ومثال ذلك أنا نقول: إن للصبر قوة مسهلة وقوة مقوية للمعدة وقوة ملحمة للجراحات الطريئة التى بدمها وقوة خاتمة للقروح المساوية لسطح الجلد وقوة مجففه لرطوبة الأجفان، وليس الفاعل لكل واحد من هذه الأفعال شيئا سوى الصبر، لأنه هو الفاعل لها، ولأنه يستطيع أن يفعلها قد يقال: إن له من القوى بحسب ما له من الأفعال. وذاك أنا نقول: إن الصبر يمكنه أن يسهل وأن يقوى المعده وأن يلحم الجراحات وأن يختم القروح وأن يجفف العينين الرطبتين، كأنه لا فرق بين قولنا: إن الصبر يمكنه ان يسهل، وقثولنا: إن له قوة مسهلة. وكذلك أيضا قولنا: إنه يمكنه 〈أن〉 يجفف العينين الرطبتين يدل على الشىء الذى يدل عليه قولنا: إن له قوة مجففه للعينين الرطبتين.
وعلى هذا النحو أيضا إذا قلنا: إن النفس الفكرية الساكنة فى الدماغ يمكنها أن تحس بالحواس ويمكنها أن تذكر المحسوسات بذاتها وأن تفهم وتعرف اتفاق الأشياء واختلافها وتفهم الحل والتركيب، لم ندل بذلك على شىء سوى ما يدل عليه إذا نحن عبرنا اللفظ فقلنا: إن النفس الفكرية لها قوى كثية، وهى الحس والفكر والفهم وسائر القوى الباقية، ولأنا ليس نقول: إنه إنما لها أن تحس فقط بقول مطلق بل قد نقول: إنها ترى أنواع ما ترى وتسمع وتذوق وتشم وتلمس، قد نقول أيضا قوة مبصرة وسامعه وشامة وذواقة ولامسة.
وكذلك كان يقول أفلاطن فى القوة الشهوانية التى للنفس، وكانت عادته أن يستعمل هذا الاسم أحيانا على جهة العموم لاعلى جهة الخصوص. وقد كان يقول: إن لهذه النفس شهوات كثيرة ، وللنفس الغضبية شهوات كثيرة وأكثر من هاتين أنواع شهوات النفس الثالثة، وهى التى سماها بهذا السبب من جهة الغالب عليها شهوانية، وذلك لأن من عادة الناس أن يسموا أحيانا لبعض الاشياء الغالبة فى جنسها باسم الجنس كله كما اذا قلنا: ان هذا القول من قول الشاعرة وهذا من قول الشاعر، فهمنا أن الشاعر الذى عنى هو أوميرس وأن الشاعرة سافو. وكذلك يسمون السبع الأسد وأشياء كثيرة شبية يسمونها من جهة الغلبة.
Shafi 11