ووجه آخر من الدليل يوجب صحة ما قلنا، إن الأمة اجتمعت على أن من خشي فوات (¬1) الجمعة لم يكن له التيمم، وإن فاتته فليس له أن يصليها إلا بطهارة الماء. فلو كانت العلة التي ذهب إليها من قال: يجوز (¬2) التيمم لصلاة الجنازة هي فوات الصلاة، لوجب أن يجيز التيمم لمن خشي فوات الجمعة أن يتيمم، والجمعة وسائر الصلوات المفروضات أشبه؛ لأن الجمعة ليس بفرض على الكفاية. كما أن صلاة الظهر ليس بفرض على الكفاية، لو شبه بالظهر كان دليله أهدى من أن يشبه بالصلاة التي موضوعها (¬3) على الكفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين. فإن قال: إن الجمعة لها بدل، والجنازة ليست لها بدل. قيل له: إذا أقت (¬4) أنت الجمعة صار لها بدل، فعليك توجب أن لا تفوتها، والذي أوجب له الصلاة بالتيمم على الجنازة فليس بواجب عليه إتيان تلك الصلاة، ولا يشبهها بالصلاة التي ليس له تركها. وأحكام الشريعة كلها مأخوذة من طريق واحد، وأصل واحد، وهو كتاب رب العالمين، فهو قوله: { ?اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون } (¬5) ، والسنة أيضا مأخوذة من الكتاب، قال جل ذكره: { ?وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول } (¬6) ، وقال: { ?فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر } (¬7) ؛ وقال جل ذكره: ? { فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم } (¬8) ؛ وقال: { ?من يطع الرسول فقد أطاع الله } (¬9) ؛ وقال: { ?فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } (¬10) .
¬__________
(¬1) - في (أ) و (ج) فوت.
(¬2) في (ج) لجواز.
(¬3) في (أ) موضعها.
(¬4) في النسخ (أ) و (ج) أفدت، ولعل الصواب فوتت.
(¬5) الأعراف: 3.
(¬6) المائدة: 92.
(¬7) النساء: 59.
(¬8) النور: 63.
(¬9) النساء: 80.
(¬10) النساء: 65.
Shafi 192