Jamal Din Afghani
جمال الدين الأفغاني: المئوية الأولى ١٨٩٧–١٩٩٧
Nau'ikan
10
وأفضل من كتب سيرته تلميذه محمد عبده كما كتب الجوزجاني سيرة أستاذه ابن سينا. كتب بعضها، ونسي البعض الآخر، وكتم جزءا لأسباب سياسية. ولد في قرية سعد أباد عام 1839م، وانتقل مع أبيه إلى كابول. تعلم في سن الثامنة. واعتنى به والده لما رأى فيه قوة الفطرة والعزيمة وذكاء العقل. برع في علوم العربية والتاريخ والشريعة والتفسير والحديث والفقه وأصول الفقه والكلام والتصوف. كما برع في بعض العلوم العقلية مثل المنطق والسياسة والاقتصاد، والعلوم الرياضية مثل الحساب والهندسة والجبر والفلك، والطب والتشريح. فجمع بين الحكمتين.
ويبرز محمد المخزومي باشا الذي رافقه في آخر سنوات حياته بالآستانة طفولته أنه ابن السيد صفر من أسرة أفغانية ينتسب إليها الترمذي المحدث، وترتقي إلى الحسين بن علي. نشأ في كنر من أعمال كابول، في بيت علم له احترامه لنسبه الشريف. وكانت للأسرة السيادة على بعض الأراضي الأفغانية. ثم سلبها الإمارة دوست محمد خان الذي نقل والد جمال الدين وبعض أعمامه إلى كابول.
تعلم بالطرق التقليدية، وأكمل تعليم المشايخ وهو في الثامنة عشرة. ثم سافر إلى الهند لمدة عام؛ فقد كانت موطن التعليم الإسلامي التقليدي وأحيانا الحديث، لاستكمال الدروس الرياضية الحديثة. ومنها إلى الحجاز لأداء فريضة الحج. فتعرف على عادات الأمم وأخلاق الشعوب لمدة عام آخر. ثم عاد إلى كابول موظفا في حكومة دوست محمد خان. رافقه الأفغاني لفتح هراة التي كان يحكمها أحمد شاه صهره وابن عمه، واشترك في الحصار إلى أن توفي الأمير وفتحت المدينة وتقلد إمارتها ولي عهده شير علي خان. وأشار عليه وزيره بالقبض على إخوته محمد أعظم ومحمد أسلم ومحمد آية. وانتصر الأفغاني لمحمد أعظم. وفرا سويا حتى عظم أمر الأمير وغلب على منافسيه. ثم تولى بعده محمد أعظم الذي عظم الأفغاني وجعله الوزير الأول ومستشارا له دون استبداد بالرأي حتى أوغر صدره عليه. فأوسد الأمر إلى أبنائه الأحداث مما أدى إلى هزيمته. ترك بعدها الأفغاني إلى الأراضي الحجازية للحجج عن طريق الهند. وهناك استقبلته الحكومة الإنجليزية استقبالا حارا، وبعد نشاطه في الهند ضاقت به الحكومة الإنجليزية وأخرجته منها وقبل خروجه وجه نداءه الشهير إلى الهنود بأنهم لو كانوا ذبابا لطن آذان بريطانيا، ولو كانوا سلحفاة لخاضوا البحر وأغرقوا جزيرة بريطانيا. ولم يجئ السلطان الغزنوي الهند باكيا يذرف الدمع بل فاتحا شاهرا السلاح.
11
نفي من الهند إلى مصر وأقام بها أربعين يوما تردد فيها على الجامع الأزهر. وخالطه كثير من طلبة العلم السوريين ومالوا إليه، وطلبوا منه قراءة شرح الأظهار، فقرأ لهم منه بعضا في بيته. كان مقامه أول مرة قصيرا في مصر، ولكن كان له أبلغ الأثر في إنارة الأزهريين بالعلم الجديد والجرأة على شرح القدماء شرحا عصريا، وهو ما كان يبحث عنه طه حسين فيما بعد ولم يجده إلا في الجامعة المصرية.
ثم سافر إلى الآستانة، والتقى بالصدر الأعظم عالي باشا، وأقبل عليه الأتراك بزيه الأفغاني. وبعد ستة أشهر عين عضوا بمجلس المعارف مما أثار حفيظة شيخ الإسلام في ذلك الوقت لآراء الأفغاني التي كانت تمس رزقه، فتآمر عليه بأن طلب إليه مدير دار الفنون أن يلقي خطابا للحث على الصناعات. فكتب الخطاب وعرضه على وزير المعارف وعلى مشير الضابطة وعلى بعض أعضاء مجلس المعارف فاستحسنوه. وقد قام الخطاب على تشبيه المعيشة ببدن حي، وكل صناعة بعضو في البدن؛ فالملك هو المخ مركز للتدبير، والإدارة والحدادة العضد، والزراعة الكبد، والملاحة الرجلان، وعلى هذا النحو يتألف جسم السعادة الإنسانية وهو التشبيه القديم الموروث من الفارابي وابن سينا. ولما كان لا جسم بلا روح فإن الروح هي النبوة أو الحكمة. الأولى هبة إلهية، والثانية كسب للبشر. الأولى يقين والثانية ظن، الأولى صادقة والثانية يعتريها الخطأ والصواب. الأولى واجبة الاتباع والثانية مندوبة من جهة الأولى والأفضل بشرط عدم مخالفتها للشرع الإلهي.
غضب شيخ الإسلام، واتهم الأفغاني بأنه يعتبر النبوة صنعة كعادة المزايدين في الدين في كل عصر، وأنه ذكر النبوة في معرض خطاب عن الصناعة. وأعطى توجيهاته إلى خطباء المساجد، هذا الجهاز الإعلامي الجاهز في أيدي رجال الدين ورجال السياسة، بنقد الأفغاني والمطالبة بمقاضاته واتهامه بالكفر وإنكار ما علم من الدين بالضرورة. ووقعت الفتنة، وانقسم الناس فريقين، فريق معه وفريق ضده. وخشي الصدر الأعظم وطالب الأفغاني بمغادرة الآستانة كي تهدأ النفوس، معتذرا له عن أهل الجمود، وأنه كان بوده أن يجعله شيخ الإسلام. ومثل الأفغاني يناهض السلطتين الدينية والسياسية ويفضح تعاونهما الخفي والعلني.
ثم غادر الأفغاني الآستانة إلى مصر في 22 / 3 / 1887م سياحة فيها حتى لاقي رياض باشا رجل الإصلاح فمال إليه. والتفت حوله طلبة العلم. وقرأ عليهم كتب الكلام والحكمة النظرية الطبيعية والعقلية والفلك مع أصول الفقه في بيته وفي الأزهر يوم الجمعة. فذاعت أفكاره في مصر، واستمر في محاولاته للقضاء على الأوهام والدفاع عن العقول. نبغ تلاميذه وتأثروا به، واتسعت حلقاته. فحسده الحساد، وحقد عليه الحاقدون كما هو الحال في كل عصر. واتهموه بقراءة الفلسفة التي حرمها المتأخرون بفتاوى ابن الصلاح. وشوهوا ما ينقلون عنه عن طريق أنصاف المتعلمين عن قصد.
تم تولى توفيق حكم مصر وأيده الأفغاني وجمع القلوب عليه. ولما كان الأفغاني ميالا بفطرته إلى السياسة، فقد نظر في أحوال مصر ورأى تزايد تدخل الأجانب في شئونها يوما بعد يوم. فبدأ يفكر كيف تتغير الأحوال بتأييد الحاكم الصالح أو بتنوير العقول أم بالعمل على إنشاء الجمعيات الإصلاحية وتنشيط ما هو موجود منها.
Shafi da ba'a sani ba