وأما الضرب الذي ليس من حكم الله أن يفعله إلا بعد الدعاء، كدعاء الأنبياء للأشياء التي لولا دعاؤهم بها لما تفق كونها على سبيل ما اتفقت عليه من الكثرة وتقادير الأوقات لعلم الله جل وعز؛ لأن ذلك لا يكون موجبا للحجة ولا واقعا موقع (نسخة: موقعا للمصلحة) إلا بأن يكون بعد ذلك الدعاء وقد علمنا بأن المسلمين يوجهون دعاءهم إلى الله في النصرة على المشركين وفي استسقاء الغيث وفي كشف ما يكون (¬1) من المكارة وفيما يشبه ذلك، وجرى مجراه رغبة إلى الله جل ذكره وطمعا في أن يكون اجتهادهم سببا لاجتلاب ما سألوه، فقد يكون ذلك على أن من الدعاء ما (¬2) لم يكن الشيء المسؤول فيه وإن كنا لا نعرف كل شيء من ذلك بعينه فيما سواه، ولكنا نعلم في الجملة أن مما ندعو به أن الله يفعله دعونا به أو لم ندع به ومنه ما نعلم أن الله جل اسمه لا يفعله إلا بأن ندعوه به، ومنه ما لا ندري من أي الصنفين هو، فنحن ندعو به لحسن الدعاء لما في ذلك من الوجهين والله أعلم. فإن قال قائل: ما وجه الدعاء لما معلوم أن الله يفعله بغير دعاء؟ قيل له: وجه ذلك ما يكسبه (¬3) الداعي فضل الطاعة بالدعاء، وما يرجو له من الثواب عليه، وما يتعجل من الانتفاع به من خشوع قلبه والتأديب لنفسه، وأيضا فإن الدعاء ما (¬4) يجرى مجرى التسبيح (¬5) والتقديس وسائر ضروب الذكر الذي يفعله المسلمون فكل وجه يحسن فيه تسبيح (¬6) الله وتقديسه، فهو يحسن منه دعاؤه ومسألته، وعلى أن للداعي بما يعلم أن الله يفعله بغير دعاء يتعرض (¬7)
¬__________
(¬1) في (ب و (ج) ما كان.
(¬2) في (ج) لو.
(¬3) في (ج) يكسب به.
(¬4) "ما" غير موجودة في (ج).
(¬5) في (ج) السبيح.
(¬6) في (ج) سبيح.
(¬7) في (ج) يعترض..
Shafi 87