ولو جاز لقائل أن يقول: إن الله تعالى لم يكن مريدا، ثم خلق إرادة بها أراد المراد لجاز لقائل أن يقول: إن الله لم يكن قادرا ثم خلق قدرة بها خلق المقدور عليه، ولم يكن عالما حتى خلق علما به علم، فلما لم يجز هذا لقائله، وكان قولا فاسدا، وكان القائل في هذا جاهلا كان من قال: "إن الله لم يرد ثم أحدث إرادة بها أراد" جاهلا؛ لأن الذي أراد كون الشيء هو الذي علم كونه، وهو القادر على كونه كما شاء وأراد وعلم، لا مخرج للعباد من علم الله وقدرته، والخلق إنما يكون بإرادة الله كما قال: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون}، يدلك على أن الله هو المريد، وإذا كان هو المريد |فلم يزل هو المريد| لما علم أنه يكون في حين كونه، ولما استحال فيما بينا أن يوصف الله بضد العلم استحال أن يوصف بأنه غير مريد؛ لأن من وصف الله بذلك وصفه بالأضداد، والله جل وعلا عن كل ضد من الجهل والسهو والغفلة.
ومما يدلك على أن الله هو المريد بنفسه لا بشيء غيره ما تقدم مما قد قلنا: إنه لا يخلو أنه أحدث إرادة في نفسه أو في غيره أو قائمة بنفسها، فلما لم يجز واستحال أن يحدثها في نفسه؛ لأنه ليس بمحل للحوادث، ويستحيل أن يحدثها قائمة بنفسها؛ لأنها صفة لا تقوم بنفسها، وكما لا يجوز أن يحدث علما وقدرة له قائمتين بأنفسهما، ويستحيل أن يحدثهما في غيره؛ لأن هذا يوجب أن يكون ذلك الغير مريدا بإرادة الله، فلما استحال ذلك أجمع، صح وثبت أن الله لم يزل مريدا.
Shafi 98