Jumimar Bayani Akan Tafsirin Alkur'ani
جامع البيان في تفسير القرآن
[2.73]
يعني جل ذكره بقوله: { فقلنا } لقوم موسى الذين ادارؤا في القتيل الذي قد تقدم وصفنا أمره: اضربوا القتيل. والهاء التي في قوله: { اضربوه } من ذكر القتيل { ببعضها } أي ببعض البقرة التي أمرهم الله بذبحها فذبحوها. ثم اختلف العلماء في البعض الذي ضرب به القتيل من البقرة وأي عضو كان ذلك منها، فقال بعضهم: ضرب بفخذ البقرة القتيل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: ضرب بفخذ البقرة، فقام حيا، فقال: قتلني فلان ثم عاد في ميتته. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: ضرب بفخذ البقرة، ثم ذكر مثله. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا جابر بن نوح، عن النضر بن عربي، عن عكرمة: { فقلنا اضربوه ببعضها } قال: بفخذها فلما ضرب بها عاش وقال: قتلني فلان ثم عاد إلى حاله. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن خالد بن يزيد، عن مجاهد، قال: ضرب بفخذها الرجل فقام حيا، فقال: قتلني فلان، ثم عاد في ميتته. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الزراق، قال: أخبرنا معمر، قال: قال أيوب عن ابن سيرين، عن عبيدة، ضربوا المقتول ببعض لحمها. وقال معمر عن قتادة: ضربوه بلحم الفخذ فعاش، فقال: قتلني فلان. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنهم ضربوه بفخذها فأحياه الله، فأنبأ بقاتله الذي قتله وتكلم، ثم مات. وقال آخرون: الذي ضرب به منها هو البضعة التي بين الكتفين. ذكر من قال ذلك: حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي: { فقلنا اضربوه ببعضها } فضربوه بالبضعة التي بين الكتفين فعاش، فسألوه: من قتلك؟ فقال لهم: ابن أخي. وقال آخرون: الذي أمروا أن يضربوه به منها عظم من عظامها. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا آدم، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية، قال: أمرهم موسى أن يأخذوا عظما منها فيضربوا به القتيل ففعلوا، فرجع إليه روحه، فسمى لهم قاتله ثم عاد ميتا كما كان. فأخذ قاتله وهو الذي أتى موسى فشكا إليه فقتله الله على أسوإ عمله. وقال آخرون بما: حدثني به يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: ضربوا الميت ببعض آرابها، فإذا هو قاعد، قالوا: من قتلك؟ قال: ابن أخي. قال: وكان قتله وطرحه على ذلك السبط، أراد أن يأخذ ديته. والصواب من القول في تأويل قوله عندنا: { فقلنا اضربوه ببعضها } أن يقال: أمرهم الله جل ثناؤه أن يضربوا القتيل ببعض البقرة ليحيا المضروب.
ولا دلالة في الآية ولا خبر تقوم به حجة على أي أبعاضها التي أمر القوم أن يضربوا القتيل به. وجائز أن يكون الذي أمروا أن يضربوه به هو الفخذ، وجائز أن يكون ذلك الذنب وغضروف الكتف وغير ذلك من أبعاضها. ولا يضر الجهل بأي ذلك ضربوا القتيل، ولا ينفع العلم به مع الإقرار بأن القوم قد ضربوا القتيل ببعض البقرة بعد ذبحها، فأحياه الله. فإن قال قائل: وما كان معنى الأمر بضرب القتيل ببعضها؟ قيل: ليحيا فينبىء نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم والذين ادارءوا فيه من قاتله. فإن قال قائل: وأين الخبر عن أن الله جل ثناؤه أمرهم بذلك لذلك؟ قيل: ترك ذلك اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام الدال عليه نحو الذي ذكرنا من نظائر ذلك فيما مضى. ومعنى الكلام: فقلنا: اضربوه ببعضها ليحيا، فضربوه فحيي كما قال جل ثناؤه:
أن اضرب بعصاك البحر فانفلق
[الشعراء: 63] والمعنى: فضرب فانفلق. يدل على ذلك قوله: { كذلك يحيي الله الموتى ويريكم آياته لعلكم تعقلون }. القول في تأويل قوله تعالى: { كذلك يحيي الله الموتى }. وقوله: { كذلك يحيي الله الموتى } مخاطبة من الله عباده المؤمنين، واحتجاج منه على المشركين المكذبين بالبعث، وأمرهم بالاعتبار بما كان منه جل ثناؤه من إحياء قتيل بني إسرائيل بعد مماته في الدنيا، فقال لهم تعالى ذكره: أيها المكذبون بالبعث بعد الممات، اعتبروا بإحيائي هذا القتيل بعد مماته، فإني كما أحييته في الدنيا فكذلك أحيي الموتى بعد مماتهم، فأبعثهم يوم البعث، فإنما احتج جل ذكره بذلك على مشركي العرب وهم قوم أميون لا كتاب لهم، لأن الذين كانوا يعلمون علم ذلك من بني إسرائيل كانوا بين أظهرهم وفيهم نزلت هذه الآيات، فأخبرهم جل ذكره بذلك ليتعرفوا علم من قبلهم. القول في تأويل قوله تعالى: { ويريكم آياته لعلكم تعقلون }. يعني جل ذكره: ويريكم الله أيها الكافرون المكذبون بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند الله من آياته وآياته: أعلامه وحججه الدالة على نبوته لتعقلوا وتفهموا أنه محق صادق فتؤمنوا به وتتبعوه.
[2.74]
يعني بذلك كفار بني إسرائيل، وهم فيما ذكر بنو أخي المقتول، فقال لهم: ثم قست قلوبكم: أي جفت وغلظت وعست، كما قال الراجز:
وقد قسوت وقسا لداني
يقال: قسا وعسا وعتا بمعنى واحد، وذلك إذا جفا وغلظ وصلب، يقال منه: قسا قلبه يقسو قسوا وقسوة وقساوة وقساء. ويعني بقوله: { من بعد ذلك } من بعد أن أحيا المقتول لهم الذي ادارءوا في قتله. فأخبرهم بقاتله وما السبب الذي من أجله قتله كما قد وصفنا قبل على ما جاءت الآثار والأخبار وفصل الله تعالى ذكره بخبره بين المحق منهم والمبطل. وكانت قساوة قلوبهم التي وصفهم الله بها أنهم فيما بلغنا أنكروا أن يكونوا هم قتلوا القتيل الذي أحياه الله، فأخبر بني إسرائيل بأنهم كانوا قتلته بعد إخباره إياهم بذلك، وبعد ميتته الثانية. كما: حدثني محمد بن سعد، قال: حدثني أبي، قال: حدثني عمي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قال: لما ضرب المقتول ببعضها يعني ببعض البقرة جلس حيا، فقيل له: من قتلك؟ فقال: بنو أخي قتلوني. ثم قبض، فقال بنو أخيه حين قبض: والله ما قتلناه. فكذبوا بالحق بعد إذ رأوه، فقال الله: { ثم قست قلوبكم من بعد ذلك } يعني بني أخي الشيخ، { فهي كالحجارة أو أشد قسوة }. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة: { ثم قست قلوبكم من بعد ذلك } يقول: من بعد ما أراهم الله من إحياء الموتى، وبعد ما أراهم من أمر القتيل ما أراهم، فهي كالحجارة أو أشد قسوة. القول في تأويل قوله تعالى: { فهي كالحجارة أو أشد قسوة }. يعني بقوله: { فهي } قلوبكم. يقول: ثم صلبت قلوبكم بعد إذ رأيتم الحق فتبينتموه وعرفتموه عن الخضوع له والإذعان لواجب حق الله عليكم، فقلوبكم كالحجارة صلابة ويبسا وغلظا وشدة، أو أشد صلابة يعني قلوبكم عن الإذعان لواجب حق الله عليهم، والإقرار له باللازم من حقوقه لهم من الحجارة. فإن سأل سائل فقال: وما وجه قوله: { فهي كالحجارة أو أشد قسوة } وأو عند أهل العربية إنما تأتي في الكلام لمعنى الشك، والله تعالى جل ذكره غير جائز في خبره الشك؟ قيل: إن ذلك على غير الوجه الذي توهمته من أنه شك من الله جل ذكره فيما أخبر عنه، ولكنه خبر منه عن قلوبهم القاسية أنها عند عباده الذين هم أصحابها الذين كذبوا بالحق بعد ما رأوا العظيم من آيات الله كالحجارة قسوة أو أشد من الحجارة عندهم وعند من عرف شأنهم، وقد قال في ذلك جماعة من أهل العربية أقوالا: فقال بعضهم: إنما أراد الله جل ثناؤه بقوله: { فهي كالحجارة أو أشد قسوة } وما أشبه ذلك من الأخبار التي تأتي ب«أو»، كقوله:
وأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون
Shafi da ba'a sani ba