... فأصبحت الغداة ألوم ... نفسي ... على شيء وليس ... بمستطاع فهذا الدليل من الكتاب واللغة يدل على أن من ترك فعلا قيل له: إنه لا يستطيع، على حد ما ذكرنا من هاتين الآيتين، لا أنه غير مستطيع له لضعف الجسم، ونحو ذلك.
وقد قال النبي ^ لابن عباس: «جفت الأقلام بما هو كائن، فلو أجمع الخلق كلهم على أن ينفعوك أو يعطوك شيئا لم يكتبه الله لك لم يقدروا على ذلك، أو يضروك شيئا لم يكتبه الله عليك لم يقدروا على ذلك». فثبت أنهم لا يقدرون على أنهم يوفقون لفعل شيء لم يكتبه الله لهم؛ لا أنهم مرضى مسقومون. ففي هذا بيان معنى الاستطاعة والكلام فيها.
ويقال: لمن زعم أن الاستطاعة قبل الفعل: أيجوز عندك أن يقال لمن ترك فعلا: إنه لا يقدر على هذا؟
فإن قال: لا يجوز ذلك. قيل له: فالخضر حين قال لموسى ^: {إنك لن تستطيع معي صبرا} كان مصيبا في ذلك أم مخطئا؟
فإن زعم أنه كان مصيبا وأنه جائز أن يقال لمن ترك فعلا لا يستطيعه لزمه أن يقول: إن الكفار لا يستطيعون الإيمان؛ لأنهم تاركون له.
فإن زعم أن الخضر كان مخطئا خرج من الحق ورد القرآن.
فإن احتج بقول الله: {وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم}، فكذبهم الله حين قالوا: {لو استطعنا لخرجنا معكم}.
قيل له: أرأيت قوله: {لو استطعنا لخرجنا معكم} ما مخرجه عندك؛ أي: إنهم لا يستطيعوا أن يخرجوا؟!
فإن قال: نعم. قيل له: فيلزمك أن قوله: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا}. أي: أنه لم يشأ، كما قالوا: {لو استطعنا}، أنهم لم يستطيعوا.
Shafi 152