219

ألا ترى أن الصلاة لها أول وآخر، فالمتعبد بها يوقعها فيه، وفي أي وقت منه، ثم مع ذلك لا يجوز فيه إلا بالطهارة، فقد خص للطهارة وقتا من أوقات الصلاة، وكذلك الغسل من الجماع خص له وقتا من أوقاته والله أعلم.

مسألة

اختلف أصحابنا في الجنب يغتسل للجمعة، فقال بعضهم: يجزيه ذلك للجنابة، ويكون بذلك متطهرا؛ وقال بعضهم: لا يجزيه ذلك عن طهارته للصلاة من الجنابة، وهذا هو القول عندي، والنظر يوجبه، والسنة تؤيده. وإن توضأ لنافلة أو لقراءة في مصحف، أو لجنازة أو سجود قراءة القرآن، أجزأه أن يصلي به فريضة، وهذا باتفاق منهم فيما علمت؛ فإن قال قائل: لم قلت إنه إذا اغتسل للجمعة لم يجزه للجنابة، وقد أجزت له وضوءه للنافلة من الفرض، وما الفرق وجميع ذلك نفل؟ قيل له: الفرق بين هذه الأشياء وبين الغسل للجمعة أن علة الطهارة أن ينوي دفع الأحداث، أو ينوي ما يؤدي بتلك الطهارة الفرائض والنوافل، فيغني ذلك عن نية رفع الحدث، فإذا صح ذلك ثم توضأ لنافلة، فالنافلة لا تؤدى إلا بعد رفع الحدث، كما لا يؤدى الفرض إلا بعد رفع الحدث، وكذلك سجود القرآن لا يأتي به إلا متطهرا؛ لأن ذلك عندنا صلاة، وأما المصحف فلا يمسه إلا متطهر ، ومسه محرم بقول الله تعالى: { ?إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون } (¬1) ؛ فلا يمس المصحف إلا طاهر. وكذلك في الخبر، فصار معنى ذلك؛ النافلة التي لا تجوز إلا برفع الحدث، ولو أراد أن يصلي فرضا أو نفلا أو قراءة قرآن أو سجود قرآن لما ندب أن يتوضأ ثانية؛ لأن المقصد في ذلك رفع الحدث، وقد رفع بطهارته الحدث، فلا معنى في الأمر بإعادته، وأما غسل يوم الجمعة فليس القصد في ذلك رفع الحدث. وإنما القصد في ذلك تجديد الفعل من أجل الوقت. والدليل على هذا أنه لو دخل عليه يوم الجمعة وهو مغتسل لما (¬2)

¬__________

(¬1) الواقعة: 79.

(¬2) في (أ) ما..

Shafi 219