وإن أردت بقولك: الدلالة عليه؛ فالسموات والأرض وما بينهما من آثار صنعته، وتدبيره دلالة عليه، وقد قال: {أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق}، وقال: {أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء}، وقال: {أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة}، وأشباه هذا في القرآن كثير دلالة على الله أنه خالق وصانع ومدبر، وأنه ليس له مثل ولا شبيه ولا نظير مما خلق. /19/ وإن أردت ما هو (أي الأجناس هو)؟ فالله تعالى ليس بذي جنس مؤلف ولا صورة؛ لأنه قال: إنه الخالق المصور، وخالق كل شيء، وقال: {ليس كمثله شيء}، {له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى}.
فإن قال: ولم أنكرتم أن يكون الله -تبارك وتعالى- جسما؟
قيل له: أنكرنا ذلك أن يكون القائل أراد بقوله ما أنكرتم، أن يكون طويلا عريضا عميقا مجتمعا، أو يكون أراد تسمونه جسما وإن لم يكن طويلا عريضا عميقا مجتمعا، فإن أراد أن يكون كذلك كما يقال في الأجسام - فيما أثبتنا- فهذا لا يجوز؛ لأن المجتمع لا يكون شيئا واحدا؛ ولأن أقل الاجتماع يكون بين الشيئين؛ لأن الشيء الواحد لا يكون لنفسه جامعا، وقد ثبت بالاتفاق أن الله - عز وجل - واحد، فبطل بذلك أن يكون مجتمعا.
وإن أراد جسما: لم لا تسمونه جسما، وإن لم يكن طويلا عريضا عميقا مجتمعا؟
فالأسماء ليست إلينا، ولا يجوز لنا أن نسمي الله باسم لم يسم به نفسه في كتابه، ولا سماه به رسوله، ولا أجمع المسلمون عليه، وليس لنا أن نصف الله بغير ما وصف به نفسه.
فإن قال: ما أنكرتم أن يكون جسما لا كالأجسام؟
قيل له: أنكرنا ذلك؛ لأنا لم نشاهد جسما إلا طويلا عريضا محدودا، له أشكال وأمثال، محتمل للأعراض كالحركات والألوان والسكون والتفريق والتأليف. فلما لم يجز أن يكون الله بهذه الصفة لم يجز أن يكون جسما على هذا المثال، فلما لم يوصف بحركة ولا سكون ولا عرض لم يوصف بأنه جسم.
ولما أن كان الاستدلال بالشاهد على الغائب، ولم يشاهد جسما إلا على ما وصفنا، بطل أن يكون في الغائب جسما على خلاف ذلك.
فإن قال: أتقولون: إنه شيء؟
Shafi 27