنى «ما» معنى «الذي»، وهي عطف على «ما» الأولى، غير أن الأولى في معنى السحر والآخرة في معنى التفريق بين المرء وزوجه. فتأويل الآية على هذا القول: واتبعوا السحر الذي تتلو الشياطين في ملك سليمان، والتفريق الذي بين المرء وزوجه الذي أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: { وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت } وهما يعلمان ما يفرقون به بين المرء وزوجه، وذلك قول الله جل ثناؤه: { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا } وكان يقول: أما السحر فإنما يعلمه الشياطين، وأما الذي يعلم الملكان فالتفريق بين المرء وزوجه، كما قال الله تعالى.
وقال آخرون: جائز أن تكون «ما» بمعنى «الذي»، وجائز أن تكون «ما» بمعنى «لم». ذكر من قال ذلك. حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثني الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد، وسأله رجل عن قول الله: { يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت } فقال الرجل: يعلمان الناس ما أنزل عليهما، أم يعلمان الناس ما لم ينزل عليهما؟ قال القاسم: ما أبالي أيتهما كانت. حدثني يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا بشر بن عياض، عن بعض أصحابه، أن القاسم بن محمد سئل عن قول الله تعالى ذكره: { وما أنزل على الملكين } فقيل له: أنزل أو لم ينزل؟ فقال: لا أبالي أي ذلك كان، إلا أني آمنت به. والصواب من القول في ذلك عندي قول من وجه «ما» التي في قوله: { وما أنزل على الملكين } إلى معنى «الذي» دون معنى «ما» التي هي بمعنى الجحد. وإنما اخترت ذلك من أجل أن «ما» إن وجهت إلى معنى الجحد، فتنفي عن الملكين أن يكونا منزلا إليهما. ولم يخل الاسمان اللذان بعدهما أعني هاروت وماروت من أن يكونا بدلا منهما وترجمة عنهما، أو بدلا من الناس في قوله: { يعلمون الناس السحر } وترجمة عنهما. فإن جعلا بدلا من الملكين وترجمة عنهما بطل معنى قوله: { وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه } لأنهما إذا لم يكونا عالمين بما يفرق به بين المرء وزوجه، فما الذي يتعلم منهما من يفرق بين المرء وزوجه؟ وبعد، فإن «ما» التي في قوله: { وما أنزل على الملكين } إن كانت في معنى الجحد عطفا على قوله: { وما كفر سليمان } فإن الله جل ثناؤه نفى بقوله: { وما كفر سليمان } عن سليمان أن يكون السحر من عمله، أو من علمه أو تعليمه. فإن كان الذي نفى عن الملكين من ذلك نظير الذي نفى عن سليمان منه، وهاروت وماروت هما الملكان، فمن المتعلم منه إذا ما يفرق به بين المرء وزوجه؟ وعمن الخبر الذي أخبر عنه بقوله: { وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر؟ } إن خطأ هذا القول لواضح بين. وإن كان قوله «هاروت وماروت» ترجمة عن الناس الذين في قوله: { ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } فقد وجب أن تكون الشياطين هي التي تعلم هاروت وماروت السحر، وتكون السحرة إنما تعلمت السحر من هاروت وماروت عن تعليم الشياطين إياهما.
فإن يكن ذلك كذلك، فلن يخلو هاروت وماروت عند قائل هذه المقالة من أحد أمرين: إما أن يكونا ملكين، فإن كانا عنده ملكين فقد أوجب لهما من الكفر بالله والمعصية له بنسبته إياهما إلى أنهما يتعلمان من الشياطين السحر ويعلمانه الناس، وإصرارهما على ذلك ومقامهما عليه أعظم مما ذكر عنهما أنهما أتياه من المعصية التي استحقا عليها العقاب، وفي خبر الله عز وجل عنهما أنهما لا يعلمان أحدا ما يتعلم منهما حتى يقولا: { إنما نحن فتنة فلا تكفر } ما يغني عن الإكثار في الدلالة على خطأ هذا القول. أو أن يكونا رجلين من بني آدم فإن يكن ذلك كذلك فقد كان يجب أن يكون بهلاكهما قد ارتفع السحر والعلم به والعمل من بني آدم لأنه إذا كان علم ذلك من قبلهما يؤخذ ومنهما يتعلم، فالواجب أن يكون بهلاكهما وعدم وجودهما عدم السبيل إلى الوصول إلى المعنى الذي كان لا يوصل إليه إلا بهما وفي وجود السحر في كل زمان ووقت أبين الدلالة على فساد هذا القول. وقد يزعم قائل ذلك أنهما رجلان من بني آدم، لم يعدما من الأرض منذ خلقت، ولا يعدمان بعد ما وجد السحر في الناس. فيدعي ما لا يخفى بطوله. فإذا فسدت هذه الوجوه التي دللنا على فسادها، فبين أن معنى: { ما } التي في قوله: { وما أنزل على الملكين } بمعنى «الذي»، وأن هاروت وماروت مترجم بهما عن الملكين ولذلك فتحت أواخر أسمائهما، لأنهما في موضع خفض على الرد على الملكين، ولكنهما لما كانا لا يجران فتحت أواخر أسمائهما. فإن التبس على ذي غباء ما قلنا، فقال: وكيف يجوز لملائكة الله أن تعلم الناس التفريق بين المرء وزوجه؟ أم كيف يجوز أن يضاف إلى الله تبارك وتعالى إنزال ذلك على الملائكة؟ قيل له: إن الله جل ثناؤه عرف عباده جميع ما أمرهم به وجميع ما نهاهم عنه، ثم أمرهم ونهاهم بعد العلم منهم بما يؤمرون به وينهون عنه. ولو كان الأمر على غير ذلك، لما كان للأمر والنهي معنى مفهوم فالسحر مما قد نهى عباده من بني آدم عنه، فغير منكر أن يكون جل ثناؤه علمه الملكين اللذين سماهما في تنزيله وجعلهما فتنة لعباده من بني آدم كما أخبر عنهما أنهما يقولان لمن يتعلم ذلك منهما: { إنما نحن فتنة فلا تكفر } ليختبر بهما عباده الذين نهاهم عن التفريق بين المرء وزوجه وعن السحر، فيمحص المؤمن بتركه التعلم منهما، ويخزي الكافر بتعلمه السحر والكفر منهما، ويكون الملكان في تعليمهما من علما ذلك لله مطيعين، إذ كانا عن إذن الله لهما بتعليم ذلك من علماه يعلمان.
وقد عبد من دون الله جماعة من أولياء الله، فلم يكن ذلك لهم ضائرا إذ لم يكن ذلك بأمرهم إياهم به، بل عبد بعضهم والمعبود عنه ناه، فكذلك الملكان غير ضائرهما سحر من سحر ممن تعلم ذلك منهما بعد نهيهما إياه عنه وعظتهما له بقولهما: { إنما نحن فتنة فلا تكفر } إذ كانا قد أديا ما أمر به بقيلهما ذلك. كما: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن عوف، عن الحسن في قوله: { وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت } إلى قوله: { فلا تكفر } أخذ عليهما ذلك. ذكر بعض الأخبار التي في بيان الملكين، ومن قال إن هاروت وماروت هما الملكان اللذان ذكر الله جل ثناؤه في قوله: { ببابل }: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا معاذ بن هشام، قال: حدثني أبي، عن قتادة، قال: ثنا أبو شعبة العدوي في جنازة يونس بن جبير أبي غلاب، عن ابن عباس قال: إن الله أفرج السماء لملائكته ينظرون إلى أعمال بني آدم، فلما أبصروهم يعملون الخطايا، قالوا: يا رب هؤلاء بنو آدم الذي خلقته بيدك، وأسجدت له ملائكتك، وعلمته أسماء كل شيء، يعملون بالخطايا. قال: أما إنكم لو كنتم مكانهم لعملتم مثل أعمالهم. قالوا: سبحانك ما كان ينبغي لنا، قال: فأمروا أن يختاروا من يهبط إلى الأرض. قال: فاختاروا هارون وماروت، فاهبطا إلى الأرض، وأحل لهما ما فيها من شيء غير أن لا يشركا بالله شيئا ولا يسرقا، ولا يزنيا، ولا يشربا الخمر، ولا يقتلا النفس التي حرم الله إلا بالحق. قال: فما استمرا حتى عرض لهما امرأة قد قسم لها نصف الحسن يقال لها «بيذخت»، فلما أبصراها أرادا بها زنا، فقالت: لا إلا أن تشركا بالله وتشربا الخمر وتقتلا النفس وتسجدا لهذا الصنم. فقالا: ما كنا لنشرك بالله شيئا. فقال أحدهما للآخر: ارجع إليها. فقالت: لا إلا أن تشربا الخمر فشربا حتى ثملا، ودخل عليهما سائل فقتلاه. فلما وقعا فيه من الشر، أفرج الله السماء لملائكته، فقالوا: سبحانك كنت أعلم قال: فأوحى الله إلى سليمان بن داود أن يخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا، فكبلا من أكعبهما إلى أعناقهما بمثل أعناق البخت وجعلا ببابل. حدثني المثنى، قال: ثنا الحجاج بن المنهال، قال: ثنا حجاج، عن علي بن زيد، عن أبي عثمان النهدي، عن ابن مسعود وابن عباس أنهما قالا: لما كثر بنو آدم وعصوا، دعت الملائكة عليهم والأرض والسماء والجبال: ربنا ألا تهلكهم؟ فأوحى الله إلى الملائكة: إني لو أنزلت الشهوة والشيطان من قلوبكم ونزلتم لفعلتم أيضا. قال: فحدثوا أنفسهم أن لو ابتلوا اعتصموا.
فأوحى الله إليهم أن اختاروا ملكين من أفضلكم. فاختاروا هاروت وماروت، فاهبطا إلى الأرض وأنزلت الزهرة إليهما في صورة امرأة من أهل فارس، وكان أهل فارس يسمونها «بيذخت». قال: فوقعا بالخطيئة، فكانت الملائكة يستغفرون للذين آمنوا.
ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما
[غافر: 7]. فلما وقعا بالخطيئة استغفروا لمن في الأرض:
ألا إن الله هو الغفور الرحيم
[الشورى: 5] فخيرا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فاختارا عذاب الدنيا. حدثني المثنى، قال: حدثني الحجاج، قال: ثنا حماد، عن خالد الحذاء، عن عمرو بن سعيد، قال سمعت عليا يقول: كانت الزهرة امرأة جميلة من أهل فارس، وإنها خاصمت إلى الملكين هاروت وماروت فراوداها عن نفسها، فأبت إلا أن يعلماها الكلام الذي إذا تكلم به يعرج به إلى السماء. فعلماها فتكلمت فعرجت إلى السماء فمسخت كوكبا. حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى، قالا: ثنا مؤمل بن إسماعيل، وحدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق جميعا، عن الثوري، عن محمد بن عقبة، عن سالم، عن ابن عمر، عن كعب، قال: ذكرت الملائكة أعمال بني آدم وما يأتون من الذنوب، فقيل لهم: اختاروا منكم اثنين وقال الحسن بن يحيى في حديثه: اختاروا ملكين فاختاروا هاروت وماروت، فقيل لهما: إني أرسل إلى بني آدم رسلا، وليس بيني وبينكم رسول، انزلا لا تشركا بي شيئا، ولا تزنيا، ولا تشربا الخمر قال كعب: فوالله ما أمسيا من يومهما الذي أهبطا فيه إلى الأرض، حتى استكملا جميع ما نهيا عنه. وقال الحسن بن يحيى في حديثه: فما استكملا يومهما الذي أنزلا فيه حتى عملا ما حرم الله عليهما. حدثني المثنى، قال: ثنا معلى بن أسد، قال: ثنا عبد العزيز بن المختار، عن موسى بن عقبة، قال: حدثني سالم أنه سمع عبد الله يحدث عن كعب الأحبار، أنه حدث أن الملائكة أنكروا أعمال بني آدم وما يأتون في الأرض من المعاصي، فقال الله لهم: إنكم لو كنتم مكانهم أتيتم ما يأتون من الذنوب فاختاروا منكم ملكين فاختاروا هاروت وماروت، فقال الله لهما: إني أرسل رسلي إلى الناس، وليس بيني وبينكما رسول، انزلا إلى الأرض، ولا تشركا بي شيئا، ولا تزنيا فقال كعب: والذي نفس كعب بيده ما استكملا يومهما الذي نزلا فيه حتى أتيا ما حرم الله عليهما. حدثني موسى ابن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: أنه كان من أمر هاروت وماروت أنهما طعنا على أهل الأرض في أحكامهم، فقيل لهما: إني أعطيت ابن آدم عشرا من الشهوات فبها يعصونني. قال هاروت وماروت: ربنا لو أعطيتنا تلك الشهوات ثم نزلنا لحكمنا بالعدل. فقال لهما: انزلا فقد أعطيتكما تلك الشهوات العشر فاحكما بين الناس فنزلا ببابل دنباوند، فكانا يحكمان، حتى إذا أمسيا عرجا، فإذا أصبحا هبطا.
فلم يزالا كذلك حتى أتتهما امرأة تخاصم زوجها، فأعجبهما حسنها واسمها بالعربية «الزهرة»، وبالنبطية «بيذخت»، واسمها بالفارسية «أناهيذ»، فقال أحدهما لصاحبه: إنها لتعجبني. فقال الآخر: قد أردت أن أذكر لك فاستحييت منك. فقال الآخر: هل لك أن أذكرها لنفسها؟ قال: نعم، ولكن كيف لنا بعذاب الله؟ قال الآخر: إنا نرجو رحمة الله. فلما جاءت تخاصم زوجها ذكرا إليها نفسها، فقالت: لا حتى تقضيا لي على زوجي، فقضيا لها على زوجها. ثم واعدتهما خربة من الخرب يأتيانها فيها، فأتياها لذلك، فلما أراد الذي يواقعها، قالت: ما أنا بالذي أفعل حتى تخبراني بأي كلام تصعدان إلى السماء؟ وبأي كلام تنزلان منها؟ فأخبراها فتكلمت فصعدت. فأنساها الله ما تنزل به فبقيت مكانها، وجعلها الله كوكبا فكان عبد الله بن عمر كلما رآها لعنها وقال: هذه التي فتنت هاروت وماروت فلما كان الليل أرادا أن يصعدا فلم يستطيعا فعرفا الهلك، فخيرا بين عذاب الدنيا والآخرة، فاختارا عذاب الدنيا من عذاب الآخرة، فعلقا ببابل فجعلا يكلمان الناس كلامهما وهو السحر. حدثني المثنى بن إبراهيم، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع، قال: لما وقع الناس من بعد آدم فيما وقعوا فيه من المعاصي والكفر بالله، قالت الملائكة في السماء: أي رب هذا العالم إنما خلقتهم لعبادتك وطاعتك، وقد ركبوا الكفر وقتل النفس الحرام وأكل المال الحرام والسرقة والزنا وشرب الخمر فجعلوا يدعون عليهم ولا يعذرونهم. فقيل لهم: إنهم في غيب فلم يعذروهم، فقيل لهم: اختاروا منكم ملكين آمرهما بأمري، وأنهاهما عن معصيتي فاختاروا هاروت وماروت، فأهبطا إلى الأرض، وجعل بهما شهوات بني آدم، وأمرا أن يعبدا الله ولا يشركا به شيئا، ونهيا عن قتل النفس الحرام، وأكل المال الحرام، والسرقة والزنا وشرب الخمر. فلبثا على ذلك في الأرض زمانا يحكمان بين الناس بالحق، وذلك في زمان إدريس، وفي ذلك الزمان امرأة حسنها في سائر الناس كحسن الزهرة في سائر الكواكب. وإنها أتت عليهما فخضعا لها بالقول، وأراداها على نفسها، وإنها أبت إلا أن يكونا على أمرها ودينها، وإنهما سألاها عن دينها التي هي عليه، فأخرجت لهما صنما وقالت: هذا أعبد. فقالا: لا حاجة لنا في عبادة هذا. فذهبا فصبرا ما شاء الله، ثم أتيا عليها فخضعا لها بالقول وأراداها على نفسها. فقالت: لا إلا أن تكونا على ما أنا عليه. فقالا: لا حاجة لنا في عبادة هذا. فلما رأت أنهما أبيا أن يعبدا الصنم، قالت لهما: اختارا إحدى الخلال الثلاث: إما أن تعبدا الصنم، أو تقتلا النفس، أو تشربا الخمر. فقالا: كل هذا لا ينبغي، وأهون الثلاثة شرب الخمر.
Shafi da ba'a sani ba