Jamal Din Afghani
جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى ١٨٩٧–١٩٩٧
Nau'ikan
وإذا كان حاضر الأمة ليس فقط موزعا بين شد نحو الماضي وانجذاب نحو المستقبل، فإن تاريخ الأمة أيضا موزع بين حركتي النهضة والسقوط. ويحاول الأفغاني معرفة الأسباب التي حولها تلميذه شكيب أرسلان إلى سؤاله الشهير: لماذا تخلف المسلمون وتقدم غيرهم؟ لقد نهضت الأمة بفضل الإسلام ثم انهارت بعد أن تركته. وهي الآن تعود إلى النهضة من جديد بفضل حركة الإصلاح. فهناك ثلاث مراحل: النهضة في القرون السبعة الأولى، والسقوط في القرون السبعة الثانية، ثم الإصلاح بداية من القرون السبعة الثالثة طبقا للتصور الحيوي للتاريخ ودورانه بين الحياة والموت. لذلك يشبه الأمة بالبدن كما فعل الفارابي وإخوان الصفا من قبل في حالتي الصحة والمرض والعودة إلى الصحة من جديد. فالإصلاح يمثل فترة ثالثة للأمة في التاريخ يريد اللحاق بفترة نهضتها الأولى وتجاوز فترة سقوطها الثانية. وهو سعي نحو الكمال الإنساني. ويضع الأفغاني تقابلا بين مرحلتي النهضة والسقوط على النحو الآتي مبينا أسبابهما : الوحدة في مقابل افتراق الكلمة، المستقبل في مقابل الغفلة من العاقبة، الجهاد بدلا من الركون إلى الراحة، الإحساس بالرسالة بدلا من الافتتان بنعيم الدنيا، التحرر بدلا من الاستعمار والخضوع للأجنبي. وللانتقال إلى النهضة الأولى عن طريق الإصلاح، هناك عدة وسائل: إلهام النخبة، والسعي نحو الكمال من الجميع، والرجوع إلى أصول الدين. فلا يصلح هذه الأمة إلا ما صلح به أولها كما هو الحال في الحركة السلفية، والجمع بين الحضارة والملك كما كان المسلمون في سيرتهم الأولى دون الاكتفاء بالحضارة ويكون الملك للأجنبي يستنزف ثروات البلاد كما هو حادث في تجربتي تركيا ومصر. فلا بد من سلطان قاهر يقود الناس إلى الثورة أو يأخذهم بالتدريج. هذا بالإضافة إلى الأدوات العلمية مثل الجرائد الوطنية والمدارس الحديثة دون تقليد للغرب بلا فهم والتشدق بألفاظ غريبة، وتقديم علم بلا وطن، ونسيان الأصول الدينية، وبالتالي فإن ترك ما كان سببا للصعود يؤدي إلى الهبوط والسقوط.
25
وهكذا تنتهي ملحمة التاريخ عند الأفغاني تشدها الخطابة أحيانا نحو السلفية في الماضي ويرجعها العقل أحيانا أخرى نحو الإصلاح في المستقبل.
الفصل الثامن
الخاتمة
الأفغاني بعد مائة عام
هناك أشياء باقية في الأفغاني بالرغم من مرور مائة عام، أهمها: (1)
الشجاعة على نقد القدماء، ورفض التقليد والدعوة إلى الاجتهاد. فالتراث القديم ليس مقدسا بل هو من إبداع أجيال ماضية. هم رجال ونحن رجال، نتعلم منهم ولا نقتدي بهم. والعيب فينا إذا لم نجدد ونبدع وليس فيهم إذا كان اجتهادهم قد تجاوزه الزمان. ويتميز إبداع الأفغاني بأنه حر طليق يتجاوز القياس الفقهي القديم، تعدية الحكم من الأصل إلى الفرع لتشابه بينهما في العلة على نحو آلي ثابت، إلى التحام مع الواقع وإدراك قوانينه ومرحلته التاريخية بناء على روح الإسلام وقوته في التاريخ. وهي الروح التي بدت في أول
رسالة التوحيد
لمحمد عبده لإثبات أن علم الكلام تاريخي خالص خضع للظروف السياسية في عصره وليس علما مقدسا، وقد كان عيب الأجيال اللاحقة عندما خلطت بينه وبين العقيدة. وما زالت مدرسة التجديد عند طه حسين، وأمين الخولي، وخلف الله محمد خلف الله، وسيد قطب، ونصر حامد أبو زيد، ومحمود إسماعيل، وسيد القمني، تعاني من تضييق الخناق على التجديد باسم التقليد. (2)
Shafi da ba'a sani ba