يقال لهم: هذان لفظان لا ينقض أحدهما الآخر فينقض القرآن؛ لأن قوله: {لا تدركه الأبصار} فهي {لا تدركه} آية محكمة يرد إليها حكم المشتبه و المتشابه، وهو: {ناضرة إلى ربها ناظرة} يحتمل التأويل والمعاني. وأولى ربنا أن نصفه كما وصف نفسه أن الأبصار لا تدركه؛ لأنه لا يخلو أن تكون الأبصار تقع على الكل أو البعض، فإن وقعت على الكل فقد حدته، والله تعالى ليس بمحدود، وإن وقعت على البعض فقد جزأته، والله تعالى ليس بمتبعض ولا متجزئ، ولم يصف نفسه بشيء من هذه الأوصاف.
والنظر: يحتمل الرؤية، ويحتمل انتظارا، ويحتمل أن الوجوه مشرقة، وقد صح أنا لا نراه في الدنيا، ومن ادعى بالقياس غير الإجماع وناطق القرآن فقد قال بغير برهان.
وإنما قال: {وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة * ووجوه يومئذ باسرة}، و{وجوه يومئذ عليها غبرة}، و{وجوه يومئذ مسفرة * ضاحكة مستبشرة}، و{وجوه يومئذ ناعمة}، وإنما يراد بهذا الإنسان بكليته، لا أن ذلك الوجه دون البدن. وبالله التوفيق.
مسألة: [معنى الاستواء]
-وسأل فقال: ما معنى قوله: {على العرش استوى}؟ واستواء العرش؟
قيل له: الاستواء على معان: فمنها استواء الشيء على ما هو عليه، ومنها استواء التدبير، ومنه استواء الملك.
فلما كان الله -تبارك وتعالى- ليس بمحدود، ولا يشبه بخلقه كاستواء الشيء مثل استواء الملك على السرير، وذلك عن الله منفي من شبه الخلق، والحلول على الشيء، دل ذلك أن استواءه على العرش بالملك، استواء الملك والتدبير والقدرة، وذل له العرش، واستوى له كل شيء، وأذعن له كل شيء، فليس شيء يمتنع منه، وهو الله رب العرش العظيم، المالك له، والقادر عليه، ولا يمتنع منه، وذل له العرش وأذعن له كل شيء.
Shafi 35