ويستفاد من هذا العرض أيضا أن ترتيب المدارك من كتب التراجم الموسعة، التي تجمهرت فيها المعارف المتنوعة والفنون المتعددة (١). لذا وصفه أبو عبد الله محمد بن حماده بقوله: «سبق العلماء إليه، ولم يقدر أحد من أهل عصره عليه. . . فجاء كتابا مستوعبا، يحتاج إليه كل من انتحل شيئا من العلم، لمعرفة ما فيه من الآداب، ومعرفة الرجال. . . وما وقع من النوازل» (٢). ووصفه شمس الدين السخاوي بقوله: «وهو حافل» (٣). ووسمه المقّري بعبارته: «وهو غريب لم يسبق إليه» (٤). وقال فيه العلامة محمد الفاضل بن عاشور: «جمع فيه تراجم فقهاء المذهب المالكي باستيعاب وتحقيق، فأوردهم على ترتيب العصور وتوزيع الأقطار من المدينة المنورة إلى الأندلس، وضمنه من الفوائد والمسائل والآثار والآداب ما جعله مرجعا نفيسا من مراجع التاريخ الفكري للإسلام» (٥).
وقد جمع فيه القاضي عياض بين طريقتي المؤرخين والمحدثين، فهو من جهة يتوسع في ذكر الأقوال والأخبار، لكنه لا يغفل عن تحقيقها ونقدها، علما بأن مادة الكتاب منتقاة أصلا. وهذه الطريقة الجامعة المحققة ألمع إليها
_________
(١) الصراع المذهبي من خلال كتاب ترتيب المدارك للقاضي عياض (من بحوث دورة القاضي عياض): ٣/ ٦٥.
(٢) مختصر ترتيب المدارك: ٢ ب - ٣ أ. وسيأتي - إن شاء الله تعالى - هذا الكلام بطوله عند الحديث عن مختصر ابن حماده المذكور، فلينظر ثمّ.
(٣) الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التوريخ: ٥٦٠.
(٤) أزهار الرياض في أخبار عياض: ٤/ ٣٤٨.
(٥) أعلام الفكر الإسلامي في تاريخ المغرب العربي: ٦١ - ٦٢.
1 / 38