وعندي أنه لو أفرد الدعاء والمسألة بالحياة والغناء بغير إظهار شرط الخير كان جائزا إذا كان عقده وضميره على ما يدعو به المسلمون. وقال قوم: الدعاء والمسألة لا يحتاج معها إلى ضمير يعتقده ولا يشترط معها، (¬1) ولا إظهار ذلك أيضا، لأن موضع الدعاء والمسألة هو على ذلك، ولا وجه لاشتراط الدعاء فيه بإظهار لفظ و (¬2) لا يعتقده ضميره، وعندي أنه يجب إذا دعا ربه وسأله أن يفقره أو يميته أو نحو هذا، فلا بد له من إظهار الاشتراط، بأن يقول ما كان الفقر خيرا لي في ديني، وما كان الموت أنفع لي من الحياة، ولا يرسل المسألة في مثل (¬3) هذا إرسالا والله أعلم. لأن من لم يشترط في مثل هذا الموضع خرج دعاؤه مخرج السخط والاستصغار لنعم الله عليه، ولا ينبغي للعبد أن يسأل إلا ما يكون بدعائه مطيعا. ولا يجوز أن يسأل ربه ما لو فعله لم يكن لعله كان فعله خروجا من الحكمة، وذلك مثل قولهم: اللهم أحي لي من أمت من أهلي، وقرابتي قبل يوم القيامة، وأرجعهم إلى الدنيا، واجعل مدة عمري ألف سنة، وهب لي ملكا مثل ملك سليمان بن داود النبي عليه السلام، فلو فعل هذا ودعا به كان جاهلا متحكما على الله تعالى، وخروجا من (¬4) حد مسألة المتهيب الخاضع إلى حد مسألة المتحكم الملزم. وليس من مسألة العبد لسيده في شيء وإنما يجرى مجرى الأمر والإلزام وإيجاب الفروض، والمسألة وإن كان لفظها لفظ الأمر فإنها تتفضل بما يطلق له اسم الأمر بما يجامعها من القصد والإرادة والخضوع (¬5)
¬__________
(¬1) في (ج) معهما.
(¬2) "و" لعلها زائدة وهي موجودة في جميع النسخ.
(¬3) "مثل" لا توجد في (ج).
(¬4) في (ج) عن.
(¬5) في (ج) للخضوع..
Shafi 84