كذلك أمرهم بالاستدلال عليه، والاستدلال لا يقع إلا من وجه النظر والعبرة، فقال: {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج * والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج * تبصرة وذكرى لكل عبد منيب * ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد * والنخل باسقات لها طلع نضيد}. وقال: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الأرض كيف سطحت * فذكر إنما أنت مذكر}، وأمثال هذا كثير مما يدل على أنه أمر بالاستدلال الذي يعرف به الخالق أنه خالق، ورازق، ومحي، ومميت، فدل ذلك في الكتاب والعقل أن المعرفة تدرك بالاستدلال على المدلول عليه، والدليل هو الهادي إلى الحق، وقد قال الله تعالى: {أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى}، وقال: {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم}.
وقد عرف في كتابه أن السماوات والأرض، وما خلق من شيء دليل على ربوبيته ووحدانيته، وأنه ليس كمثله شيء.
[كيف يستدل بالشاهد على الغائب؟]
وأما ما ذكرت: كيف يستدل بالشاهد على الغائب؟
فذلك أنا إذا شاهدنا نارا علمنا أن كل نار كذلك حكمها، وإذا رأينا الحيوان لا يقع إلا على التناسل حكمنا بذلك على ما غاب عنا من جنس الحيوان، ويستدل بالأثر على المؤثر، والبناء على الباني، والكتاب على الكاتب، وقد بينا لك من الدلالات ما يكتفى بدونه.
Shafi 6